يقيمون الكثير من المآدب حين ينشدون اغاني الحب ويرقصون بصورة مفرطة. ويصل الحال ببعضهم في هذه الحلقات الى تمزيق ثيابه ، بتأثير هياج الأغنية التي تلقى أو بسبب الأفكار الجنونية التي قد تخطر بدماغ أناس فقدوا كل اتزان. ويقول هؤلاء الناس عندئذ أنهم تسخنوا بلهيب الوجد الإلهي. ومن وجهة نظري أعتقد أنهم تسخنوا من فرط الطعام ، لأن الواحد منهم يأكل ثلاثة أضعاف ما يكفي الشخص الواحد. أو أنهم عندما يطلقون صرخات مصحوبة بنحيب ، وهذا ما يبدو محتملا جدا ، فذاك للحب الذي يحملونه لبعض الفتية المرد. وليس من النادر أن يدعو أحد الأشراف إلى حفلة عرسه أحد الأساتذة من أولئك الصوفيين البارزين مع سائر تلامذته. وعندما يصلون إلى مكان الوليمة يبدأون بإلقاء الأدعية وغناء الألحان. وبعد الفراغ من الطعام يأخذ كبار السن منهم بتمزيق ثيابهم ، وإذا اندفع واحد من هؤلاء الرجال المتقدمين بالسن إلى الرقص ، فإنه يترنح ، وسرعان ما يعيده لوقفته أحد الصوفيين الصغار الذي غالبا ما يمنحه قبلة شهوانية. ومن هذا جاء المثل السائر على كل أفواه أهل فاس : «هذا مثل وليمة النساك ، التي حولتنا من عشرين إلى عشرة» ، ومعنى ذلك ، أن كل تلميذ صغير يعرف ما ينتظره ، في الليلة التي تعقب هذا الاحتفال. (فيستحيل هو وشيخه إلى جسم واحد ، ويصبح العشرون عشرة).
ويسمى هؤلاء الصوفيون أحيانا النساك ؛ إذ ليس من عادتهم التزوج بالنساء ، ولا العمل ، ولا ممارسة أية مهنة كانت ، بل يعيشون كيفما اتفق وحسب الظروف.
وترد في شرح مقامات الحريري (١٨٨) حوالي ألف فريدة في هذا الموضوع ، ومن غير اللائق ذكرها هنا لأسباب متعددة.
مختلف الطرائق والمذاهب الأخرى
سرعة تصديق الجمهور للأباطيل
هناك بين هذه المذاهب ما تعتبر قواعده ، لدى علماء الشريعة أو الصوفية ، مروقا لأنها لا تختلف عن المذاهب الأخرى من وجهة نظر الشريعة الدينية فحسب بل حتى من ناحية العقيدة كذلك.
__________________
(١٨٨) أبو محمد القاسم الحريري ، ولد في البصرة سنة ١٠٥٤ م وتوفي سنة ١١٢٢ م. وهو مؤلف المقامات الشهيرة باسمه.