فهو يتصل بالرسول من الناحيتين الأبوية والأموية معا. وذلك على خلاف هارون ، فإنه لا يتصل بالرسول محمد (صلّى الله عليه وسلّم) إلا من فرع واحد : فهو ينحدر من العباس عم محمد (صلّى الله عليه وسلّم). وعلينا أن نعرف أن هاتين الأسرتين كانتا محرومتين من السلطة لأسباب سبق أن عرضت في التواريخ القديمة. ولم تأت إلى هارون هذه السلطة إلا عن طريق الاغتصاب والخديعة. وذلك إن جد هارون ، وكان رجلا داهية ، وعلى مستوى عال من الذكاء ، تظاهر بأنه يؤيد أسرة عليّ كي يرفعها لسدة الخلافة. واستنادا إلى هذه الذريعة أرسل سفراء إلى العالم قاطبة. وهذا هو السبب الذي أدّى إلى ضياع الخلافة من بني أمية وإلى انتقالها إلى يدي أبي عبد الله السفاح (١٠١) وهو أول خليفة عباسي. وقد لاحظ هذا ، حقيقة ، أنه لن يستطيع ترك هذا المنصب للغير ، ودخل حالا في نزاع مع العلويين. وراح يضطهدهم علنا ، مما أدى لهرب أهم شخصيات هذه الأسرة. فمنهم من هرب إلى آسيا والبعض الآخر إلى الهند. وظل أحدهم في المدينة المنورة. ولما كان هذا رجلا فقيها لم يهتم به أبو عبد الله السفاح. ولكن نشأ اثنان من أبناء هذا الرجل وتزايدت مكانتهما مع تقدمهما في العمر والحظوة لدى المدنيين. وقد اضطر هذان البائسان إلى الهرب فى وقت كاد الخليفة يقبض عليهما فيه. وقد امكن توقيف احدهما ومات خنقا ، ولكن الثاني واسمه ادريس استطاع أن يفّر إلى موريتانيا (١٠٢). وحصل ادريس هذا على نفوذ كبير. فقد حاز ، في قليل من الوقت ، على السلطة الزمنية والسلطة الروحية معا بين سكان هذه البلاد (١٠٣). واستقر في جبل زرهون على مسافة ثلاثين ميلا (١٠٤) من فاس تقريبا ، وأصبحت موريتانيا ، برمتها ، تدفع له الضريبة. وقد توفي دون ولد (١٠٥) ، غير أنه ترك زوجته حاملا ، وكانت قوطية اعتنقت الدين الأسلامي. وقد انجبت هذه المرأة
__________________
(١٠١) أبو العباس عبد الله السفاح ، الذي حكم بين ٢٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٧٤٩ م إلى ٩ حزيران (يونية) ٧٥٤ م.
(١٠٢) لقد حدث هذا ، في الحقيقة ، في عصر خلافة موسى الهادي ، إذ ثار في المدينة أحد أحفاد الخليفة علي بن أبي طالب ، واسمه الحسين. غير أن القوات العباسية الحقت بالتمردين هزيمة دامية يوم السبت ١٠ حزيران (يونية) ٧٨٦ م في موقع فخ قرب مكة. ومات الحسين في هذه المعركة. وكان من بين العلويين الذين نجوا قريبه ادريس بن عبد الله الذي أفلح في اللجوء إلى مصر ، ومنها إلى طنجة. ويبدو ان رئيس قبيلة أورابة البربرية التي كانت تحتل جبل زرهون استدعاه بعد قليل فوصل إلى وليلة ، وسميت بعدئذ وليلى ، وهو اليوم مولاي ادريس ، وكان وصوله في بداية ربيع الاول عام ١٧٢ ه ، وبعد ٩ (أغسطس) ٧٨٨ م.
(١٠٣) وقد نودي به إماما وأميرا يوم الجمعة ٤ رمضان ١٧٢ ه / شباط (فبراير) ٧٨٩ م.
(١٠٤) ٥٠ كم.
(١٠٥) ٧٩١ م.