فيما يجيدونه من صنائعهم وتجارتهم ولما انفتح الباب في الأزمان المتأخرة شاركوا المسلمين في الوظائف وسابقوهم فيما كان خاصا بهم لمد أيدي المساعدة لهم من الإفرنج ودولهم الأجنبيّة ، فاتسعت معارفهم الرياضيّة وأتقنت صنائعهم واتسعت تجارتهم وتقهقر المسلمون لوقوفهم فيما كانوا عليه بل لانحطاط درجة المعارف لديهم وإعراضهم عن الصنائع وغيرها من أوجه التكسب لانحصار الآمال في مجرد التوظف في الدولة ، ولهذا ترى البلاد ممتلأة بالقهاوي وبالقرائتخانات التي هي قهاوي نظيفة ينتابها الوجهاء من الناس ، فلذلك صارت الديار الحسنة قليلة في هاته البلد العظيمة التي يتجاوز سكانها المليون وربع وإذا ضممت القرى التابعة لها في جوارها مثل بيوك آطه أي الجزيرة الكبيرة وغيرها من بقية الخليج يكون مجموع سكانها مليون ونصف على ما يقال ، حتى أنها كانت هي أعظم البلاد المعروفة وسميت بالقسطنطينية العظمى.
والحاصل : أن طرقها الآن التي لها نوع من الحسن هي طريق يبتدىء من بطحاء في وسط استانبول تسمى بميدان السلطان أحمد وفي وسطها مسلة من المسلات المصريّة متناغية في الهواء فيمر الطريق على الباب العالي ثم على القنطرة الموصلة الى غلطه ثم يمر منها الى الطوبخانة على سمت نحو المستقيم ، وهكذا يمتد على ذلك النحو إلى قبطاش وبشكطاش وأورطه كوى ثم قوري شيشيمه ثم أرنؤوط كوى ، ثم إلى ببك ثم إلى روم إيلي حصار ثم إلى يني محله ثم إلى طرابيا ثم إلى بيوك دره ثم إلى نهاية الخليج المسمى بروم أيلي قواغي جهة البحر الأسود ، والأماكن التي تقدمت أسماؤها كلها حارات مثل البلدان متصل بعضها ببعض ممتدة على طول الخليج ، وإنما كان هذا الطريق محسنا لأن أغلب أماكنه بها بناآت للدولة أو للسلاطين أو أبنائهم أو بناتهم أو وزرائهم أو أمرائهم أو لسفراء الدول الأجنبيّة أو للأغنياء من الإفرنج والنصارى أتباع الدولة ، مع كون شركة إفرنجية قد جعلت بذلك الطريق عجلات الترامواي برخصة من الدولة على شرط تحسينها للطريق وتوسعتها له حتى لا يعارض مروره العجلات الأخر ، وهكذا يمتد هذا الطريق أيضا بفرع آخر من البطحاء المذكورة ويمر على بطحاء السلطان بايزيد ثم على آق سراي ، ويمتد هكذا مستطيلا على نحو استقامة إلى أن يصل إلى آخر استانبول في باب أدرنه ويوجد طريق آخر على ذلك النحو يبتدي من غلطه أمام القنطرة ويصعد في جبلها ويمر في بايوغلي التي هي حارة السفراء في الشتاء ، وأما في المصيف فإنهم يسكنون في الخليج ومثلهم بقيّة الأعيان ، وحسن طريق بايوغلي فائق على الكل لمزيد التحسين في الديار الحافة بجانبيه وقد أحدثت طرق أخرى كثيرة على النوع المتعارف في أوروبا في جهات سراية يلدز ونيشان طاش إلى أن تتصل بطريب بايوغلي ، لكن هاته الطرق لم تنتظم الديار التي على حافتيها فأغلبها خال عن البناء بالمرة ، ويمكن أن يقال : إن البناآت الحسنة الموجودة في هاته البلاد تكاد أصحابها أن لا يخرجون عن الأصناف الذين ذكرناهم ، وهذه البناآت قديمها كله من أخشاب ذو طبقتين أو ثلاث نادرا ، وجديدها من بناء أغلبه بالطوب المطبوخ الأحمر أو