وآله الصلاة والسلام ، وكذلك المغيبات المستقبلة كغلب الروم من الفرس وعود الكرة لهم وانتصار المؤمنين وعزتهم وامتلاكهم مشارق الأرض ومغاربها ممّا جاء كله على نحو ما قال ، وهكذا إجابة دعواته وغير ذلك من المعجزات وأعظم بمعجزة انشقاق القمر التي بينّا ثبوتها القطعي في الكلام على مصر ، وفوق ذلك كله معجزة القرآن الذي هو من جنس كلامهم ومن النوع الذي فيه مجال تفاخرهم واعتنائهم ، فإذا هو يوميّا يقصص عليهم القصص ويقيم البراهين على الإيمان ويوعظ ويرغب ويرهب بأساليب شتى ويدعوهم إلى المعارضة بإتيانهم بمثله وينادي عليهم بالتعجيز مما يزيد في حماستهم في المعارضة ، ولم يتفوه واحد منهم بشيء حتى لجأوا إلى أنه سحر وغير ذلك من أعذار المعاندين العاجزين ، كقولهم : إنه تعاليم نسطور الرومي ، ممّا رده عليهم القرآن الكريم حيث قال : ([وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ] لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل : ١٠٣] الآية فقد أخطأوا وافتروا ولم يفقهوا أن مناط المعجزة هو اللسان العربي وهو محل مناداتهم إلى المعارضة وذلك لا يتأتى فيه قولهم ، لأن لسان من زعموه عجمي وليس هو موضوع التعجيز وهذا كاف في دحض أصل الدعوى من كون نسطور لم تكن بينه وبين النبي صلىاللهعليهوسلم علقة ولا مواصلة ، وغاية الأمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد رآه إثنان من الرهبان قبل النبوّة وآمنا به حتى عدهم البعض من الصحابة على قول من يرى الصحبة تثبت بالرؤية مع الإيمان ولو قبل البعثة.
وهذان الراهبان : أولهما : يسمى بحيرا أو جرجيس رآه صلىاللهعليهوسلم عند أول سفرة له صلىاللهعليهوسلم مع عمه أبو طالب إلى الشام وهو ابن إثنتي عشر سنة وكان الراهب في صومعة له ينزل حولها الركبان ، فلما رأى النبي صلىاللهعليهوسلم ورأى بعض العلامات التي استدل عليه بها قرب من النبي صلىاللهعليهوسلم وتفحص جسمه فرأى الخاتم وتعرف أخباره من رفقائه ، ثم تلطف إلى عمه حتى رجعه إلى بلده خوفا عليه من اليهود وأخبر عمه ورفقاءه بما يكون له من الشأن والأمر.
وثاني الراهبين : هو نسطور الراهب رآه أيضا قبل البعثة وعند سفره للتجارة إلى الشام ومعه ميسرة غلام خديجة زوجته ، فلما رآه من الصومعة أيضا تعرّف خبره من الرفقاء وأخبرهم بما يكون له من الشأن أيضا ولا يعلم ولا ينقل عن أحد لا في الثقات ولا في الموضوعات أنه اجتمع بغيرهما في غير ذلك الموطنين ، إلّا ما روي بضعف من أنه صلىاللهعليهوسلم سافر وهو ابن عشرين سنة إلى تجارة أيضا بالشام في صحبته أبو بكر الصديق رضياللهعنه وإن نسطور اجتمع به إذ ذاك أيضا وحذره ورغبه في الرجوع عن الشام خوفا عليه من الروم فأرسل معه أبو بكر رضياللهعنه غلامه مصاحبا في الرجوع ، وهاته الرواية على ما فيها من الضعف ليس فيها شيء زائد عما في الروايتين السابقتين بالنسبة لأمر الراهبين ، فيا ليت شعري من أين افترى بعض المتمشدقين من الإفرنج المدعين معرفة التواريخ بأن النبي صلىاللهعليهوسلم كانت له مودة مع ذلك الراهب وهو بحيرا وينصحه بالنصائح ، وقد علمت ممّا مرّ سابقا ما يشترط في حالة تواريخ ذلك العصر.