الجواب : تحل ذبيحة الكتابي لأن من شرطها كون الذابح صاحب ملة التوحيد حقيقة كالمسلم أو دعوى كالكتابي ولأنه مؤمن بكتاب من كتب الله تعالى ، وتحل مناكحته ، فصار كالمسلم في ذلك ولا فرق في الكتابي بين أن يكون ذميا يهوديا أو نصرانيا أو حربيا أو عربيا أو تغلبيا لإطلاق قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة : ٥]. والمراد بطعامهم مذكاهم قال البخاري رحمهالله في صحيحه قال ابن عباس رضياللهعنهما : طعامهم ذبائحهم (١) ، ولأن مطلق الطعام غير المذكى يحل من أي كافر كان بالإجماع فوجب تخصيصه بالمذكى ، وهذا إذا لم يسمع من الكتابي أنه سمى غير الله تعالى كالمسيح والعزير ، وأما لو سمع فلا تحل ذبيحته لقوله تعالى (وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ) [البقرة : ١٧٣] وهو كالمسلم في ذلك وهل يشترط في اليهودي أن يكون إسرائيليا وفي النصراني أن لا يعتقد أن المسيح إليه ، مقتضى إطلاق الهداية وغيرها عدم الإشتراط ، وبه أفتى الجد في الإسرائيلي ، وشرط في المستصفى (٢) لحل مناكحتهم عدم اعتقاد النصراني ذلك ، وكذا في المبسوط (٣) فإنه قال : ويجب أن لا يأكلوا ذبايح أهل الكتاب إن اعتقدوا أن المسيح إله أو أن عزيرا إله ولا يتزوجوا نساءهم ، لكن في مبسوط شمس الأئمة : وتحل ذبيحة النصراني مطلقا سواء قال ثالث ثلاثة أو لا ، ومقتضى الدلائل وإطلاق الآية الجواز كما ذكره التمرتاشي (٤) في فتاواه ، والأولى أن لا يأكل ذبيحتهم ولا يتزوج منهم إلا لضرورة كما حققه الكمال ، قال العلامة قاسم في رسائله قال الإمام : من دان دين اليهود والنصارى من الصابئة والسامرة أكل ذبيحته وحل نساؤه.
وقد حكي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه كتب إليه فيهم أو في أحدهم فكتب مثل ما قلنا ، فإذا كانوا يعترفون باليهودية والنصرانية ، فقد علمنا أن النصارى فرق فلا يجوز إذا جمعت النصرانية بينهم أن نزعم أن بعضهم تحل ذبيحته ونساؤه وبعضهم يحرم إلا بخبر ملزم ولا نعلم في هذا خبرا فمن جمعته اليهودية والنصرانية فحكمه حكم واحد اه. وعلى هذا النحو ما ذكر في الهندية (٥) وغيرها والسند للفقهاء في هذا الحكم وهو قوله تعالى : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة : ٥] والذي رأيته في الكشاف (٦)
__________________
(١) انظر صحيح البخاري كتاب الذبائح والصيد باب (٢٢).
(٢) هو كتاب للإمام أبي حامد الغزالي انظر كشف الظنون ٢ / ١٦٧٣.
(٣) المبسوط هو اسم لعدة كتب منها : المبسوط في فروع الحنفية لأبي يوسف ، والمبسوط في فروع الشافعية لأبي عاصم والمبسوط في الفقه المالكي للورغمي التونسي ، والمبسوط في الفروع لأبي جعفر الطوسي. انظر كشف الظنون ٢ / ١٥٨١.
(٤) هو محمد بن عبد بن أحمد الخطيب العمري التمرتاشي الغزي الحنفي شمس الدين (٩٣٩ ـ ١٠٠٤ ه) شيخ الحنفية في عصره من أهل غزة مولده ووفاته فيها الأعلام ٦ / ٢٣٩.
(٥) انظر الفتاوى الهندية ٥ / ٢٨٥ وما بعدها.
(٦) وهو كتاب كشاف القناع عن الإقناع للبهوتي الحنبلي. معجم المطبوعات (٥٩٩).