تقطعي الصدقة ، فإنّ قليل الخير عند الله كثير.
قال : فانتبهت فرحا ، قد أذهب الله تعالى الغمّ عني ، قال : وصرت إلى والدته فأخبرتها بما رأيت ، فسرّت بذلك وآلت (١) على نفسها أنها تتصدق عنه في كلّ يوم.
قال : قلت : يا صالح قد وعدني مواليك هؤلاء أن يدخلوني (٢) على مولاك. قال لي : هيهات ما أطمع لك في ذلك لأنه كبير قد أتى عليه عشرون ومائة سنة ، قد احتجب عن الناس منذ عشر سنين ، قال : قلت : قد وعدوني أن يكلّموا لي ابنه الأصغر ، فقال لي : نعم ، ليس في أولاده أصبح وجها منه ، ولا أرقّ قلبا ، ولا أرحم بالغريب ، وإنّ للشيخ من صلبه سبعين ذكرا.
قال : فصليت العصر وخرجت وخرج صالح ، فسلّمت فردّوا عليّ السّلام ، ثم التفتوا إلى أخيهم الأصغر فقالوا : يا أبا الطّيّب ، إنّا نعرضك إلى الأجر ، وهذا الرجل مقيم معنا في بلدنا منذ أربع حجج ، وقد سألنا أن ندخله إلى والدنا لينظر إليه نظرة ؛ لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «طوبى لمن رآني ورأى من رآني» [٨٣٢٠] قال : نعم وكرامة ، فنهض ودقّ الباب ، فلما دقّ باب القصر خرج خادم ففتح باب القصر ، فلما فتح الباب شممت منه رائحة المسك والزعفران والياسمين ، فسألت الله تعالى الجنة ، قال : ثم دخلنا من قصر إلى قصر ومن نهر إلى نهر ، فإذا الشيخ متّكئ على فرش مشيّدة ، ووجهه كالقمر ليلة البدر ، قال : فقلت : هذا والله وجه من وجوه أهل الجنة ، فجاء حتى وقف ابنه بين يديه فقال : السّلام عليك يا أبة ورحمة الله وبركاته ، فقال : وعليك السّلام ورحمة الله وبركاته ، رضي الله عنك وعن والديك وما ولدا ، وعن جميع المسلمين.
قال : فقلت في نفسي : والله لا فاتني كلام ولي الله ، قال : فقلت : السّلام عليك ورحمة الله وبركاته ، قال : فردّ عليّ السّلام واحمرّ وجهه ، قال : ثم التفت إلى ابنه الأصغر فقال له : يا أبا الطّيّب من هذا الذي أدخلته عليّ من غير إذن؟ قال : فاحتجّ الفتى عني وأحسن ، وقال : يا أبة هذا شيخ من أهل الشام مقيم معنا في بلدنا منذ أربع حجج ، وقد سألنا أن ندخله عليك لينظر إليك نظرة ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «طوبى لمن رآني ، ومن رأى من رآني» ، وأنت يا أبة قد رأيت من رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وخدمه.
قال : لا بأس ، وطابت نفسه ، ثم التفت وقال لي : يا شامي ، من أي الشام أنت؟ قال :
__________________
(١) بالأصل وم : فآلت.
(٢) الأصل وم : يدخلوا.