فكتبت بها علما كثيرا فقال لي رجل : منذ كم تكتب معنا الحديث؟ لقد كتبت علما كثيرا ، ولقد فاتك كلام رجل والنظر إليه ، قد لقي أنس بن مالك خادم رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال : قلت : وأين مسكنه؟ قال : في رحبة اليهود بالبصرة ، قال : فانطلقت حتى أتيت قصره ، فإذا أنا بقصر مشيد ، له باب من حديد ، وعلى باب القصر مشايخ ما رأيت ـ والله ـ أجمل منهم ، ولا أكمل جمالا ، فلما رأيتهم هالني أمرهم ، فقدمت فسلّمت ، فردّوا علي السّلام ، ورحبوا وقربوا وأدنوا ، ثم قالوا : هل لك من حاجة؟ قال : قلت : نعم ، أنا شيخ من أهل الشام ، خرجت إلى بلدكم هذا في طلب العلم ، وأنا مقيم فيه من أربع حجج ، وقد بلغني عن والدكم أنه لقي أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «طوبى لمن رآني ، ومن رأى من رآني» [٨٣١٨] ، وأبوكم قد رأى من رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالوا لي : نعم وكرامة ، إنّا ندخل عليه في كل غداة فنسلم (١) ولا ندخل إلّا من غد ، ولنا أخ هو أصغر منا سنا ، يكنى بأبي الطّيّب ، فنسأله يدخلك معه عليه ، على أنا نشرط عليك أن لا تتكلم ، تنظر إليه وهو لا ينظر إليك ، قال : فدعوت لهم ، فقالوا لي : أدخل إلى هذا المسجد ، فإذا صلّيت العصر ، فصر إلينا نسأله يدخلك.
قال : فنهضت ، فلما دخلت من باب المسجد شممت رائحة المسك ، وإنّ المسجد قد وزر بالخلوق والمسك والعنبر ، فسلّمت وصلّيت ركعتين ، وسألت الله عزوجل أن يسهّل لي النظر إلى وجه وليّه ، فلما فرغت من الدعاء فإذا بشيخ طويل القامة ، عظيم الهامة ، عليه جبّة صوف ، مقطوع الكمين ، مشدود وسطه بحبل من ليف ، على عاتقه مرّ ومجرفة وزنبيل (٢) ، فوضع المر [و](٣) المجرفة والزنبيل في زاوية المسجد ، ثم سلّم وكبّر وصلّى ركعة واحدة فقط ، قال : قلت : سبحان الله ، لعلّه قدسها ، فقال لي مجيبا : وبحمده ، قال : فقلت : رحمك الله ، إنّك لم تصلّ إلّا ركعة ، فقال : ركعة واحدة تجزئ تحية المسجد ، إنما هي تطوّع ، ليس هي فرض.
قال : قلت : رحمك الله ، من حدّثك أنّ ركعة تجزئ تحية المسجد؟ قال : مولاي صاحب هذا القصر.
قال : قلت : ومملوك أنت؟ قال : كنت مملوكا ، ولكن أعتق الله رقبتي منذ خمسين سنة
__________________
(١) بالأصل : «فنسلمه أو لا تدخل» والتصويب عن م والمختصر.
(٢) مكانها في المختصر : «ورسل» تصحيف ، وفي م كالأصل.
(٣) الزيادة عن م ، اقتضاها السياق.