أغرب هذا القائل في تفطنه لما فيه إيهام أو توجيه مع الهجو بلطف وخفاء لأن قوله افتح العين يحتمل افتح عينك ترى المولى أي من هو أولى وأحق أن يقع ذلك في لحيته وهو العدل أي الشاهد ويحتمل افتح عين لفظ العدل لتصيب صاحب ما ذكرت ، فإن كان المعنى المراد خفيا فإيهام وإلا فتوجيه ، وهو أقرب في هذا المثال لصلاحيتهما معا ومن هذا المعنى أيضا أعني مما فيه تورية أو توجيه في مادة فتح العين ما وقع للشارح في قصيدة له وهو قوله في مدح ملك من الملوك :
علا فأصبح يدعوه الورى ملكا |
وريثما فتحوا عينا غدا ملكا (١) |
فقوله : فتحوا عينا يحتمل أن يراد فتحوا عين لفظ ملكا ـ أي : وسطه ـ فغدا بسبب الفتح ملكا فيكون معناه كذلك ، ويحتمل أن يراد فتحوا أعينهم فيه ونظروا إليه فوجدوه قد تبدل وصار ملكا ، فيتجه فيه التوجيه أو التورية على ما تقدم والريث مصدر راث إذا أبطأ يستعمل كثيرا بمعنى الزمان لإشعار البطء بالزمان ، ويضاف للجمل نائبا عن الزمان فيقال اجلس ريث أنا أكلمك بكلمتين أي : اجلس زمانا مقداره ما أكلمك فيه قيل ودخول ما فيه تكفه عن الإضافة إلى الجمل وفيه نظر والتقدير هنا أنه غدا ملكا في الزمان الذي مقداره ما يفتحون فيه العين ومما يناسب ما ذكره لكونه فيه الإشارة بضم العين إلى معنى خفي ولو لم تكن الإشارة باللفظ ولا فيه تورية ولا توجيه ما ذكره الشارح عن بعض أصحابه وهو أنه أتاه بكتاب فقال له أعني الشارح لمن هو فقال ذاك الآتي وهو من قوم يميلون في لهجتهم وكلامهم بالضم نحو الفتح هو يعني الكتاب لمولانا عمر بفتح العين يعني عمر بضمها ولعله أراد بعمر غير الفاروق كتب له كتابا إلى سائله فلما قال ذلك ضحك الحاضرون فنظر القائل إلى سائله كالمعترف بوجه سبب ضحكهم إلا أنه خفى عنه كالمسترشد لطريق الصواب أي كالطالب لما ينفي عنه سبب ضحكهم ومعلوم أن نفي السبب بعد إدراكه ، فأشار له السائل بضم عينه حسا ففهم الناظر أن سبب الضحك فتحه لعين عمر وأنه ينبغي له ضم عينه فاستظرف ذلك الحاضرون أي اعترفوا بظرافة المشير وفهم المشار له.
__________________
(١) البيت للمتنبى فى الإشارات ص (٢٧٩) ، والتبيان (٢ / ٤٥٦).