ذكرهما مع دخولهما بحسب الظاهر فيما قبلهما ؛ ليبين شأن الاستعارة مع خصوص ما يقابلها ؛ لعظم شأنها وكون أبلغيتها مخالفة لأبلغية غيرها ، وذلك أن الانتقال في المجاز المرسل واضح والأبلغية فيه ليست إلا من جهة تقرير المراد في الذهن ؛ لإشعار الملزوم باللازم وسوق القرينة إلى خصوصه ، فكأنه قرر مرتين.
وأما في الكناية فعند قصد اللازم فقط فأمر الانتقال فيها أيضا واضح ، وعند قصدهما فالمقصود بالذات فيها هو اللازم وبه سميت كناية ، وقد تضمنت طلبه بالقرينة فيحصل بذلك التمكن الذي هو كالإثبات مرتين وبالدليل ، وليس فيها أيضا أبلغية إلا بهذا الاعتبار.
وأما الاستعارة ففيها أيضا الانتقال فإذا قلت : رأيت أسدا في الحمام فأول ما يخطر معنى الأسدية الحقيقة والقرينة تصرف عن إرادته ، فيطلب الذهن المراد للقرينة الصارفة عن الأصل فيفهم بمعونة اللوازم ، وذلك المفهوم هو الشجاع الذي هو لازمه ، فيتقرر في الذهن لكونه بعد الطلب ، ولكون الملزوم من شأنه أن يشعر به ، والقرينة أوضحته بواسطة اللزوم ، وقد عرفت أن المراد باللزوم هنا ما يصح معه الانتقال ولو بعرف أو قرينة خارجة ، فكأنه ثبت مرتين كالدعوى مع الدليل ، وإن شئت قررت التشبيه كما تقدم بين المدعى مع الدليل وبين هذه الأشياء ، فإن في كل منهما انتقالا من ملزوم للازم ؛ فيتخيل أن في هذه الأشياء الدعوى والدليل ، ويتأكد ثبوت معنى كل منها وهو قريب من الأول وأخصر ، فقد ظهر اشتراك الثلاثة في هذا المعنى.
وتزيد الاستعارة بأن السامع لما سمع لفظ الأسد مثلا ، وانتقل بالقرينة إلى اللازم الذي هو الرجل الشجاع ـ على ما حررناه فيما تقدم ـ واستشعر أنه عبر باسم الأسد عن هذا الرجل للمشابهة ؛ لأن العلاقة قد فهمت وأنها المشابهة فيستشعر من ذلك أنه بالغ في التشبيه حتى سوى بينهما وصيرهما من جنس واحد ، بحيث يشملهما الاسم على ما تقدم في الاستعارة ، ففهم من ذلك مساواتهما عند المتكلم في الشجاعة الجامعة لهما ، فهنا مبالغة في التسوية أفادها التعبير عن المشبه بلفظ المشبه به ؛ لأن ذلك يشعر باتحادهما وكونهما شيئا واحدا ، وهذه المبالغة لا توجد في الحقيقة التي هي التشبيه كأن يقال : زيد