المسلم من لا يؤذي كناية عن كون المؤذي في الجملة ليس بمسلم ، ولم يقصد تعريض بمعين ، ولكن المراد التفريق بينه وبين الكناية مع عموم العلة ـ أي : علة التسمية لهما ـ وأن هذا هو الذي يحمل عليه الكلام ، وأنه هو المعتبر حتى سمى ، ثم المتبادر من ظاهر العبارة أن المعنى المعرض به وهو المدعي في تسمية الكناية تعريضا هو المكنى عنه ، فعلى هذا يكون التعريض في باب الكناية هو أن يكنى عن معنى غير مذكور موصوفه ، ويظهر مما يأتي في قوله : والتعريض قد يكون مجازا أن التعريض في باب المجاز هو أن يعبر عن اللازم بالملزوم ، فعلى هذا يكون تفصيل التعريض إلى المجاز والكناية أن المعنى المعرض به إن صح أن يراد مع الأصل كان كناية ، وإن لم يصح إلا إرادته كان مجازا فيكون مفهوم التعريض أخص من مفهوم الكناية والمجاز.
والتحقيق أن التعريض ليس من مفهوم الحقيقة فقط ولا من المجاز ولا من الكناية ؛ لأن الحقيقة هي اللفظ المستعمل في معناه الأصلي ، والمجاز هو المستعمل في لازم معناه فقط ، والكناية هو المستعمل في اللازم مع جواز إرادة الأصل ، والتعريض أن يفهم من اللفظ معنى بالسياق والقرائن من غير أن يقصد استعمال اللفظ فيه أصلا ، ولذلك يكون لفظ التعريض حقيقة تارة كما إذا قيل : لست أتكلم أنا بسوء فيمقتني الناس ، وأريد إفهام أن فلانا ممقوت ؛ لأنه كان تكلم بسوء فالكلام حقيقة ، ولما سبق عند وجود فلان متكلما بسوء كان فيه تعريض بمقته ، ولكن فهم هذا المعنى بالسياق لا بالوضع ، ويكون مجازا تارة كما إذا قيل : رأيت أسودا في الحمام غير كاشفي العورة فما مقتوا ولا عيب عليهم تعريضا بمن حضر منهم أنه كشف العورة في الحمام فمقت وعيب عليه فقد فهم المقصود ، لكن بالسياق من المعنى المجازي ، ويكون كناية تارة كما إذا قلت : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده كناية عن كون من لم يسلم المسلمون من لسانه غير مسلم ، ويفهم منه بطريق التعريض الذي هو الإفهام بالسياق أن فلانا المعين ليس بمسلم ، فما ذكر على هذا من أن الكناية تكون تعريضا معناه أن اللفظ قد يستعمل في معنى مكنى عنه ليلوح بمعنى آخر بالقرائن والسياق كما في هذا ، فإن حصر الإسلام فيمن لا يؤذي من لازمه انتفاؤه عن مطلق المؤذي ، فإذا استعمل هذا