فما أفادني إياه الكريم المنان سيعود بلا شك على الطلاب والإخوان وأكون قد أحييت علما ـ لا أقول : قد اندثر ، ولكن أفاد منه سائر البشر (١).
وبعد فإن مفتاح العلوم للسكاكي كتاب سارت به الركبان في مشارق الأرض ومغاربها ، ولا يزال إلى يومنا هذا عمدة الدارسين في البلاغة العربية ، يعدونه نهاية المطاف ، وغاية السالك.
وعلى الرغم مما وجه إلى الكتاب من نقد لاذع وشديد في كثير من الأحيان فإنه على الرغم من ذلك قد أثنى عليه الجميع بما في ذلك ناقدوه أنفسهم ، الذين حموا أنفسهم من تهمة الجور والإجحاف ، بالاعتراف بقيمة هذا الكتاب التي تجلّت في لمّ شعث فنون الأدب لا سيما علوم البلاغة ، التي كان للسكاكي أعظم الدور في لم شعثها ، وجمع ما تفرق من أبحاثها (٢).
فمهما قيل وسيقال عن هذا الكتاب فسوف يظل مرجعا مهمّا لا يستهان به في تراثنا البلاغي ؛ لأنه وحده يمثل حلقة من حلقات هذا التراث وشمسا من شموسه ، دارت حوله كوكبة من مؤلفات عصره والعصور التي تليه.
ونحن حينما نقوم بإعادة طبعه وتحقيقه والعناية به ، فليس ذلك معبرا عن استحسان منهج السكاكي أو محاولة فرضه على العصر الحديث ، بقدر ما هي محاولة لإنصاف هذا الكتاب الذي تعجبت كثيرا لعدم الاعتناء به من جهة التحقيق ، وإبرازه في الثوب اللائق به ـ إلى يومنا هذا ـ مع كونه مرجعا لكل دارس للبلاغة ، إن لم يكن مرجعا لكل دارس للغة العربية.
هذا ولم آل جهدا في ضبط نصّه وتحقيق ألفاظه ، ومراجعة نسخه المطبوعة والمخطوطة ، وتخريج شواهده ، وبيان غريبه ، وشرح مشكله ما أمكن ذلك.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر لإخوة كرام شاركوا في مقابلة متن الكتاب وتصحيح تجاربه ، أخص منهم الأخ الحبيب / حسين محمد حسين ، سائلا المولى أن يجزل المثوبة للجميع.
__________________
(١) هذه مقدمة حاولت أن أتابع فيها أسلوب العصر الذي كتب به الكتاب ، جريا على سنة المصنفين في ذلك العصر من إظهار البراعة في استهلال كل علم بما يناسبه من ألفاظه ومصطلحاته ، ثم تركت هذه الطريقة في باقي المقدمة والدراسة ، إيثارا للسهولة والإيجاز.
(٢) سوف نورد قريبا ضمن الدراسة التالية عن السكاكي وكتابه بعض أقوال هؤلاء الأفاضل الذين أطلقوا ألسنتهم بنقد كتابه والثناء عليه في آن واحد.