يفسر الحمل بمنع الأمانة والغدر ، وأريد التفسير الثاني ، وهو تحمل التكليف ؛ كان أصل الكلام : وحملها الإنسان ، ثم خاس (١) به ، منبها عليه بقوله : (إنه كان ظلوما جهولا) ، الذي هو توبيخ للإنسان على ما هو عليه من الظلم والجهل في الغالب ، وقوله : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً)(٢) تتمته : ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذفت لدلالة : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(٣) أو تتمته : كمن هداه الله ، فحذفت لدلالة : (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ)(٤) وقول العرب : جاء بعد اللتيا والتي ، بترك صلة الموصول ؛ إيثار للإيجاز ؛ تنبيها على أن المشار إليها : باللتيا والتي ، وهي : المحنة والشدائد ، بلغت من شدتها وفظاعة شأنها مبلغا يبهت الواصف معها ، حتى لا يحير ببنت شفة.
ومن الإيجاز قوله عز قائلا : (قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ)(٥) أي : بما لا ثبوت له ، ولا علم الله متعلق به ، نفيا للملزوم ، وهو المنبأ به بنفي لازمه ، وهو وجوب كونه معلوما للعالم الذات ، لو كان له ثبوت بأي اعتبار كان ، وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ)(٦) أصله : لن يتوبوا ، فلن يكون قبول توبة ، فأوثر الإيجاز ؛ ذهابا إلى انتفاء الملزوم بانتفاء اللازم ، وهو قبول التوبة الواجب في حكمته ، تعالى وتقدس ، وقوله : (بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً)(٧) أي : شركاء لا ثبوت لها أصلا ، ولا أنزل الله بإشراكها حجة ، أي تلك ، وإنزال الحجة كلاهما منتف في أسلوب قوله (٨) :
__________________
(١) خاس به : نقضه.
(٢) سورة فاطر ، الآية ٨.
(٤) سورة آل عمران الآية ٩٠.
(٤) سورة آل عمران الآية ٩٠.
(٣) سورة يونس الآية ١٨.
(٤) سورة آل عمران الآية ٩٠.
(٥) سورة آل عمران ، الآية ١٥١.
(٦) أورده القزوينى في الإيضاح ص (٢٨٩) وعزاه لامرئ القيس وذكر بقيه البيت [إذا ساقه العود النباطى جرجرا] ، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص (٧٥) واللّاحب : الطريق الواضح.