و (تحسن) ، إلى استحضار صورة المجرمين ناكسي الرءوس ، قائلين لما يقولون ، وصورة الظالمين موقوفين عند ربهم متقاولين بتلك المقالات ، واستحضار صورة ودادة الكافرين لو أسلموا ، واستحضار صورة منع الإحسان ، كما في قوله : (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(١) إذ قال : (فتثير) استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الربانية ، من إثارة السحاب مسخرا بين السماء والأرض ، متكونا في المرأى تارة عن قزع ، وكأنها قطع قطن مندوف (٢) ، ثم تتضام متقلبة بين أطوار حتى يعدن ركاما ، وإنه طريق للبلغاء لا يعدلون عنه ، إذا اقتضى المقام سلوكه ، أو ما ترى تأبط شرّا في قوله (٣) :
بأني قد لقيت الغول تهوى ... |
|
بسهب كالصحيفة صحصحان |
فأضربها ، بلا دهش فخرّت ... |
|
صريعا لليدين وللجران |
كيف سلك في : (فأضربها بلا دهش) ، قصدا إلى أن يصور لقومه الحالة التي تشجع فيها بضرب الغول ، كأنه يبصرهم إياها ، ويطلعهم على كنهها ، ويتطلب منهم
__________________
(١) سورة فاطر الآية ٩.
(٢) مندوف : ندف القطن يندفه ندفا : ضربه بالمندف.
(٣) أورده بدر الدين بن مالك في المصباح (٥٧) وعزاه ل تأبط شرّا ، ومحمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص (٧١) وعزاه لتأبط شرّا وذكر تمام الأبيات : ـ
ألامن مبلغ فتيان فهم |
|
بما لاقيت عند رحا بطان |
بأنى قد لقيت الغول تهوى |
|
بسهب كالصّحيفة صحصحان |
فقلت لها كلانا نضو أرض |
|
أخو سفر فخلّى لى مكان |
فشدّت شدة نحوى فأهوت |
|
لها كفىّ بمصقول يمان |
فأضربها بلا دهش فخرت |
|
صريعا لليدين وللجران |
السّهب : الفلاة ، صحصحان : ليس بها شىء ولا شجر ولا قرار للماء.