انطلق رجل إلى موضع كذا ، والمنطلق ذو جد ، قال تعالى : (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى)(١) أي ليس الذكر الذي طلبت ، كالأنثى التي وهبت لها.
وإذا قلنا : المراد بتعريف الحقيقة هو الاستغراق ، لزم في اللام كونها موضوعة لغير التعريف ، إذا تأملت ، ولزم مع ذلك أن يكون الجمع بينها وبين لفظ المفرد جمعا بين المتنافيين ، وإن صير في الجمع بينهما إلى نحو الجمع بين المفرد وبين الواو والنون في نحو : المسلمون ، امتنع لوجوه كثيرة لا تخفى على متقني أنواع الأدب ، أدناها وجوب نحو : الرجل الطوال ، والفرس الدهم ، أو صحته لا أقل على الاطراد ، وكل ذلك على ما ترى فاسد ، والأقرب بناء على قول بعض أئمة أصول الفقه ، بأن اللام موضوعة لتعريف العهد لا غير ، هو أن يقال : المراد بتعريف الحقيقة أحد قسمي التعريف ، وهو تنزيلها منزلة المعهود بوجه من الوجوه الخطابية ، إما لأن ذلك الشيء محتاج إليه على طريق التحقيق ، فهو لذلك حاضر في الذهن ، فكأنه معهود ، أو على طريق التهكم ، وستعرف معنى هذا في علم البيان ، وإما لأنه عظيم الخطر ، معقود به الهمم على أحد الطريقين ، فيبني على ذلك أنه قلما ينسى ، فهو لذلك بمنزلة المعهود الحاضر.
وإما لأنه لا يغيب عن الحس على أحد الطريقين ، فيبنى على ذلك حضوره ، وينزل منزلة المعهود.
وإما لأنه جار على الألسن كثير الدور في الكلام على أحد الطريقين ، فيقام لذلك مقام المعهود.
وإما لأن أسبابا في شأنه متآخذة ، أو غير ذلك ، مما يجري مجرى هذه الاعتبارات ، فيقام الحقيقة لذلك مقام المعهود ، ويقصد إليها بلام التعريف.
ثم إن الحقيقة لكونها من حيث هي هي ، لا متعددة لتحققها مع التوحد ، ولا لا متعددة لتحققها مع التكثر ، وإن كانت لا تنفك في الوجود عن أحدهما ، صالحة للتوحد والتكثر ؛ فيكون الحكم استغراقا أو غير استغراق إلى مقتضى المقام ، فإذا كان
__________________
(١) سورة آل عمران ، الآية ٣٦.