الإنكار ، فيحوكون حبير الكلام لهما على منوال واحد ، كقولك لمن تصدى لمقاومة مكاوح (١) أمامه ، غير متدبر ، مغترا بما كذبته النفس من سهولة تأتيها له ، إن أمامك مكاوحا لك.
ومن هذا الأسلوب قوله (٢) :
جاء شقيق عارضا رمحه ... |
|
إنّ بني عمّك فيهم رماح |
ويقلبون هذه القضية مع المنكر إذا كان معه ما إذا تأمله ارتدع عن الإنكار ، فيقولون لمنكر الإسلام : الإسلام حق ، وقوله جل وعلا في حق القرآن : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٣) وكم من شقي مرتاب فيه ، وارد على ذا.
وهذا النوع ، أعني نفث الكلام لا على مقتضى الظاهر ، متى وقع عند النظار موقعه استهش الأنفس ، وأنق الأسماع ، وهز القرائح ، ونشّط الأذهان ، ولأمر ما تجد أرباب البلاغة ، وفرسان الطراد في ميدانها الرامية في حدق البيان ، يستكثرون من هذا الفن في محاوراتهم ، وأنه في علم البيان يسمى : بالكناية ، وله أنواع تقف عليها وعلى وجه حسنها بالتفصيل هناك ، بإذن الله تعالى.
وأن هذا الفن ، فن لا تلين عريكته ، ولا تنقاد قرونته بمجرد استقراء صور منه ، وتتبع مظان أخوات لها ، وإتعاب النفس بتكرارها ، واستيداع الخاطر حفظها وتحصيلها ، بل لا بد من ممارسات لها كثيرة ، ومراجعات فيها طويلة ، مع فضل إلهي من سلامة فطرة ، واستقامة طبيعة ، وشدة ذكاء ، وصفاء قريحة ، وعقل وافر.
__________________
(١) مكاوح : مقاتل.
(٢) البيت لحجل بن نضلة الباهلي وهو شاعر جاهلى ، دلائل الإعجاز للجرجاني ص ٣٠٤ ، ٣١٢ والمصباح (٦) والإيضاح للقزويني (١ / ٢٠).
وبعده : هل أحدث الدهر لنا ذلة أم هل رنت أم شقيق سلاح.
(٣) سورة البقرة ، الآية ٢.