إيجاد شيئين يكون أحدهما في طول الآخر بجعل واحد وإنشاء فارد. وأمّا على ما سلكناه من أنّ الانشاء ليس بمعنى إيجاد المعنى باللفظ ، إذ ليس اللفظ إلاّ وجوداً لنفسه والمعنى اعتبار نفساني لا يكون اللفظ موجداً له بل هو مبرز له ولا فرق بين الخبر والانشاء من هذه الجهة ، فكما أنّ الخبر مبرز لأمر نفساني فكذا الانشاء ، إنّما الفرق بينهما في المبرز ـ بالفتح ـ فانّ المبرز في الانشاء مجرد اعتبار نفساني ، وليس وراءه شيء ليتصف بالصدق والكذب ، وهذا بخلاف الجملة الخبرية ، فانّ المبرز بها هو قصد الحكاية عن شيء في الخارج ، فهنا شيء وراء القصد وهو المحكي عنه ، وباعتباره يكون الخبر محتملاً للصدق والكذب. وقد ذكرنا تفصيل ذلك في مقام الفرق بين الخبر والانشاء (١) ، فلا مانع من أن يبرز حكمين يكون أحدهما في طول الآخر بلفظ واحد ، بأن يعتبر أوّلاً الحكم الواقعي لموضوعه ، ثمّ يفرض الشك فيه فيعتبر الحكم الظاهري ، وبعد هذين الاعتبارين يبرز كليهما بلفظ واحد ، ولا يلزم منه محذور.
الاشكال الثاني : أنّه لا يمكن إرادة الحكم الواقعي والظاهري معاً ، نظراً إلى الغاية وهي قوله عليهالسلام : «حتى تعلم أنّه قذر» لأنّه إن كان المراد هو الحكم الواقعي ، يكون العلم المأخوذ في الغاية طريقياً كما ذكرناه في أوّل الاحتمالات ، فانّ الحكم الواقعي لا يرفع بالعلم ، ولا فرق فيه بين العالم والجاهل كما عليه أهل الحق خلافاً لأهل التصويب ، ولا يرتفع الحكم الواقعي في غير موارد النسخ إلاّبتبدل موضوعه بأن يلاقي الجسم الطاهر نجساً ، أو يرتدّ مسلم نعوذ بالله ، أو يصير ماء العنب خمراً مثلاً ، وإن كان المراد هو الحكم الظاهري يكون العلم المأخوذ في الغاية قيداً للموضوع وغاية له ، لأنّ موضوع الحكم
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٩٢.