لفظ كل في قولنا : أكرم كل عالم مثلاً ، لا يدل على شمول الحكم لجميع أفراد العالم إلاّبجريان مقدمات الحكمة في مدخوله ، فانّ كلمة «كل» إنّما تفيد شمول الحكم لجميع أفراد ما اريد من المدخول ، فإن كان المراد منه في المثال خصوص العالم العادل ، فلا يدل لفظ الكل إلاّعلى شمول الحكم لجميع أفراد العالم العادل ، وإن كان المراد منه هو العالم باطلاقه ، فيدل لفظ «كل» على ثبوت الحكم لجميع أفراد العالم مطلقاً.
ويرد عليه ما ذكرناه في ذلك البحث (١) من أن ألفاظ العموم بنفسها متكفلة لبيان شمول الحكم لجميع الأفراد بلا احتياج إلى جريان مقدمات الحكمة ، فان كلمة «كل» بوضعها تدل على سريان الحكم لجميع أفراد مدخولها ، فمفاد قولنا : أكرم كل عالم ، هو وجوب إكرام جميع أفراد العالم من العادل وغيره ، بلا احتياج إلى مقدمات الحكمة.
والمتحصّل مما ذكرناه : أنّ جميع الوجوه التي ذكروها لتقديم التخصيص على النسخ غير تام.
والصحيح في وجهه أمران :
الأوّل : أنّ الخاص المقدّم على العام على ما هو محل الكلام مانع عن انعقاد الظهور للعام من أوّل الأمر ، فيكون الخاص بياناً للمراد من العام بحسب فهم العرف ، فانّه إذا قال المولى : لا تكرم زيداً ثمّ قال : أكرم العلماء ، يكون قوله : لا تكرم زيداً قرينةً على المراد من قوله : أكرم العلماء ، ومانعاً من انعقاد ظهوره بالنسبة إلى زيد من أوّل الأمر ، وليس فيه إلاّتقديم البيان على وقت الحاجة
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ٤ : ٣٠٥ وما بعدها.