التعارض ، وأ نّه لا تنافي بينهما في التزاحم أصلاً ـ كمال الفرق بينهما ، فلا نحتاج إلى تأسيس أصل يكون مرجعاً عند الشك في التعارض والتزاحم. وكيف يمكن تأسيس الأصل للشك بينهما ، مع عدم الجامع بينهما أصلاً ، بأن يكونا داخلين في جامع فعلم بوجوده وشك في الخصوصية. وكان المحقق النائيني قدسسره يقول : إنّ القول بأنّ الأصل التعارض أو التزاحم أشبه شيء بأن يقال : إنّ الأصل في الأشياء الطهارة أو صحة بيع الفضولي (١).
ثمّ إنّ المحقق النائيني (٢) قدسسره ذكر قسماً آخر من التزاحم وسمّاه التزاحم من غير ناحية القدرة كما في القسم السابق ، ومثّل له بما لو كان المكلف مالكاً لخمس وعشرين من الإبل في ستة أشهر ، ثمّ ملك بعيراً آخر ، فمقتضى أدلة الزكاة هو وجوب خمس شياه عند انقضاء حول الخمس والعشرين ، ووجوب بنت مخاض عند انقضاء حول الست والعشرين ، ولكن قام الدليل على أنّ المال لا يزكى في عام واحد مرتين ، فيقع التزاحم بين الحكمين من جهة هذا الدليل الخارجي ، لا من جهة عدم قدرة المكلف على امتثالهما معاً ، فلا بدّ من سقوط ستة أشهر ، إمّا من حول الخمس والعشرين ، وإمّا من حول الست والعشرين ، إذ لولا السقوط يلزم تزكية المال في ظرف ستة أشهر مرتين ، وهي الستة الوسطى من ثمانية عشر شهراً ، لكونها منتهىً لنصاب الخمس والعشرين ، ومبدءاً لنصاب الست والعشرين ، فيلزم احتسابها مرتين ووجوب الزكاة فيها مرتين. وهذا هو التزاحم من جهة الدليل الخارجي لا من جهة عدم قدرة المكلف. ولا يكون من باب التعارض ، لعدم التنافي من حيث المدلول بين
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٢.
(٢) أجود التقريرات ٤ : ٢٧٨ ، فوائد الاصول ٤ : ٧٠٧.