ولو مع العلم بعدم إرادة المتكلم ، كما إذا كان نائماً أو سكراناً ، أو نصب قرينةً على إرادة غير هذا المعنى ، كما في قولنا : رأيت أسداً يرمي ، فانّ ذهن المخاطب ينتقل إلى الحيوان المفترس بمجرد سماع كلمة الأسد ، وإن كان يعلم أنّ مراد المتكلم هو الرجل الشجاع ، بل هذه الدلالة لا تحتاج إلى متكلم ذي إدراك وشعور ، فانّ اللفظ الصادر من غير لافظ شاعر أيضاً يوجب انتقال الذهن إلى المعنى.
وبالجملة : هذه الدلالة بعد العلم بالوضع غير منفكة عن اللفظ أبداً ، ولا تحتاج إلى شيء من الأشياء ، وهي التي تسمى عند القوم بالدلالة الوضعية ، باعتبار أنّ الوضع عبارة عن جعل العلقة بين اللفظ والمعنى ، بأن ينتقل الذهن إلى المعنى عند سماع اللفظ ، وإن كان المختار كون الدلالة الوضعية غيرها ، فانّ هذه الدلالة لا تكون غرضاً من الوضع لتكون وضعية.
والأنسب تسميتها بالدلالة الانسية ، فانّ منشأها انس الذهن بالمعنى لكثرة استعمال اللفظ فيه لا الوضع ، لما ذكرناه في محلّه (١) : من أنّ الوضع عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بأ نّه متى تكلم باللفظ الخاص فهو يريد المعنى الفلاني ، وعليه فلا يكون خطوره إلى الذهن عند سماعه من غير شاعر مستنداً إلى تعهده بل إلى انس الذهن به ، وقد تقدم الكلام في تحقيقها في بحث الوضع.
الدلالة الثانية : دلالة اللفظ على كون المعنى مراداً للمتكلم بالارادة الاستعمالية ، أي دلالة اللفظ على أنّ المتكلم أراد تفهيم هذا المعنى واستعمله فيه ، وهذه الدلالة تسمّى عند القوم بالدلالة التصديقية ، وعندنا بالدلالة الوضعية كما عرفت.
__________________
(١) محاضرات في اصول الفقه ١ : ٤٨ وما بعدها.