لا شيء يُذكر.
بهذا التصوّر ، وبهذه العقليّة واجَهت زعامة « مكة » دعوة النبي في البداية ، ولهذا لم يقم زعماء قريش خلال هذه السنوات الثلاث بأيّ عَمل عدائيّ ضدّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بل ظلّوا ينظرون إليه بنظر الإحترام ، ويُراعون معه قواعد الأدب والسلوك ، وكان النبيّ هو أيضاً لا يتعرض لأصنامهم وآلهتهم في هذه الأعوام الثلاثة بسوء ولا يتناولها بالنقد والاعتراض بصورة علنية ، بل كان مركّزاً جهده على الاتصال الشخصي بذوي البصائر من الأشخاص وهدايتهم إلى دينه الحنيف.
ولكن منذ أنْ بدأ النبيُّ دعوة الأقربين وأخذ ينتقد وثنيّتهم ، ويذكر أوثانهم بسوء ويعترض على تصرفاتهم اللإنسانية أصبح حديث الألسن. ومنذ ذلك اليوم ايضاً بدأت يقظة قريش ، وعرفوا أمر محمَّد يختلف عن أمر « ورقة » و « اُميّة » اختلافاً بيناً وانه لبين الدعوتين فرقا كبيراً ، ولهذا بدأت المعارضة والمخالفة السرّية والعلنية ، لدعوة النبيّ.
وقد بدأ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بكسر جدار الصمت بدعوة أقربائه إلى دينه ثم شرع بعد ذلك بدعوة الناس أجمعين.
على أنه ما من شك في أنّ الاصلاحات العميقة الّتي يراد لها ان تترك أثراً في جميع شؤون الناس وكل مناحي حياتهم ، وتغيّر مسير المجتمع تحتاج قبل أيّ شيء إلى قوتين :
١ ـ قوةُ البيان ، بأن يستطيع الداعية والمصلح بيان الحقائق الّتي جاء بها من أفكاره الخاصة ، أو ما تلقّاه عن طريق آخر إلى الناس باسلوب جذاب ، يأسر القلوب ، ويسحر العقول.
٢ ـ القوةُ الدفاعيةُ الّتي يستطيع تشكيل خطّ دفاعي منها عند التعرض لهجوم الأعداء والخصوم ، وفي غير هذه الصورة ستنطفئ شعلة الدعوة ويفشل المصلح في خطاه الاُولى.
ولقد كان البيان لدى رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في أعلى مرتبة من