وكان هذا الاضطراب طبيعياً بعض الشيء ، وهو لا ينافي بالمرة يقينه صلىاللهعليهوآلهوسلم وإيمانهُ بصدق ما اُنزلَ عليه لأن الروح مهما بلغت من العظمة والسمّو والقوة والصلابة ، ومهما كانت قوة ارتباطها بعالم الغيب ، وبالعوالم الرُّوحانية العُليا فانَّها عندما تواجه لأول مرّة ملَكاً لم تره من قبل ، وذلك في مثل المكان الّذي التقى النبيُ ( فوق الجبل ) لابُدَّ أنْ يحصل لها مثل هذا الاضطراب ، ولهذا زال ذلك الاضطراب عن رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم في ما بعد.
ثم إنّ الاضطراب والتعب الشديد قد تسبّبا في أن يتوجه النبيُ صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى بيت « خديجة » عليهاالسلام ، وعندما دخل بيتها ووجدت على ملامحه آثار الاضطراب والتفكير سألته عن ما جرى له ، فحدَّثها بكل ما سمع وراى وقصَّ عليها ما كان من أمر جبرئيل معها ، فعظّمت « خديجةُ » عليهاالسلام أمره ، ودعت له ، وقالت : إبشر فواللّه لا يخزيك اللّه أبداً.
ثم إن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم الّذي كان يشعر بالجهد والتعب قال لزوجته الوفيّة « خديجة » : دثّريْني ... دَثّريني.
فدثّرته ، فَنام بعض الشيء.
لقد تحدثنا في الصفحات الماضية عن « ورقة » وقلنا أنّه كان ممن تنصَّر وقرأ الكتب وسمع من أهل التوراة والانجيل وكان ابن عم خديجة.
فعند ما سمعت « خديجة » زوجة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما سمعته منه انطلقت إلى « ورقة » لتخبِّره بما سمعته من زوجها الكريم ، وشرحت له كلَ شيء مما جرى له مع جبرئيل.
فقال « ورقة » في جواب ابنة عمه : إنّ ابن عمّك لصادق ... وإن هذا لبدء النبوة ، وانه ليأتيه الناموس الاكبر ( أي الرسالة والنبوة ) (١).
__________________
١ ـ الطبقات الكبرى : ج ١ ، ص ١٩٥.