في نفسيّتهم العالية ، وأخلاقهم الفاضلة وتاريخهم المشرق ، وصفاتهم النبيلة على العكس من السحرة والمرتاضين.
هذه هي أَهمُّ العلامات الفارقة بين المعاجز الّتي تدل على نبوة الانبياء والخوارق الّتي يقوم بها المرتاضون والسحرة.
وبعد أن تبيَّن كل هذا اتضح أنَّ الخوارق الالهية الّتي هي من مقولة المعاجز أيضاً تختلف عن الاُمور العادية في أن عللها لا تنحصر في العلل المادية غير المعروفة فضلا عن الاُمور المادية المعروفة ، بل ربما تكون مستندة إلى العلل المجرّدة ، فليس من الصحيح ان نسعى لتفسير الخوارق الالهية مثل : « قصة الفيل » الّتي أهلك اللّه تعالى فيها جيش « أبرهة » العظيم بأحجار صغيرة من سجيل رمتها طيور الأبابيل بالعلل المادية المعروفة كما فعل من اشرنا إلى أسمائهم في مطلع هذا البحث (١).
ولهذا عَدلَ « سيد قطب » عن رأية الّذي كان قد أبداه في ما سبق في أمثال هذه الاُمور ، إذ قال :
ان الطريق الأمثل في فهم القرآن وتفسيره أن ينفُض الإنسان من ذهنه كلَ تصوّر سابق ، وأن يواجه القرآن بغير مقرَّرات تصوُرية أو عقلية أو شعورية سابقة ، وأن يبني مقرَّراته كلها حسبما يصورُ القرآنُ والحديثُ حقائق هذا الوجود ، ومن ثم لا يحاكم القرآن والحديث لغير القرآن ، ولا ينفي شيئاً يثبته القرآن ولا يُؤَولَه ، ولا يثبت شيئاً ينفيه القرآن أو يبطله ، وما عدا المثبت والمنفي في القرآن فله أن يقول فيه ما يهديه إليه عقله وتجربته.
نقول هذا بطبيعة الحال للمؤمنين بالقرآن ... وهم مع ذلك يؤوّلون نصوصه هذه لتوائم مقررات سابقة في عقولهم وتصورات سابقة في أذهانهم لما ينبغي أن تكون عليه حقائق الوجود (٢).
__________________
١ ـ أي الاستاذ الشيخ محمَّد عبده والاستاذ محمَّد حسين هيكل.
٢ ـ وهنا قال سيّد قطب في هامش هذا الكلام مانصه « وما اُبرئ نفسي اُنني فيما سبق من مؤلّفاتي