الفراعنة والنماردة.
ان هدف الطائفة الثانية هو : الرئاسة والزعامة ، والحفاظ عليها بكل وسيلة ممكنة في حياتهم ، وان تلاشت وتهاوت من بعدهم.
ولكن الانبياء والرسل يريدون حكومة تبقى قائمة في جميع الحالات وماثلة في جميع الاوقات ، في الخلوة والجلوة ، في وقت الضعف ، وفي وقت القوة ، في حياتهم وبعد مماتهم ... انهم يريدون أن يحكموا على القلوب لا على الابدان ، وهذا الهدف لا يتحقق ابداً عن طريق القوة واستخدام العنف والقهر!! انما يتحقق عن طريق الحجة والبرهان.
لقد بدأ النبيُ « إبراهيم » عملَه بمكافحة ما كان عليه أقرباؤُه الذين كان في طليعتهم وعلى رأسهم « آزر » وهو الوثنية وعبادة الاصنام ، ولكنه لم ينته من هذه المعركة ولم يحرز إنتصاراً كاملا في هذه الجبهة بعد إلاّ وواجه عليهالسلام جبهة اُخرى ، وكانت هذه الجماعة أعلى مستوى من افراد الجماعة السابقة في الفهم والثقافة. لان هذه الجماعة ـ على خلاف أقرباء إبراهيم ـ قد نبذت عبادة الأوثان والأَصنام (١) ، والمعبودات الارضية الحقيرة ، وتوجهت بعبادتها وتقديسها إلى الكواكب والنجوم والاجرام السماوية.
ولقد بيَّن « الخليل » عليهالسلام في حواره العقائدي مع عُبّاد الاجرام السماوية ، ومكافحته لمعتقداتهم الفاسدة ، سلسلة من الحقائق الفلسفية والعلمية الّتي لم يصل إليها الفكر البشري يومذاك ، وذلك ببيان بسيط مدعوم بأدلة لا تزال إلى اليوم موضع اعجاب كبار العلماء ، ورواد الفلسفة والكلام.
والأَهم من ذلك ـ في هذا المجال ـ أن القرآن الكريم نقل أدلة « إبراهيم الخليل » عليهالسلام باهتمام خاص وعناية بالغة ولهذا ينبغي لنا أن نتوقف عندها قليلا ، وهذا ما سنفعله في هذه الصفحات.
__________________
١ ـ ترتبط آية ٧٤ من سورة الأنعام بحواره عليهالسلام مع الوثنيّين ، بينما ترتبط الآيات اللاحقة لها بعبدة الأجرام السماوية.