الهدف من تلك الملاحم والدواوين كان هو الحماسة ، والتفاخر بالبُطولات وتجييش العواطف ، بعد مدح الملوك والامراء.
فها هو « الفردوسي » (١) الشاعر الملحمي الفارسي المعروف ، بل اشهر شعراء ايران قد ذكر في شاهنامته ( وهي الملحمة الشعرية الّتي يذكر فيها أمجاد ملوك الفرس في قرابة ستين ألف بيت ) قصة في هذا الصدد تعتبر أفضل شاهد على ما قلناه.
وقد وقعت هذه القصة في زمن « أنو شيروان » ، أي في الوقت الّذي كانت الامبراطورية الساسانية تمرُّ فيه بعهدها الذهبي.
وهذه القصة تشهد بأن اكثرية الشعب في عهد هذا الملك أيضاً كانت محرومة من حق التعلم ، وممنوعة عن اكتساب الثقافة.
يقول الفردوسي : لقد أبدى حذّاء استعداده لتحمّل نفقات الجيش الإيراني ـ في حربه مع الروم ـ بدفع ما يحتاجون إليه من ذهب وفضة.
ومع أن السلطة في عهد « انوشيروان » كانت بحاجة ماسة إلى مساعدات مالية كبيرة إذ كان يتعين عليها أن تجهز ما يقرب من ثلاثمائة الف مقاتل قد اصيبوا بالمجاعة وقلة العتاد ، بحيث أدى ذلك إلى وقوع بعض الاعتراضات ، وإلى ظهور الفوضى في الجنود ، ممّا أدى بدوره إلى قلق الملك الإيراني « أنوشيروان ».
والتخوف من مضاعفات هذه الحالة ، وآثاره السيئة في قتاله للروم ، ولذلك بادر إلى استدعاء وزيره المحنك « بزرجمهر » للتشاور معه في المخلص من ذلك الوضع المحرج ، ثم امره بالتوجه إلى منطقة « مازندران » وجمع الاموال اللازمة من سكانها.
ولكن « بزرجمهر » حذَّر الملك من مغبّة هذا العمل ، وأضاف بأن هذا من شأنه أن يضاعف من الخطر ثم اقترح جمع الاموال اللازمة عن طريق القروض الشعبية فاستحسن « انوشيروان » اقتراحه وأمره باتخاذ الترتيبات اللازمة على
____________
١ ـ راجع للتعرف السريع على شخصية هذا الشاعر : الموسوعة العربية الميسرة : ص ١٢٨٦.