رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

«مطر الناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر ، قالوا : هذه رحمة الله. وقال بعضهم : لقد صدق نوء كذا وكذا ، فنزلت هذه الآية : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) حتى بلغ : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(١).

وأخرج الترمذي بإسناده عن علي عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) قال : شكركم أن تقولوا : مطرنا بنوء كذا وكذا ، وبنجم كذا وكذا» (٢).

وقرأت للمفضل عن عاصم : " تكذبون" بفتح التاء وسكون الكاف والتخفيف (٣).

(فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٨٧)

قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) أي : فهلّا إذا بلغت الروح الحلقوم. وترك ذكرها لدلالة الكلام عليها ، كما قال :

أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر (٤)

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٨٤ ح ٧٣).

(٢) أخرجه الترمذي (٥ / ٤٠١ ح ٣٢٩٥).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٢٥) ، والسبعة (ص : ٦٢٤).

(٤) البيت لحاتم الطائي ، انظر : اللسان (مادة : حشرج) ، والماوردي (٥ / ٣٤٨) ، والقرطبي ـ

٦٢١

(وَأَنْتُمْ) يا أهل الميت (حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) تشاهدون أحب الناس إليكم وأعزهم عليكم يستلب منكم.

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) أي : إلى المحتضر (مِنْكُمْ) يا أهله بقدرتنا وعلمنا ، أو بملك الموت وأعوانه ، (وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ).

قال ابن عباس : لا تبصرون الملائكة (١).

وقيل : لا تعلمون. [على](٢) أن الخطاب فيه للكفار (٣).

قوله تعالى : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) هذا الكلام ملتف بالذي قبله ، وترتيبه : فلو لا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إذا بلغت الحلقوم ، وكرر [لو لا](٤) لطول الكلام.

وقال الفراء (٥) : (تَرْجِعُونَها) جواب لقوله : (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ) ، وقوله : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) فإنهما أجيبا بجواب واحد ، كقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) [البقرة : ٣٨].

قال ابن عباس في قوله : (غَيْرَ مَدِينِينَ) غير محاسبين (٦).

__________________

ـ (١٧ / ٢٣٠) ، والطبري (١٣ / ٣٠) ، وروح المعاني (٢٩ / ١٤٦).

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٥٥).

(٢) زيادة على الأصل.

(٣) انظر : الوسيط (٤ / ٢٤١).

(٤) في الأصل : لا. والتصويب من ب.

(٥) معاني الفراء (٣ / ١٣٠).

(٦) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢١٠). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٨ / ٣٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

٦٢٢

وقال قتادة : غير مبعوثين (١).

وقال أبو عبيدة : غير مجزيّين (٢).

وقال ميمون بن مهران : غير مقهورين (٣).

وقال الفراء (٤) : غير مملوكين.

[ووجه](٥) ارتباط الكلام وانتظامه : إن كنتم كما تزعمون غير محكوم عليكم وغير مقهورين وكنتم صادقين في أنه ليس لكم إله يبعثكم ويحاسبكم ويجزيكم على أعمالكم ، فهلّا تردون نفس المحبوب إليكم ، العزيز عليكم.

المعنى : فإذا لم تقدروا على ذلك [فاعلموا](٦) أن لكم إلها قادرا وربا عظيما يفعل ذلك.

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(٩٦)

ثم إن الله سبحانه وتعالى ذكر طبقات المحتضرين فقال : (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢١٠) عن الحسن. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٥٦) عن قتادة.

(٢) مجاز القرآن (٢ / ٢٥٢).

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ٤٦٥).

(٤) معاني الفراء (٣ / ١٣١).

(٥) في الأصل : وو. والمثبت من ب.

(٦) في الأصل : فاعملوا. والتصويب من ب.

٦٢٣

الْمُقَرَّبِينَ) أي : إن كان الذي بلغت روحه الحلقوم من المقربين عند الله.

وقال أبو العالية : من السابقين (١).

قال بعضهم : من السابقين من الأزواج الثلاثة المذكورة في أول السورة.

(فَرَوْحٌ) أي : فله روح ، أي : استراحة من كل همّ وغمّ وتعب ونصب ، وذلك بما أفضى إليه من كرامة الله عزوجل ، المعدّة لأوليائه في الجنة.

وقرأت للكسائي من رواية ابن أبي سريج عنه ، وليعقوب من رواية رويس عنه : " فروح" بضم الراء (٢). وهي قراءة أبي بكر الصديق ، وعائشة ، وأبي رزين ، والحسن ، وقتادة ، في آخرين.

قالت عائشة رضي الله عنها : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ : فروح وريحان بضم الراء (٣).

قال الحسن : الرّوح : الرحمة ؛ لأنها كالحياة للمرحوم (٤).

وقيل : المعنى : فله البقاء الدائم.

وقد ذكرنا في سورة الرحمن (٥) أن الريحان : الرزق.

وقال الحسن وأبو العالية : يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ، ثم تقبض فيه روحه (٦).

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٤٦٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٥٦).

(٢) النشر (٢ / ٣٨٣) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٠٩).

(٣) أخرجه أبو داود (٤ / ٣٥ ح ٣٩٩١) ، والترمذي (٥ / ١٩٠ ح ٢٩٣٨).

(٤) ذكره القرطبي (١٧ / ٢٣٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٧) وعزاه لعبد بن حميد.

(٥) عند الآية رقم : ١٢.

(٦) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢١٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٣٥). وذكره السيوطي في الدر المنثور ـ

٦٢٤

قال أبو عمران الجوني : بلغنا أن المؤمن إذا قبض روحه تلقّي بضبائر الريحان من الجنة فتجعل روحه فيه (١).

قوله تعالى : (فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) أي : أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة فلا تهتمّ لهم.

وقال مقاتل (٢) : هو أنّ الله يتجاوز عن سيئاتهم ويتقبل حسناتهم.

وقال عطاء : تسلّم عليه الملائكة وتخبره أنه من أصحاب اليمين (٣).

وقيل : المعنى : فسلام عليك يا محمد من أصحاب اليمين ، أي : أنهم يسلمون عليك (٤) في الجنة ؛ كقوله : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٦].

قوله تعالى : (وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ) وهم أصحاب المشأمة.

(فَنُزُلٌ) أي : فلهم نزل (مِنْ حَمِيمٍ) ، وهو مثل قوله : (هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الواقعة : ٥٦].

قوله تعالى : (إِنَّ هذا) إشارة إلى ما تقدم ذكره في هذه السورة ، من تنوع أحوال المحتضرين وغيره (لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) من باب إضافة الشيء إلى نفسه ؛ كصلاة الأولى. وأنشدوا :

__________________

ـ (٨ / ٣٧ ـ ٣٨) وعزاه للمروزي في الجنائز وابن جرير عن الحسن. ومن طريق آخر عن أبي العالية وعزاه لأبن جرير وابن أبي حاتم.

(١) ذكره السيوطي في الدر (٨ / ٣٨) وعزاه لعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذكر الموت وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد.

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٣١٩).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٥٨).

(٤) في ب : عليه.

٦٢٥

ولو أقوت عليك ديار عبس

عرفت الذلّ عرفان اليقين (١)

وقد استوفينا القول في مثل هذا في مواضع ، [وذكرنا](٢) فيه مذهب البصريين والكوفيين (٣).

(فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) مفسر في هذه السورة (٤).

وفي حديث عقبة بن عامر الجهني قال : «لما نزلت : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعلوها في ركوعكم ، ولما نزلت : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اجعلوها في سجودكم» (٥).

قرئ على الشيخ أبي المجد محمد بن محمد بن أبي بكر الهمذاني (٦) وأنا أسمع ، أخبركم الشيخان أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل بن محمد ، وابن عمه المطهّر بن عبد الكريم قالا : أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن حمد بن الحسن الدوني ، أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين الكسار ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق السني ، أخبرنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى (٧) ، حدثنا إسحاق بن

__________________

(١) البيت لم أعرف قائله. وهو في : معاني الفراء (٢ / ٥٦) ، والطبري (١٣ / ٨١) ، والقرطبي (٩ / ٢٧٥).

(٢) في الأصل : ذكرنا. والتصويب من ب.

(٣) انظر : الآية رقم : ٧ من سورة النمل.

(٤) عند الآية رقم : ٧٤.

(٥) أخرجه أبو داود (١ / ٢٣٠ ح ٨٦٩) ، وابن ماجه (١ / ٢٨٧ ح ٨٨٧).

(٦) في ب : الهمداني.

(٧) أحمد بن علي بن المثنى بن عيسى بن هلال بن أسد الموصلي ، أبو يعلى ، سمع منه الأئمة والحفاظ ، ورحل إليه من خراسان والعراق وغيرهما من البلاد ، توفي في سنة سبع وثلاثمائة (التقييد ـ

٦٢٦

[أبي](١) إسرائيل (٢) ، حدثنا محمد بن منيب العدني (٣) ، حدثنا السري بن يحيى الشيباني (٤) ، عن أبي شجاع (٥) ، عن أبي ظبية (٦) ، أن ابن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا. قال : وقد أمرت بناتي أن يقر أنها كل ليلة» (٧). والله تعالى أعلم.

__________________

ـ ص : ١٥٠ ـ ١٥٢).

(١) زيادة من مصادر ترجمته.

(٢) إسحاق بن أبي إسرائيل واسمه إبراهيم بن كامجرا ، أبو يعقوب المروزي ، نزيل بغداد ، صدوق تكلم فيه لوقفه في القرآن ، ولد سنة إحدى وخمسين ومائة ، ومات سنة خمس وأربعين ومائتين (تهذيب التهذيب ١ / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، والتقريب ص : ١٠٠).

(٣) محمد بن منيب ، أبو الحسن العدني ، روى عن السري بن يحيى الشيباني البصري ، وقريش بن حيان العجلي ، وعدة ، روى عنه علي بن المديني ، وزيد بن المبارك الصنعاني ، وغيرهم (تهذيب التهذيب ٩ / ٤٢١ ، والتقريب ص : ٥٠٩).

(٤) السري بن يحيى بن إياس بن حرملة بن إياس الشيباني ، أبو الهيثم ، ويقال : أبو يحيى البصري ، ثقة صدوق ، مات سنة سبع وستين ومائة (تهذيب التهذيب ٣ / ٤٠٠ ، والتقريب ص : ٢٣٠).

(٥) أبو شجاع ، وقيل : شجاع ، نكرة لا يعرف. روى عن أبي ظبية عن ابن مسعود ، قال أحمد بن حنبل : لا أعرفهما (ميزان الاعتدال ٧ / ٣٨٠ ، ولسان الميزان ٣ / ١٣٩).

(٦) انظر التعليق السابق.

(٧) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (٢ / ٤٩١ ح ٢٤٩٩) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٣٢٠).

٦٢٧

سورة الحديد

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ثلاثون آية ، [إلا آيتين](١) في المدني ، [وإلا آية](٢) في الكوفي (٣).

قال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وعكرمة وجابر بن زيد : هي مدنية (٤).

وقال الكلبي : هي مكية (٥).

وبهذا الإسناد السالف قال [ابن](٦) السني : أخبرنا أبو عبد الرحمن ـ يعني : النسائي ـ ، أخبرنا علي بن حجر (٧) ، حدثنا بقية بن الوليد (٨) ، عن

__________________

(١) في الأصل : الآيتين. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : والآية. والتصويب من ب.

(٣) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٤١).

(٤) قال السيوطي في الإتقان (١ / ٤٣ ـ ٤٤) : قال ابن الغرس : الجمهور على أنها مدنية. وقال قوم : إنها مكية. ولا خلاف أن فيها قرآنا مدنيا ، لكن يشبه صدرها أن يكون مكيا.

(٥) ذكره الماوردي (٥ / ٤٦٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٦٠).

(٦) زيادة على الأصل. وقد سبق.

(٧) علي بن حجر بن إياس بن مقاتل بن مخادش بن مشمرج بن خالد السعدي ، أبو الحسن المروزي ، كان فاضلا حافظا ، ثقة مأمونا ، صدوقا متقنا ، وقد اشتهر حديثه بمرو ، مات في جمادي الأولى سنة أربع وأربعين ومائتين (تهذيب التهذيب ٧ / ٢٥٩ ، والتقريب ص : ٣٩٩).

(٨) بقية بن الوليد بن صائد بن كعب بن حريز الكلاعي الميتمي ، أبو يحمد الحمصي ، صدوق كثير التدليس عن الضعفاء ، مات سنة سبع وتسعين ومائة (تهذيب التهذيب ١ / ٤١٦ ـ ٤١٩ ، ـ

٦٢٨

[بحير](١) بن سعيد (٢) ، عن خالد بن معدان (٣) ، عن عبد الله بن أبي بلال (٤) ، عن العرباض بن سارية (٥) : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرأ بالمسبّحات قبل أن يرقد ، ويقول : إن فيهن آية أفضل من ألف آية» (٦).

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(٣)

قال الله عزوجل : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أخبر الله سبحانه وتعالى أن أهل سماواته وما في أرضه من إنسي وجنّي ناطق وصامت يعظمونه ويسبحونه.

__________________

ـ والتقريب ص : ١٢٦).

(١) في الأصل وب : بجير. والصواب ما أثبتناه. انظر ترجمته في التعليق التالي.

(٢) بحير بن سعيد السحولي ، أبو خالد الحمصي ، ثقة ثبت صالح الحديث (تهذيب التهذيب ١ / ٣٦٨ ، والتقريب ص : ١٢٠).

(٣) خالد بن معدان بن أبي كريب الكلاعي ، أبو عبد الله الشامي الحمصي ، تابعي ثقة عابد ، يرسل كثيرا ، مات سنة ثلاث ومائة (تهذيب التهذيب ٣ / ١٠٢ ، والتقريب ص : ١٩٠).

(٤) عبد الله بن أبي بلال الخزاعي الشامي ، روى عن العرباض بن سارية ، وعبد الله بن بسر ، وعنه خالد بن معدان (تهذيب التهذيب ٥ / ١٤٤ ، والتقريب ص : ٢٩٧).

(٥) العرباض بن سارية السلمي ، كنيته أبو نجيح ، صحابي كان من أهل الصفة ، ونزل حمص ، مات بعد السبعين (تهذيب التهذيب ٧ / ١٥٧ ، والتقريب ص : ٣٨٨).

(٦) أخرجه أبو داود (٤ / ٣١٣ ح ٥٠٥٧) ، والنسائي في الكبرى (٥ / ١٦ ح ٨٠٢٦) ، وأحمد (٤ / ١٢٨) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٣٢١).

٦٢٩

وقد بيّنا في سورة" سبحان" (١) ما هو المختار من القول في تسبيح ما لا يعقل ، وقررناه بما نرجو فيه عقبى الله عزوجل.

واللام في قوله : " لله" مثلها في قولهم : نصحته ونصحت له ، وشكرته وشكرت له ، أو هي بمعنى : لأجل الله.

قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ) أي : هو القديم قبل كل شيء ، الباقي بعد هلاك كل شيء.

(وَالظَّاهِرُ) بالحجج والبراهين الواضحة الدالة على وحدانيته وعظمته وقدرته ، فهو الظاهر للبصائر ، الباطن المحتجب عن الأبصار.

وقيل : هو الظاهر ، أي : العالي على كل شيء ، الغالب له ، من قولهم : ظهر على كذا.

(وَالْباطِنُ) الذي بطن كل شيء ، أي : علم باطنه.

قال صاحب الكشاف (٢) : الواو الأولى [معناها](٣) : الدلالة على أنه الجامع بين الصفتين [الأوليّة والآخريّة](٤) ، والثالثة على أنه الجامع بين الظهور والخفاء. وأما الوسطى ، فعلى أنه الجامع بين مجموع الصفتين الأوليين وبين مجموع الصفتين الآخرتين.

__________________

(١) سورة الإسراء ، عند الآية رقم : ٤٤.

(٢) الكشاف (٤ / ٤٧١).

(٣) زيادة من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٤) في الأصل : الأولوية والأخروية. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

٦٣٠

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٦) آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)(٨)

والآية التي بعد هذه مفسّرة في الأعراف (١) وسبأ (٢) إلى قوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) أي : هو معكم بالعلم والقدرة أينما كنتم ، من أرض وسماء ، وبرّ وماء.

قال قتادة : ذكر لنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ أتى عليهم سحاب ، فقال : هل تدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا العنان ، هذا زوايا الأرض يسوقه الله تعالى إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه. ثم قال : هل [تدرون](٣) ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. فذكر السموات السبع والعرش والأرضين السبع ، وأن بين كل جرمين مسيرة خمسمائة عام. ثم قال : والذي نفسي بيده لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى لهبط على الله ، ثم قرأ

__________________

(١) عند الآية رقم : ٥٤.

(٢) عند الآية رقم : ٢.

(٣) في الأصل : ترون. والمثبت من ب.

٦٣١

هذه الآية : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١).

ومعنى : " لهبط على الله" : [أي](٢) : على علمه [وقدرته](٣) وخلقه وملكه.

وما بعده مفسّر إلى قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) أي : مما جعلكم خلفاء في التصرف فيه ؛ لأن الأموال خلق لله عزوجل ، أباح لهم الانتفاع بها ، وخوّلهم الاستمتاع بمنافعها ، وليسوا بأربابها المالكين لها على الحقيقة.

وقال الحسن : جعلكم مستخلفين فيه ممن كان قبلكم ؛ بتوريثه إياكم (٤).

قوله تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) المعنى : أيّ عذر لكم في ترك الإيمان. والواو في قوله : (وَالرَّسُولُ) واو الحال ، على معنى : ما لكم لا تؤمنون والرسول يدعوكم [بالبراهين](٥) النيرة ، ويبين لكم الحق من الباطل.

(لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) حين أخرجكم من ظهر آدم.

وقيل : بما ركّب فيكم من العقول ، وأوضح لكم من الدلائل ، فما عذركم بعد ذلك.

وقرأ أبو عمرو ويعقوب في رواية أبي حاتم عنه : " أخذ" بضم الهمزة وكسر الخاء ، " ميثاقكم" بالرفع (٦).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢١٦ ، ٢٨ / ١٥٤).

(٢) زيادة من ب.

(٣) في الأصل : قدرته. والمثبت من ب.

(٤) ذكره الماوردي (٥ / ٤٧١).

(٥) في الأصل : بابراهين. والتصويب من ب.

(٦) الحجة للفارسي (٤ / ٢٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٧ ـ ٦٩٨) ، والكشف (٢ / ٣٠٧) ، والنشر (٢ / ٣٨٤) ، والإتحاف (ص : ٤٠٩) ، والسبعة (ص : ٦٢٥).

٦٣٢

(إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بالحجج والدلائل.

(هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١١) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(١٢)

وما بعده مفسّر إلى قوله : (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) معناه : وأيّ عذر لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله ، والله مهلك من في السموات والأرض ووارثهم ، فجدير بمن هذه حاله أن لا يبخل بإنفاق ما يتقرب به إلى الله تعالى مما سينتقل عنه ويسلب منه.

ثم بيّن التفاوت بين المنفقين منهم فقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) أي : من قبل فتح مكة ، وعزّ الإسلام ، واستفحال سلطانه ، وقوة أهله.

وقال الشعبي : من قبل الحديبية (١).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٢٠). وذكره الماوردي (٥ / ٤٧١) ، والسيوطي في الدر المنثور (٧ / ٥١٠) ـ

٦٣٣

المعنى : ومن أنفق من بعد الفتح وقاتل ، فحذف لوضوح معناه.

قال ابن السائب وجمهور المفسرين : نزلت في أبي بكر رضي الله عنه (١). ويؤيد هذا : أن أبا بكر أول من أسلم وأنفق في سبيل الله ، وأول من قاتل على الإسلام.

قال ابن مسعود : أول من أظهر إسلامه بسيفه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، [وأبو بكر](٢) رضي الله عنه (٣).

وقال ابن [عمر](٤) : بينا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وعنده أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، عليه عباءة قد خلّها (٥) على صدره بخلال ، إذ نزل جبريل عليه‌السلام عليه ، وأقرأه من الله عزوجل السّلام وقال : يا محمد! ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خللها على صدره بخلال؟ قال : يا جبريل! أنفق (٦) ماله عليّ قبل الفتح. قال : [فأقره](٧) من الله تبارك وتعالى السّلام وقل : يقول لك ربك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فالتفت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر! هذا جبريل يقرئك من الله عزوجل السّلام ويقول لك ربك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ قال : فبكى أبو بكر وقال : على ربي أسخط؟ أنا عن ربي راض ، أنا عن

__________________

ـ وعزاه لعبد بن حميد.

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٤٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٦٣).

(٢) في الأصل : أبو بكر. والتصويب من ب.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٤٥).

(٤) في الأصل : مسعود. والتصويب من ب ، ومصادر التخريج.

(٥) خلّها : أي : جمعها بين طرفيه (انظر : النهاية في غريب الحديث ٢ / ٧٣).

(٦) في الأصل زيادة قوله : عليّ. وفي ب : أنفق ماله قبل الفتح عليّ.

(٧) في الأصل : قاره. والتصويب من ب.

٦٣٤

ربي راض (١).

وفي قوله : (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا) دليل على أن أبا بكر أفضل بني آدم بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي في كتابه ، قال : أخبرنا العباس بن محمد بن العباس ، المعروف بعبّاسة ، أخبرنا محمد بن سعيد بن فرخزادا ، أخبرنا الأستاذ أبو إسحاق الثعالبي (٢) ، أخبرنا عبد الله بن حامد الفقيه ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا عقبة بن سنان أبو بشر ، حدثنا [ابن](٣) شداخ (٤) ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن علي عليه‌السلام قال : سبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وصلّى (٥) أبو بكر ، وثلّث عمر ، فلا أوتى برجل فضّلني على أبي بكر إلا جلدته جلد المفتري (٦).

قرأ ابن عامر : " وكلّ" بالرفع ، وقرأ الباقون بالنصب (٧).

__________________

(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٧ / ١٠٥) ، والواحدي في الوسيط (٤ / ٢٤٦). قال ابن كثير في تفسيره (٤ / ٣٠٨) : هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه. والله أعلم.

(٢) هو أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري ، أبو إسحاق الثعلبي ، صاحب التفاسير ، كان أوحد زمانه في علم القرآن. توفي سنة سبع وعشرين وأربعمائة. قال السمعاني : يقال له : الثعلبي والثعالبي ، وهو لقب له لا نسب (طبقات المفسرين للداودي ١ / ٦٦ ، وسير أعلام النبلاء ١٧ / ٤٣٥ ـ ٤٣٧).

(٣) في الأصل : أبو. والصواب ما أثبتناه. وانظر ترجمته في التعليق التالي.

(٤) هو الهيصم بن شداخ ، روى عن الأعمش ، روى عنه على بن أبى طالب البزاز ، والوليد الطيالسي (الجرح والتعديل ٩ / ١٢٣).

(٥) السابق : الأول ، والمصلّي : الثاني (انظر : اللسان ، مادة : صلا).

(٦) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٢٤٠).

(٧) الحجة للفارسي (٤ / ٢٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٨) ، والكشف (٢ / ٣٠٧) ، والنشر ـ

٦٣٥

فمن رفع ؛ فعلى : وكلّ وعده الله الحسنى. ومن نصب : فبفعل مضمر يفسّره ما بعده.

والمعنى : وكل واحد من الفريقين (وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) وهي الجنة ، أو المثوبة الحسنى ، وهي الجنة أيضا.

قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) مفسر في البقرة (١).

قرأ ابن عامر وعاصم : " فيضاعفه" بنصب الفاء وحذف الألف. وشدّد العين حيث كان : ابن كثير وابن عامر (٢) ، وكذلك خلفهم في التي في البقرة (٣). وقد أشرنا إلى علة الرفع والنصب هناك.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَى) ظرف لقوله : (وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) ، أو منصوب بإضمار : " أذكروا".

المعنى : [ترى](٤) المؤمنين والمؤمنات يسعى نور إيمانهم وأعمالهم.

قال ابن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من نوره مثل الجبل ، وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفئ مرة ويقد أخرى (٥).

__________________

ـ (٢ / ٣٨٤) ، والإتحاف (ص : ٤٠٩) ، والسبعة (ص : ٦٢٥).

(١) عند الآية رقم : ٢٤٥.

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ٢٧) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٩) ، والكشف (٢ / ٣٠٨) ، والنشر (٢ / ٢٢٨) ، والإتحاف (ص : ٤١٠) ، والسبعة (ص : ٦٢٥).

(٣) عند الآية رقم : ٢٤٥.

(٤) في الأصل : يوم. والمثبت من ب.

(٥) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٢٣) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٣٦) ، والحاكم (٢ / ٥٢٠ ح ٣٧٨٥) ، وابن أبي شيبة (٧ / ١٠٧ ح ٣٤٥٥٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢) وعزاه لابن أبي شيبة ـ

٦٣٦

وقال قتادة : إن المؤمن يضيء له نوره كما بين عدن [إلى](١) صنعاء ودون ذلك ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء نوره إلا موضع قدميه (٢).

(بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قال الحسن : على الصراط (٣).

قال مقاتل (٤) : هو دالّهم إلى الجنة.

(وَبِأَيْمانِهِمْ) قال الفراء (٥) : عن أيمانهم ، وذلك حين يسلك بهم إلى الجنة.

وقال الضحاك ومقاتل (٦) : المعنى : يسعى نورهم بين أيديهم وكتبهم بإيمانهم.

والقول هاهنا مضمر ، تقديره : وتقول لهم الملائكة : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) ... الآية.

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ

__________________

ـ وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه.

(١) زيادة من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٢٢). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ١٩٩ ح ٣٥٣١٧). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٢) وعزاه لابن أبي شيبة وابن المنذر.

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٣٢٢).

(٥) معاني الفراء (٣ / ١٣٢).

(٦) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٢٣). وانظر : تفسير مقاتل (٣ / ٣٢٢).

٦٣٧

قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٥)

قوله تعالى : (انْظُرُونا) قرأ حمزة : بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء. وقرأ الباقون : بوصل الهمزة وضم الظاء (١). والابتداء على هذه القراءة بضم الهمزة ، وحمزة جعله من الإنظار ، وهو التأخير والإمهال ، كقوله : (أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الأعراف : ١٤].

وقال الفراء (٢) : تقول العرب : أنظرني بمعنى : انتظرني. قال عمرو بن كلثوم :

أبا هند فلا تعجل علينا

وأنظرنا نخبّرك اليقينا (٣)

والباقون جعلوه من نظر العين ، أو بمعنى : انظرونا ؛ لأنهم يسرع بهم إلى الجنة ، [كالبرق](٤) الخاطف ، والمنافقون مشاة.

قال المفسرون : تغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة ، [فيعطى](٥) المؤمنون

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٢٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٩ ـ ٧٠٠) ، والكشف (٢ / ٣٠٩) ، والنشر (٢ / ٣٨٤) ، والإتحاف (ص : ٤١٠) ، والسبعة (ص : ٦٢٥ ـ ٦٢٦).

(٢) معاني الفراء (٣ / ١٣٣).

(٣) البيت لعمرو بن كلثوم. انظر : ديوانه (ص : ٧١) ، ولسان العرب (مادة : نظر) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ٣٦٩) ، وشرح القصائد السبع (ص : ٣٨٧) ، والحجة للفارسي (٤ / ٣٠) ، والطبري (٢٧ / ٢٢٤) ، والقرطبي (٢ / ٦٠ ، ١٧ / ٢٤٥) ، والدر المصون (١ / ٣٣٢) ، والماوردي (٥ / ٤٧٤).

(٤) في الأصل : كابرق. والتصويب من ب.

(٥) في الأصل : فيطى. والتصويب من ب.

٦٣٨

النور ، فيمشي المنافقون بنور المؤمنين ، فإذا سبقهم المؤمنون قالوا : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) ، فيقول لهم المؤمنون ، ـ وقيل : الملائكة ـ تهكّما بهم واستهزاء : (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) إلى الموضع الذي أعطينا فيه النور ، (فَالْتَمِسُوا نُوراً) فيرجعون فلا يجدون شيئا ، فيلحقون بهم ، فيحال بينهم وبينهم ، فذلك قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ).

قال قتادة : حائط بين الجنة والنار (١).

قال ابن عباس ومجاهد : هو الأعراف (٢).

وكان جماعة من العلماء قد ذهبوا إلى أنه يكون بالموضع الذي يسمى : وادي جهنم ، شرقي البيت المقدس ، منهم : عبد الله بن عمرو بن العاص ، وابن عباس في رواية ابنه علي ، وكعب الأحبار (٣).

وفي الحديث : أن عبادة بن الصامت قام على سور بيت المقدس الشرقي فبكا ، فقيل له : ما يبكيك؟ فقال : من هاهنا أخبرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رأى جهنم (٤).

قوله تعالى : (لَهُ بابٌ) أي : لذلك السور باب لأهل الجنة يدخلون منه ،

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٢٥). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٢) أخرجه مجاهد (ص : ٦٥٧) ، والطبري (٢٧ / ٢٢٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٣٨).

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٢٥) ، والحاكم (٤ / ٦٤٣ ح ٨٧٧٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٥ ـ ٥٦) وعزاه لعبد بن حميد عن أبي سنان قال : كنت مع علي بن عبد الله بن عباس ... فذكره ، ومن طريق آخر عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن عساكر.

(٤) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٢١ ح ٣٧٨٦). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥٥) وعزاه لعبد بن حميد.

٦٣٩

(باطِنُهُ) باطن السور أو الباب ، وهو الشق الذي يلي الجنة (فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ) ما ظهر لأهل النار (مِنْ قِبَلِهِ)(١) من جهته (الْعَذابُ) الظلمة والنار.

(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي : ينادي المنافقون المؤمنين : ألم نكن معكم على دينكم نصلي بصلاتكم ونغزو معكم ، فيجيبهم المؤمنون : (بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) محنتموها بالنفاق وأهلكتموها ، (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالمؤمنين الدوائر ، (وَارْتَبْتُمْ) شككتم في دين الإسلام مع وضوح دلائل صحته ، (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) الكاذبة والآمال [الخائبة](٢) ، (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) نزل بكم سلطان الموت.

وقال قتادة : هو إلقاؤهم في النار (٣).

(وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) وهو الشيطان.

(فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ) وقرأ ابن عامر : " تؤخذ" بالتاء ؛ لتأنيث الفدية (٤).

وقد سبق القول على مثل ذلك في مواضع.

والمعنى : لا يؤخذ منكم عوض ولا بدل ، والخطاب للمنافقين ؛ بدليل قوله : (وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا).

(مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) قال أبو عبيدة (٥) : أولى بكم.

__________________

(١) في الأصل زيادة قوله : العذاب. وستأتي بعد.

(٢) في الأصل : الخائنة. والتصويب من ب.

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ٤٧٦).

(٤) الحجة للفارسي (٤ / ٣٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٧٠٠) ، والكشف (٢ / ٣٠٩) ، والنشر (٢ / ٣٨٤) ، والإتحاف (ص : ٤١٠) ، والسبعة (ص : ٦٢٦).

(٥) مجاز القرآن (٢ / ٢٥٤).

٦٤٠