رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

صاح الأعرابي : وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فقال : وهل غير هذا؟ قلت : نعم. يقول الله تعالى : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) ، فصاح الأعرابي وقال : يا سبحان الله ، من الذي أغضب الجليل حتى حلف؟ ألم يصدقوه حتى ألجأوه إلى اليمين ؛ قالها ثلاثا وخرجت فيها نفسه (١).

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ)(٣٠)

قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) الاستفهام بمعنى تفخيم شأن القصة ، والتنبيه على أن العلم بهذا الحديث لا طريق له سوى الوحي.

وقد سبق أن الضيف في الأصل مصدر ، فلذلك يستوي فيه الواحد والجمع ، والمذكر والمؤنث ، وهم الملائكة الذين جاؤوه بالبشرى. وقد ذكرنا عددهم في سورة هود (٢). ووصفهم بالإكرام ؛ لأن خير البرية إبراهيم صلى‌الله‌عليه‌وسلم خدمهم بنفسه وخدمتهم زوجه سارة عليهما‌السلام ، وعجّل لهم القرى بذبح العجل ، أو لأنهم [مكرمون](٣) عند الله. قال الله عزوجل : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦].

__________________

(١) أخرجه الثعلبي في تفسيره (٩ / ١١٥) ، وابن قدامة في كتاب التوابين (ص : ٢٧٣ ـ ٢٧٤).

(٢) عند الآية رقم : ٧٠.

(٣) في الأصل : مكرومون. والتصويب من ب.

٤٢١

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) الظرف منصوب ب" مكرمين" على تفسير إكرامهم بخدمة إبراهيم وتعجيل القرى ، وإلا فهو منصوب بإضمار : " اذكروا" ، بما في" ضيف" من معنى الفعل (١).

(قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) قال الزجاج (٢) : ارتفع على معنى : [أنتم](٣) قوم منكرون.

قال ابن عباس : لم يعرفهم (٤).

وقال أبو العالية : أنكر في ذلك الزمان وفي تلك الأرض السّلام الذي هو من شعائر الإسلام (٥).

وقيل : أنكرهم ؛ لأنه رأى فيهم صورة الملائكة وصورة البشر.

وقيل : لأنهم دخلوا عليه بغير استئذان.

(فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) عدل إليهم في خفية من ضيفه ، وهذا من فتوّته ومروءته وحسن أدبه وعشرته ، فإن مبادرة الضيف بالقرى وإخفاء ذلك منه لئلا يكفه عنه ويمنعه منه ؛ [من](٦) شيم الأكارم وخصال المكارم.

(فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) قال قتادة : كان عامّة مال نبي الله : البقر (٧).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٤) ، والدر المصون (٦ / ١٨٨).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٥٤).

(٣) في الأصل : أأنتم. والتصويب من ب ، ومن معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٦).

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٦).

(٦) زيادة من ب.

(٧) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

٤٢٢

(فَجاءَ بِعِجْلٍ) والمعنى : جاء به مشويّا ، بدليل قوله تعالى في هود : (جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) [هود : ٦٩].

(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) أنكر عليهم ترك الأكل وحثّهم عليه.

(وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) وهو إسحاق عليه‌السلام ، لقوله تعالى : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ) ، [وقولها](١) في هود : (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) [هود : ٧٢].

[ويروى](٢) عن مجاهد : أنه إسماعيل (٣). وليس بشيء.

قال ابن قتيبة (٤) : لم تقبل من موضع إلى موضع ، وإنما هو كقولك : أقبل يشتمني ، أي : أخذ في شتمي.

(فِي صَرَّةٍ) أي : في صيحة ، ومنه : صرّ الجندب (٥) ، وصرّ القلم والباب.

وقيل : في جماعة ، ومنه : المصرّاة وصرّة الدراهم.

والأول هو التفسير الصحيح. ومحله النصب على الحال (٦). [أي](٧) : جاءت صارّة.

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : ويرى. والتصويب من ب.

(٣) أخرجه مجاهد (ص : ٦١٩) ، والطبري (٢٦ / ٢٠٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٢١).

(٥) الجندب : الذّكر من الجراد (اللسان ، مادة : جدب).

(٦) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٤) ، والدر المصون (٦ / ١٨٩).

(٧) زيادة من ب.

٤٢٣

قال قتادة : تأوّهت (١).

وقال الفراء (٢) : قالت : يا ويلتا.

(فَصَكَّتْ وَجْهَها) قال ابن عباس : لطمته (٣).

ومعنى الصّكّ : ضرب الشيء بالشيء (٤).

قال ابن السائب ومقاتل (٥) : جمعت أصابعها فضربت جبينها تعجبا.

(وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) [أي : أنا عجوز عقيم](٦) فكيف ألد؟

(قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ) أي : مثل الذي قلنا وأخبرنا به قال ربك ، (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) فيما يدبّره (الْعَلِيمُ) بما يقدّره. فأيقن [حينئذ أنهم](٧) ملائكة أرسلهم الله تعالى إليه.

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥) فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٧).

(٢) معاني الفراء (٣ / ٨٧).

(٣) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٠) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٤) انظر : اللسان (مادة : صكك).

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٢٧٨). وانظر : الطبري (٢٦ / ٢١٠) بلا نسبة.

(٦) زيادة من ب.

(٧) في الأصل : أنهم حينئذ. والمثبت من ب.

٤٢٤

الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧) وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠) وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(٤٦)

ف (قالَ) لهم : (فَما خَطْبُكُمْ) أي : ما شأنكم (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ).

(فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) أي : في قرى قوم لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، وذلك قوله تعالى : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) [هود : ٨١].

(فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ) أي : غير أهل بيت (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) يعني : لوطا وبنتيه. وصفهم الله بالإسلام والإيمان جميعا ؛ لأن كل مؤمن مسلم.

(وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) علامة (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) ، وما لم نفسره في هاتين القصتين مفسّر في هود (١).

قوله تعالى : (وَفِي مُوسى) معطوف على (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) ، أو على قوله : (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) ، على معنى : وجعلنا في موسى آية (٢).

__________________

(١) عند الآيات : ٦٩ ـ ٨٣.

(٢) وهذا هو الظاهر. وأما القول الأول ـ أي : أنه معطوف على : " وفي الأرض آيات" ـ ؛ فقال أبو حيان في البحر (٨ / ١٣٩) : وهذا بعيد جدا ، ينزه القرآن عن مثله. ـ

٤٢٥

(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ) أي : أعرض بما كان يتقوى به من جنده وملكه ، كقوله : (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) [هود : ٨٠].

وقيل : أعرض بجانبه.

و" اليم" مذكور في الأعراف (١) ، و" المليم" في الصافات (٢).

قوله تعالى : (وَفِي عادٍ) معطوف أيضا ، (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) وهي التي لا تنتج خيرا ، لا تنشئ مطرا ، ولا تلقح شجرا ، بل هي ريح هلاك وعذاب.

ثم وصفها فقال : (ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ) من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم (إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ).

قال الفراء (٣) : الرّميم : نبات الأرض إذا يبس وديس.

قوله تعالى : (وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ) تفسيره قوله : (تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) [هود : ٦٥] وذلك حين عقروا الناقة.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) وقرأ الكسائي : " الصّعقة" بسكون العين من غير ألف (٤).

__________________

ـ وقال السمين الحلبي في الدر المصون (٦ / ١٩٠) : ووجه استبعاده له بعد ما بينهما ، وقد فعل أهل العلم هذا في أكثر من ذلك.

(١) عند الآية رقم : ١٣٦.

(٢) عند الآية رقم : ١٤٢.

(٣) معاني الفراء (٣ / ٨٨).

(٤) الحجة للفارسي (٣ / ٤٢٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٠) ، والكشف (٢ / ٢٨٨) ، والنشر (٢ / ٣٧٧) ، والإتحاف (ص : ٣٩٩) ، والسبعة (ص : ٦٠٩).

٤٢٦

قيل : هما لغتان في الصاعقة [التي](١) تنزل وتحرق.

وقيل : الصاعقة هي التي تنزل ، والصّعقة : الزّجرة ، وهي الصوت عند نزول الصاعقة.

(وَهُمْ يَنْظُرُونَ) يرون ذلك عيانا.

وقيل : [ينتظرونه](٢) ، على ما ذكرناه في قصتهم.

(فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي : فما قدروا على نهوض من تلك الصرعة.

(وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) ممتنعين من العذاب.

قوله تعالى : (وَقَوْمَ نُوحٍ) قرأ أبو عمرو إلا عبد الوارث وأهل الكوفة إلا عاصما : " وقوم" بخفض الميم. وروى عبد الوارث : " وقوم" بالرفع (٣) ، وقرأ الباقون من العشرة بنصبها (٤).

فالجر على معنى : وفي قوم نوح ، وهكذا يقرأ ابن مسعود ، والرفع على الابتداء ، والنصب على معنى : واذكر قوم نوح. أو هو عطف على المعنى ؛ لأن معنى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) : أهلكناهم ، التقدير : وأهلكنا قوم نوح. أو عطف على معنى : فنبذناهم في اليم ، أي : فأغرقناهم وأغرقنا قوم نوح. وهذا الوجه اختيار الزجاج (٥).

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : ينظرونه. والمثبت من ب.

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٤٠) ، والدر المصون (٦ / ١٩١).

(٤) الحجة للفارسي (٣ / ٤٢٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٠ ـ ٦٨١) ، والكشف (٢ / ٢٨٩) ، والنشر (٢ / ٣٧٧) ، والإتحاف (ص : ٤٠٠) ، والسبعة (ص : ٦٠٩).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٥٧).

٤٢٧

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩) فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)(٥١)

قوله تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة المفسرين واللغويين : بقوة (١).

والأيد والأداء : القول ، وقد آديئيد فهو أيد (٢).

(وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) قال الحسن : لموسعون الرزق بالمطر (٣).

وقال ابن زيد : لموسعون السماء (٤).

وقال الزجاج (٥) : لموسعون ما بين السماء والأرض.

وقال الواحدي (٦) : وإنا لذو سعة لخلقنا.

المعنى : قادرون على رزقهم لا نعجز عنه ، والموسع ذو الوسع والسعة ، وهو

__________________

(١) أخرجه مجاهد (ص : ٦٢١) ، والطبري (٢٧ / ٧) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٣) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس. ومن طريق آخر عن مجاهد ، وعزاه لآدم بن أبي إياس والبيهقي.

(٢) انظر : اللسان (مادة : أيد).

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ٣٧٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤١).

(٤) مثل السابق.

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٥٧).

(٦) الوسيط (٤ / ١٨٠).

٤٢٨

الغنى والجدة.

(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) بسطناها (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) أي : فنعم الماهدون نحن.

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) أي : ومن كل شيء من الحيوان خلقنا ذكرا وأنثى.

وقال الحسن : السماء والأرض ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والبر والبحر ، والموت والحياة ، فعدّد أشياء وقال : كل اثنين منها زوج ، والله تعالى فرد لا مثل له (١).

(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي : فعلنا ذلك إرادة أن تتذكروا فتعرفوا عظمة الله وقدرته ووحدانيته وتشكروا نعمته.

ولما عرّف عباده عظمته وحكمته ووحدانيته وقدرته وإحسانه إليهم وإنعامه عليهم ، بعد أن قصّ عليهم أخبار الأمم المكذبة في الأيام الخالية ، أمرهم بالمبادرة إلى ثوابه والهرب من عقابه ، فقال تعالى : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) أي : إلى طاعته من معصيته ، (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) أي : من الله (نَذِيرٌ مُبِينٌ).

ثم زجرهم عن الشرك فقال : (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) ... الآية.

(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢) أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥) وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ

__________________

(١) أخرج نحوه الطبري (٢٧ / ٨) عن مجاهد. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٣) وعزاه لابن جرير وابن المنذر عن مجاهد.

٤٢٩

لِيَعْبُدُونِ (٥٦) ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ)(٦٠)

قوله تعالى : (كَذلِكَ) أي : الأمر كذلك ، أو الأمر مثل ذلك. والإشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه ساحرا ومجنونا. ثم فسره فقال : (ما أَتَى) ... الآية.

قوله تعالى : (أَتَواصَوْا بِهِ) الضمير للقول ، على معنى : أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول حتى اتفقوا عليه. والاستفهام للتوبيخ.

ثم أضرب عن ذلك فقال : (بَلْ) أي : لم يتواصوا به ، وأثبت لهم الاشتراك في الطغيان فقال : (هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ).

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أعرض عن هؤلاء الذين دأبت في مناصحتهم ودعائهم إلى توحيدنا وهم يعاندونك ويباعدونك ، وهذا تهديد لهم ، (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) إذا بذلت مجهودك في تبليغ رسالتنا ونهضت بأعباء دعوتنا.

(وَذَكِّرْ) أي : لا تدع مع ذلك التذكير والموعظة.

قال ابن عباس وجمهور المفسرين : لما نزلت هذه الآية : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) حزن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون وظنوا أن الوحي قد انقطع ، وأن العذاب قد حضر ، حتى نزلت الآية الثانية : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(١).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ١١) عن قتادة. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٤) وعزاه لابن جرير عن قتادة.

٤٣٠

قال مقاتل (١) : عظ كفار مكة ، فإن الذكرى تنفع من في علم الله أنه يؤمن.

وقيل : تنفعهم في دينهم.

قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قال علي عليه‌السلام : لآمرهم أن يعبدون (٢). واختاره الزجاج (٣).

وقال ابن عباس : ليقرّوا لي بالعبودية طوعا وكرها (٤).

وقال الضحاك والفراء وابن قتيبة والقاضي أبو يعلى (٥) : هذا خاص في المؤمنين.

قال سعيد بن المسيب : ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني (٦).

قال القاضي أبو يعلى : معنى هذا : الخصوص ؛ لأن البله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب وإن كانوا من الإنس ، وكذلك الكفار يخرجون من هذا ، بدليل قوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) [الأعراف : ١٧٩] ، فمن خلق للشقاء ولجهنم لم يخلق للعبادة (٧).

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٢٨٠).

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٥٨).

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٤) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٥) معاني الفراء (٣ / ٨٩) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص : ٤٢٢). وانظر : زاد المسير (٨ / ٤٢.

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٢).

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٣).

٤٣١

وقال جماعة من أهل المعاني : ما خلقتهم إلا ليخضعوا ويذلوا لي ، وكلّ الخلق خاضع ذليل لعزة الله تعالى (١).

(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) أي : ما أريد منهم أن يرزقوا أحدا من خلقي ، ولا أن يرزقوا أنفسهم ، وما أريد أن يطعموا أحدا من خلقي.

وإنما أسند الإطعام إلى نفسه ؛ لأن الخلق عيال الله ، فمن أطعم عيال الله فقد أطعم الله ، ومنه الحديث : «استطعمتك فلم تطعمني» (٢).

(إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) وقرأ الضحاك وابن محيصن : " الرّازق" (٣).

قال الخطابي (٤) : المتكفّل بالرّزق ، القائم على كل نفس بما يقيمها من قوتها ، والمتين : الشديد القوة.

وقرأ أبو رزين وقتادة وأبو العالية والأعمش وقتيبة عن الكسائي : " المتين" بكسر النون (٥).

قال الزجاج (٦) : جعل" المتين" صفة للقوة ؛ لأن تأنيث القوة كتأنيث الموعظة. فالمعنى : ذو [الاقتدار](٧) الشديد.

قوله تعالى : (فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) يعني : مشركي مكة (ذَنُوباً) نصيبا من

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٨١).

(٢) أخرجه مسلم (٤ / ١٩٩٠ ح ٢٥٦٩).

(٣) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٠٠).

(٤) شأن الدعاء (ص : ٥٤ ، ٧٧).

(٥) إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٠٠).

(٦) معاني الزجاج (٥ / ٥٩).

(٧) في الأصل : الأقدار. والتصويب من ب.

٤٣٢

العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ) الذين كانوا على مثل رأيهم في الشرك وتكذيب الرسل.

قال الفراء وابن قتيبة والزمخشري (١) : الذّنوب : الدّلو العظيمة. وهذا تمثيل ، أصله في السّقاة يتقسّمون [الماء](٢) ، فيكون لهذا ذنوب ولهذا ذنوب. قال :

لنا ذنوب ولكم ذنوب

فإن أبيتم فلنا [القليب](٣)

والذّنوب يذكر ويؤنث.

(فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) بالعذاب ، فإني قد أمهلتهم إلى يوم القيامة ، يدل عليه قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة.

وقيل : يوم بدر. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٩٠) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (ص : ٤٢٣) ، والكشاف للزمخشري (٤ / ٤٠٩).

(٢) زيادة من ب.

(٣) في الأصل : الذنوبيين. وهو وهم. والمثبت من ب ، ومصادر البيت.

وانظر البيت في : اللسان (مادة : ذنب) ، والطبري (٢٧ / ١٤) ، والقرطبي (١٧ / ٥٧) ، والماوردي (٥ / ٣٧٥) ، وزاد المسير (٨ / ٤٤).

٤٣٣

سورة الطور

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي سبع وأربعون آية في العدد المدني ، وتسع في الكوفي (١). وهي مكية بإجماعهم.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن البغداديان قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا مالك ، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ، عن عروة ، عن زينب بنت أبي سلمة (٢) ، عن أم سلمة قالت : «شكوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أني أشتكي ، فقال : طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ، فطفت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور» (٣). هذا حديث متفق على صحته. وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى ، عن مالك.

وبهذا الإسناد قال البخاري : حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان قال : حدثوني عن الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه قال : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٣٣).

(٢) زينب بنت أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وأمها أم سلمة ، ولدت بأرض الحبشة ، ماتت في ولاية طارق على المدينة سنة ثلاث وسبعين (تهذيب التهذيب ١٢ / ٤٥٠ ، والتقريب ص : ٧٤٧).

(٣) أخرجه البخاري (١ / ١٧٧ ح ٤٥٢) ، ومسلم (٢ / ٩٢٧ ح ١٢٧٦).

٤٣٤

المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ* أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ* أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ) المسيطرون كاد قلبي أن يطير.

قال سفيان : فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، لم أسمعه زاد الذي قالوا» (١).

(وَالطُّورِ (١) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨) يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩) وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤) أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥) اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٦)

قوله تعالى : (وَالطُّورِ) هو الجبل الذي كلّم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسّلام. وقد ذكرناه في البقرة (٢).

(وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) روى أبو صالح عن ابن عباس : أنه اللوح المحفوظ (٣).

ويرد على هذا القول إشكال لم أرهم تعرّضوا لذكره فضلا عن جوابه ، وهو أنه

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٣٩ ح ٤٥٧٣).

(٢) عند الآية رقم : ٦٣).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٥).

٤٣٥

وصف الكتاب بقوله : (فِي رَقٍ).

واللوح المحفوظ بنص ابن عباس : درّة بيضاء (١).

وقال ابن السائب : هو ما كتبه الله تعالى لموسى وهو يسمع صرير القلم (٢).

والأظهر في التفسير : أن الكتاب المسطور : كتب أعمال بني آدم.

قال مقاتل (٣) : تخرج إليهم أعمالهم يومئذ.

[(فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) يعني : أديم الصحف.

قال الثعلبي (٤) : ونظيره](٥) قوله (٦) : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣] ، وقوله : (وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ) [التكوير : ١٠].

وقيل : هو ما كتبه الله تعالى للخلق من السابقة والعاقبة.

وحكى الماوردي قولين آخرين (٧) :

أحدهما : أنه التوراة.

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٥١٦ ح ٣٧٧١) ، والطبراني في الكبير (١٠ / ٢٦٠ ح ١٠٦٠٥) ، وأبو الشيخ في العظمة (٢ / ٤٩٢ ح ٤٢) ، والطبري (٢٧ / ١٣٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٩٩) وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبي الشيخ في العظمة والحاكم وابن مردويه وأبي نعيم في الحلية والبيهقي في الأسماء والصفات.

(٢) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٥٩) ، والبغوي (٤ / ٢٣٦).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ٢٨٢).

(٤) تفسير الثعلبي (٩ / ١٢٣ ـ ١٢٤).

(٥) زيادة من ب.

(٦) في الأصل : وقوله تعالى. والتصويب من ب.

(٧) تفسير الماوردي (٥ / ٣٧٧).

٤٣٦

والآخر : أنه القرآن.

والرّق : الصحيفة.

وقيل : الجلد الذي يكتب فيه.

والمنشور : المبسوط.

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) قال الحسن : هو البيت الحرام (١).

والصحيح ما ذهب إليه الجمهور : أنه بيت في السماء ، يسمى : الضّراح.

قال ابن عباس : هو على سمت البيت الحرام ، حتى لو سقط لسقط عليه ، يحجه كل يوم سبعون ألف ملك ، ثم [لا](٢) يعودون فيه حتى تقوم الساعة ، يسمى : الضّراح (٣).

والضّراح : بالضاد المعجمة. قال ابن فارس (٤) : هو بيت في السماء.

وقال الربيع بن أنس : أنه كان في الأرض في موضع الكعبة في [زمان](٥) آدم ، حتى كان زمان نوح ، فأمرهم أن يحجوا إليه ، فعصوه ، فلما طغى الماء رفع فجعل في سماء الدنيا حذاء البيت الحرام ، وبوأ الله تعالى لإبراهيم الكعبة حيث كان (٦).

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٣٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٧).

(٢) زيادة من ب.

(٣) أخرجه الطبراني في الكبير (١١ / ٤١٧ ح ١٢١٨٥) ، وعبد الرزاق (٥ / ٢٨ ح ٨٨٧٤) ، والأزرقي (١ / ٩١ ح ٣٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٢٧) وعزاه للطبراني وابن مردويه بسند ضعيف.

(٤) معجم مقاييس اللغة (٣ / ٣٤٨).

(٥) في الأصل : زمن. والمثبت من ب.

(٦) ذكره الماوردي (٥ / ٣٧٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٧).

٤٣٧

واختلفوا في أيّ سماء هو ؛ فروى أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه في السماء السابعة (١).

وحديث مالك بن صعصعة المخرج في الصحيحين يدل عليه (٢).

وروى أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنه في السماء الدنيا (٣).

وروي عن علي رضي الله عنه : أنه في السماء السادسة (٤). والله تعالى أعلم.

والمعنى : أنه معمور بمن يغشاه ويحجه من الملائكة ، أو من الناس ؛ إن قلنا هو البيت الحرام.

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) قال علي عليه‌السلام : هو السماء (٥). وإليه ذهب جماهير

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ١٤٦ ح ١٦٢) ، والطبري (٢٧ / ١٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٩) وعزاه لابن جرير.

(٢) أخرجه البخاري (٣ / ١١٧٣ ح ٣٠٣٥) ، ومسلم (١ / ١٤٩ ح ١٦٤).

(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٤) ، والعقيلي في الضعفاء (٢ / ٥٩ ح ٤٩٧). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٧) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٢٧) وعزاه لابن المنذر والعقيلي وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند ضعيف.

قال ابن كثير في تفسيره (٤ / ٢٤٠) : هذا حديث غريب جدا تفرد به روح بن جناح هذا ، وهو القرشي الأموي مولاهم أبو سعيد الدمشقي ، وقد أنكر عليه هذا الحديث جماعة من الحفاظ ، منهم : الجوزجاني ، والعقيلي ، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، وغيرهم. قال الحاكم : لا أصل له من حديث أبي هريرة ولا سعيد ولا الزهري.

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٦).

(٥) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٤) ، والحاكم (٢ / ٥٠٨ ح ٣٧٤٣) ، وأبو الشيخ في العظمة (٣ / ١٠٣٠ ح ٥٤٨) ، والبيهقي في الشعب (٣ / ٤٣٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٢٩) وعزاه لابن راهويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة ـ

٤٣٨

العلماء.

وقال الربيع بن أنس : هو العرش (١).

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال علي عليه‌السلام : هو بحر تحت العرش ، ماؤه غليظ ، يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا ، فينبتون في قبورهم (٢). وهذا قول ابن السائب ومقاتل (٣) وجمهور العلماء.

وقال الماوردي (٤) : هو بحر الأرض ، قال : وهو الظاهر.

وأما المسجور ؛ فقال أبو صالح وابن السائب وقتادة وعامة اللغويين : هو الممتلئ (٥).

وقال مجاهد : الموقد نارا (٦).

__________________

ـ والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان.

(١) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٢ / ٦٣٤ ح ٦٢). وذكره الماوردي (٥ / ٣٧٨) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٢٩) وعزاه لأبي الشيخ.

(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٠) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٥). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٨٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٧) ، والسيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٢٩) وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم ، كلهم بلفظ : بحر في السماء تحت العرش.

(٣) انظر : تفسير مقاتل (٣ / ٢٨٢).

(٤) تفسير الماوردي (٥ / ٣٧٨).

(٥) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٣٠) وعزاه لابن جرير عن قتادة.

(٦) أخرجه مجاهد (ص : ٦٢٤) ، والطبري (٢٧ / ١٩). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٣٠) وعزاه لابن جرير.

٤٣٩

قال شمر بن عطية (١) : هو بمنزلة التنور المسجور (٢).

وقال ابن عباس في رواية عطية وذي الرمة الشاعر وأبو العالية : هو اليابس الذي [قد](٣) ذهب ماؤه ونضب (٤).

قال الحسن : [تسجر البحار](٥) حتى يذهب ماؤها ، فلا يبقى فيها قطرة (٦).

وجاء في الحديث : أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فتسجر بها نار جهنم (٧).

ويروى أن عليا عليه‌السلام سأل يهوديا : أين موضع النار في كتابكم؟ قال : في البحر. قال علي : ما أراه إلا صادقا ، لقوله تعالى : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)(٨).

__________________

(١) شمر بن عطية الأسدي الكاهلي الكوفي ، كان ثقة صدوق ، وله أحاديث صالحة (تهذيب التهذيب ٤ / ٣١٩ ، والتقريب ص : ٢٦٨).

(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٩).

(٣) زيادة من ب.

(٤) أخرج الطبري (٢٧ / ١٩) عن ابن عباس في قوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) قال : سجره حين يذهب ماؤه ويفجر. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٨). وبمعناه السيوطي في الدر (٧ / ٦٣٠) وعزاه للشيرازي في الألقاب من طريق الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمة عن ابن عباس في قوله : وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ قال : الفارغ.

(٥) في الأصل : يسجر البحر البحار. والمثبت من ب.

(٦) ذكره البخاري معلقا (٤ / ١٨٣٨). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٨).

(٧) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٤٨).

(٨) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٨) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٣٠) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في العظمة.

٤٤٠