رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

على الله تعالى ، وتماديهم في غيّهم [وضلالهم](١) ، مع طول دعوة نوح إياهم ، وكثرة أذاهم له.

(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى) أي : وأهلك القرى التي ائتفكت بأهلها ، أي : انقلبت بهم ، وهي سدوم وأخواتها ، قرى قوم لوط ، رفعها الله إلى السماء على جناح جبريل عليه‌السلام ثم أهواها ، أي : أسقطها إلى الأرض ، ثم أتبعها بالحجارة ، فذلك قوله : (فَغَشَّاها ما غَشَّى) أي : ألبسها ما ألبسها من العذاب.

وقوله تعالى : (ما غَشَّى) تعظيم وتفخيم لشأن ذلك العذاب الشديد.

قال المفسرون : عدّد الله نعما ونقما ، وسمى الجميع" آلاء" ؛ لما في النقمة من نعمة التذكير والزجر عن الحال المفضية إلى العذاب.

ثم قال : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) أيها الإنسان.

وقال ابن عباس : الخطاب للوليد بن المغيرة (٢).

(تَتَمارى) تتشكّك.

(هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨) أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)(٦٢)

(هذا) إشارة إلى سيد ولد آدم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) أي : من جماعة النذر الأولى.

__________________

(١) في الأصل : وضلالتهم. والمثبت من ب.

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٠٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٨٤).

٥٠١

وقال قتادة : الإشارة إلى القرآن (١).

(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) أي : قربت الساعة الموصوفة بالقرب في قوله : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] ، وأمثالها من الآيات.

(لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) أي : نفس كاشفة.

وقيل : الهاء للمبالغة ؛ كعلّامة ونسّابة.

والمعنى : لا يكشف أحد عن وقتها إلا الله ، كما قال تعالى : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧].

وقال الضحاك وقتادة وعطاء : إذا غشيت [الخلق](٢) شدائدها وأهوالها لا يكشفها عنهم أحد ولم يردّها (٣).

وقيل : " الكاشفة" مصدر بمعنى : كشف ، كالخائنة بمعنى : خيانة.

ثم أنكر عليهم ضحكهم واستهزاءهم وغفلتهم عن مواعظ القرآن وزواجره وحكمه فقال تعالى : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) إنكارا. (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء (وَلا تَبْكُونَ) خوفا من وعيده وزواجره.

(وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) ساهون لاهون ، يقال : دع عنك سمودك ، قال الشاعر :

ألا أيها الإنسان إنك سامد

كأنك لا تفنى ولا أنت هالك (٤)

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٤٠٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٨٥).

(٢) في الأصل : الحق. والتصويب من ب ، وزاد المسير (٨ / ٨٥).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٨٥).

(٤) انظر البيت في : الدر المصون (٦ / ٢١٩).

٥٠٢

وهذا المعنى مروي عن ابن عباس (١).

وروي عنه : سامدون : شامخون مستكبرون (٢).

وروي عنه : أن السّمود : الغناء (٣).

وقال قتادة : غافلون (٤).

وقال الضحاك : أشرون بطرون (٥).

وقال الحسن : واقفون عن الطاعة (٦).

وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى.

وقال مجاهد : " سامدون" : غضاب مبرطمون ، فقيل له : ما [البرطمة](٧)؟ قال :

الإعراض (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٨٢) ، والطبراني في الكبير (١١ / ٢٧٦ ح ١١٧٢٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٦٧) وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه.

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ٤٠٧). وقوله : " مستكبرون" عن السدي.

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ٨٢) ، والبيهقي في الكبرى (١٠ / ٢٢٣) ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (ص : ٧٣) ، وأبو عبيد في فضائل القرآن (٢ / ١٧٠). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٦٧) وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وأبي عبيد في فضائله وغيرهم.

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ٨٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٦٧) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير.

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٨٦).

(٦) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ١٢٣) بلفظ : واقفون للصلاة.

(٧) في الأصل : المبرطم. والمثبت من ب.

(٨) أخرجه مجاهد (ص : ٦٣٤) بلفظ : قال : البرطمة ، وهو العابس الوجه ، والطبري (٢٧ / ٨٢) بلفظ : ـ

٥٠٣

أخرج الإمام أحمد بإسناده عن صالح بن الخليل قال : لما نزلت : (أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ* وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ) ما رؤي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضاحكا (١).

قوله تعالى : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) أي : خصّوه سبحانه بالسجود والعبادة ، ولا تسجدوا لآلهتكم ولا تعبدوها.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو الحسن علي بن أبي بكر قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني نصر بن علي (٢) ، حدثني أبو أحمد (٣) ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق (٤) ، عن الأسود بن يزيد (٥) ، عن عبد الله بن مسعود قال : «أول سورة أنزلت فيها سجدة : النجم ، قال : فسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسجد من خلفه إلا رجل رأيته أخذ كفا من تراب فسجد عليه ، فرأيته بعد قتل كافرا ، وهو

__________________

ـ غضابا مبرطمين. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٦٧) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(١) لم أقف عليه في المطبوع من الزهد للإمام أحمد ، وقد أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ٨٢ ح ٣٤٣٥٦) ، والثعلبي (٩ / ١٥٨).

(٢) نصر بن علي بن نصر بن علي بن أصبهان الأزدي الجهضمي ، أبو عمرو البصري الصغير ، ثقة ثبت ، طلب للقضاء فامتنع ، مات في ربيع الآخر سنة خمسين ومائتين أو بعدها (تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٨٤ ، والتقريب ص : ٥٦١).

(٣) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي مولاهم ، أبو أحمد الزبيري الكوفي ، ثقة صدوق ، مات بالأهواز سنة ثلاث ومائتين (تهذيب التهذيب ٩ / ٢٢٧ ، والتقريب ص : ٤٨٧).

(٤) هو عمرو بن عبد الله بن عبيد ، أبو إسحاق السبيعي. تقدمت ترجمته.

(٥) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي ، أبو عمرو ، ويقال : أبو عبد الرحمن ، مخضرم ثقة مكثر ، مات بالكوفة سنة خمس وسبعين (تهذيب التهذيب ١ / ٢٩٩ ، والتقريب ص : ١١١).

٥٠٤

أمية بن خلف» (١). هذا حديث متفق على صحته. أخرجاه من طرق.

وبالإسناد قال محمد بن إسماعيل البخاري : حدثنا أبو معمر (٢) ، حدثنا عبد الوارث ، حدثنا أيوب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : «سجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون ، والجن والإنس» (٣). هذا حديث صحيح. والله أعلم.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤٢ ح ٤٥٨٢) ، ومسلم (١ / ٤٠٥ ح ٥٧٦).

(٢) عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ميسرة التميمي المنقري مولاهم ، أبو معمر المقعد البصري ، كان ثقة ثبتا صدوقا ، رمي بالقدر ، مات سنة أربع وعشرين ومائتين (تهذيب التهذيب ٥ / ٢٩٣ ، والتقريب ص : ٣١٥).

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤٢ ح ٤٥٨١).

٥٠٥

سورة القمر

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي خمس وخمسون آية (١). وهي مكية.

واستثنى قوم ثلاث آيات من قوله : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ) إلى قوله : (أَدْهى وَأَمَرُّ)(٢) ؛ لما أخبرني به الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن البغداديان قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا إبراهيم بن موسى (٣) ، أخبرنا هشام بن يوسف (٤) ، أن ابن جريج أخبرهم قال : أخبرني يوسف بن ماهك قال : «إني عند عائشة أم المؤمنين قالت : لقد نزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة وإني لجارية ألعب : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ)(٥). هذا حديث صحيح.

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٣٦).

(٢) وقال السيوطي في الإتقان (١ / ٥٣) : استثني منها : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ). وقيل : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) الآيتين.

وانظر : الماوردي (٥ / ٤٠٨) ، وزاد المسير (٨ / ٨٧).

(٣) إبراهيم بن موسى بن يزيد بن زاذان التميمي ، أبو إسحاق الرازي الفراء ، المعروف بالصغير ، ثقة حافظ ، مات بعد العشرين ومائتين (تهذيب التهذيب ١ / ١٤٨ ، والتقريب ص : ٩٤).

(٤) هشام بن يوسف الصنعاني ، أبو عبد الرحمن الأبناوي ، قاضي صنعاء ، ثقة مأمون ، مات سنة سبع وتسعين ومائة (تهذيب التهذيب ١١ / ٥١ ، والتقريب ص : ٥٧٣).

(٥) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤٦ ح ٤٥٩٥).

٥٠٦

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ)(٥)

قال الله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) أي : دنت القيامة ، (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) أي : وقد انشق ، وكذلك هي في قراءة حذيفة بن اليمان (١) ، وكان يقول : ألا إن الساعة قد اقتربت ، والقمر قد انشق.

وبالإسناد قال البخاري : حدثنا مسدد (٢) ، حدثنا يحيى ، عن شعبة وسفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن ابن مسعود قال : «انشق القمر على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرقتين ، فرقة فوق الجبل ، وفرقة دونه. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اشهدوا» (٣).

وبه قال البخاري : حدثنا علي ، حدثنا سفيان ، حدثنا ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله : «انشق القمر ونحن مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فصار فرقتين ، فقال لنا : اشهدوا اشهدوا» (٤). هذا حديث متفق على صحته ، أخرجاه من طرق.

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : البحر المحيط (٨ / ١٧١).

(٢) مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد البصري الأسدي ، أبو الحسن الحافظ ، ثقة صدوق ، مات سنة ثمان وعشرين ومائتين (تهذيب التهذيب ١٠ / ٩٨ ، والتقريب ص : ٥٢٨).

(٣) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤٣ ح ٤٥٨٣).

(٤) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤٣ ح ٤٥٨٤) ، ومسلم (٤ / ٢١٥٨ ح ٢٨٠٠).

٥٠٧

وقد روى حديث انشقاق القمر جماعة ، منهم : عبد الله بن العباس (١) ، وعبد الله بن عمر (٢) ، وحذيفة (٣) ، وجبير بن مطعم (٤) ، وأنس بن مالك (٥).

قال ابن مسعود : رأيت فلقتيه (٦).

__________________

(١) حديث عبد الله بن عباس ، أخرجه البخاري (٣ / ١٣٣١ ح ٣٤٣٩) ، ومسلم (٤ / ٢١٥٩ ح ٢٨٠٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧١) وعزاه للبخاري ومسلم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

(٢) حديث عبد الله بن عمر ، أخرجه مسلم (٤ / ٢١٥٩ ح ٢٨٠١) ، والترمذي (٥ / ٣٩٨ ح ٣٢٨٨) ، والطبري (٢٧ / ٨٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧١) وعزاه لمسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم والبيهقي وأبي نعيم في الدلائل.

(٣) حديث حذيفة ، أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ١٣٩ ح ٣٤٧٩٨) ، وعبد الرزاق (٣ / ١٩٣ ح ٥٢٨٥) ، والطبري (٢٧ / ٨٦) ، وأبو نعيم في الحلية (١ / ٢٨١). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧٢) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن مردويه وأبي نعيم.

(٤) حديث جبير بن مطعم ، أخرجه الترمذي (٥ / ٣٩٨ ح ٣٢٨٩) ، وأحمد (٤ / ١٨) ، والطبري (٢٧ / ٨٦) ، والحاكم (٢ / ٥١٣ ح ٣٧٦٠). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧١) وعزاه لأحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن جرير والحاكم وأبي نعيم والبيهقي.

(٥) حديث أنس بن مالك ، أخرجه البخاري (٣ / ١٣٣١ ح ٣٤٣٨) ، ومسلم (٤ / ٢١٥٩ ح ٢٨٠٢) ، والترمذي (٥ / ٣٩٧ ح ٣٢٨٦) ، والحاكم (٢ / ٥١٣ ح ٣٧٦١) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٣٧٦ ح ١١٥٥٤) ، وأحمد (٣ / ١٦٥ ح ١٢٧١١). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧٠) وعزاه للبخاري ومسلم وعبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والترمذي وابن مردويه والبيهقي في الدلائل.

(٦) أخرجه أحمد (١ / ٤١٣ ح ٣٩٢٤) ، والحاكم (٢ / ٥١٢ ح ٣٧٥٦) ، والطبراني في الكبير (١٠ / ٧٥ ح ٩٩٩٧) ، والطبري (٢٧ / ٨٥) كلهم بلفظ نحو هذا اللفظ. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧٠) وعزاه لأحمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه وأبي نعيم في الدلائل.

٥٠٨

وقال مجاهد : ثبتت فرقة [وذهبت](١) فرقة من وراء الجبل (٢).

وقال ابن زيد : كان يرى نصفه على قعيقعان (٣) ، والنصف الآخر على أبي قبيس (٤).

قال المفسرون : كان انشقاق القمر من معجزات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآياته التي اقترحها قومه عليه.

قال ابن عباس : اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فرقتين ، فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن فعلت أتؤمنون؟ قالوا : نعم. فسأل ربه أن يعطيه ما سألوا ، فانشق القمر فرقتين ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينادي : يا فلان يا فلان اشهدوا ، وذلك بمكة قبل الهجرة (٥).

وعلى هذا القول عامة المفسرين.

__________________

(١) في الأصل : وذبت. والتصويب من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ٨٧).

(٣) قعيقعان : جبل بمكة يشرف على المسجد الحرام من جهة الشمال ، والشمال الغربي ، ويعرف بأسماء عدة ، فالجزء المشرف على المعلاة يسمى بجبل العبادي ، وجبل السليمانية ، أما الجزء الجنوبي المتصل بالفلق فيسمى بجبل هندي وطرفه المشرف على حارة الباب بريع الرسام. ومن هذه الأسماء جبل القرارة ، وجبل فلفلة من جهة الشامية ، وكل هذه الأجزاء تمثل جبل قعيقعان (معالم مكة التاريخية ص : ٢٢٣).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٨٨).

وأبو قبيس هو : الجبل المشرف على الكعبة المشرفة من مطلع الشمس ، وكان يزحم السيل فيدفعه إلى المسجد الحرام ، فنحت منه الكثير وشق بينه وبين المسجد الحرام طريقا للسيل وطريقا للسيارات ، وهو مكسو بالبنيان (معجم معالم الحجاز ٧ / ٨٩).

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٠٦).

٥٠٩

وشذّ قوم فقالوا : المعنى : سينشق القمر. وليس هذا القول بشيء ؛ لمصادمته الأحاديث ، والآثار الصحيحة ، وإجماع العلماء والآية التي بعد هذه الآية ، وما تشتمل عليه من نسبتهم السحر إليه. هذا مع ما فيه من مخالفة مدلول اللفظ ، فإنه فعل ماض ، فصرفه إلى المستقبل يفتقر إلى دليل صارف له عن موضوعه الأصلي.

ومعنى الآية : اقتربت الساعة وقد حصل من أمارات اقترابها انشقاق القمر ، الدالّ على رسالة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المبعوث في آخر الزمان.

قوله تعالى (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) قال مجاهد وقتادة : ذاهب (١) ، من قولهم : مرّ الشيء واستمرّ : إذا ذهب (٢). أي : هذا سحر ، والسحر يذهب ولا يثبت. وهذا اختيار الكسائي والفراء (٣).

وقال أبو العالية والضحاك : " مستمر" أي : شديد قوي محكم (٤).

قال ابن قتيبة (٥) : هو مأخوذ من المرّة ، والمرّة ، الفتل (٦).

وقيل : سحر دائم مطّرد. قالوا ذلك حين رأوا تتابع معجزاته وتواصل آياته.

قوله تعالى : (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) أي : كل أمر ، [فهو](٧) صائر إلى غاية يستقر

__________________

(١) أخرجه مجاهد (ص : ٦٣٥) ، والطبري (٢٧ / ٨٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧٣) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد.

(٢) انظر : اللسان (مادة : مرر).

(٣) معاني الفراء (٣ / ١٠٤).

(٤) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ١٢٧).

(٥) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٣١).

(٦) انظر : اللسان ، مادة : (مرر).

(٧) في الأصل : هو. والتصويب من ب.

٥١٠

عليها ، وسيصير أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى غاية يتبين عندها أنه حق أو باطل ، وستظهر لهم عاقبته.

وقيل : وكل أمر من أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأمرهم يستقر على حالة خذلان ونصر وشقاء وسعادة.

قال قتادة : الخير يستقر بأهل الخير ، والشر بأهل الشر (١).

وقرأت لأبي جعفر : " مستقر" بالجر (٢) ، عطفا على" الساعة" ، على معنى : اقتربت الساعة واقترب كل أمر مستقر.

ويروى عن نافع فتح القاف (٣) ، على معنى : ذو مستقر ، أي : ذو موضع استقرار أو زمان استقرار.

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي : أتاهم من أنباء الأمم المكذبة الماضية وأخبار هلاكهم في القرآن (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) ازدجار أو موضع ازدجار ، فهو مصدر بمعنى : ما فيه نهي وعظة. والأصل فيه : مزتجر ، ولكن التاء إذا وقعت بعد الزاي أبدلت دالا ، نحو : مزدان.

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) بدل من" ما" ، أو خبر مبتدأ محذوف (٤) ، تقديره : هو حكمة تامة قد بلغت الغاية ، (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) استفهام بمعنى الإنكار والتوبيخ ، كقوله :

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٨٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧٣) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر وابن جرير.

(٢) النشر (٢ / ٣٨٠) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٠٤).

(٣) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ١٧٢) ، والدر المصون (٦ / ٢٢١). قال أبو حاتم : لا وجه لفتح القاف.

(٤) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٢).

٥١١

(وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ١٠١].

وجائز أن تكون" ما" نافية ، أي : لا تغني النذر عنهم شيئا.

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ)(٨)

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أعرض عن إنذارهم ، وهو منسوخ بآية السيف عند عامة المفسرين (١) ، وهاهنا تم الكلام.

قوله تعالى : (يَوْمَ يَدْعُ) الداعي منصوب بقوله : (يَخْرُجُونَ) المعنى : يخرجون من قبورهم في ذلك اليوم ، أو بإضمار" اذكر" ، أي : اذكر يوم يدعو الداعي ، وهو إسرافيل يوم ينفخ النفخة الثانية.

وأبو عمرو وأبو جعفر والبزي وورش وإسماعيل يثبتون الياء في" الداعي" في الوصل ، زاد يعقوب إثباتها في الحالين ، وحذفها الباقون في الحالين ، اكتفاء بالكسرة عنها (٢).

(إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) وقرأ ابن كثير : " نكر" بسكون الكاف (٣).

__________________

(١) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٧١) ، ونواسخ القرآن لابن الجوزي (ص : ٤٧٧).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٩ ـ ٦٩٠) ، والكشف (٢ / ٢٩٨) ، والنشر (٢ / ٣٨٠) ، والإتحاف (ص : ٤٠٤) ، والسبعة (ص : ٦١٧).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ١١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٨) ، والكشف (٢ / ٢٩٧) ، والنشر (٢ / ٢١٦) ، والإتحاف (ص : ٤٠٤) ، والسبعة (ص : ٦١٧).

٥١٢

وقال أبو علي (١) : ضم الكاف هو الأصل ؛ لأن الكلمة على فعل ؛ كرسل ، نحو : عنق ورسل. ومن أسكن الكاف حذف الضمة استخفافا ، وهي في تقدير الثبات.

والمعنى : يوم يدعو الداعي إلى أمر فظيع منكر لم ير مثله.

قرأ أهل العراق إلا عاصما : " خاشعا" بالألف وكسر الشين وتخفيفها. وقرأ الباقون من العشرة : بغير ألف وفتح الشين وتشديدها (٢).

وخشوع أبصارهم كناية عن ذلّهم. والنصب على الحال (٣) ، على معنى : يخرجون خشعا.

قال الزجاج (٤) : لك في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة : التوحيد ، نحو : خاشعا أبصارهم ، [ولك](٥) التوحيد والتأنيث لتأنيث الجماعة ، نحو : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) [القلم : ٤٣] ، ولك الجمع نحو : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) ، تقول : مررت بشبان حسن [أوجههم](٦) وحسان أوجههم ، وحسنة أوجههم. قال الشاعر :

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ١١).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٨) ، والكشف (٢ / ٢٩٧) ، والنشر (٢ / ٣٨٠) ، والإتحاف (ص : ٤٠٤) ، والسبعة (ص : ٦١٧ ـ ٦١٨).

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٤).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٨٦).

(٥) في الأصل : وذلك. والتصويب من ب ، ومعاني الزجاج (٥ / ٨٦).

(٦) في الأصل : وجههم. والتصويب من ب ، ومعاني الزجاج ، الموضع السابق.

٥١٣

وشباب حسن أوجههم

من إياد بن نزار بن معد (١)

وقال أبو علي (٢) : من قرأ" خاشعا" فوجهه : أنه فعل متقدّم ، فكما أنه لم تلحقه علامة التأنيث لم يجمع ، وحسن أن لا يؤنث ؛ لأن تأنيث فاعله ليس بحقيقي.

ومن قرأ" خشّعا" فقد أثبت ما يدل على الجمع ، وهو على لفظ الإفراد ، ودلّ الجمع على ما يدلّ عليه التأنيث الذي ثبت في نحو قوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) [القلم : ٤٣] ، فلذلك ترجّح قولهم : مررت برجل حسان قومه ، على قولهم : مررت [برجل](٣) حسن قومه ؛ لأن حسانا [قد](٤) حصل فيه ما يدل على الجمع ، والجمع كالتأنيث في باب أنه يدل عليه.

وقرأ ابن مسعود : " خاشعة" (٥).

قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) الجراد مثل في الكثرة. والمعنى : يخرجون من قبورهم عند النفخة الثانية ، كأنهم في كثرتهم واضطرابهم وتموجهم جراد منبثّ في كل مكان ، ليست له جهة يقصدها.

(مُهْطِعِينَ) مذكور في إبراهيم (٦) ، يريد : مسرعين ، مادّي أعناقهم إلى صوت

__________________

(١) البيت لأبي داود الإيادي. وهو في : اللسان (مادة : خشع) ، والطبري (٢٧ / ٩٠) ، والقرطبي (١٧ / ١٢٩) ، وزاد المسير (٨ / ٩١) ، والبحر (٨ / ١٧٣) وفيه : " ورجال" بدل : " وشباب" ، والدر المصون (٦ / ٢٢٣).

(٢) الحجة للفارسي (٤ / ١١ ـ ١٢).

(٣) زيادة من ب ، والحجة للفارسي (٤ / ١٢).

(٤) مثل السابق.

(٥) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٩٠) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٣).

(٦) عند الآية رقم : ٤٣.

٥١٤

الداعي إسرافيل.

(يَقُولُ الْكافِرُونَ) لما لابسهم من أهوال القيامة وشدائدها (هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) صعب شديد.

قال ابن عباس : عسر على الكافرين ، سهل يسير على المؤمنين ، كقوله : (يَوْمٌ عَسِيرٌ* عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ)(١) [المدثر : ٩ ـ ١٠].

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(١٧)

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي : كذبت قبل أهل مكة (قَوْمُ نُوحٍ) قال صاحب الكشاف (٢) : إن قلت : ما معنى قوله : (فَكَذَّبُوا) بعد قوله : (كَذَّبَتْ)؟

قلت : معناه : كذبوا فكذبوا عبدنا ، أي : كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب ، كلما مضى منهم قرن [مكذّب](٣) تبعه قرن مكذّب. أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا ، أي : لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة : كذبوا نوحا ؛ لأنه من جملة

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٠٨).

(٢) الكشاف (٤ / ٤٣٤).

(٣) في الأصل : كذب. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

٥١٥

الرسل.

(وَقالُوا مَجْنُونٌ) أي : هو مجنون (وَازْدُجِرَ).

قال المفسرون : زجروه عن دعوته بالشتم والوعيد (١).

(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ) أي : بأنّي.

وقرأ [عيسى](٢) بن عمر : " إني" بكسر الهمزة (٣) ، على إرادة القول ، أو لتضمّن الدعاء معنى القول.

(فَفَتَحْنا) وشدّد التاء ابن عامر (٤).

قال علي عليه‌السلام : إن أبواب السماء فتحت بالماء من المجرّة ، وهي شرج السماء (٥).

(أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) منصبّ بسرعة في كثرة.

(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) تقديره : بعيون ، فحذف الجار ، وإن شئت كان" عيونا" : تمييزا ، أو حالا ، وإن شئت كان التقدير : وفجرنا من الأرض عيونا (٦).

__________________

(١) ذكره الطبري (٢٧ / ٩٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٩٢).

(٢) في الأصل : موسى. والتصويب من ب. وانظر : زاد المسير (٨ / ٩٢).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٥).

(٤) الحجة للفارسي (٤ / ١٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٩) ، والكشف (٢ / ٢٩٧) ، والنشر (٢ / ٢٥٨) ، والإتحاف (ص : ٤٠٤) ، والسبعة (ص : ٦١٨).

(٥) أخرجه البخاري في الأدب (ص : ٢٦٨) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٢٩٧ ـ ١٢٩٨ ح ٧٩٠١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٢٠). وذكره الماوردي (٥ / ٤١٢) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٧٥) وعزاه للبخاري في الأدب وابن أبي حاتم.

(٦) انظر : الدر المصون (٦ / ٢٢٦).

٥١٦

قال المفسرون : جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوما ، وفجرت الأرض من تحتهم أربعين يوما (١).

(فَالْتَقَى الْماءُ) النازل من السماء والنابع من الأرض.

وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء وعاصم الجحدري : " الماءان" (٢) ، أي : النوعان من الماء ؛ السمائي ، والأرضي.

وقرأ ابن مسعود : " المايان" بقلب الهمزة ياء (٣).

وقرأ الحسن : " الماوان" بقلب الهمزة واوا (٤) ، كقولهم : علباوان.

(عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) أي : قضي عليهم.

وقال مقاتل (٥) : قدّر الله أن يكون [الماءان](٦) سواء ، فكانا على قدر.

(وَحَمَلْناهُ) يعني : نوحا (عَلى) سفينة (ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ). قال الزجاج (٧) : الدّسر : المسامير والشّرط التي تشدّ بها الألواح ، وكل شيء كان نحو السّمر ، أو إدخال شيء في شيء بقوّة وشدّة فهو الدّسر ، يقال : دسرت المسمار أدسره دسرا (٨). والدّسر : واحدها : دسار ، نحو : حمار وحمر.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٩٢).

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٩٢) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٦).

(٣) مثل السابق.

(٤) مثل السابق.

(٥) تفسير مقاتل (٣ / ٢٩٧).

(٦) في الأصل : الماء. والتصويب من ب.

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٨٧ ـ ٨٨).

(٨) انظر : اللسان (مادة : دسر).

٥١٧

وقال عكرمة : الدّسر : صدر السفينة الذي يدسره الموج (١).

(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) أي : بمرأى منا.

وقال الضحاك : بأمرنا (٢).

وقيل : بأعين أوليائنا من الملائكة الموكلين بحفظها (٣).

والأول أصح.

(جَزاءً) مفعول له ، أي : فعلنا ذلك جزاء (٤) (لِمَنْ كانَ كُفِرَ) وهو نوح عليه‌السلام ، على معنى : مكافأة لنوح حين كفر به قومه ، وأفرطوا في أذاه ، فصبر عليهم.

وقال السدي : جزاء لتكذيبهم نوحا (٥).

قال ابن جني (٦) : تأويله : جزاء لهم لكفرهم بنوح. واللام الأولى التي هي مفعول بها محذوفة ، واللام الثانية الظاهرة في قوله : (لِمَنْ كانَ كُفِرَ) [لام المفعول له. وهناك مضاف محذوف ، أي : جزاء لهم ، لكفر من كفر](٧) ، أي : لكفرهم بمن كفروا به.

وقرأ جماعة ؛ منهم : مجاهد وقتادة : " كفر" بفتح الكاف والفاء (٨) ، على معنى :

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٤١٢) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٧٦) وعزاه لعبد بن حميد.

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ٤٢٣).

(٣) مثل السابق.

(٤) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٧).

(٥) ذكره الماوردي (٥ / ٤١٣).

(٦) المحتسب (٢ / ٢٩٨).

(٧) زيادة من المحتسب ، الموضع السابق.

(٨) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٩٤) ، والدر المصون (٦ / ٢٢٧).

٥١٨

جزاء للكافرين.

(وَلَقَدْ تَرَكْناها)(١) يعني : الفعلة [أو السفينة](٢) (آيَةً) يعتبر بها.

قال قتادة : أبقاها الله تعالى بأرض الجزيرة دهرا طويلا ، حتى نظرت إليها أوائل هذه الأمة (٣).

وقد ذكرنا ذلك وقصة هلاكهم (٤) وكيفية عمل السفينة في سورة هود (٥).

(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) متّعظ معتبر.

وقرئ : " مذتكر" على الأصل (٦).

قال الزجاج (٧) : أصله : مذتكر ، بالذال والتاء ، ولكن التاء أبدل منها الدال ، والذال من موضع التاء ، وهي أشبه بالذال (٨) من التاء ، وأدغمت الذال في الدال. وقد قال بعض العرب : " مذّكر" بالذال المعجمة ، فأدغم التاء في الأول. وهذا ليس بالوجه ، [إنما](٩) الوجه : إدغام الأولى في التاء.

__________________

(١) في الأصل : والتقدير كناها. وهو خطأ. والتصويب من ب.

(٢) في الأصل : والسفينة. والتصويب من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ٩٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٧٦) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٤) في ب : إهلاكهم.

(٥) عند الآية رقم : ٢٥ ـ ٤٤.

(٦) انظر هذه القراءة في : الدر المصون (٦ / ٢٢٧) ، والكشاف (٤ / ٤٣٦).

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٨٨).

(٨) في معاني الزجاج : بالدال.

(٩) زيادة من معاني الزجاج (٥ / ٨٨).

٥١٩

قال قتادة : هل من طالب خير فيعان عليه (١).

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي) استفهام بمعنى التعظيم والتفخيم لذلك العذاب الشديد ، والتخويف [لكفار](٢) قريش (٣).

قرأ يعقوب : " ونذري" بإثبات الياء في الحالين ، في المواضع الستة في هذه السورة ، وافقه في الوصل ورش عن نافع. وقرأ الباقون بحذفها في الحالين (٤).

قال ابن قتيبة (٥) : النّذر هاهنا : جمع نذير ، وهو بمعنى الإنذار.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي : سهّلناه للحفظ والتلاوة ، على ذوي الألسنة المختلفة ، حتى إن الأعجمي والعجمي يشارك الفصيح والعربي في تلاوته وحفظه ، إعانة للمتذكرين ، وتيسيرا لطريق [الوصول](٦) إلى الاتعاظ به.

قال سعيد بن جبير : ليس كتاب من كتب الله تعالى يقرأ كله [ظاهرا](٧) إلا القرآن (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٩٦). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٧٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

(٢) في الأصل : لكافر. والمثبت من ب.

(٣) في ب : مكة.

(٤) الحجة للفارسي (٤ / ١٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٠) ، والكشف (٢ / ٢٩٨) ، والنشر (٢ / ٣٨٠) ، والإتحاف (ص : ٤٠٤) ، والسبعة (ص : ٦١٨).

(٥) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٣٢).

(٦) في الأصل : الموصل. والمثبت من ب.

(٧) في الأصل : طاهرا. والتصويب من ب.

(٨) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٠٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٩٥).

٥٢٠