رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

سورة النجم

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي [إحدى](١) وستون آية في المدني ، واثنتان في الكوفي (٢). وهي مكية بإجماعهم.

واستثنى ابن عباس ومقاتل وقتادة آية ، وهي قوله تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ) ... الآية (٣).

قال مقاتل (٤) : هذه أول سورة أعلنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة.

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢) وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)(٤)

قال الله تعالى : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) اختلف العلماء في تفسيره على خمسة أقوال :

أحدها : أنه الثريا ، وهو اسم غالب لها (٥).

__________________

(١) في الأصل : أحد. والتصويب من ب.

(٢) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٣٤).

(٣) انظر : الإتقان (١ / ٥٣) ، والماوردي (٥ / ٣٨٩) ، وزاد المسير (٨ / ٦٢).

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٢٨٩).

(٥) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٠ ـ ٤١) وهو اختياره ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٨). وذكره السيوطي في ـ

٤٦١

قال ابن قتيبة (١) : العرب تسمي الثريا ـ وهي ستة أنجم ـ : نجما.

وقال غيره : هي سبعة ، فستة ظاهرة ، وواحد خفي ، يمتحن به الناس أبصارهم.

والمعنى : والنجم إذا سقط وغاب.

الثاني : أنه النجم من نجوم القرآن (٢) ، فإنه نزل نجوما متفرقة ، على ما ذكرناه في مقدمة الكتاب. والقولان عن مجاهد.

الثالث : أنه النجم الذي ترمى به الشياطين إذا هوى وانقضّ للرجم (٣). وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس.

الرابع : أنه اسم جنس ، يريد : النجوم إذا غربت أو تناثرت يوم القيامة. روي عن مجاهد (٤).

الخامس : أنها الزهرة. قاله السدي (٥).

وقد روى عروة بن الزبير عن رجال من أهل بيته قالوا : كانت بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند عتبة بن أبي لهب ، فأراد الخروج إلى الشام ، فقال : لآتين محمدا فلأوذينه ،

__________________

ـ الدر (٧ / ٦٤٠) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد. ومن طريق آخر عن ابن عباس ، وعزاه لابن المنذر.

(١) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٢٧).

(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٠). وذكره الماوردي (٥ / ٣٨٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٢) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٤١) وعزاه لابن جرير عن مجاهد.

(٣) ذكره الماوردي (٥ / ٣٨٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٢).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٣).

(٥) ذكره الماوردي (٥ / ٣٨٩) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٣).

٤٦٢

فأتاه فقال : يا محمد! هو يكفر بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى ، ثم تفل في وجهه ، وردّ عليه ابنته فطلّقها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك. قال : وأبو طالب حاضر ، فوجم (١) لها ، وقال : ما كان أغناك يا ابن أخي عن هذه الدعوة ، فرجع عتبة إلى أبيه فأخبره بذلك ، ثم خرجوا إلى الشام ونزلوا منزلا ، فأشرف عليهم راهب من الدير فقال : هذه أرض مسبعة (٢) ، فقال أبو لهب لأصحابه : أغيثونا يا معاشر قريش هذه الليلة ، فإني أخاف على ابني دعوة محمد ، فجمعوا [له](٣) أحمالهم وفرشوا لعتبة في أعلاها ، وناموا حوله ، فجاء الأسد فجعل يتشمم وجوههم ، ثم ثنى ذنبه فوثب وضرب عتبة بيده ضربة واحدة فخدشه ، فقال : قتلني ، ومات مكانه (٤). ففي ذلك يقول حسان بن ثابت :

من يرجع العام إلى أهله

فما أكيل السّبع بالرّاجع (٥)

قوله تعالى : (ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ) يعني : محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وهذا جواب القسم ، والخطاب لقريش.

والمعنى : ما ضل عن طريق الهدى (وَما غَوى).

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) أي : ما يتكلم بالباطل. وهذا تكذيب لهم حيث

__________________

(١) الوجوم : السكوت على غيظ. والواجم : الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام. وقيل : الوجوم : الحزن (اللسان ، مادة : وجم).

(٢) أرض مسبعة : أي : ذات سباع (اللسان ، مادة : سبع).

(٣) ساقط من ب.

(٤) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٨٣).

(٥) البيت لحسان بن ثابت. انظر : حياة الحيوان للدميري (٢ / ٤٤٦) ، والقرطبي (٦ / ٥٠) ، والكشاف (٤ / ٤١٩) ، وروح المعاني (٣٠ / ٢٦٢).

٤٦٣

زعموا أنه جاء بالقرآن من تلقاء نفسه ، ثم أكد ذلك بقوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) أي : ما القرآن إلا وحي من الله تعالى أوحاه إليه.

وربما احتج بهذه الآية من لم يجوز للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يجتهد فيما لم ينزل عليه فيه وحي ، ولا حجة فيها ؛ لأنه إذا كان مأذونا له في الاجتهاد فهو من الوحي.

(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧) ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠) ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١) أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(١٨)

(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) وهو جبريل صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ومن آثار قوته : اقتلاعه قرى قوم لوط حاملا لها على جناحه ، رافعا لها إلى السماء ، وصياحه بثمود فأصبحوا جاثمين.

(ذُو مِرَّةٍ) حصافة في عقله ورأيه ، ومتانة في دينه.

وقال أكثر المفسرين : ذو شدّة في خلقه.

(فَاسْتَوى * وَهُوَ) أي : استوى جبريل ومحمد (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) ، ليلة أسري بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فتكون الواو في" وهو" عاطفة على الضمير في" استوى" غير مؤكد ،

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٢) عن قتادة ، ومن طريق آخر عن الربيع ، ومن طريق آخر عن مجاهد.

٤٦٤

كقول الشاعر :

ألم تر أنّ النبع يصلب عوده

ولا يستوي والخروع المتقصّف (١)

وعليه حملوا أيضا قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا) [النمل : ٦٧].

وقيل : فاستوى جبريل ، أي : استقام وهو بالأفق الأعلى على صورته الحقيقية التي جبل عليها ، فإنه كان يتمثل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا هبط عليه في صورة رجل ، فأحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينظره في صورته الملكيّة التي خلق عليها ، فاستوى في أفق المشرق فملأ الأفق.

قال مجاهد : " الأفق الأعلى" : مطلع الشمس (٢).

وقال غيره : إنما قيل : الأعلى ؛ لأنه فوق جانب المغرب في صعيد الأرض ، لا في الهواء (٣).

قال المفسرون : سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جبريل أن يريه نفسه في صورته التي خلق عليها ، فأراه نفسه مرتين ، مرة في الأرض ، ومرة في السماء. فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى ، وذلك أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بحراء ، فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب ، فخرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مغشيا عليه ، فنزل جبريل في صورة الآدميين ، فضمّه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه. وأما في السماء فعند

__________________

(١) البيت لجرير ، انظر : شرح ديوانه (١ / ٣٧٩) ، ومعاني الفراء (٣ / ٩٥) ، وتفسير ابن كثير (٤ / ٢٤٩) ، والطبري (٢٧ / ٤٣) ، والقرطبي (١٧ / ٨٥).

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ٣٩٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٥) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٤٤) وعزاه لابن المنذر عن ابن عباس.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٥).

٤٦٥

سدرة المنتهى (١).

وفي الصحيحين من حديث عائشة : «ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين» (٢).

فعلى هذا القول ، يكون الواو في" وهو" للحال.

قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) قال الفراء (٣) : المعنى : ثم تدلى فدنا ، ولكنه جائز أن تقدّم أيّ الفعلين شئت إذا كان المعنى فيهما واحدا ، تقول : دنا فقرب وقرب فدنا ، وشتم فأساء وأساء فشتم.

وقال الزجاج (٤) : " دنا" بمعنى : قرب ، " فتدلى" : زاد في القرب. ومعنى اللفظين واحد.

وفي المشار إليه بقوله : " دنا" ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه الله عزوجل. ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال : «دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى» (٥).

وقال ابن عباس : دنا ربه فتدلى (٦). وهو اختيار مقاتل قال (٧) : دنا الرب عزوجل من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسري به ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٣).

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤٠ ح ٤٥٧٤) ، ومسلم (١ / ١٥٩ ح ١٧٧).

(٣) معاني الفراء (٣ / ٩٥).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٧٠).

(٥) أخرجه البخاري (٦ / ٢٧٣١ ح ٧٠٧٩). ولم أقف عليه عند مسلم.

(٦) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٤٥) وعزاه لابن جرير وابن مردويه.

(٧) تفسير مقاتل (٣ / ٢٨٩).

٤٦٦

القول الثاني : أنه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم دنا من ربه عزوجل. قاله القرظي (١).

الثالث : أنه جبريل عليه‌السلام (٢).

قال الحسن وقتادة : دنا بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض ، فتدلى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣).

ويقال : " تدلّى" : تعلّق عليه في الهواء. ومنه : تدلّت الثمرة ، ودلّى رجليه من السرير. والدّوالي : الثمر المعلّق (٤). ويقال : هو مثل القرلّى ، إن رأى خيرا تدلى ، وإن [لم](٥) يره تولى.

والقرلّى : طائر من طير الماء ، إحدى رجليه أطول من الأخرى.

(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) القاب والقيب ، والقاد والقيد ، والقاس والقيس : المقدار.

وقرأ ابن مسعود وأبو رزين : " قاد قوسين" بالدال (٦).

والمعنى : فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين.

قال الكسائي : هي لغة حجازية ، يقال : كان مني قاب قوسين ، وقيد قوسين (٧).

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٣٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٦).

(٢) مثل السابق.

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٣) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٦).

(٤) انظر : اللسان (مادة : دلا).

(٥) زيادة من ب.

(٦) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٦٦).

(٧) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٣).

٤٦٧

قال ابن قتيبة (١) : قدر قوسين عربيتين.

قال ابن عباس : هي القوس التي يرمى بها (٢). وهو قول مجاهد وعكرمة (٣).

وقال ابن مسعود : قدر ذراعين (٤). ويروى مرفوعا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حديث أنس (٥).

قال الواحدي (٦) : فيكون المراد بالقوس على هذا القول : ما ينقاس به الشيء.

قال ابن السكيت : قاس الشيء يقوسه قوسا ، لغة في قاسه يقيسه قياسا ؛ إذا قدّره (٧).

ويحتمل عندي أن يكون الحديث وتفسير ابن مسعود تفسيرا لقاب قوسين ، فإنه بمقدار ذراعين تقريبا.

قال الكسائي : أراد بالقوسين قوسا واحدا (٨).

ويقال : القاب : ما بين المقبض والسّية ، فكل قوس له قابان (٩).

__________________

(١) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٢٨).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٣ ـ ١٩٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٧).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط ، الموضع السابق.

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٥). وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٤٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٥) انظر : الطبري (٢٧ / ٤٥) ، والدر المنثور (٧ / ٦٥٢).

(٦) الوسيط (٤ / ١٩٤).

(٧) انظر : اللسان (مادة : قيس).

(٨) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٧).

(٩) انظر : اللسان (مادة : قوب).

٤٦٨

قال ابن قتيبة : السّية : ما عطف من طرفي القوس (١).

(أَوْ أَدْنى) قال مقاتل (٢) : بل أدنى.

وقيل : المعنى : كان على ما تقدّرونه أنتم قدر قوسين أو أقل. وهذا مثل قوله تعالى : (أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧].

قوله تعالى : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ) أي : أوحى الله تعالى إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (ما أَوْحى) كفاحا. وهذا قول من قال : كان ليلة المعراج.

وقال ابن عباس في رواية عطاء : فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أوحى إليه (٣).

وقالت عائشة والحسن وقتادة : فأوحى إلى عبده جبريل ما أوحى (٤).

وقوله : (ما أَوْحى) تفخيم للوحي الذي أوحي إليه.

قال سعيد بن جبير : أوحى إليه : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) [الضحى : ٦] إلى قوله : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(٥) [الشرح : ٤].

وقيل : أوحى إليه أن الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها ، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك (٦).

قوله تعالى : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) وقرأ أبو جعفر وهشام : " ما كذّب"

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : سيا).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٢٨٩).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٥).

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٧). وذكره الماوردي (٥ / ٣٩٣).

(٥) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٢٤٦).

(٦) ذكره الثعلبي في تفسيره (٩ / ١٣٩).

٤٦٩

بالتشديد (١) ، على معنى : ما أنكر فؤاده ما رأت عيناه بل صدّقه.

ومعنى الآية على قراءة الأكثرين : ما أوهمه فؤاده أنه رأى ولم ير ، بل رأى شيئا فصدق به ، يقال : كذبه ـ بالتخفيف ـ ؛ إذا قال له الكذب (٢).

قال ابن عباس وأنس والحسن وعكرمة وجمهور المفسرين : رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه بعيني رأسه (٣).

وكان الحسن يحلف بالله : لقد رأى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ربه تبارك وتعالى (٤).

وقال ابن مسعود وعائشة : رأى جبريل على صورته التي خلق عليها (٥).

أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد الطوسي في كتابه (٦) قال : أخبرنا أبو محمد العباس بن محمد بن العباس ، ويعرف بعباسة ، قال : أخبرنا محمد بن سعيد ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرنا الحسين بن محمد الثقفي ، حدثنا أبو علي بن حبيش المقرئ ، أخبرنا علي بن زنجويه ، حدثنا سلمة ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن عيينة ، عن مجالد بن سعيد ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن الحارث قال : اجتمع ابن عباس وكعب ، فقال ابن عباس : إنا نحن بني هاشم نقول : إن محمدا رأى ربه مرتين ،

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٥) ، والكشف (٢ / ٢٩٤) ، والنشر (٢ / ٣٧٩) ، والإتحاف (ص : ٤٠٢) ، والسبعة (ص : ٦١٤).

(٢) انظر : اللسان (مادة : كذب).

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ٤٨). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٨) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٦٤٧) وعزاه لابن مردويه عن ابن عباس.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٥).

(٥) أخرجه مسلم (١ / ١٥٩ ح ١٧٧).

(٦) في ب : الطوسي كتابة.

٤٧٠

فقال : تعجبون أن الخلّة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلّى الله عليهم أجمعين ، قال : فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال ، فقال : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى صلّى الله عليهما ، فكلّم (١) موسى ورآه محمد عليهما الصلاة [والسّلام](٢). (٣).

قال [مجالد](٤) : وقال الشعبي : وأخبرني مسروق أنه قال لعائشة : يا أماه! هل رأى محمد ربه قط؟ قالت : إنك لتقول قولا إنه ليقف منه شعري. قال : قلت : رويدا ، فقرأت عليها : (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) إلى قوله : (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) فقالت : رويدا أين يذهب بك؟ إنما رأى جبريل عليه‌السلام في صورته ، من حدثك أن محمدا رأى ربه فقد كذب ، والله تعالى يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] ، ومن حدثك أنه يعلم الخمس من الغيب فقد كذب ، والله تعالى يقول : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ... الآية [لقمان : ٣٤] ، ومن حدثك أن محمدا قد كتم شيئا من الوحي فقد كذب ، والله يقول : (بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ... الآية (٥) [المائدة : ٦٧].

__________________

(١) في ب : فكلمه.

(٢) زيادة على الأصل.

(٣) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٩٤ ح ٣٢٧٨) ، والحاكم (٢ / ٣٠٩ ح ٣١١٤) ، والثعلبي في تفسيره (٩ / ١٤١). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٤٧) وعزاه لعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي.

(٤) في الأصل : مجاهد. والتصويب من ب.

(٥) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٩٤ ح ٣٢٧٨) ، والثعلبي في تفسيره (٩ / ١٤١) ، والطبري (٢٧ / ٥١).

وذكره السيوطي في الدر المنثور (٧ / ٦٤٧) وعزاه لعبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر ـ

٤٧١

قال عبد الرزاق : فذكرت هذا الحديث لمعمر فقال : ما عائشة عندنا بأعلم من [ابن](١) عباس (٢).

قوله تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) قرأ حمزة والكسائي : " أفتمرونه" بفتح التاء وسكون الميم من غير ألف (٣) ، على معنى : أفتجحدونه ، يقال : مريته حقّه ؛ إذا جحدته (٤) ، وأنشدوا :

لئن جحدت (٥) أخا صدق ومكرمة

لقد مريت أخا ما كان يمريكا (٦)

وقيل : المعنى : أفتغلبونه في المراء ، من ماريته فمريته. قالوا : ولما فيه من معنى الغلبة ، عدّي ب" على" ، كما تقول : غلبته على كذا ، وهذه القراءة اختيار أبي عبيد ، وبها قرأ علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعائشة ، ومسروق ، والنخعي ، وخلف ، ويعقوب. ومثل هذه القراءة قراءة طلحة بن مصرّف ، وسعيد بن جبير ، غير أنهما ضمّا التاء (٧) ، على معنى : أفتوقعونه في المرية والشك.

__________________

ـ والحاكم وابن مردويه.

(١) زيادة من ب.

(٢) ذكره الثعلبي في تفسيره (٩ / ١٤١) ، والنووي في شرحه على صحيح مسلم (٣ / ٥).

(٣) الحجة للفارسي (٤ / ٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٥) ، والكشف (٢ / ٢٩٤) ، والنشر (٢ / ٣٧٩) ، والإتحاف (ص : ٤٠٢) ، والسبعة (ص : ٦١٤ ـ ٦١٥).

(٤) انظر : اللسان (مادة : مرا).

(٥) في ب : هجرت.

(٦) البيت لم أعرف قائله. وهو في : البحر (٨ / ١٥٧) وفيه : " سخرت" بدل : " جحدت" ، والدر المصون (٦ / ٢٠٦) ، والقرطبي (١٧ / ٩٣) ، وروح المعاني (٢٧ / ٤٩) ، والكشاف (٤ / ٤٢١).

(٧) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ١٥٧) ، والدر المصون (٦ / ٢٠٦).

٤٧٢

وقرأ الأكثرون : " أفتمارونه" من المراء ، وهو الملاحاة والمجادلة ، واشتقاقه من : مريت النّاقة (١) ، كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه.

(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) أي مرة أخرى من النزول.

قال ابن عباس : رأى محمد ربه ، وذاك أنه كان يتردد لأجل الصلوات ، فرآه مرة أخرى في بعض تلك المرات (٢) ، وهو قول كعب أيضا على ما حكيناه آنفا.

وقال ابن مسعود وعائشة : هذه الرؤية لجبريل أيضا (٣) ، فإنه رآه على صورته مرتين ، كما ذكرناه.

قالت عائشة : أنا أول من سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن هذه الآية فقال : هو جبريل (٤).

والسّدرة : شجرة النّبق.

وقد صحّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : نبقها مثل قلال هجر (٥) ، وورقها مثل آذان الفيلة (٦).

وهي فوق السماء السابعة ، على ما في حديث مالك بن صعصعة (٧).

__________________

(١) مريت الناقة : أي : مسحت ضرعها لتدرّ (اللسان ، مادة : مرا).

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٨).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٦٩).

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ٥٠).

(٥) القلال : جمع قلّة ، وهي الجرة العظيمة (اللسان ، مادة : قلل) ، وهجر : قرية قرب المدينة (معجم البلدان ٥ / ٣٩٣).

(٦) أخرجه البخاري (٣ / ١١٧٣ ح ٣٠٣٥).

(٧) أخرجه البخاري ، الموضع السابق ، ومسلم (١ / ١٤٩ ح ١٦٤).

٤٧٣

قال مقاتل (١) : هي عن يمين العرش. قال : ولو أن ورقة من ورقها وضعت في الأرض ، لأضاءت لأهل الأرض [نورا](٢) ، تحمل الحليّ والحلل والثمار من جميع الألوان.

وفي أفراد مسلم من حديث ابن مسعود : أنها في السماء السادسة (٣). وقد ذكرنا الحديث بتمامه عند قوله : (آمَنَ الرَّسُولُ) في البقرة (٤).

قال المفسرون : سميت سدرة المنتهى ؛ لأن إليها ينتهي ما يصعد به من الأرض ، فيقبض منها ، وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها ، وإليها ينتهي علم الملائكة (٥).

وقيل : إليها تنتهي أرواح الشهداء ، وأرواح من مات على منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وفي حديث أبي هريرة قال : لما أسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم انتهى إلى السدرة ، فقيل له : هذه سدرة المنتهى ، ينتهي إليها كلّ أحد من أمتك على سنّتك (٦).

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ٢٩٠).

(٢) زيادة من تفسير مقاتل ، الموضع السابق.

(٣) أخرجه مسلم (١ / ١٥٧ ح ١٧٣).

(٤) آية رقم : ٢٨٥.

(٥) أخرجه مسلم (١ / ١٥٧ ح ١٧٣) ، والنسائي في الصغرى (١ / ٥٤٨ ح ١٠٠١) ، وابن أبي شيبة (٦ / ٣١٢ ح ٣١٦٩٧) ، وأحمد (١ / ٣٨٧ ح ٣٦٦٥ ، ١ / ٤٢٢ ح ١٠١١) ، والطبري (٢٧ / ٥٢) كلهم من حديث ابن مسعود. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٤٩) وعزاه لأحمد وعبد بن حميد ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود.

(٦) أخرجه الطبري (٢٧ / ٥٣).

٤٧٤

(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) قال ابن عباس : هي عن يمين العرش ، وهي منزل الشهداء (١) ، نظيره : (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً) [السجدة : ١٩].

وقرأ معاذ القارئ وابن يعمر وأبو نهيك : " عنده" (٢) على ضمير المذكر.

وقرأ جماعة ؛ منهم : علي ، وأنس ، وعبد الله بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، والشعبي ، ومحمد بن كعب ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وأبو العالية : " جنّه المأوى" (٣) ، أي : ستره بظلاله ودخل فيه.

وقيل : عندها أدركه المبيت ، والضمير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال [ثعلب](٤) : يريد : " أجنّه" وهي شاذة (٥).

قوله تعالى : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) لم أر أحدا ذكر بما ذا يتعلق الظرف هاهنا ، ولا يخلو من أمرين ؛ إما أن يتعلق ب" رآه" على معنى : رأى محمد جبريل عليهما‌السلام، أو رأى ربه ، (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى).

قال عطية : غشيها الجبار عزوجل.

وفي [الحديث](٦) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «غشيها نور الخلاق ، وغشيتها الملائكة من

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٥٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٥١) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم.

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٦٩).

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير ، الموضع السابق ، والدر المصون (٦ / ٢٠٧). وقد ردّت عائشة هذه القراءة ، وتبعها جماعة ، وقالوا : أجنّ الله من قرأها.

(٤) زيادة من ب.

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٧٠).

(٦) في الأصل : حديث. والمثبت من ب.

٤٧٥

حب الله عزوجل ، أمثال الغربان يقعن على الشجر» (١).

وفي الحديث أيضا : يغشاها رفرف من طير خضر (٢).

وقال ابن مسعود : يغشاها فراش من ذهب (٣).

وفي حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لما غشيها من أمر الله تعالى ما غشيها تغيرت ، فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها (٤).

وإما أن يتعلق بقوله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) أي : ما مال بصر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولا تجاوز ما رأى ، أو ما أمر به حين غشي السدرة ما غشيها من التهاويل والأنوار والملائكة.

قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انتهيت إلى السدرة وأنا أعرف أنها سدرة المنتهى ، فأعرف ثمرها [وورقها](٥) ، فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تحولت ياقوتا وزمردا ، حتى ما يستطيع أحد أن يصفها» (٦).

قوله تعالى : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) قال ابن مسعود : رأى رفرفا أخضر [من](٧) الجنة قد سدّ الأفق (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ٥٦) من حديث الربيع.

(٢) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٩٧).

(٣) أخرجه مسلم (١ / ١٥٧ ح ١٧٣).

(٤) أخرجه مسلم (١ / ١٤٦ ح ١٦٢).

(٥) في الأصل : ووقها. والتصويب من ب.

(٦) أخرجه أحمد (٣ / ١٢٨ ح ١٢٣٢٣) ، والطبري (٢٧ / ٥٤) من حديث أنس رضي الله عنه.

(٧) في الأصل : في. والمثبت من ب.

(٨) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٤١ ح ٤٥٧٧) ، وأحمد (١ / ٤٤٩ ح ٤٢٨٩) ، والطبراني في الكبير ـ

٤٧٦

قال الضحاك : سدرة المنتهى (١).

وقال عبد الرحمن بن زيد : رأى جبريل في صورته (٢).

قال ابن جرير (٣) : رأى من أعلام ربه وأدلته الكبرى.

(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١) تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢) إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣) أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥) وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى)(٢٦)

قال الزجاج (٤) : لما قصّ الله تعالى هذه القصص قال : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى* وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) كأن المعنى ـ والله أعلم ـ : أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها ، هل لها من هذه القدرة والعظمة التي وصف بها ربّ العزة شيء.

__________________

ـ (٩/٢١٦ ح ٩٠٥١)، والطبري (٢٧/٥٧). وذكره السيوطي في الدر (٧/٦٥١) وعزاه للفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري وابن حرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردوية وأبي نعيم والبيهقي معاُ في الدلائل.

(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٩٨).

(٢) أخرجه الطبري (٢٧ / ٥٧).

(٣) تفسير الطبري (٢٧ / ٥٧).

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٧٢).

٤٧٧

قرأ رويس عن يعقوب ، وروى هبة الله عن اللهبي : " اللّاتّ" بتشديد التاء ، وهي قراءة ابن عباس ، وأبي رزين ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، ومجاهد ، وأبي صالح ، والضحاك ، وابن السميفع ، والأعمش في آخرين ، واتفقوا على الوقف بالتاء اتباعا للمصحف ، وكذلك" مناة" إلا الكسائي ، فإنه وقف على الهاء في الموضعين.

وقرأ الأكثرون والباقون من العشرة بتخفيف التاء (١).

فمن شدّد التاء قال : هو رجل كان يلتّ السّويق (٢) للحاج ، فلما مات عكفوا على قبره فعبدوه.

قال أبو صالح : كان بالطائف وكان يقوم على آلهتهم ، ويلتّ لهم السويق ، فلما مات عبدوه (٣).

وقال الزجاج (٤) : زعموا أن رجلا كان يلتّ السويق ويبيعه عند ذلك الصنم ، فسمّي الصنم : اللاتّ ـ بالتشديد ـ.

وجمهور القراءة على تخفيف التاء ، وهو اسم صنم لثقيف ، وكانوا يشتقون لآلهتهم أسماء من أسماء الله تعالى ، فقالوا من الله : اللّات ، وكذلك اختار الكسائي الوقف على الهاء (٥).

__________________

(١) النشر (٢ / ٣٧٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٠٢).

(٢) السّويق : ما يتّخذ من الحنطة والشعير (اللسان ، مادة : سوق).

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ٥٩). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦٥٣) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٧٣).

(٥) قال ابن الجزري في النشر (٢ / ٣٧٩) : وما وقع في كتب بعضهم من أن الكسائي وحده يقف بالهاء والباقون بالتاء ؛ فوهم لعله انقلب عليهم من" الّلات".

٤٧٨

قال الخطابي (١) : صرفه الله إلى اللّات صيانة لهذا الاسم ، وذبّا عنه.

وقالوا من العزيز : العزّى ، وهي تأنيث الأعز.

قال مجاهد : وهي سمرة بنخلة لغطفان يعبدونها (٢).

وهي التي بعث إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، فجعل خالد يضربها بالفأس ويقول :

يا عزّ كفر انك لا سبحانك

إني رأيت الله قد أهانك (٣)

فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها ، واضعة يدها على رأسها ، تدعو بالويل ، فقتلها خالد ، فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال : تلك العزّى ، ولن تعبد أبدا (٤).

قرأ ابن كثير والشموني : [" ومناءة"](٥) بالمد والهمز. وقرأ الباقون من العشرة بغير مد ولا همز (٦) ، وهما لغتان ، والتي هي قراءة الأكثرين هي (٧) أعلى اللغتين.

قال أبو عبيدة : لم أسمع فيه المد.

__________________

(١) شأن الدعاء (ص : ٣١).

(٢) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٩٩) بلا نسبة ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٧٢).

(٣) انظر البيت في : اللسان (مادة : عزز) ، والقرطبي (١٧ / ١٠٠) ، وروح المعاني (٢٧ / ٥٥) ، والبحر (٨ / ١٥٨).

(٤) أخرجه النسائي (٦ / ٤٧٤ ح ١١٥٤٧).

(٥) في الأصل : ومناء. والمثبت من ب.

(٦) الحجة للفارسي (٤ / ٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٨٥) ، والكشف (٢ / ٢٩٦) ، والنشر (٢ / ٣٧٩) ، والإتحاف (ص : ٤٠٣) ، والسبعة (ص : ٦١٥).

(٧) ساقط من ب.

٤٧٩

وقال أبو علي (١) : لعل" مناءة" ـ بالمد ـ لغة ، ولم أسمع بها عن أحد من رواة اللغة.

وقال بعض العلماء : أصلها : الهمز ، من النّوء ، كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركا بها ، وأنشدوا :

ألا هل أتى زيد بن عبد مناءة

على الشيء فيما بيننا ابن تميم (٢)

وقال جرير في اللغة العالية :

أزيد مناة توعد يا ابن تيم

تبيّن أين تاه بك الوعيد (٣)

قال الضحاك : مناة صنم لهذيل وخزاعة (٤).

وقال قتادة : بل كانت للأنصار (٥).

قال صاحب الكشاف (٦) : سميت بذلك ؛ لأن دماء المناسك [كانت](٧) تمنى عندها ، أي : تراق.

__________________

(١) الحجة للفارسي (٤ / ٥).

(٢) البيت لهوبر الحارثي. انظر : ديوان أبي تمام (٣ / ٣٤٤) ، واللسان (مادة : شظي ، مني) ، والبحر المحيط (٨ / ١٥٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٠٨) ، والقرطبي (١٧ / ١٠٢) ، وروح المعاني (٢٧ / ٥٥). ويروى البيت : " الشنء" و" النأي" بدل : " الشيء".

(٣) البيت لجرير. انظر : ديوانه (ص : ١٢٦) ، والبحر (٨ / ١٥٩) ، والدر المصون (٦ / ٢٠٨) ، والحجة للفارسي (٤ / ٥).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٧٢).

(٥) مثل السابق.

(٦) الكشاف (٤ / ٤٢٤).

(٧) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق. وفي نسخة ب : كأنها. وكتب على الهامش : صوابه : كانت.

٤٨٠