رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

قوله : " يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير" إشارة إلى أنه يبطل دين النصرانية ، ويحكم بالشريعة المحمدية.

قوله : " ويضع الجزية" أي : يسقطها ، ويحمل أهل الكتاب على دين الإسلام.

وقيل : معنى وضع الجزية : أن المال يكثر حتى لا يوجد محتاج ، يدل عليه تمام الحديث.

وفي حديث آخر : «أن عيسى عليه‌السلام ينزل على ثنية من الأرض المقدسة ، يقال لها : أفيق (١) ، وعليه ممصّرتان (٢) ، وشعر رأسه دهين ، وبيده حربة ، هي التي يقتل بها الدجّال ، فيأتي بيت المقدس والناس في صلاة الغداة والإمام يؤم بهم ، فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى عليه‌السلام ، ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقتل الخنزير ، ويكسر الصليب ، ويخرّب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلا من آمن به» (٣).

قوله تعالى : واتبعوني أي : اتبعوا هداي وشرعي ، (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) أي : هذا الذي أدعوكم إليه ، أو هذا القرآن ، على قول الحسن وسعيد (٤).

قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ) آيات الإنجيل وما أوتي من العلم ، (قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) لأنهم كانوا

__________________

(١) أفيق ، بوزن : أمير ، والمراد بها : القدس الشريف (روح المعاني ٢٥ / ٩٦).

(٢) أي : حلتان.

(٣) قال ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف (٣ / ٢٥٤) : غريب بهذا اللفظ ، وهو في تفسير الثعلبي هكذا من غير سند ، وهو مفرق في غضون الأحاديث.

(٤) ذكره الماوردي (٥ / ٢٣٦) عن الحسن.

١٤١

يختلفون في أمور دينية وغير دينية ، فجاء ببيان ما اختلفوا فيه من الدين.

وما بعده مفسّر إلى قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) الموحدين العاملين بطاعة الله تعالى ، فإن خلّتهم تزداد يوم القيامة وتقربهم إلى الله تعالى.

قال مقاتل (١) : نزلت في أمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط.

(يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١) وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ)(٧٣)

قال محمد بن جرير رحمه‌الله (٢) : حدثنا ابن عبد الأعلى قال : [حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال](٣) : حدثنا المعتمر ، عن أبيه قال : سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع ، فينادي مناد : يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها الناس كلهم ، فيتبعها الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، فييأس [الناس](٤) منها غير المسلمين.

__________________

(١) تفسير مقاتل (٣ / ١٩٥).

(٢) تفسير الطبري (٢٥ / ٩٥).

(٣) زيادة من تفسير الطبري ، الموضع السابق.

(٤) مثل السابق.

١٤٢

وفي لفظ آخر : ينادي مناد يوم القيامة : يا عبادي ... الآية ، [فيرفع](١) الخلائق رؤوسهم ، فيقول : الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، فينكس الكفار رؤوسهم (٢).

وقوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا) في محل النصب صفة ل" عبادي" (٣).

(ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) قرناؤكم أو زوجاتكم ، " تحبرون" تنعمون وتسرون سرورا يظهر حباره ، أي : أثره عليكم.

وقد فسرنا" تحبرون" في سورة الروم (٤).

قوله تعالى : (يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) الصّحاف : جمع صحفة ، وهي القصعة (٥) ، والأكواب : جمع كوب ، وهو إناء مستدير لا عروة له (٦).

قال الفراء وغيره (٧) : الكوب : [الكوز](٨) المستدير الرأس الذي لا عروة له ولا خرطوم. قال عدي :

متّكئا تصفق أبوابه

يسعى عليه العبد بالكوب (٩)

__________________

(١) في الأصل : فيرجع. والتصويب من زاد المسير (٧ / ٣٢٧).

(٢) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٢٧).

(٣) انظر : الدر المصون (٦ / ١٠٦).

(٤) عند الآية رقم : ١٥.

(٥) انظر : اللسان (مادة : صحف).

(٦) انظر : اللسان (مادة : كوب).

(٧) انظر : معاني الفراء (٣ / ٣٧) ، وزاد المسير (٧ / ٣٢٨) ، واللسان (مادة : كوب).

(٨) زيادة من زاد المسير ، الموضع السابق.

(٩) البيت لعدي بن زيد ، وهو في : اللسان (مادة : كوب ، صفق) ، ومعاني الفراء (٣ / ٣٧) ، والدر ـ

١٤٣

وقال الأعشى :

صريفيّة [طيّب](١) طعمها

لها زبد بين كوب ودنّ (٢)

قال بعض أهل [اللغة](٣) : إنما كانت بغير عرى ليشرب الشارب من أين ناحية منها شاء (٤).

أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أدنى أهل الجنة منزلة لمن له سبع درجات ، وهو على السادسة وفوقه سبعة ، وإن له لثلاثمائة خادم ، ويغدى عليه ويراح بثلاثمائة صحفة ، ولا أعلمه [إلا قال](٥) : من ذهب في كل صحفة لون ليس في الأخرى ، وإنه ليلذ أوله كما [يلذ](٦) آخره ، وإنه ليقول : يا رب لو أذنت [لي](٧) لأطعمت أهل الجنة وسقيتهم [لم ينقص](٨) مما عندي شيء ، وإن له من الحور العين لاثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه التي في الدنيا ، وإن الواحدة منهن لتأخذ مقعدها قدر ميل من

__________________

ـ المصون (٦ / ١٠٦) ، والقرطبي (١٦ / ١١٤) ، وزاد المسير (٧ / ٣٢٨) ، والبحر (٨ / ٦).

(١) في الأصل : طيبا. والتصويب من مصادر البيت.

(٢) البيت للأعشى ، وهو في : اللسان (مادة : صرف) ، والطبري (٢٥ / ٩٦ ، ٢٧ / ١٧٤) ، والقرطبي (١٦ / ١١٤).

(٣) زيادة على الأصل. وانظر : زاد المسير (٧ / ٣٢٨).

(٤) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٢٨) من قول أبي منصور اللغوي.

(٥) في الأصل : قال إلا. والتصويب من المسند (٢ / ٥٣٧).

(٦) في الأصل : يذل. والتصويب من المسند ، الموضع السابق.

(٧) زيادة من المسند ، الموضع السابق.

(٨) في الأصل : لا نقص. والمثبت من المسند ، الموضع السابق.

١٤٤

الأرض» (١).

وقرأت على أبي المجد القزويني ، أخبركم أبو منصور الطوسي فأقرّ به قال : حدثنا الحسين بن مسعود الفراء قال : أخبرنا ابن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر [الحارثي](٢) ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله بن محمود ، أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، عن محمد بن سليم ، عن الحجاج بن عتاب العبدي (٣) ، عن عبد الله بن معبد الزّمّاني (٤) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «أدنى أهل الجنة منزلة وما منهم دان لمن يغدو عليه [ويروح](٥) عشرة آلاف خادم ، مع كل خادم منهم طريفة ليست مع صاحبه» (٦).

قوله تعالى : (وَفِيها ما) تشتهي (الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ) وقرأ نافع وابن عامر وحفص : تشتهيه الأنفس بإثبات الهاء (٧).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٢ / ٥٣٧ ح ١٠٩٤٥).

(٢) في الأصل : الحازني. والتصويب من البغوي (٤ / ٢٨٤).

(٣) حجاج بن عتاب العبدي ، أبو خليفة ، من أهل البصرة ، يروى عن عبد الله بن معبد الزماني ، روى عنه أبو هلال الراسبي ، وقيل : إن هذا والد عمر بن أبي خليفة (الثقات ٦ / ٢٠٣).

(٤) عبد الله بن معبد الزماني البصري ، تابعي ثقة ، روى عن أبي قتادة ، وأبي هريرة ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود ، وأرسل عن عمر ، وعنه قتادة ، وغيلان بن جرير ، وثابت البناني ، والحجاج بن عتاب العبدي (تهذيب التهذيب ٦ / ٣٦ ، والتقريب ص : ٣٢٤).

(٥) في الأصل : ويرح. والتصويب من البغوي (٤ / ٢٨٤).

(٦) ذكره البغوي في تفسيره (٤ / ٢٨٤).

(٧) الحجة للفارسي (٣ / ٣٨١) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٥٤) ، والكشف (٢ / ٢٦٠) ، والنشر (٢ / ٣٧٠) ، والإتحاف (ص : ٣٨٧) ، والسبعة (ص : ٥٨٨ ـ ٥٨٩).

١٤٥

قال أبو علي (١) : هذا الفعل في صلة" ما" ، والهاء عائدة على" ما" ، فجاء بالكلام على أصله.

ومن قرأ : " تشتهي" بحذف الهاء ؛ فلأن هذا الاسم قد طال بالصلة ، والأسماء إذا طالت حسن الحذف فيها ، قال (٢) : وحذف هذه الهاء من الصلة في [الحسن](٣) كإثباتها ، إلا أن الحذف يرجح على الإثبات بأن عامة هذا النحو جاء في التنزيل على الحذف ، فمن ذلك قوله تعالى : (أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً) [الفرقان : ٤١] ، (وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى) [النمل : ٥٩] ، و (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] ، وقد جاءت هذه الهاء مثبتة في قوله تعالى : (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) [البقرة : ٢٧٥].

وبالإسناد السالف قال : حدثنا ابن المبارك ، عن سفيان ، عن علقمة بن مرثد (٤) ، عن عبد الرحمن بن سابط (٥) قال : [قال](٦) رجل : «يا رسول الله! أفي

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٣٨٢).

(٢) أي : أبو علي الفارسي في الحجة (٣ / ٣٨٢).

(٣) في الأصل : حسن. والتصويب من الحجة ، الموضع السابق.

(٤) علقمة بن مرثد الحضرمي ، أبو الحارث الكوفي ، ثقة (تهذيب التهذيب ٧ / ٢٤٦ ، والتقريب ص : ٣٩٧).

(٥) عبد الرحمن بن سابط ـ ويقال : عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط ، وهو الصحيح ، ويقال : عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سابط ـ بن أبي حميضة بن عمرو بن أهيب بن حذافة بن جمح الجمحي المكي ، تابعي ثقة كثير الإرسال ، مات سنة ثماني عشرة ومائة (تهذيب التهذيب ٦ / ١٦٣ ، والتقريب ص : ٣٤٠).

(٦) زيادة من البغوي (٤ / ١٤٥).

١٤٦

الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل ، فقال : إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير [بك](١) في أيّ الجنة شئت إلا فعلت ، فقال أعرابي : يا رسول الله! أفي الجنة إبل ، فإني أحب الإبل؟ قال : يا أعرابي إن أدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك» (٢).

قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) وقال الزمخشري (٣) : " تلك" إشارة إلى الجنة المذكورة. وهي مبتدأ ، خبرها : " الجنة" ، " التي أورثتموها" صفة" الجنة". أو" الجنة" : صفة للمبتدأ الذي هو اسم الإشارة. و" التي أورثتموها" : خبر المبتدأ. أو" التي أورثتموها" : صفة ، و" بما كنتم تعملون" : الخبر ، والباء تتعلق بمحذوف كما في الظروف التي تقع أخبارا. وفي الوجه الأول تتعلق ب" أورثتموها".

(مِنْها تَأْكُلُونَ)" من" للتبعيض ، أي : لا تأكلون إلا بعضها ، وأعقابها باقية في شجرها ، فهي مزينة بالثمار أبدا موقرة بها ، لا ترى شجرة عريانة من ثمرها كما في الدنيا.

قال ثوبان : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا ينزع رجل في الجنة من ثمرها إلا نبت مكانها مثلاها» (٤).

__________________

(١) زيادة من البغوي (٤ / ١٤٥).

(٢) أخرجه الترمذي (٤ / ٦٨١ ح ٢٥٤٣). وذكره البغوي في تفسيره (٤ / ١٤٥).

(٣) الكشاف (٤ / ٢٦٦).

(٤) أخرجه الحاكم (٤ / ٤٩٦ ح ٨٣٩٠) مطولا.

١٤٧

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(٨٠)

قوله تعالى : (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ* لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) أي : لا يخفف ولا ينقص من قولهم : فترت عنه الحمى ؛ [إذا سكت عنه قليلا ونقص حرّها](١).

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد (٢) رضي الله عنه من حديث عمرو بن ميمون قال : قال عبد الله بن مسعود : «لو وعد أهل النار أن يخفف عنهم يوما من العذاب لماتوا فرحا».

(وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) ساكتون سكوت يأس من الفرج.

وقد ذكرنا معنى الإبلاس في سورة الأنعام (٣).

(وَما ظَلَمْناهُمْ) بالتعذيب من غير ذنب (وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) بما جنوا على أنفسهم.

(وَنادَوْا يا مالِكُ) وقرأ جماعة ، منهم : علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن

__________________

(١) زيادة من الكشاف (٤ / ٢٦٦).

(٢) الزهد (ص : ٢٠٢).

(٣) عند الآية رقم : ٤٤.

١٤٨

مسعود ، وابن يعمر : " يا مال" بحذف الكاف وكسر اللام للترخيم (١).

وقرأ الغنوي : " يا مال" بالترخيم أيضا ، ورفع اللام (٢).

ويروى أن ابن عباس قيل له : إن ابن مسعود قرأ : " ونادوا يا مال" فقال : ما أشغل أهل النار عن الترخيم (٣).

وقال الزجاج (٤) : أكرهها لمخالفة المصحف.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا : أخبرنا عبد الأول ، أخبرنا عبد الرحمن ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن صفوان بن (٥) يعلى ، عن أبيه قال : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ على المنبر : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)(٦).

والمعنى : سله أن يميتنا فنستريح.

قال ابن عباس : فيجيبهم مالك بعد ألف سنة : (إِنَّكُمْ ماكِثُونَ)(٧).

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٧ / ٣٢٩) ، والدر المصون (٦ / ١٠٧).

(٢) انظر هذه القراءة في : البحر المحيط (٨ / ٢٧ ـ ٢٨) ، والدر المصون (٦ / ١٠٧).

(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٢٦٦).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٤٢٠).

(٥) في الأصل زيادة قوله : " أبي". وانظر ترجمته في : التهذيب (٤ / ٣٧٩) ، وتهذيب الكمال (١٣ / ٢١٨).

(٦) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٢١ ح ٤٥٤٢).

(٧) أخرجه الطبري (٢٥ / ٩٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٦) ، والحاكم (٢ / ٤٨٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٩٤) وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وغيرهم.

١٤٩

قال عبد الله بن عمرو : هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك (١).

وقال بعضهم : الضمير في" قال" [لله](٢) تعالى ، أي : قال الله إنكم ماكثون ، بدليل قوله تعالى : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) أي : أتيناكم بالحق على ألسنة الرسل (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).

يروى عن ابن عباس أنه قال في قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ) : يريد : كلكم (٣).

وكان الزجاج ينكر هذا ، ويقول : الصحيح : أن البعض لا يكون بمعنى الكل. وقد ذكرنا مثل ذلك فيما مضى من كتابنا.

فإن قيل : إذا لم يكن المراد بالأكثر هاهنا الكل ، فما معنى الآية ، وإنما هذا الخطاب للكفار ، وكلهم كرهوا الحق؟

قلت : هذا توبيخ لهم وهم في النار على كراهيتهم للحق ونفورهم منه في الدنيا.

المعنى : أتيناكم بالحق فكرهه أكثركم ، وهم الذين أصروا على الكفر والأمر به ؛ لأنهم أكثر من الذين آمنوا.

قوله تعالى : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) أي : أم أحكموا أمرا يكيدونك به يا محمد.

قال أكثر المفسرين : وذلك حين اجتمعوا في دار الندوة ، وقد ذكرناه في الأنفال (٤).

__________________

(١) أخرجه الحاكم (٢ / ٤٢٩ ح ٣٤٩٢).

(٢) في الأصل : الله.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٣٠).

(٤) عند الآية رقم : ٣٠.

١٥٠

وقال الفراء (١) : المعنى : أم أبرموا أمرا ينجيهم من العذاب.

(فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) محكمون أمرا ندرأ به كيدهم.

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ) أي : ما حدثوا به أنفسهم (وَنَجْواهُمْ) فيما بينهم (بَلى) نسمعهما ونطلع عليهما (وَرُسُلُنا) الحفظة (لَدَيْهِمْ) عندهم (يَكْتُبُونَ) أقوالهم وأفعالهم.

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١) سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(٨٥)

(قُلْ) يا محمد لمن افترى الكذب عليّ ونسب الولد إليّ من العرب واليهود والنصارى : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ).

اختلفوا في" إن" على مذهبين :

أحدهما : أنها شرطية على أصلها. ثم في معنى الكلام خمسة أوجه :

أحدهما : إن كان للرحمن ولد على زعمكم وفي قولكم فأنا أول الجاحدين أن لله ولدا. رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس (٢).

__________________

(١) معاني الفراء (٣ / ٣٨).

(٢) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٠١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٦). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٩٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٥١

ويروى أن أعرابيين اختصما إلى ابن عباس فقال أحدهما : إن هذا كانت لي في يده أرض فعبدنيها ، فقال ابن عباس : الله أكبر ، فأنا أول العابدين الجاحدين أن لله ولدا (١).

الثاني : إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدا فأنا أول الموحدين الذين يعبدون الله مخالفين قولكم. وهذا قول مجاهد والزجاج (٢).

والثالث : فأنا أول الآنفين من هذا القول.

قال ابن قتيبة (٣) : يقال : عبدت من كذا أعبد عبدا ، فأنا عبد وعابد. قال الفرزدق :

 ................

وأعبد أن [تهجى](٤) تميم [بدارم](٥)

أي : آنف. قاله ابن السائب وأبو عبيدة (٦).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٣١).

(٢) أخرجه مجاهد (ص : ٥٨٤) ، والطبري (٢٥ / ١٠١). وانظر : معاني الزجاج (٤ / ٤٢٠). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٩٥) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير.

(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٠١).

(٤) في الأصل : تهجو. والتصويب من ب ، ومن مصادر البيت.

(٥) عجز بيت للفرزدق ، وصدره : (أولئك قوم إن هجوني هجوتهم) ، وهو في : زاد المسير (٧ / ٣٣٢) ، والإنصاف (٢ / ٦٣٧). وما بين المعكوفين في الأصل : بداهم. والتصويب من المصادر السابقة.

ويروى :

أولئك آبائي فجئني بمثلهم

وأعبد أن أهجو كليبا بدارم

انظر : المحتسب (٢ / ٢٥٨) ، ومجاز القرآن (٢ / ٢٠٦) ، والبحر (٨ / ٢٨) ، والدر المصون (٦ / ١٠٨).

(٦) انظر : زاد المسير (٧ / ٣٣١) ، ومجاز القرآن (٢ / ٢٠٦).

١٥٢

قال ابن جني (١) : روينا عن [قطرب](٢) أن العابد : العالم ، والعابد : الجاحد ، والعابد : الأنف الغضبان.

قال : ومعنى هذه الآية يحتمل كل هذه المعاني.

الرابع : (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) : أن المعنى : إن كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله ، لكني لست أول من عبد الله فلا يكون لله ولد. وهذا المعنى حكاه الواحدي عن سفيان بن عيينة (٣).

الخامس : إن صح أن للرحمن ولد ، أو ثبت ببرهان صحيح توردونه ، فأنا أول من يعظّم ذلك الولد ويعبده.

وهذا كلام وارد على سبيل الفرض والتمثيل لغرض ، وهو المبالغة في نفي الولد ، وذلك أنه علق العبادة بكينونة الولد ، وهي محال في نفسها ، فكان المعلق بها محالا مثلها ، فهو في صورة إثبات الكينونة والعبادة ، وفي معنى نفيهما على أبلغ الوجوه وأقواها. [وهذا](٤) اختيار صاحب الكشاف (٥).

المذهب الثاني : أنها" إن" النافية. قاله الحسن وقتادة وابن زيد وآخرين (٦). فيكون المعنى : ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ، أول من عبد الله وحده من

__________________

(١) المحتسب (٢ / ٢٥٨).

(٢) زيادة من المحتسب ، الموضع السابق.

(٣) الوسيط (٤ / ٨٣).

(٤) زيادة على الأصل.

(٥) الكشاف (٤ / ٢٦٨).

(٦) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٠١). وذكره الماوردي (٥ / ٢٤٠) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٣٢).

١٥٣

هذه الأمة ، أو فأنا أول الآنفين من هذا القول.

ويروى : أن النضر بن عبد الدار قال : إن الملائكة بنات الله ، فنزلت هذه الآية ، فقال النضر : ألا ترون أنه قد صدقني. فقال له الوليد بن المغيرة : ما صدقك ولكن قال : ما كان للرحمن ولد فإنه أول الموحدين من أهل مكة : أن لا ولد له (١).

ثم نزّه الله سبحانه وتعالى نفسه بالآية التي تليها.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) في باطلهم (وَيَلْعَبُوا) في دنياهم (حَتَّى يُلاقُوا) وقرأ جماعة ، منهم أبو المتوكل ، وأبو الجوزاء ، وابن محيصن : " حتى يلقوا" بفتح الياء وسكون اللام وفتح القاف من غير ألف ، وبها قرأت لأبي جعفر (٢).

(يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) وهو يوم القيامة.

وأكثر المفسرين يقولون : هذه منسوخة بآية السيف (٣) ، وقد أسلفنا في غضون كتابنا أن هذا وأمثاله خارج مخرج التهديد ، كقوله تعالى : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١].

قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) قال الزجاج (٤) : المعنى : هو الموحّد في السماء وفي الأرض.

وقرأ جماعة ، منهم : عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن عباس ، وابن السميفع ، وابن يعمر ، وأبو الجوزاء ، وعاصم الجحدري : " وهو الذي

__________________

(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤ / ٢٦٩).

(٢) انظر : النشر (٢ / ٣٧٠) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٨٧).

(٣) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٥٨) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٥٥).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٤٢١).

١٥٤

في السماء الله وفي الأرض الله" (١). والمقصود نفي آلهة سواه جلّت عظمته ، وإبطال ما كانوا ينتحلونه من عبادة الأصنام.

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)(٨٩)

قوله تعالى : (وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ) كانوا يزعمون أن آلهتهم تشفع لهم عند الله ، حتى أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا : إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة ، فهم أحق بالشفاعة من محمد ، فنزلت هذه الآية (٢).

(إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) استثناء منقطع ، على معنى : لكن من شهد بالحق ، وهو يوحّد الله تعالى ، وعلّمه علما سليما من الشك ، فهو الذي يملك الشفاعة.

وقيل : هو استثناء متصل ؛ لأن في جملة (الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) : الملائكة وعيسى وعزيرا. والأول قول قتادة والأكثرين (٣) ، والثاني قول مجاهد (٤).

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٧ / ٣٣٣) ، والدر المصون (٧ / ١٠٩).

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ٢٤٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٣٣).

(٣) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٠٥). وذكره الماوردي (٥ / ٢٤٢).

(٤) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٠٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٩٦) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

١٥٥

والواو في قوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) واو الحال.

قوله تعالى : (وَقِيلِهِ) قرأ عاصم وحمزة : " وقيله" بكسر اللام. وقرأ الباقون بنصب اللام (١).

وقرأ جماعة ، منهم : أبو هريرة ، وأبو رزين ، وسعيد بن جبير ، وأبو رجاء ، والجحدري ، وقتادة : " وقيله" برفع اللام (٢).

فمن قرأ بالجر عطفه على" الساعة" ، أي : وعنده علم الساعة وعلم قيله.

ومن نصب احتمل ثلاثة أوجه :

أحدها : أن يحمله على موضع : (وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، على معنى : ويعلم الساعة ويعلم قيله. وهو اختيار الزجاج (٣).

الثاني : أن يكون منصوبا على المصدر ، والعامل فيه فعل مضمر ، التقدير : ويقول قيله.

الثالث : أن يحمله على : (سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ)(٤) ، التقدير : أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله. ذكرهما الأخفش. وذكر الأوجه الثلاثة أبو علي (٥).

وقال مكي (٦) : هو معطوف على مفعول" يكتبون" المحذوف ، تقديره :

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٣٨٢) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٥٥) ، والكشف (٢ / ٢٦٢) ، والنشر (٢ / ٣٧٠) ، والإتحاف (ص : ٣٨٧) ، والسبعة (ص : ٥٨٩).

(٢) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٧ / ٣٣٤ ـ ٣٣٥) ، والدر المصون (٦ / ١١٠).

(٣) معاني الزجاج (٤ / ٤٢١).

(٤) قوله : " ونجواهم" مكرر في الأصل.

(٥) الحجة للفارسي (٣ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣).

(٦) الكشف (٢ / ٢٦٢).

١٥٦

[ورسلنا لديهم](١) يكتبون ذلك وقيله.

قال (٢) : ويجوز أن يكون معطوفا على مفعول" يعلمون" المحذوف. ذكر هذين الوجهين مع الثلاثة المتقدمة (٣).

ومن رفع فعلى الابتداء ، والخبر ما بعده ، أو هو محذوف ، تقديره : وقيله يا رب مسموع ، أو متقبّل.

قوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) أعرض عنهم (وَقُلْ سَلامٌ) مثل قوله في القصص : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) [القصص : ٥٥]. وهذا منسوخ عند المفسرين بآية السيف (٤).

ثم [هددهم](٥) بقوله تعالى : (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ).

وقيل : المعنى : فسوف يعلمون أنك صادق عند حلول العذاب بهم.

ويحتمل عندي أن يكون المعنى : فسوف يعلمون صدقك عند استفحال سلطانك وانتشار دعوتك ، وظهور دينك.

وقرأ نافع وابن عامر : " فسوف تعلمون" بالتاء ، على الأمر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمخاطبتهم (٦).

__________________

(١) زيادة من الكشف (٢ / ٢٦٢).

(٢) أي : مكي في الكشف.

(٣) الكشف (٢ / ٢٦٣).

(٤) الناسخ والمنسوخ لابن سلامة (ص : ١٥٨) ، والناسخ والمنسوخ لابن حزم (ص : ٥٥).

(٥) في الأصل : هدهم.

(٦) الحجة للفارسي (٣ / ٣٨٣) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٥٦) ، والكشف (٢ / ٢٦٣) ، والنشر (٢ / ٣٧٠) ، والإتحاف (ص : ٣٨٧) ، والسبعة (ص : ٥٨٩).

١٥٧

سورة الدخان

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ست وخمسون آية في المدني وسبع في الكوفي (١) ، وهي مكية بإجماعهم.

قال : أخبرنا أبو [المجد](٢) محمد بن أبي بكر [الكرابيسي](٣) ، أخبرنا الشيخان أبو المحاسن عبد الرزاق بن إسماعيل [بن](٤) محمد وابن عمه أبو سعيد المطهر بن عبد الكريم بن محمد قالا : أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن [حمد](٥) بن الحسن الدوني ، أخبرنا القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين بن [الكسار](٦) الدينوري ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني قال : أخبرنا الحسن ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ سورة الدخان في ليلة جمعة أصبح مغفورا له» (٧).

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٢٥).

(٢) في الأصل : المجلد. وقد سبق صوابه كما أثبتناه.

(٣) في الأصل : الكربيسي. وقد سبق صوابه كما أثبتناه.

(٤) زيادة على الأصل.

(٥) في الأصل : أحمد. وقد سبق صوابه كما أثبتناه.

(٦) في الأصل : الكساب. والصواب ما أثبتناه. انظر ترجمته في : سير أعلام النبلاء (١٧ / ٥١٤).

(٧) أخرجه الترمذي (٥ / ١٦٣ ح ٢٨٨٩) ، وابن السني في عمل اليوم والليلة (ص : ٣١٩).

١٥٨

إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ)(٨)

قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) هذا جواب القسم ، والكناية راجعة إلى" الكتاب" ، وهو القرآن ، و" الليلة المباركة" : ليلة القدر ، في قول ابن عباس وعامة المفسرين (١) ، وقد ذكرنا كيفية إنزاله في ليلة القدر في مقدمة الكتاب.

وسنذكر إن شاء الله تعالى معنى بركتها وفضيلتها في سورة القدر.

وقال عكرمة : في ليلة النصف من شعبان (٢).

وهذا بعيد من وجهين (٣) :

أحدهما : أنه خلاف ما عليه عامة أهل العلم.

الثاني : أنه يناقض قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة : ١٨٥] ، وقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١].

قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي رحمه‌الله (٤) : الرواية عن عكرمة بذلك

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٠٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٩٨ ـ ٤٠٠) وعزاه لابن مردويه عن ابن عباس.

ومن طريق آخر عن قتادة ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد. ومن نفس الطريق عزاه لابن جرير أيضا.

(٢) أخرجه الطبري (٢٥ / ١٠٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٧). وذكره الماوردي (٥ / ٢٤٤).

(٣) قال الحافظ ابن كثير (٤ / ١٣٨) : ومن قال أنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة فقد أبعد النّجعة ، فإن نص القرآن أنها في رمضان.

وعلى هذا : فإن الصواب هو القول الأول وعليه عامة المفسرين.

(٤) زاد المسير (٧ / ٣٣٨).

١٥٩

مضطربة.

قوله تعالى : (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) مرتبط بجواب القسم ، على معنى : إنا أنزلناه مفصلا بالحكم والأحكام ، مشتملا على ضروب النذارة ؛ لأن شأننا الإنذار من عذاب النار.

(فِيها يُفْرَقُ) أي : يفصل (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي : محكم.

قال ابن عباس : يكتب (١).

وقال الضحاك : يقضى (٢).

وقال ابن زيد : ينزل (٣).

قال ابن عباس : يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال ، حتى الحاج (٤).

وإنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى (٥).

قوله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) قال الأخفش (٦) : " أمرا" و" رحمة" منصوبان على

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٢٤٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٣٨).

(٢) مثل السابق.

(٣) مثل السابق.

(٤) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٨٥).

(٥) أخرجه الحاكم (٢ / ٤٨٧ ح ٣٦٧٨) ، والطبري (٢٥ / ١٠٩) بنحوه ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٧) ، والبيهقي في الشعب (٣ / ٣٢١ ح ٣٦٦١) كلهم من قول ابن عباس. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٤٠٠) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان.

(٦) معاني الأخفش (ص : ٢٨٤).

١٦٠