رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) بدل من" يوم ينادي المنادي (١) " (٢).

والمعنى : يوم يسمعون الصيحة بالحق ، بالأمر الثابت الذي لا مرية فيه ، وهو البعث.

(ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) من القبور.

قوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) بدل أيضا م ن" يوم ينادي المنادي" (٣).

ويجوز أن يكون منصوبا بقوله : (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) أي : يصيرون إلينا في ذلك اليوم.

و" سراعا" نصب على الحال ، تقديره : فيخرجون سراعا (٤).

(ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) هيّن.

ثم عزّى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) أي : بما يقول كفار مكة من تكذيبك والاستهزاء بك ، (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) بمسلط تقهرهم على ما تريد.

قال ابن عباس : لم تبعث لتجبرهم على الإسلام ، إنما بعثت مذكّرا ، وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم (٥).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣) ، والدر المصون (٦ / ١٨٢).

(٢) حصل سهو من ناسخ الأصل ، فقدم بعض العبارات وأخّر البعض من قوله تعالى : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ) إلى قوله : تقهرهم على ما تريد. وقد أثبتنا ذلك من ب.

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣) ، والدر المصون (٦ / ١٨٢).

(٤) مثل السابق.

(٥) ذكره الطبري (٢٦ / ١٨٥) بلا نسبة ، والواحدي في الوسيط (٤ / ١٧٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٢٥).

٤٠١

(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ) عظ به (مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

وقرأ يعقوب : " وعيدي" بياء في الحالين (١).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يذكّر بالقرآن من يخاف ومن لا يخاف ، لكنه خصّ الخائفين من وعيده بالنار لمن عصاه بالذّكر ؛ لموضع انتفاعهم به. والله تعالى أعلم.

__________________

(١) انظر : النشر (٢ / ٣٧٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٩٩).

٤٠٢

سورة الذاريات

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي ستون آية في العددين (١). وهي مكية بإجماعهم.

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ)(٦)

قال الله تعالى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) قال الزجاج (٢) : جاء في التفسير عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : أن ابن الكواء سأله عن تفسير الذاريات فقال : الرياح. قال : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً)؟ فقال عليه‌السلام : السحاب. قال : (فَالْجارِياتِ يُسْراً)؟ قال : الفلك. قال : (فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً)؟ قال عليه‌السلام : الملائكة (٣).

قال الزجاج (٤) : والمفسرون جميعا يقولون بقوله في هذا.

قال (٥) : " والذاريات" مجرور على القسم. المعنى : أحلف بالذاريات وبهذه

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٣٢).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٥١).

(٣) أخرجه الحاكم (٢ / ٥٠٦ ح ٣٧٣٦) ، والضياء في الأحاديث المختارة (٢ / ١٢٢ ح ٤٩٤) بأطول منه.

(٤) معاني الزجاج (٥ / ٥١).

(٥) أي الزجاج.

٤٠٣

الأشياء. والجواب : (إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ).

وقال قوم : المعنى : ورب الذاريات ذروا ، كما قال : (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) [الذاريات : ٢٣].

والذاريات : من ذرت الريح تذرو ؛ إذا فرّقت التراب وغيره. يقال : ذرت الريح وأذرت بمعنى واحد ، ذرّت فهي ذارية ، وهنّ ذاريات ، وأذرت فهي مذرية ومذريات للجماعة. هذا كله كلام الزجاج.

وقال غيره : للعرب أيمان يجرونها على ما استمرت به عادتهم ، كحلفهم بعمرو الإنسان ، وسير الجمال ، وركض الخيل ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، والأشجار ، وغير ذلك مما يستعظمونه ، فخوطبوا بما يفهمون ، ألا ترى إلى قول أمية بن أبي الصلت :

لعمرو أدماء جمالية

حجّ عليها رجل أشيب

فحلف بحياة ناقته.

وقال آخر :

أما ودماء لا تزال كأنها

على اللات والعزى وبالنّسر عند ما (١)

فحلف بالدماء.

وهذا أكثر من أن يحصى.

فقوله تعالى : (وَالذَّارِياتِ) يمين برب القدرة على إذراء الرياح ، وكذلك :

__________________

(١) البيت لعمرو بن عبد الجن القضاعي ، ويروى : " مائرات تخالها" ، بدل : " لا تزال كأنها". انظر : خزانة الأدب (٧ / ٢١٤ ، ٢١٧) ، واللسان (مادة : نسر ، عزز ، قنن ، لوي) ، والإنصاف (١ / ٣١٨) ، وسر صناعة الإعراب (١ / ٣٦٠) ، والحجة للفارسي (٢ / ١٨٢).

٤٠٤

والمرسلات ، والنازعات ، والطور ، والنجم ، وسائر ما ذكر في القرآن من الأيمان. ولا خلاف بين العلماء أن" الذاريات" : الرياح. و" ذروا" نصب على المصدر (١).

وأما" الحاملات" فهي السحاب." وقرا" مفعول به (٢) ، على معنى : تحمل ثقلا من الماء.

و" الجاريات" : السفن ، " يسرا" : أي : تجري جريا ذا يسر ، أي : سهولة.

وقد قيل : إن" الجاريات" : السحاب [أيضا](٣) ، تجري حيث سيرها الله تعالى.

قال الأعشى :

كأنّ [مشيتها](٤) من بيت جارتها

مشي السحابة لا ريث ولا عجل (٥)

وأما" المقسمات" فالمشهور عندهم : أنها الملائكة ، يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به.

قال ابن السائب ومقاتل (٦) : هم أربعة : جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة ، وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة ، وإسرافيل [وهو](٧) صاحب

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣) ، والدر المصون (٦ / ١٨٣).

(٢) مثل السابق.

(٣) زيادة من ب.

(٤) في الأصل : شملتها. والتصويب من ب.

(٥) انظر : ديوانه (ص : ٣٠) ، واللسان (مادة : مور) ، والطبري (٢٧ / ٢٠) ، والقرطبي (١٣ / ٩٤ ، ١٧ / ٣١ ، ١٧ / ٦٣) ، والماوردي (٥ / ٣٦١) ، وزاد المسير (٨ / ٤٨) ، وروح المعاني (٢٧ / ٢٩) ، والدر المصون (٦ / ١٩٦).

(٦) ذكره مقاتل (٣ / ٢٧٥) ، والماوردي (٥ / ٣٦١).

(٧) في الأصل : هو. والتصويب من ب.

٤٠٥

[الصور](١) واللوح ، وعزرائيل وهو قابض الأرواح.

قال الحسن : المقسمات : السحاب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد (٢).

وقيل : إن المقسمات : الكواكب السبعة التي أقسم الله تعالى بها فقال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الجواري الْكُنَّسِ) [التكوير : ١٥ ـ ١٦] فإنها ضمّنت أحكام العالم.

والصحيح : الأول.

قوله تعالى : (إِنَّما تُوعَدُونَ) يعني : من البعث والجزاء ، من الثواب والعقاب (لَصادِقٌ) حق.

(وَإِنَّ الدِّينَ) الجزاء والحساب (لَواقِعٌ) كائن لا محالة.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩) قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١) يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤)

ثم أقسم بالسماء التي هي من عجائب مخلوقاته ، ودلائل عظمته ، وقدرته ، وحكمته فقال : (وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ).

قال الزجاج (٣) : جاء في التفسير : أنها ذات الخلق الحسن. وأهل اللغة يقولون :

__________________

(١) في الأصل : الصوت. والمثبت من ب.

(٢) ذكره الزمخشري في : الكشاف (٤ / ٣٩٨).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ٥٢).

٤٠٦

ذات الحبك : ذات الطّرق الحسنة. والمحبوك في اللغة : ما أجيد عمله ، وكل ما تراه من الطرائق في الماء أو في الرمل إذا أصابته الريح فهو حبك ، واحدها : حباك ، مثل : مثال ومثل ، ويكون واحدها : حبيكة ، مثل : طريقة وطرق.

قلت : وإلى أصل هذه الكلمة في اللغة ترجع أقوال المفسرين.

قال ابن عباس وقتادة والربيع : ذات الخلق الحسن السوي (١).

قال عكرمة : ألم تر إلى النسّاج إذا نسج الثوب ، قيل : ما أحسن حبكه (٢)؟.

وقال سعيد بن جبير : ذات الزينة (٣).

وقال الحسن : حبكت بالنجوم (٤).

وقال مجاهد : هو المتقن البنيان (٥).

وقال الضحاك : ذات الطرائق ولكنها بعيدة من العباد فلا يرونها (٦).

قال (٧) : ومنه : حبك الرمل والماء ؛ إذا ضربتهما الريح ، وحبك الشعر الجعد. ومنه الحديث في صفة الدجال : [رأسه](٨) حبك حبك ، يعني : الجعودة (٩).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٨٩ و ١٩٠) دون لفظ : السوي.

(٢) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٩٠).

(٣) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٨٩).

(٤) مثل السابق.

(٥) أخرجه مجاهد (ص : ٦١٦) ، والطبري (٢٦ / ١٩٠).

(٦) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٧٤) عن مقاتل والكلبي.

(٧) أي : الضحاك. وانظر : الماوردي (٥ / ٣٦٣).

(٨) زيادة من ب.

(٩) أخرجه أحمد (٥ / ٤١٠) ، والطبري (٢٦ / ١٩٠).

٤٠٧

وقال أبو صالح وابن زيد : ذات الشدة (١).

وقد اختلف القراء في هذا الحرف اختلافا كثيرا ، [فقرأه](٢) العامة بضم الحاء والباء ، ومثلهم قرأ ابن عباس وأبي بن كعب وأبو رجاء وابن أبي عبلة ، غير أنهم أسكنوا الباء (٣) ، وهي لغة بني تميم ، كرسل وعمد في رسل وعمد.

ومنهم من فتح الباء جمع حبكة ، مثل : طرفة وطرف ، ونبقة ونبق (٤).

وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رزين : " الحبك" بكسر الحاء والباء (٥) ، مثل : إبل وإطل ، وهو قليل في الكلام.

وقرأ عثمان بن عفان والشعبي وأبو العالية بكسر الحاء وسكون الباء على التخفيف (٦).

وقرأ ابن مسعود وعكرمة : بفتح الحاء والباء (٧) ، جمع حبكة ، مثل : عقبة وعقب.

وقرأ أبو الدرداء وأبو الجوزاء وأبو المتوكل وأبو عمران والجحدري بفتح الحاء وكسر الباء (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٩٠) عن ابن زيد. وذكره الماوردي (٥ / ٣٦٢) عن أبي صالح.

(٢) في الأصل : قرأ. والتصويب من ب.

(٣) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٢٨) ، والدر المصون (٦ / ١٨٤).

(٤) في ب : وبرقة وبرق.

(٥) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٢٨) ، والدر المصون (٦ / ١٨٤).

(٦) مثل السابق.

(٧) مثل السابق.

(٨) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٢٩) ، والدر المصون (٦ / ١٨٤).

٤٠٨

وعن الحسن في هذا الحرف اختلاف واسع ، ليس هذا موضع استقصائه ، والجميع يرجع إلى معنى واحد ، وهو ما ذكرناه.

قوله تعالى : (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) جواب القسم الثاني.

والمعنى : إنكم لفي قول مختلف في شأن رسولي وما بعثته به ما بين [شرك وإيمان](١) ، وشك وإيقان ، قد فرقتم القول فيه وفي القرآن ، هذا يقول : ساحر وسحر ، وهذا يقول : شاعر وشعر ، وهذا يقول : مجنون ، وهذا يقول : معلم ، وهذا يقول : أساطير الأولين.

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) قال الحسن : يصرف عنه من صرف (٢).

وقد سبق ذكر الإفك وحقيقته في مواضع.

والضمير في" عنه" يعود إلى ما دلّ [عليه](٣) قوله : (إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) من الحق ، أو الإيمان ، أو الصواب ، أو الرسول ، أو القرآن ، وأمثال ذلك.

وجوّز بعضهم عود الضمير في" عنه" إلى القول المختلف ، ولا تكون عنه هاهنا بمنزلة [قولهم](٤) : صرفته عن كذا ، إنما المعنى : أتي من أفك عن جهة القول المختلف ، أي : ما وقع به وقع عن هذه الجهة ، والمفعول هو الذي يقتضيه" أفك" ، أي : أفك عن كذا وعن الحق عن جهة القول المختلف.

قوله تعالى : (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) أي : لعن الكذابون أو المرتابون.

__________________

(١) في الأصل : شك إيمان. والتصويب من ب.

(٢) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٩١). وذكره الماوردي (٥ / ٣٦٣).

(٣) زيادة من ب.

(٤) زيادة من ب.

٤٠٩

قال ابن الأنباري : القتل إذ أخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة ؛ لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك (١).

وقال الزجاج (٢) : تقول : قد تخرّص عليّ فلان الباطل.

قال (٣) : ويجوز أن يكون الخرّاصون الذين إنما يظنون الشيء لا [يحقّونه فيعملون](٤) لما لا يدرون صحته.

قال الفراء (٥) : المعنى : لعن الكذابون الذين قالوا : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساحر وكاذب وشاعر ، فخرصوا بما لا علم لهم به.

(الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) من الجهالة والعمى (ساهُونَ) غافلون.

(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) أي : يقولون يا محمد متى يوم الدين. وهذا سؤال استهزاء وتكذيب لا سؤال استرشاد وتصديق ، ولذلك عوملوا في الجواب بما يعامل به أمثالهم من المستهزئين والمكذبين ، فقيل : (يَوْمَ هُمْ) أي : يقع ويكون جزاؤهم على الاستهزاء يوم هم (٦).

وقرأ ابن أبي عبلة : " يوم" بالرفع (٧) ، على معنى : هو يوم هم.

(عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) يحرّقون ويعذّبون.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٧٤) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٠).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ٥٢).

(٣) أي : الزجاج.

(٤) في الأصل : يحققونه فيعلمون. والمثبت من ب.

(٥) معاني الفراء (٣ / ٨٣).

(٦) في الأصل زيادة : على النار يفتنون. وستأتي بعد قليل. وانظر : ب.

(٧) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ١٣٤) ، والدر المصون (٦ / ١٨٥).

٤١٠

ومنه قيل للحرة السوداء : فتين ، كأنها أحرقت بالنار.

(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) في محل [الحال](١) على معنى : [مقولا](٢) لهم : ذوقوا فتنتكم ، أي : حريقكم وعذابكم ، تقول الخزنة لهم ذلك تحقيرا وتصغيرا وإيصالا للعذاب إلى حاسّة سمعهم ؛ لأنها أحد الأسباب الموصلة للألم إلى القلب.

وقال ابن عباس : ذوقوا تكذيبكم (٣) ، على حذف المضاف ، أي : جزاء تكذيبكم.

(هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ) في الدنيا (تَسْتَعْجِلُونَ) تكذيبا واستهزاءا.

وهذه الجملة مبتدأ وخبر ، ويجوز أن يكون" هذا" بدلا من" فتنتكم" (٤).

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧) وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨) وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ)(٢٣)

قوله تعالى : (آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) قال الزجاج (٥) : " آخذين" نصب على

__________________

(١) زيادة من ب.

(٢) في الأصل : مفعولا. والتصويب من ب.

(٣) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٩٥). وذكره الماوردي (٥ / ٣٦٤).

(٤) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣) ، والدر المصون (٦ / ١٨٥).

(٥) معاني الزجاج (٥ / ٥٣).

٤١١

الحال (١). المعنى : المتقين في جنات وعيون في حال أخذ ما آتاهم ربهم.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) يعني : في الدنيا (مُحْسِنِينَ) موحدين طائعين.

وقال سعيد بن جبير : آخذين بما أمرهم ربهم ، عاملين بالفرائض التي أوجبها عليهم. وروي نحوه عن ابن عباس (٢).

وفي نظم الكلام على هذا اضطراب (٣) ، ولقد راجعت فيه بعض العلماء فقال : هو على حذف المضاف ، تقديره : ثواب عملهم بالفرائض.

ويحتمل عندي أن يكون التقدير : إن المتقين في حكمي وعلمي في جنات وعيون ، باعتبار ما يؤولون إليه والحكم لهم بذلك في حال كونهم آخذين قابلين ما أمرهم به ربهم ، عاملين به ، ولهذا قيل في التفسير : كانوا قبل نزول الفرائض محسنين في أعمالهم.

قوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الهجوع : النوم في الليل ، وخصّه بعضهم بالقليل من النوم (٤) ، وأنشدوا :

قد حصّت البيضة رأسي فما

أطعم نوما غير تهجاع (٥)

و" ما" مع الفعل بتأويل المصدر ، التقدير : كانوا قليلا من الليل هجوعهم ، فيكون هجوعهم بدلا من الواو في" كانوا" ، أي : كان هجوعهم قليلا من الليل. أو

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣) ، والدر المصون (٦ / ١٨٥).

(٢) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٩٦).

(٣) يعني : حسب الظاهر.

(٤) انظر : اللسان (مادة : هجع).

(٥) البيت لأبي قيس بن الأسلت. وهو في : اللسان (مادة : هجع) ، والقرطبي (٩ / ٢٠٨ ، ١٧ / ٣٥) ، وروح المعاني (١٢ / ٢٥٩) ، والأغاني (١٧ / ١٢٠) ، والعين (٣ / ١٤).

٤١٢

صلة زائدة ، على معنى : كانوا يهجعون قليلا من الليل ، ف" يهجعون" على هذا خبر" كان" ، و" قليلا" ظرف. أو صفة مصدر ، على معنى : هجوعا قليلا. ويجوز أن يكون تقدير المصدرية : كانوا قليلا من الليل هجوعهم ، وارتفاعه ب" قليلا" على الفاعلية ، ويجوز أن تكون" ما" موصولة ، تقديره : كانوا قليلا من الليل الذي يهجعون فيه ، وارتفاعه أيضا ب" قليلا" على الفاعلية (١).

وهذا المعنى المستفاد من هذا الإعراب على الأوجه الثلاثة في" ما" مذهب الحسن والأحنف بن قيس والزهري (٢).

وقال ابن عباس : كانوا قلّ ليلة تمرّ بهم إلا صلّوا فيها (٣). فيكون" الليل" على هذا القول اسما للجنس.

وقال عطاء : ذلك حين أمروا بقيام الليل ، ثم نزلت الرخصة (٤).

وقيل : إن" ما" نافية.

ثم اختلف القائلون بذلك في توجيه الآية على مسلكين : فذهب قوم ، منهم : الضحاك ومقاتل (٥) ، إلى أن الوقف على قوله : (كانُوا قَلِيلاً) على معنى : كانوا من الناس قليلا ، ثم استأنفوا فقالوا : (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) أي : ما ينامون البتة (٦).

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤) ، والدر المصون (٦ / ١٨٦).

(٢) انظر : الطبري (٢٦ / ١٩٧ ـ ١٩٨) ، والماوردي (٥ / ٣٦٥) ، وزاد المسير (٨ / ٣٢).

(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٧٥).

(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (٢ / ٤٧ ح ٦٣٠٠). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٥) وعزاه لابن أبي شيبة وابن نصر وابن المنذر.

(٥) انظر : تفسير مقاتل (٣ / ٢٧٦).

(٦) انظر : الطبري (٢٦ / ١٩٩) ، والماوردي (٥ / ٣٦٥) ، وزاد المسير (٨ / ٣١).

٤١٣

وهذا وإن كان حسنا من حيث المعنى ، غير أنه مدخول من حيث صنعة الإعراب ؛ لما فيه من تقديم خبر النفي على حرف النفي ، قالوا : لا يجوز : [زيدا](١) ما ضربت (٢).

وذهب قوم إلى أن المعنى : كانوا ما يهجعون قليلا من الليل ، أي : كانوا يسهرون في قليل من الليل.

قال أنس بن مالك : يصلون ما بين المغرب والعشاء ، ونظيره : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)(٣) [السجدة : ١٦].

ويرد عليه الذي ورد على الوجه الذي قبله من حيث الإعراب ، وفيه خلل من حيث المعنى.

قال صاحب كشف المشكلات وإيضاح المعضلات (٤) : لا يجوز أن تكون" ما" نافية ؛ لأنها لو كانت نافية تردّد الأمر في قوله : (مِنَ اللَّيْلِ) ، فإما أن تكون صفة ل" قليل" وذلك لا يجوز ؛ لأن" قليلا" ظرف زمان ، فلا يصح كونه خبرا للواو في" كانوا" ؛ لأنهم جثث ، وظرف الزمان لا يكون خبرا للجثّة ، وإن قدّرت : كانوا ما يهجعون قليلا من الليل ، أو قدّرت : كانوا قليلا ما يهجعون من الليل ، فكنت قد

__________________

(١) في الأصل : زيد. والمثبت من ب.

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤) ، والدر المصون (٦ / ١٨٥ ـ ١٨٦).

(٣) أخرجه أبو داود (٢ / ٣٥ ح ١٣٢٢) ، والنسائي في الصغرى (١ / ٤٧٨ ح ٨٤١) ، والطبري (٢٦ / ١٩٦) ، والحاكم (٢ / ٥٠٧ ح ٣٧٣٧) ، والبيهقي في الكبرى (٣ / ١٩ ح ٤٥٢٤). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٥) وعزاه لأبي داود وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه.

(٤) كشف المشكلات (٢ / ٣٢٩).

٤١٤

قدمت" ما" في حيز النفي على حرف النفي ، وهو ممتنع.

فإذا : الوجه أن يكون (ما يَهْجَعُونَ) بدلا أو صلة زائدة.

قوله تعالى : (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) قال الحسن : مدّوا الصلاة إلى الأسحار ، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار (١).

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌ) أي : نصيب ، (لِلسَّائِلِ) وهو المستجدي ، (وَالْمَحْرُومِ) المتعفف الذي لا يسأل.

وقيل : هو المحارف الذي لا يكاد يكسب.

وقيل : هو الذي ليس له شيء في الفيء.

والأول قول قتادة والزهري (٢) ، والثاني قول ابن عباس (٣) ، والثالث قول إبراهيم النخعي (٤).

وأصل المحروم في اللغة : الممنوع ، من الحرمان ، وهو المنع (٥) ، كأنه الذي منع وحرم الرزق.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٦ / ١٩٨) ، وابن أبي شيبة (٢ / ٤٧ ح ٦٢٩٨). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٦) وعزاه لابن أبي شيبة وابن نصر وابن جرير وابن المنذر.

(٢) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٧) وعزاه لابن جرير وابن المنذر عن قتادة.

(٣) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣١٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٦) وعزاه لابن أبي حاتم.

(٤) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٣). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٧) وعزاه لابن أبي شيبة.

(٥) انظر : اللسان (مادة : حرم).

٤١٥

وسئل عمر بن عبد العزيز عن المحروم فقال : الكلب (١).

وكان الشعبي يقول : أعياني أن أعلم ما المحروم (٢) ، ولقد سألت عن المحروم منذ سبعين سنة ، فما أنا اليوم بأعلم مني يومئذ.

وفي الحديث : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأنس : «يا أنس! ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة ، يقولون : يا رب ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم ، قال : فيقول : وعزتي لأقربنّكم وأبعدنّهم. قال أنس : وتلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الآية : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(٣).

قوله تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) علامات ودلالات على الصانع وقدرته وعظمته وحكمته ؛ من إجراء أنهارها ، وإخراج ثمارها ، وإرساء جبالها ، وانقسامها إلى حزن وسهل ، وبر وبحر ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على قدرة خالقها ، (لِلْمُوقِنِينَ) بالله تعالى.

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أيضا آيات ، إذ كنتم نطفا ثم علقا ثم مضغا إلى أن نفخت فيكم الأرواح وصرتم بشرا ناطقا ، سميعا بصيرا ، فاهما ، ذوي ألسنة مختلفة ، وطبائع غير مؤتلفة ، وصور متباينة ، وألوان متغايرة.

(أَفَلا تُبْصِرُونَ) آيات الأرض وآيات أنفسكم ، [فتستدلوا](٤) بالصنعة على

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٣٦٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٣).

(٢) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٤). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٧) وعزاه لعبد بن حميد.

(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (٥ / ١٠٨ ح ٤٨١٣) ، والصغير (٢ / ١٣ ح ٦٩٣). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٣ / ٦٢) وعزاه للطبراني في الصغير والأوسط ، قال : وفيه الحارث بن النعمان ، وهو ضعيف. وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٨) وعزاه للعسكري في المواعظ وابن مردويه.

(٤) في الأصل : وتستدلوا. والمثبت من ب.

٤١٦

الصانع ، وبهذه العجائب على قدرة مكوّنها على بعثكم بعد إماتتكم.

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) وقرأ أبيّ بن كعب وحميد : " أرزاقكم" على الجمع (١) ، أي : سبب أرزاقكم أو رزقكم (٢) ، وهو المطر الذي تخرج به الحبوب التي تقتاتونها (٣). وهذا قول عامة المفسرين (٤).

وقرأ ابن مسعود والضحاك وابن محيصن وأبو نهيك : " رازقكم" (٥) ، يعني : الله عزوجل.

(وَما تُوعَدُونَ) من الثواب والعقاب ، والخير والشر.

وقال مجاهد : (وَما تُوعَدُونَ) : الجنة (٦).

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) قال الزجاج (٧) : المعنى : إن الذي ذكر من أمر الآيات والرزق وأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق ، (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) أي : كما أنكم تنطقون.

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ٣٣ ـ ٣٤) ، والبحر المحيط (٨ / ١٣٥).

(٢) في ب : رزقكم أو أرزاقكم.

(٣) في ب : الحبوب فتقتاتونها.

(٤) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٥) ، وأبو الشيخ في العظمة (٤ / ١٢٦١). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٦١٩) وعزاه لابن النقور والديلمي عن علي رضي الله عنه مرفوعا. ومن طريق آخر عن الضحاك ، وعزاه لأبي الشيخ وابن جرير.

(٥) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٣٩٩) ، وزاد المسير (٨ / ٣٤).

(٦) أخرجه الطبري (٢٦ / ٢٠٦) عن الضحاك. ولفظ مجاهد : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) يقول : الجنة في السماء ، وما توعدون من خير أو شر. وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ١٧٦) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ٣٤).

(٧) معاني الزجاج (٥ / ٥٤).

٤١٧

فشبّه تحقيق ما أخبر عنه كتحقيق نطق الآدمي ووجوده كالذي تعرفه ضرورة.

قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر : " مثل" بالرفع صفة ل" لحق" ، أي : إنه لحق مثل نطقكم. وقرأ الباقون : " مثل" بالنصب (١).

قال مكي (٢) : حجتهم ثلاثة أوجه :

الأول : أن يكون مبنيا على الفتح لإضافته إلى اسم غير متمكّن ، وهو" أن" ، كما بنيت" غير" لإضافتها إلى" أن" في قوله :

لم يمنع الشّرب منها غير أن نطقت

 ........... (٣)

الوجه الثاني : أن تجعل" ما" و" مثل" اسما واحدا ، وتبنيه على الفتح ، وهو قول المازني ، فهو عنده كقول الشاعر :

وتداعى منخراه بدم

مثل ما أثمر حمّاض الجبل (٤)

فبنى" مثلا" لمّا جعلها و" ما" اسما واحدا.

الوجه الثالث : أن تنصب" مثلا" على الحال من النكرة ، وهي" حق". وهو قول الجرمي (٥).

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٤١٨) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٧٩) ، والكشف (٢ / ٢٨٧) ، والنشر (٢ / ٣٧٧) ، والإتحاف (ص : ٣٩٩) ، والسبعة (ص : ٦٠٩).

(٢) الكشف (٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨).

(٣) تقدم.

(٤) انظر البيت في : اللسان (مادة : حمض) ، والدر المصون (٦ / ١٨٧) ، والحجة للفارسي (٢ / ٤٠٤ ، ٣ / ٤١٩). والحمّاض : بقلة برّيّة تنبت أيام الربيع في مسايل الماء ولها ثمرة حمراء ، وهي من ذكور البقول (اللسان ، مادة : حمض).

(٥) هو : صالح بن إسحاق أبو عمر الجرمي ، أخذ النحو عن الأخفش ، وقرأ كتاب سيبويه عليه ، ولقي ـ

٤١٨

والأحسن أن يكون حالا من المضمر المرفوع في" لحقّ" ، وهو العامل في المضمر وفي الحال ، وتكون" ما" على هذا زائدة ، و" مثل" مضاف إلى" أنكم" ولم يتعرّف بالإضافة لما ذكرنا أولا ، والحال من النكرة قليل في الاستعمال. وقد حكى الأخفش (١) في قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ* أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) [الدخان : ٤ ـ ٥] أن" أمرا" الثاني حال من" أمر" الأول ، وهو نكرة. والأحسن أن يكون حالا من الضمير في" حكيم" وهو بمعنى محكم (٢).

سمعت شيخنا الإمام أبا محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي رضي الله عنه يقول : أخبرنا الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني إجازة ، أخبرنا أبو الفتح عبد الرزاق بن محمد بن الشرابي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، قال : حدثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المذكر ، حدثنا الحاكم أبو محمد يحيى بن منصور ، حدثنا أبو رجاء محمد بن أحمد ، حدثنا أبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي (٣) قال : سمعت الأصمعي يقول : أقبلت ذات يوم من المسجد الجامع بالبصرة ، فبينا أنا في بعض سككها ، إذ

__________________

ـ يونس ، وكان رفيقا للمازني ، وأخذ اللغة عن أبي زيد وطبقته ، وكان ورعا ، وله تصانيف. توفي سنة ٢٢٥ ه‍ (انظر : إنباه الرواة ٢ / ٨٠ ، ونزهة الألباء ص : ١٤٣ ، ومراتب النحويين ص : ٧٥).

(١) معاني الأخفش (ص : ٢٨٤).

(٢) في الكشف : يحكم.

(٣) العباس بن الفرج الرياشي ، أبو الفضل البصري النحوي ، مولى محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس ، كان عالما باللغة ، قدم بغداد وحدّث بها ، مات سنة سبع وخمسين ومائتين بالبصرة ، قتله الزنج (تهذيب التهذيب ٥ / ١٠٦ ، والتقريب ص : ٢٩٣).

٤١٩

طلع أعرابي جلف جاف على قعود (١) له متقلد سيفه وبيده قوس ، فدنا وسلّم ، وقال لي : ممن الرجل؟ قلت : من بني الأصمع. قال : أنت الأصمعي؟ قلت : نعم. قال : ومن أين أقبلت؟ [فقلت](٢) : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. قال : وللرحمن كلام يتلوه الآدميون؟ قلت : نعم ، قال : اتل عليّ شيئا منه ، قلت له : انزل عن قعودك ، فنزل وابتدأت بسورة الذاريات ، فلما انتهيت إلى قوله سبحانه وتعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) ، قال : يا أصمعي! هذا كلام الرحمن؟ قلت : إي والذي بعث محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق إنه لكلامه ، أنزله على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال لي : حسبك ، ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطّعها بجلدها وقال : أعنّي على تفريقها ، ففرّقناها على من أقبل وأدبر ، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرمل (٣) ، وولى مدبرا نحو البادية وهو يقول : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)(٤) ، فأقبلت على نفسي باللوم ، وقلت : لم تنتبه لما انتبه له الأعرابي.

فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة ، فبينا أنا أطوف بالكعبة ، إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق ، فالتفتّ فإذا أنا بالأعرابي نحيل مصفار ، فسلّم عليّ وأخذ بيدي فأجلسني من وراء المقام وقال [لي](٥) : اتل عليّ كلام الرحمن ، فأخذت في سورة الذاريات ، فلما انتهيت إلى قوله تعالى : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ)

__________________

(١) القعود من الإبل : ما اتخذه الراعي للركوب وحمل الزاد والمتاع (اللسان ، مادة : قعد).

(٢) في الأصل : قال. والتصويب من ب.

(٣) في كتاب التوابين (ص : ٢٧٤) : الرحل.

(٤) في الأصل : ورزقكم في السماء وما توعدون. والمثبت من ب.

(٥) زيادة من ب ، والثعلبي (٩ / ١١٥) ، والتوابين (ص : ٢٧٥).

٤٢٠