رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

قال ابن قتيبة (١) : العبقري : الطّنافس الثّخان.

قال أبو عبيدة (٢) : يقال لكل شيء من البسط : عبقري.

قال [الزجاج](٣) : أصل العبقري في اللغة : أنه وصف لكل ما بولغ في وصفه ، وأصله : أن" عبقر" بلد كان توشّى فيه البسط وغيرها ، فنسب كل شيء جيد إليه.

قال زهير :

بخيل عليها جنّة عبقرية

جديرون يوما [أن](٤) ينالوا فيستعلوا (٥)

قال الخليل بن أحمد رحمه‌الله : كلّ جليل نفيس فاضل فاخر من الرجال وغيرهم عند العرب : عبقري ، ومنه الحديث في عمر بن الخطاب : " فلم أر عبقريا يفري فريّة" (٦).

قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) قيل : إن" اسم" صلة.

وقد سبق القول على تبارك (٧).

وكان ابن عامر يقرأ : " ذو" بالواو (٨) ، وكذلك هو في مصاحف أهل الشام ،

__________________

(١) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٤٤).

(٢) مجاز القرآن (٢ / ٢٤٦).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ١٠٥). وما بين المعكوفين زيادة من ب.

(٤) زيادة من ب ، ومصادر البيت.

(٥) البيت لزهير. انظر : ديوانه (ص : ٨٤) ، واللسان (مادة : عبقر) ، والبحر (٨ / ١٨٦) ، والقرطبي (١٧ / ١٩٢) ، وزاد المسير (٨ / ١٢٨) ، والعين (٢ / ٢٩٨).

(٦) جزء من حديث أخرجه البخاري (٣ / ١٣٤٧ ح ٣٤٧٩) ، ومسلم (٤ / ١٨٦٢ ح ٢٣٩٣).

(٧) في الأعراف ، الآية رقم : ٥٤.

(٨) الحجة للفارسي (٤ / ١٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٤) ، والكشف (٢ / ٣٠٣) ، والنشر ـ

٥٨١

جعله صفة ل" اسم". واتفقوا على الموضع الأول أنه بالواو.

[وفي](١) قراءة ابن مسعود : " ذي الجلال والإكرام" بالياء في الموضعين (٢) ، صفة للرب عزوجل.

وقد سبق في هذه السورة معنى : ذي الجلال والإكرام.

فإن قيل : ما الحكمة في تكرار : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) في هذه السورة؟

قلت : قرع الأسماع بعظيم نعم الله وقدرته ؛ تنبيها للخلق ، وطردا لغفلتهم ، وحثا لهم على الشكر ، وتوكيدا لإقامة الحجة عليهم ، على أنه أسلوب مسلوك للعرب. قال الشاعر :

[ولا تملنّ يوما](٣) من زيارته

زره وزره وزر وزر وزر

وقد قررنا هذا المعنى مستوفى في البقرة وغيرها.

وقد أخرج الترمذي والحاكم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال : «قرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال : ما لي أراكم سكوتا ، الجن كانوا أحسن منكم ردا ، ما قرأت هذه الآية من مرة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) إلا قالوا : ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب ، فلك الحمد» (٤). والله تعالى أعلم.

__________________

ـ (٢ / ٣٨٣) ، والإتحاف (ص:٤٠٧)، والسبعة (ص:٦٢١).

(١) في الأصل : في. والتصويب من ب.

(٢) انظر : الحجة للفارسي (٤ / ١٩).

(٣) في الأصل : وتملن. والتصويب والزيادة من ب.

(٤) أخرجه الترمذي (٥ / ٣٩٩ ح ٣٢٩١) ، والحاكم (٢ / ٥١٥ ح ٣٧٦٦).

٥٨٢

وفي رواية الترمذي : «لقد [قرأتها](١) على الجن ليلة الجن» (٢).

__________________

(١) في الأصل : فرقها. والتصويب من ب.

(٢) انظر : الترمذي (٥ / ٣٩٩).

٥٨٣

سورة الواقعة

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وهي سبع وتسعون آية في المدني ، وست في الكوفي (١).

وهي مكية في قول ابن عباس والحسن وعطاء وعكرمة وقتادة ومقاتل (٢) والأكثرين. واستثنى ابن عباس قوله : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ)(٣).

وروى عطية عن ابن عباس : أنها مدنية (٤).

قال مسروق : من أراد أن يعلم نبأ الأولين والآخرين ، ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار ، ونبأ الدنيا ونبأ الآخرة ، فليقرأ سورة الواقعة (٥).

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦) وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ

__________________

(١) انظر : البيان في عدّ آي القرآن (ص : ٢٣٩).

(٢) تفسير مقاتل (٣ / ٣١١).

(٣) انظر : الماوردي (٥ / ٤٤٥) ، وزاد المسير (٨ / ١٣٠).

(٤) انظر : زاد المسير (٨ / ١٣٠).

(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٧ / ١٤٨ ح ٣٤٨٧٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤٠) وعزاه لابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر.

٥٨٤

الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)(١٢)

قال الله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) قال ابن عباس : إذا قامت القيامة (١).

(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) قال الكسائي : هو بمعنى الكذب ، كقوله تعالى : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً) [الغاشية : ١١] أي : لغو (٢).

قال الزجاج وغيره (٣) : " كاذبة" : مصدر ، كقولك : عافاه الله عافية. فهذه أسماء في موضع المصادر.

وقال الزمخشري (٤) : المعنى : ليس لها نفس كاذبة ، أي : لا تكون حين تقع نفس تكذب على الله.

قرأت على الشيخ أبي البقاء اللغوي رحمه‌الله [لليزيدي](٥) في اختياره : " خافضة رافعة" بالنصب ، وهي قراءة أبي رزين ، وأبي عبد الرحمن السلمي ، وأبي العالية ، والحسن ، في آخرين. وقرأ الأكثرون بالرفع فيهما (٦).

فمن نصب ؛ فعلى الحال ، تقديره : إذا وقعت الواقعة في حال خفضها قوما ورفعها آخرين.

__________________

(١) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٣١).

(٢) انظر : القرطبي (١٧ / ١٩٥).

(٣) معاني الزجاج (٥ / ١٠٧).

(٤) الكشاف (٤ / ٤٥٤).

(٥) في الأصل : للزيدي. والتصويب من ب.

(٦) انظر : إتحاف فضلاء البشر (ص : ٤٠٧) ، وزاد المسير (٨ / ١٣١).

٥٨٥

ومن رفع فعلى معنى : فهي خافضة رافعة.

قال أبو علي (١) : أضمر المبتدأ مع الفاء وجعلها جواب" إذا".

وقال عثمان : العامل في (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ : إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ).

وقال قوم : العامل فيه : (لَيْسَ لِوَقْعَتِها).

وقيل : اذكر (٢).

__________________

(١) لم أقف عليه في : الحجة للفارسي.

(٢) وهو ما ذهب إليه الزمخشري في الكشاف (٤ / ٤٥٤) قال : فإن قلت : بم انتصب" إذا"؟ قلت : ب" ليس" ؛ كقولك : يوم الجمعة ليس لي شغل. أو بمحذوف ، يعني : إذا وقعت كان كيت وكيت ، أو بإضمار : " اذكر". اه.

وردّ هذا القول أبو حيان في البحر (٨ / ٢٠٣) فقال : أما نصبها ب" ليس" فلا يذهب نحوي ولا من شدا شيئا من صناعة الإعراب إلى مثل هذا ؛ لأن ليس في النفي كما ، وما لا تعمل ، فكذلك ليس ، وذلك أن ليس مسلوبة الدلالة على الحدث والزمان. والقول بأنها فعل هو على سبيل المجاز ، لأن حد الفعل لا ينطبق عليها. والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث ، فإذا قلت : يوم الجمعة أقوم ، فالقيام واقع في يوم الجمعة ، وليس لا حدث لها ، فكيف يكون لها عمل في الظرف؟ والمثال الذي شبه به ، وهو يوم القيامة ، ليس لي شغل ، لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بليس ، بل هو منصوب بالعامل في خبر ليس ، وهو الجار والمجرور ، فهو من تقديم معمول الخبر على ليس ، وتقديم ذلك مبني على جواز تقديم الخبر الذي لليس عليها ، وهو مختلف فيه ، ولم يسمع من لسان العرب : قائما ليس زيد. وليس إنما تدل على نفي الحكم الخبري عن المحكوم عليه فقط ، فهي كما ، ولكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع ، جعلها ناس فعلا ، وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية.

ويظهر من تمثيل الزمخشري إذا بقوله : يوم الجمعة ، أنه سلبها الدلالة على الشرط الذي هو غالب فيها ، ولو كانت شرطا ، وكان الجواب الجملة المصدرة بليس ، لزمت الفاء ، إلا إن حذفت في شعر ، إذ ورد ذلك ، فنقول : إذا أحسن إليك زيد فلست تترك مكافأته. ولا يجوز لست بغير فاء ، إلا إن اضطر إلى ذلك. وأما تقديره : إذا وقعت كان كيت وكيت ، فيدل على أن إذا عنده شرطية ، ولذلك ـ

٥٨٦

وقيل : جواب إذا : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ)(١).

وقال أبو سليمان الدمشقي : لما قال المشركون : متى هذا الوعد ، متى هذا [الفتح](٢) ، نزل قوله تعالى : (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ). فالمعنى يكون : إذا وقعت الواقعة (٣).

قال ابن عباس في رواية العوفي عنه : خفضت فأسمعت القريب ، [ورفعت](٤) فأسمعت البعيد (٥).

وقال في رواية عكرمة : خفضت أناسا ورفعت آخرين (٦).

وقال محمد بن كعب : تخفض أقواما كانوا مرتفعين في الدنيا ، وترفع أقواما كانوا منخفضين فيها (٧).

__________________

ـ قدر لها جوابا عاملا فيها. وأما قوله : بإضمار اذكر ، فإنه سلبها الظرفية ، وجعلها مفعولا بها منصوبة بأذكر. اه.

(١) انظر : الدر المصون (٦ / ٢٥١ ـ ٢٥٢).

(٢) زيادة من ب.

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣٠).

(٤) في الأصل : ووقعت. والتصويب من ب.

(٥) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٦٧) ولفظه : أسمعت القريب والبعيد. وبلفظه ذكره السيوطي في الدر (٨ / ٤) وعزاه لابن جرير وابن مردويه. وانظر لفظ المصنف في : زاد المسير (٨ / ١٣١).

(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٢٩) ، وابن أبي شيبة (٧ / ١٣٦ ح ٣٤٧٨٣). وذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٢٣٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣١) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤) وعزاه لابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٧) أخرجه أبو الشيخ في العظمة (٢ / ٥٢٨ ح ١٥). وذكره الماوردي (٥ / ٤٤٦) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٤) وعزاه لسعيد بن منصور وابن المنذر وأبي الشيخ في العظمة.

٥٨٧

قال المفسرون : تخفض أقواما إلى أسفل سافلين في النار ، وترفع أقواما إلى علّيين في الجنة (١).

قوله تعالى : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) جائز أن يكون بدلا من (إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ)(٢).

ويجوز أن ينتصب ب" خافضة رافعة" ، أي : تخفض وترفع وقت رجّ الأرض وبسّ الجبال (٣).

قال ابن عباس : إذا رجّت الأرض وزلزلت (٤).

قال ابن جريج : ترجّ بما فيها كما يرجّ الغربال بما فيه (٥).

قيل ذلك ؛ لإماتة من عليها (٦). وقيل : لإخراج من في بطنها من الأموات (٧).

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣١).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٥٣) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٣).

(٣) وهذا ما جوّزه الزمخشري في الكشاف (٤ / ٤٥٥). وردّه ولم يجوّزه أبو حيان في البحر (٨ / ٢٠٤)

فقال : ولا يجوز أن ينتصب بهما معا ، بل بأحدهما.

ولأنه لا يجوز أن يجتمع مؤثران على أثر واحد.

وقال السمين الحلبي في الدر المصون (٦ / ٢٥٣) : معنى كلامه أن كلا منهما متسلط عليه من جهة المعنى ، وتكون من التنازع ، وحينئذ تكون العبارة صحيحة ، إذ تصدق أن كلا منهما عامل فيه وإن كان على التعاقب.

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٦٧) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٢٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٥) وعزاه لابن جرير وابن المنذر.

(٥) ذكره الماوردي (٥ / ٤٤٦) من قول الربيع بن أنس.

(٦) وهذا تأويلها على قول ابن عباس. ذكره الماوردي (٥ / ٤٤٦).

(٧) وهذا تأويلها على قول ابن جريج. ذكره الماوردي (٥ / ٤٤٦).

٥٨٨

(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) أي : فتّتت حتى صارت كالدقيق ، ولتّت كما يلتّ السويق.

وقال مجاهد : سالت سيلا (١).

وقال عكرمة : هدّت هدّا (٢).

(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) غبارا متفرقا. وقد استوفينا القول عليه في الفرقان (٣).

ثم إن الله سبحانه وتعالى ذكر أحوال الناس يوم القيامة ، وجهة انقسامهم فقال تعالى : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً) أي : أصنافا (ثَلاثَةً).

(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) وفيهم خمسة أقوال :

أحدها : أنهم الذين كانوا على يمين آدم [حين](٤) أخرجت ذريته من صلبه. قاله ابن عباس (٥).

الثاني : أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم. قاله الضحاك (٦).

الثالث : أنهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم ، أي : مباركين. قاله الحسن والربيع (٧).

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٤٤٦).

(٢) مثل السابق.

(٣) عند الآية رقم : ٢٣.

(٤) زيادة من ب.

(٥) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣٢).

(٦) مثل السابق.

(٧) ذكره الماوردي (٥ / ٤٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣٢).

٥٨٩

الرابع : أنهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة. حكاه الواحدي (١).

الخامس : أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة. قاله الزجاج (٢).

وقوله : (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) تعظيم لهم وتفخيم لما أفضوا إليه من الكرامة.

قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) تفسيره على الضدّ من الذي قبله في تفسيره.

قوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) قال الحسن وقتادة : هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة (٣).

قال ابن سيرين : هم الذين صلّوا إلى القبلتين (٤).

وقال محمد بن كعب : هم الأنبياء (٥).

وقال الضحاك : هم أهل القرآن (٦).

وفي كتاب الزهد للإمام أحمد : أن عثمان بن أبي سودة تلا هذه الآية : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) قال : هم أوّلهم (٧) رواحا إلى المسجد ، وأولهم خروجا في

__________________

(١) الوسيط (٤ / ٢٣٢).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١٠٩).

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٧٠). وذكره الماوردي (٥ / ٤٤٨) ، والسيوطي في الدر (٨ / ٦) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة.

(٤) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٧١). وذكره الماوردي (٥ / ٤٤٨).

(٥) ذكره الماوردي (٥ / ٤٤٨) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣٣).

(٦) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣٣) عن كعب.

(٧) قوله : " أولهم" مكرر في الأصل.

٥٩٠

سبيل الله (١).

قال الزجاج (٢) : " السابقون" الأول رفع بالابتداء ، والثاني توكيد له ، ويكون الخبر : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ، ثم أخبر أين محلهم فقال : (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ). ويجوز أن يكون" السابقون" الأول مبتدأ ، خبره : " السابقون" الثاني ، فيكون المعنى ـ والله أعلم ـ : السابقون إلى طاعة الله تعالى السابقون إلى رحمة الله. ويكون (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) من صفتهم.

وقال الزمخشري (٣) : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) يريد : والسابقون من عرفت حالهم وبلغك وصفهم ، كقولك : وعبد الله عبد الله ، وكقول أبي النجم :

 ........... وشعري شعري ...........

 ........... (٤)

كأنه قال : وشعري ما انتهى إليك وسمعت بفصاحته وبراعته.

وقد جعل" السابقون" تأكيدا ، و (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) : خبرا. وليس بذاك.

ووقف بعضهم على : " [والسابقون](٥) " ، وابتدأ : (السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ).

والصواب : أن يوقف على الثاني ، لأنه تمام الجملة ، وهو في مقابلة : (ما

__________________

(١) أخرجه أحمد في الزهد (ص : ٢٦٣).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١٠٩).

(٣) الكشاف (٤ / ٤٥٦ ـ ٤٥٧).

(٤) جزء من بيت ، وهو :

أنا أبو النجم وشعري شعري

لله دري ما يجنّ بصدري

انظر : الأغاني (٢٢ / ٣٤١) ، والخصائص (٣ / ٣٣٧) ، ومغني اللبيب (ص : ٨٦٣) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٤).

(٥) في الأصل : السابقون. والتصويب من ب ، والكشاف (٤ / ٤٥٧).

٥٩١

أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ " ، وما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ).

قوله تعالى : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) قال أبو سليمان الدمشقي : يعني : عند الله في ظل عرشه وجواره (١).

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(٢٦)

قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ)" ثلّة" : خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : هم ثلّة (٢).

والثلّة : الجماعة الكثيرة لا يحصرها عدد (٣).

قال مقاتل (٤) : يعني : سابقي الأمم.

(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) من هذه الأمة ، يريد مقاتل : أن سابقي هذه الأمة قليل بالنسبة إلى سابقي الأمم الماضية.

وقيل : ثلّة من الأولين من متقدمي هذه الأمة ، وقليل من متأخريها ؛ لأن الذين

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٣٤).

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٥٣) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٤).

(٣) انظر : اللسان (مادة : ثلل).

(٤) تفسير مقاتل (٣ / ٣١٢).

٥٩٢

اتبعوهم بإحسان قليل بالنسبة إليهم.

قوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) قال ابن عباس وغيره : مرمولة منسوجة بالذهب والجواهر (١) ، قد أدخل بعضها في بعض ، ومنه سمي النّسع (٢) : الوضين. ومنه بيت الأعشى :

ومن نسج داود موضونة

 ........... (٣)

وقول الآخر :

وبيضاء كالنهي موضونة

 ........... (٤)

وقال الضحاك : " موضونة" : مصفوفة ، وهي رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس (٥).

قال ابن السائب : طول كل سرير ثلاثمائة ذراع ، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٧٢) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٣٠) ، وهناد في الزهد (١ / ٨٠ ح ٧٧).

وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٨) وعزاه لسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس.

(٢) في هامش ب : النّسع ـ بالكسر ـ : سير مضفور يجعل زماما للبعير وغيره ، وقد تنسج عريضة تجعل على صدر البعير ، وهو الوضين والبطان ، والجمع : نسع وأنساع (انظر : لسان العرب ، مادة : نسع).

(٣) صدر بيت للأعشى ، وعجزه : تسير مع الحي عيرا فعيرا. انظر : ديوانه (ص : ٧١) ، واللسان (مادة :

وضن) ، والبحر (٨ / ٢٠١) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٥) ، والقرطبي (١٧ / ٢٠١) ، والطبري (٢٧ / ١٧٢) ، وروح المعاني (٢٦ / ٤١ ، ٢٧ / ١٣٥).

(٤) صدر بيت للأعشى ، وعجزه : لها قونس فوق جبين البدن. وهو في : القرطبي (٨ / ٣٨٠ ، ١٧ / ٢٠١).

(٥) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٧٣). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث والنشور.

٥٩٣

تواضعت له ، فإذا جلس عليها ارتفعت (١).

قوله تعالى : (مُتَّكِئِينَ عَلَيْها) قال الزجاج والزمخشري (٢) : " متكئين" : حال من الضمير في" على" ، وهو العامل في الحال ، أي : استقروا عليها متكئين ، (مُتَقابِلِينَ) لا ينظر بعضهم في أقفاء بعض. وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق [والآداب](٣).

قوله تعالى : (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) أي : مبقون أبدا على شكل الولدان ، لا يكبرون ولا ينقصون ولا يتغيرون ولا يموتون. هذا قول جمهور العلماء (٤).

وقال سعيد بن جبير : مقرّطون (٥).

وقال الفراء وابن قتيبة وغيرهما (٦) : محلّون بالأسورة والأقراط ، وأنشدوا :

ومخلّدات باللّجين كأنما

أعجازهنّ أقاوز الكثبان (٧)

قال أهل اللغة (٨) : " الأباريق" : فارسي معرّب ، وقد تكلمت به العرب قديما.

__________________

(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٢٠٢).

(٢) معاني الزجاج (٥ / ١١٠) ، والكشاف للزمخشري (٤ / ٤٥٨).

(٣) في الأصل : والأدب. والتصويب من ب ، والكشاف ، الموضع السابق.

(٤) ذكره الطبري (٢٧ / ١٧٣) ، والماوردي (٥ / ٤٥٠).

(٥) ذكره الطبري (٢٩ / ٢٢٠) بلا نسبة ، والقرطبي (١٧ / ٢٠٢) ، والبغوي (٤ / ٢٨١).

(٦) معاني الفراء (٣ / ١٢٣) ، وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة (٤٤٦ ـ ٤٤٧).

(٧) انظر البيت في : اللسان (مادة : خلد ، قوز) ، والطبري (٢٩ / ٢٢٠) ، والقرطبي (١٧ / ٢٠٢) ، والماوردي (٥ / ٤٥٠) ، وزاد المسير (٨ / ١٣٦).

(٨) انظر : اللسان (مادة : برق) ، والصحاح (٤ / ١٤٤٩).

٥٩٤

قال عدي بن زيد :

ودعا بالصّبوح يوما فجاءت

قينة في يمينها إبريق (١)

قال الزجاج وغيره من المفسرين واللغويين (٢) : [الأكواب](٣) : آنية لا عرى لها ولا خراطيم.

(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي : بسببها ؛ كخمر الدنيا.

وقيل : لا يفرّقون عنها.

وما لم أفسره هاهنا مفسّر في الصافات (٤) ، أو ظاهر إلى قوله تعالى : (وَحُورٌ عِينٌ).

قرأ حمزة والكسائي : بالجر فيهما ، وقرأ الباقون من السبعة : بالرفع (٥).

وقرأ أبي بن كعب وعائشة وأبو العالية والجحدري : بالنصب (٦).

فمن قرأ بالجر : عطفه على ما قبله ؛ إما لأنه ليس من شرط المعطوف مشاركة المعطوف عليه في المعنى ، وأنشدوا :

__________________

(١) البيت لعدي بن زيد ، وهو في : اللسان (مادة : برق ، طرق) ، والبحر (٨ / ٢٠٢) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٦) ، وزاد المسير (٨ / ١٣٦) ، وروح المعاني (٢٧ / ١٣٦) ، والأغاني (٦ / ٨٥ ، ٨٦) ، وتاج العروس (مادة : برق ، طرق).

(٢) انظر : معاني الزجاج (٥ / ١١٠) ، واللسان (مادة : كوب).

(٣) في الأصل : الأباريق. والمثبت من معاني الزجاج ، الموضع السابق.

(٤) عند الآية رقم : ٤٧.

(٥) الحجة للفارسي (٤ / ٢٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٩٥) ، والكشف (٢ / ٣٠٤) ، والنشر (٢ / ٣٨٣) ، والإتحاف (ص : ٤٠٧ ـ ٤٠٨) ، والسبعة (ص : ٦٢٢).

(٦) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٨ / ١٣٧) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٧).

٥٩٥

إذا ما الغانيات برزن يوما

وزجّجن الحواجب والعيونا (١)

والعيون لا تزجّج وإنما تكحل ، وأنشدوا أيضا :

وعلفتها تبنا وماء باردا

 ........... (٢)

وإما لكونه لا يمتنع أن يطوف الولدان عليهم بالحور ، ويكون ذلك من جملة ما يتنعّمون به ويكرمون بسببه.

ومن رفع فعلى معنى : وهناك حور ، أو ولهم حور.

ومن نصب فعلى معنى : ويعطون حورا ، هنّ في صفاء الألوان (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) في أصدافه ، لم يتغير بمسّ الأيدي ، ولم يتأثر بطول الاستعمال.

قوله تعالى : (جَزاءً) مفعول له (٣).

قوله تعالى : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً* إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) قد سبق معنى اللغو والسّلام عند قوله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً) في مريم ، ومعنى" التأثيم" في الطور (٤).

__________________

(١) البيت للراعي النميري ، وهو في : اللسان (مادة : زجج) ، ومعاني الفراء (٣ / ١٢٣) ، والطبري (٢٧ / ١٧٦) ، والقرطبي (١٧ / ٢٠٥) ، وزاد المسير (٨ / ١٣٨) ، والخصائص (٢ / ٤٣٢) ، وتاج العروس (مادة : زجج).

(٢) صدر بيت لذي الرمة ، وعجزه : (حتى شتت همّالة عيناها). انظر ملحقات ديوانه (٣ / ١٨٦٢) ، ومعاني الفراء (١ / ١٤ ن ٣ / ١٢٤) ، وتأويل المشكل (ص : ٢١٣) ، والخصائص (٢ / ٤٣١) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٢ / ٨) ، والإنصاف (٢ / ٦١٣) ، وأوضح المسالك (١ / ٢٩٨) ، والخزانة (١ / ٤٩٩) ، واللسان (مادة : قلد).

(٣) انظر : التبيان (٢ / ٢٥٤) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٨).

(٤) في سورة مريم عند الآية رقم : ٦٢ ، وفي سورة الطور عند الآية رقم : ٢٣.

٥٩٦

وقوله : (سَلاماً) بدل من [" قيلا"](١) ، بدليل الآية المذكورة في مريم ، أو مفعول به ل" قيلا" ، على معنى : لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاما سلاما (٢).

(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤) إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ)(٤٠)

قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) هم أصحاب الميمنة.

(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) قال عكرمة : لا شوك فيه (٣).

قال ابن قتيبة (٤) : كأنه خضد شوكه ، أي : قطع ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة : «لا يخضد شوكها» (٥).

وقال مجاهد والضحاك : " مخضود" : [موقر](٦) ، وهو الذي تنثني أغصانه لكثرة

__________________

(١) في الأصل : قليلا. والتصويب من ب.

(٢) انظر : التبيان (٢ / ٢٥٤) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٨).

(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٧٩) ، وهناد في الزهد (١ / ٩٥ ح ١٠٩). وذكره الماوردي (٥ / ٤٥٣).

(٤) تفسير غريب القرآن (ص : ٤٤٧).

(٥) أخرجه الحاكم (٢ / ٥١٨ ح ٣٧٧٨).

(٦) أخرجه الطبري (٢٧ / ١٨٠) ، وهناد في الزهد (١ / ٩٥ ح ١٠٨). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٣) وعزاه لهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث. وما بين المعكوفين في الأصل : موفر. والمثبت من ب.

٥٩٧

حمله ، من قولهم : خضد الغصن ؛ إذا ثناه وهو رطب (١). والقولان عن ابن عباس (٢).

قوله تعالى : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) الطّلح : شجر الموز ، في قول علي ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وأبي سعيد الخدري ، والحسن ، وعطاء ، وعكرمة ، ومجاهد ، وقتادة ، وجمهور المفسرين (٣).

وقال أبو عبيدة وغيره من أهل اللغة (٤) : الطّلح عند العرب : شجر عظام ، كثير الشوك. [وهو شجر](٥) أم غيلان (٦). قال الحادي :

بشّرها دليلها وقالا

غدا ترين الطلح والحبالا (٧)

فإن قيل : ما الفائدة فيه حتى جعل من شجر الجنة؟

__________________

(١) انظر : اللسان (مادة : خضد).

(٢) أخرج القول الأول : الطبري (٢٧ / ١٧٩). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٢) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر من طرق عن ابن عباس.

وأخرج القول الثاني : الطبري (٢٧ / ١٧٩). وذكره السيوطي (٨ / ١٢) وعزاه لابن جرير.

(٣) أخرجه مجاهد (ص : ٦٤٧) ، وهناد في الزهد (١ / ٩٦ ح ١١١ ، ١١٢) ، والطبري (٢٧ / ١٨١) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٣٣٠ ـ ٣٣٣١). وذكره السيوطي في الدر (٨ / ١٣) وعزاه لعبد الرزاق والفريابي وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن مردويه عن علي بن أبي طالب. ومن طرق أخرى عن أبي سعيد الخدري ومجاهد.

(٤) مجاز القرآن (٢ / ٢٥٠).

(٥) في الأصل : وشجر. والتصويب من ب.

(٦) انظر : اللسان (مادة : طلح).

(٧) البيت للنابغة الجعدي ، وهو في : مجاز القرآن (٢ / ٢٥٠) ، والطبري (٢٧ / ١٨١) ، والماوردي (٥ / ٤٥٤) ، والقرطبي (١٧ / ٢٠٨) ، وزاد المسير (٨ / ١٤٠).

٥٩٨

قلت : كثرة نوره ، وطيب ريحه ، وامتداد ظله (١) ، وما بين شجر الدنيا وشجر الجنة اشتراك إلا في الأسماء ، وإلا [فلتلك](٢) ثمار ونوّار لا يعلمه أهل الدنيا.

وروى محمد بن جرير بإسناد له قال (٣) : قرأ رجل عند علي عليه‌السلام : (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) قال علي : ما شأن الطلح ، إنما هو : [" وطلع](٤) منضود" ، ثم قرأ : (طَلْعُها هَضِيمٌ) فقيل له : إنها في المصحف بالحاء ، أفلا نحوّ لها؟ فقال : إن القرآن لا يهاج اليوم.

ويروى : أن عليا عليه‌السلام كان يقرأ : " وطلع منضود" (٥) [بالعين](٦). والله أعلم بصحة ذلك عنه.

والذي أطبقت عليه الأمة واختارته الأئمة ما نقل على لسان التواتر ، ونطق به الإمام الذي [أجمعت](٧) عليه الصحابة فمن بعدهم : مصحف عثمان رضي الله عنه.

والمنضود : المتراكم الذي ينضد بالحمل من أوله إلى آخره.

قال مسروق : أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها ثمر كله (٨).

__________________

(١) في الأصل زيادة قوله : ما بين. وانظر : ب.

(٢) في الأصل : فتلك. والتصويب من ب.

(٣) تفسير الطبري (٢٧ / ١٨١).

(٤) في الأصل : طلع. والتصويب من ب ، ومن الطبري ، الموضع السابق.

(٥) انظر هذه القراءة في : الماوردي (٥ / ٤٥٤) ، والدر المصون (٦ / ٢٥٩).

(٦) زيادة من ب.

(٧) في الأصل : اجتمعت. والمثبت من ب.

(٨) ذكره القرطبي (١٧ / ٢٠٩) ، والبغوي (٤ / ٢٨٢) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٤٠) بمعناه.

٥٩٩

قوله تعالى : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) أي : دائم لا تنسخه الشمس.

قال الربيع : يعني : ظل العرش (١).

أخبرنا الشيخان أبو القاسم بن عبد الله بن عبد الصمد العطار ، وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الله الصوفي قالا : أخبرنا عبد الأول بن عيسى ، أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها ، واقرؤوا إن شئتم : (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ)(٢). هذا حديث متفق على صحته ، أخرجاه من طرق ، ورواه جماعة من الصحابة منهم : سهل بن سعد ، وأبو سعيد الخدري ، وأنس بن مالك ، وغيرهم (٣).

قوله تعالى : (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) أي : دائم الجرية لا ينقطع.

(وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ* لا مَقْطُوعَةٍ) في [بعض](٤) الأحايين كثمار الدنيا ، (وَلا مَمْنُوعَةٍ) من [متناولها](٥) بوجه من الوجوه.

قوله تعالى : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) قيل المراد بالفرش : النساء ، على معنى : مرفوعة بالجمال على نساء الدنيا ، أو مرفوعة على السرر. ويدل عليه قوله : (إِنَّا أَنْشَأْناهُنَ).

__________________

(١) ذكره القرطبي في تفسيره (١٧ / ٢٠٩).

(٢) أخرجه البخاري (٤ / ١٨٥١ ح ٤٥٩٩) ، ومسلم (٤ / ٢١٧٥ ح ٢٨٢٦).

(٣) أخرجه مسلم (٤ / ٢١٧٦ ح ٢٨٢٧ ـ ٢٨٢٨) من حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري.

(٤) زيادة من ب.

(٥) في الأصل : تناولها. والمثبت من ب.

٦٠٠