رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي

رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز - ج ٧

المؤلف:

عزّ الدين عبدالرزاق بن رزق الله الرسعني الحنبلي


المحقق: عبد الملك بن عبد الله بن دهيش
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة الأسدي للنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦١

ثم أبان عن جهل كفار قريش ، حين أقروا بأن العزيز العليم خالق السموات والأرض ، وهم مع ذلك يعبدون الحجارة ، فقال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ) .. الآية.

والتي تليها مفسّرة في سورة طه (١).

والمعنى : لعلكم تهتدون بالسبل في طرقكم وأسفاركم ، أو : لعلكم تهتدون إلى معرفة المنعم عليكم. وهو قول سعيد بن جبير (٢).

وقيل : لعلكم تهتدون إلى معايشكم (٣).

(وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ) مفسّر في سورة الحجر (٤).

قال ابن عباس : يريد أنه ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قدر فأغرقهم ، بل هو بقدر ليكون نافعا (٥).

(فَأَنْشَرْنا) أحيينا (بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً ، كَذلِكَ تُخْرَجُونَ) مفسّر فيما مضى.

قرأ حمزة والكسائي وابن عامر بخلاف عنه : [" تخرجون"](٦) بفتح [التاء](٧) وضم الراء ، وقرأ الباقون بالعكس من ذلك (٨).

__________________

(١) عند الآية رقم : ٥٣.

(٢) ذكره الماوردي (٥ / ٢١٧).

(٣) مثل السابق.

(٤) عند الآية رقم : ٢١.

(٥) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٦٥) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣٠٤).

(٦) في الأصل : يخرجون. والتصويب من مصادر التخريج.

(٧) في الأصل : الياء. والتصويب من المصادر التالية.

(٨) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٤) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٥ ـ ٦٤٦) ، والكشف (١ / ٤٦٠) ، والنشر (٢ / ٣٦٧ ـ ٣٦٨) ، والإتحاف (ص : ٣٨٤) ، والسبعة (ص : ٥٨٤).

١٠١

قوله تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) يعني : أصناف الحيوان من ذكر وأنثى.

وقال سعيد بن جبير : يعني : الأصناف كلها (١).

قال الحسن البصري : الشتاء والصيف ، والليل والنهار ، والشمس والقمر ، والجنة والنار (٢).

(وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ) وهي السفن (وَالْأَنْعامِ) يريد : الإبل (ما تَرْكَبُونَ) أي : تركبونه.

(لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) قال أبو عبيدة (٣) : هاء التذكير في" ظهوره" ل : " ما".

قال الزمخشري (٤) : على ظهور ما تركبون ، وهو الفلك والأنعام.

(ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) بالتسخير والتيسير (إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا) ذكرا وشكرا : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ).

قال ابن عباس ومجاهد : مطيقين (٥).

قال ابن قتيبة وغيره (٦) : يقال : أنا مقرن لك ؛ أي : مطيق لك ، ويقال : هو من قولهم : أنا قرن لفلان ؛ إذا كنت مثله في الشدة ، فإذا قلت : أنا قرن فلان ـ بفتح

__________________

(١) ذكره الماوردي (٥ / ٢١٧).

(٢) مثل السابق.

(٣) مجاز القرآن (٢ / ٢٠٢).

(٤) الكشاف (٤ / ٢٤٣).

(٥) أخرجه الطبري (٢٥ / ٥٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨١). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٦٩) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس.

(٦) تفسير غريب القرآن (ص : ٣٩٥).

١٠٢

القاف ـ ، فمعناه أن تكون مثله في السنّ. قال ابن هرمة :

وأقرنت ما حمّلتني ولقلّما

يطاق احتمال الصّدّ يا دعد والهجر (١)

(وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) أي : راجعون في الآخرة.

سنّ الله تعالى لراكب الفلك والإبل قول هذا ، بعد ذكر النعمة وشكرها ، وتنزيه المنعم بها ، والاعتراف بالعجز عن الاستيلاء عليها ، لو لا تسخيره جلّت عظمته ؛ لأنها حالة لا يؤمن فيها التلف ، خصوصا راكب البحر.

ولقد قيل لبعضهم بعد خروجه من البحر : ما أعجب ما رأيت فيه؟ قال : سلامتي.

فينبغي للمتلبس بهذه الحالة استذكار الآخرة والاستعداد لها ، فليجتلب ما ينجيه ؛ من طاعة الله ، ويجتنب ما يرديه من معصيته ، ولا يتخذ ذلك مقرا لفسقه ولهوه ، كعادة أكثر ملوك زماننا وأتباعهم وأضرابهم ، يشربون الخمور ، وتضرب لهم القيان بالمعازف على صهوات الخيل ، وفي البحور ، لا يرجون لله تعالى وقارا ، ولا يعرفون نعم الله عليهم ، ولا يخشون هجوم الموت وهم في مثل هذه الحالة ، التي هلك بسببها خلق كثير ، ما ذاك إلا استيلاء الغفلة على قلوبهم ، وقلة المبالاة بأمر آخرتهم.

أخرج الإمام أحمد رضي الله عنه في مسنده ، ومسلم في صحيحه ـ واللفظ للإمام ـ من رواية عبد الله بن عمر : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا ركب راحلته ـ يعني : للسفر ـ كبّر ثلاثا ، ثم قال : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ* وَإِنَّا

__________________

(١) البيت لابن هرمة ، وهو في : البحر (٨ / ٩) ، والدر المصون (٦ / ٩٣) ، وروح المعاني (٢٥ / ٦٩) ، والكشاف (٤ / ٢٤٤).

١٠٣

إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) ، ثم يقول : اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى ، اللهم هوّن علينا السفر ، واطو لنا البعيد ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل ، اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا.

وكان إذا رجع إلى أهله قال : آيبون تائبون إن شاء الله ، عابدون لربنا حامدون» (١).

وفي بعض الألفاظ : «اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب ، في الأهل والمال» (٢).

وروى علي عليه‌السلام : «أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ، فإذا استوى على الدابة قال : الحمد لله على كل حال ، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، وكبر ثلاثا ، وهلّل ثلاثا» (٣).

قال قتادة : في هذه الآية تعليمكم ، تقولون إذا ركبتم في الفلك : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) ، وإذا ركبتم الإبل قلتم : (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ، وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ) ، وإذا نزلتم من الفلك والأنعام تقولون : اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين (٤).

ويروى : «أن الحسين بن علي رضي الله عنهما رأى رجلا ركب دابة فقال : سبحان الذي سخر لنا هذا ، فقال : أبهذا أمرتم؟ فقال : وبم أمرنا؟ قال : أن تذكروا

__________________

(١) أخرجه مسلم (٢ / ٩٧٨ ح ١٣٤٢) ، وأحمد (٢ / ١٤٤ ح ٦٣١١).

(٢) أخرجه مسلم ، الموضع السابق ، وأحمد (٢ / ١٥٠ ح ٦٣٧٤).

(٣) أخرجه أبو داود (٣ / ٣٤ ح ٢٦٠٢) ، والترمذي (٥ / ٥٠١ ح ٣٤٤٦).

(٤) أخرجه الطبري (٢٥ / ٥٤).

١٠٤

نعمة ربكم إذا استويتم عليه ، وكان قد أغفل حمد الله فنبهه عليه» (١).

(وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (١٥) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (١٦) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (١٩) وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)(٢٠)

قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً) متصل بقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) المعنى : وجعلوا له مع اعترافهم أنه الخالق الفاعل لما عدّدوه من نعمه عليهم من عباده ، يريد : الملائكة [جزءا](٢) ، أي : بعضا له ، وهو قولهم : الملائكة بنات الله.

قال الزجاج (٣) : وقد أنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى" جزء" معنى الإناث ، ولا أدري البيت قديم أم موضوع (٤) ، أنشدني (٥) :

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٥ / ٥٤) عن أبي مجلز أن الحسن بن علي ... ، وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٦٩) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن أبي مجلز قال : رأى حسين بن علي ...

(٢) في الأصل : جزاءا.

(٣) معاني الزجاج (٤ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧).

(٤) في زاد المسير واللسان : مصنوع.

(٥) نقل صاحب اللسان (مادة : جزأ) كلام الزجاج هذا وزاد : والمعنى في قوله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ ـ

١٠٥

إن أجزأت حرة يوما فلا عجب

قد تجزئ الحرّة المذكار أحيانا (١)

أي : [إن](٢) أنثت : ولدت أنثى.

قال الزمخشري (٣) : ومن بدع التفاسير : أن الجزء في لغة العرب : اسم للإناث ، وما هو إلا كذب على العرب ، ووضع مستحدث منحول ، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه : أجزأت المرأة ، ثم صنعوا بيتا وبيتا ، وأنشد :

إن أجزأت ..............

 ..............

قوله تعالى : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ)" أم" منقطعة ، تقديره : بل اتخذوا ، الهمزة للإنكار ؛ تجهيلا لهم وتعجيبا من شأنهم ، حيث جعلوا لله من عباده جزءا.

ثم لم يقنعوا بذلك حتى جعلوا له الأخس وهو الإناث ، [وأصفاهم](٤) بالأخص وهم الذكور.

__________________

ـ جُزْءاً) ، أي : جعلوا نصيب الله من الولد : الإناث ، ثم قال : ولم أجده في شعر قديم ، ولا رواه عن العرب الثقات ، وأنشد أبو حنيفة :

زوّجتها من بنات الأوس مجزئة

للعوسج اللدن في أبياتها زجل

يعني : امرأة غزالة بمغازل سوّيت من شجر العوسج.

(١) البيت في : اللسان (مادة : جزأ) ، وغريب القرآن (ص : ٣٩٦) ، والدر المصون (٦ / ٩٣) ، وزاد المسير (٧ / ٣٠٥) ، والقرطبي (١٦ / ٦٩) ، والبحر المحيط (٨ / ١٠).

(٢) زيادة من معاني الزجاج (٤ / ٤٠٧).

(٣) الكشاف (٤ / ٢٤٥).

(٤) في الأصل : والاصفاهم.

١٠٦

والذي بعدها مفسّرة في سورة النحل (١).

قوله تعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر : " ينشّأ" بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين. وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين (٢). فمن خفّف بناه على الثلاثي ، من قولهم : نشأ الغلام ، ونشأت الجارية ، فهو فعل لا يتعدى. ومن شدّد بناه على الرباعي بتضعيف العين ، على : نشّأ ينشّأ ، مثل : قتّل يقتّل ، وهو أيضا إنكار عليهم وتوبيخ لهم ، على معنى : أجعلتم من هو بهذه الصفة المذمومة ولدا للرحمن عزوجل ، وهو يربّى في الزينة والنعمة ، فإذا التفّت عليه المحافل في الخصام والجدال ، غير مبين بحجة ، لضعف عقله ونقصان فطرته.

قال قتادة في هذه الآية : قلما تتكلم امرأة تريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها (٣).

قال بعض العلماء (٤) : وفي هذه الآية تنبيه على أن النّشء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام ، وأنه وصف ربات الحجال ، ولذلك عدّوا قول الحطيئة في الزبرقان :

__________________

(١) عند الآية رقم : ٥٨.

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٣٦٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٦) ، والكشف (٢ / ٢٥٥) ، والنشر (٢ / ٣٦٨) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥) ، والسبعة (ص : ٥٨٤).

(٣) أخرجه الطبري (٢٥ / ٥٧). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٠) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.

(٤) هو الزمخشري ، انظر : الكشاف (٤ / ٢٤٧).

١٠٧

دع المكارم لا تنهض لبغيتها

واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي (١)

هجوا عظيما ، حتى قال حسان : ما هجاه ولكن سلح عليه.

فعلى الرجل الحازم أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربأ بنفسه عنه ، ولهذا قال عمر رضي الله عنه : «اخشوشنوا وتمعددوا (٢)» (٣).

قوله تعالى : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) قرأ نافع وابن كثير وابن عامر : " عند الرحمن". وقرأ الباقون" عباد" (٤).

فمن قرأ جعله ظرفا ، احتج بقوله تعالى : (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ) [الأنبياء : ١٩] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) [الأعراف : ٢٠٦] ، والباقون احتجوا بقوله تعالى : (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦].

(أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) أي : أحضروا خلقهم وعاينوه فشهدوا على ما رأوا؟ وهو توبيخ لهم على القول بغير علم.

وقرأ نافع بهمزتين الأولى محققة والثانية مضمومة ملينة مع سكون الشين (٥) ،

__________________

(١) البيت للحطيئة ، وهو في اللسان (مادة : ذرق ، طعم ، كسا) ، والطبري (١٢ / ٤٦) ، والقرطبي (٩ / ٤٠) ، والأغاني (٢ / ١٧٧ ، ١٧٨) ، والاستيعاب (٢ / ٥٦٢).

(٢) قال ابن الأثير في النهاية (٤ / ٣٤١ ـ ٣٤٢) : تمعدد الغلام : إذا شبّ وغلظ ، وقيل : أراد : تشبّهوا بعيش معدّ بن عدنان ، وكانوا أهل غلظ وقشف ، أي : كونوا مثلهم ودعوا التّنعّم وزيّ العجم ، ومنه حديثه الآخر : عليكم باللّبسة المعدّيّة ، أي : خشونة اللباس.

(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٥ / ٣٠٤ ح ٢٦٣٢٨).

(٤) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٧) ، والكشف (٢ / ٢٥٦) ، والنشر (٢ / ٣٦٨) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥) ، والسبعة (ص : ٥٨٥).

(٥) أي هكذا : " أأشهدوا".

١٠٨

وفصل بينهما بألف قالون وأبو جعفر يزيد بن القعقاع (١) ، وهؤلاء أدخلوا همزة التي معناها التوبيخ على فعل رباعي لم يسمّ فاعله.

(سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) في ديوان الحفظة وكتاب أعمالهم (وَيُسْئَلُونَ) عنها إذا وردوا موقف الحساب ، وهذا أيضا توبيخ لهم على كفرهم وشهادتهم على الملائكة بأنهم إناث.

قال بعض العلماء (٢) : جمعوا في كفرة ثلاث كفرات ، وذلك أنهم نسبوا إلى الله تعالى الولد ، ونسبوا إليه أخس النوعين ، وجعلوا الملائكة الذين هم عند الله إناثا ، [فاستخفوا](٣) بهم واحتقروهم.

قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) يعنون : الملائكة ، في قول قتادة (٤).

والأصنام ، في قول مجاهد (٥).

يريدون : لو لم يرض بعبادتنا لمنعنا بالعقوبة وقطع أسباب الرزق ، فردّ الله تعالى عليهم بقوله : (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) ، فنسبهم إلى الجهل في اعتقادهم ، وما رضي

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٠) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٧ ـ ٦٤٨) ، والكشف (٢ / ٢٥٧) ، والنشر (٢ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥) ، والسبعة (ص : ٥٨٥).

(٢) هو الزمخشري ، انظر : الكشاف (٤ / ٢٤٨).

(٣) في الأصل : فاستحقوا. والتصويب من الكشاف (٤ / ٢٤٨).

(٤) ذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٢) وعزاه لعبد بن حميد.

(٥) أخرجه مجاهد (ص : ٥٨٠) ، والطبري (٢٥ / ٥٩) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧١ ـ ٣٧٢) وعزاه للفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات.

١٠٩

الله تعالى بصنيعهم.

وبعض المفسرين يقول : (ما لَهُمْ بِذلِكَ)" أي : بقولهم : الملائكة بنات الله ، أو الأصنام آلهة (مِنْ عِلْمٍ).

والمعنى الأول أصح ، وهذه الآية نظيرة قوله تعالى حاكيا عنهم : (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا) [الأنعام : ١٤٨] ، وقوله : (أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) [يس : ٤٧] ، وقد كشفنا عن نفس المقصود ، وأبطلنا جدالهم في الموضعين من الأنعام ويس ، فاطلبه هناك تظفر به.

(إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : يكذبون في قولهم واعتقادهم أن الله راض بأقوالهم وأفعالهم.

(أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (٢٣) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٢٤) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(٢٥)

قوله تعالى : (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) قد سبق القول على" أم" في مواضع ، والضمير في" قبله" يعود إلى الكتاب ، [نسبوا](١) فيه إلينا ما اختلقوه علينا ، (فَهُمْ بِهِ

__________________

(١) في الأصل : نسبنا. ولعل الصواب ما أثبتناه.

١١٠

مُسْتَمْسِكُونَ) بل إضراب عن أن تكون لهم حجة يتمسكون بها إلا قولهم : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) دين وملة.

وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد : " إمّة" بكسر الهمزة (١) ، أي : على طريقة ومقصد.

وقيل : كلتا القراءتين من الأمّ وهو القصد ، والأمّة : الطريقة التي تؤمّ ، أي : تقصد ، كالرحلة للمرحول إليه ، والإمّة : الحالة التي يكون عليها الآمّ ، وهو القاصد.

وقيل : الأمّة : النعمة ، وأنشد قول عدي بن زيد :

ثمّ بعد الفلاح والملك والأمّ

ة وارتهم هناك القبور (٢)

يريدون : وجدنا آباءنا على نعمة وحالة حسنة مرضية فسلكنا طريقهم.

(وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ)" إنّ" واسمها وخبرها والظرف صلة ل" مهتدون" (٣). ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر.

ثم أخبر الله تعالى عنهم أنهم على طريقة من قبلهم في الاقتداء بالآباء ، فقال تعالى : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ) ... الآية ومعنى : " مقتدون" : متّبعون.

__________________

(١) انظر هذه القراءة في : الماوردي (٥ / ٢٢١) ، والبحر (٨ / ١٢) ، والدر المصون (٦ / ٩٥).

(٢) البيت لعدي بن زيد ، وهو في : اللسان (مادة : فلح ، أمم) ، والطبري (٢٥ / ٦٠) ، والقرطبي (١٦ / ٧٤).

(٣) قال الزمخشري في الكشاف (٤ / ٢٤٩).

١١١

(قالَ) لهم يا محمد : (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ). وقرأ ابن عامر وحفص : قال أولو (١) على الخبر (جِئْتُكُمْ). وقرأ أبو جعفر : " جئناكم" على الجمع (٢) ، (بِأَهْدى) أو بدين أهدى (مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ). والجواب محذوف ، تقديره : أتتبعون آباءكم وتدعون الذين هو أهدى.

قال مقاتل (٣) : فردوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذلك قوله تعالى : (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

ثم عاد إلى ذكر الأمم الخالية والإخبار عنهم ، فقال : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) بالكتب والرسل.

(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦) إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (٢٧) وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٨) بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ (٢٩) وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ)(٣٠)

قوله تعالى : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) قال الزجاج (٤) : " براء" بمعنى : بريء ، والعرب تقول للواحد منها : أنا البراء منك ، وكذلك الاثنان والجماعة ، والذكر

__________________

(١) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٨ ـ ٦٤٩) ، والكشف (٢ / ٢٥٨) ، والنشر (٢ / ٣٦٩) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥) ، والسبعة (ص : ٥٨٥).

(٢) النشر (٢ / ٣٦٩) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥).

(٣) تفسير مقاتل (٣ / ١٨٨).

(٤) معاني الزجاج (٤ / ٤٠٩).

١١٢

والأنثى [يقولون : نحن البراء منك ، والخلاء منك](١) لا يقولون : نحن البراءان منك ولا البراؤون. وإنما المعنى : أنا ذو البراء منك ، ونحن ذو البراء منك ، كما تقول : رجل عدل ، وامرأة عدل ، وقوم عدل.

قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) مثل قوله تعالى في الشعراء : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧] ، وقد تكلمنا عليه.

قال الزمخشري (٢) : (الَّذِي فَطَرَنِي) فيه غير وجه : أن يكون منصوبا على أنه استثناء منقطع ، كأنه قال : لكن الذي فطرني فإنه سيهدين. وأن يكون مجرورا بدلا من المجرور ب" من" ؛ كأنه قال : [إنني](٣) براء مما تعبدون إلا من الذي فطرني.

فإن قلت : كيف تجعله بدلا وليس من جنس" ما تعبدون" من وجهين :

أحدهما : أن ذات الله تعالى مخالفة لجميع الذوات ، فكانت مخالفة لذوات ما يعبدون.

الثاني : أن الله تعالى غير معبود بينهم والأوثان معبودة؟

قلت : قالوا : كانوا يعبدون الله تعالى مع آلهتهم ، وأن تكون" إلا" صفة بمعنى : غير ، على أن" ما" في [ما](٤) تعبدون موصوفة ، تقديره : إنني براء من [آلهة](٥) تعبدونها غير الذي فطرني ، فهو نظير قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ

__________________

(١) زيادة من معاني الزجاج (٤ / ٤٠٩).

(٢) الكشاف (٤ / ٢٥٠).

(٣) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٤) زيادة من الكشاف ، الموضع السابق.

(٥) في الأصل : آلهتكم. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.

١١٣

لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢].

قلت : ما معنى قوله تعالى : (سَيَهْدِينِ) على التسويف؟

قلت : قال مرّة : (فَهُوَ يَهْدِينِ) [الشعراء : ٧٨] ومرّة (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) ، فاجمع بينهما وقدر ، كأنه قال : فهو يهدين وسيهدين ، فيدلان على استمرار الهداية في الحال والاستقبال.

قوله تعالى : (وَجَعَلَها) أي : وجعل إبراهيم كلمة التوحيد التي تكلم بها ـ وهي قوله تعالى : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) ـ (كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) أي : في ذريته ، فلا يزال فيهم من يوحّد الله تعالى ويدعو إلى التوحيد.

وقيل : وجعل الوصية التي أوصى بها بنيه ، وهي الوصية المذكورة في البقرة : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) [البقرة : ١٣٢].

(لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) إلى التوحيد إذا علموا أن أباهم تبرّأ من كل معبود سوى الله تعالى.

قوله تعالى : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) أي : أجزلت لقريش النّعم وأمهلتهم (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُ) وهو القرآن (وَرَسُولٌ مُبِينٌ) للحق من الباطل ، وهو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

المعنى : فكان ينبغي لهم أن ينتبهوا من غفلتهم عند مجيء الحق والرسول.

(وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) ضمّوا إلى شركهم وغفلتهم المعاندة ، فذلك قوله تعالى : (قالُوا سِحْرٌ).

١١٤

قال قتادة في قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) هم اليهود والنصارى (١). وفيه بعد.

(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)(٣٢)

قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) هذا من اقتراحات قريش واحتكامهم على الله جلّت عظمته في اختيار محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم للرسالة ، واختصاصه بالنبوة ، وكانوا أولا ينكرون رسالته لكونه من البشر ، فلما شرقوا (٢) بالحجة وعلموا أن الرسل رجال عدلوا عن ذلك إلى إنكار العدول بالرسالة عن أحد الرجلين العظيمين في نظرهم ؛ تحكما على الله تعالى.

وقولهم : (هذَا الْقُرْآنُ) كلام يلوح منه الاستهانة به.

ومرادهم بالقريتين : مكة والطائف.

والمعنى : على رجل من إحدى القريتين ، فهو كقوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢].

وقيل : التقدير : من رجلي القريتين.

" عظيم" أي : رئيس متقدم في الدنيا.

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣١٠) عن قتادة قال : هم اليهود.

(٢) شرق بريقه : غصّ (القاموس المحيط ، مادة : شرق).

١١٥

وعظيم مكة : الوليد بن المغيرة ، في قول ابن عباس وقتادة والأكثرين (١).

وعتبة بن ربيعة ، في قول مجاهد (٢).

وأما عظيم الطائف ففيه أربعة أقوال :

أحدها : أنه حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي. قاله ابن عباس (٣).

الثاني : أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي. قاله قتادة (٤).

وكان الوليد بن المغيرة يسمى : [ريحانة](٥) مكة ، وكان يقول : لو كان هذا حقا لنزل القرآن عليّ ، أو على أبي مسعود الثقفي (٦).

الثالث : أنه كنانة بن عبد عمرو الطائفي. قاله السدي (٧).

الرابع : أنه ابن عبد ياليل. قاله مجاهد (٨).

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٥ / ٦٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٤) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس.

(٢) أخرجه مجاهد (ص : ٥٨١) ، والطبري (٢٥ / ٦٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) أخرجه الطبري (٢٥ / ٦٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٤) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه.

(٤) أخرجه الطبري (٢٥ / ٦٥) ، وابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٢). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٥) وعزاه لعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

(٥) في الأصل : رحانة.

(٦) انظر : المصادر السابقة.

(٧) أخرجه الطبري (٢٥ / ٦٦). وذكره الماوردي (٥ / ٢٢٣).

(٨) أخرجه مجاهد (ص : ٥٨١) ، والطبري (٢٥ / ٦٥). وذكره السيوطي في الدر (٧ / ٣٧٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن المنذر.

١١٦

قال الله تعالى منكرا عليهم معجبا من احتكامهم : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) يعني : النبوة فيضعونها بجهلهم حيث شاؤوا (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) يعني : نحن قسمنا بينهم أرزاقهم ولم نكل ذلك إلى أحد ، فكيف بأمر النبوة؟.

قال قتادة : إنك لتلقاه ضعيف الحيلة ، عيي اللسان ، قد بسط له في الرزق ، وتلقاه شديد الحيلة ، بسيط اللسان ، وهو مقدور عليه (١).

(وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) هذا قوي وهذا ضعيف ، وهذا حر وهذا رقيق ، وهذا غني وهذا فقير ، وهذا عزيز وهذا ذليل. ولم تقتض حكمتنا التسوية بينهم.

(لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) فيملك الحر الرقيق ، ويستأجر الغني الفقير ، ويستسخر الناس بعضهم بعضا في أسباب معايشهم ، ولو جعلناهم في القوة والغنى ، والعزة وغيرها سواء ؛ لم ينتظم أمر العالم.

(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ) التي هي النبوة (خَيْرٌ) أفضل وأعظم (مِمَّا يَجْمَعُونَ) من الأموال.

فإذا كانوا في تدبير المعيشة الدنية الدنيوية على هذه الصفة المذكورة ، فما ظنهم بتدبير أمر الكتاب والنبوة ، والأحكام الدينية.

والمقصود من هذا كله : [تجهيلهم](٢) في قولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ) ... الآية.

__________________

(١) أخرجه الطبري (٢٥ / ٦٧). وذكره الماوردي (٥ / ٢٢٣) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٣٧٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ، وفيهما : ... سليط اللسان ، وهو مقتور عليه.

(٢) في الأصل : تجهلهم.

١١٧

(وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)(٣٥)

ثم إن الله عزوجل أخبر عباده بهوان الدنيا عليه وخسّتها عنده ؛ لئلا يظنّ ظانّ أو يتوهّم متوهّم أن الموسّع عليه منها والمحظوظ فيها ، كان ما ناله منها باعتبار كرامته على الله تعالى ونفاسة قدره عنده ، وأن المضيّق عليه فيها والمحروم منها ، كان باعتبار هو انه على الله ، وخسّة قدره عنده ، فقال تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي : لو لا كراهة أن يجمعوا على الكفر إذا رأوا زهرة الحياة الدنيا ملازمة له ومقرونة به (لَجَعَلْنا) لهوان الدنيا علينا (لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ). فقوله تعالى : (لِبُيُوتِهِمْ) بدل اشتمال من قوله : (لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ)(١).

قال الفراء (٢) : إن شئت جعلت اللام في" لبيوتهم" مكررة ؛ كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ) [البقرة : ٢١٧] ، وإن شئت جعلتها بمعنى : على ، كأنه قال : جعلنا لهم على بيوتهم.

(سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) قرأ ابن كثير وأبو عمرو : بفتح السين وسكون القاف على التوحيد ، ويريد الجنس. وقرأ الباقون : " سقفا" بضمّهما على الجمع (٣). تقول :

__________________

(١) انظر : التبيان (٢ / ٢٢٧) ، والدر المصون (٦ / ٩٦).

(٢) معاني الفراء (٣ / ٣١).

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٩) ، والكشف (٢ / ٢٥٨) ، والنشر ـ

١١٨

سقف وسقف ، مثل : رهن ورهن.

(وَمَعارِجَ) جمع معرج ، أو اسم جمع لمعراج ، والمعارج : المصاعد إلى العلالي (١) ، يريد : ومعارج أيضا من فضة.

(عَلَيْها يَظْهَرُونَ) يعلون السقف ؛ كقوله تعالى : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) [الكهف : ٩٧].

(وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً) أي : وجعلنا لبيوتهم أبوابا من فضة (وَسُرُراً) من فضة (عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ).

(وَزُخْرُفاً) أي : وجعلنا لهم زخرفا. فهو منصوب بفعل مضمر ، وإن شئت كان معطوفا على موضع قوله تعالى : (مِنْ فِضَّةٍ)(٢).

والزّخرف : الذهب. وقد سبق ذكره في قوله تعالى : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) [الإسراء : ٩٣].

قوله تعالى : (وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) هذه" إن" الخفيفة ، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية ، على إضمار الشأن ، تقديره : وإن الشأن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا.

وقرأ عاصم وحمزة وهشام : " لمّا" بتشديد الميم (٣).

__________________

ـ (٢ / ٣٦٩) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥) ، والسبعة (ص : ٥٨٥).

(١) انظر : اللسان (مادة : عرج).

(٢) انظر : الدر المصون (٦ / ٩٧).

(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٦) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٩) ، والكشف (١ / ٥٣٦ ـ ٥٣٧) ، والنشر (٢ / ٢٩١) ، والإتحاف (ص : ٣٨٥) ، والسبعة (ص : ٥٨٦).

١١٩

فعلى هذه القراءة" إن" هي النافية بمعنى : " ما" ، كالتي في قوله تعالى : (إِنِ الْكافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ) [الملك : ٢٠] ، فالمعنى : ما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا ، و" لمّا" في معنى" إلّا".

وقد حكى سيبويه : نشدتك الله لمّا فعلت ، وحمله على" إلّا". وزعموا أنّ [في](١) حرف أبيّ : " وما ذلك إلا متاع الحياة الدنيا".

فهذا يدل على أنّ" لمّا" بمعنى : " إلا" ، وأنّ" إن" بمعنى" ما". هذا كلام أبي علي (٢).

قوله تعالى : (وَالْآخِرَةُ) يريد : الجنة (عِنْدَ رَبِّكَ) أي : في حكمه (لِلْمُتَّقِينَ) خاصة ، إلا الدنيا فتكون للصالح والطالح.

(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ)(٣٨)

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)" يعش" : يعرض (٣). وقيل : يعم (٤). رويا عن ابن عباس.

__________________

(١) زيادة من الحجة (٣ / ٣٧٦).

(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٣٧٦).

(٣) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٣١٥).

(٤) أخرجه ابن أبي حاتم (١٠ / ٣٢٨٣). وذكره الماوردي (٥ / ٢٢٥) ، والسيوطي في الدر (٧ / ٣٧٨) وعزاه لابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

١٢٠