تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

ييأس من الجنة (١) ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي (٢) عند الله من العذاب لم يأمن من النار».

قوله تعالى : (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) (٥١) ، أي : عن أضيافه (٣) [وهم الملائكة](٤) والضيف اسم يقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث ، وهم الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط.

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ) ، إبراهيم ، (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) ، خائفون لأنهم لم يأكلوا طعامه.

(قالُوا لا تَوْجَلْ) لا تخف ، (إِنَّا نُبَشِّرُكَ) ، [قرأ حمزة وحده «نبشرك» بفتح النون وإسكان الباء وضم السين وتخفيفها وقرأ الباقون (نُبَشِّرُكَ) بضم النون وفتح الباء وكسر الشين وتشديدها](٥) ، (بِغُلامٍ عَلِيمٍ) ، أي : غلام في صغره عليم في كبره يعني إسحاق ، فتعجب (٦) إبراهيم عليه‌السلام من كبره وكبر امرأته.

(قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي) أي : بالولد (عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) ، أي : على حال الكبر قاله على طريق التعجب ، (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) ، فبأي شيء تبشرون ، قرأ نافع بكسر النون وتخفيفها أي : تبشرون ، وقرأ ابن كثير بكسرها وبتشديد النون أي تبشرونني أدغمت نون الجمع في نون الإضافة ، وقرأ الآخرون بفتح النون وتخفيفها.

(قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) أي بالصدق ، (فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ).

(قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ) ، قرأ أبو عمرو والكسائي ويعقوب بكسر النون والآخرون بفتحها وهما لغتان قنط يقنط وقنط يقنط أي : (٧) ييأس ، (مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) ، أي : الخاسرون ، والقنوط من رحمة الله كبيرة كالأمن من مكره.

(قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلاَّ امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ (٦٠))

(قالَ) إبراهيم لهم ، (فَما خَطْبُكُمْ) ، ما شأنكم ، (أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ).

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (٥٨) ، مشركين.

(إِلَّا آلَ لُوطٍ) ، أتباعه وأهل دينه ، (إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ) ، خفف الجيم حمزة والكسائي وشدده الباقون.

(إِلَّا امْرَأَتَهُ) ، أي : امرأة لوط ، (قَدَّرْنا) ، قضينا ، (إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) ، الباقين في العذاب ، والاستثناء من النفي إثبات ، ومن الإثبات نفي ، فاستثنى امرأة لوط من الناجين فكانت ملحقة بالهالكين ، قرأ أبو بكر «قدرنا» هاهنا وفي سورة النمل بتخفيف الدال. والباقون بتشديدها.

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٦٢) قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣)

__________________

(١) زيد في المطبوع و «صحيح البخاري» ، وفي المخطوط و «شرح السنة» : الرحمة.

(٢) في المخطوط «ما» والمثبت عن كتب التخريج.

(٣) في المطبوع و ـ ط «الضيافة».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيد في المطبوع وحده.

(٦) في المخطوط «فعجب».

(٧) زيد في المطبوع «من».

٦١

وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (٦٦) وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قالَ إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ (٦٩) قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ (٧٠))

(فَلَمَّا جاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ) (٦١).

(قالَ) ، لوط لهم ، (إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي : أنا لا أعرفكم.

(قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) (٦٣) ، أي : يشكون في (١) أنه نازل بهم وهو العذاب لأنه كان يوعدهم بالعذاب فلا يصدقونه.

(وَأَتَيْناكَ بِالْحَقِ) ، باليقين. وقيل : بالعذاب ، (وَإِنَّا لَصادِقُونَ).

(فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي [سر](٢) خلفهم ، (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) ، حتى لا يرتاعوا من العذاب إذا نزل بقومهم. وقيل : جعل الله ذلك علامة لمن ينجو من آل لوط ، (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) ، قال ابن عباس : يعني الشام. وقال مقاتل : يعني زغر. وقيل : الأردن.

(وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) ، أي وفرغنا (٣) إلى آل لوط ذلك الأمر ، أي : أحكمنا الأمر الذي أمرنا في قوم لوط ، وأخبرناه (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ) ، يدل عليه قراءة عبد الله «وقلنا له إن دابر هؤلاء» يعني أصلهم ، (مَقْطُوعٌ) ، مستأصل ، (مُصْبِحِينَ) ، فإذا دخلوا في الصبح. (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) ، يعني [مدينة](٤) سدوم ، (يَسْتَبْشِرُونَ) ، بأضياف لوط أي : يبشر بعضهم بعضا طمعا في ركوب الفاحشة منهم.

(قالَ) ، لوط لقومه ، (إِنَّ هؤُلاءِ ضَيْفِي) ، وحق على الرجل إكرام ضيفه ، (فَلا تَفْضَحُونِ) ، فيهم.

(وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ) (٦٩) ، ولا تخجلون.

(قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) (٧٠) ، أي : ألم ننهك عن أن تضيف أحدا من العالمين. وقيل : ألم ننهك أن تدخل الغرباء المدينة فإنا نركب منهم الفاحشة.

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ (٧٨) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠))

(قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) أزوجهن إياكم إن أسلمتم فأتوا الحلال وذروا (٥) الحرام ، (إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) ، ما آمركم به. وقيل : أراد بالبنات نساء قومه لأن النبي كالوالد لأمته.

قال الله تعالى : (لَعَمْرُكَ) ، يا محمد أي وحياتك ، (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ) ، حيرتهم وضلالتهم ،

__________________

(١) زيد في المطبوع «في».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع وحده «وقضينا».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «ودعوا».

٦٢

(يَعْمَهُونَ) ، يترددون ، وقال قتادة : يلعبون. روي عن أبي الجوزاء (١) عن ابن عباس أنه قال : ما خلق الله نفسا أكرم عليه من محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما أقسم الله تعالى بحياة أحد إلا بحياته.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) (٧٣) ، أي : حين أضاءت الشمس فكان ابتداء العذاب حين أصبحوا وتمامه حين أشرقوا.

(فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (٧٤).

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٧٥) ، قال ابن عباس : للناظرين. وقال مجاهد : للمتفرسين. وقال قتادة : للمعتبرين. وقال مقاتل : للمتفكرين.

(وَإِنَّها) يعني قرى قوم لوط ، (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) ، أي : بطريق واضح ، وقال مجاهد : بطريق معلم ليس بخفي ولا زائل.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (٧٧).

(وَإِنْ كانَ) ، وقد كان (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) ، الغيضة ، (لَظالِمِينَ) ، لكافرين واللام للتأكيد وهم قوم شعيب عليه‌السلام كانوا أصحاب غياض وشجر ملتف ، وكانت عامة شجرهم الدوم وهو المقل.

(فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) ، بالعذاب وذلك (٢) أن الله سلط عليهم الحر سبعة أيام ثم بعث سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الروح ، فبعث عليهم منها نارا فأحرقتهم ، فذلك قوله تعالى : (فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) [الشعراء : ١٨٩] (وَإِنَّهُما) يعني مدينتي قوم لوط وأصحاب الأيكة (لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) ، لبطريق واضح مستبين.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ) ، وهي مدينة ثمود قوم صالح وهي بين المدينة والشام ، (الْمُرْسَلِينَ) ، أراد صالحا وحده ، [وإنما ذكر بلفظ الجمع لأن من كذب رسولا فقد كذب الرسل كلهم](٣).

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٨١) وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧) لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (٨٨))

(وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) ، يعني : الناقة وولدها والبئر فالآيات (٤) في الناقة خروجها من الصخرة وكبرها وقرب ولادها (٥) وغزارة لبنها ، (فَكانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).

(وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ) (٨٢) ، من الخراب ووقوع الجبل عليهم.

(فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) ، يعني : صيحة العذاب ، (مُصْبِحِينَ) ، [أي : داخلين في](٦) وقت الصبح.

(فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٨٤) ، من الشرك والأعمال الخبيثة.

__________________

(١) تصحف في المخطوط «ابن الجوزي».

(٢) في المخطوط «وروي».

(٣) زيد في المطبوع وحده.

(٤) في المطبوع وحده «والآية».

(٥) في المخطوط «ولادتها».

(٦) زيد في المطبوع و ـ ط.

٦٣

[١٢٤٢] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنا محمد بن يعقوب الكسائي ثنا عبد الله بن محمود أنبأنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهري أنا سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه لما مر بالحجر قال «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم» ، قال : وتقنع بردائه وهو على الرحل (١).

وقال عبد الرزاق عن معمر : «ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي» (٢).

قوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ) ، يعني : القيامة (لَآتِيَةٌ) ، يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ، فأعرض عنهم واعف عفوا حسنا نسختها آية القتال.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) (٨٦) بخلقه.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) ، قال عمر وعلي [هي](٣) فاتحة الكتاب. وهو قول قتادة وعطاء والحسن وسعيد بن جبير.

[١٢٤٣] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا آدم ثنا ابن أبي ذئب (٤) ثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أم القرآن هي السبع المثاني».

__________________

[١٢٤٢] ـ صحيح. إبراهيم بن عبد الله صدوق ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، معمر بن راشد ، الزهري محمد بن مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٦٠ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق ابن المبارك ، وهو في «الزهد» ١٥٥٦ عن معمر به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٨٠ وأحمد ٢ / ٦٦ من طريق ابن المبارك به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٨١ ومسلم ٢٩٨٠ ح ٣٩ وأحمد ٢ / ٩٦ والطبري ٢١٢٧٥ وابن حبان ٦١٩٩ من طرق عن الزهري به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٧٩ ومسلم ٢٩٨١ وابن حبان ٦٢٠١ والبيهقي في «الدلائل» ٥ / ٢٣٤ من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٣٣ و ٤٧٠٢ و ٤٤٢٠ ومسلم ٢٩٨٠ وأحمد ٢ / ٩ و ٥٨ و ٧٢ و ١٣٧ وابن حبان ٦٢٠٠ والبيهقي في «الدلائل» ٥ / ٢٣٣ وفي «السنن الكبرى» ٢ / ٤٥١ من طرق عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به.

وانظر ما تقدم في تفسير سورة الأعراف عند آية : ٧٩.

[١٢٤٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن آدم.

ـ آدم هو ابن أبي إياس ، ابن أبي ذئب هو محمد بن عبد الرحمن.

ـ وهو في «شرح السنة» ١١٨٢ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٧٠٤ عن آدم به.

ـ وأخرجه أبو داود ١٤٥٧ والترمذي ٣١٢٤ من طريقين عن ابن أبي ذئب به.

وانظر ما تقدم في تفسير سورة الفاتحة.

(١) في المخطوط «الراحلة».

(٢) هذه الرواية عند البخاري ٤٤١٩.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) تصحف في المطبوع «زيد» وفي المخطوط «ذؤيب».

٦٤

(وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) ، [وعن ابن مسعود قال : السبع المثاني هي فاتحة الكتاب والقرآن العظيم](١) سائر القرآن ، واختلفوا في أن الفاتحة لم سميت مثاني ، فقال ابن عباس والحسن وقتادة لأنها تثنّى في الصلاة فتقرأ في كل ركعة. وقيل : لأنها مقسومة بين الله وبين العبد نصفين نصفها ثناء ونصفها دعاء.

[١٢٤٤] كما روينا عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يقول الله : «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين».

وقال الحسين بن الفضل : سميت مثاني لأنها نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة كل مرة معها سبعون ألف ملك.

وقال مجاهد : سميت مثاني لأن الله تعالى استثناها وادخرها لهذه الأمة فما أعطاها غيرهم.

وقال أبو زيد (٢) البلخي : سميت مثاني لأنها تثني أهل الشر عن الفسق من قول العرب ثنيت عناني. وقيل : لأن أولها ثناء.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : إن السبع المثاني هي السبع الطوال أولها سورة البقرة وآخرها الأنفال مع التوبة. وقال بعضهم : سورة يونس بدل الأنفال.

[١٢٤٥] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي أنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد وعبد الله بن محمد بن مسلم قالا : أنبأنا هلال بن العلاء ثنا حجاج بن محمد عن أيوب بن عتبة (٣) عن يحيى بن [أبي](٤) كثير عن شداد بن عبد الله عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله تعالى أعطاني السبع الطوال [مكان التوراة ، وأعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني](٥) ، وفضلني ربي بالمفصل».

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : أوتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم السبع الطوال ، وأعطي موسى ستا فلما ألقى الألواح رفع ثنتان وبقي أربع. قال ابن عباس : وإنما سميت السبع الطوال مثاني لأن الفرائض والحدود والأمثال والخير والشر والعبر والخبر ثنيت فيها. وقال طاوس : القرآن كله مثاني قال الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) [الزمر : ٢٣]. وسمي القرآن مثاني لأن الأنباء والقصص ثنيت فيه ، وعلى هذا القول المراد بالسبع سبعة أسباع القرآن ، فيكون تقديره على هذا وهي القران العظيم. وقيل : الواو مقحمة مجازه ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم.

قوله تعالى : (لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) ، يا محمد ، (إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً) ، أصنافا ، (مِنْهُمْ) أي : من الكفار متمنيا لها ، نهى الله تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الرغبة في الدنيا ومزاحمة أهلها عليها ، (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ، أي : لا تغتم على ما فاتك من مشاركتهم في الدنيا.

__________________

[١٢٤٤] ـ تقدم في تفسير سورة الفاتحة.

[١٢٤٥] ـ إسناده ضعيف لضعف أيوب بن عتبة.

ـ وله شاهد من حديث واثلة ، وتقدم برقم : ١١.

(١) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٢) في المخطوط «عبيد».

(٣) في المطبوع «عيبة».

(٤) سقط من المطبوع.

(٥) زيد في المطبوع و ـ ط.

٦٥

[١٢٤٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي (٢) ثنا عيسى بن نصر أنبأنا عبد الله بن المبارك أنا جهم بن أوس قال سمعت عبد الله بن أبي مريم ومرّ به عبد الله بن رستم في موكبه ، فقال لابن أبي مريم إني لأشتهي مجالستك وحديثك ، فلما مضى قال ابن مريم : سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تغبطن فاجرا بنعمته فإنك لا تدري ما هو لاق بعد موته إن له عند الله قاتلا لا يموت» فبلغ ذلك وهب بن منبه فأرسل إليه وهب أبا داود الأعور ، فقال : يا أبا فلان ما قاتلا لا يموت؟ قال ابن أبي مريم : النار.

[١٢٤٧] أخبرنا أبو منصور محمد بن عبد الملك المظفري السرخسي أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن الفضل الفقيه ثنا أبو الحسن بن (٣) إسحاق ثنا إبراهيم بن عبد الله العبسي أنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».

وقيل : هذه الآية متصلة بما قبلها وذلك أنه لما من الله تعالى عليه بالقرآن نهاه عن الرغبة في الدنيا. روي أن سفيان بن عيينة تأول قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس منا من لم يتغن بالقرآن (٤)» أي : من لم يستغن بالقرآن (٥). فتأول (٦) هذه الآية. قوله تعالى : (وَاخْفِضْ جَناحَكَ) [أي](٧) ألن (٨) جانبك (لِلْمُؤْمِنِينَ) ، وارفق بهم والجناحان من ابن آدم جانباه.

(وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ (٨٩) كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (٩٠) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (٩١) فَوَ رَبِّكَ

__________________

[١٢٤٦] ـ ضعيف. إسناده ضعيف ، فيه جهم بن أوس عن عبد الله بن أبي مريم ، وكلاهما مجهول ، وثقهما ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٩٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ٤٠٧٩ من طريق الحسن بن عيسى عن ابن المبارك به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣٥٥ وقال : ورجاله ثقات.

ـ وورد موقوفا بنحوه ، أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٦٢٣ عن موسى بن عبيدة عن زيادة بن ثوبان عن أبي هريرة ، وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة.

ـ وورد عن وهب بن منبه قوله ، أخرجه ابن المبارك ٦٢٤ ، وفيه عبيد الله بن الوليد ، وهو ضعيف.

[١٢٤٧] ـ صحيح ، إبراهيم بن عبد الله صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، وكيع بن الجراح ، الأعمش سليمان بن مهران ، أبو صالح ، اسمه ذكوان.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٩٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه. القضاعي في «مسند الشهاب» ٧٣٧ من طريق إبراهيم بن عبد الله العبسي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٦٣ ح ٩ والترمذي ٢٥١٣ وابن ماجه ٤١٤٢ وأحمد ٢ / ٢٥٤ و ٤٨٢ وابن حبان ٧١٣ من طرق عن أبي معاوية ووكيع بهذا الإسناد.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «المقبري».

(٣) زيد في المطبوع «أبي».

(٤) تقدم تخريجه.

(٥) العبارة في المخطوط «بهذا القرآن».

(٦) في المطبوع «وتأويل».

(٧) زيادة عن المخطوط.

(٨) في المطبوع «ليّن».

٦٦

لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٩٢) عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (٩٣) فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥))

(كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ) (٩٠) قال الفراء : مجازه أنذركم (١) عذابا كعذاب المقتسمين ، حكي عن ابن عباس أنه قال : هم اليهود والنصارى.

(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٩١) ، جزّءوه فجعلوه أعضاء فآمنوا ببعضه وكفروا ببعضه. وقال مجاهد : هم اليهود والنصارى قسموا كتابهم ففرقوه وبددوه (٢). وقيل : المقتسمين : قوم اقتسموا القرآن ، فقال بعضهم : سحر. وقال بعضهم : شعر ، وقال بعضهم : كذب. وقال بعضهم : أساطير الأولين.

وقيل : الاقتسام هو أنهم فرقوا القول في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : ساحر كاهن شاعر ، وقال مقاتل : كانوا ستة عشر رجلا بعثهم الوليد بن المغيرة أيام الموسم فاقتسموا أعقاب (٣) مكة وأطرافها (٤) وقعدوا على أنقابها (٥) يقولون لمن جاء من الحجاج : لا تغتروا بهذا الرجل الخارج الذي يدعي النبوة منّا ، وتقول طائفة منهم : إنه مجنون وطائفة إنه كاهن وطائفة إنه شاعر والوليد قاعد على باب المسجد نصبوه حكما فإذا سئل عنه قال : صدق أولئك يعني المقتسمين. وقوله : (عِضِينَ) قيل : هو جمع عضو مأخوذ من قولهم عضّيت الشيء تعضية ، إذا فرقته ومعناه أنهم جعلوا القرآن أعضاء ، فقال بعضهم : سحر. وقال بعضهم : كهانة. وقال بعضهم : أساطير الأولين. وقيل : هو جمع عضة. [يقال : عضة](٦) وعضين مثل برة وبرين وعزة وعزين وأصلها عضهة ذهبت هاؤها الأصلية كما نقصوا من الشفة وأصلها شفهة بدليل أنك تقول في التصغير شفيهة والمراد بالعضة الكذب والبهتان. وقيل : المراد بالعضين العضه (٧) وهو السحر يريد أنهم سموا القرآن سحرا.

(فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) ، يوم القيامة.

(عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٩٣) في الدنيا ، قال محمد بن إسماعيل : قال عدة من أهل العلم : عن (٨) لا إله إلا الله. فإن قيل : كيف الجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن : ٣٩] ، قال ابن عباس : لا يسألهم هل عملتم لأنه أعلم بهم منهم ولكن يقول : لم عملتم كذا وكذا؟ واعتمده قطرب فقال : السؤال ضربان سؤال استعلام وسؤال توبيخ ، فقوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) [الرحمن : ٣٩] ، يعني : استعلاما. وقوله : (لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) يعني : توبيخا وتقريعا. وقال عكرمة عن ابن عباس في الآيتين : إن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف مختلفة يسألون في بعض المواقف ولا يسألون في بعضها ، نظير ذلك قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) (٣٥) [المرسلات : ٣٥] ، وقال في آية أخرى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١) [الزمر : ٣١].

قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) ، قال ابن عباس : أظهره. ويروى عنه : أمضه. وقال الضحاك : أعلم. وقال الأخفش : افرق ، أي : افرق بالقرآن بين الحق والباطل. وقال سيبويه : اقض بما تؤمر ، وأصل الصدع الفصل والفرق ، أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذه الآية بإظهار الدعوة. وروي عن عبد الله بن عبيدة

__________________

(١) في المخطوط «أنذرتكم».

(٢) في المطبوع و ـ ط «وبدلوه».

(٣) في المطبوع و ـ ط «عقاب».

(٤) في المطبوع «وطرفها».

(٥) في المطبوع «نقابها».

(٦) زيد في المطبوع.

(٧) تصحف في المطبوع «العضة».

(٨) زيد في المطبوع «قوله».

٦٧

[أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم](١) كان مستخفيا حتى نزلت هذه الآية فخرج هو وأصحابه (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ، نسختها آية القتال.

(إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) ، يقول الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فاصدع بأمر الله ولا تخف أحدا غير الله عزوجل فإن الله كافيك من عاداك كما كفاك المستهزئين.

[١٢٤٨] وهم خمسة نفر من رؤساء قريش الوليد بن المغيرة المخزومي ، وكان رأسهم العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب (٢) بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن زمعة ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد دعا عليه فقال : «اللهم أعم بصره وأثكله بولده» والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة والحارث بن قيس بن الطلاطلة فأتى جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والمستهزءون يطوفون بالبيت فقام جبريل وقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جنبه فمرّ به الوليد بن المغيرة ، فقال جبريل : يا محمد كيف تجد هذا فقال : بئس عبد (٣) الله فقال : قد كفيته وأومأ إلى ساق الوليد فمر برجل من خزاعة نبال يريش نبلا له (٤) وعليه برد يماني وهو يجر إزاره فتعلقت شظية من النبل بإزاره فمنعه الكبر أن [يطأطئ رأسه](٥) فينزعها وجعلت تضرب ساقه فخدشته فمرض منها فمات ، ومرّ به العاص بن وائل فقال جبريل كيف تجد هذا يا محمد؟ قال : «بئس عبد الله» فأشار جبريل إلى أخمص رجليه ، وقال : قد كفيته فخرج على راحلته ومعه ابنان له يتنزه فنزل شعبا من تلك الشعاب فوطئ على شبرقة (٦) فدخلت منها شوكة في أخمص رجله فقال : لدغت لدغت (٧) فطلبوا فلم يجدوا شيئا وانتفخت رجله حتى صارت مثل عنق البعير ، فمات مكانه. ومرّ به الأسود بن المطلب فقال جبريل : كيف تجد هذا؟ قال : «عبد سوء» فأشار بيده إلى عينيه ، وقال : قد كفيته ، فعمي. وقال ابن عباس رماه جبريل بورقة خضراء [فذهب بصره ووجعت عيناه](٨) فجعل يضرب برأسه الجدار حتى هلك.

وفي رواية الكلبي : أتاه جبريل وهو قاعد في أصل شجرة ومعه غلام له فجعل ينطح رأسه بالشجرة ويضرب وجهه بالشوك ، فاستغاث بغلامه فقال غلامه لا أرى أحدا يصنع بك شيئا غير نفسك حتى مات ، وهو يقول قتلني رب محمد. ومرّ به الأسود بن عبد يغوث فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد؟ قال : «بئس عبد الله على أنه ابن خالي» ، فقال : قد كفيته ، وأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات حينا.

__________________

[١٢٤٨] ـ أخرجه الطبري ٢١٤١٧ عن ابن إسحاق به مع اختلاف يسير ، وهذا معضل ، وكرره ٢١٤١٩ عن سعيد بن جبير مرسلا ، وكرره ٢١٤٣٠ من مرسل قتادة وورد بنحوه عن قتادة ومقسم ، أخرجه الطبري ٢١٤٢٨.

ـ وورد بنحوه من حديث ابن عباس عند الطبراني في «الأحاديث الطوال» ٣٣ وفي «الأوسط» ٤٩٨٣ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣١٧ ـ ٣١٨.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٤٦ ـ ٤٧ وقال : وفيه محمد بن عبد الحكيم النيسابوري ، ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات.

ـ الخلاصة : هذه روايات عامتها مرسل ، والموصول ضعيف ، والمتن غريب جدا ، والله أعلم.

(١) ما بين الحاصرتين في المطبوع «قال».

(٢) زيد في المطبوع «عبد».

(٣) العبارة في المطبوع «بئس عبد عبد الله» وفي كتب التخريج «بئس عبد الله» سوى الطبري فعبارته «بئس عدو الله» في المخطوط «بئس عبدا» ليس فيه لفظ الجلالة.

(٤) في المطبوع «نباله» وهو خطأ.

(٥) ما بين الحاصرتين في المخطوط «يتطامن».

(٦) الشبرقة : نبت له شوك.

(٧) في المخطوط «لذعت».

(٨) ما بين الحاصرتين في المطبوع «فعمي فذهب ضوء بصره ورجعت».

٦٨

وفي رواية للكلبي أنه خرج من أهله فأصابه السّموم فاسود [جلده](١) حتى عاد حبشيا فأتى أهله فلم يعرفوه وأغلقوا دونه الباب حتى مات ، وهو يقول : قتلني رب محمد ، ومرّ به الحارث بن قيس فقال جبريل : كيف تجد هذا يا محمد؟ فقال : «عبد سوء» فأومأ إلى رأسه وقال : قد كفيته فامتخط قيحا فقتله. وقال ابن عباس : إنه أكل حوتا مالحا فأصابه العطش فلم يزل يشرب عليه من الماء حتى انقد بطنه فمات ، فذلك قوله تعالى : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (٩٥) ، بك وبالقرآن.

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (٩٨) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩))

(الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٩٦) وقيل استهزاؤهم واقتسامهم (٢) هو أن الله لما أنزل في القرآن سورة البقرة وسورة النحل (٣) وسورة العنكبوت ، كانوا يجتمعون [ويقولون استهزاء هذا لي سورة البقرة وهذا لي سورة النحل وهذا لي سورة العنكبوت](٤).

فأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، قال ابن عباس : فصل بأمر ربك (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) ، من المصلين المتواضعين ، وقال الضحاك : فسبح بحمد ربك : قل سبحان الله وبحمده وكن من الساجدين ، يعني : من المصلين. وروي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (٥).

(وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (٩٩) ، أي الموت الموقن به ، وهذا معنى ما ذكر في سورة مريم : (وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا) [مريم : ٣١].

[١٢٤٩] أخبرنا المطهر بن علي الفارسي أنا محمد بن إبراهيم الصالحي أنا عبد الله [بن](٦) محمد بن جعفر أبو (٧) الشيخ الحافظ ثنا أمية بن محمد الصواف البصري ثنا محمد بن يحيى الأزدي ثنا أبي والهيثم بن خارجة قالا : ثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي مسلم الخولاني عن جبير بن نفير قال :

__________________

[١٢٤٩] ـ ضعيف ، إسناده إلى جبير بن نفير لا بأس به ، وعلة الحديث الإرسال ، والمرسل من قسم الضعيف ، وورد من وجوه واهية.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٣١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٢ / ٥٤ من طريق عبد الله بن محمد بن جعفر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ٥ / ٢٥٧ من حديث ابن مسعود وأهله بعيسى بن سليمان بن دينار. وكذا ضعفه العراقي في «تخريج الإحياء» ٣ / ٢٦٥.

ـ وأخرجه ابن عدي ٣ / ٦٩ من حديث أبي الدرداء وأعله بخصيب بن جحدر البصري ، وهو متروك متهم.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «واستقسامهم».

(٣) زيد في المطبوع «وسورة النمل».

(٤) العبارة في المطبوع «ويقولون استهزاء يقول هذا في سورة البقرة ، ويقول هذا في سورة النمل ، ويقول هذا في سورة العنكبوت» والمثبت عن المخطوط و ـ ط ويدل عليه الطبري ٢١٣٧٨.

(٥) تقدم تخريجه.

(٦) سقط من المطبوع.

(٧) تصحف في المطبوع «بن».

٦٩

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أوحى الله إليّ أن أجمع المال وأكون من التاجرين ولكن أوحى إليّ أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».

[١٢٥٠] وروي عن عمر رضي الله عنه قال : نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى مصعب بن عمير مقبلا وعليه إهاب كبش قد تنطق به (١) ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انظروا إلى هذا الذي نوّر الله قلبه لقد رأيته بين أبويه يغذوانه (٢) بأطيب الطعام والشراب ، ولقد رأيت عليه حلّة شراها أو شريت له بمائتي درهم ، فدعاه حبّ الله ورسوله إلى ما ترونه». والله أعلم.

تفسير سورة النحل

مكية (٣) إلّا قوله تعالى :

(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) إلى آخر السورة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِ (٢))

(أَتى) أي : جاء ودنا وقرب ، (أَمْرُ اللهِ) ، قال ابن عرفة : تقول العرب أتاك الأمر وهو متوقع (٤) بعد ، أي : أتى أمر الله وعدا (٥) (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) ، وقوعا ، (أَمْرُ اللهِ) قال الكلبي وغيره : المراد منه القيامة. وقال ابن عباس : لما نزل قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) [القمر : ١] قال الكفار بعضهم لبعض : إن هذا يزعم أن القيامة قد قربت فأمسكوا عن بعض ما كنتم تعملون حتى تنظروا ما هو كائن ، فلما لم ينزل شيء قالوا : ما نرى شيئا [مما تخوفنا به](٦) فنزل قوله (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] ، فأشفقوا فلما امتدت الأيام قالوا : يا محمد ما نرى شيئا [من ذلك](٧) فأنزل الله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) فوثب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورفع الناس رءوسهم [إلى السماء](٨) وظنوا أنها قد أتت حقيقة فنزلت (فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) فاطمأنوا.

__________________

[١٢٥٠] ـ ضعيف. أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ١ / ١٠٨ من طريق يزيد بن الأصم عن عمر به ، وإسناده ضعيف ، فيه إرسال بين يزيد وبين عمر ، وفي بعض رجال الإسناد كلام ، والأشبه كونه من كلام عمر.

(١) في المخطوط «تطبق عليه».

(٢) في المطبوع «يغذيانه».

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط «مائتان وثمان وعشرون آية».

(٤) في المخطوط «يتوقع».

(٥) في المطبوع «وعده».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) العبارة في المطبوع «مما تخوفنا به».

(٨) زيادة عن المخطوط.

٧٠

والاستعجال : طلب الشيء قبل حينه.

[١٢٥١] ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين ـ وأشار بأصبعيه ـ وإن كادت لتسبقني».

قال ابن عباس : كان بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أشراط الساعة ولما مرّ جبريل عليه‌السلام بأهل السموات مبعوثا إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : الله أكبر قامت الساعة.

وقال قوم : المراد بالأمر هاهنا عقوبة المكذبين والعذاب بالسيف ، وذلك أن النضر بن الحارث قال : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فاستعجل العذاب فنزلت هذه الآية. وقتل النضر يوم بدر صبرا. (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، معناه تعاظم بالأوصاف الحميدة عما يصفه به المشركون.

(يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ) ، قرأ العامة بضم الياء وكسر الزاي ، و (الْمَلائِكَةَ) نصب. وقرأ يعقوب بالتاء وفتحها وفتح الزاي والملائكة رفع ، (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ) بالوحي سماه روحا لأنه يحيى به القلوب والحق. قال عطاء : بالنبوة. وقال قتادة : بالرحمة. وقال أبو عبيدة : بالروح يعني مع الروح وهو جبرائيل. (مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا) ، أعلموا ، (أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) ، وقيل : معناه مروهم بقول لا إله إلا الله منذرين مخوفين بالقرآن إن لم يقولوا. وقوله (فَاتَّقُونِ) أي : فخافون.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٣) ، أي : ارتفع عما يشركون.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) ، جدل بالباطل ، (مُبِينٌ) ، نزلت في أبيّ بن خلف الجمحي وكان ينكر البعث ، جاء بعظم رميم فقال [يا محمد](١) : أتقول إن الله تعالى يحيي هذا بعد ما قد رم؟ كما قال جل ذكره (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) [يس : ٧٨] نزلت فيه أيضا. والصحيح أن الآية عامة ، وفيها بيان القدرة وكشف قبيح ما فعلوه ، من جحد (٢) نعم الله مع ظهورها عليهم.

قوله تعالى : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها) ، يعني الإبل والبقر والغنم ، (لَكُمْ فِيها دِفْءٌ) يعني : من أوبارها وأشعارها وأصوافها ملابس ولحفا تستدفئون بها ، (وَمَنافِعُ) ، بالنسل والدر والركوب والحمل

__________________

[١٢٥١] ـ المرفوع منه ، أخرجه أحمد ٤ / ٣٠٩ والطبراني ٢٢ / ١٢٦ من حديث وهب السّوائي وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣١١ : رجاله رجال الصحيح. غير أبي خالد الوالبي وهو ثقة.

ـ وورد من حديث بريدة ، أخرجه أحمد ٥ / ٣٤٨ وقال الهيثمي ١٠ / ٣١٠ : رجاله رجال الصحيح.

ـ فالمرفوع منه حسن.

ـ تنبيه : لفظ «لما نزلت هذه الآية» لم أقف له على أصل ، ولم يذكره غير المصنف.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «جحود».

٧١

وغيرها ، (وَمِنْها تَأْكُلُونَ) ، يعني لحومها.

(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ) ، زينة ، (حِينَ تُرِيحُونَ) ، أي : حين تردونها بالعشي من مراعيها إلى مباركها التي تأوي إليها ، (وَحِينَ تَسْرَحُونَ) ، أي : تخرجونها بالغداة من مراحها إلى مسارحها ، وقدم الرواح لأن المنافع تؤخذ منها بعد الرواح ، ومالكها يكون أعجب بها إذا راحت.

(وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) ، أحمالكم ، (إِلى بَلَدٍ) ، آخر غير بلدكم. قال عكرمة : البلد مكة ، (لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) ، أي : بالمشقة والجهد. والشق : النصف أيضا أي : لم تكونوا بالغيه إلا بنقصان قوة النفس وذهاب نصفها. وقرأ أبو جعفر (بِشِقِ) بفتح الشين وهما لغتان مثل رطل ورطل.(إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) ، بخلقه حيث جعل لكم هذه المنافع.

(وَالْخَيْلَ) ، يعني : وخلق الخيل وهي اسم جنس لا واحد له من لفظه كالإبل والنساء والسماء. (وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) ، يعني : وجعلها زينة لكم مع المنافع التي فيها. واحتج بهذه الآية من حرم لحوم الخيل ، وهو قول ابن عباس ، وتلا هذه الآية ، فقال : هذه للركوب ، وإليه ذهب الحكم ومالك وأبو حنيفة ، وذهب جماعة إلى إباحة لحوم الخيل ، وهو قول الحسن وشريح وعطاء وسعيد بن جبير ، وبه قال الشافعي [وأحمد](١) وإسحاق ، ومن أباحها قال : ليس المراد من الآية بيان التحليل والتحريم بل المراد منه تعريف الله عباده نعمه (٢) وتنبيههم على كمال قدرته وحكمته ، واحتجوا بما :

[١٢٥٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن عمرو هو ابن دينار عن محمد بن علي عن جابر رضي الله عنه قال : «نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر ورخص في لحوم الخيل».

[١٢٥٣] أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي أنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي أنا أبو

__________________

[١٢٥٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ محمد بن علي هو ابن الحسين ، ومشهور ب ـ الباقر ـ رضي الله عنه.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٨٠٤ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٢١٩ عن سليمان بن حرب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٥٢٠ و ٥٥٢٤ ومسلم ١٩٤١ وأبو داود ٣٧٨٨ والنسائي ٧ / ٢٠١ وأحمد ٣ / ٣٦١ والدارمي ٣ / ٨٧ وابن الجارود ٨٨٥ وابن حبان ٥٢٧٣ والطحاوي ٤ / ٢٠٤ والبيهقي ٩ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧ من طرق عن حماد بن زيد به.

[١٢٥٣] ـ صحيح. الحسن بن الفرج ، قد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم غير عمرو بن خالد وهو الرّقي ، فإنه من رجال البخاري ، عبيد الله هو ابن عمرو الجزري الرّقي ، عبد الكريم هو ابن مالك الجزري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٨٠٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي ٧ / ٢٠١ من طريق عبيد الله بن عمرو بهذا الإسناد ، ولم يذكر عجز الحديث.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣١٩٧ وعبد الرزاق ٨٧٣٣ والطحاوي ٤ / ٢١١ والدار قطني ٤ / ٢٨٨ والبيهقي ٩ / ٣٢٧ من طرق عن عطاء به ، فهو صحيح.

ـ وأخرجه أبو داود ٣٧٨٩ وأحمد ٣ / ٣٥٦ والدارقطني ٤ / ٢٨٩ وابن حبان ٥٢٧٣ والبيهقي ٩ / ٣٢٧ من طرق عن حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر بنحوه ، وصححه الحاكم ٤ / ٢٣٥ ووافقه الذهبي.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «نعمته».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٧٢

أحمد عبد الله بن [عدي الحافظ ثنا الحسن بن الفرج ثنا عمرو بن خالد ثنا عبيد الله عن](١) عبد الكريم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر أنهم كانوا يأكلون لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ونهى عن لحوم البغال والحمير.

[١٢٥٤] روي عن المقدام بن معدي كرب عن خالد بن الوليد «أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير» وإسناده ضعيف.

(وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) ، قيل : يعني ما أعد الله في الجنة لأهلها وفي النار لأهلها مما لم تره عين ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر. وقال قتادة يعني : السوس في النبات والدود في الفواكه.

(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢))

قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) يعني : بيان طريق الهدى من الضلالة. وقيل : بيان الحق بالآيات والبراهين ، والقصد : الصراط المستقيم. (وَمِنْها جائِرٌ) يعني : ومن السبيل جائر عن الاستقامة معوج ، فالقصد من السبيل دين الإسلام ، والجائر منها دين اليهودية والنصرانية وسائر ملل (٢) الكفر. قال جابر بن عبد الله : قصد السبيل بيان الشرائع والفرائض. وقال عبد الله بن المبارك وسهل بن عبد الله : قصد السبيل : السنة. ومنها جائر : الأهواء والبدع ، دليله قوله تعالى : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) [الأنعام : ١٥٣]. (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) ، نظيره قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) [السجدة : ١٣].

قوله : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ) ، تشربونه ، (وَمِنْهُ شَجَرٌ) ، أي : من ذلك الماء شراب أشجاركم وحياة نباتكم ، (فِيهِ) يعني : في الشجر ، (تُسِيمُونَ) ، ترعون مواشيكم.

(يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ) أي : ينبت الله لكم به يعني بالماء الذي أنزل [إليكم](٣) ، قرأ أبو بكر عن عاصم «ننبت» بالنون. (الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

(وَسَخَّرَ لَكُمُ) ، ذلّل لكم (اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ) ، مذللات ،

__________________

[١٢٥٤] ـ شاذ. أخرجه أبو داود ٣٧٩٠ والنسائي ٧ / ٢٠٢ وابن ماجه ٣١٩٨ وأحمد ٤ / ٨٩ والدار قطني ٤ / ٢٨٦ والطحاوي في «المشكل» ٣٠٦٦ والطبراني ٣٨٢٦ من طرق عن بقية بن الوليد عن ثور بن يزيد عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده عن خالد بن الوليد به.

وضعف إسناده المصنف ، وفيه صالح بن يحيى قال البخاري : فيه نظر.

ـ وقال أبو داود : هو حديث منسوخ ؛ وقال البيهقي : إسناده مضطرب.

ـ والحديث معارض بما قبله ، فهو شاذ. وانظر ما قاله القرطبي ٣٨٥٤ و ٣٨٥٦ بترقيمي.

(١) سقط من المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «مثل».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٧٣

(بِأَمْرِهِ) أي : بإذنه ، وقرأ حفص عن عاصم والنّجوم مسخّرت بالرفع على الابتداء. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

(وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧))

(وَما ذَرَأَ) ، خلق ، (لَكُمْ) ، لأجلكم أي : وسخر ما خلق لأجلكم ، (فِي الْأَرْضِ) ، من الدواب والأشجار والثمار وغيرها ، (مُخْتَلِفاً) ، نصب على الحال ، (أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ) ، يعتبرون.

(وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا) يعني : السمك ، (وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها) يعني : اللؤلؤ والمرجان ، (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ) ، جواري فيه. قال قتادة : مقبلة ومدبرة وهو أنك ترى سفينتين إحداهما تقبل والأخرى تدبر تجريان بريح واحدة. قال الحسن : مواخر أي : مملوءة. وقال الفراء والأخفش : شواق (١) تشق الماء بجؤجئها (٢). قال مجاهد : تمخر السفن الرياح. وأصل المخر : الرفع والشق.

[١٢٥٥] وفي الحديث : «إذا أراد أحدكم البول فليتمخر (٣) الريح» أي : لينظر من أين مجراها وهبوبها [فليستدبرها](٤) حتى لا يرد عليه البول. وقال أبو عبيدة : صوائح ، والمخر صوت هبوب الريح عند شدتها ، (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني : التجارة ، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، إذا رأيتم صنع الله فيما سخر لكم.

(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) أي : لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل ، والميد : هو الاضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر : ميد ، قال وهب : لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة : إن هذه غير مقرّة أحدا على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلق الجبال ، (وَأَنْهاراً وَسُبُلاً) أي : وجعل فيها أنهارا وطرقا مختلفة ، (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ، إلى ما تريدون فلا تضلون [عنه](٥).

__________________

[١٢٥٥] ـ لا أصل له في المرفوع بهذا اللفظ ، وإنما أخرجه أبو عبيد في «غريب الحديث» ١ / ٣١٢ عن عباد بن عباد عن واصل مولى ابن عيينة قال : يقال : إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح.

ـ وورد بنحوه في أثناء حديث وفيه «... واستمخروا الريح ..» ذكره ابن أبي حاتم في «العلل» ١ / ٣٦ ـ ٣٧ (٧٥) وقال : سألت أبي عن حديث رواه أحمد بن ثابت فرخويه عن عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين الجندي عن سراقة بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره قال أبي : ما يروونه موقوف وأسنده عبد الرزاق بأخرة.

ـ ونقل ابن حجر في «التلخيص» ١ / ١٠٧ قول ابن أبي حاتم وأن الأصح وقفه.

ـ وفي الباب أحاديث انظرها في «تلخيص الحبير» ١ / ١٠٧.

(١) زيد في المطبوع «مواخر».

(٢) أي بصدرها ، وفي المخطوط و ـ ط «بجناحيها».

(٣) في المطبوع و ـ ط «فليستمخر».

(٤) سقط من المطبوع.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٧٤

(وَعَلاماتٍ) ، يعني : معالم الطرق. قال بعضهم : هاهنا تم الكلام ثم ابتدأ ، (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ، قال محمد بن كعب والكلبي : أراد بالعلامات النجوم (١) والجبال [فالجبال](٢) علامات النهار والنجوم علامات الليل. وقال مجاهد : أراد بالكل النجوم منها ما يكون علامات ومنها ما يهتدون به. قال السدي : أراد بالنجوم الثريا وبنات نعش والفرقدين والجدي يهتدون بها إلى الطرق والقبلة. وقال قتادة : إنما خلق الله النجوم لثلاثة أشياء لتكون زينة للسماء ومعالم للطرق ورجوما للشياطين. فمن قال غير هذا فقد تكلف ما لا علم له به.

(أَفَمَنْ يَخْلُقُ) ، يعني : الله تعالى ، (كَمَنْ لا يَخْلُقُ) ، يعني : الأصنام ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ).

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٢٢) لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (٢٣))

(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ) لتقصيركم في شكر نعمه (٣) ، (رَحِيمٌ) بكم حيث وسّع عليكم النعم ولم يقطعها عنكم بالتقصير والمعاصي.

(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) (١٩).

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) يعني : الأصنام ، وقرأ عاصم ويعقوب (يَدْعُونَ) بالياء. (لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ).

(أَمُوتُ) أي الأصنام (غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ) ، يعني : الأصنام (أَيَّانَ) متى (يُبْعَثُونَ) ، والقرآن يدل على أن الأصنام تبعث وتجعل فيها الحياة (٤) فتتبرأ من عابديها. وقيل : وما يدري الكفار عبدة الأصنام متى يبعثون.

قوله تعالى : (إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ) ، جاحدة (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) ، مستعظمون (٥).

(لا جَرَمَ) ، حقا (أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ).

[١٢٥٦] أخبرنا أبو سعيد بكر بن محمد بن محمد بن محمش البسطامي أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن

__________________

[١٢٥٦] ـ حديث صحيح. علي بن الحسن ثقة وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال مسلم. شعبة بن الحجاج ، فضيل بن عمرو ، إبراهيم بن يزيد ، عبد الله هو ابن مسعود.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٨١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٩١ والترمذي ١٩٩٩ وأبو عوانة ١ / ٣١ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٣٨٤ وابن مندة في «الإيمان» ٥٤٠ و ٥٤١ من طرق عن أبان بن تغلب به.

(١) في المطبوع «الجبال».

(٢) في المطبوع «تكون».

(٣) في المخطوط «نعمته».

(٤) في المخطوط «الروح».

(٥) في المطبوع و ـ ط «متعظمون».

٧٥

إبراهيم بن سختويه (١) أنا أبو الفضل سفيان بن محمد الجوهري ثنا علي بن الحسن بن أبي عيسى الهلالي ثنا يحيى بن حماد ثنا شعبة عن أبان بن تغلب (٢) عن فضيل الفقيمي (٣) عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس عن عبد الله عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ولا يدخل النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان» ، فقال رجل : يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا؟ قال : «إنّ الله جميل يحب الجمال ، الكبر بطر الحق وغمط (٤) الناس».

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٤) لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ (٢٥) قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٦) ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ (٢٧))

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) ، يعني : لهؤلاء الذين لا يؤمنون [بالآخرة](٥) وهم مشركو مكة الذين اقتسموا أعقابها (٦) إذا سأل (٧) الحاج : (ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، أحاديثهم وأباطيلهم.

(لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ) ، ذنوب أنفسهم ، (كامِلَةً) ، وإنما ذكر الكمال لأن البلايا التي تلحقهم في الدنيا وما يفعلون فيها من الحسنات لا تكفر عنهم شيئا ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، بغير حجة فيصدونهم عن الإيمان ، (أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ) ، ما يحملون.

[١٢٥٧] أنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشمهيني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر ثنا العلاء بن

__________________

ـ وأخرجه أحمد ١ / ٤٥١ من طريق حجاج عن فضيل بن عمرو الفقيمي به.

ـ وأخرجه مسلم ٩١ ح ١٤٨ وأبو داود ٤٠٩١ والترمذي ١٩٩٨ وابن ماجه ٤١٧٣ وابن أبي شيبة ٩ / ٨٩ وأحمد ١ / ٤١٢ و ٤١٦ وأبو عوانة ١ / ١٧ وابن مندة ٥٤٢ وابن حبان ٢٢٤ والطبراني ١٠٠٠٠ و ١٠٠٠١ من طرق عن الأعمش عن إبراهيم به دون ذكر عجزه.

[١٢٥٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ عبد الرحمن هو والد العلاء.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٠٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٦٧٤ من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٦٠٩ والترمذي ٢٦٧٤ وأحمد ٢ / ٣٩٧ وابن خزيمة ٢٦٧٤ وابن حبان ١١٢ والدارمي ١ / ١٣٠ و ١٣١ من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٢٠٦ من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن العلاء به.

(١) تصحف في المطبوع «سحتوتة».

(٢) في المطبوع «ثعلبة».

(٣) تصحف في المطبوع «العقيمي».

(٤) في المخطوط «غمص».

(٥) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٦) في المطبوع «عقابها».

(٧) زيد في المطبوع «منهم».

٧٦

عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا».

قوله تعالى : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، وهو نمروذ بن كنعان ، بنى الصرح ببابل ليصعد [إلى](١) السماء. قال ابن عباس ووهب : كان طول الصرح في السماء خمسة آلاف ذراع.

وقال كعب ومقاتل : كان طوله فرسخين فهبت ريح وألقت (٢) في البحر وخرّ عليهم الباقي وهم تحته ، ولما سقط الصرح تبلبلت ألسن الناس من الفزع يومئذ فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا فلذلك سميت بابل.

وكان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية ، فذلك قوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ) أي : قصد تخريب بنيانهم من أصولها ، (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ) يعني : أعلى البيوت (مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) ، من مأمنهم.

(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ) ، يهينهم بالعذاب ، (وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) ، تخالفون المؤمنين فيهم ما لهم لا يحضرونكم فيدفعون عنكم العذاب ، وكسر نافع النون من (تُشَاقُّونَ) على الإضافة ، والآخرون بفتحها. (قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، وهم المؤمنون ، (إِنَّ الْخِزْيَ) ، الهوان ، (الْيَوْمَ وَالسُّوءَ) ، أي : العذاب ، (عَلَى الْكافِرِينَ).

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٢٩) وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ (٣٠) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ (٣١) الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٢))

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ، يقبض أرواحهم ملك الموت وأعوانه.

قرأ حمزة «يتوفاهم» بالياء وكذا ما بعده ، (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) ، بالكفر ، نصب على الحال أي : في حال كفرهم ، (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) أي : استسلموا وانقادوا وقالوا : (ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ) ، شرك فقال لهم الملائكة ، (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ). قال عكرمة : عنى بذلك من قتل من الكفار ببدر.

(فَادْخُلُوا) أي : يقال (٣) لهم ادخلوا (أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) ، عن الإيمان ، (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) وذلك أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام الموسم من يأتيهم بخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا جاء سأل (٤) الذين قعدوا على الطرق عنه فيقولون ساحر كاهن شاعر كذاب مجنون ، ولو لم تلقه خير [لك](٥) ، فيقول السائل : إنا شر وفد إن رجعت إلى قومي دون أن أدخل مكة فألقاه فيدخل مكة فيرى

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «رأسه».

(٣) في المطبوع «قال».

(٤) في المطبوع «يسأل».

(٥) زيادة عن المخطوط.

٧٧

أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيخبرونه بصدقه وأنه نبي مبعوث.

فذلك قوله : (وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً) يعني : أنزل خيرا ، ثم ابتدأ فقال : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) ، كرامة من الله.

قال ابن عباس : هي تضعيف الأجر إلى العشر. وقال الضحاك : هي النصر والفتح. وقال مجاهد : هي الرزق الحسن.

(وَلَدارُ الْآخِرَةِ) ، أي ولدار الحال الآخرة ، (خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) ، قال الحسن : هي الدنيا لأن أهل التقوى يتزودون فيها للآخرة. وقال أكثر المفسرين : هي الجنة ، ثم فسرها. فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) (٣١).

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) ، مؤمنين طاهرين من الشرك. قال مجاهد : زاكية أفعالهم وأقوالهم. وقيل : معناه إن وفاتهم تقع طيبة سهلة. (يَقُولُونَ) يعني : الملائكة لهم ، (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، وقيل : معناه يبلغونهم سلام الله ، (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٣٣) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٤) وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٣٥))

قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ) ، لقبض أرواحهم ، (أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) ، يعني : يوم القيامة ، وقيل : العذاب. (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، أي : كفروا [كما كفر الذين من قبلهم](١) ، (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) بتعذيبه إياهم ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) ، عقوبات كفرهم وأعمالهم الخبيثة ، (وَحاقَ بِهِمْ) ، نزل بهم ، (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).

(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) ، يعني في البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، فلو لا أن الله رضيها لنا لغير ذلك وهدانا إلى غير هذا (٢) ، (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، أي : ليس إليهم الهداية وإنما إليهم التبليغ.

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٧) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٨) لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا

__________________

(١) سقط من المخطوط.

(٢) في المطبوع و ـ ط «غيرها».

٧٨

كاذِبِينَ (٣٩) إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠) وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٤١))

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً) أي : كما بعثنا فيكم ، (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) ، وهو معبود من دون الله ، (فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ) ، أي : هداه الله إلى دينه ، (وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) أي : وجبت [عليه الضلالة](١) بالقضاء السابق حتى مات على كفره ، (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ، أي : مآل أمرهم وهو خراب منازلهم بالعذاب والهلاك.

(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ) ، يا محمد ، (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ) ، قرأ أهل الكوفة «يهدي» بفتح الياء وكسر الدال أي : لا يهدي الله من أضله. وقيل : معناه لا يهتدي (٢) من أضله الله ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الدال يعني من أضله الله فلا هادي له كما قال : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) [الأعراف : ١٨٦] ، (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي : مانعين من العذاب.

قوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) ، وهم منكرو البعث ، قال الله تعالى ردّا عليهم : (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ) أي : ليظهر لهم الحق فيما يختلفون ، (فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ).

(إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٤٠) ، يقول الله تعالى : إذا أردنا أن نبعث الموتى فلا تعب علينا في إحيائهم ولا في شيء مما يحدث إنما نقول له : كن فيكون.

[١٢٥٨] أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو [بكر](٣) محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال الله : كذبني عبدي (٤) ولم يكن له ذلك ، وشتمني عبدي ولم يكن له ذلك ، فأمّا تكذيبه إيّاي أن يقول لن يعيدنا كما بدأنا ، وأما شتمه إيّاي أن يقول اتخذ الله ولدا ، وأنا الصمد لم ألذ ولم أولذ ولم يكن لي كفوا أحد».

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) ، عذبوا وأوذوا في الله.

نزلت في بلال وصهيب وخباب وعمّار وعابس وجبير وأبي جندل بن سهيل (٥) أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم (٦). وقال قتادة : هم أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ظلمهم أهل مكة وأخرجوهم من ديارهم حتى

__________________

[١٢٥٨] ـ تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية : ١١٦.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «يهدي».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في المطبوع «ابن آدم».

(٥) في المطبوع «سهل».

(٦) في المخطوط «يعذبونهم».

٧٩

لحق منهم طائفة بالحبشة ثم بوأ الله لهم المدينة بعد ذلك فجعلها لهم دار هجرة ، وجعل لهم أنصارا من المؤمنين. (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) ، وهو أنه أنزلهم المدينة.

روي أن (١) عمر بن الخطاب كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاء يقول : خذ بارك الله لك فيه هذا ما وعدك الله في الدنيا وما ادخر لك في الآخرة أفضل ، ثم تلا هذه الآية.

وقيل : معناه لنحسننّ إليهم في الدنيا. وقيل : الحسنة في الدنيا التوفيق والهداية. (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). وقوله : (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) ، ينصرف إلى المشركين لأن المؤمنين كانوا يعلمونه.

(الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٤٢) وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٤٥) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٤٦) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٤٧))

(الَّذِينَ صَبَرُوا) ، في الله (٢) على ما نالهم ، (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ) ، نزلت في مشركي مكة حيث أنكروا نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا فهلا بعث إلينا ملكا ، (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) ، يعني مؤمني أهل الكتاب ، (إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

(بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ) ، واختلفوا في الجالب للباء في قوله : (بِالْبَيِّناتِ) قيل : هي راجعة إلى قوله : (وَما أَرْسَلْنا) ، وإلا بمعنى غير. مجازه (٣) : وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر غير رجال يوحى إليهم ولم نبعث ملائكة.

وقيل : تأويله وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم أرسلناهم بالبينات والزبر. (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) ، أراد بالذكر الوحي وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مبينا للوحي وبيان الكتاب يطلب من السنة ، (وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ).

(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا) ، عملوا (السَّيِّئاتِ) ، من قبل يعني نمروذ بن كنعان وغيره من الكفار ، (أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ).

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ) ، بالعذاب (٤) (فِي تَقَلُّبِهِمْ) ، تصرفهم في الأسفار. وقال ابن عباس : في اختلافهم.

وقال ابن جريج : في إقبالهم وإدبارهم ، (فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) [بفائتين](٥) الله.

(أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ) ، والتخوف : التنقيص (٦) ، أي : ينقص من أطرافهم ونواحيهم شيئا بعد شيء

__________________

(١) في المطبوع «عن».

(٢) في المخطوط «الدنيا».

(٣) في المطبوع «مجاز».

(٤) في المخطوط «بالعقاب».

(٥) في المطبوع «السابقين» وفي ط «سابقين».

(٦) في المطبوع «النقص».

٨٠