تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

يعقوب أنا العباس بن محمد الدوري (١) أنا خالد بن مخلد القطواني أنا موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن كيسان أخبرني عبد الله بن شداد عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة».

[١٧٤٦] أخبرنا أبو عبد الله [محمد](٢) بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري أنا أحمد بن علي الكشميهني أنا علي بن حجر أنا إسماعيل بن جعفر أنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه [بها](٣) عشرا».

[١٧٤٧] أخبرنا أبو بكر [محمد](٤) بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو

__________________

أبي عاصم ٢٤ والطبراني ٩٨٠٠ وأبو يعلى ٥٠١١ والبيهقي في «الشعب» ١٤٦٣.

من طرق عن خالد بن مخلد بهذا الإسناد بزيادة «عن أبيه» بين عبد الله بن شداد ، وابن مسعود.

ـ وله شاهد من حديث أبي أمامة أخرجه البيهقي ٣ / ٢٤٩ ولفظه «وصلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة ، فمن كان أكثرهم عليّ صلاة ، كان أقربهم مني منزلة».

وذكره الحافظ في «الفتح» ١١ / ١٦٧ وقال : لا بأس بسنده.

وذكره المنذري في «الترغيب» ٣ / ٣٠٣ وقال رواه البيهقي بإسناد حسن : إلّا أن مكحولا قيل : لم يسمع من أبي أمامة.

ـ قلت : مكحول مدلس ، وقد عنعن فالإسناد ضعيف ، لكن إذا انضم إلى المتقدم رقى به إلى درجة الحسن أو شبه الحسن ، والله أعلم ، ومع ذلك ذكره الألباني في «ضعيف الترمذي» ٧٤ ، في حين لم يجزم الشيخ شعيب بدرجة الحديث والذي يظهر أنه يقرب من الحسن ، والله أعلم.

[١٧٤٦] ـ إسناده على شرط مسلم. عبد الرحمن والد العلاء هو ابن يعقوب.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٨٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٤٠٨ من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٤٠٨ وأبو داود ١٥٣٠ والترمذي ٤٨٥ والنسائي ٣ / ٥٠ وأحمد ٢ / ٣٧٢ و ٣٧٥ والبخاري في «الأدب المفرد» ٦٤٥ والدارمي ٢ / ٣١٧ وابن حبان ٩٠٦ من طرق عن إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٤٨٥ وإسماعيل القاضي ٩ من طريق محمد بن جعفر عن العلاء به.

[١٧٤٧] ـ حديث حسن صحيح بشواهده.

ـ إسناده ضعيف سليمان مولى الحسن مجهول الحال ، لم يرو عنه سوى ثابت البناني ، وقال النسائي : ليس بالمشهور ، وقال الحافظ في «التقريب» : مجهول.

ـ لكن للحديث شواهد وطرق.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٨٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» لابن المبارك ٣٦٤ عن حماد بن سلمة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي ٣ / ٥٠ وفي «عمل اليوم والليلة» ٦٠ من طريق ابن المبارك به.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٢٩ ـ ٣٠ وابن أبي شيبة ٢ / ٥١٦ والدارمي ٢ / ٣١٧ وابن حبان ٩١٥ والحاكم ٢ / ٢٤٠ من طرق حماد ابن سلمة به.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

ـ وأخرجه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي» ٥٠ والطبراني ٤٧١٨ من وجه آخر عن جسر بن فرقد عن ثابت عن ـ

(١) تصحف في المطبوع «الدورقي».

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) سقط من المطبوع.

٦٦١

الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم [بن](١) عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد (٢) الله بن أبي طلحة عن أبيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه جاء ذات يوم والبشر [يرى](٣) في وجهه ، فقال : «إنه جاءني جبريل فقال [إن ربك يقول](٤) أما يرضيك يا محمد ، أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صلّيت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا».

[١٧٤٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٥) المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن عاصم هو ابن عبيد [الله](٦) قال : سمعت عبد الله [بن عامر](٧) بن ربيعة عن أبيه أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من صلى عليّ صلاة صلّت عليه الملائكة ما صلى عليّ فليقلل العبد من ذلك أو ليكثر».

__________________

ـ أنس عن أبي طلحة به.

ـ وجسر بن فرقد ضعيف.

ـ وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه الحاكم ١ / ٥٥٠ وصححه ، ووافقه الذهبي وأخرجه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي» ٥٧ من وجه آخر عن عبد الرحمن بن عوف.

ـ وله شاهد آخر من حديث أنس أخرجه ابن أبي عاصم ٤٩ والطبراني ٤٧١٧ والبيهقي في «الشعب» ١٤٦١ وإسناده حسن في الشواهد.

[١٧٤٨] ـ حديث حسن ، إسناده ضعيف لضعف عاصم بن عبيد الله ، لكن للحديث شواهد يحسن بها إن شاء الله ، والله أعلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٨٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٩٠٧ وأحمد ٣ / ٤٤٥ و ٤٤٦ وابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي» ٣٦ و ٣٧ من طرق عن شعبة به.

ـ قال البوصيري في «الزوائد» إسناده ضعيف ، لأن عاصم بن عبيد الله ، قال فيه البخاري ، وغيره : منكر الحديث.

ـ وذكره السخاوي في «القول البديع» ص ١٠٩ ـ ١١٠ وقال : وفيه سنده عاصم بن عبيد الله ، وهو إن كان واهي الحديث ، فقد مشّاه بعضهم وصحح له الترمذي ، وحديثه هذا حسن في المتابعات.

ـ وله شاهد من حديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه ابن أبي عاصم في «الصلاة على النبي» ٤٨ وإسناده ضعيف ، لضعف موسى بن عبيدة الربذي.

ـ وله شاهد آخر من حديث ابن عمر أخرجه ابن أبي عاصم ٥٥ وإسناده ضعيف ، لضعف عبد الله بن عمر العمري.

وأخرجه الطبراني ١٣٢٦٩ ، وإسناده ضعيف جدا يحيى الحماني متروك ، فلا يصلح للاعتبار بحديثه ، ويغني عنه ما تقدم.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بشواهده.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) تصحف في «شرح السنة» «عبيد».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) زيد في المطبوع.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) سقط من المطبوع.

(٧) سقط من المطبوع.

٦٦٢

[١٧٤٩] حدثنا أبو القاسم يحيى بن علي الكشميهني أنا [جناح](١) بن نذير (٢) المحاربي بالكوفة أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني (٣) أنا أحمد بن حازم أنا عبد الله بن موسى وأبو نعيم عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام».

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١))

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٥٧) ، قال ابن عباس هم اليهود والنصارى والمشركون فأما اليهود فقالوا : عزير ابن الله ويد الله مغلولة ، وقالوا إن الله فقير ، وأما النصارى فقالوا المسيح ابن الله وثالث ثلاثة ، وأما المشركون فقالوا الملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه.

[١٧٥٠] وروينا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله سبحانه وتعالى شتمني عبدي يقول اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد».

[١٧٥١] وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال الله تعالى : «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر ، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار».

وقيل : معنى يؤذون الله أي يلحدون في أسمائه وصفاته ، وقال عكرمة : هم أصحاب التصاوير.

__________________

[١٧٤٩] ـ إسناده حسن لأجل زاذان أبو عبد الله الكندي ، فقد روى له مسلم ووثقه غير واحد ، وفيه كلام لا يضر ، لكن ينحط حديثه عن درجة الصحيح.

ـ أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، سفيان هو ابن سعيد الثوري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٨٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي ٣ / ٤٣ وعبد الرزاق ٣١١٦ وأحمد ١ / ٤٤ و ٣٨٧ و ٤٥٢ وابن أبي شيبة ٢ / ٥١٧ والدارمي ٣ / ٣١٧ وابن حبان ٩١٤ وإسماعيل القاضي ٢١ والحاكم ٢ / ٤٢١ والطبراني ١٠٥٢٨ و ١٠٥٢٩ و ١٠٥٣٠ وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» ٢ / ٢٠٥ من طرق عن سفيان الثوري به.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه ابن القيم في «جلاء الأفهام» ٣٠ رقم ٣٥ بتخريجي.

[١٧٥٠] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ١١٦ وفي سورة النحل عند آية : ٤٠.

[١٧٥١] ـ تقدم في سورة النور عند آية : ٤٤.

(١) زيادة من المطبوع.

(٢) تصحف في المطبوع «يزيد».

(٣) في المطبوع «الشستاني».

٦٦٣

[١٧٥٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن العلاء أنا ابن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة سمع أبا هريرة قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة أبو ليخلقوا حبة أو شعيرة».

وقال بعضهم : يؤذون الله أي يؤذون أولياء الله ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] ، أي أهل القرية.

[١٧٥٣] وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : قال الله تعالى : «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» ، وقال : «من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة».

ومعنى الأذى هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه ، ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم ، والله عزوجل منزه عن أن يلحقه أذى من أحد ، وإيذاء الرسول قال ابن عباس : هو أنه شج في وجهه وكسرت رباعيته. وقيل : شاعر ساحر معلم مجنون.

(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) ، من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم ، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم ، (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

وقال مقاتل : نزلت : في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويشتمونه. وقيل : نزلت في شأن عائشة.

[١٧٥٤] وقال الضحاك والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طريق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيغمزون المرأة فإن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن في الكل كان واحدا ، يخرجن في درع وخمار ، الحرة والأمة كذلك فشكون ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت هذه الآية : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) الآية ثم نهى الحرائر أن يتشبهن بالإماء.

فقال جلّ ذكره : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) ، جمع الجلباب وهو الملاءة التي تشتمل بها امرأة فوق الدرع والخمار ، وقال ابن عباس و (٢) عبيدة : أمر نساء

__________________

[١٧٥٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ محمد بن العلاء هو أبو كريب ، مشهور بكنيته ، ابن فضيل هو محمد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣١١٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٩٥٣ و ٧٥٥٩ ومسلم ٢١١١ وابن أبي شيبة ٨ / ٤٨٤ وابن حبان ٥٨٥٩ والبيهقي ٧ / ٢٦ والطحاوي ٤ / ٣٨٣ من طريقين عن عمارة بن القعقاع به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٥٩ و ٣٩١ و ٤٥١ و ٥٢٧ من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.

[١٧٥٣] ـ أخرجه البخاري ٦٥٠٢ وابن حبان ٣٤٧ والبغوي في «شرح السنة» ١٢٤١ من حديث أبي هريرة ، وتقدم الكلام عليه ، وانظر حديث أنس الآتي في سورة الشورى آية : ٢٧.

[١٧٥٤] ـ ذكره المصنف هاهنا عن الضحاك والكلبي معلقا وسند إليهما في أول الكتاب ، والضحاك صاحب مناكير ، والكلبي كذاب ، فالخبر لا شيء.

ـ وكذا ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧١٨ عن الضحاك والسدي والكلبي بدون إسناد.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «أبو» وهو خطأ من النساخ ، وعبيدة هو السلماني أحد كبار التابعين.

٦٦٤

المؤمنين أن يغطين رءوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عينا واحدة ليعلم أنهن حرائر ، (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ) ، أنهن حرائر ، (فَلا يُؤْذَيْنَ) ، فلا يتعرض لهن ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، قال أنس : مرت بعمر بن الخطاب جارية متقنعة فعلاها بالدرة ، وقال : يا لكاع أتتشبهين بالحرائر ، ألقي القناع.

قوله عزوجل : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ) ، عن نفاقهم ، (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، فجور ، يعني الزناة (١) ، (وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ) ، بالكذب.

وذلك أن ناسا منهم كانوا إذا خرجت سرايا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوقعون في الناس الرعب وإذا التحم القتال ولوا وانهزموا ، ويقولون قد أتاكم العدو ونحوها.

وقال الكلبي : كانوا يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ويفشون الأخبار (لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) ، لنحرشنّك بهم ولنسلطنّك عليهم ، (ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها) ، لا يساكنوك في المدينة (إِلَّا قَلِيلاً) ، حتى يخرجوا منها ، وقيل : لنسلطنك عليهم حتى تقتلهم وتخلي منهم المدينة.

(مَلْعُونِينَ) ، مطرودين ، نصب على الحال ، (أَيْنَما ثُقِفُوا) ، وجدوا وأدركوا ، (أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً) ، أي الحكم فيهم هذا على جهة الأمر به.

(سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً (٦٢) يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧))

(سُنَّةَ اللهِ) ، أي كسنة الله ، (فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ) ، من المنافقين والذين فعلوا مثل [ما فعل](٢) هؤلاء ، (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً).

قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللهِ وَما يُدْرِيكَ) ، أي : أيّ شيء يعلمك أمر الساعة ، ومتى يكون قيامها أي أنت لا تعرفه ، (لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً).

(إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ) ، ظهرا لبطن حين يسحبون عليها ، (يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا) ، في الدنيا.

(وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا).

قرأ أبو عامر ويعقوب ساداتنا بكسر التاء وألف قبلها على جمع الجمع ، وقرأ الآخرون بفتح التاء بلا ألف قبلها ، (وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا).

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً (٦٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢))

__________________

(١) في المطبوع «الزنا».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٦٦٥

(رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ) ، أي ضعفي عذاب غيرهم. قوله تعالى : (وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً) ، قرأ عاصم (كَبِيراً) بالباء قال الكلبي أي عذابا كثيرا ، وقرأ الآخرون بالثاء كقوله تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [البقرة : ١٦١] وهذا يشهد للكثرة أي مرة بعد مرة.

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا) ، فطهره الله مما قالوا ، (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) ، أي كريما ذا جاه ، يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا كان ذا جاه وقدر. قال ابن عباس : كان حظيا عند الله لا يسأل الله شيئا إلا أعطاه. وقال الحسن : كان مستجاب الدعوة. وقيل : كان محببا مقبولا. واختلفوا فيما أوذي به موسى.

[١٧٥٥] فأخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا

__________________

[١٧٥٥] ـ صح مرفوعا وموقوفا.

ـ إسناده فيه لين ، روح بن عبادة ، وإن روى له البخاري ومسلم ، ووثقه الجمهور ، فقد قال أبو حاتم ؛ لا يحتج به ، وقال النسائي ، ليس بالقوي ، وقال يعقوب بن شيبة ، كان عفان لا يرضى أمر روح.

ـ عوف هو ابن أبي جميلة ، الحسن هو ابن يسار ، محمد بن سيرين ، خلاس بن عمرو.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٠٤ عن إسحاق بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٢١ من طريق روح بن عبادة به.

ـ والحسن لم يسمع من أبي هريرة يسرة ، وخلاس أيضا لم يسمع من أبي هريرة ، فيما قال أحمد نقله عنه أبو داود كما في «الفتح» ٦ / ٤٣٧.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٥١٤ ـ ٥١٥ عن روح عن عوف عن الحسن عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخلاس ومحمد عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فجعل رواية الحسن مرسلة.

ـ وهكذا أخرجه الطبري ٢٨٦٧٤ من طريق ابن أبي عدي عن عوف عن الحسن مرسلا.

ـ وأخرجه الطبري ٢٨٦٧٣ والطحاوي في «المشكل» ٦٧ عن روح عن عوف عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة.

ـ وأخرجه النسائي في «التفسير» ٤٤٤ و «الكبرى» ١١٤٢٤ من طريق روح عن عوف عن خلاس عن أبي هريرة مرفوعا.

وخلاس لم يسمع من أبي هريرة.

ـ وكرره النسائي ١١٤٢٥ وفي «التفسير» ٤٤٥ من طريق النضر عن عوف بمثله.

ـ وعلى هذا فقد توبع روح ، لكن هذا الإسناد معلول بسبب الإرسال كما تقدم.

ـ وكرره البخاري ٤٧٩٩ من طريق روح عن عوف عن الحسن ، ومحمد ، وخلاس عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...

إن موسى كان رجلا حييّا ، وذلك قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى ...) ، ـ وللحديث طريق آخر :

ـ أخرجه البخاري ٢٧٨ ومسلم ٣٣٩ وص ١٨٤١ وابن حبان ٦٢١١ وأبو عوانة ١ / ٢٨١ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٨٣ من طرق عن عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة مرفوعا.

ـ وله علة ، وهي الوقف.

ـ وأخرجه مسلم ص ١٨٤١ من وجه آخر عن خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة موقوفا عليه.

ـ وراويه عن خالد الحذاء ، يزيد بن زريع ، وهذا إسناد كالشمس.

ـ وأخرجه الطبري ٢٦٨٧٥ عن قتادة قال : حدّث الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... الحديث ، وهذا منقطع.

ـ وورد من حديث أبي هريرة من وجه آخر.

(١) زيادة عن المخطوط.

٦٦٦

محمد بن إسماعيل أنا إسحاق بن إبراهيم أنا روح بن عبادة أنا عوف عن الحسن ومحمد وخلاس عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء فآذاه من آذاه من بني إسرائيل ، فقالوا ما تستر موسى هذا التستر إلا من عيب بجلده ، إمّا برص وإما أدرة [وإما آفة](١) ، وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا ، فخلا يوما وحده ليغتسل فوضع ثيابه على الحجر ، ثم اغتسل فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه ، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر ، فجعل يقول ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله ، وبرأه مما يقولون ، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه ، فو الله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا». فذلك قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (٦٩).

وقال قوم : إيذاؤهم إيّاه أنه لما مات هارون في التيه ادعوا على موسى أنه قتله فأمر الله الملائكة حتى مروا به على بني إسرائيل فعرفوا أنه لم يقتله ، فبرأه الله مما قالوا.

وقال أبو العالية : هو أن قارون استأجر مومسة لتقذف موسى بنفسه على رأس الملأ فعصمها الله وبرأ موسى من ذلك ، وأهلك قارون.

[١٧٥٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا

__________________

أخرجه الطبري ٢٨٦٦٩ من طريق جابر الجعفي عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا.

ـ وإسناده ساقط ، جابر هو ابن يزيد ، متروك الحديث.

ـ وله شاهد من حديث أنس :

ـ أخرجه البزار ٢٢٥٢ «كشف» وإسناده ضعيف ، لضعف علي بن زيد.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٩٣ ـ ٩٤ : ثقة سيئ الحفظ.

ـ قلت : جزم الحافظ في «التقريب» بضعفه.

ـ وورد عن ابن عباس موقوفا.

ـ أخرجه الطبري ٢٨٦٦٨ وإسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم وكرره ٢٨٦٧٠ ، وإسناده ضعيف جدا ، فيه مجاهيل ، وعطية العوفي واه.

ـ وورد عن قتادة قوله :

أخرجه الطبري ٢٨٦٧٢.

ـ وورد عن الحسن وقتادة قولهما.

أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٣٨٢ عن معمر عن الحسن وقتادة.

ـ الخلاصة : روي مرفوعا بإسناده حسن ، وآخر صحيح ، وأخر ضعيفة.

وورد موقوفا بإسناد كالشمس عن أبي هريرة ، ومثله عن ابن عباس بسند صحيح موقوف.

ـ وورد عن قتادة والحسن قولهما لم يرفعاه.

فالحديث كما ترى ورد مرفوعا ، وموقوفا ، وموقوفا على بعض التابعين ، وفي المتن غرابة ، لكن لا أقدم على ترجيح الوقف بسبب أن الحديث في «الصحيحين» ، ولم أجد من رجح الوقف ، والله أعلم ، وانظر «أحكام القرآن» ١٨٥٣.

[١٧٥٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو الوليد هشام بن عبد الله الملك ، شعبة بن الحجاج ، الأعمش سليمان بن مهران ، أبو وائل شقيق بن سلمة.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٠٥ عن أبي الوليد بهذا الإسناد.

(١) سقط من المطبوع.

٦٦٧

محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد أنا شعبة عن الأعمش قال : سمعت أبا وائل قال : سمعت عبد الله قال : قسم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قسما ، فقال رجل : إن هذه لقسمة ما أريد بها وجه الله ، فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته ، فغضب حتى رأيت الغضب في وجهه ، ثم قال : «يرحم (١) الله موسى لقد أوذي أكثر من هذا فصبر».

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (٧٠) ، قال ابن عباس : صوابا. وقال قتادة : عدلا. وقال الحسن : صدقا. وقيل : مستقيما. وقال عكرمة هو : قول لا إله إلا الله.

(يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ) ، قال ابن عباس : يتقبل حسناتكم. وقال مقاتل : يزكي أعمالكم ، (وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) ، أي ظفر بالخير كله.

قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ) ، الآية. وأراد بالأمانة الطاعة والفرائض التي فرضها الله على عباده ، عرضها على السماوات والأرض والجبال على أنهم إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم ، وهذا قول ابن عباس.

وقال ابن مسعود : الأمانة أداء الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وصدق الحديث وقضاء الدين والعدل في المكيال والميزان ، وأشد من هذا كله الودائع. وقال مجاهد : الأمانة الفرائض. وحدود الدّين. وقال أبو العالية : ما أمروا به ونهوا عنه. وقال زيد بن أسلم : هو الصوم والغسل من الجنابة ، وما يخفى من الشرائع.

وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : أول ما خلق الله من الإنسان فرجه وقال هذه أمانة استودعتكها ، فالفرج أمانة والأذن أمانة والعين أمانة واليد أمانة والرجل أمانة ولا إيمان لمن لا أمانة له. وقال بعضهم : هي أمانات الناس والوفاء بالعهد ، فحق على كل مؤمن أن لا يغش مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير ، وهي رواية الضحاك عن ابن عباس ، فعرض الله هذه الأمانة على أعيان السموات والأرض والجبال ، هذا قول ابن عباس وجماعة من التابعين وأكثر السلف ، فقال لهن أتحملن هذه الأمانة بما فيها؟ قلن : وما فيها؟ قال : إن أحسنتن جوزيتن وإن عصيتن عوقبتن ، فقلن : لا يا رب نحن مسخرات لأمرك لا نريد ثوابا ولا عقابا ، وقلن ذلك خوفا وخشية وتعظيما لدين الله أن لا يقيمن بها لا معصية ولا مخالفة ، وكان العرض عليهن تخييرا لا إلزاما ولو ألزمهن لم يمتنعن من حملها ، والجمادات كلها خاضعة لله عزوجل مطيعة ساجدة له كما قال جلّ ذكره في السموات والأرض : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) [فصلت : ١١] ، وقال للحجارة : (وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) [البقرة : ٢٧٤] وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ) [الحج : ١٨] الآية.

وقال بعض أهل العلم : ركّب الله عزوجل فيهنّ العقل والفهم حين عرض الأمانة عليهن حتى عقلن الخطاب وأجبن بما أجبن ، وقال بعضهم : المراد من العرض على السموات والأرض هو العرض

__________________

ـ وأخرجه البخاري ٦٣٣٦ وأحمد ١ / ٤١١ و ٤٤١ من طريقين عن شعبة به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٣٣٥ و ٦٠٠٩ و ٦١٠٠ ومسلم ١٠٦٢ ج ١٤١ وابن حبان ٢٩١٧ وأحمد ١ / ٢٣٥ والبغوي في «شرح السنة» ٣٥٦٥ من طرق عن الأعمش به.

(١) في المطبوع «رحم».

٦٦٨

على أهل السموات والأرض ، عرضها على من فيها من الملائكة. وقيل : على أهلها كلها دون أعيانها ، كقوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي أهل القرية. والأول أصح ، وهو قول العلماء (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) ، أي خفن من الأمانة أن لا يؤدينها فيلحقهن (١) العقاب ، (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ) ، يعني آدم عليه‌السلام ، فقال الله : يا آدم إني عرضت الأمانة على السموات والأرض والجبال فلم تطقها فهل أنت آخذها بما فيها؟ قال : يا رب وما فيها؟ قال : إن أحسنت جوزيت ، وإن أسأت عوقبت ، فتحملها آدم ، وقال [أحملها](٢) بين أذني وعاتقي ، قال الله تعالى أمّا إذا تحملت فسأعينك أجعل لبصرك حجابا فإذا خشيت أن تنظر إلى ما لا يحل لك فأرخ عليه حجابه ، وأجعل للسانك لحيين وغلقا (٣) فإذا خشيت (٤) فأغلق ، وأجعل لفرجك لباسا فلا تكشفه على ما حرمت عليك. قال مجاهد : فما كان بين أن تحمّلها وبين أن خرج من الجنة إلّا مقدار ما بين الظهر والعصر.

وحكى النقاش بإسناده عن ابن مسعود أنه قال : مثلت الأمانة كصخرة ملقاة ، ودعيت السموات والأرض والجبال إلى [حملها](٥) فلم يقربوا منها ، وقالوا : لا نطيق حملها ، وجاء آدم من غير أن يدعى ، وحرك الصخرة ، وقال : لو أمرت بحملها لحملتها ، فقيل له : احملها ، فحملها إلى ركبتيه ثم وضعها ، وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، فقيل له : احملها فحملها إلى حقوه ، ثم وضعها ، وقال : والله لو أردت أن أزداد لزدت ، قيل له : احمل فحملها حتى وضعها على عاتقه ، فأراد أن يضعها فقال الله : مكانك فإنها في عنقك وعنق ذريتك إلى يوم القيامة. (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) ، قال ابن عباس : ظلوما لنفسه جهولا بأمر الله وما احتمل من الأمانة. وقال الكلبي : ظلوما حين عصى ربه ، جهولا لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة. وقال مقاتل : ظلوما لنفسه جهولا بعاقبة ما تحمّل. وذكر الزجاج وغيره من أهل المعاني في قوله وحملها الإنسان قولان ، فقالوا : إن الله ائتمن آدم وأولاده على شيء وائتمن السموات والأرض والجبال على شيء ، فالأمانة في حق بني آدم ما ذكرنا من الطاعة والقيام بالفرائض ، والأمانة في حق السموات والأرض والجبال هي الخضوع والطاعة لما خلقن له. وقيل : قوله : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها) ، أي أدين الأمانة ، يقال : فلان لم يحتمل الأمانة أي لم يخن فيها وحملها الإنسان أي خان فيها ، يقال : فلان حمل الأمانة أي أثم فيها بالخيانة. قال الله تعالى : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) [العنكبوت : ١٣] ، إنه كان ظلوما جهولا ، حكي عن الحسن على هذا التأويل : أنه قال : وحملها الإنسان يعني الكافر والمنافق ، حملا الأمانة أي خانا.

وقول السلف ما ذكرنا.

(لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣))

قوله عزوجل : (لِيُعَذِّبَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ) قال مقاتل ليعذبهم بما خانوا الأمانة ونقضوا الميثاق ، (وَيَتُوبَ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) ، يهديهم ويرحمهم بما أدّوا من الأمانة. وقال ابن قتيبة أي عرضنا الأمانة ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله ، ويظهر إيمان المؤمن فيتوب الله عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات.

__________________

(١) في المطبوع «فيلحقن».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «وغلاقا».

(٤) في المطبوع «غشيت».

(٥) زيادة عن المخطوط.

٦٦٩

تفسير سورة سبأ

مكية [وهي أربع وخمسون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١) يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ (٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، ملكا وخلقا ، (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ) ، كما هو له في الدنيا ، لأن النعم في الدارين كلها منه ، وقيل الحمد لله في الآخرة هو حمد أهل الجنة كما قال الله تعالى : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) [فاطر : ٣٤] ، و (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) [الزمر : ٧٤]. (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ).

(يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) ، أي يدخل فيها من الماء والأموات ، (وَما يَخْرُجُ مِنْها) ، من النبات والأموات إذا حشروا ، (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) ، من الأمطار ، (وَما يَعْرُجُ) ، يصعد ، (فِيها) ، من الملائكة وأعمال العباد ، (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ).

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ) ، الساعة ، (عالِمِ الْغَيْبِ) ، قرأ أهل المدينة والشام : «عالم» بالرفع على الاستئناف ، وقرأ الآخرون بالجر على نعت الرب ، أي وربّي عالم الغيب ، وقرأ حمزة والكسائي : «علام» على وزن فعال ، وجر الميم ، (لا يَعْزُبُ) ، لا يغيب ، (عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) ، أي من الذرة ، (وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ).

(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ) ، يعني الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) ، حسن يعني في الجنة.

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (٥) وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٦) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا

__________________

(١) زيد في المطبوع وحده.

٦٧٠

مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))

(وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا) ، في إبطال أدلتنا ، (مُعاجِزِينَ) ، يحسبون أنهم يفوتوننا ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) ، قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب : «أليم» بالرفع هاهنا وفي الجاثية [١١] على نعت العذاب ، وقرأ الآخرون بالخفض على نعت الرجز ، وقال قتادة الرجز سوء العذاب.

(وَيَرَى الَّذِينَ) ، أي وليرى (١) الذين ، (أُوتُوا الْعِلْمَ) ، يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال قتادة : هم أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) ، يعني القرآن ، (هُوَ الْحَقَ) ، يعني أنه من عند الله ، (وَيَهْدِي) ، يعني القرآن ، (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) ، وهو الإسلام.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، منكرين للبعث متعجبين منه ، (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ) ، أي يخبركم يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ، قطّعتم كل تقطيع وفرّقتم كل تفريق وصرتم ترابا (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، يقول لكم إنكم لفي خلق جديد.

(أَفْتَرى) ، ألف استفهام دخلت على ألف الوصل ولذلك نصبت ، (عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) ، يقولون أزعم كذبا أم به جنون ، قال الله تعالى ردا عليهم : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) ، من الحق في الدنيا.

قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها وأنا القادر عليهم ، (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ) ، قرأ الكسائي «نخسف بهم» بإدغام الفاء في الباء ، (أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) ، قرأ حمزة والكسائي : «إن يشأ يخسف أو يسقط» ، بالياء فيهن لذكر الله من قبل ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن (إِنَّ فِي ذلِكَ) ، أي فيما ترون من السماء والأرض ، (لَآيَةً) ، تدل على قدرتنا على البعث ، (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ، تائب راجع إلى الله بقلبه.

(وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢))

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) ، يعني النبوة والكتاب ، وقيل : الملك. وقيل : جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به ، (يا جِبالُ) ، أي وقلنا يا جبال ، (أَوِّبِي) ، أي سبحي ، (مَعَهُ) ، إذا سبح [وقيل هو تفعيل من الإياب الرجوع ، أي ارجعي معه](٢) ، وقال القتيبي : أصله من التأويب في السير وهو أن يسير النهر كله فينزل ليلا [كأنه قال أوبي النهار

__________________

(١) في المطبوع «ويرى».

(٢) سقط من المطبوع.

٦٧١

كله](١) بالتسبيح معه. وقال وهب : نوحي معه ، (وَالطَّيْرَ) ، عطف على موضع الجبال ، لأن كلّ منادى في موضع النصب. وقيل : معناه وسخرنا وأمرنا الطير أن تسبح معه. وقرأ يعقوب : «والطير» بالرفع ردّا على الجبال أي أوّبي أنت والطير. وكان داود إذا نادى بالنياحة (٢) أجابته الجبال بصداها ، وعكفت الطير عليه من فوقه ، فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك. وقيل : كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح. وقيل : كان داود عليه‌السلام إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطا له. (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ، حتى كان الحديد في يده كالشمع والعجين يعمل فيه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة.

وكان سبب ذلك على ما روي في الإخبار أن داود عليه‌السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرا فإذا رأى رجلا لا يعرفه يقدم إليه ويسأله عن داود فيقول له : ما تقول في داود وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ، ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا في صورة آدمي فلما رآه داود تقدم إليه على عادته فسأله ، فقال الملك : نعم الرجل هو لو لا خصلة فيه ، فراع داود ذلك وقال : ما هي يا عبد الله؟ قال : إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال ، قال فتنبه لذلك وسأل الله أن يسبب له سببا يستغني به عن بيت المال ، فيتقوت منه ويطعم عياله ، فألان الله تعالى له الحديد وعلمه صنعة الدروع ، وإنه أول من اتخذها. ويقال : إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم ، فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين. ويقال إنه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم ، فينفق ألفين منها على نفسه وعياله ، ويتصدق بأربعة آلاف على فقراء بني إسرائيل.

[١٧٥٧] قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كان داود عليه‌السلام لا يأكل إلّا من عمل يده».

(أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) ، دروعا كوامل واسعات طوالا تسحب في الأرض ، (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) ، والسرد نسج الدروع ، يقال لصانعه : السراد والزراد ، يقول : قدر المسامير في حلق الدرع أي لا تجعل المسامير دقاقا فتفلت ولا غلاظا فتكسر الحلق ، ويقال السرد (٣) المسمار في الحلقة ، يقال : درع مسرودة أي مسمورة الحلق ، وقدر في السرد اجعله على القصد وقدر الحاجة ، (وَاعْمَلُوا صالِحاً) ، يريد داود وآله ، (إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ) ، أي وسخرنا لسليمان الريح ، وقرأ أبو بكر عن عاصم «الريح» بالرفع أي [له تسخيرا](٤) الريح ، (غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ) ، أي سير غدوّ تلك الريح المسخرة له مسيرة شهر وسير رواحها مسيرة شهر ، وكانت تسير به في يوم واحد مسيرة شهرين. قال الحسن : كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر و [كان](٥) بينهما مسيرة شهر ، ثم يروح من إصطخر فيبيت بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع. وقيل : إنه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند ، (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) ، أي أذبنا له عين النحاس ، والقطر النحاس.

__________________

[١٧٥٧] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ٢٦٧.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع و ـ ط «بالناحية» والمثبت عن المخطوطتين.

(٣) تصحف في المطبوع «السر».

(٤) في المطبوع «سخر له» وهو خطأ.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٦٧٢

قال أهل التفسير : أجريت له عين النحاس ثلاثة أيام بلياليهن كجري الماء ، وكان بأرض اليمن ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان ، (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) ، بأمر ربه قال ابن عباس سخر الله الجن لسليمان وأمرهم بطاعته فيما يأمرهم به ، (وَمَنْ يَزِغْ) ، أي يعدل ، (مِنْهُمْ) ، من الجن ، (عَنْ أَمْرِنا) ، الذي أمرنا به من طاعة سليمان ، (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) ، في الآخرة ، وقال بعضهم : في الدنيا وذلك أن الله عزوجل وكلّ بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ منهم عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته.

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ (١٣) فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ (١٤))

(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) ، أي مساجد وأبنية مرتفعة وكان مما عملوا [له](١) بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل ، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده ، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس ، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستصلحه (٢) لهم ، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والميها (٣) الأبيض من معادنه ، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعلها اثني عشر ربضا وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط ، وكانوا اثني عشر سبطا ، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه (٤) الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر ، وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها ، وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنه ، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عزوجل ، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اليواقيت واللآلئ ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المينا الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللئالئ واليواقيت وسائر الجواهر ، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد ، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر ، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله عزوجل ، وأن كل شيء فيه خالص لله ، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا.

[١٧٥٨] وروى عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما فرغ سليمان من بناء بيت

__________________

[١٧٥٨] ـ صحيح ، أخرجه أحمد ٢ / ١٧٦ والحاكم ١ / ٣٠ ـ ٣١ و ٢ / ٤٢٤ وابن حبان ١٦٣٣ من طرق عن الأوزاعي عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو بن العاص به.

ـ وإسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم غير ابن الديلمي ، وهو ثقة.

ـ وأخرجه النسائي ٢ / ٣٤ من طريق ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن ابن الديلمي عن ابن عمرو به.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١٤٠٨ من طريق أيوب بن سويد ، عن أبي زرعة عن ابن الديلمي عن ابن عمرو به.

(١) في المطبوع «في».

(٢) في المخطوط «يستخلصه».

(٣) في المخطوط ـ ب ـ «المهاء».

(٤) تصحف في المطبوع «فوجد».

٦٧٣

المقدس سأل ربه ثلاثا فأعطاه اثنين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأله حكما يصادف حكمه ، فأعطاه إيّاه ، وسأله ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فأعطاه إيّاه وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك».

قالوا : فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق ، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخر. قوله : (وَتَماثِيلَ) أي كانوا يعملون له تماثيل أي صورا من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام. وقيل : كانوا يصورون السباع والطيور. وقيل : كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد (١) ليراها الناس فيزدادوا عبادة ، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم ، كما أن عيسى كان يتخذ صورا من الطين فينفخ فيها فتكون طيرا بإذن الله. (وَجِفانٍ) ، أي قصاع واحدتها جفنة ، (كَالْجَوابِ) ، كالحياض التي يجبى فيها الماء أي يجمع واحدتها جابية ، يقال : كان يقعد (٢) على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون [منها (وَقُدُورٍ راسِياتٍ)](٣) ثابتات لها قوائم لا تحركن عن أماكنهن (٤) لعظمهن ولا ينزلن ولا يقلعن (٥) ، وكان يصعد عليها بالسلام ، وكانت باليمن ، (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) ، أي وقلنا اعملوا آل داود شكرا ، مجازه : اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكرا له على نعمه ، (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) ، أي العالم بطاعتي شكرا لنعمتي قيل : المراد من آل داود هو داود نفسه. وقيل : داود وسليمان وأهل بيته. وقال جعفر بن سليمان : سمعت ثابتا يقول : كان داود النبي عليه‌السلام قد جزّأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.

(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ) ، أي على سليمان ، قال أهل العلم : كان سليمان عليه‌السلام يتجرد في بيت المقدس السنة والسنتين ، والشهر والشهرين ، وأقل من ذلك وأكثر يدخل فيه طعامه وشرابه ، فأدخله (٦) في المرة التي مات فيها وكان بدء ذلك أنه كان لا يصبح يوما إلا نبتت في محراب بيت المقدس شجرة ، فيسألها : ما اسمك؟ فتقول : اسمي كذا ، فيقول لأي شيء أنت؟ فتقول : لكذا وكذا ، فيأمر بها فتقلع ، فإن كانت نبتت لغرس غرسها وإن كانت لدواء تركت (٧) ، حتى نبتت الخروبة ، فقال لها : ما أنت؟ قالت : الخروبة ، قال : لأي شيء نبت؟ قالت : لخراب مسجدك ، فقال سليمان : ما كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ، فنزعها وغرسها في حائط له ، ثم قال : اللهم عمّ على الجن موتى حتى يعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب ، وكانت الجن تخبر الإنس أنهم

__________________

ـ وأيوب بن سويد ، ضعفه الأئمة.

(١) في المطبوع «المسجد».

(٢) في المطبوع «يعقد».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في المطبوع «أماكنها».

(٥) في المخطوط. «يطلن».

(٦) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع و ـ ط «فأدخل».

(٧) تصحف في المطبوع «كتب».

٦٧٤

يعملون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه وكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياته و [هم](١) ينظرون إليه يحسبون أنه حي ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك ، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان ، فخرّ ميتا فعلموا بموته.

قال ابن عباس : فشرك الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب (٢).

فذلك قوله : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) ، وهي الأرضة التي ، (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ، يعني عصاه ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو (٣) «منساته» بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز وهما لغتان ، ويسكن ابن عامر الهمز ، وأصلها من نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها ومنه نسأ الله في أجله أي أخره ، (فَلَمَّا خَرَّ) ، أي سقط على الأرض ، (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) ، أي علمت الجن وأيقنت ، (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) ، أي في التعب والشقاء مسخّرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيا ، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب ، لغلبة الجهل عليهم. وذكر الأزهري : أن معنى تبينت الجن ، أي ظهرت وانكشفت الجن للإنس ، أي ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون [الغيب](٤) لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك ، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس «تبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» أي علمت الإنس وأيقنت ذلك ، وقرأ يعقوب : «تبينت» بضم التاء [والباء](٥) وكسر الياء أي أعلمت الإنس الجن ، ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله ، وتبين لازم ومتعد ، وذكر أهل التاريخ أن سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ، ومدة ملكه أربعون سنة ، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشر سنة ، وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه.

(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦))

قوله عزوجل : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ).

[١٧٥٩] روى أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك القطيعي ، قال : قال رجل : يا رسول الله أخبرني

__________________

[١٧٥٩] ـ جيد ، أخرجه الترمذي ٣٢٢٢ والطبري ٢٨٧٨٢ و ٢٨٧٨٣ ٢٨٧٨٤ والحاكم ٢ / ٤٢٤ من حديث فروة بن مسيك.

ـ وحسنه الترمذي ، وسكت عليه الحاكم ، والذهبي.

ـ وورد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٣ وصححه ، ووافقه الذهبي.

ـ ومن حديث يزيد بن حصين أخرجه الطبراني ٢٢ / ٢٤٥.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٩٤ ـ ٩٥ رجاله رجال الصحيح ، غير على بن الحسن شيخ الطبراني لم أعرفه ا ه.

قلت : ترجمه الخطيب في «تاريخه» ١١ / ٣٧٦ فلم يذكر فيه جرحا ، فالحديث قوي بهذه الشواهد والطرق ، وقد حسنه ابن كثير ، وقوّاه في «تفسيره» ٣ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) هو بعض خبر مطول ، وهو من الإسرائيليات.

(٣) تصحف في المطبوع «عمر».

(٤) سقط من المطبوع.

(٥) سقط من المطبوع.

٦٧٥

عن سبأ كان رجلا أو امرأة أو أرضا؟ قال : «كان رجلا من العرب و [ولد](١) له عشرة من الولد تيامن منهم ستة وتشاءم أربعة فأما الذين تيامنوا فكندة والأشعريون ، والأرض ومذحج وأنمار وحمير ، فقال رجل : وما أنمار؟ [فقال الذين منهم خثعم وأما](٢) الذين تشاءموا فعاملة وجذام ولخم وغسان ، وسبأ هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان». (فِي مَسْكَنِهِمْ) ، قرأ حمزة وحفص «مسكنهم» بفتح الكاف على الواحد وقرأ الكسائي بكسر الكاف وقرأ الآخرون «مساكنهم» على الجمع وكانت مساكنهم بمأرب من اليمن ، (آيَةٌ) ، دلالة على وحدانيتنا وقدرتنا ، ثم فسر الآية فقال : (جَنَّتانِ) ، أي هي جنتان بستانان ، (عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) ، أي عن يمين الوادي وشماله. وقيل عن يمين من أتاهما وشماله ، وكان لهم واد قد أحاطت الجنتان بذلك الوادي (كُلُوا) ، أي فيل لهم كلوا ، (مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ) ، يعني من ثمار الجنتين ، قال السديّ ومقاتل : كانت المرأة تحمل مكتلها على رأسها وتمر بالجنتين فيمتلئ مكتلها من أنواع الفواكه من غير أن تمس شيئا بيدها ، (وَاشْكُرُوا لَهُ) ، أي على ما رزقكم من النعمة والمعنى اعملوا بطاعته ، (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) ، أي أرض سبأ بلدة طيبة ليست بسبخة ، قال ابن زيد لم يكن يرى في بلدتهم بعوضة ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية ، وكان الرجل يمرّ ببلدتهم وفي ثيابه القمل فيموت القمل كله من طيب الهواء ، فذلك قوله تعالى : (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) ، أي طيبة الهواء ، (وَرَبٌّ غَفُورٌ) ، قال مقاتل : وربّكم إن شكرتموه فيما رزقكم ربّ غفور للذنوب.

(فَأَعْرَضُوا). قال وهب : أرسل الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فدعوهم إلى الله وذكروهم نعمه عليهم وأنذروهم عقابه فكذبوهم ، وقالوا : ما نعرف لله عزوجل علينا نعمة فقولوا لربكم فليحبس هذه النعم عنّا إن استطاع ، فذلك قوله تعالى : (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) ، والعرم جمع عرمة وهي السكر الذي يحبس به الماء ، وقال ابن الأعرابي : العرم السيل الذي لا يطاق.

وقيل : كان ماء أحمر أرسله الله عليهم من حيث شاء.

وقيل العرم : الوادي وأصله من العرامة وهي الشدة والقوة ، وقال ابن عباس ووهب وغيرهما : كان ذلك السدّ بنته بلقيس ، وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فأمرت بواديهم فسدّ بالعرم وهو المسنأة بلغة حمير ، فسدت بين الجبلين بالصخر والقار وجعلت له أبوابا ثلاثة بعضها فوق بعض ، وبنت من دونه بركة ضخمة وجعلت فيها اثني عشر مخرجا على عدة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء ، وإذا استغنوا سدوها ، فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن ، فاحتبس السيل من وراء السدّ فأمرت بالباب الأعلى ففتح فجرى ماؤه في البركة ، فكانوا يسقون من الباب الأعلى ثم من الثاني ثم من الباب (٣) الأسفل فلا ينفد الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك ، فبقوا على ذلك بعدها مدة فلما طغوا وكفروا سلط الله عليهم جرذا يسمى الخلد فنقب السد من أسفله فغرق الماء جناتهم وخرب أرضهم.

قال وهب : وكان مما يزعمون ويجدون في علمهم وكهانتهم : أنه يخرب سدهم فأرة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطوا عندها هرة فلما جاء زمانه وما أراد الله عزوجل بهم من التغريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء كبيرة إلى هرة من تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت منها الهرة فدخلت في الفرجة

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) العبارة في المطبوع «فقال».

(٣) في المطبوع «الثالث».

٦٧٦

التي كانت عندها فتغلغلت في السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل ، وهم لا يدرون بذلك فلما جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد ، وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل ، فتفرقوا (١) وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب ، يقولون صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ أي تفرقوا وتبددوا ، فذلك قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) ، (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ).

قرأ العامة بالتنوين ، وقرأ أهل البصرة : «أكل خمط» بالإضافة ، الأكل الثمر ، والخمط الأراك وثمره يقال له البرير ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال المبرد والزجاج : كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله هو خمط.

وقال ابن الأعرابي : الخمط ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع ، على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به ، فمن جعل الخمط اسما للمأكول فالتنوين في أكل حسن ، ومن جعله أصلا وجعل الأكل ثمرة فالإضافة فيه ظاهرة ، والتنوين (٢) سائغ تقول العرب : في بستان فلان أعناب كرم [وأعناب كرم](٣) ، يترجم عن الأعناب بالكرم لأنها منه ، (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) ، فالأثل هو الطرفاء ، وقيل : هو شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه ، والسدر [شجر معروف وهو](٤) شجر النبق ينتفع بورقه لغسل اليد ويغرس في البساتين ، ولم يكن هذا من ذلك ، بل كان سدرا بريا لا ينتفع به ولا يصلح ورقه لشيء ، قال قتادة : كان شجر القوم من خير الشجر فصيّره الله من شر الشجر بأعمالهم.

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠))

(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) ، أي ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم ، (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب «وهل نجزي» بالنون وكسر الزاي ، (الْكَفُورَ) نصب لقوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي ، «الكفور» رفع أي وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلّا الكفور ، وقال مجاهد : يجازي أي يعاقب. ويقال في العقوبة : يجازي ، وفي المثوبة يجزي (٥) ، قال مقاتل : هل يكافأ بعمله السّيّئ إلا الكفور لله في نعمه. قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى أي يجزى للثواب بعمله ولا يكافأ بسيّئاته.

(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر هي قرى الشام ، قرى ظاهرة ، متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها ، وكان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام.

__________________

(١) في المخطوط «ففرقوا».

(٢) في المخطوط ـ ب ـ «فالتنويع».

(٣) سقط من المطبوع و ـ ط ـ.

(٤) سقط من المطبوع.

(٥) زيد في المطبوع و ـ أ ـ و ـ ط ، وفي المخطوط «يكافئ».

٦٧٧

وقيل : كانت قراهم أربعة آلاف وسبعمائة قرية متصلة من سبأ إلى الشام ، (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) ، أي قدرنا سيرهم بين هذه القرى فكان مسيرهم في الغدو والرواح على قدر نصف يوم ، فإذا ساروا نصف يوم وصلوا إلى قرية ذات مياه وأشجار.

وقال قتادة : كانت امرأة تخرج ومعها مغزلها وعلى رأسها مكتلها فتمتهن بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من الثمار ، وكان ما بين اليمن والشام كذلك ، (سِيرُوا فِيها) ، أي وقلنا لهم سيروا فيها ، وقيل : هو أمر بمعنى الخبر أي مكناهم من السير فكانوا يسيرون فيها ، (لَيالِيَ وَأَيَّاماً) ، أي بالليالي والأيام أيّ وقت شئتم ، (آمِنِينَ) ، لا تخافون عدوا ولا جوعا ، ولا عطشا ، فبطروا وطغوا ولم يصبروا (١) على العافية ، وقالوا : لو كانت جناتنا أبعد مما هي كان أجدر أن تشتهيه.

(فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا) ، فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل ونتزوّد الأزواد ، فعجل الله لهم الإجابة. وقال مجاهد : بطروا النعمة وسئموا الراحة ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو بعد التشديد من التبعيد وقرأ الآخرون (باعد) بالألف وكل على وجه الدعاء والسؤال ، وقرأ يعقوب : «ربنا» برفع الباء ، «باعد» بفتح العين والدال على الخبر كأنهم استبعدوا (٢) أسفارهم القريبة وبطروا وأشروا ، (وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) ، بالبطر والطغيان. قوله تعالى : (فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ) ، عبرة لمن بعدهم يتحدثون بأمرهم وشأنهم ، (وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) ، فرقناهم في كل وجه من البلاد كل التفريق. قال الشعبي : لما غرقت قراهم تفرقوا في البلاد ، أما غسان فلحقوا بالشام ومرّ الأزد إلى عمان ، وخزاعة إلى تهامة ، ومرّ آل خزيمة إلى العراق ، والأوس والخزرج إلى يثرب ، وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر وهو جدّ الأوس والخزرج. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) ، لعبرا ودلالات ، (لِكُلِّ صَبَّارٍ) ، عن معاصي الله ، (شَكُورٍ) ، لأنعمه ، قال مقاتل : يعني المؤمن من هذه الأمة صبور على البلاء شاكر للنعماء. قال مطرف : هو المؤمن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) ، قرأ أهل الكوفة : «صدق» بالتشديد أي ظن فيهم ظنا حيث قال : (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص : ٨٢] (وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ) [الأعراف : ١٧] فصدق ظنه وحققه (٣) بفعله ذلك بهم واتباعهم إياه.

وقرأ الآخرون بالتخفيف أي صدق عليهم في ظنه بهم أي على أهل سبأ. وقال مجاهد : على الناس كلهم إلا من أطاع الله ، (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، قال السدي عن ابن عباس : يعني المؤمنين كلهم لأن المؤمنين لم يتبعوه في أصل الدين ، وقد قال الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢] ، يعني المؤمنين. وقيل : هو خاص بالمؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه.

قال ابن قتيبة : إن إبليس لما سأل النظرة فأنظره الله ، قال لأغوينّهم أجمعين ولأضلنّهم ، لم يكن مستيقنا وقت هذه المقالة أن ما قاله فيهم يتم وإنما قاله ظنا فيهم ، فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه [فيهم](٤). قال الحسن : إنه لم يسلّ عليهم سيفا ولا ضربهم بسوط وإنما وعدهم ومناهم فاغتروا.

__________________

(١) في المطبوع «يصيروا».

(٢) في المخطوط ـ ب ـ «استغربوا».

(٣) في المطبوع «حقه».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٦٧٨

(وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٢١) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ وَما لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢))

قال الله تعالى : (وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ) ، أي ما كان تسليطنا إياه عليهم ، (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍ) ، أي إلا لنعلمه أي لنرى ونميز المؤمن من الكافر ، وأراد علم الوقوع والظهور ، وقد كان معلوما عنده بالغيب. (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) ، رقيب.

(قُلِ) ، يا محمد لكفار مكة ، (ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ) ، أنهم آلهة ، (مِنْ دُونِ اللهِ) ، وفي الآية حذف أي ادعوهم ليكشفوا الضرّ الذي نزل بكم في سني الجوع ، ثم وصفها فقال : (لا يَمْلِكُونَ مِثْقالَ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) ، من خير وشر ونفع وضر (وَما لَهُمْ) ، يعني الآلهة ، (فِيهِما) ، في السموات والأرض ، (مِنْ شِرْكٍ) ، من شركة ، (وَما لَهُ) ، أي وما لله ، (مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) ، عون.

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٢٣) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (٢٦) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ كَلاَّ بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٨))

(وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ، الله في الشفاعة ، قاله تكذيبا لهم حيث قالوا : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، ويجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله له أن يشفع له ، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي : «أذن» بضم الهمزة ، (حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ) ، قرأ ابن عامر ويعقوب بفتح الفاء والزاي [وقرأ الآخرون بضم الفاء وكسر الزاي](١) أي كشف الفزع وأخرجه عن قلوبهم ، فالتفزيع إزالة الفزع كالتمريض والتفريد ، واختلفوا في الموصوفين بهذه الصفة ، فقال قوم : هم الملائكة ، ثم اختلفوا في ذلك السبب فقال بعضهم : إنما يفزع عن قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله عزوجل.

[١٧٦٠] وروينا عن أبي هريرة أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم : (قالُوا ما ذا قالَ رَبُّكُمْ قالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)».

[١٧٦١] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي قال أنبأني محمد بن الفضل بن محمد أنا أبو

__________________

[١٧٦٠] ـ تقدم في سورة الحجر عن آية : ١٨.

[١٧٦١] ـ حسن صحيح بشواهده.

ـ إسناده ضعيف ، وفيه عنعنة الوليد بن مسلم وهو مدلس ، ونعيم بن حماد ، صدوق لكنه سيئ الحفظ ، لذا ضعفه غير

(١) سقط من المطبوع.

٦٧٩

بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة أنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري أنا نعيم بن حماد أنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن ابن أبي زكريا عن رجاء بن حيوة عن النواس بن سمعان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا أراد الله أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة أو قال رعدة شديدة خوفا من الله تعالى ، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدا فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد ، ثم يمرّ جبريل على الملائكة كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها ما ذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل : قال الحق وهو العلي الكبير ، قال فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل بالوحي حيث أمره الله».

وقال بعضهم : إنما يفزعون حذرا من قيام الساعة.

قال مقاتل والكلبي والسدي : كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما‌السلام ، خمسمائة وخمسين سنة وقيل ستمائة سنة لم تسمع الملائكة فيها وحيا فلما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّم جبريل عليه‌السلام بالرسالة إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة لأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند أهل السموات بعثته من أشراط الساعة فصعقوا مما سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبريل جعل يمرّ بأهل كل سماء فيكشف عنهم فيرفعون رءوسهم ويقول بعضهم لبعض ما ذا قال ربكم قالوا : قال الحق يعني الوحي وهو العلي الكبير.

وقال جماعة : الموصوفون بذلك المشركون. وقال الحسن وابن زيد : حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين عند نزول الموت بهم إقامة للحجة عليهم قالت لهم الملائكة ما ذا قال ربكم في الدنيا قالوا الحق فأقروا به حين لا ينفعهم الإقرار.

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، فالرزق من السموات المطر ومن الأرض النبات ، (قُلِ اللهُ) ، أي إن لم يقولوا رازقنا الله فقل أنت إن رازقكم هو الله ، (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، ليس هذا على طريق الشك ولكن على جهة الإنصاف في الحجاج كما يقول القائل للآخر أحدنا كاذب وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب ، والمعنى ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد

__________________

واحد وزكريا الوقار ضعيف لكن توبع.

ـ لكن للحديث شواهد.

ـ وهو في «التوحيد» لابن خزيمة ص ١٤٤ عن زكريا بن أبان المصري بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٢٨٨٤٩ عن زكريا بن أبان المصري به.

ـ وأخرجه محمد بن نصر المهروزي في «تعظيم قدر الصلاة» ١ / ٢٣٦ وابن أبي عاصم في «السنة» ٥١٥ والآجري في «الشريعة» ٦٧٩ وأبو الشيخ في «العظمة» ١٦٥ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٥ من طرق عن نعيم بن حماد به.

ـ وأخرجه أبو الشيخ ١٦٤ من طريق عمرو بن مالك الراسبي عن الوليد بن مسلم قال : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به.

ـ وإسناده ضعيف لضعف عمرو بن مالك.

وللحديث شواهد منها :

ـ حديث أبي هريرة ، وتقدم في سورة الحجر عند آية : ١٨.

ـ وحديث ابن مسعود أخرجه أبو داود ٤٧٣٨ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٤٥ وابن حبان ٣٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٤ ، ورجاله ثقات معروفون.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن صحيح بشواهده.

٦٨٠