تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

[١٥٧٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص بن غياث أنا أبي أنا الأعمش [حدثنا مسلم](٢) عن مسروق قال : قال عبد الله : خمس قد مضيق الدخان والقمر والروم والبطشة واللزام ، وقيل : الزام عذاب القبر (٣).

تفسير سورة الشعراء

مكية إلا أربع آيات من آخر السورة

من قوله : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٢٢٤) [٢٢٤ ـ ٢٢٧]

[وهي مائتان وسبع وعشرون آية](٤)

[١٥٧٦] وروينا عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أعطيت طه والطواسين من ألواح موسى عليه الصلاة والسلام».

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢))

(طسم) (١) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر طسم و (طس) [النمل : ١] و (حم) (١) [غافر : ١] و (يس) (١) [يس : ١] بكسر الطاء والياء والحاء ، وقرأ أهل المدينة بين الفتح والكسر ، وقرأ الآخرون بالفتح على التفخيم ، وأظهر النون من السين عند الميم في طسم أبو جعفر وحمزة ، وأخفاها الآخرون.

وروي عن عكرمة عن ابن عباس قال : طسم عجزت العلماء عن تفسيرها.

وروى علي بن طلحة الوالبي عن ابن عباس : أنه قسم وهو من أسماء الله تعالى : وقال قتادة : اسم

__________________

[١٥٧٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ الأعمش هو سليمان بن مهران ، مسلم هو أبو الضحى واسمه صبيح ، مسروق هو ابن الأجدع ، عبد الله هو ابن مسعود.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٦٧ عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٢٥ من طريق وكيع عن الأعمش به.

ـ وسيأتي في سورة الدخان.

[١٥٧٦] ـ تقدم أول تفسير سورة طه برقم ١٤١٢ ، وهو ضعيف.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) في المطبوع «الآخرة».

(٤) زيد في المطبوع.

٤٦١

من أسماء القرآن. وقال مجاهد : اسم للسورة. قال محمد بن كعب القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه.

(تِلْكَ) ، أي هذه (آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ).

(لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨))

(لَعَلَّكَ باخِعٌ) ، قاتل ، (نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [أي](١) إن لم يؤمنوا وذلك حين كذب أهل مكة فشق عليه وكان يحرص على إيمانهم ، فأنزل الله هذه الآية.

(إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) (٤) ، قال قتادة : لو شاء الله لأنزل عليهم آية يذلون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله. وقال ابن جريج : معناه لو شاء الله لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بعده معصية. وقوله عزوجل : (خاضِعِينَ) ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ، وفيه أقاويل أحدها أراد أصحاب الأعناق فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم ، لأن الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون ، جعل الفعل أولا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال. وقال الأخفش : ردّ الخضوع على المضمر الذي أضاف الأعناق إليه. وقال قوم : ذكر الصفة لمجاورتها المذكر ، وهو قوله : على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه إلى مذكر ، وتأنيث المذكر إذا أضافوه إلى مؤنث. وقيل : أراد فظلوا خاضعين فعبر (٢) بالعنق عن جميع البدن ، كقوله (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠] و (أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء : ١٣]. وقال مجاهد : أراد بالأعناق الرؤساء والكبراء ، أي : فظلت [رؤساؤهم](٣) كبراؤهم [لها] خاضعين. وقيل : أراد بالأعناق الجماعات ، يقال : جاء القوى عنقا عنقا أي جماعات وطوائف. وقيل : إنما قال خاضعين على وفاق رءوس الآي ليكون على نسق واحد.

(وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) ، وعظ وتذكير ، (مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ) ، أي محدث إنزاله ، فهو محدث في التنزيل. قال الكلبي : كلما نزل شيء من القرآن بعد شيء فهو أحدث من الأول ، (إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) ، أي عن الإيمان به.

(فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ) ، أي : فسوف يأتيهم ، أنبأ ، أخبار وعواقب ، (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ). (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) ، صنف وضرب ، (كَرِيمٍ) ، حسن من النبات مما يأكل الناس والأنعام ، يقال : نخلة كريمة إذا طاب حملها ، وناقة كريمة إذا كثر لبنها. قال الشعبي : الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ، ومن دخل النار فهو لئيم.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (لَآيَةً) ، دلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي ، (وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) ، مصدقين أي سبق علمي فيهم أن أكثرهم لا يؤمنون. وقال سيبويه : كان هاهنا صلة مجازه : وما أكثرهم مؤمنين.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «فعبروا».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٤٦٢

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤) قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧))

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) ، العزيز بالنقمة من أعدائه ، (الرَّحِيمُ) ، ذو الرحمة بأوليائه.

قوله عزوجل : (وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى) ، واذكر يا محمد إذ نادى ربك موسى حين رأى الشجرة والنار ، (أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية ، وظلموا بني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب.

(قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ) (١١) ، ألا يصرفون عن أنفسهم عقوبة الله بطاعته.

(قالَ) ، يعني موسى ، (رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ).

(وَيَضِيقُ صَدْرِي) بتكذيبهم إيّاي ، (وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي) ، قال : هذا للعقدة التي كانت على لسانه ، قرأ يعقوب «ويضيق» ، «ولا ينطلق» بنصب القافين على معنى وأن يضيق ، وقرأ العامة برفعهما ردا على قوله : (إِنِّي أَخافُ) ، (فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ) ، ليوازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة.

(وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ) ، أي دعوى ذنب (١) ، وهو قتل (٢) القبطي ، (فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) ، أي يقتلونني به.

(قالَ) ، الله تعالى ، (كَلَّا) ، أي لن يقتلوك ، (فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) ، سامعون ما يقولون ، ذكر معكم بلفظ الجمع ، وهما اثنان أجراهما مجرى الجماعة. وقيل : أراد معكما ومع بني إسرائيل نسمع ما يجيبكم فرعون.

(فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٦) ، ولم يقل رسولا رب العالمين لأنه أراد بالرسالة أنا ذو رسالة رب العالمين ، كما قال كثير :

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم

بسرّ (٣) ولا أرسلتهم برسول

أي : برسالة ، وقال أبو عبيدة : يجوز أن يكون الرسول بمعنى الاثنين والجمع ، تقول العرب : هذا رسولي ووكيلي وهذان وهؤلاء رسولي ووكيلي ، كما قال الله تعالى : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ) [يس : ٦٠] [وقيل إنه أراد الرسل](٤) ، وقيل : معناه كل واحد منّا رسول رب العالمين.

(أَنْ أَرْسِلْ) ، أي بأن أرسل ، (مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ، أي إلى فلسطين ، ولا تستعبدهم ، وقيل (٥) استعبدهم فرعون أربعمائة سنة ، وكانوا في ذلك الوقت ستمائة ألف وثلاثين ألفا ، فانطلق موسى إلى مصر وهارون بها فأخبره بذلك.

__________________

(١) زيد في المطبوع «أي دعوى ذنب».

(٢) في المطبوع «قتله».

(٣) في المخطوط «بشرّ».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «وكان».

٤٦٣

وفي القصة أن موسى رجع إلى مصر وعليه جبة صوف وفي يده العصا والمكتل معلق في رأس العصا ، وفيه زاده فدخل دار نفسه وأخبر هارون بأن الله أرسلني إلى فرعون وأرسلني إليك حتى تدعو فرعون إلى الله ، فخرجت أمهما وصاحت وقالت : إن فرعون يطلبك ليقتلك فلو ذهبتما إليه قتلكما فلم يمتنعا بقولها (١) ، وذهبا إلى باب فرعون ليلا ودق الباب ففزع البوابون وقالوا من بالباب؟ وروي أنه اطلع البواب عليهما فقال من أنتما؟ فقال موسى : أنا رسول رب العالمين ، فذهب البواب إلى فرعون وقال : إنّ مجنونا بالباب ، يزعم أنه رسول رب العالمين ، فنزل حتى أصبح ثم دعاهما.

وروي أنهما انطلقا جميعا إلى فرعون فلم يؤذن لهم سنة في الدخول عليه ، فدخل البواب وقال لفرعون هاهنا إنسان يزعم أنه رسول رب العالمين ، فقال فرعون : ائذن له لعلنا نضحك منه ، فدخلا عليه وأديا رسالة الله عزوجل فعرف فرعون موسى لأنه نشأ في بيته.

(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩) قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢))

(قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً) ، صبيا ، (وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ) ، وهو ثلاثون سنة.

(وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ) ، يعني قتل القبطي ، (وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) ، قال الحسن والسدي : يعني وأنت من الكافرين بإلهك ، ومعناه : على ديننا هذا الذي تعيبه. وقال أكثر المفسرين : معنى قوله وأنت من الكافرين يعني من الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي ، يقول ربيناك فينا فكافأتنا أن قتلت منّا نفسا وكفرت بنعمتنا. وهذه رواية العوفي عن ابن عباس [وقال](٢) إن فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية.

(قالَ) ، موسى ، (فَعَلْتُها إِذاً) ، أي فعلت ما فعلت حينئذ ، (وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) ، أي من الجاهلين [أي] لم يأتني (٣) من الله شيء. وقيل : من الجاهلين بأن ذلك يؤدي إلى قتله. وقيل : من الضالين عن طريق الصواب من غير تعمد. وقيل : من المخطئين.

(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ) ، إلى مدين ، (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً) ، يعني النبوة ، وقال مقاتل : يعني العلم والفهم ، (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ).

(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، اختلفوا في تأويلها فحملها بعضهم على الإقرار وبعضهم على الإنكار ، فمن قال هو إقرار قال عدها موسى نعمة منه عليه حيث رباه ، ولم يقتله كما قتل سائر غلمان بني إسرائيل ، ولم يستعبده كما استعبد بني إسرائيل ، مجازه : بلى وتلك نعمة لك عليّ أن عبّدت بني إسرائيل ، وتركتني فلم تستعبدني. ومن قال : هو إنكار قال قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ) وهو على طريق الاستفهام أي : أو تلك نعمة؟ حذف ألف الاستفهام ، كقوله : (فَهُمُ الْخالِدُونَ) [الأنبياء : ٣٤] قال الشاعر :

تروح من الحي ، أم تبتكر

وما ذا يضرك لو تنتظر

أي : تروح من الحي ، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة :

لم أنس يوم الرحيل وقفتها

وطرفها في دموعها غرق

__________________

(١) في المطبوع «لقولها».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «يأت».

٤٦٤

وقولها والركاب واقفة

تتركني هكذا وتنطلق

أي : أتتركني ، يقول تمنّ عليّ أن ربيتني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل بالاستبعاد والمعاملات القبيحة؟ أو يريد : كيف تمنّ عليّ بالتربية وقد استبعدت قومي ، ومن أهين قومه ذلّ ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ ، وقيل : معناه تمنّ علي بالتربية. وقوله : (أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي : باستعبادك بني إسرائيل وقتلك أولادهم ، دفعت إليك حتى ربيتني وكفلتني ولو لم تستعبدهم وتقتلهم كان لي من أهل من يربيني ولم يلقوني في اليم ، فأي نعمة لك عليّ؟ قوله (عَبَّدْتَ) أي اتخذتهم عبيدا ، يقال عبدت فلانا وأعبدته وتعبدته واستعبدته ، أي اتخذته عبدا.

(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤) قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣))

(قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) (٢٣) ، يقول : أي شيء رب العالمين الذي تزعم أنك رسوله إليّ يستوصفه إلهه الذي أرسله إليه مما هو [وهو](١) سؤال عن جنس الشيء ، والله منزّه عن الجنسية ، فأجابه موسى عليه‌السلام يذكر أفعاله التي يعجز [الخلق](٢) عن الإتيان بمثلها :

(قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٢٤) ، أنه خلقها (٣). قال أهل المعاني : أي كما توقنون هذه الأشياء التي تعاينونها فأيقنوا أن إله الخلق هو الله عزوجل ، فلما قال موسى ذلك تحير فرعون في جواب موسى.

(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) ، من أشراف قومه. قال ابن عباس : كانوا خمس مائة رجل عليهم الأسورة ، قال لهم فرعون استبعادا لقول موسى ، (أَلا تَسْتَمِعُونَ) ، وذلك أنهم كانوا يعتقدون أن آلهتهم ملوكهم ، فزادهم موسى في البيان.

(قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٢٦).

(قالَ) ، يعني فرعون ، (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) ، يتكلم بكلام لا نعقله ولا نعرف صحته ، وكان عندهم أن من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل ، فزاد موسى في البيان : (قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (٢٨).

(قالَ) ، فرعون حين لزمته الحجة وانقطع عن الجواب تكبرا عن الحق.

(لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) ، أي : المحبوسين ، قال الكلبي : كان سجنه أشد من القتل ، لأنه كان يأخذ الرجل فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا من عمقه ، يهوي [به](٤) في الأرض.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «إنه خلقهما».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٤٦٥

(قالَ) له موسى حين توعده بالسجن (أَوَلَوْ جِئْتُكَ) أي : وإن جئتك ، (بِشَيْءٍ مُبِينٍ) ، بآية مبينة ، ومعنى الآية أتفعل ذلك وإن أتيتك بحجة بينة ، وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون إلى الإنصاف والإجابة إلى الحق بعد البيان.

(قالَ) له فرعون ، (فَأْتِ بِهِ) ، فإنا لن نسجنك حينئذ ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ).

(فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) (٣٢) ، فقال [له](١) وهل [عندك من آية](٢) غيرها ، (وَنَزَعَ) ، موسى ، (يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ).

(قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ (٣٥) قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٣٨) وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ (٣٩) لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (٤٠) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (٤١))

(قالَ) فرعون. (لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ).

(يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ) (٣٥).

(قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٣٦).

(يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) (٣٧).

(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) (٣٨) ، وهو يوم الزينة. وروي عن ابن عباس قال : وافق ذلك اليوم يوم السبت في أول يوم من السنة [وكان يوم عيدهم](٣) وهو يوم النيروز.

(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) (٣٩) ، لتنظروا إلى ما يفعل الفريقان ولمن تكون الغلبة.

(لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) (٤٠) ، لموسى ، وقيل : إنما قالوا ذلك على طريق الاستهزاء ، وأرادوا بالسحرة موسى وهارون وقومهما.

(فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ) (٤١).

(قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٢) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ (٤٤) فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (٤٥) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (٤٦) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤٧) رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (٤٨) قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (٤٩) قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (٥٠))

(قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) (٤٢).

(قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ) (٤٣).

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٤٦٦

(فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ) (٤٤).

(فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) (٤٥).

(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) (٤٦) (قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٤٧).

(رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) (٤٨).

(قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٩).

(قالُوا لا ضَيْرَ) ، لا ضرر ، (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ).

(إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ (٥١) وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٥٢) فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (٥٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ (٥٥) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ (٥٦) فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٧) وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٥٨) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠) فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١))

(إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) ، من أهل زماننا.

(وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) (٥٢) ، يتبعكم فرعون وقومه ليحولوا بينكم وبين الخروج من مصر. وروي عن ابن جريج قال : أوحى الله تعالى إلى موسى أن اجمع بني إسرائيل كل أهل أربعة أبيات في بيت ثم اذبحوا أولاد الضأن فاضربوا بدمائها (١) على أبوابكم ، فإني سآمر الملائكة فلا يدخلوا بيتا على بابه دم ، وسآمرها فتقتل أبكار آل فرعون من أنفسهم وأموالهم ، ثم اختبزوا خبزا فطيرا فإنه أسرع لكم ثم أسر بعبادي حتى تنتهي إلى البحر ، فيأتيك أمري ففعل ذلك.

فلما أصبحوا قال فرعون هذا عمل موسى وقومه قتلوا أبكارنا من أنفسنا وأخذوا أموالنا فأرسل في أثره ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف (٢) ، وخرج فرعون في الكرسي العظيم.

(فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ) (٥٣) ، يحشرون الناس يعني الشرط ليجمعوا السحرة. وقيل : حتى يجمعوا له الجيش ، وذكر بعضهم : أنه كان له ألف مدينة واثنا عشر ألف قرية. وقال لهم :

(إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ) ، عصابة (قَلِيلُونَ)(٣) ، والشرذمة القطعة من الناس غير الكثير ، وجمعها شراذم. وقال أهل التفسير : كانت الشرذمة الذين قللهم فرعون ستمائة ألف (٤). وعن ابن مسعود قال : كانوا ستمائة وسبعين ألفا ولا يحصي عدد أصحاب فرعون [إلا الله](٥).

__________________

(١) في المخطوط «بدمائهم».

(٢) هذه أرقام خيالية من مجازفات الإسرائيليين.

(٣) زيد في المخطوط. ـ ب ـ «قيل».

(٤) هذه أرقام خيالية ، ولو كان مع رسول الله موسى مثل هذا العدد لما فرّ أمام فرعون.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٤٦٧

(وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) (٥٥) ، يقال غاظه وأغاظه وغيظه إذا أغضبه ، والغيظ والغضب واحد ، يقول :

أغضبونا بمخالفتهم ديننا وقتلهم أبكارنا وذهابهم بأموالنا التي استعاروها ، وخروجهم من أرضنا بغير إذن منّا.

(وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) (٥٦) ، قرأ أهل الحجاز والبصرة «حذرون» و «فرهين» [الشعراء : ١٤٩] بغير ألف وقرأ الآخرون «حاذرون» و «فارهين» بألف فيهما ، وهما لغتان. قال أهل التفسير : حاذرون ، أي مؤدون ومقوون ، أي : ذو أداة وقوة مستعدون شاكون في السلاح ، ومعنى حذرون أي خائفون شرهم. وقال الزجاج : الحاذر المستعد ، والحذر المستيقظ ، وقال الفراء : الحاذر الذي يحذرك الآن ، والحذر المخوف. وكذلك لا تلقاه إلّا حذرا. والحذر اجتناب الشيء خوفا منه.

(فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ) ، وفي القصة [أن](١) البساتين كانت ممتدة على حافتي النيل ، (وَعُيُونٍ) ، أنهار جارية.

(وَكُنُوزٍ) ، يعني الأموال الظاهرة من الذهب والفضة قال مجاهد سماها كنوزا لأنه لم يعط حق الله منها وما لم يعط حق الله منها فهو كنز وإن كان ظاهرا قيل كان لفرعون ثمانمائة ألف غلام كل غلام على فرس عتيق في عنق كل فرس طوق من ذهب ، (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) ، أي مجلس حسن.

قال المفسرون : أراد مجالس الأمراء والرؤساء التي كانت تحفها الأتباع. وقال مجاهد وسعيد بن جبير : هي المنابر. وذكر بعضهم : أنه كان إذا قعد [فرعون](٢) على سريره وضع بين يديه ثلاثمائة كرسي من ذهب يجلس عليها الأشراف عليهم الأقبية من الديباج مخوصة بالذهب.

(كَذلِكَ) [أي](٣) كما وصفنا ، (وَأَوْرَثْناها) ، بهلاكهم ، (بَنِي إِسْرائِيلَ) ، وذلك أن الله تعالى ردّ بني إسرائيل إلى مصر بعد ما أغرق فرعون وقومه فأعطاهم جميع ما كان لفرعون وقومه من الأموال والمساكن.

(فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) (٦٠) ، يعني لحقوهم في وقت إشراق الشمس ، وهو إضاءتها أي أدرك قوم فرعون موسى وأصحابه وقت شروق الشمس.

(فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ) ، يعني تقابلا بحيث يرى كل فريق صاحبه ، وكسر حمزة الراء من تراءى وفتحها الآخرون. (قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) ، يعني سيدركنا قوم فرعون ولا طاقة لنا بهم.

(قالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢) فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (٦٣) وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ (٦٤) وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (٦٥) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٦٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٦٧) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦٨) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ (٦٩) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ (٧٠))

(قالَ) ، موسى ثقة بوعد الله إيّاه (كَلَّا) لن يدركونا ، (إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) ، يدلني على طريق النجاة.

(فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ) ، يعني فضربه فانفلق فانشق ، (فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ) ، قطعة من الماء ، (كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) ، كالجبل الضخم ، قال ابن جريج وغيره : لما انتهى موسى إلى البحر

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٤٦٨

هاجت الريح والبحر يرمي بموج مثل الجبال ، فقال يوشع : يا مكلم الله أين أمرت فقد غشينا فرعون والبحر أمامنا؟ قال موسى : هاهنا فخاض يوشع الماء وجاز (١) البحر ما يواري حافر دابته الماء وقال الذي يكتم إيمانه يا مكلم الله أين أمرت؟ قال : هاهنا فكبح فرسه بلجامه حتى طار الزبد من شدقيه ، ثم أقحمه البحر فارتسب في الماء وذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا فجعل موسى لا يدري كيف يصنع. فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر فضربه فانفلق فإذا الرجل واقف على فرسه لم يبتل سرجه ولا لبده.

(وَأَزْلَفْنا) ، يعني وقربنا (ثَمَّ الْآخَرِينَ) ، يعني قوم فرعون يقول قدمناهم إلى البحر وقربناهم إلى الهلاك ، وقال أبو عبيدة : وأزلفنا : جمعنا ، ومنه ليلة المزدلفة أي ليلة الجمع. وفي القصة أن جبريل كان بين بني إسرائيل وبين قوم فرعون وكان يسوق بني إسرائيل ويقولون ما رأينا أحسن سياقة من هذا الرجل ، وكان يزع قوم فرعون ، وكانوا يقولون ما رأينا أحسن زعة (٢) من هذا.

(وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ) (٦٥).

(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٦٦) ، فرعون وقومه. وقال سعيد بن جبير : كان البحر ساكنا قبل ذلك فلما ضربه موسى بالعصا اضطرب فجعل يمد ويجزر (٣).

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) ، أي من أهل مصر ، قيل : لم يكن آمن من أهل مصر إلا آسية امرأة فرعون وحزقيل المؤمن [الذي يكتم إيمانه](٤) ، ومريم بنت مأمويا التي دلت على عظام يوسف عليه‌السلام.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (٩) ، العزيز في الانتقام من أدائه ، الرحيم بالمؤمنين حين أنجاهم [من عدوهم](٥).

قوله : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ).

(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ) (٧٠) ، أي : شيء تعبدون.

(قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ (٧١) قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (٧٦) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاَّ رَبَّ الْعالَمِينَ (٧٧) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١))

(قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ) (٧١) ، يعني نقيم على عبادتها. قال بعض أهل العلم : إنما قال : (فَنَظَلُ) لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار ، دون الليل ، يقال : ظل يفعل كذا إذا فعل بالنهار.

__________________

(١) في المخطوط «وجاوز».

(٢) في المطبوع «رعة».

(٣) تصحف في المخطوط «وخور».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٤٦٩

(قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ) ، أي هل يسمعون دعاءكم ، (إِذْ تَدْعُونَ) ، قال ابن عباس يسمعون لكم.

(أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ) ، قيل بالرزق ، (أَوْ يَضُرُّونَ) ، إن تركتم عبادتها.

(قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ) (٧٤) ، معناه إنها لا تسمع قولا ولا تجلب نفعا ولا تدفع ضرا لكن اقتدينا بآبائنا ، فيه إبطال التقليد في الدين.

(قالَ أَفَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٧٥) أَنْتُمْ وَآباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ) (٧٦) ، الأولون.

(فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي) ، يعني أعدائي ووحده على معنى أن كل معبود لكم عدو لي ، فإن قيل : كيف وصف الأصنام بالعداوة وهي جمادات؟ قيل : معناه فإنهم عدو لي لو عبدتهم يوم القيامة ، كما قال تعالى : (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨٢] ، وقال الفراء : هو من المقلوب أراد فإنهم عدو لهم (١) لأن من عاديته فقد عاداك. وقيل : فإنهم عدو لي على معنى إني لا أتوهم ولا أطلب من جهتهم نفعا كما لا يتولى العدو ولا يطلب من جهته النفع ، قوله : (إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) ، اختلفوا في هذا الاستثناء ، قيل : هو استثناء منقطع ، كأنه قال : فإنهم عدو لي لكن رب العالمين وليي [وناصري](٢). وقيل : إنهم كانوا يعبدون الأصنام مع الله ، فقال إبراهيم : كل من تعبدون أعدائي إلّا ربّ العالمين. وقيل : إنهم غير معبود لي إلّا رب العالمين ، فإني أعبده. وقال الحسين بن الفضل : معناه إلا من عبد (٣) رب العالمين ، ثم وصف معبوده فقال :

(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) ، أي يرشدني إلى طريق النجاة.

(وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ) (٧٩) ، أي يرزقني ويغذّيني بالطعام والشراب ، فهو رازقي ومن عنده رزقي.

(وَإِذا مَرِضْتُ) ، أضاف المرض إلى نفسه وإن كان المرض والشفاء كله من الله ، استعمالا لحسن الأدب كما قال الخضر : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها) [الكهف : ٧٩] ، وقال : (فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما) [الكهف : ٨٢]. (فَهُوَ يَشْفِينِ) ، أي يبرئني من المرض.

(وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (٨١) ، أدخل (ثُمَ) هاهنا للتراخي أي يميتني في الدنيا ويحييني في الآخرة.

(وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٨٣) وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (٨٧) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٩) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ (٩١))

(وَالَّذِي أَطْمَعُ) ، [أي](٤) أرجو ، (أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ، أي خطاياي يوم الحساب. قال

__________________

(١) في المخطوط «لي».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «عند».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٤٧٠

مجاهد : هو قوله إني سقيم ، وقوله : (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا) [الأنبياء : ٦٣] ، وقوله لسارة : هذه أختي ، وزاد الحسن وقوله للكواكب : (هذا رَبِّي) [الأنعام : ٧٧].

[١٥٧٧] وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا حفص بن غياث عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قال : قلت يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين فهل ذاك نافعه؟ قال : «لا ينفعه إنه لم يقل يوما ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدين» (١).

وهذا كله احتجاج من إبراهيم على قومه وإخبار أنه لا تصلح الإلهية إلا لمن يفعل هذه الأفعال.

(رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً) ، قال ابن عباس معرفة حدود الله وأحكامه. وقال مقاتل : الفهم والعلم. وقال الكلبي : النبوة ، (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) ، بمن قبلي من النبيين في المنزلة والدرجة.

(وَاجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (٨٤) ، أي ثناء حسنا وذكرا جميلا وقبولا عاما في الأمم التي تجيء بعدي ، فأعطاه الله ذلك فجعل كل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه [خيرا ويؤمنون به](٢). قال القتيبي : وضع اللسان موضع القول على الاستعارة لأن القول يكون به.

(وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ) (٨٥) ، أي ممن تعطيه جنة النعيم.

(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) (٨٦) ، قال هذا قبل أن يتبين له أنه عدو الله (٣) ، كما سبق ذكره في سورة التوبة.

(وَلا تُخْزِنِي) [أي](٤) لا تفضحني (يَوْمَ يُبْعَثُونَ).

(يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٩) ، أي خالص من الشرك والشك فأما الذنوب فليس يسلم منها أحد ، هذا قول أكثر المفسرين وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم هو الصحيح ، وهو قلب المؤمن لأن قلب الكافر والمنافق مريض. قال الله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [البقرة : ١٠] قال أبو (٥) عثمان النيسابوري : هو القلب الخالي من البدعة المطمئن على السنة.

(وَأُزْلِفَتِ) قربت (الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ وَبُرِّزَتِ) ، أظهرت ، (الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ) ، للكافرين.

__________________

[١٥٧٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، ومسلم.

ـ ابن أبي شيبة ، هو محمد بن عبد الله ، داود هو وابن أبي هند ، واسمه دينار ، الشعبي هو عامر بن شراحيل ، مسروق هو ابن الأجدع.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢١٤ عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

ـ وكذا أخرجه ابن حبان ٣٣١ من طريق أبي بكر بن أبي شيبة به.

ـ وأخرجه مسلم ٢١٤ وأحمد ٦ / ٩٣ وأبو عوانة ١ / ١٠٠ من طريق داود بن أبي هند به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٣٣٠ وأبو عوانة ١ / ١٠٠ من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير عن عائشة به.

(١) وهذا الحديث يعارض قول من قال إن العرب قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا أهل فترة ، وأهل الفترة ناجون؟!!.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «الله».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «ابن».

٤٧١

(وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (٩٥) قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ (٩٦) تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٩٧) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٩٨) وَما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ (٩٩) فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ (١٠٠) وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (١٠١) فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٢))

(وَقِيلَ لَهُمْ) ، يوم القيامة ، (أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ) ، يمنعونكم من العذاب ، (أَوْ يَنْتَصِرُونَ) لأنفسهم.

(فَكُبْكِبُوا فِيها) ، قال ابن عباس : جمعوا. وقال مجاهد : دهورا. وقال مقاتل : قذفوا. وقال الزجاج : طرح بعضهم على بعض. وقال القتيبي : ألقوا على رءوسهم. (هُمْ وَالْغاوُونَ) ، يعني الشياطين ، قال قتادة ومقاتل والكلبي : كفرة الجن.

(وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ) (٩٥) ، وهم أتباعه ومن أطاعه من الجن والإنس. ويقال : ذريته.

(قالُوا) أي : قال الغاوون للشياطين والمعبودين ، (وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ) ، مع المعبودين ويجادل بعضهم بعضا.

(تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٩٧).

(إِذْ نُسَوِّيكُمْ) ، نعدلكم ، (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) ، فنعبدكم.

(وَما أَضَلَّنا) أي : ما دعانا إلى الضلال ، (إِلَّا الْمُجْرِمُونَ). قال مقاتل : يعني الشياطين. وقال الكلبي : الأولون الذين اقتدينا بهم. وقال أبو العالية وعكرمة. يعني إبليس وابن آدم الأول وهو قابيل ، لأنه أول من سنّ القتل ، وأنواع المعاصي.

(فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) (١٠٠) ، أي : من يشفع لنا من الملائكة والنبيين والمؤمنين.

(وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١٠١) ، أي قريب يشفع لنا بقوله الكفار حين تشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون ، والصديق هو الصادق في المودة بشرط الدين.

[١٥٧٨] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد بن فنجويه ثنا محمد بن الحسن اليقطي (١) أنا أحمد بن عبد الله [بن](٢) يزيد العقيلي ثنا صفوان بن صالح ثنا الوليد بن مسلم ثنا من سمع أبا الزبير يقول أشهد لسمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الرجل ليقول في الجنة ما فعل صديقي فلان ، وصديقه في الجحيم ، فيقول الله تعالى : أخرجوا له صديقه إلى الجنة ، فيقول من بقي [في النار](٣) : فما لنا من شافعين ولا صديق حميم».

__________________

[١٥٧٨] ـ إسناده ضعيف جدا ؛ الوليد بن مسلم يدلس عن كذابين ، وهاهنا شيخه لم يسمّ ، والمتن منكر ، وباقي الإسناد ثقات.

ـ أبو الزبير هو محمد بن مسلم بن تدرس.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٣٥٧ من طريق محمد بن الحسن بهذا الإسناد.

(١) تصحف في المطبوع «اليقطيني».

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٤٧٢

قال الحسن : استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة.

(فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) ، أي : رجعة إلى الدنيا ، (فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٠٤) كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (١٠٥) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٠٦) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٠٧) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٠٨) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١١٠) قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (١١١) قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٢) إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (١١٣) وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٤) إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (١١٥) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ (١١٦) قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (١١٧) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١١٨))

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٠٣).

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٠٤) العزيز الذي لا يغالب ، فالله عزيز وهو في وصف عزته رحيم.

قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) ، قيل للحسن البصري : يا أبا سعيد أرأيت قوله : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) (١٠٥) و (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) (١٢٣) [الشعراء : ١٢٣] و (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) (١٤١) [الشعراء : ١٤١] ، وإنما أرسل إليهم رسول واحد؟ قال : إن الآخر جاء بما جاء به الأول ، فإذا كذبوا واحدا فقد كذبوا الرسل أجمعين.

(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ). في النسب لا في الدين. (نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ).

(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) (١٠٧) ، على الوحي.

(فَاتَّقُوا اللهَ) ، بطاعته وعبادته ، (وَأَطِيعُونِ) ، فيما آمركم به من الإيمان والتوحيد.

(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ) ، ثوابي (إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ).

(فَاتَّقُوا اللهَ) بطاعته وعبادته (وَأَطِيعُونِ).

(قالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) (١١١) ، قرأ يعقوب : «وأتباعك الأرذلون» السفلة. وعن ابن عباس قال : الصاغة. وقال عكرمة : الحاكة والأساكفة.

(قالَ) ، نوح ، (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، أي ما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، وليس علي من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء إنما كلفت أن أدعوهم إلى الله ولي منهم ظاهر أمرهم.

(إِنْ حِسابُهُمْ) ، ما حسابهم ، (إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ) ، لو تعلمون ذلك ما عبتموهم بصنائعهم. قال الزجاج : الصناعات لا تضر في (١) الديانات. وقيل : معناه أي لم أعلم أن الله يهديكم ويضلكم ويوفقهم ويخذلكم.

(وَما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) (١١٤) (إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (١١٥).

(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ) ، عما تقول : (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ) ، قال مقاتل والكلبي : من المقتولين بالحجارة. وقال الضحاك : من المشتومين.

__________________

(١) في المخطوط. «ب» بدل «في».

٤٧٣

(قالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ فَافْتَحْ) ، فاحكم ، (بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً) ، حكما ، (وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

(فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١١٩) ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ (١٢٠) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٢١) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٢٢) كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٢٥) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٢٦) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٢٧) أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ (١٢٨) وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (١٢٩))

(فَأَنْجَيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (١١٩) ، الموقر المملوء من الناس والطير والحيوانات (١) كلها.

(ثُمَّ أَغْرَقْنا بَعْدُ الْباقِينَ) (١٢٠) ، أي أغرقنا بعد إنجاء نوح وأهله من بقي من قومه.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٢١).

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٢٢).

قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ عادٌ الْمُرْسَلِينَ) (١٢٣).

(إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) ، يعني في النسب لا في الدين ، (هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ).

(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ، على الرسالة ، قال الكلبي : أمين فيكم قبل الرسالة فكيف تتهموني اليوم.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).

(وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ).

(أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ) ، قال الوالبي عن ابن عباس : بكل شرف. وقال الضحاك ومقاتل والكلبي : بكل طريق ، وهو رواية العوفي عن ابن عباس ، وعن مجاهد قال : هو الفج بين الجبلين. وعنه أيضا : أنه المنظر (٢) (آيَةً) علامة (تَعْبَثُونَ) ، بمن مرّ بالطريق.

والمعنى : أنهم كانوا يبنون المواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسابلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم. وعن سعيد بن جبير ومجاهد : هذا في بروج الحمام أنكر عليهم هود اتخاذها [واللعب بها](٣) بدليل قوله : (تَعْبَثُونَ) ، أي تلعبون ، وهم كانوا يلعبون بالحمام. وقال أبو عبيدة : الرّيع المكان المرتفع.

(وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ) ، قال ابن عباس : أبنية. وقال مجاهد : قصورا مشيدة. وعن الكلبي : أنها الحصون. وقال قتادة : مآخذ الماء يعني الحياض ، واحدتها مصنعة ، (لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ) ، أي كأنكم تبقون فيها خالدين [لا تموتون](٤) ، والمعنى : أنهم كانوا يستوثقون المصانع كأنهم لا يموتون.

(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (١٣٠) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٣١) وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (١٣٢) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ

__________________

(١) في المطبوع «الحيوان».

(٢) في المطبوع «المنظرة» والمثبت عن المخطوط ، والطبري ٢٦٦٩٤.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٤٧٤

(١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧) وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠))

(وَإِذا بَطَشْتُمْ) ، أخذتم وسطوتم ، (بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) ، قتلا بالسيف وضربا بالسوط ، والجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).

(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ) (١٣٢) ، أي أعطاكم من الخير ما تعلمون ثم ذكر ما أعطاهم فقال : (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (١٣٤) ، يعني بساتين وأنها.

(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ) ، [قال ابن عباس : إن عصيتموني](١) ، (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

(قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا) ، يعني مستو عندنا ، (أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ) ، الوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد. قال الكلبي : نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا.

(إِنْ هذا) ، ما هذا ، (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ) قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو عمرو والكسائي ويعقوب «خلق» بفتح الخاء وسكون اللام أي اختلاق الأولين وكذبهم ، دليل هذه القراءة قوله تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) ، وقرأ الآخرون «خلق» بضم الخاء واللام ، أي عادة الأولين من قبلنا ، وأمرهم أنهم يعيشون ما عاشوا ثم يموتون ولا بعث ولا حساب.

(وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (١٣٨).

(فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٣٩).

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ (١٤٦) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ (١٤٨) وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ (١٤٩) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ (١٥١) الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ (١٥٢) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٥٣) ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٥٤) قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (١٥٥))

قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (١٤١) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٤٢) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٤٣) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٤٤) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٤٥) أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا) ، يعني في الدنيا (آمِنِينَ) ، من العذاب.

(فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٤٧) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها) ، ثمرها يريد ما يطلع منها من الثمر ، (هَضِيمٌ) ، قال ابن عباس : لطيف ، ومنه هضم الكشح إذا كان لطيفا. وروى عطية عنه : يانع نضيج. وقال عكرمة : اللين. وقال الحسن : الرخو. وقال مجاهد : متهشم يتفتت (٢) إذا مس ، وذلك أنه ما دام رطبا فهو هضيم ،

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «متفتت».

٤٧٥

فإذا يبس فهو هشيم. وقال الضحاك ومقاتل : قد ركب بعضه [فوق](١) بعض حتى هضم بعضه بعضا ، أي كسّره. وقال أهل اللغة : هو المنضم بعضه إلى بعض [في وعائه قبل أن يظهر. وقال الأزهري : الهضيم هو الداخل بعضه في بعض](٢) من النضج والنعومة. وقيل : هضيم أي هاضم يهضم الطعام. وكل هذا للطافته.

(وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) (١٤٩) ، وقرئ : «فرهين» ، قيل : معناهما واحد. وقيل : فارهين أي حاذقين بنحتها ، من قولهم فره الرجل فراهة فهو فاره ، ومن قرأ «فرهين» قال ابن عباس : أشرين بطرين. وقال عكرمة : ناعمين. وقال مجاهد : شرهين. وقال قتادة : معجبين بصنيعكم. وقال السدي : متجبرين. وقال أبو عبيدة : مرحين. وقال الأخفش : فرحين. والعرب تعاقب بين الهاء والحاء مثل مدحته ومدهته. وقال الضحاك : كيّسين.

(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٥٠) وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) (١٥١) ، قال ابن عباس : المشركين. وقال مقاتل : هم التسعة الذين عقروا الناقة وهم :

(الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ، بالمعاصي ، (وَلا يُصْلِحُونَ) ، لا يطيعون الله فيما أمرهم به.

(قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) (١٥٣) ، قال مجاهد وقتادة : من المسحورين المخدوعين ، أي ممن يسحر مرة بعد مرة. وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أي من المخلوقين المعللين بالطعام والشراب ، يقال : سحره أي علّله بالطعام والشراب ، يريد إنك تأكل الطعام والشراب ، ولست بملك ، بل :

(ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ) ، على صحة ما تقول. (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، أنك رسول الله إلينا.

(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ) ، حظ ونصيب من الماء ، (وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ).

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥٦) فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ (١٥٧) فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٥٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٥٩) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ (١٦٥) وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ (١٦٦) قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ (١٦٧) قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ (١٦٨) رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ (١٦٩) فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٧١) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٣) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٤) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٧٥))

(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ) ، بعقر ، (فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

(فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ) ، على عقرها حين رأوا العذاب.

(فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٥٨).

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع.

٤٧٦

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٩٥).

قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (١٦٠) إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٦١) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٦٢) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٦٣) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٤) أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ) ، قال مقاتل : يعني جماع الرجال. (مِنَ الْعالَمِينَ) [يعني](١) من بني آدم.

(وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ) ، قال مجاهد : تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ) ، معتدون مجاوزون الحلال إلى الحرام.

(قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) (١٦٧) ، من قريتنا.

(قالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) (١٦٨) ، المبغضين ، ثم دعا فقال :

(رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ) (١٦٩) ، من العمل الخبيث.

قال الله تعالى : (فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٧٠) إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) (١٧١) وهي امرأة لوط بقيت في العذاب والهلاك.

(ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٧٢)) ، أي : أهلكناهم.

(وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) (١٧٣) ، قال وهب بن منبه : الكبريت والنار.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٧٤).

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٧٥).

(كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨))

قوله عزوجل : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) (١٧٦) ، وهم قوم شعيب عليه‌السلام ، قرأ العراقيون : «الأيكة» هاهنا وفي ص [١٣] بالهمزة وسكون اللام وكسر التاء ، وقرأ الآخرون : «ليكة» بفتح اللام والتاء غير مهموز ، جعلوها اسم البلدة ، وهو لا ينصرف ، ولم يختلفوا في سورة الحجر [٧٨] وق [١٤] أنهما مهموزان مكسوران ، والأيكة : الغيضة من الشجر الملتف.

(إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ، ولم يقل أخوهم لأنه لم يكن من أصحاب الأيكة في النسب ، فلما (٢) ذكر مدين قال أخاهم شعيبا لأنه كان منهم ، وكان الله تعالى بعثه إلى قومه أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة ، (أَلا تَتَّقُونَ).

(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٠) ، وإنما كانت دعوة هؤلاء الأنبياء كلهم فيما حكى الله عنهم على صيغة واحدة لاتفاقهم على

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «ولما».

٤٧٧

الأمر بالتقوى والطاعة والإخلاص في العبادة والامتناع من أخذ الأجر على الدعوة وتبليغ الرسالة.

(أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) (١٨١) ، الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن.

(وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨٨). أي من نقصان الكيل والوزن ، وهو مجازيكم بأعمالكم ، وليس العذاب إليّ وما عليّ إلا الدعوة.

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٩١) وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠))

(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) ، وذلك أنه أخذهم حرّ شديد ، فكانوا يدخلون الأسراب فإذا دخلوها وجدوها أشد حرا فخرجوا فأظلتهم سحابة وهي الظلة فاجتمعوا تحتها [ليتقوا الحر](١) فأمطرت عليهم نارا فاحترقوا ، ذكرناه في سورة هود. (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (١٩٠).

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (١٩١).

قوله عزوجل : (وَإِنَّهُ) ، يعني القرآن. (لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (١٩٣) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو وحفص : «نزل» خفيف الروح الأمين برفع الحاء والنون ، أي نزل جبريل بالقرآن. وقرأ الآخرون بتشديد الزاي وفتح الحاء والنون أي : ونزّل الله به جبريل لقوله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٩٢).

(عَلى قَلْبِكَ) ، يا محمد حتى وعيته ، (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) ، المخوّفين.

(بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (١٩٥) ، قال ابن عباس : لسان قريش ليفهموا ما فيه.

(وَإِنَّهُ) ، أي : ذكر إنزال القرآن ، قاله أكثر المفسرين ، وقال مقاتل : ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونعته ، (لَفِي زُبُرِ) كتب (الْأَوَّلِينَ).

(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً) ، قرأ ابن عامر : «تكن» بالتاء آية بالرفع ، جعل الآية اسما وخبره : (أَنْ يَعْلَمَهُ) ، وقرأ الآخرون بالياء ، (آيَةً) نصب ، جعلوا الآية خبر يكن ، معناه : أو لم يكن لهؤلاء المتكبرين على بني إسرائيل آية ، أي علامة ودلالة على نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل كانوا يخبرون بوجوده (٢) في كتبهم ، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه. قال ابن عباس : بعث أهل مكة إلى اليهود وهم بالمدينة فسألوهم عن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقالوا : إن هذا لزمانه وإنا نجد في التوراة نعته وصفته ، فكان ذلك آية على صدقه. قوله تعالى : (أَنْ يَعْلَمَهُ) ، يعني يعلم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (عُلَماءُ بَنِي إِسْرائِيلَ) ، قال عطية : كانوا خمسة عبد الله بن سلام وابن يامين وثعلبة وأسد وأسيد.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «بوجود ذكره».

٤٧٨

(وَلَوْ نَزَّلْناهُ) ، يعني القرآن ، (عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ) ، جمع الأعجمي ، وهو الذي لا يفصح ولا يحسن العربية وإن كان عربيا في النسب ، والعجمي : منسوب إلى العجم ، وإن كان فصيحا. ومعنى الآية : ولو نزلناه على رجل ليس بعربي اللسان.

(فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ) ، بغير لغة العرب ، (ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) ، وقالوا : ما نفقه قولك ، نظيره قوله عزوجل : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) [فصلت : ٤٤] ، وقيل : معناه ولو نزلناه على رجل ليس من العرب لما آمنوا به أنفة من اتّباعه.

(كَذلِكَ سَلَكْناهُ) ، قال ابن عباس والحسن ومجاهد أدخلناه (١) [أي](٢) الشرك والتكذيب (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ).

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٢٠١) فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٢٠٢) فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ (٢٠٣) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ (٢٠٥) ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ (٢٠٦) ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ (٢٠٧) وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ لَها مُنْذِرُونَ (٢٠٨) ذِكْرى وَما كُنَّا ظالِمِينَ (٢٠٩) وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠))

(لا يُؤْمِنُونَ بِهِ) ، أي بالقرآن ، (حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ ،) يعني عند الموت.

(فَيَأْتِيَهُمْ) ، يعني العذاب ، (بَغْتَةً) ، فجأة ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ، به في الدنيا.

(فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) (٢٠٣) ، أي لنؤمن ونصدق ، يتمنون الرجعة والنظرة. قال مقاتل : لما أوعدهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالعذاب ، قالوا : إلى متى توعدنا بالعذاب ومتى هذا العذاب؟ قال الله تعالى :

(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (٢٠٤) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ) (٢٠٥) ، كثيرة في الدنيا يعني كفار مكة ولم نهلكهم.

(ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ) (٢٠٦) ، يعني بالعذاب.

(ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) (٢٠٧) ، به في تلك السنين. والمعنى أنهم وإن طال تمتعهم بنعيم الدنيا فإذا أتاهم العذاب لم يغن عنهم طول [المدة و](٣) التمتع شيئا ، ويكونون (٤) كأنّهم لم يكونوا في نعيمه قط.

(وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ) (٢٠٨) ، رسل ينذرونهم.

(ذِكْرى) ، محلها نصب أي ينذرونهم ، تذكرة ، وقيل : رفع أي تلك ذكرى ، (وَما كُنَّا ظالِمِينَ) ، في تعذيبهم حيث قدمنا الحجة عليهم وأعذرنا إليهم.

(وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ) (٢١٠) ، وذلك أن المشركين كانوا يقولون إن الشياطين يلقون القرآن على لسان محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال جلّ ذكره : (وَما تَنَزَّلَتْ) به أي بالقرآن الشياطين.

(وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣) وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤))

(وَما يَنْبَغِي لَهُمْ) ، أن ينزلوا بالقرآن ، (وَما يَسْتَطِيعُونَ) ، ذلك.

__________________

(١) في المطبوع «أدخلنا».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «ويكون».

٤٧٩

(إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ) أي عن استراق السمع من السماء ، (لَمَعْزُولُونَ) ، أي محجوبون بالشهب مرجومون.

(فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) (٢١٣) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما يحذر به غيره ، يقول : أنت أكرم الخلق عليّ ، ولو اتخذت إلها غيري لعذبتك.

(وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢١٤).

[١٥٧٩] روى محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب عن عبد الله بن عباس عن عليّ بن أبي طالب. قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) ، دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا علي إن الله يأمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا وعرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره ، فصمت عليها حتى جاءني جبريل ، فقال لي : يا محمد إلّا تفعل ما تؤمر [به](١) يعذبك ربّك فاصنع لنا صاعا من طعام واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أبلغهم ما أمرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم له وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، وفيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس رضي الله عنهما ، وأبو لهب فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعته فجئت به ، فلما وضعته تناول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جذبة من اللحم ، فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي

__________________

[١٥٧٩] ـ باطل. أخرجه الطبري ٢٦٨٠٦ وأبو نعيم في «الدلائل» ٣٣١ من طريق محمد بن إسحاق بهذا الإسناد.

ـ وليس فيه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي : «إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم».

ـ وإسناده ساقط ، عبد الغفار بن القاسم رافضي كذاب.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٧٨ ـ ١٨٠ من طريق محمد بن إسحاق قال : فحدثني من سمع عبد الله بن الحارث عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب.

وليس فيه اللفظ المذكور آنفا.

ـ وإسناده ساقط ، ففي الإسناد من لم يسم ، وهو إما عبد الغفار المتقدم ذكره ، وهو كذاب ؛ أو عبد الله بن عبد القدوس الآتي ذكره ، وهو متروك متهم.

ـ وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «سيرة ابن كثير» ١ / ٤٥٩ ـ ٤٦٠ عن أبيه عن الحسين بن عيسى بن ميسرة الحارثي عن عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث قال : قال علي : ....

وفيه أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيكم يقضي عني ديني ، ويكون خليفتي في أهلي؟» ...

... فيقول علي : أنا ...

ـ وإسناده ساقط ، عبد الله بن عبد القدوس قال عنه الذهبي في «الميزان» ٢ / ٤٥٧ : قال ابن معين : ليس بشيء ، رافضي خبيث ، وقال النسائي : ليس بثقة.

قلت : وهو منقطع بين عبد الله بن الحارث وعلي.

ـ وأخرجه أحمد ١ / ١١١ من طريق شريك عن الأعمش عن المنهال عن عباد بن عبد الله الأسدي عن علي مختصرا وفيه «فقال لهم : من يضمن عني ديني ، ومواعيدي ، ويكون معي في الجنة ، ويكون خليفتي في أهلي» ... فقال علي : أنا.

ـ وإسناده واه ، شريك ساء حفظه لما تولى القضاء ، والأعمش مدلس ، وقد عنعن ، والمنهال فيه ضعف ، وعباد ضعفه علي المديني ، وقد روى مناكير ، والحمل عليه في هذا الحديث ، وهو حديث باطل.

(١) زيادة عن المخطوط.

٤٨٠