تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

١

٢

٣
٤

سورة يس

مكيّة وهي ثلاث وثمانون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦))

(يس) (١) ، و (ن) [القلم : ١] ، قرأ بإخفاء النون فيهما ابن عامر والكسائي وأبو بكر [وقالون يخفي النون من «يس» ويظهرها من نون](١) ، والباقون يظهرون فيهما ، واختلفوا في تأويل (يس) (١) حسب اختلافهم في حروف التهجي ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : [هو](٢) قسم ، [و] يروى عنه أن معناه : يا إنسان بلغة طيئ ، يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو قول الحسن وسعيد بن جبير وجماعة. وقال أبو العالية : [معناه](٣) يا رجل. وقال أبو بكر الوراق : يا سيد البشر.

(وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) (٢).

(إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، أقسم الله بالقرآن أن (٤) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المرسلين ، وهو ردّ على الكفار حيث قالوا :

(لَسْتَ مُرْسَلاً) [الرعد : ٤٣].

(عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، وهو خبر بعد خبر ، أي إنه (٥) لمن المرسلين وإنه (٦) على صراط مستقيم.

وقيل : معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على صراط مستقيم.

(تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) (٥) ، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص (تَنْزِيلَ) بنصب اللام كأنه قال نزل تنزيلا ، وقرأ الآخرون بالرفع ، أي هو تنزيل العزيز الرحيم.

(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) ، قيل : (٧)(ما) للنفي أي لم ينذر (٨) آباؤهم ، لأن قريشا لم يأتهم نبي قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقيل (ما) بمعنى الذي أي : لتنذر قوما بالذي أنذر آباؤهم ، (فَهُمْ غافِلُونَ) ، عن الإيمان والرشد.

(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨)

__________________

(١) ما بين المعقوفتين عن المخطوط و «ط». وفي المطبوع «وورش بخلف عنه في : نون والقلم».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «بأن» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٥) في المطبوع «إنك» والمثبت عن المخطوط.

(٦) في المطبوع «إنك» والمثبت عن المخطوط.

(٧) زيد في المخطوط «هو».

(٨) في المطبوع «تنذر» والمثبت عن المخطوط و «ط».

٥

وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١))

(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ) ، وجب العذاب ، (عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، هذا كقوله : (وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) [الزمر : ٧١].

(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً) ، نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين.

[١٧٧٧] وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدا يصلي ليرضخنّ رأسه بالحجر وهو يصلي ، فأتاه يوما وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به ، فلما رفعه أثبتت (١) يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده ، فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر ، فقال رجل من بني مخزوم : أنا أقتله بهذا الحجر ، فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر ، فأعمى الله تعالى بصره ، فجعل يسمع صوته ولا يراه ، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له : ما صنعت؟ فقال : ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه شيء (٢) كهيئة الفحل يخطر بذنبه ، لو دنوت منه لأكلني ، فأنزل الله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً).

قال أهل المعاني : هذا على طريق المثل ، ولم يكن هناك غل [بل](٣) أراد : ومنعناهم عن الإيمان بموانع ، فجعل الأغلال مثلا لذلك ، قال الفرّاء : معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) [الإسراء : ٢٩] معناه لا تمسكها عن النفقة. (فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ) ، هي كناية عن الأيدي وإن لم يجر لها ذكر لأن الغل يجمع اليد إلى العنق ، معناه : إنا جعلنا في أيديهم وأعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان ، (فَهُمْ مُقْمَحُونَ) [و] المقمح الذي رفع رأسه وغض بصره ، يقال : بعير قامح إذا روى من الماء فأقمح إذا رفع رأسه وغض بصره. وقال الأزهري : أراد أن أيديهم لما غلت إلى (٤) أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورءوسهم ، فهم مرفوعو الرءوس برفع الأغلال إياها.

(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص (سدا) بفتح السين ،

__________________

[١٧٧٧] ـ لم أقف عليه بهذا اللفظ.

وأخرجه أبو نعيم في «دلائل النبوة» ١٥٦ من طريق ابن إسحاق عن بعض أهل العلم عن سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس مطوّلا بنحوه ، وليس فيه ذكر رجل من بني مخزوم ، ولا ذكر نزول الآية. وإسناده ضعيف ، فيه من لم يسمّ.

ـ وأخرج أبو نعيم ١٥٢ من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه : أن رجلا من بني مخزوم قام إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وفي يده فهر ، ليرمي به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ...».

ـ هذا مرسل.

وليس فيه أن الآية نزلت بسبب ذلك.

ـ وأخرج الطبري ٢٩٠٦٤ عن عكرمة مرسلا «قال أبو جهل : لئن رأيت محمدا لأفعلن ، ولأفعلن ، فأنزلت (إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً ...).

ـ وانظر «صحيح البخاري» ٤٩٥٨ من حديث ابن عباس وسيأتي في سورة العلق عند آية : ١٠.

(١) في المطبوع «انثنت» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٢) العبارة في المخطوط «وحال بيني وبينه كهيئة الفحل».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «عند».

٦

وقرأ الآخرون بضمها ، (فَأَغْشَيْناهُمْ) ، فأعميناهم من التغشية وهي التغطية ، (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) ، سبيل الهدى.

(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (١٠).

(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) ، يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع الذكر يعني القرآن فعمل بما فيه ، (وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) ، حسن وهو الجنة.

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣))

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى) ، عند البعث ، (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) ، من الأعمال من خير وشر ، (وَآثارَهُمْ) ، أي ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة.

[١٧٧٨] قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سنّ في الإسلام سنّة حسنة [يعمل بها من بعده](١) كان (٢) له أجرها و [مثل](٣) أجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة [يعمل بها من بعده](٤) كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده ، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء».

وقال قوم : قوله : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ) أي : خطاهم إلى المساجد.

[١٧٧٩] روي عن أبي سعيد الخدري قال : شكت بنو سلمة بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى :

__________________

[١٧٧٨] ـ صحيح. أخرجه مسلم ١٠١٧ والترمذي ٢٦٧٥ وابن ماجه ٢٠٣ والطحاوي في «المشكل» ٢٤٥ والطبراني ٢٣٧٥ والبيهقي ٤ ، ١٧٦ من طريق عبد الملك بن عمير عن المنذر بن جرير عن أبيه مرفوعا.

ـ وأخرجه مسلم ١٠١٧ والنسائي ٥ / ٧٥ ـ ٧٧ وأحمد ٤ / ٣٥٧ و ٣٥٨ و ٣٥٩ والطيالسي ٦٧٠ وابن حبان ٣٣٠٨ والطحاوي ٢٤٣ والطبراني ٢٣٧٢ والبيهقي ٤ / ١٧٥ ـ ١٧٦ والبغوي في «شرح السنة» ١٦٥٥.

من طريق شعبة عن عون بن أبي جحيفة قال : سمعت المنذر بن جرير عن أبيه مرفوعا ، وله قصة.

[١٧٧٩] ـ ذكر نزول الآية ضعيف.

ـ أخرجه الترمذي ٣٢٢٦ من طريق سفيان الثوري عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ، ومداره على طريف بن شهاب ، وهو ضعيف.

قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري ، وأبو سفيان هو طريف السعدي.

ـ وأخرجه الطبري ٢٩٠٧٣ وعبد الرزاق في «المصنف» ١٩٨٢ من طريق سفيان الثوري عن طريف عن أبي نضرة به.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٧٢٠ وفي «الوسيط» ٣ / ٥١٠ ـ ٥١١ من طريق الثوري عن سعد بن طريف عن أبي نضرة به ، وفي الإسناد قلب والصواب طريف بن شهاب كما تقدم.

ـ وقال ابن كثير في «التفسير» عند هذه الآية : فيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية ، والسورة بكمالها مكية ، فالله أعلم.

(١) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط و «ط» و «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «فله» والمثبت عن المخطوط ، و «ط» و «شرح السنة».

(٣) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط و «ط» و «شرح السنة».

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» و «ط».

٧

(وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ).

[١٧٨٠] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي حدثنا أبو سعيد محمد بن موسى (١) الصيرفي حدثنا أبو العباس الأصم حدثنا محمد بن هشام بن ملّاس النميري حدثنا مروان الفزاري حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال : أرادت (٢) بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد ، فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تعرى المدينة ، فقال : «يا بني سلمة ألا (٣) تحتسبون آثاركم» ، فأقاموا.

[١٧٨١] وأخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن العلاء حدثنا أبو أسامة عن بريد (٤) بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى ، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام».

قوله تعالى : (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ) حفظناه (٥) وعددناه وبيّناه ، (فِي إِمامٍ مُبِينٍ) ، وهو اللوح المحفوظ.

__________________

ـ وورد من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس عند ابن ماجة ٧٨٥ والطبري ٢٩٠٦٩ و ٢٩٧٠ وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا موقوف ، فيه سماك ، وهو ابن حرب ، وإن وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، فقد قال أحمد : مضطرب الحديث ، وقال يعقوب بن شيبة : روايته عن عكرمة خاصة مضطربة ، وروايته عن غيره صالحة.

ـ وأشار الحافظ في «الفتح» ٢ / ١٤٠ إلى هذه الرواية وقال : وإسناده قوي. وفيه نظر ، والصواب أن إسناده ضعيف لضعف سماك في عكرمة ، فقد روى عنه مناكير. والسورة مكية كلها كما قال الحافظ ابن كثير. والصواب الحديث الآتي ، وليس فيه نزول الآية ، وانظر «تفسير القرطبي» ٥١٦٠ بتخريجي.

[١٧٨٠] ـ صحيح. محمد بن هشام صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ مروان هو ابن معاوية ، حميد هو ابن أبي حميد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٧٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ١٨٨٧ عن ابن سلام عن مروان الفزاري بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٦٥٥ و ٦٥٦ وابن ماجه ٧٨٤ وأحمد ٣ ، ١٠٦ و ١٨٢ و ٢٦٣ والبيهقي ٣ / ٦٤ من طرق عن حميد به.

ـ وورد من حديث جابر ؛ أخرجه مسلم ٦٦٥ وأحمد ٣ / ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٣٧١ و ٣٩٠ وابن حبان ٢٠٤٢ وأبو عوانة ١ / ٣٨٧ والبيهقي ٣ / ٦٤ وأبو يعلى ٢١٥٧.

[١٧٨١] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو أسامة هو حماد بن أسامة ، أبو بردة ، هو ابن أبي موسى الأشعري ، قيل : اسمه عامر ، وقيل : الحارث.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٦٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٥١ عن محمد بن العلاء بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٦٦٢ وأبو يعلى ٧٢٩٤ وابن خزيمة ١٥٠١ من طريق محمد بن العلاء به.

ـ وأخرجه مسلم ٦٦٢ وأبو عوانة ١ / ٣٨٨ و ٢ / ١٠ والبيهقي ٣ / ٦٤ من طرق عن أبي أسامة به.

(١) في المطبوع «عيسى» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.

(٢) في المطبوع «أراد» والتصويب عن المخطوط و «شرح السنة».

(٣) في المطبوع «لا».

(٤) تصحف في المطبوع إلى «يزيد».

(٥) في المطبوع «لحفظناه».

٨

قوله عزوجل : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ) ، يعني اذكر لهم شبها مثل حالهم من قصة أصحاب القرية وهي أنطاكية ، (إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) ، يعني رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.

قال العلماء : بأخبار الأنبياء [عليهم‌السلام] بعث عيسى رسولين من الحواريين إلى أهل مدينة أنطاكية ، فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار ، صاحب يس فسلما عليه ، فقال الشيخ لهما : من أنتما؟ فقالا : رسولا عيسى يدعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن ، فقال : أمعكما آية؟ قالا : نعم نحن نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ، فقال الشيخ : إن لي ابنا مريضا منذ سنين ، قالا : فانطلق بنا نطلع على حاله ، فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه ، فقام في الوقت بإذن الله صحيحا ففشي الخبر في المدينة ، وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرا من المرضى ، وكان لهم ملك ، قال وهب : كان اسمه أنطيخس ، وكان من ملوك الروم يعبد الأصنام ، قالوا (١) : فانتهى (٢) الخبر إليه فدعاهما ، فقال : من أنتما؟ قالا : رسولا عيسى ، قال : وفيم جئتما؟ قالا : ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر ، فقال لهما : ألنا (٣) إله دون آلهتنا؟ قالا : نعم من أوجدك وآلهتك؟ قال : قوما حتى انظر في أمركما ، فتتبعهما (٤) الناس فأخذوهما وضربوهما في السوق. قال وهب : بعث عيسى هذين الرجلين إلى أنطاكية ، فأتياها فلم يصلا إلى ملكها ، وطال مدة مقامهما ، فخرج الملك ذات يوم فكبّرا وذكرا (٥) الله ، فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائة (٦) جلدة ، قالوا : فلما كذّب الرسولان وضربا ، بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما لينصرهما ، فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به ، فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه فرضي عشرته وأنس به وأكرمه ، ثم قال له ذات يوم : أيها الملك بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك ، فهل كلمتهما وسمعت قولهما؟ فقال الملك : حال الغضب بيني وبين ذلك ، قال : فإن رأى الملك دعاهما حتى يطلع على ما عندهما ، فدعاهما الملك ، فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى هاهنا؟ (٧) قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك ، فقال لهما شمعون : فصفاه وأوجزا ، فقالا (٨) : إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فقال شمعون : وما آيتكما؟ قالا : ما تتمناه ، فأمر الملك حتى جاءوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة ، فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر ، فأخذا بندقتين من الطين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما ، فتعجب الملك ، فقال شمعون للملك : إن أنت سألت إلهك حتى يصنع صنيعا مثل هذا فيكون لك الشرف ولإلهك (٩) ، فقال الملك : ليس لي عنك سر [أسره إليك](١٠) إن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، وكان شمعون إذا دخل الملك على الصنم يدخل بدخوله ويصلي كثيرا ، ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم ، فقال الملك للمرسلين : إن قدر إلهكما (١١) الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما ، قالا : إلهنا قادر على كل شيء ، فقال الملك : إن هاهنا ميتا مات منذ سبعة أيام ابن لدهقان (١٢) وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه

__________________

(١) في المطبوع «وقالوا».

(٢) في المخطوط «فأنهي».

(٣) في المخطوط «أولنا».

(٤) في المخطوط «فتبعهما».

(٥) في المطبوع «فكبروا وذكروا».

(٦) في المطبوع «مائتي» والمثبت عن المخطوط.

(٧) في المخطوط «يطلع».

(٨) في المطبوع «فقال» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٩) في المطبوع «ولآلهتك» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(١٠) زيادة عن المخطوط.

(١١) في المطبوع «إلهكم».

(١٢) في المطبوع «ابن دهقان» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

٩

[وينظره](١) ، وكان غائبا فجاءوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية ، وجعل شمعون يدعو ربه سرا ، فقام الميت ، وقال : إني قدمت منذ سبعة أيام ووجدت مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار ، وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا بالله [حتى تنجوا منها](٢) ، ثم قال : فتحت لي أبواب السماء فنظرت فرأيت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة ، قال الملك : ومن الثلاثة؟ قال : شمعون وهذان وأشار إلى صاحبيه ، فتعجب الملك لما علم ، فلما علم شمعون أن قوله [قد] أثّر في الملك أخبره (٣) بالحال ، ودعاه إلى الإسلام فآمن الملك وآمن قوم كثير ، وكفر [قوم](٤) آخرون.

وقيل : إن ابنة للملك كانت قد توفيت ودفنت ، فقال شمعون للملك : اطلب من هذين الرجلين أن يحييا ابنتك ، فطلب منهما الملك ذلك فقاما وصليا ودعوا وشمعون معهما في السر ، فأحيا الله المرأة وانشق القبر عنها فخرجت ، وقالت : أسلموا فإنهما صادقان ، قالت : ولا أظنكم تسلمون ثم طلبت من الرسولين أن يرداها إلى مكانها فذرا ترابا على رأسها وعادت إلى قبرها كما كانت.

وقال ابن إسحاق عن كعب ووهب : بل كفر الملك ، وأجمع هو وقومه على قتل الرسل فبلغ ذلك حبيبا ، وهو على باب المدينة الأقصى ، فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين.

(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨) قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠))

فذلك قوله تعالى : (إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ) ، وقال وهب : اسمهما يوحنا وبولس (٥) ، (فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا) ، يعني فقوّينا (بِثالِثٍ) ، برسول ثالث وهو شمعون ، وقرأ أبو بكر عن عاصم فعززنا بالتخفيف وهو بمعنى الأول كقولك : شددنا وشدّدنا ، بالتخفيف والتثقيل.

وقيل : أي فغلبناه من قولهم (٦) : من عزّ بزّ (٧). وقال كعب : الرسولان صادق وصدوق ، والثالث شلوم ، وإنما أضاف الله الإرسال إليه لأن عيسى إنما بعثهم بأمره تعالى (فَقالُوا) ، جميعا لأهل أنطاكية ، (إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ).

(قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) (١٥) ، ما أنتم إلا كاذبون فيما تزعمون.

(قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ).

(وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).

(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) ، تشاءمنا بكم وذلك أن المطر حبس عنهم حين قدم الرسل عليهم ، فقالوا : [ما] أصابنا هذا [إلا] بشؤمكم ، (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ) ، لنقتلنكم ، وقال قتادة : بالحجارة ،(وَلَيَمَسَّنَّكُمْ

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «خبّره» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «يحيى ويونس» والمعنى واحد.

(٦) في المخطوط «كقوله».

(٧) في المطبوع «من عزيز» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

١٠

مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ).

(قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) ، يعني شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني أصابكم الشؤم من قبلكم. وقال ابن عباس والضحاك : حظكم من الخير والشر ، (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) ، يعني وعظتم بالله وهذا استفهام محذوف ، الجواب [مجازه](١) : أإن ذكرتم [و](٢) وعظتم بالله تطيرتم بنا وقرأ أبو جعفر أن بفتح الهمزة الملينة ذكرتم بالتخفيف ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) ، مشركون مجاوزون الحد.

قوله عزوجل : (وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى) ، وهو حبيب النجار ، وقال السدي : كان قصّارا. وقال وهب : كان رجلا يعمل الحرير وكان سقيما قد أسرع فيه الجذام ، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المدينة ، وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين ، فيطعم نصفا لعياله ويتصدق بنصفه ، فلما بلغه أن قومه قد قصدوا قتل الرسل جاءهم ، (قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ).

(اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧))

(اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢١) ، قال قتادة : كان حبيب في غار يعبد ربه ، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه ، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم : أتسألون على (٣) هذا أجرا؟ قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : (يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٢١) قال فلما قال ذلك قالوا له : وأنت مخالف لديننا ومتابع (٤) دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم؟

فقال : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢٢) ، قرأ حمزة ويعقوب (وَما لِيَ) بإسكان الياء ، والآخرون بفتحها. قيل : أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم ، لأن الفطرة أثر النعمة ، وكانت عليه أظهر ، وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق. وقيل : إنه (٥) لما قال : اتبعوا المرسلين أخذوه فرفعوه إلى الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم [على دينهم وتعبد آلهتهم](٦)؟ فقال : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ، يعني وأي شيء لي إذا لم أعبد خالقي (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم.

(أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) ، استفهام بمعنى الإنكار ، أي لا أتخذ من دونه آلهة ، (إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ) ، بسوء ومكروه ، (لا تُغْنِ عَنِّي) ، لا تدفع عني ، (شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) أي لا شفاعة لها أصلا فتغني (وَلا يُنْقِذُونِ) من ذلك المكروه وقيل لا ينقذون من العذاب لو عذبني الله إن فعلت ذلك.

(إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٤) ، خطأ ظاهر.

(إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) (٢٥) ، يعني فاسمعوا مني ، فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه. قال ابن مسعود : وطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره. وقال السدي : كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول : اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه. وقال الحسن : خرقوا خرقا في حلقه

__________________

(١) زيادة عن «ط» والمخطوط.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) في المطبوع «تسألون عن» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «متبع».

(٥) في المطبوع «إنهم» والمثبت عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

١١

فعلقوه بسور من سور المدينة ، وقبروه (١) بأنطاكية فأدخله الله الجنة ، وهو حي فيها يرزق.

فذلك قوله [عزوجل] : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ) ، فلما أفضى إلى الجنة ، (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ).

(بِما غَفَرَ لِي رَبِّي) ، أي بغفران ربي لي ، (وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) ، تمنى أن يعلم قومه أن الله غفر له وأكرمه ، ليرغبوا في دين الرسل ، فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل لهم النقمة ، فأمر جبريل [عليه‌السلام] فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم.

(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢))

فذلك قوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) ، يعني الملائكة ، (وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) [أي](٢) وما كنا نفعل هذا بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما يظنون. وقيل : معناه (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ) أي على قوم حبيب من بعد قتله (مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ) وما كنا ننزلهم (٣) على الأمم إذا أهلكناهم ، كالطوفان والصاعقة والريح ، ثم بين عقوبتهم :

فقال تعالى : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ، وقرأ أبو جعفر : صيحة واحدة ، بالرفع جعل الكون بمعنى الوقوع. قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة ، (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) ، ميتون.

(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ) ، قال عكرمة : يعني يا حسرتهم على أنفسهم والحسرة شدة الندامة.

وفيه قولان : أحدهما : يقول الله تعالى : (يا حَسْرَةً) وندامة وكآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرسل ، والآخر أنه من قول الهالكين.

قال أبو العالية : لما عاينوا العذاب قالوا : يا حسرة أي ندامة على العباد (٤). يعني [على](٥) الرسل الثلاثة حيث لم يؤمنوا بهم ، فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم.

قال الأزهري : الحسرة لا تدعى ودعاؤها تنبيه المخاطبين.

وقيل : العرب تقول : يا حسرتا (٦) ويا عجبا على طريق المبالغة والنداء عندهم بمعنى التنبيه ، فكأنه يقول : أيها العجب هذا وقتك؟ وأيتها الحسرة هذا أوانك؟ وحقيقة المعنى أن هذا أوانك؟ وحقيقة المعنى أن هذا زمان الحسرة والتعجب ، ثم بين سبب الحسرة والندامة ، فقال : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).

(أَلَمْ يَرَوْا) ، ألم يخبروا يعني أهل مكة ، (كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ) ، والقرن أهل كل عصر ، سموا بذلك لاقترانهم في الوجود ، (أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ) ، أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم.

__________________

(١) في المطبوع «وقبره» والمثبت عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «من جند ، وما كنا منزلين ، ننزلهم على الأمم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٤) زيد في المطبوع «يعني على العباد».

(٥) زيادة عن «ط» والمخطوط.

(٦) في المطبوع «يا حسرتي».

١٢

(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ) ، قرأ عاصم وحمزة (لَمَّا) بالتشديد هاهنا وفي الزخرف [٣٥] والطارق [٤] ، وافق ابن عامر إلّا في الزخرف ، ووافق أبو جعفر في الطارق ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، فمن شدد جعل (إِنْ) بمعنى الجحد ، و (لَمَّا) بمعنى إلّا ، تقديره : وما كل إلّا جميع ، ومن خفف جعل (إِنْ) للتحقيق وما صلة ، مجازه. وكل يجمع (١) ، (لَدَيْنا مُحْضَرُونَ).

(وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢))

(وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها) ، بالمطر ، (وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) ، يعني الحنطة والشعير وما أشبههما ، (فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ) ، أي من الحب.

(وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ) بساتين ، (مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها) ، في الأرض ، (مِنَ الْعُيُونِ).

(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) ، أي من الثمر الحاصل بالماء ، (وَما عَمِلَتْهُ) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عملت بغير هاء ، وقرأ الآخرون عملته بالهاء أي يأكلون من الذي عملته ، (أَيْدِيهِمْ) ، من الزرع والغرس والهاء (٢) عائدة إلى (ما) التي هي بمعنى الذي. وقيل : وما للنفي في قوله (وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي وجدوها معمولة ولم تعمله أيديهم ، ولا صنع لهم فيها ، وهذا معنى قول الضحاك ومقاتل ، وقيل : أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد خلق مثل دجلة والفرات والنيل ونحوها ، (أَفَلا يَشْكُرُونَ) ، نعمة الله.

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها) ، أي الأصناف كلها ، (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) ، من الثمار والحبوب ، (وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، يعني الذكور والإناث ، (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) ، مما خلق من الأشياء من دواب البر والبحر.

(وَآيَةٌ لَهُمُ) ، تدل على قدرتنا ، (اللَّيْلُ نَسْلَخُ) ، ننزع ونكشط ، (مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) ، داخلون في الظلمة ، ومعناه نذهب بالنهار (٣) ونجيء بالليل ، وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها ، فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل ، فتظهر الظلمة.

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) ، أي إلى مستقر لها. قيل : إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة. وقيل : إنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ، ثم ترجع فذلك مستقرها لأنها لا تجاوزها. وقيل : مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ، ونهاية هبوطها في الشتاء ، وقد صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) في المطبوع و «ط» «كل جميع» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «فالهاء».

(٣) في المطبوع «النهار» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

١٣

أنه قال : «مستقرها تحت العرش» (١).

[١٧٨٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الحميدي أنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال :

سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) قال : «مستقرها تحت العرش».

[١٧٨٣] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا [محمد بن يوسف](٢) ثنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم [التيمي](٣) عن أبيه عن أبي ذر قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس : «أتدري أين تذهب»؟ قلت الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش ، فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها ، وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها : ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها ، فذلك قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (٣٨)».

وروى عمرو بن دينار عن ابن عباس : والشمس تجري لا مستقر لها ، وهي قراءة ابن مسعود أي لا قرار لها ولا وقوف فهي جارية أبدا ذلك تقدير العزيز العليم.

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ) ، أي قدرنا له ، قرأ ابن كثير ونافع وأهل البصرة «والقمر» برفع الراء لقوله : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ) ، وقرأ الآخرون بالنصب لقوله : (قَدَّرْناهُ) أي قدرنا القمر ، (مَنازِلَ) ، وقد ذكرنا أسامي المنازل في سورة يونس [٥] فإذا صار القمر إلى آخر منازل (٤) دق فذلك قوله : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) ، والعرجون عود العذق الذي عليه الشماريخ فإذا قدم [و] عتق يبس وتقوس واصفر ، فشبّه

__________________

[١٧٨٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

الحميدي هو عبد الله بن الزبير ، وكيع هو ابن الجراح ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، إبراهيم هو ابن يزيد بن شريك.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٨٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٨٠٣ عن الحميدي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٧٤٣٣ ومسلم ١٥٩ ح ٢٥١ وأحمد ٥ / ١٥٨ وابن حبان ٦١٥٢ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٥١٤ من طرق عن وكيع به.

ـ وأخرجه الطحاوي في «المشكل» ٢٨١ من طريق أبي معاوية عن الأعمش به.

[١٧٨٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن سعيد الثوري.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣١٩٩ عن محمد بن يوسف بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٠٢ و ٧٤٢٤ ومسلم ١٥٩ وأحمد ٥ / ١٧٧ والترمذي ٢١٨٦ و ٣٢٢٧ والطيالسي ٤٦٠ وابن حبان ٦١٥٤ والطبري ٢٩١٢١ من طرق عن الأعمش به.

(١) هو الحديث الآتي.

(٢) في المطبوع «أنا الحميدي أنا وكيع» بدل «محمد بن يوسف» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.

(٣) زيادة عن «شرح السنة» والمخطوط.

(٤) في المطبوع «المنازل» والمثبت عن المخطوط.

١٤

القمر في دقته وصفرته في آخر المنازل به.

(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) ، أي لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه ، ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه ، وهو قوله تعالى : (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) ، أي هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته. وقيل : لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر ، لا تطلع (١) الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء ، فإذا اجتمعا وأدرك كل واحد منهما صاحبه قامت القيامة. وقيل : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) أي لا تجتمع معه في فلك واحد (وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) أي لا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل ، (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، يجرون.

(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) ، قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب ذرياتهم بجمع ، وقرأ الآخرون (ذُرِّيَّتَهُمْ) على التوحيد ، فمن جمع كسر التاء ومن لم يجمع نصبها والمراد بالذرية الآباء والأجداد واسم الذرية يقع على الآباء كما يقع على الأولاد ، (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) ، أي المملوء ، وأراد سفينة نوح ، وهؤلاء من نسل من حمل مع نوح ، وكانوا في أصلابهم.

(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) (٤٢) ، قيل : أراد به السفن [الصغار](٢) التي عملت بعد سفينة نوح على هيئتها. وقيل : أراد [به] السفن [الصغار](٣) التي تجري في الأنهار فهي في الأنهار كالفلك الكبار في البحار ، هذا قول قتادة والضحاك وغيرهما.

وروي عن ابن عباس : أنه قال : (وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) (٤٢) ، يعني الإبل ، فالإبل في البر كالسفن في البحر.

(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩))

(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ) ، أي لا مغيث ، (لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) ، ينجون من الغرق. قال ابن عباس : ولا أحد ينقذهم من عذابي.

(إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) (٤٤) ، إلى انقضاء آجالهم ، يعني : إلا أن يرحمهم [الله](٤) ويمتعهم إلى حين [انقضاء](٥) آجالهم.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ) ، قال ابن عباس : ما بين أيديكم يعني الآخرة ، فاعملوا لها وما خلفكم يعني الدنيا فاحذروها ، ولا تغتروا بها. وقيل : (ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) وقائع الله فيمن كان قبلكم من الأمم ، (وَما خَلْفَكُمْ) عذاب الآخرة ، وهو قول قتادة ومقاتل. (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ، والجواب محذوف تقديره : إذا قيل لهم هذا أعرضوا عنه ، دليله ما بعده.

__________________

(١) في المطبوع «يطلع» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٢) زيادة عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «أراد بالسفن التي تجري» والمثبت عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

١٥

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) ، أي دلالة على صدق محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ).

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) ، أعطاكم الله ، (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ) ، أنرزق ، (مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ) ، وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة : أنفقوا على المساكين مما زعمتم من أموالكم أنه لله ، وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم ، قالوا : أنطعم أنرزق من لو يشاء الله أطعمه رزقه ، ثم لم يرزقه مع قدرته عليه ، فنحن نوافق مشيئة الله فلا نطعم من لم يطعمه الله ، وهذا مما يتمسك به البخلاء ، يقولون : لا نعطي من حرمه الله ، وهذا الذي يزعمون [باطل](١) ، لأن الله أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء ، فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ، ولكن ليبلو (٢) الغني بالفقير فيما أمر وفرض له في مال الغني ، ولا اعتراض لأحد على مشيئة الله وحكمه في خلقه ، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، يقول الكفار للمؤمنين : ما أنتم إلّا في خطأ بين في اتّباعكم محمدا وترك ما نحن عليه.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) ، أي القيامة والبعث ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

قال الله تعالى : (ما يَنْظُرُونَ) ، أي ما ينتظرون ، (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ، قال ابن عباس : يريد النفخة الأولى ، (تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) ، يعني (٣) يختصمون في أمر الدنيا من البيع والشراء ، ويتكلمون في المجالس والأسواق ، قرأ حمزة (يَخِصِّمُونَ) بسكون الخاء وتخفيف الصاد ، أي يغلب بعضهم بعضا بالخصام ، وقرأ الآخرون بتشديد الصاد ، أي يختصمون ، أدغموا التاء في الصاد ، ثم ابن كثير ويعقوب وورش يفتحون الخاء بنقل حركة التاء المدغمة إليها ، ويجزمها أبو جعفر وقالون ، ويروم فتحة الخاء أبو عمرو ، وقرأ الباقون بكسر الخاء.

[١٧٨٤] وروينا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لتقومنّ الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومنّ الساعة وقد رفع رجل أكلته إلى فيه فلا يطعمها».

(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥))

قوله عزوجل : (فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً) ، أي لا يقدرون على الإيصاء. قال مقاتل : عجزوا (٤) عن الوصية فماتوا ، (وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) ، ينقلبون ، والمعنى أن الساعة لا تمهلهم لشيء.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) ، وهي [النفخة](٥) الأخيرة نفخة البعث ، وبين النفختين أربعون سنة ، (فَإِذا هُمْ

__________________

[١٧٨٤] ـ تقدم في سورة الأعراف عند آية : ١٨٧.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) هذه العبارة «الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ، ولكن ليبلو» تكررت في المطبوع.

(٣) في المخطوط «أي».

(٤) في المطبوع «عجلوا» والمثبت عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

١٦

مِنَ الْأَجْداثِ) ، يعني القبور ، واحدها : جدث ، (إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) ، يخرجون من القبور أحياء ومنه قيل للولد : نسل لخروجه من بطن أمه.

(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ، قال أبي بن كعب وابن عباس وقتادة : إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين ، فيرقدون فإذا بعثوا بعد النفخة الأخيرة (١) وعاينوا القيامة دعوا بالويل.

وقال أهل المعاني : إن الكفار إذا عاينوا جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم ، فقالوا : يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا؟ ثم قالوا : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) ، أقروا حين لم ينفعهم الإقرار. وقيل : قالت الملائكة لهم : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ). قال مجاهد : يقول الكفار : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) فيقول المؤمنون : (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ).

(إِنْ كانَتْ) ، ما كانت ، (إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً) ، يعني النفخة الأخيرة ، (فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ).

(فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٥٤).

(إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ) ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (شُغُلٍ) بسكون الغين والباقون بضمها ، وهما لغتان ، مثل السّحت والسّحت ، واختلفوا في معنى الشغل ، قال ابن عباس : في افتضاض الأبكار. وقال وكيع بن الجراح : في السماع. وقال الكلبي : في شغل عن أهل النار وعمّا هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم. وقال الحسن : شغلوا بما في الجنة من النعيم عمّا فيه أهل النار من العذاب. وقال ابن كيسان : في زيارة بعضهم بعضا. وقيل : في ضيافة الله تعالى : (فاكِهُونَ) ، قرأ أبو جعفر فكهون حيث كان ، وافقه حفص في المطففين [٣١] ؛ وهما لغتان مثل الحاذر والحذر ، أي ناعمون. قال مجاهد والضحاك : معجبون بما هم فيه. وعن ابن عباس قال : فرحون.

(هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠))

(هُمْ وَأَزْواجُهُمْ) ، أي حلائلهم ، (فِي ظِلالٍ) ، قرأ حمزة والكسائي ظلل بضم الظاء من غير ألف ، جمع ظلة ، وقرأ العامة (فِي ظُلَلٍ) بالألف وكسر الظاء على جمع ظل ، (عَلَى الْأَرائِكِ) ، يعني السرر في الحجال واحدتها أريكة. قال ثعلب : لا تكون أريكة حتى يكون عليها حجلة. (مُتَّكِؤُنَ) ، ذوو اتكاء (٢).

(لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) (٥٧) ، يتمنون ويشتهون.

(سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٥٨) ، أي يسلم الله عليهم قولا. أي يقوله (٣) الله لهم قولا.

__________________

(١) في المخطوط «الآخرة».

(٢) زيادة عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «يقول» والمثبت عن المخطوط.

١٧

[١٧٨٥] أخبرنا أبو سعيد بن إبراهيم الشريحي أنا إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق المؤذن حدثني أبو بكر أحمد بن محمد بن موسى الملحمي الأصفهاني أنا الحسن بن أبي علي الزعفراني أنا ابن أبي الشوارب أنا أبو عاصم العباداني أنا الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطح لهم نور فرفعوا رءوسهم ، فإذا الربّ تعالى قد أشرف عليهم من فوقهم ، فقال : السلام عليكم يا أهل الجنة ، فذلك قوله : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٩)) ، فينظر إليهم وينظرون إليه ، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم».

وقيل : تسلم عليهم الملائكة من ربهم. وقال مقاتل : تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون : سلام عليكم يا أهل الجنة من ربكم الرحيم. وقيل : يعطيهم السلامة (١) يقول : اسلموا السلامة الأبدية.

(وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) ، (٥٩) ، قال مقاتل : اعتزلوا اليوم من الصالحين. قال أبو العالية : تميزوا. وقال السدي : كونوا على حدة. وقال الزجاج : انفردوا عن المؤمنين. قال الضحاك : إن لكل كافر في النار بيتا يدخل ذلك البيت ويردم بابه بالنار فيكون فيه أبد الآبدين ، لا يرى ولا يرى.

(أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ) ، ألم آمركم يا بني آدم ، (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) ، أي لا تطيعوا الشيطان في معصية الله ، (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، ظاهر العداوة.

(وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥))

(وَأَنِ اعْبُدُونِي) ، أطيعوني ووحدوني ، (هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً) ، قرأ أهل المدينة وعاصم (جِبِلًّا) بكسر الجيم والباء وتشديد اللام ، وقرأ يعقوب (جِبِلًّا) بضم الجيم والباء وتشديد اللام ، وقرأ [ابن](٢) عامر وأبو عمرو بضم الجيم ساكنة الباء خفيفة اللام ، وقرأ الآخرون (٣) بضم الجيم والباء خفيفة اللام وكلها لغات صحيحة ، ومعناها :

__________________

[١٧٨٥] ـ إسناده ضعيف جدا ، أبو عاصم منكر الحديث ، والفضل قال عنه الذهبي في «الميزان» : ساقط.

ـ ابن أبي الشوارب هو محمد بن عبد الملك ، أبو عاصم هو عبد الله بن عبيد الله. الفضل هو ابن عيسى.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١٨٤ والآجري في «الشريعة» ٦٢٦ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٥١٧ من طريق محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» ٩١ والبيهقي في «البعث» ٤٩٣ من طريق العبّاداني به ، وقال البوصيري في «الزوائد» : أبو عاصم العبّاداني منكر الحديث قاله العقيلي.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٩٨ وقال : رواه البزار ، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي ، وهو ضعيف.

ـ وانظر «تفسير القرطبي» ٥١٧٢ بتخريجي.

(١) في المخطوط «السلام».

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) في المخطوط «الباقون» والمعنى واحد.

١٨

الخلق والجماعة أي خلقا كثيرا ، (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ). ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية (١) بطاعة إبليس ، ويقال لهم لما دنوا من النار :

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (٦٣) ، بها في الدنيا.

(اصْلَوْهَا) ، ادخلوها.

(الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٦٥) ، هذا حين ينكر الكفار كفرهم وتكذيبهم الرسل بقولهم : (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ، فيختم على أفواههم وتشهد عليهم جوارحهم.

[١٧٨٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو الحسين محمد بن عمرو بن حفصويه السرخسي سنة خمس وثمانين (٢) وثلاثمائة أنا أبو زيد حاتم بن محبوب أنا عبد الجبار [بن](٣) العلاء أنا سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : سأل الناس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقالوا (٤) : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال : «هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحاب؟» قالوا : لا يا رسول الله. قال : «فهل تضارون في رؤية الشمس عند الظهيرة ليست في سحاب؟» قالوا : لا يا رسول الله. قال : «والذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم ، كما لا تضارّون في رؤيتهما» قال : فيلقى العبد قال فيقول : أي قل ألم أكرمك؟ ألم أسوّدك؟ ألم أزوّجك؟ ألم أسخّر لك الخيل والإبل وأتركك تترأس وتتربّع؟ قال بلى يا رب ، قال : فظننت أنك ملاقيّ؟ قال : لا يا رب ، قال : فاليوم أنساك كما نسيتني قال : فيلقى الثاني ، فيقول : ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأتركك تترأس وتتربّع؟ قال : فيقول : بلى يا رب ، قال : فظننت أنك ملاقيّ؟ قال : لا يا رب لا ، قال : فاليوم أنساك كما نسيتني ، قال : ثم يلقى الثالث ، فيقول : ما أنت؟ فيقول : أنا عبدك آمنت بك ، وبنبيّك وبكتابك ، وصمت وصلّيت وتصدّقت ، ويثني بخير ما استطاع ، فيقال له : أفلا نبعث عليك شاهدنا؟ قال : فيفكّر في نفسه من الذي تشهد عليه فيختم على فيه ، ويقال لفخذه : انطقي ، قال : فتنطق فخذه ، ولحمه وعظامه بما كان يعمل ، قال : وذلك المنافق ، وذلك ليعذر من نفسه ، وذلك الذي سخط الله عليه» (٥).

[١٧٨٧] أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي أبو سهل عبد الصمد بن عبد الرحمن

__________________

[١٧٨٦] ـ إسناده على شرط مسلم.

ـ سفيان هو ابن عيينة ، سهيل هو ابن ذكوان.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٢٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٤٦٤٢ من طريق عبد الجبار بن العلاء بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٦٨ وابن مندة في «الإيمان» ٨٠٩ وابن حبان ٧٤٤٥ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ١٥٤ من طريقين عن سفيان به مطوّلا.

ـ وله شاهد من حديث أنس أخرجه البخاري ٢٩٦٩ ، وأبو يعلى ٣٩٧٧ وابن حبان ٧٣٥٨.

[١٧٨٧] ـ إسناده حسن للاختلاف المعروف في بهز عن آبائه. ـ

(١) في المخطوط «السابقة» والمعنى واحد.

(٢) في المطبوع «ثلاثين».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في المطبوع «قال» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٥) سياق هذا الحديث في المطبوع فيه تقديم وتأخير ، واختلاف في بعض الجمل والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.

١٩

البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدّبري أنا عبد الرزاق أنا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنكم تدعون فيفدم على أفواهكم بالفدام فأول [ما](١) يسأل عن أحدكم فخذه وكفه».

[١٧٨٨] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا أبو بكر بن أبي النضر حدثني هاشم بن القاسم أنا عبيد الله (٢) الأشجعي عن سفيان الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل عن الشعبي عن أنس بن مالك قال : كنّا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضحك فقال : «هل تدرون ممّ أضحك»؟ قال : قلنا الله ورسوله أعلم ، قال : «من مخاطبة العبد ربّه» ، يقول : يا رب ألم تجرني (٣) من الظلم؟ قال : يقول بلى : قال : فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلّا شاهدا مني ، قال : فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا ، قال : فيختم على فيه ، فيقال لأركانه : انطقي ، قال : فتنطق بأعماله ، قال : ثم يخلّى بينه وبين الكلام [وإلّا](٤) فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضل».

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩))

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ) ، أي أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها (٥) جفن ولا شق ،

__________________

ـ عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد ، معاوية هو ابن حيدة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٢٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «تفسير عبد الرزاق» ٢٦٩٩ عن معمر به.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٤٦٩ وفي «التفسير» ٤٨٩ والطبراني ١٩ / (٩٦٩) من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٤ ـ ٥ وابن المبارك في «الزهد» ٩٨٧ من طريقين عن بهز بن حكيم به.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٤٤٦ ـ ٤٤٧ والنسائي في «الكبرى» ١١٤٣١ وفي «التفسير» ٤٥١ من طريق شبل عن أبي قزعة عن عمرو بن دينار عن حكيم بن معاوية عن أبيه أنه جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره مطوّلا.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣٥١ وقال : رواه أحمد في حديث طويل ، ورجاله ثقات.

[١٧٨٨] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ أبو بكر مشهور بكنيته ، قيل : اسمه أحمد ، وقيل : محمد وهو ابن النضر بن أبي النضر ، وقد ينسب لجده كما وقع عند البغوي. الأشجعي هو ابن عبد الرحمن.

ـ سفيان هو ابن سعيد ، عبيد هو ابن مهران ، الشعبي هو عامر بن شراحيل.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢٩٦٩ عن أبي بكر بن النضر بهذا الاسناد.

وأخرجه أبو يعلى ٣٩٧٧ وابن حبان ٧٣٥٨ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٦٧ من طرق عن أبي بكر بن أبي النضر به. ـ

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المخطوط «عبد الله» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب التراجم.

(٣) في المطبوع «تجزني» والمثبت عن «صحيح مسلم» و «ط» والمخطوط.

(٤) سقط من المطبوع.

(٥) في المخطوط «لهن».

٢٠