تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

لقلنا مثل هذا فكذبهم الله تعالى ، فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب ، وهو كلام في أعلى طبقات المبالغة لا يشبه كلام الخلق ، لأنه غير مخلوق ولو كان مخلوقا لأتوا بمثله.

(وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣))

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) ، من كل وجه من العبر والأحكام والوعد والوعيد وغيرها ، (فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) ، جحودا.

(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) ، لن نصدقك ، (حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) ، قرأ أهل الكوفة ويعقوب (تَفْجُرَ) بفتح التاء وضم الجيم مخففا ، لأن الينبوع واحد ، وقرأ الباقون بالتشديد من التفجير ، واتفقوا على تشديد قوله : (فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) ، لأن الأنهار جمع والتشديد يدل على التكثير ، ولقوله : «تفجيرا من بعده».

[١٣٣١] وروى عكرمة عن ابن عباس : أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب والنضر بن الحارث وأبا البختري بن هشام والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج اجتمعوا ومن اجتمع معهم بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سريعا وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بداء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم حتى جلس إليهم ، فقالوا : يا محمد إنا بعثنا إليك لنعذر فيك وإنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك ، لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة ، وفرقت الجماعة فما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بينك وبيننا ، فإن كنت جئت بهذا الحديث تطلب به مالا جعلنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تطلب الشرف سوّدناك علينا ، وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الأمر الذي بك رئي تراه حتى قد غلب عليك لا تستطيع رده بذلنا لك أموالنا في طلب [الطلب](١) حتى نبرئك منه ، أو نعذر فيك ، وكانوا يسمون التابع من الجن : الرئي ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بي ما تقولون ما جئتكم بما جئتكم به أطلب (٢) أموالكم ولا الشرف عليكم ، ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا ، وأنزل عليّ كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلّغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه عليّ أصبر

__________________

[١٣٣١] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٢٢٧١٩ عن ابن إسحاق عن شيخ من أهل مصر عن عكرمة عن ابن عباس به ، وإسناده ضعيف ، فيه راو لم يسمّ ، وكرره الطبري ٢٢٧٢٠ عن ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد به وإسناده ضعيف لجهالة محمد هذا.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «لطلب».

١٦١

لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم» فقالوا : يا محمد إن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد أضيق منّا بلادا ولا أشد منّا عيشا فسل لنا ربك الذي بعثك فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا ، ويبسط لنا بلادنا ويفجّر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق ، وليبعث لنا من مضى من آبائنا وليكن فيهم (١) قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عمّا تقول أحق هو أم باطل ، فإن صدقوك صدقناك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بهذا بعثت فقد بلغتكم ما أرسلت به ، فإن تقبلوه مني فهو حظكم في الدنيا والآخرة ، وإن تردوه [عليّ](٢) أصبر لأمر الله» ، قالوا : فإن لم تفعل هذا فسل ربك أن يبعث لنا ملكا يصدقك واسأله أن يجعل لك جنانا وقصورا وكنوزا من ذهب وفضة يغنيك بها عمّا نراك ، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه ، فقال : «ما بعثت بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا» ، قالوا : فأسقط السماء كما زعمت ، إن ربك لو شاء فعل ، فقال : «ذلك إلى الله إن شاء فعل ذلك بكم فعله» ، وقال قائل منهم : لن نؤمن لك حتى تأتينا بالله والملائكة قبيلا ، فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقام معه عبد الله بن أبي أمية وهو ابن عمته عاتكة بنت عبد المطلب ، فقال : يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا عليك فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا يعرفون بها منزلتك من الله تعالى فلم تفعل ، ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب ، فلم تفعل ، فو الله لا أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ترقى فيها وأنا انظر حتى تأتيها وتأتي بنسخة منشورة معك ونفر من الملائكة يشهدون لك بما تقول ، وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أن لا أصدقك ، فانصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أهله حزينا لما رأى من مباعدتهم ، فأنزل الله تعالى : (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ) يعني : أرض مكة (يَنْبُوعاً) أي : عيونا.

(أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ) ، بستان (مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) ، تشقيقا.

(أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً) ، قرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح السين ، أي ؛ قطعا وهي جمع كسفة ، وهي القطعة والجانب مثل كسرة وكسر ، وقرأ الآخرون بسكون السين على التوحيد ، وجمعه أكساف وكسوف ، أي : تسقطها طبقا واحدا. وقيل : أراد جانبها علينا. وقيل : معناه أيضا القطع ، وهي جمع التكسير مثل سدرة وسدر في الشعراء [٨٧] وسبأ [٩] «كسفا» بالفتح ، حفص ، وفي الروم [٤٨] ساكنة أبو جعفر ، وابن عامر. (أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) ، قال ابن عباس : كفيلا أي يكفلون بما تقول. وقال الضحاك : ضامنا. وقال مجاهد : هو جمع القبيلة أي : بأصناف الملائكة قبيلة قبيلة. وقال قتادة : عيانا ، أي : [نراهم مقابلة](٣). وقال الفراء : هو من قول العرب لقيت فلانا قبلا (٤) ، وقبيلا أي : معاينة.

(أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) أي : من ذهب ، وأصله الزينة ، (أَوْ تَرْقى) ، تصعد ، (فِي السَّماءِ) ، هذا قول عبد الله بن أبي أمية ، (وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ) ، لصعودك ، (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) ، أمرنا فيه باتباعك ، (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي) ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «قال» يعني محمدا ، وقرأ الآخرون على الأمر ، أي : قل يا محمد ، (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) ، أمره بتنزيهه وتمجيده ، على معنى أنه لو أراد أن ينزل ما

__________________

(١) في المطبوع «منهم».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) العبارة في المطبوع و ـ ط «تراهم القابلة أي معاينة» والمثبت عن المخطوط ، ويدل عليه عبارة «الوسيط» ٣ / ١٢٧.

(٤) في المطبوع و ـ ط «قبيلا».

١٦٢

طلبوا لفعل ، ولكن الله لا ينزل الآيات على ما يقترحه البشر ، وما أنا إلّا بشر وليس ما سألتم من (١) طوق البشر.

واعلم أن الله تعالى قد أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الآيات والمعجزات ما يغني عن هذا كله ، مثل القرآن وانشقاق القمر وتفجير العيون من بين الأصابع وما أشبهها ، والقوم عامتهم كانوا متعنتين لم يكن قصدهم طلب الدليل ليؤمنوا ، فردّ الله عليهم سؤالهم.

(وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧))

قوله عزوجل : (وَما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلَّا أَنْ قالُوا) ، جهلا منهم ، (أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً) ، أراد أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر ، وهلا بعث الله إلينا ملكا فأجابهم الله تعالى :

(قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ) ، مستوطنين مقيمين ، (لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً) ، من جنسهم لأن القلب إلى الجنس أميل منه إلى غير الجنس.

(قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ، أني رسوله إليكم ، (إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً).

(وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ) ، يهدونهم ، (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ).

[١٣٣٢] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا الحسين (٢) بن شجاع الصوفي المعروف بابن الموصلي أنبأنا أبو بكر بن الهيثم ثنا جعفر بن محمد الصائغ ثنا حسين بن محمد ثنا شيبان (٣) عن قتادة عن أنس [بن مالك](٤) أن رجلا قال : يا رسول الله كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه».

__________________

[١٣٣٢] ـ صحيح. جعفر بن محمد ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. شيبان بن عبد الرحمن النحوي ، قتادة بن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢١٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٣٦٧ وابن حبان ٧٣٢٣ وأبو نعيم في «الحلية» ٢ / ٣٤٣ من طرق عن الحسين بن محمد به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٧٦٠ و ٦٥٢٣ ومسلم ٢٨٠٦ وأبو يعلى ٣٠٤٦ وأحمد ٣ / ٢٢٩ من طريق يونس بن محمد البغدادي عن شيبان به.

(١) في المطبوع «في».

(٢) تصحف في المطبوع «الحسن».

(٣) تصحف في المطبوع «سفيان».

(٤) زيادة عن المخطوط.

١٦٣

[١٣٣٣] وجاء في الحديث : «إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك» ، (عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا) ، فإن قيل : كيف وصفهم بأنهم عمي وبكم وصم. وقد قال : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ) [الكهف : ٥٣] ، وقال : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) [الفرقان : ١٣] وقال : (سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان : ١٢] ، أثبت [لهم](١) الرؤية والكلام والسمع؟ قيل : يحشرون على ما وصفهم الله ثم تعاد إليهم هذه الأشياء ، وجواب آخر قال ابن عباس : عميا لا يرون ما يسرهم كما لا ينطقون بحجة ، صما لا يسمعون شيئا يسرهم. وقال الحسن : هذا حين يساقون إلى الموقف إلى أن يدخلوا النار. وقال مقاتل : هذا حين [يساقون إلى الموقف](٢) يقال لهم : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] فيصيرون بأجمعهم عميا وبكما وصما لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون. (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ) ، قال ابن عباس : كلما سكنت ، أي : سكن لهبها. وقال مجاهد : طفئت وقال قتادة : ضعف وقيل : هو الهدو من غير أن يوجد نقصان في ألم (٣) الكفار ، لأن الله تعالى قال : (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) [الزخرف : ٧٥] ، وقيل : [كلما خبت] أي أرادت أن تخبو ، (زِدْناهُمْ سَعِيراً) ، أي : وقودا ، وقيل : المراد من قوله (كُلَّما خَبَتْ) أي نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا (٤) إلى ما كانوا عليه وزيد في تسعير النار لتحرقهم [وتؤلمهم](٥).

(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١))

(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) (٩٨) فأجابهم الله تعالى :

فقال : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، في عظمتها وشدتها (٦) ، (قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) ، في صغرهم وضعفهم ، نظيره قوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧]. (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً) ، وقتا لعذابهم ، (لا رَيْبَ فِيهِ) ، أنه يأتيهم ، قيل : هو الموت ، وقيل : هو يوم القيامة ، (فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً) ، جحودا وعنادا.

(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) أي : نعمة ربي. وقيل : رزق ربي ، (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ) ، لبخلتم

__________________

[١٣٣٣] ـ هو عجز حديث أخرجه الترمذي ٣١٤٢ وأحمد ٢ / ٤٤٧ والبيهقي في «الشعب» ١ / ٣١٨ عن أبي هريرة مرفوعا ، وصدره «يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف» وإسناده ضعيف ، لضعف علي بن زيد بن جدعان ، لكن للحديث شواهد بمعناه ، انظر «الدر المنثور» ٤ / ٣٦٨ فالحديث حسن «بشواهده» إن شاء الله ، والله أعلم.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «آلام».

(٤) زيد في المطبوع «فيها».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيد في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «عظمها وشدتها» والأشبه «عظمتهما وشدتهما».

١٦٤

وحسبتم ، (خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) ، أي : خشية الفاقة ، قاله قتادة ، وقيل : خشية النفاد ، يقال : أنفق الرجل أي أملق وذهب ماله ونفق الشيء ، إذا : ذهب ، وقيل : لأمسكتم عن الإنفاق خشية الفقر ، (وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) ، بخيلا : ممسكا عن الإنفاق.

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) ، أي : دلالات واضحات ، والآيات التسع :

قال ابن عباس والضحاك : هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه فحلها وفلق البحر والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم.

وقال عكرمة وقتادة ومجاهد وعطاء : هي الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والعصا واليد والسنون ونقص الثمرات. وذكر محمد بن كعب القرظي : الطمس والبحر بدل السنين ونقص من الثمرات ، وقال فكان الرجل منهم مع أهله في فراشه وقد صارا حجرين ، والمرأة منهم قائمة تخبز وقد صارت حجرا.

وقال بعضهم : هنّ آيات الكتاب.

[١٣٣٤] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسن (١) بن محمد الثقفي أنا هارون بن محمد بن هارون العطار (٢) أنبأنا يوسف بن عبد الله بن ماهان ثنا [أبو](٣) الوليد الطيالسي ثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة (٤) عن صفوان بن عسّال المرادي أن يهوديا قال لصاحبه تعالى حتى نسأل هذا النبي ، فقال الآخر : لا تقل نبي فإنه لو سمع [صارت أربعة أعين](٥) ، فأتياه فسألاه عن هذه الآية : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) فقال : «لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلّا بالحق ، ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا ، ولا تحسروا ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ، ولا تسرفوا ولا تقذفوا المحصنة ، ولا تفروا من الزحف ، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت» ، فقبلا يده ، قالا (٦) : نشهد أنك نبي ، قال : فما يمنعكم أن تتبعوني؟ قالا : إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود.

قوله عزوجل : (فَسْئَلْ) ، يا محمد ، (بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ) ، موسى ، يجوز أن يكون الخطاب معه

__________________

[١٣٣٤] ـ ضعيف. إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن سلمة ، قال البخاري : لا يتابع على حديثه ، وقال أبو حاتم والنسائي : يعرف وينكر ، أبو الوليد هو هشام بن عبد الملك ، شعبة بن الحجاج.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٣٠ عن طريق أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣١٤٤ من طرق أبي داود ويزيد بن هارون وأبي الوليد عن شعبة به وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٣٩ من طريق يزيد ومحمد بن جعفر عن شعبة به.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٣٥٤١ و ٨٦٥٦ من طريق ابن إدريس عن شعبة به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٤٠ من طريق يحيى بن سعيد عن شعبة به.

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٩ من طريق وهب بن جرير وآدم بن إياس ومحمد بن جعفر عن شعبة به.

ـ وصححه ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٢ / ٦٩٧ : عبد الله بن سلمة كبر فساء حفظه.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٧٠٥ من طريق شعبة بهذا الإسناد باختصار شديد.

(١) في المخطوط «الحسين».

(٢) في المطبوع وحده «العطارد».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في المطبوع «مسلمة».

(٥) سقط من المخطوط.

(٦) في المطبوع «وقال» وفي المخطوط «وقالوا».

١٦٥

والمراد غيره ، ويجوز أن يكون خاطبه عليه‌السلام وأمره بالسؤال ليتبين كذبهم مع قومهم. (فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) ، أي : مطبوبا سحروك ، قاله الكلبي ، وقال ابن عباس : مخدوعا. وقيل : مصروفا عن الحق. وقال الفراء وأبو عبيدة : ساحرا ، فوضع المفعول موضع الفاعل. وقال محمد بن جرير : معطى علم السحر ، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك.

(قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))

(قالَ) ، موسى ، (لَقَدْ عَلِمْتَ) ، قرأ العامة بفتح التاء خطابا لفرعون ، وقرأ الكسائي بضم التاء ، ويروى ذلك عن علي [رضي الله عنه](١) ، وقال : لم يعلم الخبيث أن موسى على الحق ، ولو علم لأمن ولكن موسى هو الذي علمه ، وقال ابن عباس : علمه فرعون ولكنه عاند ، قال الله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤] ، وهذه القراءة وهي نصب التاء أصح في المعنى وعليه أكثر القراء ، لأن موسى لا يحتج عليه بعلم نفسه ، ولم يثبت عن علي رفع التاء لأنه يروى عن رجل من مراد عن علي ، وذلك الرجل مجهول ولم يتمسك بها أحد من القراء غير الكسائي ، (ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ) ، هذه الآيات التسع ، (إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) ، جمع بصيرة أي يبصر بها ، (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) ، قال ابن عباس : ملعونا. وقال مجاهد : هالكا. وقال قتادة : مهلكا. وقال الفراء : أي مصروفا ممنوعا عن الخير. يقال : ما ثبرك عن هذا الأمر أي ما منعك وصرفك عنه.

(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ) ، أي : أراد فرعون أن يستفز (٢) موسى وبني إسرائيل أي يخرجهم ، (مِنَ الْأَرْضِ) ، يعني أرض مصر ، (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) ، ونجينا موسى وقومه.

(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ) ، أي من بعد هلاك فرعون ، (لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ) ، يعني أرض مصر والشام ، (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) ، يعني يوم القيامة ، (جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً) أي : جميعا إلى موقف القيامة. واللفيف : الجمع الكثير إذا كانوا مختلطين من كل نوع ، يقال : لفّت (٣) الجيوش إذا اختلطوا ، وجمع القيامة. كذلك ، فيهم (٤) المؤمن والكافر والبر والفاجر. وقال الكلبي : فإذا جاء وعد الآخرة يعني مجيء عيسى من السماء جئنا بكم لفيفا أي (٥) النّزّاع : من كل قوم من هاهنا وهاهنا لفوا جميعا.

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (١٠٥) وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً (١٠٦) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩))

__________________

ـ وانظر «تفسير الكشاف» ٦٣٧ بتخريجي ، وفي الحديث بعض الألفاظ المنكرة ، وقد نبه عليها الحافظ ابن كثير عند هذه الآية.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «يستفزهم».

(٣) في المخطوط «لفف».

(٤) في المخطوط «منهم».

(٥) زيد في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «أنواعا» والمثبت هو الراجح ، ويدل عليه ونزعنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً ... الآية.

١٦٦

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) ، يعني القرآن ، (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً) للمطيعين ، (وَنَذِيراً) ، للعاصين.

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) ، قيل : أنزلنا نجوما لم ينزل مرة واحدة ، بدليل قراءة ابن عباس : «وقرآنا فرّقناه» بالتشديد ، وقراءة العامة بالتخفيف ، أي : فصّلناه. وقيل : بيّناه. وقال الحسن : معناه فرقنا به بين الحق والباطل. (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ) أي : على تؤدة وترسل في ثلاث وعشرين سنة ، (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) [أي رتلناه ترتيلا](١).

(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) ، هذا على طريق الوعيد والتهديد ، (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) ، قيل : هم مؤمنو أهل الكتاب وهم الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أسلموا بعد مبعثه ، مثل زيد بن عمرو (٢) بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم. (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) ، يعني القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) أي : يسقطون على الأذقان ، قال ابن عباس : أراد بها الوجوه ، (سُجَّداً).

(وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) (١٠٨) ، أي : كائنا واقعا.

(وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ) ، أي : يقعون على الوجوه يبكون ، والبكاء مستحب عند قراءة القرآن ، (وَيَزِيدُهُمْ) ، نزول القرآن ، (خُشُوعاً) ، خضوعا لربهم ، نظيره قوله تعالى : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) [مريم : ٥٨].

[١٣٣٥] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمرو بكر بن محمد المزني ثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الحفيد (٣) ثنا الحسين بن الفضل البجلي أنا عاصم بن علي بن عاصم ثنا المسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يلج النار من بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع ، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا».

[١٣٣٦] أخبرنا أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري أنا أبو القاسم عبد الخالق بن علي بن

__________________

[١٣٣٥] ـ حديث حسن. إسناده ضعيف ، فيه عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، وقد اختلط ، لكن تابعه مسعر عند النسائي وابن حبان ، ومسعر ثقة.

ـ والحديث بدون «حتى يعود اللبن في الضرع» صحيح له شواهد كثيرة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٦٣ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٣١١ و ١٦٣٣ والنسائي ٦ / ١٢ وأحمد ٢ / ٥٠٥ والحاكم ٤ / ٢٥٩ من طرق عن المسعودي به.

ـ وأخرجه النسائي ٦ / ١٢ من طريق مسعر عن محمد بن عبد الرحمن به.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي حسن صحيح.

ـ وأخرج ابن حبان ٤٦٠٧ عجزه فقط من طريق مسعر عن محمد بن عبد الرحمن به.

[١٣٣٦] ـ متن حسن صحيح بشواهده. إسناده ضعيف لضعف محمد بن يونس الكديمي ، وجهالة أبي حبيب القنوي ، حيث لم أجد له ترجمة ، وقد توبع محمد بن يونس عند الطبراني ، فانحصرت العلة في أبي حبيب ، وللحديث شواهد كثيرة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٦٤ بهذا الإسناد.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «عمر».

(٣) تصحف في المطبوع «الجنيد».

١٦٧

عبد الخالق المؤذن أنا [أبو](١) أحمد بكر بن محمد بن حمدان ثنا محمد بن يونس الكديمي (٢) أنبأنا عبد الله بن محمد الباهلي ثنا أبو حبيب القنوي (٣) ثنا بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «حرمت النار على ثلاث أعين : عين بكت من خشية الله ، وعين سهرت في سبيل الله ، وعين غضت عن محارم الله».

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً (١١١))

قوله جلّ وعلا : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ).

[١٣٣٧] قال ابن عباس : سجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ذات ليلة فجعل يبكي ويقول في سجوده : «يا الله يا رحمن» فقال أبو جهل : إن محمدا ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومعناه أنهما اسمان لواحد ، (أَيًّا ما تَدْعُوا) ، «ما» صلة معناه أيا (٤) تدعو من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه ، (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها).

[١٣٣٨] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل أنا يعقوب بن إبراهيم [نا] هشيم ثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) قال : نزلت ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مختف بمكة كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ) أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً).

__________________

ـ وأخرجه الطبراني في «الكبير» ١٩ / ٤١٦ من طريق عبد الله بن محمد الباهلي بهذا الإسناد.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٤ / ٢٨٨ وقال : وفيه أبو حبيب العنقزي ويقال : القنوي ولم أعرفه ، وبقية رجاله ثقات.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٥ / ٢٠٩ وفي إسناده محمد بن يونس الكديمي وهو ضعيف كما في «التقريب». وعطاء الخراساني لين الحديث ، وللحديث شواهد كثيرة يتقوى بها انظر «الترغيب والترهيب» للمنذري ٢ / ٢٠٧ ـ ٢٠٩.

[١٣٣٧] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٢٨٠١ عن ابن عباس ، وإسناده ضعيف ، لضعف حسين بن داود ، الملقب ب «سنيد».

ـ وأخرجه الطبري ٢٢٢٨٠٢ عن مكحول مرسلا ، ومع إرساله فيه سنيد ، وهو ضعيف.

[١٣٣٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، هشيم هو ابن بشير ، أبو بشر هو جعفر بن إياس.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٧٢٢ عن يعقوب بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٧٤٩٠ و ٧٥٢٥ و ٧٥٤٧ ومسلم ٤٤٦ والترمذي ٣١٤٤ والنسائي ٢ / ١٧٧ ـ ١٧٨ وأحمد ٢ / ٢٣ و ٢١٥ والطبري ٢٢٨٢٥ وابن حبان ٦٥٦٣ والبيهقي ٢ / ١٨٤ والواحدي في «أسباب النزول» ٥٩٦ من طرق عن هشيم به.

ـ وأخرجه النسائي ٢ / ١٧٨ والطبري ٢٢٨٢٨ والطبراني ١٢٤٥٤ من طرق عن الأعمش عن أبي بشر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣١٤٥ من طريق شعبة عن أبي بشر به.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) تصحف في المطبوع «الكريمي».

(٣) تصحف في المطبوع «الغنوي».

(٤) زيد في المطبوع و ـ ط «ما».

١٦٨

[١٣٣٩] وبهذا الإسناد عن محمد بن إسماعيل قال : ثنا مسدد عن هشيم عن أبي بشر بإسناده مثله وزاد (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ، أسمعهم ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن.

وقال قوم : نزلت الآية في الدعاء وهو قول عائشة رضي الله عنها والنخعي ومجاهد ومكحول.

[١٣٤٠] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا طلق بن غنام ثنا زائدة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها [في قوله تعالى](١) (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) ، قالت : أنزل ذلك في الدعاء.

[١٣٤١] وقال عبد الله بن شداد : كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا : اللهم ارزقنا مالا وولدا فيجهرون بذلك ، فأنزل الله هذه الآية : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ).

أي : لا ترفع صوتك بقراءتك أو بدعائك ولا تخافت بها ، والمخافتة خفض الصوت والسكوت ، وابتغ بين ذلك سبيلا أي : بين الجهر والخفاء.

[١٣٤٢] أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي أنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمود بن غيلان ثنا يحيى بن إسحاق ثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن أبي رباح الأنصاري عن أبي قتادة أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأبي بكر : «مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض صوتك ، فقال : إني سمعت من ناجيت ، فقال : ارفع قليلا ، وقال لعمر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك ، فقال : إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان ، فقال : اخفض قليلا».

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) ، أمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأن يحمده (٢) على وحدانيته ، ومعنى الحمد لله هو الثناء عليه بما هو أهله ، قال الحسين بن الفضل : معناه الحمد لله الذي عرفني أنه لم يتخذ ولدا ، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) ، قال مجاهد : لم يذل حتى يحتاج إلى ولي يتعزز به ، (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) ، أي : وعظمه عن أن يكون له شريك أو ولي.

__________________

[١٣٣٩] ـ إسناده على شرط البخاري لتفرده عن مسدد.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٧٤٩٠ عن مسدد بهذا الإسناد ، وانظر الحديث المتقدم.

[١٣٤٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري فقد تفرد عن طلق ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ زائدة هو ابن قدامة ، هشام هو ابن عروة بن الزبير.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٤٧٢٣ عن طلق بن غنام بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري ٦٣٢٧ و ٧٥٢٦ والطبري ٢٢٨٠٦ و ٢٢٨٠٧ و ٢٢٨٠٨ من طرق عن هشام به.

[١٣٤١] ـ ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٢٢٨٢١ عن عبد الله بن شداد ، وهذا مرسل ، فهو ضعيف ، والمتن منكر جدا شبه موضوع ؛ ثم إن السورة مكية.

[١٣٤٢] ـ حديث صحيح ، إسناده على شرط مسلم ، وله شواهد.

ـ ثابت هو ابن أسلم البناني.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٩١٤ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق الترمذي ، وهو في «سننه» ٤٤٧ عن محمد بن غيلان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ١٣٢٩ والحاكم ١ / ٣١٠ من طريق يحيى بن إسحاق عن حماد به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «يحمد».

١٦٩

[١٣٤٣] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان ثنا أبو العباس الأصم [ثنا محمد بن يعقوب](١) ثنا محمد بن إسحاق الصّغاني ثنا نصر بن حماد أبو الحارث الوراق ثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء».

[١٣٤٤] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنبأنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة أن عبد الله بن عمر [و] قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحمد لله رأس الشكر ، ما شكر الله عبدا لا يحمده».

[١٣٤٥] أخبرنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري أنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ثنا يحيى بن خالد بن أيوب المخزومي ثنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشر الحرامي (٢) الأنصاري عن طلحة بن خراش (٣) عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أفضل الدعاء الحمد لله ، وأفضل الذكر لا إله إلا الله».

__________________

ـ وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي.

ـ وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه أبو داود ١٣٣٠ وإسناده حسن.

ـ وشاهد من حديث علي ، أخرجه أحمد ١ / ١٠٩ ، وله شاهد من مرسل ابن سيرين ، أخرجه الطبري ٢٢٨٣٥ ، وانظر «الكشاف» ٦٣٨ بتخريجي.

[١٣٤٣] ـ ضعيف. إسناده ضعيف جدا لأجل نصر بن حماد ، فإنه متروك ، لكن توبع ، فانحصرت العلة في حبيب بن أبي ثابت ، وهو مدلس ويرسل عمن لم يلقه ، ولا عبرة بتصريحه في رواية البغوي بالتحديث ، لأنه إسناد ساقط.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٦٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الآداب» ٨٨٧ من طريق أبي العباس الأصم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٥٠٢ والطبراني في «الكبير» ١٢٣٤٥ و «الصغير» ٢٨٨ والبزار ٣١١٤ والبيهقي في «الآداب» ٨٨٧ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٨٢ وفي «الحلية» ٥ / ٦٩ من طريقين عن حبيب بن أبي ثابت به.

ـ وصححه الحاكم على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي!؟ وليس كذلك ، فإن في إسناد «المستدرك» عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي ، وقد اختلط ، وفيه قراد أبو نوح وعنده مناكير.

ـ وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٢٠٦ عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير قوله ، ولعل الصواب وقفه ، فإن مسعرا ثقة ثبت.

ـ وقد علقه المصنف في سورة التوبة عند آية : ١١٢ من حديث ابن عباس.

[١٣٤٤] ـ ضعيف. رجاله ثقات مشاهير إلّا أنه منقطع ، قتادة لم يسمع من عبد الله بن عمرو بن العاص.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، قتادة بن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٦٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٥٣٩٥ وفي «الآداب» ٨٨٨ عن أبي الحسين بن بشران بهذا الإسناد.

ـ قال البيهقي : هكذا جاء مرسلا بين قتادة ، ومن فوقه.

ـ وقال السيوطي في «تدريب الراوي» ١ / ٥٧ : رجاله ثقات ، لكنه منقطع.

[١٣٤٥] ـ حسن. يحيى بن خالد لم أجد له ترجمة ، لكن تابعه غير واحد ، وشيخه صدوق حسن الحديث ، وكذا شيخ شيخه.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) تصحف في المطبوع و ـ ط «الخزامي».

(٣) تصحف في المطبوع «حراش».

١٧٠

[١٣٤٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا زهير ثنا منصور عن هلال بن يساف (١) عن الربيع بن عميلة (٢) عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحب الكلام إلى الله تعالى أربع : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، لا يضرك بأيهنّ بدأت».

تفسير سورة الكهف

مكية (٣) وهي مائة وإحدى عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (١))

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٦٢ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٣٨٣ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٣١ والحاكم ١ / ٥٠٣ وابن حبان ٨٤٦ من طرق عن يحيى بن عربي بهذا الإسناد.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلّا من حديث موسى بن إبراهيم.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٨٠٠ والبيهقي في «الشعب» ٤٣٧١ وابن أبي الدنيا في «الشكر» ص ٣٧ من طرق عن موسى بن إبراهيم الأنصاري به ، وصححه الحاكم ١ / ٤٩٨ ووافقه الذهبي.

ـ وحسبه الحسن من أجل موسى وشيخه طلحة.

[١٣٤٦] ـ إسناده على شرط الصحيح.

ـ زهير هو ابن معاوية ، منصور هو ابن المعتمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٦٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢١٣٧ وأحمد ٥ / ١٠ و ٢١ والطبراني ٦٧٩١ من طرق عن زهير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٤٦ وابن حبان ٨٣٥ من طريقين عن جرير عن منصور به.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٨٤٧ وابن ماجه ٣٨١١ والطيالسي ٨٩٩ وأحمد ٥ / ١١ و ٢٠ وابن حبان ٨٣٩ من طرق عن سلمة بن كهيل عن هلال بن يساف عن سمرة بن جندب به.

(١) تصحف في المطبوع «بشار» وفي المخطوط «يسار» والمثبت عن كتب الحديث والتراجم.

(٢) تصحف في المطبوع «خثيم».

(٣) وقع في المخطوط «مدنية» والمثبت هو الصواب.

ـ قال القرطبي رحمه‌الله ١٠ / ٣٤٦ : هي مكية في قول جميع المفسرين ، وروي عن فرقة أن أول السورة نزل بالمدينة إلى قوله «جرزا» والأول أصح.

١٧١

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ) ، أثنى الله على نفسه بإنعامه على خلقه ، وخص رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذكر ، لأن إنزال القرآن عليه كان نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم. (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً).

(قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (٢) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (٣) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً (٤) ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً (٥) فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧))

(قَيِّماً) ، فيه تقديم وتأخير معناه أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا (قَيِّماً) أي مستقيما. قال ابن عباس : عدلا. وقال الفراء : قيما على الكتب كلها أي : مصدقا لها ناسخا لشرائعها. وقال قتادة : ليس على التقديم والتأخير بل معناه : أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ، ولكن جعله قيما. قوله عزوجل : (وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً) [ولم يكن](١) مختلفا ، على ما قال الله تعالى : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] وقيل : معناه لم يجعله مخلوقا. وروي عن ابن عباس في قوله [تعالى](٢) (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) [الزمر : ٢٨] أي : غير مخلوق. (لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً) ، أي [لينذر](٣) ببأس شديد ، (مِنْ لَدُنْهُ) ، أي من عنده ، (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) ، أي الجنة.

(ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) (٣) أي : مقيمين فيه.

(وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) (٤).

(ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبائِهِمْ) ، أي قالوه عن جهل لا عن علم ، (كَبُرَتْ) ، أي : عظمت ، (كَلِمَةً) ، نصب على التمييز (٤) ، تقديره : كبرت الكلمة كلمة. وقيل : من كلمة ، فحذف «من» فانتصب ، (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) أي : تظهر من أفواههم ، (إِنْ يَقُولُونَ) ، ما يقولون ، (إِلَّا كَذِباً).

(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [قاتل نفسك](٥) (عَلى آثارِهِمْ) ، من بعدهم ، (إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ) ، أي : القرآن ، (أَسَفاً) ، أي حزنا وقيل غضبا.

(إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) ، فإن قيل : أيّ زينة في الحيّات والعقارب والشياطين؟ قيل : فيها زينة على معنى أنها تدل على وحدانية الله تعالى.

وقال مجاهد : أراد به الرجال خاصة هم زينة الأرض. وقيل : أراد به العلماء والصلحاء.

وقيل : الزينة بالنبات والأشجار والأنهار ، كما قال : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) [يونس : ٢٤] ، (لِنَبْلُوَهُمْ) ، لنختبرهم ، (أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ، أي أصلح عملا. وقيل : أيهم أترك للدنيا.

__________________

(١) في المطبوع «أي».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٤) زيد في المطبوع «يقال».

(٥) سقط من المطبوع و ـ ط.

١٧٢

(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠))

(وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) (٨) ، فالصعيد وجه الأرض. وقيل : هو التراب ، (جُرُزاً) يابسا أملس لا ينبت (١) شيئا يقال : جرزت الأرض إذا أكل نباتها.

قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) (٩) ، يعني أظننت يا محمد أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا أي هم عجب من آياتنا. وقيل : معناه إنهم ليسوا بأعجب من آياتنا فإن ما خلقت من السموات والأرض وما فيهن من العجائب أعجب منهم ، والكهف : هو الغار في الجبل.

واختلفوا في الرقيم ، قال سعيد بن جبير : هو لوح كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وقصصهم وهذا أظهر الأقاويل ، ثم وضعوه على باب الكهف وكان اللوح من رصاص ، وقيل : من حجارة ، فعلى هذا يكون الرقيم بمعنى المرقوم ، أي : المكتوب ، والرقم : الكتابة.

وحكي عن ابن عباس أنه قال : هو اسم للوادي الذي فيه أصحاب الكهف ، وعلى هذا هو من رقمة الوادي وهو جانبه.

وقال كعب الأحبار : هو اسم للقرية التي خرج منها أصحاب الكهف. وقيل : اسم للجبل الذي فيه الكهف ، ثم ذكر الله قصة أصحاب الكهف.

فقال : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) ، أي صاروا إليه ، واختلفوا في سبب مصيرهم إلى الكهف ، فقال محمد بن إسحاق بن يسار : مرج أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك حتى عبدوا الأصنام وذبحوا للطواغيت ، وفيهم بقايا على دين المسيح متمسكين بعبادة الله وتوحيده ، فكان ممن فعل ذلك من ملوكهم ملك من الروم يقال له دقيانوس عبد الأصنام وذبح للطواغيت ، وقتل من خالفه ، وكان ينزل قرى الروم ولا يترك في قرية نزلها أحدا إلا فتنه حتى يعبد الأصنام ويذبح للطواغيت أو قتله حتى نزل مدينة أصحاب الكهف وهي أقسوس فلما نزلها كبر على أهل الإيمان فاستخفوا منه وهربوا في كل وجه ، وكان دقيانوس حين قدمها أمر أن يتبع أهل الإيمان فيجمعوا له واتخذ شرطا من الكفار من أهلها يتبعون أهل الإيمان في أماكنهم فيخرجونهم إلى دقيانوس ، فيخيرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذبح للطواغيت ، فمنهم من يرغب في الحياة [فيعبدهم](٢) ومنهم من يأبى أن يعبد غير الله فيقتل.

فلما رأى ذلك أهل الشدة في الإيمان بالله جعلوا يسلمون (٣) أنفسهم للعذاب والقتل ، فيقتلون ويقطعون ثم يربط ما قطع من أجسادهم على سور المدينة من نواحيها وعلى كل باب من أبوابها حتى عظمت الفتنة ، فلما رأى ذلك الفتية حزنوا حزنا شديدا فقاموا واشتغلوا بالصلاة والصيام والصدقة والتسبيح والدعاء.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «يبيت».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «يسلموا».

١٧٣

وكانوا من أشراف الروم ، وكانوا ثمانية نفر بكوا وتضرعوا إلى الله وجعلوا يقولون : ربن رب السموات والأرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا إن عبدنا غيره اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة ، وارفع عنهم هذا البلاء حتى يعلنوا عبادتك ، فبينما هم على مثل ذلك وقد دخلوا في مصلى لهم أدركهم الشرط فوجدوهم وهم سجود على وجوههم يبكون ويتضرعون إلى الله ، فقالوا لهم : ما خلفكم عن أمر الملك انطلقوا إليه ثم خرجوا فرفعوا أمرهم إلى دقيانوس ، فقالوا : تجمع الناس للذبح لآلهتك وهؤلاء الفتية من أهل بيتك يستهزءون بك ويعصون أمرك ، فلما سمع بذلك بعث إليهم فأتى بهم تفيض أعينهم من الدمع معفرة وجوههم بالتراب. فقال لهم : ما منعكم أن تشهدوا الذبح لآلهتنا التي تعبد في الأرض وتجعلوا أنفسكم أسوة لسراة (١) أهل مدينتكم؟ فاختاروا إما أن تذبحوا لآلهتنا وإما أن أقتلكم (٢) ، فقال مكسلمينا وهو أكبرهم سنا : إن لنا إلها ملأ السموات والأرض عظمة لن ندعو من دونه إلها أبدا له الحمد والتكبير والتسبيح من أنفسنا خالصا أبدا ، إيّاه نعبد وإيّاه نسأل النجاة والخير ، فأما الطواغيت فلن نعبدها أبدا فاصنع بنا ما بدا لك.

وقال أصحاب مكسلمينا لدقيانوس مثل ما قال [مكسلمينا](٣) ، فلما قالوا ذلك أمر فنزع عنهم لبوسا كانت عليهم من لبوس عظمائهم ، ثم قال : سأفرغ لكم فأنجز لكم ما أوعدتكم من العقوبة وما يمنعني أن أعجل ذلك لكم إلّا إني أراكم شبانا حديثة أسنانكم ، فلا أحب أن أهلككم حتى أجعل لكم أجلا تذكرون فيه وتراجعون عقولكم ، ثم أمر بحلية كانت عليهم من ذهب وفضة فنزعت عنهم.

ثم أمرهم فأخرجوا من عنده وانطلق دقيانوس إلى مدينة سوى مدينتهم قريبا منهم لبعض أموره ، فلما رأى الفتية خروجه بادروا قدومه وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكرهم [وأن يفتك بهم](٤) فأتمروا بينهم أن يأخذ كل منهم نفقة من بيت أبيه فيتصدقوا منها ويتزودوا بما بقي ثم ينطلقوا إلى كهف قريب من المدينة في جبل يقال له مخلوس ، فيمكثون فيه ويعبدون الله حتى إذا جاء دقيانوس أتوه فقاموا بين يديه فيصنع بهم ما شاء ، فلما قال ذلك بعضهم لبعض عمد كل فتى منهم إلى بيت أبيه فأخذ نفقة فتصدق منها ، ثم انطلقوا بما بقي معهم واتبعهم كلب كان لهم حتى أتوا ذلك الكهف ، فلبثوا فيه. قال كعب الأحبار : مروا بكلب فتبعهم فطردوه [فعاد] ففعلوا (٥) ذلك مرارا فقال لهم الكلب : يا قوم ما تريدون مني لا تخشوا جانبي أنا أحب أحباب الله ، فناموا حتى أحرسكم.

وقال ابن عباس : هربوا ليلا من دقيانوس ، وكانوا سبعة فمروا براع معه كلب فتبعهم على دينهم وتبعه كلبه فخرجوا من البلد إلى الكهف وهو قريب من البلد.

قال ابن إسحاق : فلبثوا فيه ليس لهم عمل إلا الصلاة والصيام والتسبيح والتكبير والتحميد ابتغاء وجه الله ، وجعلوا نفقتهم إلى فتى منهم يقال له تمليخا فكان يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرا وكان من أحملهم وأجلدهم ، وكان إذا دخل المدينة يضع ثيابا كانت عليه حسانا ويأخذ ثيابا كثياب المساكين الذين يستطعمون فيها ثم يأخذ ورقه فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعاما وشرابا ويتجسس لهم الخبر هل ذكر هو وأصحابه بشيء ، ثم يرجع إلى أصحابه فلبثوا بذلك ما لبثوا.

__________________

(١) في المطبوع «لسادات من».

(٢) في المطبوع «أقتلنكم».

(٣) زيد في المطبوع.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «ففعل».

١٧٤

ثم قدم دقيانوس المدينة فأمر عظماء أهلها فذبحوا للطواغيت ففزع من ذلك أهل الإيمان وكان تمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعام قليل ، وأخبرهم أن الجبار قد دخل المدينة وأنهم قد ذكروا والتمسوا مع عظماء المدينة ففزعوا ووقعوا سجودا يدعون الله ويتضرعون إليه ويتعوذون من الفتنة.

ثم إن تمليخا قال لهم : يا إخوتاه ارفعوا رءوسكم وأطعموا وتوكلوا على ربكم ، فرفعوا رءوسهم وأعينهم تفيض من الدمع ، فطعموا وذلك [مع](١) غروب الشمس ثم جلسوا يتحدثون ويتدارسون ويذكر بعضهم بعضا فبينما هم على ذلك إذ ضرب الله على آذانهم النوم في الكهف وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف ، فأصابه ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون ونفقتهم عند رءوسهم.

فلما كان من الغد فقدهم دقيانوس فالتمسهم فلم يجدهم ، فقال لبعضهم : لقد ساءني شأن هؤلاء الفتية الذين ذهبوا ، لقد كانوا ظنوا أن بي غضبا عليهم لجهلهم ما جهلوا من أمري ما كنت لأحمل عليهم إن هم تابوا وعبدوا آلهتي.

فقال عظماء المدينة : ما أنت بحقيق أن ترحم قوما فجرة مردة عصاة قد كنت أجلت لهم أجلا ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الأجل ، ولكنهم لم يتوبوا.

فلما قالوا ذلك غضب غضبا شديدا ثم أرسل إلى آبائهم فأتى بهم فسألهم عنهم ، فقال : أخبروني عن أبنائكم المردة الذين عصوني [وتوعدهم بالقتل](٢) فقالوا له : أما نحن فلم نعصك فلم تقتلنا بقوم مردة قد ذهبوا بأموالنا ، فأهلكوها في أسواق المدينة ، ثم انطلقوا وارتقوا إلى جبل يدعى بمخلوس.

فلما قالوا له ذلك خلى سبيلهم وجعل لا يدري ما يصنع بالفتية ، فألقى الله في نفسه أن يأمر بالكهف فيسد عليهم وأراد الله أن يكرمهم ويجعلهم آية لأمة تستخلف من بعدهم وأن يبين لهم أن الساعة آتية لا ريب فيها. وأن الله يبعث من في القبور ، فأمر دقيانوس بالكهف أن يسد عليهم ، وقال : دعوهم كما هم في الكهف يموتون جوعا وعطشا ويكون كهفهم الذي اختاروه قبرا لهم ، وهو يظن أنهم أيقاظ يعلمون ما يصنع بهم.

وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم ، وكلبهم باسط ذراعيه بباب الكهف قد غشيه (٣) ما غشيهم يتقلبون ذات اليمين وذات الشمال.

ثم إن رجلين مؤمنين في بيت الملك دقيانوس يكتمان إيمانهم اسم أحدهما بيدروس (٤) و [اسم] الآخر روناس ، ائتمرا أن يكتبا شأن الفتية وأنسابهم وأسماءهم وخبرهم في لوحين من رصاص ويجعلاهما في تابوت من نحاس ، ويجعلا التابوت في البنيان ، وقالا لعل الله أن يظهر على هؤلاء الفتية قوما مؤمنين قبل يوم القيامة ، فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم ، ففعلا وبنيا عليه فبقي دقيانوس ما بقي.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «غشيهم».

(٤) في المخطوط «روماس».

١٧٥

ثم مات هو وقومه وقرون بعده كثيرة وخلفت الملوك بعد الملوك.

وقال عبيد بن عمير : كان أصحاب الكهف فتيانا مطوقين مسورين ذوي ذوائب وكان معهم كلب صيدهم فخرجوا في عيد لهم [في زي](١) عظيم وموكب وأخرجوا معهم آلهتهم التي يعبدونها ، وقد قذف الله [في](٢) قلوب الفتية الإيمان وكان أحدهم وزير الملك فآمنوا وأخفى كل واحد منهم إيمانه فقالوا في أنفسهم نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقاب يحرمهم فخرج شاب منهم حتى انتهى إلى ظل شجرة فجلس فيه ثم خرج آخر فرآه جالسا وحده فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر ذلك ، ثم خرج الآخر فاجتمعوا.

فقال بعضهم لبعض : ما جمعكم وكل واحد يكتم صاحبه إيمانه مخافة على نفسه ، ثم قالوا : ليخرج كل فتى فيخلو بصاحبه ثم يفشي واحد منكم سره إلى صاحبه ، ففعلوا فإذا هم جميعا على الإيمان ، وإذا كهف في الجبل قريب منهم فقال بعضهم لبعض : (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الكهف : ١٦] ، فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا ، وفقدهم قومهم فطلبوهم فعمى الله عليهم آثارهم وكهفهم.

فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح : فلان وفلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا في سنة كذا في مملكة فلان ابن فلان ووضعوا اللوح في خزانة الملك.

وقالوا : ليكونن لهذا شأن ومات ذلك الملك ، وجاء قرن بعد [قرن](٣). وقال وهب بن منبه : جاء حواري عيسى عليه‌السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل له : إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له فكره أن يدخلها فأتى حماما قريبا من المدينة فكان يؤاجر نفسه من الحمامي ، ويعمل فيه ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة واجتمع عليه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم [من](٤) خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا وصدقوه ، وكان شرط [على](٥) صاحب الحمام أن الليل لي لا يحول بيني وبينه ولا بين الصلاة أحد.

وكان على ذلك حتى أتى ابن الملك بامرأة فدخل بها الحمام فعيره الحواري ، وقال : أنت ابن الملك وتدخل مع هذه فاستحيا وذهب فرجع مرة أخرى. فقال له مثل ذلك فسبه وانتهره ولم يلتفت إلى مقالته حتى دخلا معا فماتا في الحمام وأتى الملك فقيل له قتل صاحب الحمام ابنك فالتمس فلم يقدر عليه وهرب.

فقال : من كان يصحبه فسموا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم على مثل إيمانهم فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوه ، وقالوا : نبيت هنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله تعالى ، فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف ، فأراد رجل منهم الدخول [عليهم](٦) فأرعب فلم يطق أحد أن يدخله.

__________________

(١) وقعت في المطبوع بعد «عظيم».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) سقط من المطبوع.

(٦) زيادة عن المخطوط.

١٧٦

فقال قائل منهم : أليس لو قدرت عليهم قتلتهم؟ قال : بلى ، قال : فابن عليهم باب الكهف واتركهم فيه يموتون جوعا [وعطشا](١) ، ففعل.

قال وهب : فعبر بعد ما سدوا عليهم باب الكهف زمانا بعد زمان ، ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت باب هذا الكهف وأدخلت غنمي فيه من المطر فأكنهم من المطر [لكان حسنا](٢) ، فلم يزل يعالجه حتى فتحه (٣) ورد الله عليهم أرواحهم من الغد حين أصبحوا.

وقال محمد بن إسحاق : ثم ملك أهل تلك البلاد رجل صالح يقال له بيدروس ، فلما ملك بقي في ملكه ثمانيا وستين سنة فتحزب الناس في ملكه فكانوا أحزابا منهم من يؤمن بالله ويعلم أن الساعة حق ومنهم من يكذب بها ، فكبر ذلك على الملك الصالح فبكى وتضرع إلى الله وحزن حزنا شديدا لما رأى أهل الباطل يزيدون ويظهرون على أهل الحق ، ويقولون لا حياة إلا حياة الدنيا وإنما تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد ، فجعل بيدروس يرسل إلى من يظن فيهم خيرا وأنهم أئمة في الخلق ، فجعلوا يكذبون بالساعة حتى كادوا أن يحولوا الناس عن الحق وملة الحواريين ، فلما رأى ذلك الملك الصالح دخل بيته وأغلقه عليه ، ولبس مسحا وجعل تحته رمادا فجلس عليه فدأب ليله ونهاره زمانا يتضرع إلى الله تعالى ويبكي.

ويقول : أي رب قد ترى اختلاف هؤلاء فابعث إليهم آية تبين لهم بطلان ما هم عليه ، ثم إن الرحمن الرحيم الذي يكره هلكة العباد أراد أن يظهر الفتية أصحاب الكهف ويبين للناس شأنهم ويجعلهم آية وحجة عليهم ليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها ، ويستجيب لعبده الصالح بيدروس ويتم نعمته عليه ، وأن يجمع من كان تبدد من المؤمنين.

فألقى الله في نفس رجل من [أهل](٤) تلك البلد التي فيها الكهف ، وكان اسم ذلك الرجل أولياس أن يهدم ذلك البنيان الذي على فم الكهف فيبني به حظيرة لغنمه فاستأجر غلامين فجعلا ينزعان تلك الحجارة ويبنيان تلك الحظيرة ، حتى نزعا ما على فم الكهف وفتحا باب الكهف وحجبهم الله عن الناس بالرعب ، فلما فتحا باب الكهف أذن الله ذو القدرة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهراني الكهف.

فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم فسلم بعضهم على بعض ، كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون فيها إذا أصبحوا من ليلتهم.

ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا كالذي كانوا يفعلون لا يرى في وجوههم ولا ألوانهم شيء ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن دقيانوس في طلبهم فلما قضوا صلاتهم قالوا لتمليخا صاحب نفقاتهم أنبئنا ما الذي قال الناس في شأننا عشية أمس عند هذا الجبار؟ وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون ، وقد تخيل لهم أنهم قد ناموا أطول مما كانوا ينامون ، حتى تساءلوا بينهم فقال بعضهم لبعض : كم لبثتم نياما؟ قالوا : لبثنا يوما أو بعض يوم ، ثم قالوا : ربكم أعلم بما لبثتم ، وكل ذلك في أنفسكم يسير.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «فتح».

(٤) زيادة عن المخطوط.

١٧٧

فقال لهم تمليخا : التمستم في المدينة فلم توجدوا وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم ، فتذبحون للطواغيت أو يقتلكم فما شاء الله بعد ذلك فعل ، فقال لهم مكسلمينا : يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقو الله فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله ثم قالوا لتمليخا انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها ، وما الذي يذكر عند دقيانوس وتلطف ولا تشعرنّ بك أحدا وابتع لنا طعاما فائتنا به وزدنا على الطعام الذي جئتنا (١) به ، فقد أصبحنا جياعا.

ففعل تمليخا كما كان يفعل ووضع ثيابه وأخذ الثياب التي [كان](٢) يتنكر فيها وأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم والتي ضربت بطابع دقيانوس ، فكانت كخفاف الربع [والربع أول ما ينتج من ولد الضأن في الربيع](٣) ، فانطلق تمليخا خارجا فلما مرّ بباب الكهف رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف فعجب منها ثم مر ولم يبال بها حتى [أتى](٤) باب المدينة مستخفيا يصد عن الطريق مخافة أن يراه أحد من أهلها فيعرفه ولا يشعر أن دقيانوس وأهله قد هلكوا قبل ذلك بثلاثمائة سنة.

فلما أتى تمليخا باب المدينة رفع بصره فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الإيمان إذا كان [أمر](٥) الإيمان ظاهرا فيها فلما رآها عجب وجعل ينظر إليها مستخفيا ينظر يمينا وشمالا ، ثم ترك ذلك الباب فتحول إلى باب آخر من أبوابها فرأى مثل ذلك فجعل يخيل إليه أن المدينة ليست بالتي كان يعرف ورأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك فجعل يمشي ويتعجب ويخيل إليه أنه حيران.

ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه فجعل يتعجب بينه وبين نفسه ويقول : يا ليت شعري ما هذا؟ أما عيشة أمس فكان المسلمون يخبئون هذه العلامة ويستخفون بها ، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلي حالم ثم يرى أنه ليس بنائم ، فأخذ كساءه فجعله على رأسه ثم دخل المدينة فجعل يمشي بين ظهراني سوقها فيسمع ناسا يحلفون باسم عيسى ابن مريم فزاده [ذلك](٦) فرقا ورأى أنه حيران.

فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدر المدينة ، وقال في نفسه : والله ما أدري ما هذا؟ أما عيشة أمس فليس على ظهر الأرض إنسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل ، وأما الغداة فأسمعهم وكل إنسان يذكر اسم عيسى ولا يخاف أحدا ، ثم قال في نفسه : لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف ، والله ما أعلم مدينة أقرب [من](٧) مدينتنا ، فقام كالحيران ثم لقي فتى فقال له : ما اسم هذه المدينة يا فتى قال اسمها أقسوس ، فقال في نفسه : لعل بي مسا أو أمرا أذهب عقلي والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شرّ فأهلك ثم إنه أفاق فقال : والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس.

فدنا من الذين يبيعون الطعام فأخرج الورق التي كانت معه فأعطاها رجلا منهم فقال بعني بهذه الورق طعاما فأخذها الرجل فنظر [إلى ضرب الورق ونقشها فعجب منه ثم طرحها إلى رجل آخر من أصحابه فنظر إليها](٨) فجعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل. ويتعجبون منها. ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض : إن هذا أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل ، فلما رآهم تمليخا يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا وجعل يرتعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه

__________________

(١) في المطبوع «جئنا».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المطبوع.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) زيادة عن المخطوط.

(٨) سقط من المخطوط.

١٧٨

وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقيانوس وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه فلا يعرفونه ، فقال لهم وهو شديد الفرق منهم : أفضلوا (١) عليّ قد أخذتم ورقي فأمسكوها (٢) وأما طعامكم فلا حاجة لي به.

فقالوا له : من أنت يا فتى وما شأنك والله لقد وجدت كنزا من كنوز الأولين ، وأنت تريد أن تخفيه منا ، فانطلق معنا وأرنا وشاركنا فيه ، نخف عليك ما وجدت ، فإنك إن لم تفعل نأت بك إلى السلطان فنسلمك إليه فيقتلك ، فلما سمع قولهم قال في نفسه : قد وقعت في كل شيء كنت أحذر منه ، فقالوا : يا فتى إنك والله لا تستطيع أن تكتم ما وجدت.

فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم وما يرجع إليهم ، وفرق حتى ما يخبر (٣) إليهم شيئا ، فلما رأوه لا يتكلم أخذوا كساءه فطرحوه في عنقه ، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة حتى سمع به من فيها ، وقيل : قد أخذ رجل معه كنز ، فاجتمع إليه أهل المدينة صغيرهم وكبيرهم فجعلوا ينظرون إليه ، ويقولون : والله ما هذا الفتى من أهل هذه المدينة وما رأيناه فينا قط وما نعرفه قط ، فجعل تمليخا لا يدري ما يقول لهم ، فلما اجتمع عليه أهل المدينة فرق فسكت فلم يتكلم.

وكان مستيقنا أن أباه وإخوته بالمدينة وأن حسبه ونسبه من أهل المدينة من عظماء أهلها وأنهم سيأتونه إذا سمعوا به فبينا هو قائم كالحيران ينتظر متى يأتيه بعض أهله فيخلصه من أيديهم إذا اختطفوه وانطلقوا به إلى رئيس المدينة ومدبرها اللذين يدبران أمرها ، وهما رجلان صالحان اسم أحدهما أريوس واسم الآخر طنطيوس.

فلما انطلق به إليهما ظن تمليخا أنه ينطلق به إلى دقيانوس الجبار ، فجعل يلتفت يمينا وشمالا وجعل الناس يسخرون منه كما يسخر من المجنون ، وجعل تمليخا يبكي ثم رفع رأسه إلى السماء فقال في نفسه : اللهم إله السماء وإله الأرض أفرغ اليوم عليّ صبرا وأولج معي روحا منك تؤيدني به عند هذا الجبار ، وجعل يبكي ويقول في نفسه : فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت يا ليتهم يأتوني فنقوم جميعا بين يدي هذا الجبار ، فإنا كنا تواثقنا لنكونن معا لا نكفر بالله ولا نشرك به شيئا ، فرق بيني ، وبينهم فلن يروني ولن أراهم أبدا وكنّا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا يحدث به نفسه تمليخا ، فيما يخبر أصحابه حين يرجع إليهم ، حتى انتهوا إلى الرجلين الصالحين أريوس وطنطيوس ، فلما رأى تمليخا أنه لا يذهب به إلى دقيانوس أفاق وذهب عنه البكاء فأخذ أريوس وطنطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها ثم قال له أحدهما : أين الكنز الذي وجدت يا فتى؟ فقال تمليخا : ما وجدت كنزا ولكن هذا ورق آبائي ونقش هذه المدينة وضربها ، ولكن والله ما أدري ما شأني وما أقول لكم.

فقال أحدهما : فمن أنت؟ فقال : تمليخا أما أنا فكنت أرى أني من أهل هذه المدينة ، فقالوا : ومن أبوك ومن يعرفك فيها؟ فأنبأهم باسم أبيه فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه ، فقال له أحدهما : أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحق ، فلم يدر تمليخا ما يقول لهم غير أنه نكس بصره إلى الأرض ، فقال بعض من حوله : هذا رجل مجنون ، وقال بعضهم : ليس بمجنون ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي يتفلت (٤) منكم.

__________________

(١) في المخطوط «تنصبوا».

(٢) في المخطوط «فأمسكتموها».

(٣) في المخطوط «ما وجد ما يخبر إليهم شيئا».

(٤) في المطبوع «ينقلب».

١٧٩

فقال له أحدهما و [قد](١) نظر إليه نظرا شديدا : أتظن [يا هذا](٢) أنا نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك ونقش هذا الورق وضربها أكثر من ثلاثمائة سنة ، وإنما أنت غلام شاب أتظن أنك تأفكنا وتسخر بنا ونحن شيوخ كما ترى ، وحولك سراة أهل المدينة وولاة أمرها وخزائن هذه البلدة بأيدينا ، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار ، وإني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ، ثم أوثقك حتى تعترف (٣) بهذا الكنز الذي وجدته.

فلما قال ذلك قال لهم تمليخا : أنبئوني عن شيء أسألكم عنه فإن فعلتم صدقتكم عمّا عندي ، قالوا : سل لا نكتمك شيئا ، قال لهم : ما فعل الملك دقيانوس؟ قالوا : لا نعرف اليوم على وجه الأرض ملك يسمى دقيانوس ، ولم يكن إلا ملك هلك منذ زمان ودهر طويل وهلكت بعده قرون كثيرة.

فقال تمليخا : إني إذا لحيران وما يصدقني أحد من الناس بما أقول ، لقد كنا فتية [على دين واحد وهو الإسلام] وإن الملك أكرهنا على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا فلما انتبهنا خرجت لأشتري (٤) له طعاما وأتجسس الأخبار فإذا أنا كما ترون ، فانطلقوا معي إلى الكهف [الذي بجبل بنجلوس](٥) أريكم أصحابي ، فلما سمع أريوس ما يقول تمليخا ، قال : يا قوم لعل هذه آية من آيات الله جعلها الله لكم على يدي هذا الفتى ، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه ، فانطلق معه أريوس وطنطيوس وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.

ولما رأى الفتية أصحاب الكهف تمليخا قد احتبس عنهم بطعامهم وشرابهم عن القدر الذي كان يأتي به ظنوا أنه قد أخذ فذهب به إلى ملكهم دقيانوس ، فبينما هم يظنون ذلك ويتخوّفونه إذ سمعوا الأصوات وجلب الخيل مصعدة نحوهم ، فظنوا أنهم رسل الجبار دقيانوس بعث إليهم ليؤتى بهم (٦) ، فقاموا إلى الصلاة وسلم بعضهم على بعض وأوصى بعضهم بعضا وقالوا انطلقوا بنا نأت أخانا تمليخا فإنه الآن بين يدي الجبار ينتظر متى نأتيه ، فبينما هم يقولون ذلك وهم جلوس بين ظهراني الكهف لم يروا إلا أريوس وأصحابه وقوفا على باب الكهف. وسبقهم تمليخا فدخل عليهم وهو يبكي فلما رأوه يبكي بكوا معه ، ثم سألوه عن شأنه فأخبرهم ، وقصّ عليهم القصة والنبأ كله ، فعرفوا عند ذلك أنهم كانوا نياما بأمر الله ذلك الزمان كله بأمر الله ، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس وتصديقا للبعث وليعلموا أن الساعة آتية لا ريب فيها.

ثم دخل على أثر تمليخا أريوس فرأى تابوتا من نحاس مختوما بخاتم من فضة ، فقام بباب الكهف ثم دعا رجالا من عظماء أهل المدينة ففتح التابوت عندهم فوجدوا فيه لوحين من رصاص مكتوبا فيهما إن مكسلمينا ومخشلمينا وتمليخا ومرطونس وكشطونس ويبرونس وديموس وبطيوس [والكلب اسمه قطمير](٧) كانوا فتية هربوا من ملكهم دقيانوس الجبار مخافة أن يفتنهم عن دينهم فدخلوا هذا الكهف ، فلما أخبر بمكانهم أمر بالكهف فسد عليهم بالحجارة وأنا كتبنا شأنهم وخبرهم ليعلمه من بعدهم إن عثر عليهم فلما قرءوه عجبوا ، وحمدوا الله الذي أراهم آية البعث فيهم ، ثم رفعوا أصواتهم بحمد الله وتسبيحه ثم دخلوا على الفتية إلى الكهف فوجدوهم جلوسا بين ظهرانيهم مشرقة وجوههم لم تبل ثيابهم فخر

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «تعرف».

(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) في المطبوع «لهم».

(٧) زيد في المطبوع.

١٨٠