تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

الفريقين مهتد والآخر ضال ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن اتبعه على الهدى ، ومن خالفه في ضلال ، فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب.

وقال بعضهم : أو بمعنى الواو والألف فيه صلة ، كأنه قال : وإنا وإياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين يعني نحن على الهدى وأنتم في الضلال.

(قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٥).

(قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا) ، يعني يوم القيامة ، (ثُمَّ يَفْتَحُ) ، يقضي ، (بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ).

(قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ) ، أي أعلموني الذين ألحقتموهم به [شركاء](١) أي في العبادة معه هل يخلقون وهل يرزقون ، (كَلَّا) ، لا يخلقون ولا يرزقون ، (بَلْ هُوَ اللهُ الْعَزِيزُ) ، الغالب على أمره ، (الْحَكِيمُ) ، في تدبيره لخلقه فأنى يكون له شريك في ملكه.

قوله عزوجل : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) ، يعني للناس [عامة](٢) أحمرهم وأسودهم ، (بَشِيراً وَنَذِيراً) ، أي مبشرا ومنذرا ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

[١٧٦٢] وروينا عن جابر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كان النبي يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى الناس عامة».

وقيل : كافة أي كافا يكفهم عمّا هم عليه من الكفر ، والهاء للمبالغة.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١))

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٩) ، يعني [يوم](٣) القيامة.

(قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) (٣٠) ، أي لا تتقدمون عليه يعني يوم القيامة ، وقال الضحاك : يوم الموت لا تتأخرون عنه ولا تتقدمون بأن يزاد في أجلكم أو ينقص منه.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) ، يعني التوراة والإنجيل ، (وَلَوْ تَرى) ، يا محمد ، (إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ) ، محبوسون ، (عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ) ، يرد بعضهم إلى بعض القول في الجدال ، (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) ، استحقروا وهم الأتباع ، (لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) ، وهم القادة والأشراف ، (لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) ، أي أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا

__________________

[١٧٦٢] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ٢٥٣.

(١) زيد في المطبوع «بالله شركاء».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٦٨١

رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣) وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥))

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) ، أجابهم المتبوعون في الكفر ، (لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) ، بترك الإيمان.

(وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، أي مكركم بنا في الليل والنهار ، والعرب تضيف الفعل إلى الليل والنهار على توسع الكلام كما قال الشاعر :

ونمت وما ليل المطي بنائم

وقيل : مكر الليل والنهار هو طول السلامة وطول الأمل فيهما ، كقوله تعالى : (فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) [الحديد : ١٦]. (إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً وَأَسَرُّوا) ، وأظهروا (النَّدامَةَ) ، وقيل : أخفوا ، وهو من الأضداد ، (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، في النار الأتباع والمتبوعين جميعا. (هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ) من الكفر والمعاصي في الدنيا.

(وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها) ، رؤساؤها وأغنياؤها ، (إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

(وَقالُوا) ، يعني قال المترفون للفقراء الذين آمنوا ، (نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) ، ولو لم يكن الله راضيا بما نحن عليه من الدين والعمل لم يخولنا الأموال والأولاد ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، أي إن الله أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا.

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩))

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ، يعني أن الله يبسط الرزق ويقدر ابتلاء وامتحانا لا يدل البسط على رضا الله عنه ولا التضييق على سخطه ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، أنها كذلك.

(وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) ، أي قربى ، قال الأخفش : زلفى (١) اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريبا ، (إِلَّا مَنْ آمَنَ) ، يعني من آمن ، (وَعَمِلَ صالِحاً) ، قال ابن عباس : يريد إيمانه وعمله يقربه مني ، (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) ، أي يضعّف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشرا إلى سبعمائة قرأ يعقوب : «جزاء» منصوبا منونا و «الضعف» رفع تقديره (٢) لهم الضعف جزاء وقرأ العامة بالإضافة ، (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) ، قرأ حمزة : «في الغرفة» على واحدة ، وقرأ الآخرون بالجمع لقوله : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) [العنكبوت : ٥٨].

(وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ) ، يعملون ، (فِي آياتِنا) ، في إبطال حجتنا ، (مُعاجِزِينَ) ، معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتوننا ، (أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ).

__________________

(١) في المطبوع «قربى».

(٢) زيد في المخطوط «وأولئك».

٦٨٢

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) ، يعطي خلفه ، قال سعيد بن جبير (١) : ما كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه. وقال الكلبي : ما تصدقتم [به](٢) من صدقة وأنفقتم في الخير من نفقة فهو يخلفه على المنفق ، إمّا أن يعجله في الدنيا وإمّا أن يدخره له في الآخرة ، (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) ، خير من يعطي ويرزق.

[١٧٦٣] وروينا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال الله تعالى أنفق يا ابن آدم أنفق عليك».

[١٧٦٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل ثنا إسماعيل ثني أخي عن سليمان هو ابن بلال عن معاوية بن أبي مزرّد عن أبي الحباب (٤) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا».

[١٧٦٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٥) المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن أبي أويس أنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلّا عزا ، وما تواضع أحد لله إلّا رفعه الله».

[١٧٦٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٦) المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا

__________________

[١٧٦٣] ـ تقدم في سورة البقرة عند آية : ٢٦٨.

[١٧٦٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ إسماعيل هو ابن أبي أويس ، وأبو أويس هو عبد الله بن عبد الله الأويسي ، أخو إسماعيل هو أبو بكر بن عبد الله الأويسي ، أبو الحباب هو سعيد بن يسار.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٦٥١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ١٤٤٢ عن إسماعيل بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٠١٠ من طرق خالد بن مخلد والنسائي في «الكبرى» ٩١٧٨ من طريق أبي بكر كلاهما عن سليمان بهذا الإسناد.

ـ وورد من وجه آخر عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة بنحوه أخرجه أحمد ٢ / ٣٠٥ ـ ٣٠٦ وابن حبان ٣٣٣٣.

[١٧٦٥] ـ صحيح. حميد بن زنجويه ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، وباقي الإسناد على شرط مسلم.

ـ ابن أبي أويس ، هو إسماعيل بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٦٢٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٠٢٩ عن قتيبة عن عبد العزيز بن محمد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٥٨٨ والدارمي ١ / ٣٩٦ وابن خزيمة ٢٤٣٨ وابن حبان ٣٢٤٨ والبيهقي ٤ / ١٨٧ و ٨ / ١٦٢ و ١٠ / ٢٣٥ والبغوي في «شرح السنة» ١٦٢٧ من طرق عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٣٥ و ٣٨٦ و ٤٣٨ من طريقين عن العلاء به.

[١٧٦٦] ـ إسناده ضعيف لضعف عبد الحميد بن الحسن ، وباقي الإسناد ثقات.

(١) تصحف المخطوط «المسيب».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) تصحف في المطبوع «الحبحاب».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

٦٨٣

حميد بن زنجويه أنا أبو الربيع أنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي أنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل معروف صدقة وكل ما أنفق الرجل على نفسه وأهله كتب له صدقة ، وما وفى به الرجل عرضه كتب له بها صدقة» ، قلت (١) : ما يعني [ما](٢) وفي به عرضه؟ قال : «ما أعطى الشاعر وذا اللسان المتّقى ، وما أنفق المؤمن من نفقة فعلى الله خلقها ضامنا إلّا ما كان من نفقة في بنيان أو في معصية الله عزوجل».

قوله : «قلت ما يعني» يقول عبد الحميد لمحمد بن المنكدر.

قال مجاهد : إذا كان في يد أحدكم شيء فليقتصد ، ولا يتأول هذه الآية. (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ) [سبأ : ٣٩] ، فإن الرزق مقسوم لعلّ رزقه قليل ، وهو ينفق نفقة الموسع عليه. ومعنى الآية : وما كان من خلف فهو منه.

(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (٤١) فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرىً وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) وَما آتَيْناهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤))

قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ) ، قرأ يعقوب وحفص «يحشرهم» ، ويقول بالياء فيهما ، وقرأ الآخرون بالنون ، (جَمِيعاً) يعني هؤلاء الكفار ، (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ) ، في الدنيا ، قال قتادة : هذا استفهام تقرير ، كقوله تعالى لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] ، فتتبرأ منهم الملائكة.

(قالُوا سُبْحانَكَ) ، تنزيها لك ، (أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ) ، أي نحن نتولاك ولا نتولاهم ، (بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَ) ، يعني الشياطين ، فإن قيل هم (٣) كانوا يعبدون الملائكة فكيف وجه قوله : (يَعْبُدُونَ الْجِنَ) ، قيل : أراد الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة ، [فهم كانوا يطيعون الشياطين في عبادة الملائكة](٤) ، فقوله : (يَعْبُدُونَ) أي يطيعون الجن ، (أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) ، يعني مصدقون للشياطين.

__________________

ـ أبو الربيع هو سليمان بن داود الزهراني.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٦٤٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطيالسي ٢٠٤٥ والدار قطني ٣ / ٢٨ والحاكم ٢ / ٥٠ من طريق عبد الحميد به ، وصححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي بقوله : عبد الحميد ضعفوه.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٢٠٤٠ من طريق آخر عن المسور بن الصلت عن ابن المنكدر به وإسناده واه لأجل المسور ، ولأكثر هذا الحديث شواهد ، والفقرة الأولى منه عند البخاري ٦٠٢١.

(١) القائل هو عبد الحميد يسأل محمد بن المنكدر.

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) في المطبوع «لهم».

(٤) زيد في المطبوع.

٦٨٤

ثم يقول الله : (فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً) ، بالشفاعة ، (وَلا ضَرًّا) بالعذاب ، يريد أنهم عاجزون لا نفع عندهم ولا ضر ، (وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ).

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا) ، يعنون محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) ، يعنون القرآن ، (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) ، أي بيّن.

(وَما آتَيْناهُمْ) ، يعني هؤلاء المشركين ، (مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَها) ، يقرءونها ، (وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) ، أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا نزل عليهم كتاب.

(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٤٥) قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٤٦) قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٤٧) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٤٨) قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩))

(وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من الأمم رسلنا وهم عاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وغيرهم ، (وَما بَلَغُوا) ، يعني هؤلاء المشركين ، (مِعْشارَ) ، أي عشر ، (وَما آتَيْناهُمْ) ، أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول العمر ، (فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) ، أي إنكاري وتغييري عليهم ، يحذّر كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية.

(قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ) ، أي بخصلة واحدة ، ثم بيّن تلك الخصلة فقال : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ) ، أي لأجل الله ، (مَثْنى) ، أي اثنين اثنين ، (وَفُرادى) ، أي واحدا واحدا ، (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) ، جميعا أي تجتمعون فتنظرون وتتحاورون وتنفردون ، فتفكرون في حال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتعلموا ، (ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ) ، أي جنون ، وليس المراد من القيام القيام الذي هو ضد الجلوس وإنما هو قيامه بالأمر الذي هو في طلب الحق ، كقوله : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٢٧]. (إِنْ هُوَ) ، ما هو ، (إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) ، قال مقاتل : تم الكلام عند قوله (ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا) ، أي في خلق السموات والأرض فتعلموا أن خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة.

(قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ) ، على تبليغ الرسالة ، (مِنْ أَجْرٍ) ، جعل (فَهُوَ لَكُمْ) ، يقول : قل لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا فتتهموني (١) ، ومعنى قوله : (فَهُوَ لَكُمْ) أي لم أسألكم شيئا كقول القائل : ما لي من هذا فقد وهبته لك يريد ليس لي فيه شيء ، (إِنْ أَجْرِيَ) ، ما ثوابي ، (إِلَّا عَلَى اللهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).

(قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) ، والقذف الرمي بالسهم والحصى ، والكلام ، ومعناه يأتي (٢) بالحق وبالوحي ينزله من السماء فيقذفه إلى الأنبياء ، (عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ، رفع بخبر أن أي وهو علام الغيوب.

(قُلْ جاءَ الْحَقُ) ، يعني القرآن والإسلام ، (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ) ، أي ذهب الباطل وزهق فلم يبق منه بقية يبدئ شيئا أو يعيد ، كما قال تعالى (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ) [الأنبياء : ١٨] ، وقال :

__________________

(١) في المطبوع «فتفهموني».

(٢) في المطبوع «أتى».

٦٨٥

قتادة : الباطل هو إبليس [أي ما يخلق إبليس أحدا ابتداء ولا يبعث](١). وهو قول مقاتل والكلبي ، وقيل : الباطل الأصنام.

(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ (٥٠) وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ (٥٤))

(قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) ، وذلك أن كفار مكة [كانوا](٢) يقولون له : إنك قد ضللت حين تركت دين آبائك ، قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي) أي ، إثم ضلالتي على نفسي ، (وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) ، من القرآن والحكمة ، (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ).

(وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) ، قال قتادة عند البعث حين يخرجون من قبورهم ، (فَلا فَوْتَ) ، أي فلا يفوتونني كما قال : (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] ، وقيل : إذ فزعوا [عند الموت](٣) فلا فوت ولا نجاة ، (وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) ، قال الكلبي من تحت أقدامهم ، وقيل : أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها ، وحيثما كانوا فهم من الله قريب ، لا يفوتونه. وقيل : من مكان (٤) قريب يعني عذاب الدنيا. وقال الضحاك : يوم بدر. وقال ابن أبزى (٥) خسف بالبيداء ، وفي الآية حذف تقديره : ولو ترى إذ فزعوا لرأيت أمرا تعتبر به.

(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ) ، حين عاينوا العذاب ، وقيل : عند اليأس. وقيل : عند البعث. (وَأَنَّى) ، من أين ، (لَهُمُ التَّناوُشُ) ، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر : التناوش بالمد والهمز ، وقرأ الآخرون بواو صافية من غير مدّ ولا همز ، ومعناه التناول أي كيف لهم تناول ما بعد عنهم ، وهو الإيمان والتوبة ، وقد كان قريبا في الدنيا فضيعوه ، ومن همز قيل : معناه هذا أيضا.

وقيل : التناوش بالهمز من النبش وهو حركة في إبطاء ، يقال : جاء نبشا أي مبطئا متأخرا ، والمعنى من أين لهم الحركة فيما لا حيلة لهم فيه ، وعن ابن عباس قال : يسألون الرد إلى الدنيا فيقال وأنى لهم الرد إلى الدنيا ، (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، أي من الآخرة إلى الدنيا.

(وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) ، أي بالقرآن ، وقيل : بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، من قبل أن يعاينوا العذاب وأهوال القيامة ، (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، قال مجاهد : يرمون محمدا بالظن لا باليقين ، وهو قولهم ساحر وشاعر وكاهن ، ومعنى الغيب : هو الظن لأنه غاب علمه عنهم ، والمكان البعيد بعدهم عن علم ما يقولون ، والمعنى يرمون محمدا بما لا يعلمون من حيث لا يعلمون. وقال قتادة : يرجمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار.

(وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ) ، أي الإيمان والتوبة والرجوع إلى الدنيا. وقيل : نعيم الدنيا وزهرتها ، (كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ) ، يعني بنظرائهم ومن كان على مثل حالهم من الكفار ، (مِنْ قَبْلُ) ، أي لم يقبل منهم

__________________

(١) زيادة عن المخطوط والطبري ٢٨٨٨٥.

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) تصحف في المطبوع «كان».

(٥) في المطبوع «بزي».

٦٨٦

الإيمان والتوبة في وقت اليأس ، (إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍ) ، من البعث ونزول العذاب بهم ، (مُرِيبٍ) ، موقع لهم الريبة والتهمة.

تفسير سورة فاطر

مكية [وهي خمس وأربعون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق ، (جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ) ، ذوي أجنحة (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

قال قتادة ومقاتل : بعضهم له جناحان وبعضهم له ثلاثة أجنحة وبعضهم له أربعة أجنحة ، ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله : (يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ) ، وقال [عبد الله](٢) بن مسعود في قوله عزوجل : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) (١٨) [النجم : ١٨] ، قال رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح. وقال ابن شهاب في قوله يزيد في الخلق ما يشاء قال : حسن الصوت. وعن قتادة قال : هو الملاحة في العينين. وقيل : هو العقل والتمييز. (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) ، قيل : من مطر ورزق ، (فَلا مُمْسِكَ لَها) ، لا يستطيع أحد [على](٣) حبسها ، (وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ) ، فيما أمسك (الْحَكِيمُ) ، فيما أرسل من مطر ورزق.

[١٧٦٧] أخبرنا الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا عبيد بن أسباط أنا أبي [قال](٤) : أنا عبد الملك بن عمير عن ورّاد (٥) عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة :

__________________

[١٧٦٧] ـ صحيح. عبيد بن أسباط صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ أسباط والد عبيد هو ابن محمد القرشي ، ورّاد ، هو أبو سعيد أو أبو الورد كاتب المغيرة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٧١٦ بهذا الإسناد ، وإسناد آخر.

ـ وأخرجه البخاري ٨٤٤ و ٦٤٧٣ و ٧٢٩٢ ومسلم ٥٩٣ ح ١٣٨ وأحمد ٤ / ٢١٥ والحميد ٧٦٢ والدارمي ١ / ٣١١ وابن خزيمة ٧٤٢ وأبو عوانة ٢ / ٢٤٢ و ٢٤٤ وابن حبان ٢٠٠٧ والطبراني ١٠ / (٩٠٨) و (٩١٩) والبيهقي ٢ / ١٨٥ من طرق

(١) زيد في المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) تصحف في المطبوع «وارد».

٦٨٧

«لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد».

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧))

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) ، قرأ حمزة والكسائي «غير» بجر الراء ، وقرأ الآخرون برفعها على معنى هل خالق غير الله ، لأن «من» زائدة ، وهذا استفهام على طريق التقرير كأنه قال لا خالق غير الله ، (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) ، أي من السماء المطر ومن الأرض النبات ، (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) ، يعزي نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، يعني وعد القيامة ، (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ، وهو الشيطان.

(إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ، أي عادوه بطاعة الله ولا تطيعوه ، (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ) ، أي أشياعه وأولياءه ، (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ) ، أي ليكونوا في السعير ، ثم بيّن حال موافقيه ومخالفيه فقال :

(الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (٧).

(أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨) وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠))

قوله تعالى : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) ، قال ابن عباس : نزلت في أبي جهل ومشركي مكة ، وقال سعيد بن جبير : نزلت في أصحاب الأهواء والبدع. وقال قتادة : منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم فأما أهل الكبائر فليسوا منهم لأنهم لا يستحلون الكبائر ، (أَفَمَنْ زُيِّنَ) ، شبّه وموّه عليه

__________________

عن عبد الملك بن عمير به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٤٧٣ والنسائي ٣ / ٧١ وابن خزيمة ٧٤٢ وأحمد ٤ / ٢٥٠ وابن حبان ٢٠٠٦ من طرق عن الشعبي عن ورّاد به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٣٣٠ ومسلم ٥٩٣ والنسائي ٣ / ٧١ وأحمد ٤ / ٢٥٠ وابن حبان ٢٠٠٥ من طرق عن المسيب بن رافع عن ورّاد به.

٦٨٨

وحسن (لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ) أي قبيح (١) عمله ، (فَرَآهُ حَسَناً) ، زين له الشيطان ذلك بالوسواس ، وفي الآية حذف مجازه : أفمن زيّن له سوءا عمله فرأى الباطل حقا كمن هداه الله فرأى الحق حقا والباطل باطلا ، (فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، وقيل : جوابه تحت قوله : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) ، فيكون معناه أفمن زين له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة ، أي تتحسر عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات.

وقال الحسين (٢) بن الفضل : فيه تقديم وتأخير مجازه : أفمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر ، ومعنى الآية : لا تهتم بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا ، وقرأ أبو جعفر فلا تذهب بضم التاء وكسر الهاء نفسك نصب ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ).

(وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ) (٩) من القبور.

قوله عزوجل : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) ، قال الفراء معنى الآية من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعا ، وقال قتادة : من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله معناه الدعاء إلى طاعة من له العزة ، أي فليطلب العزة من عند الله بطاعته ، كما يقال : من كان يريد المال لفلان ، أي فليطلبه من عنده وذلك أن الكفار عبدوا الأصنام وطلبوا بها التعزز كما قال الله : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلَّا) [مريم : ٨١] ، وقال : (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء : ١٣٩] (إِلَيْهِ) ، أي إلى الله ، (يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) ، وهو قوله لا إله إلا الله ، وقيل : هو قول الرجل : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

[١٧٦٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا الحجاج بن نصر أنا المسعودي عن عبد الله بن المخارق عن أبيه عن ابن مسعود قال : إذا حدثتكم حديثا أنبأتكم بمصداقه من كتاب الله عزوجل : ما من عبد مسلم يقول خمس كلمات سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وتبارك الله إلا أخذهن ملك فجعلهن تحت جناحه حتى صعد بهن فلا يمر بهن على جمع من الملائكة إلا استغفروا لقائلهن حتى يحيي بها وجه رب العالمين ، ومصداق ذلك من كتاب الله عزوجل قوله : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) ، ذكره ابن مسعود. وقيل : الكلم الطيب ذكر الله. وعن قتادة :

__________________

[١٧٦٨] ـ ورد موقوفا ومرفوعا ، وكلاهما ضعيف.

ـ إسناده ضعيف ، فيه المسعودي ، وهو صدوق لكن اختلط.

وشيخه وثقه ابن حبان على قاعدته.

ـ مخارق والد عبد الله هو ابن سليم.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٥ والطبري ٢٨٩٣٧ من طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي بهذا الإسناد.

وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! ، وليس كما قالا ، وورد مرفوعا.

(١) في المخطوط «قبح».

(٢) في المطبوع «الحسن».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٦٨٩

(إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) أي يقبل الله الكلم الطيب. قوله : (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ، أي يرفع العمل الصالح الكلام الطيب ، فالهاء في قوله (يَرْفَعُهُ) راجعة إلى الكلم الطيب ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وعكرمة وأكثر المفسرين. وقال الحسن وقتادة : الكلم الطيب ذكر الله والعمل الصالح أداء فرائضه ، فمن ذكر الله ولم يؤد فرائضه ردّ كلامه على عمله ، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، فمن قال حسنا وعمل غير صالح ردّ الله عليه قوله ، ومن قال حسنا وعمل صالحا يرفعه العمل ذلك بأن الله يقول : (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).

[١٧٦٩] وجاء في الحديث : «لا يقبل الله قولا إلا بعمل ولا قولا ولا عملا إلّا بنية».

وقال قوم : الهاء في قوله (يَرْفَعُهُ) راجعة إلى العمل الصالح أي الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا يقبل عمل إلا أن يكون صادرا عن التوحيد ، وهذا معنى قول الكلبي ومقاتل : وقيل : الرفع من صفة الله عزوجل معناه : العمل الصالح يرفعه الله عزوجل. وقال سفيان بن عيينة العمل الصالح [هو](١) الخالص يعني أن الإخلاص سبب قبول الخيرات من الأقوال والأفعال ، دليله قوله عزوجل : (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف : ١١٠] ، فجعل نقيض الصالح الشرك والرياء ، (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) ، قال الكلبي : أي الذين يعملون السيئات. وقال مقاتل : يعني الشرك. وقال أبو العالية : يعني الذين مكروا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في دار الندوة ، كما قال الله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ) [الأنفال : ٣٠] ، وقال مجاهد وشهر بن حوشب : هم أصحاب الرياء ، (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ) ، يبطل ويهلك في الآخرة.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (١١) وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ

__________________

ـ قال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٣ / ٦٠٣ : أخرجه الثعلبي وابن مردويه من رواية علي بن عاصم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ، سكت عليه الحافظ؟!.

وهذا إسناد ضعيف ، لأجل علي بن عاصم ، وفيه سهيل بن أبي صالح غير قوي.

ـ وانظر «الكشاف» ٩٢١ بتخريجي.

[١٧٦٩] ـ باطل. أخرجه ابن حبان في «الضعفاء» ١ / ٢٨٠ وابن عدي في «الكامل» ٣ / ٤٤ من حديث أبي هريرة بأتم منه ، وصدره : «قرآن في صلاة خير ....».

ـ وفي إسناده خالد بن عبد الدائم ، وهو ضعيف ، وعنه زكريا بن يحيى الوقار ، وهو متروك كذاب.

ـ وقال ابن حبان : خالد يروي عن نافع بن يزيد المناكير التي لا تشبه حديث الثقات ا ه.

ـ قلت : ينبغي أن يعله بزكريا فإنه أسوأ حالا من خالد.

ـ وأخرجه ابن حبان ١ / ١٥٠ من حديث ابن مسعود ، وفي إسناده أحمد بن الحسن بن أبان المصري ، وهو كذاب.

ـ الخلاصة : هو حديث باطل لا أصل له عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما هو من كلام بعض السلف.

(١) زيادة عن المخطوط.

٦٩٠

تَشْكُرُونَ (١٢) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣))

قوله عزوجل : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) ، أي آدم ، (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) ، يعني نسله ، (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) ، ذكرانا وإناثا ، (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) ، لا يطول عمره ، (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) ، يعني من عمر آخر ، كما يقال لفلان عندي درهم ونصفه أي نصف درهم آخر ، (إِلَّا فِي كِتابٍ) ، وقيل قوله ولا ينقص من عمره منصرف إلى الأول.

قال سعيد بن جبير : مكتوب في أم الكتاب عمر فلان كذا وكذا سنة ثم يكتب أسفل من ذلك ذهب يوم ذهب يومان ذهب ثلاثة أيام حتى ينقطع عمره.

وقال كعب الأحبار حين حضر عمر رضي الله عنه الوفاة : والله لو دعا عمر ربه أن يؤخر أجله لأخر ، فقيل له إن الله عزوجل يقول : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل : ٦١] فقال : هذا إذا أحضر الأجل فأما قبل ذلك فيجوز أن يزاد وينقص ، وقرأ هذه الآية (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) ، أي كتابة الآجال والأعمار (١) على الله هين.

قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ) ، يعني العذب والمالح ثم ذكرهما فقال ، (هذا عَذْبٌ فُراتٌ) ، طيب ، (سائِغٌ شَرابُهُ) ، أي جائز في الحلق هنيء ، (وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) ، شديد الملوحة. وقال الضحاك : هو المر. (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا) ، يعني الحيتان من العذب والمالح جميعا ، (وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً) ، أي من المالح دون العذب (تَلْبَسُونَها) ، يعني اللؤلؤ. وقيل : نسب اللؤلؤ إليهما [لأنه يكون في البحر الأجاج](٢) ، عيون عذبة تمتزج بالملح فيكون اللؤلؤ من [بين](٣) ذلك ، (وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) ، جواري مقبلة ومدبرة بريح واحدة ، (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ، بالتجارة ، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، الله على نعمه.

(يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) ، يعني الأصنام ، (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) ، وهو لفافة النواة ، وهي القشرة الرقيقة التي تكون على النواة.

(إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤) يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (١٧) وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (١٨) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩))

(إِنْ تَدْعُوهُمْ) ، يعني إن تدعوا الأصنام ، (لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) ، ما

__________________

(١) في المخطوط «والأعمال».

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) سقط من المطبوع.

٦٩١

أجابوكم ، (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) [أي](١) يتبرءون منكم ومن عبادتكم إياها ، ويقولون : ما كنتم إيانا تعبدون. (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ، يعني نفسه أي لا ينبئك أحد مثلي خبير عالم بالأشياء.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) ، إلى فضل الله والفقير المحتاج ، (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) ، الغني عن خلفه المحمود في إحسانه إليهم.

(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) (١٧) ، شديد.

(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) ، أي نفس مثقلة بذنوبها غيرها ، (إِلى حِمْلِها) ، أي حمل ما عليها من الذنوب ، (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) ، أي ولو كان المدعو ذا قرابة له ابنه أو أباه أو أمه أو أخاه. قال ابن عباس : يلقى الأب والأم ابنه فيقول : يا بني احمل عني بعض ذنوبي ، فيقول : لا أستطيع [حمل شيء](٢) حسبي ما عليّ. (إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ) ، يخافون ، (رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) ، ولم يروه. وقال الأخفش : تأويله أي إنذارك إنما ينفع الذين يخشون ربهم بالغيب ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى) ، صلح (٣) وعمل خيرا ، (فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ) ، لها ثوابه ، (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ).

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) (١٩) ، يعني الجاهل والعالم. وقيل : الأعمى عن الهدى والبصير بالهدى ، أي المؤمن والمشرك.

(وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧))

(وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ) (٢٠) ، يعني الكفر والإيمان.

(وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) (٢١) ، يعني الجنة والنار ، قال ابن عباس : الحرور الريح الحارة بالليل والسموم بالنهار. وقيل : الحرور يكون بالنهار مع الشمس.

(وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ) ، يعني المؤمنين والكفار. وقيل : العلماء والجهال. (إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ) ، حتى يتعظ ويجيب ، (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) ، يعني الكفار شبههم بالأموات في القبور حين لم يجيبوا.

(إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ) (٢٣) ، ما أنت إلّا منذر تخوّفهم بالنار.

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ) ، ما من أمة فيما مضى (إِلَّا خَلا) ، سلف ، (فِيها نَذِيرٌ) ، نبي منذر.

(وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ) ، بالكتب (وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ) ، والواضح كرر ذلك الكتاب بعد ذكر الزبر على طريق التأكيد.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «أصلح».

٦٩٢

(ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (٢٦) ، أي إنكاري.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ) ، طرق وخطط واحدتها جدة مثل مدة ومدد ، (بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) ، يعني سود غرابيب على التقديم ، والتأخير ، يقال أسود غربيب أي شديد السواد تشبيها بلون الغراب ، أي طرائق سود.

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢))

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ) ، ذكر الكناية لأجل «من» ، وقيل : رد الكناية إلى ما في الإضمار ، مجازه : ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مختلف ألوانه ، (كَذلِكَ) ، يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال ، وتم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) ، قال ابن عباس : يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزتي وسلطاني.

[١٧٧٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي [ثنا](٢) الأعمش أنا مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها [قالت](٣) : صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا فرخص فيه ، فتنزه عنه قوم ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخطب (٤) فحمد الله ثم قال : «ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فو الله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية» ، وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا».

وقال مسروق : كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا.

وقال رجل للشعبي : أفتني أيها العالم ، فقال الشعبي : إنما العالم من خشي الله عزوجل : (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) ، أي عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده.

__________________

[١٧٧٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ حفص والد عمر هو ابن غياث ، الأعمش سليمان بن مهران ، مسلم بن صبيح ، مسروق بن الأجدع.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦١٠١ و ٧٣٠١ عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٥٦ والبخاري في «الأدب المفرد» ٤٢٦ من طريق حفص بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٥٦ ح ١٢٨ وأحمد ٦ / ٤٥ و ١٨١ وأبو يعلى ٤٩١٠ من طرق عن الأعمش به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيد في المخطوط «خطبة بليغة» وليست في «صحيح البخاري» و «شرح السنة».

٦٩٣

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ) ، يعني قرءوا القرآن ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ، لن تفسد ولن تهلك ، والمرادة من التجارة ما وعد الله من الثواب ، قال الفراء : قوله يرجون جواب لقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ).

(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ) ، جزاء أعمالهم بالثواب ، (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) ، قال ابن عباس : يعني سوى الثواب مما لم تر عين ولم تسمع أذن ، (إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) ، قال ابن عباس : يغفر العظيم من ذنوبهم ويشكر اليسير من أعمالهم.

(وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ) ، يعني القرآن ، (هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ) ، من الكتب ، (إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ).

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) ، يعني الكتاب الذي أنزلنا إليك الذي ذكر في الآية الأولى وهو القرآن جعلناه ينتهي إلى ، (الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ، ويجوز أن تكون «ثم» بمعنى الواو ، أي وأورثنا ، كقوله : (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٧] ، أي وكان من الذين آمنوا ، ومعنى أورثنا أعطينا لأن الميراث عطاء ، قاله مجاهد وقيل : «أورثنا» أي أخزنا ، ومنه الميراث لأنه أخّر عن الميت ، ومعناه أخرنا القرآن عن الأمم السالفة وأعطيناكموه ، وأهلنا له [الذين اصطفينا من عبادنا ، قال ابن عباس : يريد أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم قسمهم ورتبهم فقال](١) : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ).

[١٧٧١] روي عن أسامة بن زيد في قوله عزوجل : (فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ، الآية قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلهم من هذه الأمة».

[١٧٧٢] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني [أبو](٢) الحسين بن محمد بن فنجويه أنا محمد بن علي بن الحسين بن القاضي أنا بكر بن محمد المروزي أنا أبو قلابة [ثنا](٣) عمرو بن الحصين عن الفضل بن عميرة عن ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي قال : سمعت عمر بن الخطاب قرأ على المنبر : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) ، الآية ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سابقنا سابق ، ومقتصدنا ناج ، وظالمنا مغفور له» ، قال أبو قلابة : فحدثت به يحيى بن معين فجعل يتعجب منه.

واختلف المفسرون في معنى الظالم والمقتصد والسابق.

__________________

[١٧٧١] ـ أخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٥٠٥ والبيهقي في «البعث» ٦٤ والطبراني في «الكبير» ٤١٠ من حديث أسامة بن زيد ، وإسناده ضعيف ، لضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، لكن يصلح للاعتبار بحديثه ، وانظر ما بعده.

[١٧٧٢] ـ إسناده ضعيف جدا ، عمرو بن الحصين متروك الحديث ، وتوبع من وجه آخر عند البيهقي ؛ لكنه منقطع ، ولأصل الحديث شواهد منها حديث أبي الدرداء الآتي.

ـ أبو قلابة هو عبد الملك بن محمد.

ـ وأخرجه العقيلي في «الضعفاء» ١٤٩١ من طريق محمد بن أيوب عن عمرو بن الحصين بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «البعث» ٦٥ من طريق حفص بن خالد عن ميمون بن سياه عن عمر به.

وقال البيهقي : فيه إرسال بين ميمون ، وعمر.

(١) سقط من المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) سقط من المطبوع.

٦٩٤

[١٧٧٣] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أخبرنا أبو سعيد محمد بن عيسى (١) الصيرفي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي (٢) حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن رجل عن أبي ثابت أن رجلا دخل المسجد فقال : اللهم ارحم غربتي وآنس وحشتي وسق لي جليسا صالحا ، فقال أبو الدرداء : لئن كنت صادقا لأنا أسعد بك منك ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ هذه الآية : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) فقال : «أمّا السابق بالخيرات فيدخل الجنة بغير حساب ، وأمّا المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ، وأمّا الظالم لنفسه فيحبسه [الله](٣) في المقام حتى يدخله الهم ، ثم يدخل الجنة» ثم قرأ هذه الآية : (وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (٣٤).

وقال عقبة بن صهبان سألت عائشة عن قول الله عزوجل : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) الآية ، فقالت : يا بني كلهم في الجنة أمّا السابق بالخيرات فمن مضى على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشهد له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالجنة ، وأمّا المقتصد فمن اتبع أثره من أصحابه حتى لحق به ، وأمّا الظالم لنفسه فمثلي ومثلكم ، فجعلت نفسها معنا.

وقال مجاهد والحسن وقتادة : فمنهم ظالم لنفسه وهم أصحاب المشأمة ، ومنهم مقتصدهم أصحاب الميمنة ، ومنهم سابق بالخيرات هم السابقون المقربون من الناس كلهم.

وعن ابن عباس قال : السابق المؤمن المخلص ، والمقتصد المرائي ، والظالم الكافر نعمة الله غير الجاحد (٤) لها ، لأنه حكم للثلاثة بدخول الجنة فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) [فاطر : ٣٣] ، وقال بعضهم : يذكر ذلك عن الحسن ، قال : السابق من رجحت حسناته على سيئاته ، والمقتصد من استوت حسناته

__________________

[١٧٧٣] ـ حديث حسن أو شبه الحسن بطرقه وشواهده.

ـ إسناده ضعيف ، فيه من لم يسمّ ، لكن سمي في بعض الروايات ، وللحديث شواهد.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ١٩٤ و ٦ / ٤٤٤ من طريق وكيع عن سفيان به.

ـ أخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٦ ومن طريقه البيهقي في «البعث» ٦٢ من طريق جرير عن الأعمش به.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ١٩٨ من طريق أنس بن عياض الليثي عن موسى بن عقبة عن علي بن عبد الله الأزدي عن أبي الدرداء به.

وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٩٥ / ١١٢٨٩ : رواه أحمد بأسانيد ، رجال أحدها رجال الصحيح ، وهي هذه إن كان علي بن عبد الله الأزدي سمع من أبي الدرداء ، فإنه تابعي.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ١٩٤ / ٢١١٩٠ من طريق سفيان عن الأعمش عن ثابت أو عن أبي ثابت أن رجلا دخل مسجد دمشق ... فذكره بنحوه.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٩٥ / ١١٢٩٠ رواه الطبراني ، وأحمد باختصار إلّا أنه قال عن ثابت أو عن أبي ثابت ... وثابت بن عبيد ، ومن قبله من رجال الصحيح ، وفي إسناد الطبراني رجل غير مسمى.

ـ وقد فصّل الحاكم في اختلاف طرق هذا الحديث ، وقال : إذا كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا.

ـ وللحديث شواهد عامتها ضعيف ، وانظر «فتح القدير» ٧٠٦٦ و ٧٠٦٧.

(١) في المخطوط «موسى».

(٢) في المطبوع «البرقي».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) تصحف في المطبوع «الجاهد».

٦٩٥

وسيئاته ، والظالم من رجحت سيئاته على حسناته. وقيل : الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه ، والمقتصد الذي استوى ظاهره وباطنه ، والسابق الذي باطنه خير من ظاهره. وقيل : الظالم من وحّد الله بلسانه ولم يوافق فعله قوله ، والمقتصد من وحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه. والسابق من وحّد الله بلسانه وأطاعه بجوارحه وأخلص له عمله.

وقيل : الظالم التالي للقرآن ، والمقتصد القارئ له العالم به ، والسابق القارئ له العالم به العامل بما فيه. وقيل : الظالم أصحاب الكبائر والمقتصد أصحاب الصغائر ، والسابق الذي لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة ، وقال سهل بن عبد الله : السابق العالم ، والمقتصد المتعلم ، والظالم الجاهل. قال جعفر الصادق : بدأ بالظالمين إخبارا بأنه لا يتقرب إليه إلا بكرمه ، وأن الظلم لا يؤثر في الاصطفاء ، ثم ثنّى بالمقتصدين لأنهم بين الخوف والرجاء ، ثم ختم بالسابقين لئلا يأمن أحد مكره ، وكلهم في الجنة. وقال أبو بكر الوراق : رتّبهم هذا الترتيب على مقامات الناس لأن أحوال العبد ثلاثة معصية وغفلة ثم توبة ثم قربة ، فإن عصى دخل في حيز الظالمين ، فإذا تاب دخل في جملة المقتصدين ، فإذا صحت التوبة وكثرت العبادة والمجاهدة دخل في عداد السابقين.

وقال بعضهم : المراد بالظالم الكافر ذكره الكلبي. وقيل : المراد منه المنافق ، فعلى هذا لا يدخل الظالم في قوله : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) [فاطر : ٣٣] وحمل هذا القائل الاصطفاء على الاصطفاء في الخلقة وإرسال الرسول إليهم وإنزال الكتب. والأول هو المشهور أن المراد من جميعهم المؤمنون ، وعليه عامة أهل العلم. قوله : (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) أي : سابق إلى الجنة أو (١) إلى رحمة الله (بِالْخَيْراتِ) أي بالأعمال الصالحات ، (بِإِذْنِ اللهِ) ، بأمر الله وإرادته ، (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) ، يعني إيراثهم الكتاب.

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥))

ثم أخبر بثوابهم فقال : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) ، يعني الأصناف الثلاثة ، قرأ أبو عمرو «يدخلونها» بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء ، (يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ).

(وَقالُوا) ، أي ويقولون إذا دخلوا الجنة ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) ، والحزن واحد كالبخل والبخل. قال ابن عباس : حزن النار. وقال قتادة : حزن الموت. وقال مقاتل : حزنوا لأنهم كانوا لا يدرون ما يصنع الله بهم. وقال عكرمة : حزن الذنوب والسيئات وخوف رد الطاعات. وقال القاسم : حزن زوال النعم وتقليب القلب ، وخوف العاقبة ، وقيل : حزن أهوال يوم القيامة. وقال الكلبي : ما كان يحزنهم في الدنيا من أمر يوم القيامة. وقال سعيد بن جبير : همّ الخبز في الدنيا. وقيل : همّ المعيشة. وقال الزجاج : أذهب الله عن أهل الجنة كل الأحزان ما كان منها لمعاش أو معاد.

__________________

(١) في المطبوع «و» بدل «أو».

٦٩٦

[١٧٧٤] أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن [محمد بن](١) الضحاك الخطيب حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد (٢) الأسفرايني أخبرنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أنا أبو العباس أحمد بن محمد الترابي ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في منشرهم ، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون التراب عن رءوسهم ، ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن».

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

(الَّذِي أَحَلَّنا) ، أنزلنا ، (دارَ الْمُقامَةِ) ، أي الإقامة ، (مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) ، أي لا يصيبنا فيها عناء (٣) ولا مشقة ، (وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) ، عياء (٤) من التعب.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ

__________________

[١٧٧٤] ـ ضعيف جدا. إسناده ضعيف جدا ، وله علتان : يحيى بن عبد الحميد الحماني متروك الحديث ، وعبد الرحمن بن زيد واه ، وتابعهما بعض الضعفاء.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٥٠٦ عن أبي إسحاق الأسفرايني بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن أبي الدنيا في «حسن الظن» ٧٧ والطبراني في «الأوسط» ٩٤٧٤ وابن عدي في «الكامل» ٤ / ٢٧١ والخطيب في «تاريخه» ١ / ٢٦٦ والسهمي في «تاريخ جرجان» ص ٣٢٥ من طرق عن يحيى بن عبد الحميد به.

ـ وأخرجه الخطيب ١٠ / ٢٦٥ من طريق أبي مسلم الواقدي عبد الرحمن بن واقد عن عبد الرحمن بن زيد به.

ـ وأخرجه الأصبهاني في «الترغيب» ٢٥١٠ من طريق يحيى الحمّاني عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه به.

ـ وفيه الحماني ، وهو متروك كما تقدم ، وعبد الله بن زيد ضعيف أيضا.

ـ وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ٩٤٤١ من طريق مجاشع بن عمرو عن داود بن أبي هند والبيهقي في «البعث» ٨٩ من طريق بهلول عن سلمة بن كهيل كلاهما عن نافع عن ابن عمر به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٨٢ وقال : وفي الرواية الأولى يحيى الحماني ، وفي الأخرى مجاشع بن عمرو ، وكلاهما ضعيف ا ه.

ـ قلت : بهلول متروك الحديث ، ومجاشع متهم فالإسناد واه بمرة.

ـ وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ٢ / ٦٥ والبيهقي في «البعث» ٨٨ من طريق بهلول بن عبيد عن سلمة بن كهيل عن ابن عمر به.

وقال البيهقي : هذا مرسل عن سلمة بن كهيل وابن عمر وبهلول بن عبيد تفرد به ، وليس بالقوي؟!.

ـ وتقدم أنه متروك الحديث.

ـ الخلاصة : هو حديث ضعيف جدا ، فقد تفرد به المتروكون ، فلا فائدة من تعدد طرقه.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «أحمد».

(٣) في المطبوع «عياء».

(٤) في المخطوط «إعياء».

٦٩٧

عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩))

قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا) ، أي لا يهلكون فيستريحوا كقوله عزوجل : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) [القصص : ١٥] ، أي قتله. وقيل : لا يقضي عليهم الموت فيموتوا ، كقوله : (وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) [الزخرف : ٧٧] أي ليقض علينا الموت فنستريح ، (وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها) ، من عذاب النار ، (كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) ، كافر ، قرأ أبو عمرو «يجزي» بالياء وضمها وفتح الزاي «كل» رفع على غير تسمية الفاعل ، وقرأ الآخرون بالنون وفتحها وكسر الزاي ، «كل» نصب.

(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ) ، يستغيثون ويصيحون ، (فِيها) وهم يفتعلون (١) ومن الصراخ وهو الصياح يقولون ، (رَبَّنا أَخْرِجْنا) ، منها من النار ، (نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، في الدنيا من الشرك والسيئات ، فيقول الله لهم توبيخا (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ) ، قيل : هو البلوغ. وقال عطاء وقتادة والكلبي : ثمان عشرة سنة. وقال الحسن : أربعون سنة. وقال ابن عباس : ستون سنة ، يروى ذلك عن علي وهو العمر الذي أعذر الله تعالى إلى ابن آدم.

[١٧٧٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد السلام بن مطهّر حدثنا عمر بن علي عن معن (٣) بن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أعذر الله تعالى إلى امرئ أخر أجله حتى بلّغه ستين سنة».

[١٧٧٦] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه حدثنا

__________________

[١٧٧٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٢٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٤١٩ عن عبد السّلام بن مطهر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي ٣ / ٣٧٠ من طريق معن بن محمد بهذا الإسناد.

ـ أخرجه أحمد ٢ / ٣٢٠ والبيهقي ٣ / ٣٧٠ والخطيب في «تاريخه» ١ / ٢٩٠ من طريق محمد بن عجلان.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٤٠٥ من طريق أبي معشر.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٧ من طريق الليث.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٧٥ والحاكم ٢ / ٤٢٧ ـ ٤٢٨ من طريق رجل من بني غفار.

ـ وأخرجه ابن حبان ٢٩٧٩ وأحمد ٢ / ٤١٧ والرامهرمزي في «الأمثال» ص ٦٤ والقضاعي ٤٢٤ والبيهقي ٣ / ٣٧٠ من طريق أبي حازم.

ـ كلهم عن سعيد المقبري به.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٧ من طريق محمد بن عبد الرحمن الغفاري عن أبي هريرة به.

[١٧٧٦] ـ إسناده حسن لأجل محمد بن عمرو فقد روى له الشيخان متابعة وهو حسن الحديث ، وصدره صحيح له شواهد.

ـ المحاربي هو عبد الرحمن بن محمد بن زياد ، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٥٥٠ وابن ماجه ٤٢٣٦ والحاكم ٢ / ٤٢٧ وابن حبان ٢٩٨٠ والخطيب في «تاريخ بغداد» ٦ / ٣٩٧

(١) في المطبوع وحده «افتعال» وكذا في «الوسيط» ٣ / ٥٠٦ ، والمثبت عن المخطوطتين والطبري.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) تصحف في المطبوع «معز».

٦٩٨

أحمد بن جعفر بن حمدان حدثنا إبراهيم بن شهلويه (١) حدثنا الحسن بن عرفة أنا المحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك».

قوله : (وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) ، يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، هذا قول أكثر المفسرين. وقيل : القرآن. وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع : هو الشيب. معناه : أولم نعمركم حتى شبتم. ويقال : الشيب نذير الموت. وفي الأثر : ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها استعدي فقد قرب الموت. قوله : (فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ).

(إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٣٨).

(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ) ، أي يخلف بعضكم بعضا ، وقيل : جعلكم أمة خلفت من قبلها. ورأت فيمن قبلها ، ما ينبغي أن تعتبر به. (فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) ، أي عليه وبال كفره (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) ، غضبا (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠) إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١) وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً (٤٣))

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي جعلتموهم شركائي بزعمكم يعني الأصنام ، (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) ، قال مقاتل : هل أعطينا كفار مكة كتابا ، (فَهُمْ عَلى) بيّنات منه ، قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص (بَيِّنَةٍ) على التوحيد ، وقرأ الآخرون «بينات» على الجمع ، يعني دلائل واضحة منه في ذلك الكتاب من ضروب البيان. (بَلْ إِنْ يَعِدُ) ، أي ما يعد ، (الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) ، والغرور ما يغر الإنسان مما لا أصل له ، قال مقاتل : يعني ما يعد الشيطان كفار بني آدم من شفاعة الآلهة لهم في الآخرة غرور وباطل.

__________________

والقضاعي ٢٥٢ والبيهقي ٣ / ٣٧٠ من طرق عن الحسن بن عرفة بهذا الإسناد.

وصححه الحاكم على شرط مسلم! وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

وحسنه الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» ١١ / ٢٤٠ وهو كما قال لأجل محمد بن عمرو فإنه حسن الحديث.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٣٣١ من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب من حديث أبي صالح عن أبي هريرة.

ـ قلت : وليس فيه : «وأقلهم من يجوز ذلك» ، وأخشى أن يكون مدرجا ، فللحديث شواهد ليس فيها هذه الزيادة ، والله تعالى أعلم.

تمّ بحمد الله ومنّه وكرمه تخريج أحاديث الجزء الثالث من تفسير البغوي.

(١) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع «سهويه» وفي ـ ط ـ «سهاويه».

٦٩٩

قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) ، أي كيلا تزولا ، (وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) ، أي ما يمسكهما أحد من بعده ، أي أحد سواه ، (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) ، فإن قيل : فما معنى ذكر الحلم هاهنا؟ قيل : لأن السموات والأرض همت بما همت به من عقوبة الكفار فأمسكهما الله تعالى عن الزوال لحلمه وغفرانه أن يعاجلهم بالعقوبة.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) ، يعني كفار مكة لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم رسلهم (١) فكذبوهم ، وأقسموا بالله وقالوا لو أتى رسول الله لنكوننّ أهدى دينا منهم ، وذلك قبل مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما بعث محمد كذبوه ، فأنزل الله عزوجل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ) ، رسول ، (لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) ، يعني من اليهود والنصارى ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) ، محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) ، أي ما زادهم مجيئه إلا تباعدا عن الهدى.

(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) ، نصب (اسْتِكْباراً) على البدل من النفور ، (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) ، يعني العمل القبيح ، أضيف المكر إلى صفته.

قال الكلبي : هو اجتماعهم على الشرك وقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ حمزة «مكر السيّئ» بسكون (٢) الهمزة تخفيفا وهي قراءة الأعمش ، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ) ، أي لا يحل ولا يحيط المكر السيّئ ، (إِلَّا بِأَهْلِهِ) ، فقتلوا يوم بدر ، وقال ابن عباس : عاقبة الشرك لا تحل إلا بمن أشرك. والمعنى : إن وبال مكرهم راجع عليهم ، (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) ، ينتظرون ، (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) ، إلا أن ينزل بهم العذاب كما نزل بمن مضى من الكفار ، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً).

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥))

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ) ، يعني ليفوت عنه ، (مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً).

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا) ، من الجرائم ، (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) ، يعني على ظهر الأرض ، كناية عن غير مذكور ، (مِنْ دَابَّةٍ) ، كما كان في زمان نوح أهلك الله ما على ظهر الأرض إلا من كان في سفينة نوح ، (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً). [قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أهل طاعته وأهل معصيته](٣).

بعونه تعالى تم الجزء الثالث ، ويليه الجزء الرابع ، وأوله سورة يس

__________________

(١) في المطبوع «الرسل».

(٢) في المطبوع «ساكنة».

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.

٧٠٠