تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

(مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ) ، أي وبال كفره ، (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) ، يوطئون المضاجع ويسوونها في القبور.

(لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ) ، قال ابن عباس : ليثيبهم الله أكثر من ثواب أعمالهم ، (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ).

قوله عزوجل : (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ) ، تبشر بالمطر ، (وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) ، نعمة المطر وهي الخصب ، «ولتجري الفلك في البحر» ، بهذه الرياح ، (بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) ، ولتطلبوا من رزقه بالتجارة في البحر ، (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، رب هذه النعم.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) ، بالدلالات الواضحات على صدقهم ، (فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا) ، عذبنا الذين كذبوهم ، (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) ، وإنجاؤهم من العذاب ، ففي هذا تبشير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالظفر في العاقبة والنصر على الأعداء ، قال الحسن : أنجاهم مع الرسل من عذاب الأمم.

[١٦٤٩] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر

__________________

[١٦٤٩] ـ حديث حسن دون ذكر الآية فإنه ضعيف.

ـ إسناده ضعيف ، وله علتان ، جهالة أبي الشيخ الحراني حيث لم أجد له ترجمة ، وضعف ليث لكن للحديث طرق وشواهد دون ذكر الآية.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٢٢ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٦٣٦ من طريق جرير عن ليث بن أبي سليم به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٤٤٩ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ٢٣٩ من طريقين عن ليث به وليس فيه ذكر الآية.

ـ وأخرجه الترمذي ١٩٣١ وأحمد ٦ / ٤٥٠ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ٢٥٠ من طريق ابن المبارك عن أبي بكر النهشلي عن مرزوق أبي بكر عن أم الدرداء عن أبي الدرداء به.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن.

ـ وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» ٨ / ٥٧٦ والبيهقي في «الشعب» ٧٦٣٤ من طريق الحكم عن ابن أبي الدرداء عن أبيه به ، وفي إسناده ابن أبي ليلى ، وهو محمد بن عبد الرحمن الفقيه سيئ الحفظ.

وللحديث شواهد منها :

ـ حديث أسماء بن يزيد أخرجه أحمد ٦ / ٤٦١ وابن عدي ٤ / ٣٢٨ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ٢٤٠ وابن المبارك ٦٨٧ وأبو نعيم في «الحلية» ٦ / ٦٧ والطبراني في «الكبير» ٢٤ / (٤٤١) من طرق عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عنها.

ـ وإسناده ضعيف ، لضعف عبيد الله.

ـ وحديث معاذ بن أنس ، أخرجه أبو داود ٤٨٨٣ وأحمد ٣ / ٤٤١ وابن أبي الدنيا ٢٤٨ والبغوي في «شرح السنة» ٣٤٢١ وإسناده ضعيف.

ـ وحديث أنس ، أخرجه ابن أبي الدنيا ٢٤٠ وإسناده ضعيف.

ـ وحديث جابر وأبي طلحة بن سهل ، أخرجه أبو داود ٤ / ٢٧١ وأحمد ٤ / ٣٠ والبغوي ٣٤٢٥ وابن أبي الدنيا ٢٤١ وأبو نعيم ٨ / ١٨٩ وإسناده ضعيف.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بطرقه وشواهده ، دون ذكر الآية لم يروا إلّا من وجه ضعيف ، والأشبه أنه مدرج من كلام أحد الرواة.

٥٨١

محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد (١) بن زنجويه أنا أبو شيخ الحراني أنا موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما من مسلم يردّ عن عرض أخيه إلّا كان حقا على الله أن يردّ عنه نار جهنم يوم القيامة» ، ثم تلا هذه الآية (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ).

(اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً) ، أي ينشره ، (فَيَبْسُطُهُ فِي السَّماءِ كَيْفَ يَشاءُ) ، مسيرة يوم أو يومين أو أكثر على ما يشاء ، (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) ، قطعا متفرقة ، (فَتَرَى الْوَدْقَ) ، المطر ، (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) ، وسطه ، (فَإِذا أَصابَ بِهِ مَنْ يَشاءُ) ، أي الودق ، (مِنْ عِبادِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) ، يفرحون بالمطر.

(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (٤٩) فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٥٠) وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (٥١) فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (٥٢) وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (٥٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤))

(وَإِنْ كانُوا) ، وقد كانوا ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) ، أي آيسين ، قيل : وإن كانوا أي وما كانوا إلا مبلسين ، وأعاد قوله من قبله تأكيدا ، وقيل : الأولى ترجع إلى إنزال المطر والثانية إلى إنشاء السحاب.

وفي حرف عبد الله بن مسعود «وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم لمبلسين» ، غير مكرر.

(فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَتِ اللهِ) ، هكذا قرأ أهل الحجاز والبصرة وأبو بكر ، وقرأ الآخرون : «إلى آثار رحمة الله» ، على الجمع أراد برحمة الله المطر أي انظر إلى حسن تأثيره في الأرض ، قال مقاتل : أثر رحمة الله أي نعمته وفي النبت [وإخراج الثمر منه](٢) ، (كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ ذلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتى) ، يعني أن ذلك الذي يحيي الأرض لمحيي الموتى ، (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(وَلَئِنْ أَرْسَلْنا رِيحاً) ، باردة مضرة فأفسدت الزرع ، (فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا) أي والنبت والزرع مصفرا بعد الخضرة ، (لَظَلُّوا) ، لصاروا ، (مِنْ بَعْدِهِ) من بعد اصفرار الزرع ، (يَكْفُرُونَ) ، يجحدون ما سلف من النعمة يعني أنهم يفرحون عند الخصب ولو أرسلت عذابا على زرعهم جحدوا سالف نعمتي.

(فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) (٥٢).

(وَما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ) (٥٣).

(اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ) ، قرئ بضم الضاد وفتحها ، فالضم لغة قريش ، والفتح لغة تميم ، ومعنى من ضعف أي من نطفة يريد من ذي ضعف أي من ماء ذي ضعف كما قال تعالى : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [المرسلات : ٢٠] ، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً) أي من بعد ضعف الطفولة شبابا وهو وقت القوة ، (ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً) [هرما](٣) (وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ) ، من الضعف والقوة والشباب

__________________

(١) تصحف في المطبوع «أحمد».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٥٨٢

والشيبة ، (وَهُوَ الْعَلِيمُ) ، بتدبير خلقه ، (الْقَدِيرُ) ، على ما يشاء.

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠))

(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، يحلف المشركون ، (ما لَبِثُوا) ، في الدنيا ، (غَيْرَ ساعَةٍ) ، إلا ساعة استقلوا أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة ، وقال مقاتل والكلبي : ما لبثوا في قبورهم غير ساعة كما قال : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) [الأحقاف : ٣٥]. (كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ) ، يصرفون عن الحق في الدنيا.

قال الكلبي ومقاتل : كذبوا في قولهم غير ساعة كما كذبوا في الدنيا أن لا بعث ، والمعنى أن الله أراد أن يفضحهم فحلفوا على شيء يتبين لأهل الجمع أنهم كاذبون فيه ، وكان ذلك بقضاء الله وقدره بدليل قوله : (يُؤْفَكُونَ) أي يصرفون عن الحق ، ثم ذكر إنكار المؤمنين عليهم كذبهم فقال :

(وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ) ، أي فيما كتب الله لكم في سابق علمه من اللبث في القبور ، وقيل : في كتاب الله أي في حكم الله ، وقال قتادة ومقاتل : فيه تقديم وتأخير تقديره : وقال الذين [أوتوا العلم](١) في كتاب الله والإيمان لقد لبثتم إلى يوم البعث يعني الذين يعلمون كتاب الله ، وقرءوا قوله تعالى : (وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون : ١٠٠] ، أي قالوا للمنكرين (٢) لقد لبثتم ، (إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ) ، الذي كنتم تنكرونه في الدنيا ، (وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، وقوعه في الدنيا فلا ينفعكم العلم به الآن بدليل :

قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ) ، يعني عذرهم ، (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، لا يطلب منهم العتبى والرجوع إلى الدنيا ، قرأ أهل الكوفة : «لا ينفع» بالياء هاهنا وفي حم المؤمن [وافق نافع في حم المؤمن](٣) ، وقرأ الباقون بالتاء فيهما.

(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ) (٥٨) ، ما أنتم إلّا على باطل.

(كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٥٩) توحيد الله.

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) ، في نصرتك وإظهارك على عدوك (وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ) ، ولا يستجهلنك معناه لا يحملنّك الذين لا يوقنون على الجهل واتباعهم في الغي وقيل لا يستخفن رأيك وحلمك ، (الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ) ، بالبعث والحساب.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «للمتكبرين».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٥٨٣

تفسير سورة لقمان

مكية وهي أربع وثلاثون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦))

(الم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ (٢) هُدىً وَرَحْمَةً) ، قرأ حمزة ورحمة بالرفع على الابتداء أي هو هدى ورحمة ، وقرأ الآخرون بالنصب على الحال (لِلْمُحْسِنِينَ).

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) ، الآية. قال الكلبي ومقاتل : نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة كان يتجر فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم فيحدث بها قريشا ويقول : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم وإسفنديار وأخبار الأكاسرة ، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية وقال مجاهد يعني شراء القيان والمغنين ، ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذات لهو أو ذا لهو الحديث.

[١٦٥٠] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن

__________________

[١٦٥٠] ـ صدره يشبه الحسن بطرقه وشواهده ، وأما ذكر الآية مع ما بعده فهو واه جدا ، والأشبه في ذكر الآية كونه من كلام أحد الرواة.

ـ إسناده ضعيف جدا ، فهو مسلسل بالضعفاء مطرّح فمن فوقه ، بل علي بن يزيد متروك الحديث.

ـ وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٦٧٨ من طريق محمد بن الفضل به.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٤١ من وجه آخر عن مطّرح بن يزيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ١٢٨٢ و ٣١٩٥ وابن ماجه ٢١٦٨ وأحمد ٥ / ٢٥٢ والطبري ٢٨٠٣٥ و ٢٨٠٣٦ و ٢٨٠٣٧ والطبراني ٧٨٥٥ والبيهقي ٦ / ١٤ وابن الجوزي في «العلل» ١٣٠٧ من طرق عن عبيد الله بن زحر به ، وليس فيه عجز الحديث «وما من رجل يرفع صوته ...».

ـ وقال الترمذي : غريب ، إنما يروي من حديث القاسم ، والقاسم ثقة ، وعلي بن يزيد يضعف سمعت محمدا يقول : القاسم ثقة ، وعلي يضعف.

ـ ونقل البيهقي عن الترمذي نحو هذا ، وأعله ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٤٥١.

٥٨٤

إسحاق المزكي (١) ثنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة أنا علي بن حجر أنا مشمعل بن ملحان الطائي عن مطّرح بن يزيد عن عبيد (٢) الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم (٣) أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام» ، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، «وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربانه بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت».

__________________

ـ فالإسناد ضعيف جدا.

ـ وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ٦ / ٣١٤ من طريق مسلمة بن علي عن يحيى بن الحارث عن القاسم به ، وليس فيه ذكر الآية وأعله ابن عدي بمسلمة بن علي ، وهو متروك.

ـ وصدر الحديث ورد من وجه آخر عن علي بن يزيد بهذا الإسناد مطوّلا عند أحمد ٥ / ٢٥٧ وابن الجوزي في «العلل» ١٣٠٨ وليس فيه ذكره الآية.

وإسناده ساقط ، لأجل علي بن يزيد.

ـ وكذا أخرجه ابن ماجه ٢١٦٨ من طريق أبي جعفر الرازي عن عاصم عن أبي المهلب عن عبيد الله الإفريقي عن أبي أمامة ، وهذا إسناد ظلمات.

ـ أبو جعفر الرازي ، ضعفه غير واحد ، وأبو المهلب ، هو مطرّح بن يزيد ، ضعيف متروك ، وشيخه عبيد الله الإفريقي هو ابن زحر نفسه ضعفه الجمهور ، الإسناد منقطع ، فإنه لم يدرك أبا أمامة ، وكأنه إسناد مصنوع مركب.

ـ ولصدره شواهد منها :

ـ حديث عائشة أخرجه ابن الجوزي ١٣٠٩ من طريق ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سابط عن عائشة مرفوعا.

ـ وهذا إسناد ضعيف قال ابن الجوزي : ليث متروك.

وابن سابط كثير الإرسال والرواية عمن لم يلقه ، ولم يصرح بسماعه من عائشة.

ـ وقد أعله البيهقي في «السنن» ٦ / ٦٤ بقوله : وروي عن ليث عن ابن سابط عن عائشة ، وليس بمحفوظ.

ـ وحديث عمر أخرجه ابن عدي في «الكامل» ٢٦٢٧ وأعلّه بيزيد بن عبد الملك النوفلي ، وفيه عبد العزيز الأويسي ضعفه غير واحد.

ـ وحديث علي أخرجه ابن عدي ٢ / ١٩١ ـ ١٩٢ وأعلّه بالحارث بن نبهان ونقل عن البخاري قوله : منكر الحديث.

وقال النسائي : متروك.

ـ وفي الإسناد أيضا الحارث الأعور ، وهو ضعيف فالإسناد ضعيف جدا.

ـ الخلاصة صدره يقرب من الحسن بمجموع طرقه وشواهده ، وأما باقيه ، فهو واه جدا.

ـ قال العلامة ابن القيم في «إغاثة اللهفان» ١ / ٢٥٨ : هذا الحديث ، وإن كان مداره على علي بن يزيد ، وهو ضعيف ، لكن للحديث شواهد ، ومتابعات.

ـ قلت : ومع ذلك شواهده واهية ، ومتابعاته لا يحتج بها ، فالخبر يشبه الحسن.

وأدرجه الألباني في «الصحيحة» ٢٩٢٢ ، وفي ذلك نظر ، وتقدم ما فيه كفاية.

ـ تنبيه : وذكر الآية في هذا الحديث مدرج من كلام الصحابي ، وليس له أصل من كلام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولذا لم يقع ذكر الآية الكريمة عند أحمد وغيره.

(١) في المطبوع «المزني».

(٢) في المطبوع «عبد».

(٣) زيد في المطبوع «عن».

٥٨٥

[١٦٥١] أخبرنا عبد الرحمن [بن عبد الله](١) بن أحمد بن القفال أنا أبو منصور أحمد بن الفضل البرونجردي أنا أبو أحمد بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي أنا محمد بن غالب تمتام (٢) أنا خالد بن يزيد (٣) أنا حماد بن يزيد عن هشام هو ابن حسان عن محمد هو ابن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «نهى عن ثمن الكلب وكسب الزمارة».

قال مكحول : من اشترى جارية ضرابة ليمسكها لغنائها وضربها مقيما عليه حتى يموت لم أصل عليه إن الله يقول : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) الآية.

وعن عبد الله بن مسعود وابن عباس والحسن وعكرمة وسعيد بن جبير قالوا : لهو الحديث هو الغناء والآية نزلت فيه ، ومعنى قوله : (يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) أي يستبدل ويختار الغناء والمزامير والمعازف على القرآن ، قال أبو الصهباء (٤) البكري سألت ابن مسعود عن هذه الآية فقال : هو الغناء والله الذي لا إله إلا هو ، يرددها ثلاث مرات.

وقال إبراهيم النخعي الغناء ينبت النفاق في القلب وكان أصحابنا يأخذون بأفواه السكك يخرقون الدفوف. وقيل : الغناء رقية الزنا. وقال ابن جريج : هو الطبل. وعن الضحاك قال : هو الشرك. وقال قتادة : هو كل لهو ولعب ، (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، يعني يفعله عن جهل قال قتادة : بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق. قوله تعالى :

(وَيَتَّخِذَها هُزُواً) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب : (وَيَتَّخِذَها) بنصب الذال عطفا على قوله : (لِيُضِلَ) وقرأ الآخرون بالرفع نسقا على قوله : (يَشْتَرِي) ، (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢))

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٧).

__________________

[١٦٥١] ـ إسناده حسن لأجل خالد بن يزيد ، وقد توبع ، ولصدره شواهد في الصحيح.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٠٣١ بهذا الإسناد.

ـ أخرجه البيهقي ٦ / ١٢٦ من طريق عبد الوارث عن هشام بن حسان به ، ورجاله ثقات.

ـ وأخرجه ابن عدي في «الكامل» ٣ / ٢٦١ من طريق سليمان بن أبي سليمان عن محمد بن سيرين به ، وإسناده ساقط ، فلا فائدة من هذه المتابعة ، وأعله ابن عدي بسليمان ونقل عن النسائي قوله : متروك الحديث.

ـ ولصدره شاهد من حديث أبي مسعود الأنصاري ، أخرجه البخاري ٢٢٣٧ ومسلم ١٥٦٧.

ـ وله شاهد آخر من حديث جابر ، أخرجه مسلم ١٥٦٩ وأبو داود ٣٤٧٩.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع «تمام».

(٣) تصحف في المطبوع «مرثد».

(٤) تصحف في المطبوع «الصباء».

٥٨٦

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ) ، حسن.

(هذا) ، يعني الذي ذكرت مما تعاينون ، (خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) ، من آلهتكم التي تعبدونها ، (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) ، يعني العقل والعلم والعمل به والإصابة في الأمور ، وقال محمد بن إسحاق ، وهو لقمان بن ناعور بن ناحور بن تارخ وهو آزر. وقال وهب : إنه كان ابن أخت أيوب وقال مقاتل ذكر أنه كان ابن خالة أيوب.

قال الواقدي : كان قاضيا في بني إسرائيل. واتفق العلماء على أنه كان حكيما ولم يكن نبيا إلا عكرمة فإنه قال كان لقمان نبيا وتفرد بهذا القول. وقال بعضهم : خيّر لقمان بين النبوة والحكمة فاختار الحكمة.

[١٦٥٢] وروي : أنه كان نائما نصف النهار فنودي يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض لتحكم بين الناس بالحق فأجاب الصوت فقال : إن خيرني ربي [بين العافية والبلاء](١) قبلت العافية ولم أقبل البلاء ، وإن عزم عليّ فسمعا وطاعة فإني أعلم إن فعل ذلك بي أعانني وعصمني ، فقالت الملائكة بصوت لا يراهم : لم يا لقمان؟ قال : لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها يغشاه الظلم من كل مكان أن يعن [فيخذل أو يعان](٢) فبالأحرى أن ينجو وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة ، ومن يكن في الدنيا ذليلا خير من أن يكون شريفا ، ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب الآخرة ، فعجبت الملائكة من حسن منطقه ، فنام نومة فأعطي الحكمة فانتبه وهو يتكلم بها ، ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط ما اشترطه لقمان ، فهوى في الخطيئة غير مرة كل ذلك يعفو [الله](٣) عنه ، وكان لقمان يؤازره بحكمته.

وعن خالد الربعي قال : كان لقمان عبدا حبشيا نجارا. وقال سعيد بن المسيب : كان خياطا. وقيل : كان راعي غنم.

فروي أنه لقيه رجل وهو يتكلم بالحكمة فقال : ألست فلانا الراعي [قال : نعم قال](٤) : فبم بلغت ما بلغت؟ قال : بصدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني. وقال مجاهد : كان عبدا أسود عظيم الشفتين مشقق القدمين. قوله عزوجل : (أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).

__________________

[١٦٥٢] ـ واه بمرة ، أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» كما في «الدر» ٥ / ٣١١ عن أبي مسلم الخولاني قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ... فذكره.

وهذا مرسل ، ولم أقف على إسناده إلى أبي مسلم ، وتفرد الحكيم به دليل وهنه لأنه يروي عن متروكين ، والمتن شبه موضوع ، والأشبه أنه من كلام أبي مسلم ، وأنه مما تلقاه عن أهل الكتاب.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن «الدر المنثور» ٥ / ٣١١.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٥٨٧

(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥))

(وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ) ، واسمه أنعم ويقال مشكم ، (وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، وقرأ ابن كثير : «يا بني لا تشرك بالله» بإسكان الياء ، وفتحها حفص ، والباقون بالكسر ، «يا بني إنها» بفتح الياء حفص ، والباقون بالكسر ، (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) [لقمان : ١٧] بفتح الياء البزي عن ابن كثير وحفص ، وبإسكانها القواس ، والباقون بكسرها.

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ) ، قال ابن عباس : شدة بعد شدة. وقال الضحاك : ضعفا على ضعف. وقال مجاهد : مشقة على مشقة. وقال الزجاج : المرأة إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة. ويقال : الحمل ضعف ، والطلق ضعف والوضع ضعف. (وَفِصالُهُ) ، أي فطامه ، (فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) ، المرجع ، قال سفيان بن عيينة في هذه الآية : من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله ، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين.

(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) ، أي بالمعروف ، وهو البر والصلة والعشرة الجميلة ، (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) ، أي دين من أقبل إلى طاعتي وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه.

قال عطاء عن ابن عباس : يريد أبا بكر وذلك أنه حين أسلم أتاه عثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف ، فقالوا له : قد صدّقت هذا الرجل وآمنت به؟ قال : نعم هو صادق فآمنوا به ثم حملهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أسلموا فهؤلاء لهم سابقة الإسلام أسلموا بإرشاد أبي بكر ، قال الله تعالى : (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَ) ، يعني أبا بكر ، (ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، وقيل : نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه ، وقد مضت القصة وقيل : الآية عامة في حق كافة الناس.

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧) وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨))

(يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) الكناية في قوله : (إِنَّها) راجعة إلى الخطيئة ، وذلك أن ابن لقمان قال لأبيه : يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) ، قال قتادة تكن في جبل. وقال ابن عباس : هي (١) صخرة تحت الأرضين السبع وهي التي يكتب فيها أعمال الفجار وخضرة السماء منها.

__________________

(١) في المطبوع «في».

٥٨٨

قال السدي : خلق الله الأرض على حوت وهو النون (١) الذي ذكر الله عزوجل في القرآن (ن وَالْقَلَمِ) [القلم : ١] والحوت في الماء والماء على ظهر صفاة والصفاة على ظهر ملك والملك على صخرة وهي الصخرة التي ذكرها لقمان ليست في السماء ولا في الأرض ، والصخرة على الريح. (أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ) ، باستخراجها ، (خَبِيرٌ) ، عالم بمكانها ، قال الحسن : معنى الآية هي الإحاطة بالأشياء صغيرها وكبيرها وفي بعض الكتب إن هذه الكلمة آخر كلمة تكلم بها لقمان فانشقت مرارته من هيبتها فمات رحمه‌الله.

(يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ) ، يعني من الأذى ، (إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ، يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على الأذى فيهما من الأمور الواجبة التي أمر الله بها وهي (٢) من الأمور التي يعزم عليها لوجوبها.

(وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وعاصم وهو أبو جعفر ويعقوب : «ولا تصعر» بتشديد العين من غير ألف وقرأ الآخرون «تصاعر» بالألف يقال صعر وجهه وصاعر إذا مال وأعرض تكبرا ورجل أصعر أي مائل العنق. قال ابن عباس : يقول لا تتكبر فتحقّر الناس وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك. وقال مجاهد : هو الرجل يكون بينك وبينه إحنة فتلقاه فيعرض عنك بوجهه. وقال عكرمة : هو الذي إذا سلّم عليه لوى عنقه تكبرا. وقال الربيع بن أنس وقتادة : لا تحتقرن الفقراء ليكن الفقر والغنى عندك سواء ، (وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً) ، خيلاء تكبرا ، (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ) ، في مشيه (فَخُورٍ) ، على الناس.

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩) أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠))

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) ، أي ليكن مشيك قصدا لا تخيلا ولا إسراعا. وقال عطاء : امش بالوقار والسكينة ، كقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣] ، (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) ، وقال مقاتل : اخفض صوتك ، (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) ، أقبح الأصوات ، (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ، أوله زفير وآخره شهيق ، وهما صوتا أهل النار.

وقال موسى بن أعين : سمعت سفيان الثوري يقول في قوله : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) ، قال : صياح كل شيء تسبيح لله إلا الحمار. وقال جعفر الصادق في قوله : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) قال : هي العطسة القبيحة المنكرة. قال وهب : تكلم لقمان باثني عشر ألف باب من الحكمة أدخلها الناس في كلامهم وقضاياهم و [من](٣) حكمه :

__________________

(١) هذه آثار مصدرها كتب الأقدمين.

(٢) في المطبوع «أو».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٥٨٩

قال خالد الربعي (١) : كان لقمان عبدا حبشيا فدفع مولاه إليه شاة وقال : اذبحها وائتني بأطيب مضغتين منها ، فأتاه باللسان والقلب ، ثم دفع إليه شاة أخرى ، وقال : اذبحها وائتني بأخبث مضغتين منها فأتاه باللسان والقلب ، فسأله مولاه [عن ذلك](٢) ، فقال : ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا.

قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ) ، أتم وأكمل ، (نِعَمَهُ) قرأ أهل المدينة وأبو عمرو وحفص «نعمه» بفتح العين وضم الهاء على الجمع ، وقرأ الآخرون منونة على الواحد ومعناه الجمع أيضا كقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [إبراهيم : ٣٤] ، (ظاهِرَةً وَباطِنَةً) ، قال عكرمة عن ابن عباس : النعمة الظاهرة الإسلام والقرآن والباطنة ما ستر عليك من الذنوب ولم يعجل عليك بالنقمة. وقال الضحاك : الظاهرة حسن الصورة وتسوية الأعضاء والباطنة المعرفة. وقال مقاتل : الظاهرة تسوية الخلق والرزق والإسلام ، والباطنة [ما ستر من الذنوب](٣) ، وقال الربيع : الظاهرة الجوارح والباطنة القلب ، وقيل الظاهرة الإقرار باللسان والباطنة الاعتقاد بالقلب. وقيل : الظاهرة تمام الرزق والباطنة حسن الخلق. وقال عطاء : الظاهرة تخفيف الشرائع والباطنة الشفاعة. وقال مجاهد : الظاهرة ظهور الإسلام والنصر على الأعداء والباطنة الإمداد بالملائكة. وقيل : الظاهرة الإمداد بالملائكة والباطنة إلقاء الرعب في قلوب الكفار. وقال سهل بن عبد الله : الظاهرة اتباع الرسول والباطنة محبته. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) ، نزلت في النضر بن الحارث وأبيّ بن خلف وأمية بن خلف ، وأشباههم كانوا يجادلون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الله وفي صفاته بغير علم ، (وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ).

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦) وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧))

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ، قال الله عزوجل : (أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) ، وجواب لو محذوف ومجازه يدعوهم فيتبعونه ، يعني يتبعون الشيطان وإن كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير.

قوله تعالى : (وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ) ، أي لله يعني يخلص دينه لله ويفوّض أمره إلى الله ، (وَهُوَ مُحْسِنٌ) ، في عمله ، (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) ، أي اعتصم بالعهد الأوثق الذي لا يخاف انقطاعه ، (وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ).

__________________

(١) تصحف في المطبوع «الربيعي».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) العبارة في المطبوع «الإيمان» والمثبت عن المخطوط ، ويدل عليه عبارة «الوسيط» ٣ / ٤٤٥.

٥٩٠

(وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٣).

(نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً) ، أي : نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا قليلا إلى انقضاء آجالهم ، (ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ) ، ثم نلجئهم ونردهم في الآخرة ، (إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ) ، وهو عذاب النار.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٢٥).

(لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٦). قوله سبحانه وتعالى :

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) الآية.

[١٦٥٣] قال المفسرون : نزلت بمكة ، قوله سبحانه وتعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) إلى قوله : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] فلما هاجر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا : يا محمد بلغنا عنك أنك تقول وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا أفعنيتنا أم قومك؟ فقال عليه الصلاة والسلام : لّا قد عنيت ، قالوا : ألست تتلو فيما جاءك أنا أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي في علم الله قليل وقد آتاكم الله ما إن عملتم به انتفعتم» ، قالوا : يا محمد كيف تزعمه هذا ، وأنت تقول : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) [البقرة : ٢٦٩] فكيف يجتمع (١) هذا ، علم قليل وخير كثير؟ فأنزل [الله] هذه الآية. وقال قتادة : إن المشركين قالوا : إن القرآن وما يأتي به محمد يوشك أن ينفد فينقطع ، فنزلت.

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) أي بريت أقلاما ، (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) ، قرأ أبو عمرو ويعقوب : «والبحر» بالنصب عطفا على «ما» ، والباقون بالرفع على الاستئناف (يَمُدُّهُ) أي يزيده ، وينصب فيه (مِنْ بَعْدِهِ) من خلفه ، (سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) ، وفي الآية اختصار تقديره : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر يكتب بها كلام الله ما نفدت كلمات الله. (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) ، وهذه الآية على قول عطاء بن يسار مدنية وعلى قول غيره مكية. وقالوا : إنما أمر اليهود وفد قريش أن يسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويقولوا له ذلك وهو بعد بمكة والله أعلم.

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢))

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) ، أي [إلّا](٢) كخلق نفس واحدة وبعثها لا يتعذر عليه شيء ، (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ).

__________________

[١٦٥٣] ـ أخرجه الطبري ٢٨١٤٨ بنحوه بسند فيه مجهول عن ابن عباس ٢٨٤٩ بنحوه عن عكرمة مرسلا و ٢٨١٥٠ عن عطاء بن يسار مرسلا أيضا ،

فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها ، والله أعلم.

(١) في المخطوط «تجمع».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٥٩١

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٩).

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ) ، أي ذلك الذي ذكرت لتعلموا أن الله هو الحق ، (وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ) ، إن ذلك من نعمة الله عليكم ، (لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ) ، عجائبه ، (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) ، على أمر الله ، (شَكُورٍ) ، لنعمه.

(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ) ، قال مقاتل : كالجبال. وقال الكلبي : [والسدي](١) : كالسحاب. والظلل (٢) جمع ظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها وجعل الموج وهو واحد كالظل وهي جمع ، لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء ، (دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) ، أي عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له يعني ثبت على إيمانه. قيل نزلت في عكرمة بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءتهم ريح عاصف ، فقال عكرمة : لئن أنجانا الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأضعن يدي في يده فسكنت الريح (٣) فرجع عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلامه (٤).

وقال مجاهد : فمنهم مقتصد في القول مضمر للكفر.

وقال الكلبي [فمنهم](٥) مقتصد في القول أي من الكفار لأن بعضهم كان أشد قولا وأغلى في الافتراء من بعض ، (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) ، والختر أسوأ الغدر.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤))

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي) ، لا يقضي ولا يغني ، (والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «الظل».

(٣) في المخطوط «الرياح».

(٤) أخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٤٧ من طريق حمّاد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال : لما كان يوم الفتح هرب عكرمة بن أبي جهل فركب البحر .... فذكره.

ـ وليس فيه قوله «فسكنت الريح» وهذا مرسل.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٤٦ من طريق أسباط بن نصر قال : زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : لما كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس إلّا أربعة نفر ، وقال : اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ، عكرمة بن أبي جهل ، وعبد الله بن خطل ، ومقيس بن صبابة ، وعبد الله بن سعد بن أبي اليسر فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم ريح عاصف فقال أهل السفينة : اخلصوا فإن آلهتكم لا تغني عنكم شيئا هاهنا فقال عكرمة : ....

ـ وليس فيه قوله «فسكنت الريح» ، والحديث معروف في كتب السير دون قوله «نزلت في عكرمة» فهذا ضعيف.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٥٩٢

جازٍ)، مغن ، (عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) ، قال ابن عباس : كل امرئ تهمه نفسه ، (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) ، يعني الشيطان. قال سعيد بن جبير : هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة. قوله :

(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، الآية.

[١٦٥٤] نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسأله عن الساعة ووقتها (١) وقال إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى ، فمتى تلد ، وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت؟ فأنزل الله هذه الآية : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) ، وقرأ أبي بن كعب «بأية أرض» والمشهور «بأي أرض» لأن الأرض ليس فيها من علامات التأنيث شيء ، وقيل : أراد بالأرض المكان.

[١٦٥٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله أنا إبراهيم بن سعد أنا ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مفاتيح الغيب خمس : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ما ذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت» ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

تفسير سورة السجدة

مكية [وهي ثلاثون آية](٣)

قال عطاء : إلا ثلاث آيات

من قوله : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) [١٨] إلى آخر ثلاث آيات.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ

__________________

[١٦٥٤] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٢٨١٧٣ عن مجاهد مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف.

[١٦٥٥] ـ إسناده على شرط البخاري ، عبد العزيز هو الأويسي ، ابن شهاب محمد بن مسلم.

وتقدم في سورة الأنعام عند آية : ٥٩.

(١) في المخطوط «فقال».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المطبوع.

٥٩٣

قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥))

(الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٢) ، قال مقاتل : لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين.

(أَمْ يَقُولُونَ) ، بل يقولون (افْتَراهُ) ، وقيل الميم صلة أي أيقولون افتراه ، استفهام توبيخ ، وقيل : أم بمعنى الواو أي ويقولون افتراه ، وقيل : فيه إضمار مجاز فهل (١) يؤمنون ، أم يقولون افتراه ، ثم قال : (بَلْ هُوَ) ، يعني القرآن ، (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ) ، يعني لم يأتهم ، (مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) ، قال قتادة : كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال ابن عباس ومقاتل : ذاك في الفترة التي كانت بين عيسى عليه‌السلام وبين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) (٤).

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، أي يحكم الأمر وينزل القضاء والقدر ، (مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ، وقيل : ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض ، (ثُمَّ يَعْرُجُ) ، يصعد ، (إِلَيْهِ) ، جبريل بالأمر ، (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) ، أي في يوم واحد من أيام الدنيا وقدره مسيرة [ألف](٢) سنة خمسمائة نزوله وخمسمائة صعوده لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام ، يقول : لو سار فيه أحد من بني آدم لم يقطعه إلا في ألف سنة ، والملائكة يقطعونه في يوم واحد ، هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء ، وأما قوله : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤) [المعارج : ٤] ، أراد مدة المسافة من الأرض (٣) إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا ، هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك. وقوله (إِلَيْهِ) أي إلى الله.

وقيل : على هذا التأويل [أي](٤) إلى مكان الملك الذي أمره الله عزوجل أن يعرج إليه.

وقال بعضهم : ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم أقصر ، معناه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا ، ثم يعرج أي يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا ، وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في يوم كان مقداره (٥) ألف سنة وهو يوم القيامة ، وأما قوله : (خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف

__________________

(١) في المطبوع «فهم».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المطبوع وحده «إلى السماء».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيد في المطبوع «خمسين».

٥٩٤

سنة ، وعلى المؤمن دون ذلك :

[١٦٥٦] حتى جاء في الحديث «أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا».

وقال إبراهيم التيمي : لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر ، ويجوز أن يكون هذا إخبار عن شدته وهوله ومشقته.

وقال ابن أبي مليكة : دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة ، فقال له ابن عباس : أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم.

(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٦) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١))

(ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) ، يعني ذلك الذي صنع ما ذكره من خلق السموات والأرض عالم ما غاب عن [عيان](١) الخلق وما حضر ، (الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ).

(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) ، قرأ نافع ، وأهل الكوفة «خلقه» بفتح اللام على الفعل وقرأ الآخرون بسكونها ، أي أحسن خلق كل شيء ، قال ابن عباس : أتقنه وأحكمه. قال قتادة : حسنه. وقال مقاتل : علم كيف يخلق كل شيء ، من قولك فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه. وقيل : خلق كل حيوان على صورته ثم (٢) يخلق البعض على صورة البعض ، فكل حيوان كامل في خلقه حسن ، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح به معاشه. (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) ، يعني آدم.

(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ) ، يعني ذريته ، (مِنْ سُلالَةٍ) ، نطفة سميت سلالة لأنها تسل من الإنسان (مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) ، أي ضعف وهو نطفة الرجل.

(ثُمَّ سَوَّاهُ) ، وسوى خلقه ، (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) ، ثم عاد إلى ذريته ، فقال : (وَجَعَلَ لَكُمُ) ، بعد أن كنتم نطفا ، (السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) ، يعني لا تشكرون ربّ هذه النعم فتوحدونه.

(وَقالُوا) ، يعني منكري البعث ، (أَإِذا ضَلَلْنا) ، هلكنا ، (فِي الْأَرْضِ) ، وصرنا ترابا وأصله من قولهم ضل الماء في اللبن إذا ذهب ، (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، استفهام إنكار. قال الله عزوجل : (بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) ، أي بالبعث بعد الموت.

(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ) ، يقبض أرواحكم ، (مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) ، أي وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل ، والتوفي استيفاء العدد [المضروب للخلق في الأزل](٣) ، معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى

__________________

[١٦٥٦] ـ تقدم في سورة الفرقان عند آية : ٢٦.

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المطبوع «لم».

(٣) زيد في المطبوع.

٥٩٥

أحد من العدد الذي كتب عليه الموت.

وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة ، فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها ، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ، [فملائكة الرحمة للمؤمنين وملائكة العذاب للكافرين](١).

وقال ابن عباس : إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب.

وقال مجاهد : جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء.

وفي بعض الأخبار : أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره قبضه ملك الموت.

وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال : إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب وهو يتصفح وجوه الناس فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين ، فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة ، وقال الآن تنزل بك سكرات الموت. قوله : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) ، أي تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم.

(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤))

(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) ، المشركون ، (ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) ، مطأطئو رءوسهم ، (عِنْدَ رَبِّهِمْ) ، حياء منه وندما ، (رَبَّنا) ، أي يقولون ربنا ، (أَبْصَرْنا) ، ما كنا به مكذبين ، (وَسَمِعْنا) ، منك تصديق ما آتتنا به رسلك. وقيل : أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل منا ، (فَارْجِعْنا) ، فارددنا إلى الدنيا ، (نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) ، وجواب لو مضمر مجازه لرأيت العجب.

(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) ، رشدها وتوفيقها للإيمان ، (وَلكِنْ حَقَ) ، وجب ، (الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) ، وهو قوله للإبليس : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) ، ثم يقال لأهل النار ، وقال مقاتل : إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة :

(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ، أي تركتم الإيمان به في الدنيا ، (إِنَّا نَسِيناكُمْ) ، تركناكم ، (وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، من الكفر والتكذيب. قوله عزوجل :

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦))

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها) ، وعظوا بها ، (خَرُّوا سُجَّداً) ، سقطوا على وجوههم ساجدين ، (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، قيل : صلوا بأمر ربهم ، وقيل : قالوا سبحان الله وبحمده ، (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) ، عن الإيمان والسجود له.

__________________

(١) زيد في المطبوع.

٥٩٦

(تَتَجافى) ، ترتفع وتنبو ، (جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) ، جمع مضجع وهو الموضع الذي يضطجع عليه يعني الفرش وهم المتهجدون بالليل ، الذين يقومون للصلاة.

واختلفوا في المراد بهذه الآية.

[١٦٥٧] قال أنس : نزلت فينا معشر الأنصار كنّا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٦٥٨] وعن أنس أيضا قال : نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء.

وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر ، وقالا : هي صلاة الأوابين. وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء ، وهي صلاة الأوابين. وقال عطاء : هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة. وعن أبي الدرداء وأبي ذر وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم : هم الذين يصلون العشاء الآخرة والفجر في جماعة.

[١٦٥٩] وروينا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف ليلة ، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة».

[١٦٦٠] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال :

__________________

[١٦٥٧] ـ ضعيف. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٦٨٥ من طريق إسماعيل بن عيسى عن المسيب عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك به.

ـ وإسناده ضعيف لضعف المسيب وهو ابن واضح ، ثم إن السورة مكية فيما ذكر البغوي وابن كثير وغيرهما؟!.

ـ وذكره السيوطي في «الدر» ٥ / ٣٣٦ ونسبه لابن مردويه من حديث أنس.

[١٦٥٨] ـ ضعيف. أخرجه ابن عدي في «الكامل» ٢ / ١٩٣ والطبري ٢٨٢٢٥ من طريق الحارث بن وجيه عن مالك بن دينار : سألت أنس بن مالك عن قوله : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) قال : .... فذكره.

وأعله ابن عدي بالحارث بن وجيه الراسبي ونقل عن النسائي في قوله : الحارث بن وجيه ضعيف.

ـ وذكره الواحدي في «الأسباب» ٦٨٤ عن مالك بن دينار به بدون إسناد.

ـ وورد بدون ذكر نزول الآية ، وإنما هو رأي لأنس يبين المراد بالآية.

ـ وأخرجه أبو داود ١٣٢١ والطبري ٢٨٢٢٦ من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس : «كانوا يتيقظون ما بين المغرب والعشاء يصلون».

ورجاله ثقات ، لكنه رأي لأنس رضي الله عنه ، والراجح في معنى الآية قيام الليل ، وسيأتي برقم ١٦٦١.

[١٦٥٩] ـ تقدم في سورة الفرقان عند آية : ٦٤.

[١٦٦٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر ، مالك بن أنس ، أبو صالح اسمه ذكوان ، مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٨٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٦٨ عن سمي به.

ـ وأخرجه البخاري ٦١٥ و ٦٥٤ و ٧٢١ و ٢٦٨٩ ومسلم ٤٣٧ والنسائي ١ / ٢٦٩ والترمذي ٢٢٥ و ٢٢٦ وعبد الرزاق ٢٠٠٧ وأحمد ٢ / ٢٣٦ و ٢٧٨ و ٣٠٣ و ٣٧٤ و ٥٣٣ وابن حبان ١٦٥٩ وابن خزيمة ٣٩١ وأبو عوانة ١ / ٣٣٢ و ٢ / ٣٧ والبيهقي ١ / ٤٢٨ و ١٠ / ٢٨٨ من طرق عن مالك به.

٥٩٧

«لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلّا أن يستهموا عليه لاستهموا ، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا».

وأشهر الأقاويل أن المراد منه صلاة الليل ، وهو قول الحسن ومجاهد ومالك والأوزاعي وجماعة.

[١٦٦١] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين (١) علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال : كنت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سفرنا فأصبحت يوما قريبا منه وهو يسير فقلت : يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار ، قال : «لقد سئلت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه ، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت». ثم قال : «ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة ، والصدقة تطفئ الخطيئة ، وصلاة الرجل في جوف الليل» ، ثم تلا (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) حتى بلغ (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، ثم قال ألا أخبرك (٢) برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : «رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد» ، ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت : بلى يا نبي الله ، قال : فأخذ بلسانه فقال : «اكفف عليك هذا» ، فقلت : يا رسول الله وإنّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال : ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلّا حصائد ألسنتهم».

[١٦٦٢] حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد بن زياد الحنفي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد المخلدي أنا

__________________

[١٦٦١] ـ حديث حسن.

ـ إسناده ضعيف. رجاله ثقات إلّا أنه منقطع ، أبو وائل لم يسمع من معاذ ، لكن ورد موصولا ، فالحديث حسن.

ـ عبد الرزاق بن همّام ، معمر بن راشد ، أبو الجنود والد عاصم اسمه بهدلة ، أبو وائل هو شقيق بن سلمة.

ـ وهو في «شرح السنة» ١١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «تفسير عبد الرزاق» ٢٣٠٢ عن معمر به.

ـ وأخرجه الترمذي ١٦١٦ والنسائي في «الكبرى» ١١٣٩٤ و «التفسير» ٤١٤ وابن ماجه ٣٩٧٣ وأحمد ٥ / ٢٣١ والطبراني ٢٠ / (٢٦٦) من طرق عن معمر به.

وقال الترمذي : هذا حديث غريب حسن.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٢٤٨ والطبراني ١٠ / (٢٠٠) من طريق عاصم عن شهر عن معاذ به رواية أحمد مختصرة ، وهذا منقطع أيضا.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦ من طريق شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ به.

وهذا إسناد موصول ، وشهر لا بأس به ، وهو حسن الحديث في المتابعات.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٢٣٣ وابن أبي شيبة في «الإيمان» ٢ والحاكم ٢ / ٧٦ و ٤١٢ والطبراني ٢٠ / (٢٩١ ـ ٣٩٤) والطبري ٢٨٢٣٩ والبيهقي ٩ / ٢٠ من طريقين عن ميمون بن أبي شبيب عن معاذ به مطوّلا ومختصرا.

وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وهذا منقطع بين ميمون ومعاذ.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بمجموع طرقه ، وانظر «الكشاف» ٨٦٤ بتخريجي.

[١٦٦٢] ـ إسناده ضعيف ، رجاله ثقات غير عبد الله بن صالح ، فقد ضعفه غير واحد ، روى مناكير كثيرة بسبب جار له كان يدس في كتبه وهو لا يدري ، لذا ضعف ، وللحديث شاهد بإسناد ساقط ، لا فائدة منه. ـ

(١) تصحف في المطبوع «الحسن».

(٢) في المطبوع «أدلك».

٥٩٨

محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حمد بن زنجويه أنا عبد الله بن صالح ، حدثني معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربة لكم إلى ربكم ، ومكفرة (١) للسيئات ، ومنهاة عن الإثم».

[١٦٦٣] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا روح بن أسلم أنا حماد بن سلمة أنا عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عجب ربّنا من رجلين رجل ثار عن

__________________

ـ أبو إدريس هو عائذ الله بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩١٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي بإثر ٣٥٤٩ تعليقا ، ووصله الحاكم ١ / ٣٠٨ والطبراني ٨ / ٧٤٦٦ والبيهقي ٢ / ٥٠٢ من طريق عبد الله بن صالح به.

وصححه الحاكم على شرط البخاري ، ووافقه الذهبي.

ـ قلت : ذكر الحافظ في «التهذيب» أن البخاري روى له في التعاليق ، وقد ضعفه الجمهور كما تقدم ، وذكر له الذهبي في «الميزان» مناكير كثيرة.

ـ وورد من حديث بلال أخرجه الترمذي ٣٥٤٩ وابن نصر في «قيام الليل» ص ١٨ وابن أبي الدنيا في «التهجد» (١) والبيهقي ٢ / ٥٠٢ من طريق بكر بن خنيس عن محمد القرشي ، عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس عن بلال به.

ـ قلت : إسناده ساقط ، محمد هو ابن سعيد المصلوب ، كذاب متروك.

قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث بلال إلّا من هذا الوجه من قبل إسناده قال : سمعت البخاري يقول : محمد القرشي هو محمد بن سعيد الشامي ، وهو ابن أبي قيس ، وهو محمد بن حسّان ، وقد ترك حديثه.

وقال الترمذي بعد أن روى حديث أبي أمامة : وهذا أصح من حديث أبي إدريس عن بلال.

ـ الخلاصة : هو حديث ضعيف ، ولا يتأيد بشاهده بسبب شدة ومن هذا الشاهد ، والأشبه كونه من كلام أبي أمامة.

[١٦٦٣] ـ حديث حسن صحيح. إسناده ضعيف لضعف روح بن أسلم ، لكن تابعه غير واحد كما سيأتي ، وفيه أيضا عطاء بن السائب وهو صدوق لكنه اختلط ، وقد سمع منه حماد قبل الاختلاط وبعده ، فلم يتميز ، لكن له شاهد يحسن به إن شاء الله.

ـ مرة الهمداني هو ابن شراحيل.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٢٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٢٥٥٨ عن محمد بن محمود بن عدي عن حميد بن زنجويه بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٢٥٣٦ وأحمد ١ / ٤١٦ وأبو يعلى ٥٢٧٢ و ٥٣٦١ والحاكم ٢ / ١١٢ وابن حبان ٢٥٥٧ وابن أبي عاصم في «السنة» ٥٦٩ والبيهقي ٩ / ٤٦ من طرق عن حمّاد بن سلمة به ، وبعضهم اقتصر على ذكر الغازي في سبيل الله فقط.

ـ وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وقال الهيثمي ٢ / ٢٥٥ : إسناده حسن.

ـ وورد من وجه آخر ، أخرجه الطبراني ١٠٤٨٦ ، وإسناده حسن لأجل أبي بكر بن عياش.

ـ وله شاهد من حديث أبي الدرداء ، أخرجه الطبراني كما في «المجمع» ٢ / ٢٥٥ وقال الهيثمي : رجاله ثقات.

ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد ، أخرجه أحمد ٣ / ٨٠ وأبو يعلى ١٠٠٤ ، وفيه محمد بن أبي ليلى ، وهو سيئ الحفظ ، لكن الحديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.

(١) في المطبوع «وتكفير».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٥٩٩

وطائه ولحافه من بين حبه (١) وأهله إلى صلاته» ، فيقول الله لملائكته : انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه (٢) وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي ، «ورجل غزا في سبيل الله فانهزم مع أصحابه ، فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع ، فرجع فقاتل حتى أهريق دمه» ، فيقول الله لملائكته : «انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى أهريق دمه».

[١٦٦٤] أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي أنا أبو عيسى الترمذي أنا قتيبة بن سعيد أنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم ، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».

[١٦٦٥] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق [أو أبي معانق](٣) عن أبي مالك الأشعري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها أعدها الله لمن ألان الكلام وأطعم الطعام ، وتابع الصيام وصلى بالليل والناس نيام».

__________________

[١٦٦٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو عوانة هو وضاح اليشكري ، أبو بشر هو جعفر بن إياس.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٤٣٨ عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١١٦٣ ح ٢٠٢ وأبو داود ٢٤٢٩ والنسائي ٣ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧ وابن حبان ٣٦٣٦ والبيهقي ٤ / ٢٩٠ ـ ٢٩١ من طرق عن قتيبة به.

ـ وأخرجه أبو داود ٢٤٢٩ وأحمد ٢ / ٣٤٤ والدارمي ٢ / ٢٢ والبيهقي ٤ / ٢٩٠ و ٢٩١ والبغوي في «شرح السنة» ١٧٨٢ من طرق عن أبي عوانة به.

وليس عند البغوي في «شرح السنة» ذكر قيام الليل.

ـ وأخرجه مسلم ١١٦٣ ح ٢٠٣ وابن ماجه ١٧٤٢ وأحمد ٢ / ٣٠٣ و ٣٢٩ و ٣٤٢ و ٥٣٥ وابن خزيمة ٢٠٧٦ والبيهقي ٤ / ٢٩١ من طرق عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن به.

ـ وأخرجه النسائي ٣ / ٢٠٧ من طريق شعبة عن أبي بشر عن حميد مرسلا.

[١٦٦٥] ـ حسن صحيح. إسناده حسن لأجل ابن معانق ، فقد وثقه العجلي وابن حبان ، وروى عنه غير واحد من الثقات ، فارتفعت جهالته من وجهين ، ولحديثه شواهد.

ـ ابن معانق هو عبد الله أبو عوانة هو وضاح اليشكري ، أبو بشر هو جعفر بن إياس.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٢٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٨٣ عن معمر به.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٣٤٣ والطبراني ٣٤٦٦ وابن حبان ٥٠٩ والبيهقي ٤ / ٣٠٠ ـ ٣٠١ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أحمد ٢ / ١٧٣ والحاكم ١ / ٣٢١ من طريقين عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه.

وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! وفيه لين من أجل حيي بن عبد الله ، لكن يصلح حديثه شاهدا لما قبله ، وفي الباب أحاديث كثيرة.

(١) تصحف في المطبوع «جنبيه».

(٢) تصحف كسابقه.

(٣) سقط من المطبوع.

٦٠٠