تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) (١٠٣) ، يعني الذين أتبعوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلا ونوالا فنالوا هلاكا وبوارا ، كمن يشتري سلعة يرجو بها (١) [نوالا و](٢) ربحا فخسر وخاب سعيه. واختلفوا فيهم ، فقال ابن عباس وسعد بن أبي وقاص : هم اليهود والنصارى. وقيل : هم الرهبان.

(الَّذِينَ) حبسوا أنفسهم في الصوامع. وقال علي بن أبي طالب : هم أهل حروراء (٣). (ضَلَّ سَعْيُهُمْ) ، بطل عملهم واجتهادهم ، (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) ، أي : عملا.

(أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ) ، بطلت ، (أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً) ، أي لا نجعل لهم خطرا وقدرا ، تقول العرب : ما لفلان عندنا (٤) وزن أي قدر لخسته.

[١٣٨٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٥) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أحمد عن محمد بن يوسف عن محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن عبد الله ثنا سعيد بن [أبي](٦) مريم أنبأنا المغيرة [حدثني أبو](٧) الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «[إنه](٨) ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة» ، وقال : [اقرءوا](٩) (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً).

قال أبو سعيد الخدري : يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم (١٠) في العظم كجبال تهامة ، فإذا وزنوها لم تزن شيئا ، فذلك قوله تعالى : (فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً).

(ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (١٠٧) خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً (١٠٨) قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))

(ذلِكَ) الذي ذكرت من حبوط أعمالهم وخسة أقدارهم (١١) ، ثم ابتدأ فقال : (جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آياتِي) ، يعني القرآن ، (وَرُسُلِي هُزُواً) ، أي : سخرية ومهزوءا بهم.

__________________

[١٣٨٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، محمد بن عبد الله هو محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي ، أبو مريم والد سعيد هو الحكم بن محمد ، المغيرة ، هو ابن عبد الرحمن أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، الأعرج عبد الرحمن بن هرمز.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٢٢ بهذا الإسناد.

ـ وفي «صحيح البخاري» ٤٧٢٩ عن محمد بن عبد الله بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٧٨٥ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٧٠ من طريق المغيرة به.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٥٦٧٠ والواحدي ٣ / ١٧٠ من وجه آخر عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا.

(١) في المطبوع «عليها».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) تصحف في المخطوط «حوراء».

(٤) في المطبوع و ـ ط «عندي».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) في المطبوع و ـ ط «عن أبي».

(٨) زيادة عن المخطوط وكتب التخريج.

(٩) زيادة عن المخطوط وكتب التخريج.

(١٠) في المخطوط «عندكم».

(١١) في المخطوط «قدرهم».

٢٢١

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ).

[١٣٨١] روينا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجر أنهار الجنة».

[و] قال كعب : ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.

وقال قتادة : الفردوس ربوة الجنة وأوسطها أفضلها (١) وأرفعها. قال كعب : الفردوس هو البستان الذي فيه الأعناب. وقال مجاهد : هو البستان بالرومية. وقال عكرمة : هي الجنة بلسان الحبشة. وقال الزجاج : هو بالرومية منقول إلى لفظ العربية ، وقال الضحاك : هي الجنة الملتفة الأشجار. وقيل : هي الروضة المستحسنة. وقيل : هي التي تنبت ضروبا من النبات ، وجمعه فراديس ، (نُزُلاً) ، أي منزلا.

وقيل : ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلا ، ومعنى كانت لهم أي في علم الله قبل أن يخلقوا.

(خالِدِينَ فِيها لا يَبْغُونَ) ، لا يطلبون ، (عَنْها حِوَلاً) ، أي تحولا (٢) إلى غيرها. قال ابن عباس : لا يريدون أن يتحولوا عنها كما ينتقل الرجل من دار إذا [لم] توافقه إلى دار أخرى.

(قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي).

قال ابن عباس : قالت اليهود يا محمد تزعم أنا قد أوتينا الحكمة ، وفي كتابك ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ، ثم تقول : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا؟ فأنزل الله هذه الآية.

وقيل : لما نزلت : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] ، قالت اليهود : أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء ، فأنزل الله : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً) سمي المداد مدادا لإمداد الكاتب ، وأصله من الزيادة ومجيء الشيء بعد الشيء.

قال مجاهد : لو كان البحر مدادا للقلم والقلم يكتب ، (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) ، أي ماؤه ، (قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ) ، قرأ حمزة والكسائي (يَنْفَدُ) بالياء لتقدم الفعل ، والباقون بالتاء ، (لِكَلِماتِ رَبِّي) ، أي علمه وحكمه ، (وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً) ، معناه لو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم لنفد [ماء](٣) البحر ولم تنفد كلمات الله ، ولو جئنا بمثله [أي](٤) البحر في كثرته مدادا وزيادة ، نظيره قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ) [لقمان : ٢٧].

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قال ابن عباس : علّم الله رسوله التواضع لئلا يزهو على خلقه ، فأمره أن يقر فيقول : «إني آدمي مثلكم إلّا إني خصصت بالوحي وأكرمني الله به ، يوحى إليّ أنّما إلهكم إله واحد لا شريك له» ، (فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ) ، أي يخاف المصير إليه. وقيل : يأمل رؤية ربه ، فالرجاء يكون بمعنى الخوف والأمل جميعا ، قال الشاعر :

__________________

[١٣٨١] ـ تقدم في تفسير سورة النساء عند آية : ٩٦.

(١) في المطبوع «أقصاها».

(٢) في المخطوط «تحويلا».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «مدادا بمثل ماء».

٢٢٢

فلا كل ما ترجو من الخير كائن

ولا كل ما ترجو من الشر واقع

فجمع بين المعنيين ، (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ، أي : لا يرائي بعمله.

[١٣٨٢] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف [أنبأنا محمد بن إسماعيل](١) أنبأنا أبو نعيم أنا سفيان عن سلمة هو ابن كهيل قال : سمعت جندبا يقول : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سمّع سمّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به».

[١٣٨٣] وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» ، قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال : «الرياء».

[١٣٨٤] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنبأنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ثنا أبي وشعيب قالا (٢) : ثنا الليث عن ابن الهاد

__________________

[١٣٨٢] ـ إسناده على شرط البخاري ومسلم ، أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، سفيان هو ابن سعيد الثوري ، جندب هو ابن عبد الله البجلي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٢٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٤٩٩ عن أبي نعيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٦٤٩٩ ومسلم ٢٩٨٧ وأحمد ٤ / ٣١٣ وابن ماجه ٤٢٠٧ وابن حبان ٤٠٦ من طرق عن سفيان الثوري به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٨٧ والحميدي ٧٧٨ من طريق سفيان عن الوليد بن حرب على سلمة به.

ـ وأخرجه البخاري ٧١٥٢ من وجه آخر عن طريق أبي تميمة عن جندب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من سمع سمّع الله به يوم القيامة ، ومن شاق شقّ الله عليه يوم القيامة».

ـ وللحديث شواهد منها :

ـ حديث ابن عباس أخرجه مسلم ٢٩٨٦ وابن حبان ٤٠٧ وأبو نعيم في «الحلية» ٤ / ٣٠١.

ـ وحديث أبي بكرة أخرجه أحمد ٥ / ٤٥.

ـ وحديث أبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي ٢٣٨١.

ـ وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أخرجه أحمد ٢ / ١٦٢ و ١٩٥ و ٢٢٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٤ / ١٢٣ و ١٢٤ و ٥ / ٩٩ والمصنف في «شرح السنة» ٤٠٣٣.

[١٣٨٣] ـ تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية ٢٦٤ وسورة هود عند آية : ١٦.

[١٣٨٤] ـ إسناده صحيح ، عبد الله بن عبد الحكم ثقة ، وتابعه شعيب وهو من رجال مسلم ، ومن فوقهما رجال البخاري ومسلم سوى عمرو ، فإن كان ابن أبي عمرو ، فهو من رجال البخاري وإن كان ابن شعيب فهو ثقة ، شعيب هو ابن الليث بن سعد ، ابن الهاد هو يزيد بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٣١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٨٥ وابن ماجه ٤٢٠٢ وأحمد ٢ / ٣٠١ و ٤٣٥ والطيالسي ٢٥٥٩ وأبو يعلى ٦٥٥٢ وابن حبان ٣٩٥ والواحدي ٣ / ١٧٢ من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة.

ـ وله شاهد من حديث شداد بن أوس أخرجه الطيالسي ١١٢٠.

ـ ومن حديث أبي سعيد بن أبي فضالة الأنصاري أخرجه الترمذي ٣١٥٤ وابن ماجه ٤٢٠٣ والواحدي ٣ / ١٧٣ وأحمد ٣ / ٤٦٦ و ٤ / ٢١٥ وابن حبان ٤٠٤ وإسناده حسن.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) في المطبوع «قال».

٢٢٣

عن عمرو عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول : «إن الله تبارك وتعالى يقول : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه غيري فأنا منه بريء وهو للذي عمله».

[١٣٨٥] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا حفص بن عمر ثنا همام عن قتادة حدثنا سالم بن [أبي](١) الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال».

[١٣٨٦] وأخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر [محمد بن أحمد بن عبد الجبار](٣) الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو الأسود ثنا ابن لهيعة عن زبّان (٤) عن سهل هو ابن معاذ عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قرنه إلى قدمه (٥) ، ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء» [والله أعلم](٦).

__________________

[١٣٨٥] ـ صحيح ، حميد بن زنجويه ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى معدان بن أبي طلحة ، فإنه من رجال مسلم.

ـ همام هو ابن يحيى ، قتادة هو ابن دعامة ، أبو الدرداء اسمه عويمر قيل : ابن زيد.

ـ وهو في «شرح السنة» ١١٩٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم بإثر ٨٠٩ النسائي في «الكبرى» ١٠٧٨٧ وابن الضريس في «فضائل القرآن» ٢٠٩ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٣٤ من طرق عن همام به.

ـ وأخرجه مسلم ٨٠٩ وأبو داود ٤٣٢٣ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٩٥١ وأحمد ٥ / ١٩٦ و ٦ / ٤٤٩ وابن حبان ٧٨٥ من طرق عن قتادة به.

[١٣٨٦] ـ إسناده ضعيف. ابن لهيعة وزبّان وسهل بن معاذ ثلاثتهم ضعفاء ، وتوبع ابن لهيعة عند الطبراني ، تابعه رشدين لكنه متروك ، فلا يفرح بمتابعته ، لكن في الباب أحاديث ، أبو الأسود هو النضر بن عبد الجبار.

ـ ابن لهيعة هو عبد الله ، زبّان هو ابن فائد.

ـ وهو في «شرح السنة» ١١٨٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٤٣٩ من طريق ابن لهيعة ، والطبراني ٢٠ / (٤٤٣) من طريق رشدين كلاهما عن زبّان بن فائد به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٥٢ وقال : وفي إسناد أحمد : ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، وقد يحسن حديثه. قلت :

ليس الراوي عنه أحد العبادلة ، ثم إن شيخه ضعيف وكذا شيخ شيخه.

ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة ، أضاء له من النور ما بين الجمعتين» أخرجه الحاكم ١ / ٥٦٤ والبيهقي في «الشعب» ٢٤٤٦ ، ورجاله ثقات.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورجح البيهقي الوقف ، وانظر «الكشاف» ٦٥٦ و «فتح القدير» ١٤٨٣ و ١٤٨٤ بتخريجي ، وانظر «صحيح الجامع» ٦٤٧٠.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) تصحف في المطبوع «زياد».

(٥) في المطبوع و ـ ط «من قدميه إلى رأسه».

(٦) زيادة عن المخطوط.

٢٢٤

تفسير سورة مريم

مكية وهي ثمان وتسعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))

قوله عزوجل : (كهيعص) (١) ، قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء وضده ابن عامر وحمزة وبكسرهما الكسائي وأبو بكر والباقون بفتحهما ، ويظهر الدال عند الذال (١) من «صاد ذكر» ابن كثير ونافع وعاصم ويعقوب والباقون بالإدغام.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو اسم من أسماء الله تعالى. وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن. وقيل : اسم للسورة. وقيل : هو قسم أقسم الله به. وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله : (كهيعص) (١) قال : الكاف من كريم وكبير ، والهاء من هادي ، والياء من رحيم ، والعين من عليم ، وعظيم ، والصاد من صادق. قال الكلبي : معناه كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم ببريّته ، صادق في وعده.

(ذِكْرُ) ، رفع بالمضمر أي هذا الذي نتلوه عليك ذكر (رَحْمَتِ رَبِّكَ) ، وفيه تقديم وتأخير معناه : ذكر ربك ، (عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) ، برحمته.

(إِذْ نادى) ، دعا ، (رَبَّهُ) ، في محرابه ، (نِداءً خَفِيًّا) ، دعا سرا من قومه في جوف الليل.

(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ) ، ضعف ورق ، (الْعَظْمُ مِنِّي) ، من الكبر. قال قتادة : اشتكى سقوط الأضراس ، (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ) ، أي ابيض شعر الرأس ، (شَيْباً) ، شمطا ، (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) ، يقول عوّدتني الإجابة فيما مضى ولم تخيبني. وقيل : معناه لما دعوتني إلى الإيمان آمنت ولم أشق بترك الإيمان.

(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) ، والموالي : بنو العم. [و](٢) قال مجاهد : العصبة. وقال أبو صالح : الكلالة.

__________________

(١) تصحف في المطبوع «الدال».

(٢) سقط من المطبوع.

٢٢٥

وقال الكلبي : الورثة. (مِنْ وَرائِي) من بعد موتي ، قرأ ابن كثير : (مِنْ وَرائِي) بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها. (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً) ، لا تلد ، (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) ، أعطني من عندك ، (وَلِيًّا).

(يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) ، قرأ أبو عمرو والكسائي بجزم الثاء فيهما على جواب الدعاء ، وقرأ الباقون (١) بالرفع على الحال والصفة ، يعني وليا وارثا ، واختلفوا في هذا الإرث ، قال الحسن : معناه يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة والحبورة. وقيل : أراد ميراث النبوة والعلم. وقيل : أراد إرث الحبورة ، لأن زكريا كان رأس الأحبار. وقال الزجاج : والأولى أن يحمل على ميراث غير المال لأنه يبعد أن يشفق زكريا وهو نبي من الأنبياء أن يرث (٢) بنو عمه ماله ، والمعنى : أنه خاف تضييع بني عمه دين الله وتغيير أحكامه على ما كان يشاهده من بني إسرائيل من تبديل الدين وقتل الأنبياء ، فسأل ربه ولدا صالحا يأمنه على أمّته ، ويرث نبوته وعلمه (٣) لئلا يضيع الدين. وهذا معنى قول عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما. (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) ، أي برّا تقيا مرضيا.

(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا (٨) قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (٩) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠))

قوله عزوجل : (يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ) ، وفيه اختصار ، معناه فاستجاب الله دعاءه ، فقال : يا زكريا إنا نبشرك ، (بِغُلامٍ) ، بولد ذكر ، (اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) ، قال قتادة والكلبي : لم يسمّ أحد قبله يحيى.

وقال سعيد بن جبير وعطاء : لم نجعل له شبها ومثلا ، كما قال الله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم : ٦٥] ، أي مثلا ، والمعنى : أنه لم يكن له مثل لأنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط. وقيل : لم يكن له ميل في أمر النساء ، لأنه كان سيدا وحصورا.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما : أي لم تلد العواقر مثله ولدا. وقيل : لم يرد الله به (٤) اجتماع الفضائل كلها ليحيى إنما أراد بعضها لأن الخليل والكليم كانا قبله وهما أفضل منه.

(قالَ رَبِّ أَنَّى) ، من أين ، (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) ، أي يبسا ، وقال قتادة : يريد نحول العظم ، يقال : عتا الشيخ يعتو عتيا وعتيا (٥) ، إذا انتهى سنه وكبر ، وشيخ عات وعاس إذا صار إلى حالة اليبس والجفاف. وقرأ حمزة والكسائي : «عتيا وبكيا وصليا وجثيا» بكسر أوائلهن ، والباقون برفعها ، وهما لغتان.

(قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ، يسير ، (وَقَدْ خَلَقْتُكَ) ، قرأ حمزة والكسائي خلقناك بالنون والألف على التعظيم ، (مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل يحيى ، (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً).

__________________

(١) في المطبوع «الآخرون».

(٢) في النسخ والمخطوط «يرثه» والمثبت يناسب السياق.

(٣) في المطبوع «وعمله».

(٤) في المخطوط «فيه».

(٥) في المطبوع «عسيا».

٢٢٦

(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً) ، دلالة على حمل امرأتي ، (قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا) ، أي صحيحا سليما من غير ما بأس ولا خرس.

قال مجاهد : أي لا يمنعك من الكلام مرض. وقيل : ثلاث ليال سويّا أي متتابعا ، والأول أصح.

وفي القصة : أنه لم يقدر فيها أن يتكلم مع الناس فإذا أراد ذكر الله تعالى انطلق لسانه.

(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١) يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا (١٧))

قوله تعالى : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) ، وكان الناس من وراء المحراب ينتظرونه أن يفتح لهم الباب فيدخلون ويصلون إذ خرج عليهم زكريا متغيرا لونه فأنكروه ، فقالوا : ما لك يا زكريا (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) قال مجاهد : كتب لهم [في](١) الأرض ، (أَنْ سَبِّحُوا) ، أي صلوا لله ، (بُكْرَةً) ، غدوة ، (وَعَشِيًّا) معناه أنه كان يخرج على قومه بكرة وعشيا فيأمرهم بالصلاة ، فلما كان وقت حمل امرأته ومنع الكلام خرج إليهم فأمرهم بالصلاة إشارة.

قوله عزوجل : (يا يَحْيى) ، قيل : فيه حذف [و](٢) معناه : [و](٣) وهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى ، (خُذِ الْكِتابَ) ، يعني التوراة ، (بِقُوَّةٍ) ، بجد ، (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : النبوّة ، (صَبِيًّا) ، وهو ابن ثلاث سنين. وقيل : أراد بالحكم فهم الكتاب ، فقرأ التوراة وهو صغير. وعن بعض السلف قال : من قرأ القرآن قبل أن يبلغ فهو ممن أوتي الحكم صبيا.

(وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا) ، رحمة من عندنا.

قال الحطيئة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، شعر :

تحنّن عليّ هداك المليك

فإن لكل مقام مقالا

أي : ترحّم. (وَزَكاةً) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني بالزكاة الطاعة والإخلاص. وقال قتادة رضي الله عنه : هي العمل الصالح ، وهو قول الضحاك ومعنى الآية وآتيناه رحمة من عندنا وتحننا على العباد ، ليدعوهم إلى طاعة ربهم ويعمل عملا صالحا في إخلاص. وقال الكلبي : يعني صدقة تصدق الله بها على أبويه ، (وَكانَ تَقِيًّا) ، مسلما ومخلصا مطيعا ، وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولا همّ بها.

(وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) ، أي بارا لطيفا بهما محسنا إليهما. (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) ، الجبار المتكبر ، وقيل : الجبار الذي يضرب ، ويقتل على الغضب ، والعصي العاصي.

(وَسَلامٌ عَلَيْهِ) ، أي : سلامة (٤) له ، (يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) ، قال سفيان بن عيينة :

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) في المطبوع «سلام».

٢٢٧

أوحش ما يكون الإنسان في هذه الأحوال يوم يولد (١) فيخرج مما كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم ، ويوم يبعث حيا فيرى نفسه في محشر لم ير مثله ، فخصّ يحيى بالسلامة في هذه المواطن.

قوله عزوجل : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) ، في القرآن ، (مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ) ، تنحت واعتزلت ، (مِنْ أَهْلِها) ، من قومها ، (مَكاناً شَرْقِيًّا) ، أي مكانا في الدار مما يلي المشرق ، وكان يوما شاتيا شديد البرد فجلست في مشرقة تفلي رأسها. وقيل : كانت طهرت من الحيض ، فذهبت لتغتسل (٢). قال الحسن : ومن ثم اتخذ النصارى المشرق قبلة.

(فَاتَّخَذَتْ) ، فضربت ، (مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : سترا. وقيل : جلست وراء جدار ، وقال مقاتل : وراء جبل.

قال عكرمة : إن مريم كانت تكون في المسجد فإذا حاضت تحولت إلى بيت خالتها حتى إذا طهرت عادت إلى المسجد ، فبينما هي تغتسل من الحيض قد تجردت [عن ثيابها] إذ عرض لها جبريل في صورة شاب أمرد وضيء الوجه جعد الشعر سوي الخلق ، فذلك قوله : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [يعني جبريل عليه‌السلام](٣) ، وقيل : المراد بالروح عيسى عليه‌السلام ، جاء في صورة بشر فحملت به. والأول أصح فلما رأت مريم جبريل يقصد نحوها نادته من بعيد :

(قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا (١٩) قالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا (٢١) فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا (٢٢))

و (قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا) (١٨) ، مؤمنا مطيعا ، فإن قيل : إنما يستعاذ من الفاجر ، فكيف قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا؟ قيل : هذا كقول القائل : إن كنت مؤمنا فلا تظلمني أي ينبغي أن يكون إيمانك مانعا من الظلم ، وكذلك هاهنا معناه : وينبغي أن يكون تقواك مانعا لك من الفجور.

(قالَ) ، لها جبريل ، (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ) ، قرأ نافع وأهل البصرة : ليهب لك أي ليهب لك ربك ، وقرأ الآخرون : (لِأَهَبَ لَكِ) أسند الفعل إلى الرسول ، وإن كانت الهبة من الله تعالى ، لأنه أرسل به ، (غُلاماً زَكِيًّا) ، ولدا صالحا طاهرا من الذنوب.

(قالَتْ) ، مريم ، (أَنَّى) ، من أين ، (يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) ، لم يقربني زوج ، (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) ، فاجرة ، تريد أن الولد إنما يكون من نكاح أو سفاح ، ولم يكن هنا واحد منهما.

(قالَ) ، جبريل ، (كَذلِكِ) ، قيل معناه كما قلت يا مريم ولكن ، (قالَ رَبُّكِ) ، وقيل هكذا قال ربك ، (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ، أي : خلق ولد بلا أب ، (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً) ، علامة ، (لِلنَّاسِ) ، [و] دلالة على قدرتنا ، (وَرَحْمَةً مِنَّا) ، ونعمة لمن تبعه على دينه ، (وَكانَ) ذلك ، (أَمْراً مَقْضِيًّا) ، محكوما مفروغا منه (٤) لا يرد ولا يبدل.

__________________

(١) في المطبوع «ولد».

(٢) تصحف في المطبوع «لتغسل».

(٣) وقعت العبارة في المطبوع قبل لفظ «فتمثل».

(٤) في المطبوع «عنه».

٢٢٨

قوله عزوجل : (فَحَمَلَتْهُ) ، قيل : إن جبريل رفع عنها درعها فنفخ في جيبها فحملت حين لبسته (١). وقيل : مدّ جيب درعها بأصبعه ثم نفخ في الجيب. وقيل : نفخ في كم قميصها. وقيل : في فيها. وقيل : نفخ جبريل عليه‌السلام نفخا من بعيد فوصل الريح إليها فحملت بعيسى في الحال ، (فَانْتَبَذَتْ بِهِ) ، أي : [فلما حملته انتبذت به](٢) تنحت بالحمل ، وانفردت ، (مَكاناً قَصِيًّا) ، أي بعيدا من أهلها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما : أقصى الوادي ، وهو وادي بيت لحم ، فرارا من قومها أن يعيروها بولادتها من غير زوج ، واختلفوا في مدة حملها ووقت وضعها.

فقال ابن عباس رضي الله عنهما : كان الحمل والولادة في ساعة واحدة. وقيل : كان مدة حملها تسعة أشهر كحمل سائر النساء. وقيل : كان مدة [حملها](٣) ثمانية أشهر ، وكان ذلك آية أخرى لأنه لا يعيش ولد يولد لثمانية أشهر ، وولد عيسى لهذه المدة وعاش. وقيل : ولدت لستة أشهر. وقال مقاتل بن سليمان : حملته مريم في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها ، وهي بنت عشر سنين ، وكانت قد حاضت حيضتين قبل أن تحمل بعيسى.

(فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا (٢٣) فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (٢٨))

(فَأَجاءَهَا) ، أي ألجأها وجاء بها ، (الْمَخاضُ) ، وهو وجع الولادة ، (إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ) وكانت نخلة يابسة في الصحراء ، في شدة الشتاء ، لم يكن لها سعف.

وقيل : التجأت إليها لتستند إليها وتتمسك بها على وجع الولادة ، (قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا) ، تمنت الموت استحياء من الناس وخوف الفضيحة ، (وَكُنْتُ نَسْياً) ، قرأ حمزة وحفص (نَسْياً) بفتح النون ، والباقون بكسرها ، وهما لغتان ، مثل الوتر والوتر والجسر والجسر ، وهو الشيء المنسي ، والنسي في اللغة كل ما ألقي ونسي ولم يذكر لحقارته ، (مَنْسِيًّا) ، أي : متروكا ، قال قتادة : شيء لا يعرف ولا يذكر. قال عكرمة والضحاك ومجاهد : جيفة ملقاة. وقيل : يعني لم أخلق.

(فَناداها مِنْ تَحْتِها) ، قرأ أبو جعفر ونافع وحمزة والكسائي وحفص (مِنْ تَحْتِها) بكسر الميم والتاء يعني جبريل عليه‌السلام ، وكانت مريم على أكمة وجبريل وراء الأكمة تحتها فناداها ، وقرأ الآخرون بفتح الميم والتاء وأراد جبريل عليه‌السلام أيضا ناداها من سفح الجبل.

وقيل : هو عيسى لما خرج من بطن أمه ناداها ، (أَلَّا تَحْزَنِي) ، وهو قول مجاهد والحسن ، والأول قول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، والسدي وقتادة والضحاك وجماعة أن المنادي كان جبريل لما سمع كلامها وعرف جزعها ناداها ألّا تحزني ، (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) ، والسري : النهر الصغير.

__________________

(١) في المطبوع و ـ ط «لبست».

(٢) العبارة في المطبوع «أي تنحت بالحمل فلما حملته انتبذت به أي وانفردت».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٢٩

وقيل : تحتك أي جعله الله تحت أمرك إن أمرتيه أن يجري جرى وإن أمرتيه بالإمساك أمسك. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ضرب جبريل عليه‌السلام. ويقال [ضرب](١) عيسى عليه الصلاة والسلام برجله الأرض فظهرت عين ماء عذب وجرى. وقيل : كان هناك نهر يابس أجرى الله سبحانه وتعالى فيه الماء وحييت النخلة اليابسة ، فأورقت وأثمرت وأرطبت. وقال الحسن : تحتك سريّا يعني عيسى وكان والله عبدا سريا يعني رفيعا.

(وَهُزِّي إِلَيْكِ) ، يعني قيل لمريم حرّكي (بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ، تقول العرب : هزّه وهزّ به ، كما تقول : حزّ رأسه وحزّ برأسه ، وأمدد الحبل وأمدد به ، (تُساقِطْ عَلَيْكِ) ، القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين ، يعني تتساقط ، فأدغمت إحدى التاءين في السين يعني تسقط عليك النخلة رطبا ، وخفف (٢) حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره.

وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تفاعل وتساقط بمعنى أسقط ، والتأنيث لأجل النخلة ، وقرأ يعقوب يسّاقط بالياء مشددة ردّه إلى الجذع ، (رُطَباً جَنِيًّا) ، مجنيا. وقيل : الجني هو الذي بلغ الغاية ، وجاء أوان اجتنائه.

قال الربيع بن خيثم : ما للنفساء عندي خير من الرطب ، ولا للمريض خير من العسل.

قوله سبحانه وتعالى : (فَكُلِي وَاشْرَبِي) ، أي : فكلي يا مريم من الرطب واشربي من ماء النهر ، (وَقَرِّي عَيْناً) ، أي : طيبي نفسا ، وقيل : قري عينك بولدك عيسى. يقال : أقر الله عينك يعني صادف فؤادك ما يرضيك ، فتقر عينك من النظر إليه (٣). وقيل : أقر الله عينه يعني أنامها ، يقال : قرّ يقرّ إذا سكن. وقيل : إن العين إذا بكت من السرور فالدمع بارد ، وإذا بكت من الحزن فالدمع يكون حارا ، فمن هذا قيل : أقر الله عينه وأسخن الله عينه. (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) ، أي ترى ، فدخل عليه نون التأكيد فكسرت الياء لالتقاء الساكنين ، معناه : فإما ترين من البشر أحدا فيسألك عن ولدك (٤) (فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) ، يعني : صمتا ، وكذلك كان يقرأ ابن مسعود رضي الله عنه ، والصوم في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام.

قال السدي : كان في بني إسرائيل من إذا أراد أن يجتهد صام عن الكلام كما يصوم عن الطعام فلا يتكلم حتى يمسي. وقيل : إن الله تعالى أمرها أن تقول هذا إشارة. وقيل : أمرها أن تقول هذا القدر نطقا ثم تمسك عن الكلام بعده ، (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) ، يقال كانت تكلم الملائكة ولا تكلم الإنس.

(فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ) ، وقيل : إنها ولدته ثم حملته إلى قومها في الحال. وقال الكلبي : احتمل (٥) يوسف النجار مريم عليها‌السلام وابنها (٦) إلى غار مكثت أربعين يوما حتى طهرت من نفاسها ، ثم حملته

__________________

(١) زيد في المطبوع.

(٢) في المخطوط «وحذف».

(٣) في المخطوط «إلى غيره».

(٤) تصحف في المطبوع «وعدك».

(٥) في المخطوط و ـ ط «حمل».

(٦) زيد في المطبوع وحده «عيسى صلوات الله على نبينا وعليه».

٢٣٠

مريم عليها‌السلام إلى قومها. فكلمها عيسى عليه‌السلام في الطريق فقال : يا أماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه ، فلما دخلت على أهلها ومعها الصبي بكوا وحزنوا وكانوا أهل بيت صالحين ، (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) ، عظيما منكرا ، قال أبو عبيدة : كل أمر فائق من عجب أو عمل فهو فري.

[١٣٨٧] قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عمر : «فلم أر عبقريا يفري فريه» ، يعني عمله.

(يا أُخْتَ هارُونَ) ، يريد يا شبيهة هارون ، قال قتادة وغيره : كان هارون رجلا صالحا عابدا في بني إسرائيل.

وروي أنه اتبع جنازته يوم مات أربعون ألفا كلهم يسمى هارون من بني إسرائيل سوى سائر الناس ، شبهوها [به](١) على معنى إنا ظننا أنك مثله في الصلاح ، وليس المراد منه الأخوّة في النسب كما قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء : ٢٧] ، أي أشباههم.

[١٣٨٨] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر (٢) بن محمد أنا محمد بن عيسى أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا ابن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال : لما قدمت نجران (٣) سألوني فقالوا إنكم تقرءون : (يا أُخْتَ هارُونَ) وموسى قبل عيسى بكذا وكذا سنة ، فلمّا قدمت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألته عن ذلك فقال : «إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم».

وقال الكلبي : كان هارون أخا مريم من أبيها ، وكان أمثل رجل في بني إسرائيل. وقال السدي : إنما عنوا به هارون أخا موسى لأنها كانت من نسله كما يقال للتميمي يا أخا تميم.

وقيل : كان هارون رجلا فاسقا في بني إسرائيل عظيم الفسق فشبهوها به.

(ما كانَ أَبُوكِ) ، عمران ، (امْرَأَ سَوْءٍ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : زانيا ، (وَما كانَتْ أُمُّكِ) ، حنة ، (بَغِيًّا) ، أي : زانية فمن أين لك هذا الولد؟

(فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (٢٩) قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠)

__________________

[١٣٨٧] ـ صحيح. هو قطعة من حديث عبد الله بن عمر أخرجه البخاري ٣٦٣٣ و ٣٦٨٢ ومسلم ٢٣٩٣ والترمذي ٢٢٩٠ وأحمد ٢ / ٢٧ ـ ٢٨ و ٨٩ و ٦٠٤ وأبو يعلى ٥٥١٤.

ـ وصدره «أريت في النوم أني أنزع بدلو .....».

[١٣٨٨] ـ إسناده على شرط مسلم.

ـ ابن إدريس هو عبد الله بن إدريس بن يزيد بن عبد الرحمن الأودي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٢٥٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢١٣٥ عن محمد بن عبد الله بن نمير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣١٥٥ والنسائي في «التفسير» ٣٢٥ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٨٢ من طريقين عن عبد الله بن إدريس به.

ـ وأخرجه الطبري ٢٣٦٩٢ من طريق سماك بن حرب عن علقمة به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «الغفار».

(٣) تصحف في المطبوع «خراسان».

٢٣١

وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣))

(فَأَشارَتْ) ، مريم ، (إِلَيْهِ) ، أي إلى عيسى عليه‌السلام أن كلّموه. قال ابن عباس (١) رضي الله عنهما : لما لم تكن لها حجة أشارت إليه ليكون كلامه حجة لها.

وفي القصة : لما أشارت إليه غضب القوم ، وقالوا مع ما فعلت أتسخرين بنا؟ ثم ، (قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا) أي : من هو في المهد ، وهو [في](٢) حجرها. وقيل : هو المهد بعينه ، (كانَ) بمعنى هو ، وقال أبو عبيدة : كان صلة أي كيف نكلم صبيا في المهد ، وقد يجيء كان حشوا في الكلام لا معنى له كقوله : (هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣] أي : هل أنا؟ قال السدي : فلما سمع عيسى كلامهم ترك الرضاع وأقبل عليهم. وقيل : لما أشارت إليه ترك الثدي واتكأ على يساره ، وأقبل عليهم وجعل يشير بيمينه.

(قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ، وقال وهب : أتاها زكريا عند مناظرتها اليهود فقال لعيسى انطق بحجتك إن كنت أمرت بها ، فقال عند ذلك عيسى عليه‌السلام وهو ابن أربعين يوما. وقال مقاتل : بل هو يوم ولد (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) ، أقرّ على نفسه بالعبودية لله عزوجل أول ما تكلم لئلا يتخذ إلها ، (آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) ، قيل : معناه سيؤتيني الكتاب ويجعلني نبيا. وقيل : هذا إخبار عما كتب [له](٣) في اللوح المحفوظ.

[١٣٨٩] كما قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : متى كنت نبيا؟ قال : «كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد».

وقال الأكثرون أوتي الإنجيل وهو صغير طفل ، وكان يعقل عقل الرجال. وعن الحسن أنه قال : ألهم التوراة وهو في بطن أمه.

__________________

[١٣٨٩] ـ صحيح. أخرجه أحمد ٥ / ٥٩ والحاكم ٢ / ٦٠٩ والطبراني ٢ / ٣٥٣ والآجري في «الشريعة» ٩٥٦ من طرق عن بديل بن ميسرة عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، ورجاله رجال مسلم.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٢٢٢ : رجاله رجال الصحيح.

ـ وللحديث شواهد منها :.

ـ حديث أبي هريرة عند الترمذي ٣٦٠٩ والحاكم ٢ / ٦٠٩ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ١٢٩.

والآجري ٩٥٩ وقال الترمذي : حسن صحيح غريب.

ـ وحديث العرباض بن سارية عند أحمد ٤ / ١٢٨ والحاكم ٢ / ٦٠٠ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٠٩ وابن حبان ٦٤٠٤ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٢٢٢ : رواه أحمد بأسانيد وأحد أسانيده رجال الصحيح غير سعيد بن سويد ، وقد وثقه ابن حبان ا ه.

ـ وحديث ابن عباس عند البزار ٢٣٦٤ والطبراني ١٢٥٧١ و ١٢٦٢٦ وفيه جابر بن يزيد الجعفي ، ضعيف ، لكن يصلح للمتابعة.

ـ وحديث خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال : قلت : يا رسول الله ... فذكره ، وإسناده صحيح كما في «المجمع» ٨ / ٢٢٣ وجهالة الصحابي لا تضر.

وانظر «المقاصد الحسنة» ٨٣٧ للسخاوي و «الشريعة» ٤٢٨ ـ ٤٣٠ للآجري بتخريجي ، والله الموفق.

(١) في المخطوط «مسعود».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٣٢

(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) ، أي نفّاعا حيث ما توجهت. وقال مجاهد : معلما للخير. وقال عطاء : أدعو إلى الله وإلى توحيده وعبادته. وقيل : مباركا على من تبعني : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، أي أمرني بهما ، فإن قيل : لم يكن لعيسى مال فكيف يؤمر بالزكاة؟ قيل : معناه بالزكاة لو كان لي مال. وقيل : أوصاني بالزكاة أي أمرني أن أوصيكم بالزكاة. وقيل : بالاستكثار من الخير. (ما دُمْتُ حَيًّا).

(وَبَرًّا بِوالِدَتِي) أي : وجعلني برا بوالدتي ، (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا) ، أي عاصيا لربه. وقيل : الشقي الذي يذنب ولا يتوب.

(وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ) ، أي السلامة (١) عند الولادة من طعن الشيطان. (وَيَوْمَ أَمُوتُ) ، أي عند الموت من الشرك ، (وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) ، من الأهوال ، فلما كلمهم عيسى بهذا علموا براءة مريم ثم سكت [عيسى عليه‌السلام](٢) فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان.

(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥) وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧))

(ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) ، قال الزجاج : أي ذلك الذي قال إني عبد الله عيسى ابن مريم ، (قَوْلَ الْحَقِ) ، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب : (قَوْلَ الْحَقِ) بنصب اللام وهو نصب على المصدر أي : قال : قول الحق ، (الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي : يختلفون ، فقائل يقول هو ابن الله ، وقائل يقول هو الله ، وقائل يقول هو ساحر كذاب ، وقرأ الآخرون برفع اللام يعني هو قول الحق ، أي هذا الكلام هو قول الحق ، أضاف القول إلى الحق ، كما قال : حق اليقين ، ووعد الصدق ، وقيل : هو نعت لعيسى ابن مريم ، يعني ذلك عيسى ابن مريم كلمة الحق [والحق](٣) هو الله الذي فيه يمترون يشكون ويختلفون ويقولون غير الحق ، ثم نفى عن نفسه الولد ، ثم عظّم نفسه فقال :

(ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ) ، أي ما كان من صفته اتخاذ الولد. وقيل : اللام منقولة أي ما كان لله أن يتخذ من ولد ، (سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً) ، إذا أراد أن يحدث أمرا ، (فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

(وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ) ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو (إِنَّ اللهَ) بفتح الألف يرجع إلى قوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) وبأن الله ربي وربكم ، وقرأ أهل الشام والكوفة ويعقوب بكسر الألف على الاستئناف. (فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).

قوله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) ، يعني النصارى سموا أحزابا لأنهم تحزبوا ثلاث فرق في أمر عيسى ، النسطورية والملكانية واليعقوبية. (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) ، يعني يوم القيامة.

(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ

__________________

(١) في المطبوع «السلام».

(٢) زيد في المطبوع.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٣٣

فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣))

(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) ، أي : ما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم السمع والبصر ، أخبر أنهم يسمعون ويبصرون في الآخرة ما لم يسمعوا ولم يبصروا في الدنيا. قال الكلبي : لا أحد يوم القيامة أسمع منهم ولا أبصر حين يقول الله تعالى لعيسى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) [المائدة : ١١٦] الآية. (يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) ، أي : في خطأ بيّن.

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ) ، فرغ من الحساب وأدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار ، وذبح الموت.

[١٣٩٠] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص بن غياث أنا أبي أنا الأعمش أبو صالح عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد : يا أهل الجنة فيشرئبون (١) وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا؟ فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه [ثم ينادي : يا أهل النار فيشرئبون وينظرون ، فيقول : هل تعرفون هذا فيقولون : نعم هذا الموت ، وكلهم قد رآه](٢) فيذبح ، ثم يقول : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت» ثم قرأ : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٣٩).

[١٣٩١] ورواه أبو عيسى عن أحمد بن منيع عن النضر بن إسماعيل عن الأعمش بهذا الإسناد ، وزاد : «فلو لا أن الله تعالى قضى لأهل الجنة الحياة والبقاء لماتوا فرحا ، ولو لا أن الله تعالى قضى لأهل النار الحياة والبقاء لماتوا ترحا» (٣).

[١٣٩٢] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا

__________________

[١٣٩٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو صالح اسمه ذكوان ، مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٦٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٣٠ عن عمر بن حفص بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٨٤٩ وأحمد ٣ / ٩ وأبو يعلى ١١٧٥ والطبري ٢٣٧٣٣ والآجري في «الشريعة» ٩٥٥ والبيهقي في «البعث» ٥٨٤ من طرق عن الأعمش به.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٥٥٨ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ١٠٦ من طريقين عن فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدري.

ـ وفي الباب من حديث أبي هريرة عند أحمد ٢ / ٢٦١ و ٥١٣ وابن ماجه ٤٣٢٧ وابن حبان ٧٤٥٠ وانظر ما بعده.

[١٣٩١] ـ ضعيف بهذه الزيادة. أخرجه الترمذي ٣١٥٦ عن أحمد بن منيع به وقال : هذا حديث حسن صحيح.

قلت : فيه النضر بن إسماعيل ، قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال النسائي وأبو زرعة : ليس بالقوي. فالرجل غير حجة ، وقد زاد زيادة غريبة تدل على ضعفه ، والصحيح الحديث المتقدم.

[١٣٩٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم سوى معاذ بن أسد ، فقد تفرد عنه البخاري ؛ عبد الله هو ابن المبارك ، زيد والد محمد هو ابن عبد الله بن عمر.

(١) في المطبوع «فيشرفون» والمثبت عن كتب الحديث و «شرح السنة».

(٢) سقط من المخطوط و ـ ط.

(٣) في المخطوط «حزنا».

٢٣٤

محمد بن إسماعيل أنا معاذ بن أسد أنا عبد الله أنا عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أنه حدثه ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا صار أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار ، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار. ثم يذبح ثم ينادي مناد : يا أهل الجنة لا موت ، ويا أهل النار لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ، ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم».

[١٣٩٣] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب أنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يدخل أحد الجنة إلا رأى مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ، ولا يدخل النار أحد إلّا رأى مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة».

[١٣٩٤] أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا الحسين بن الحسن أنا ابن المبارك أنا يحيى بن عبيد (١) الله قال : سمعت أبي قال : سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما من أحد يموت إلّا ندم» ، قالوا : فما ندمه يا رسول الله؟ قال : «إن كان محسنا ندم أن لا يكون ازداد ، وإن كان مسيئا ندم أن لا يكون نزع».

(وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) ، أي عمّا يفعل بهم في الآخرة ، (وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، لا يصدقون.

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٦٣ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٥٤٨ عن معاذ بن أسد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٨٥٠ وأحمد ٢ / ٢ / ١١٨ و ١٢٠ ـ ١٢١ وابن حبان ٧٤٧٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٨ / ١٨٣ ـ ١٨٤ من طريقين عن عمر بن محمد بن زيد به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٥٤٤ ومسلم ٢٨٥٠ ح ٢٤ وابن أبي داود في «البعث» ٥٥ من طريقين عن نافع عن ابن عمر.

[١٣٩٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، أبو اليمان هو الحكم بن نافع ، شعيب هو ابن حمزة ـ دينار ، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٦٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٥٦٩ عن أبي اليمان به.

ـ وأخرجه البيهقي في «البعث» ٢٤٤ من طريق أبي اليمان به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٧٤٥١ من طريق ورقاء وأحمد ٢ / ٥٤١ من طريق ابن أبي الزناد كلاهما عن أبي الزناد به.

ـ وورد بنحوه من وجه آخر عن أبي هريرة ، أخرجه ابن ماجه ٤٣٤١.

[١٣٩٤] ـ إسناده ضعيف جدا. مداره على يحيى بن عبيد الله بن عبد الله بن وهب عن أبيه ، ويحيى ضعيف ، وأبوه مجهول ، قال أحمد : يحيى بن عبد الله أحاديثه مناكير ، لا يعرف هو ولا أبوه. وقال ابن معين : ليس بشيء.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٠٤ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق ابن المبارك ، وهو في «الزهد» ٣٣ عن يحيى بن عبيد الله به.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٤٠٣ والبيهقي في «الزهد» ٧١٦ وأبو نعيم في «الحلية» ٨ / ١٧٨ من طرق عن ابن المبارك به.

وقال الترمذي : هذا حديث إنما نعرفه من هذا الوجه ، ويحيى بن عبيد الله قد تكلم فيه شعبة ، وهو يحيى بن عبيد الله بن موهب مدني.

وقال أبو نعيم : غريب من حديث يحيى ، لم نكتبه إلا من حديث ابن المبارك.

ـ الخلاصة : هو حديث ضعيف جدا ، شبه موضوع.

(١) تصحف في المطبوع «عبد».

٢٣٥

قوله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها) ، أي نميت سكان الأرض ونهلكهم جميعا ، ويبقى الرب وحده فيرثهم ، (وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) ، فيجزيهم بأعمالهم.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا) (٤١) ، الصديق الكثير الصدق القائم عليه. وقيل : من صدّق الله في وحدانيته ، وصدّق أنبياءه ورسله ، وصدق بالبعث ، وقام بالأوامر فعمل بها ، فهو الصديق. والنبي العالي في الرتبة بإرسال الله تعالى إيّاه.

قوله تعالى : (إِذْ قالَ) ، إبراهيم ، (لِأَبِيهِ) ، آزر وهو يعبد الأصنام ، (يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ) ، صوتا ، (وَلا يُبْصِرُ) ، شيئا ، (وَلا يُغْنِي عَنْكَ) ، أي لا يكفيك ، (شَيْئاً).

(يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ) ، بالله والمعرفة ، (ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي) ، على ديني ، (أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا) ، مستقيما.

(يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤) يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (٤٥) قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦))

(يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) ، لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك ، (إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا) ، عاصيا ، كان بمعنى الحال ، أي هو كذلك.

(يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ) ، أي أعلم ، (أَنْ يَمَسَّكَ) ، يصيبك ، (عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) ، إن أقمت على الكفر ، (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) ، قرينا في النار.

(قالَ) أبوه مجيبا له ، (أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) ، لئن لم تسكن وترجع عن عيبك آلهتنا وشتمك إيّاها ، (لَأَرْجُمَنَّكَ) ، قال الكلبي ومقاتل والضحاك : لأشتمنّك ولأبعدنّك عني بالقول القبيح. قال ابن عباس : لأضربنّك. وقال الحسن : لأقتلنّك بالحجارة. (وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) ، قال الكلبي : اجتنبني طويلا. وقال مجاهد وعكرمة : حينا ، وقال سعيد بن جبير : دهرا. أصله المكث ، ومنه يقال : تمليت حينا ، والملوان : الليل والنهار. وقال قتادة وعطاء : سالما. وقال ابن عباس : اعتزلني سالما لا تصيبك مني معرّة ، يقال : فلان ملي بأمر كذا إذا كان كافيا.

(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا (٤٨) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنا نَبِيًّا (٤٩) وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥١) وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا (٥٢))

(قالَ) إبراهيم (سَلامٌ عَلَيْكَ) ، أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه ، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره. وقيل : هذا سلام هجران ومفارقة. وقيل : سلام برّ ولطف ، وهو جواب الحليم للسفيه. قال الله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣]. (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) ، قيل : إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع الله فيه ، فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له ، معناه سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها المغفرة. (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) ، برّا لطيفا. قال الكلبي : عالما يستجيب لي إذا دعوته. قال مجاهد : عوّدني الإجابة لدعائي.

٢٣٦

(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، أي [و](١) أعتزل ما تعبدون من دون الله. قال مقاتل : كان اعتزاله إيّاهم أنه فارقهم من كوثى ، فهاجر منها إلى الأرض المقدسة ، (وَأَدْعُوا رَبِّي) ، أي أعبد ربي ، (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) ، أي عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته ، كما (٢) تشقون بعبادة الأصنام. وقيل : عسى أن يجيبني إذا دعوته ولا يجيبني.

(فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، فذهب مهاجرا [(وَهَبْنا لَهُ) بعد الهجرة (إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) آنسنا وحشته من فراقهم وأقررنا عينه بأولاد كرام على الله عزوجل (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا) يعني إسحاق ويعقوب](٣).

(وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا) أي : نعمتنا. قال الكلبي : المال والولد ، وهو قول الأكثرين ، قالوا معناه : ما بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق. وقيل الكتاب والنبوّة ، (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) ، يعني ثناء حسنا رفيعا في كل أهل الأديان ، فكلهم يتولونهم ويثنون عليهم.

قوله عزوجل : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً) ، غير مراء أخلص العبادة والطاعة لله عزوجل. قرأ أهل الكوفة «مخلصا» بفتح اللام أي مختارا اختاره الله عزوجل. وقيل : أخلصه الله من الدنس. (وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا).

(وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) ، يعني يمين موسى ، والطور : جبل بين مصر ومدين. ويقال اسمه الزبير ، وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار «فنودي يا موسى إني إنا الله رب العالمين». (وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا) ، أي : مناجيا ، فالنجي المناجي ، كما يقال : جليس ونديم. قال ابن عباس : معناه قربه فكلمه ، ومعنى التقريب إسماعه كلامه. وقيل : رفعه على الحجب حتى سمع صرير القلم.

(وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥) وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧))

(وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (٥٣) وذلك حين دعا موسى فقال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي) (٣٠) [طه : ٢٩ ، ٣٠] ، فأجاب الله دعاءه وأرسل إلى هارون ، ولذلك سماه هبة له.

(وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ) ، وهو إسماعيل بن إبراهيم جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ) ، قال مجاهد : لم يعد شيئا إلّا وفّى به.

وقال مقاتل : وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل ، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد (٤) حتى رجع إليه الرجل.

وقال الكلبي : انتظره حتى حال عليه الحول (وَكانَ رَسُولاً) ، إلى جرهم ، (نَبِيًّا) ، مخبرا عن الله عزوجل.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «أنتم».

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) في المخطوط «في الميعاد».

٢٣٧

(وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ) أي : قومه. وقيل : أهله جميع أمته ، (بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ) ، قال ابن عباس : يريد التي افترضها الله تعالى عليهم ، وهي الحنيفية التي افترضت علينا ، (وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) ، قائما لله بطاعته وقيل : رضيه الله عزوجل لنبوته ورسالته.

قوله : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ) ، وهو جدّ أبي نوح ، واسمه أخنوخ ، سمي إدريس لكثرة درسه الكتب.

وكان خياطا وهو أول من خطّ بالقلم ، وأول من خاط الثياب ، ولبس الثياب المخيطة ، وكانوا من قبله يلبسون الجلود ، وأول من اتخذ السلاح ، وقاتل الكفار ، وأول من نظر في علم النجوم والحساب (إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا).

(وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧) ، قيل : هي الجنة. وقيل : هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا. وقيل : إنه رفع إلى السماء الرابعة.

[١٣٩٥] روى أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج.

وكان سبب رفع إدريس على ما قاله كعب وغيره ، أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس ، فقال : يا رب إني مشيت يوما واحدا فأصابني المشقة الشديدة من وهج الشمس وأضرّني حرّها ضررا بليغا ، فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد ، اللهمّ خفف عنه من ثقلها وحرّها ، فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لم يعرف. فقال : يا رب ما الذي قضيت فيه حتى خففت عنّي ما أنا فيه؟ قال : إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته ، فقال : يا رب اجعل بيني وبينه خلّة ، فأذن له حتى أتى إدريس ، فكان يسأله إدريس ، فقال له [يوما](١) إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت ، فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي ، فأزداد شكرا وعبادة ، فقال الملك : لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها ، وأنا مكلمه [في ذلك إن شاء الله فقال له ارفعني إلى السماء](٢) فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس ، ثم أتى ملك الموت فقال لي حاجة إليك ، فقال : وما هي؟ قال صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله ، قال : ليس ذلك إليّ ولكن إن أحببت أعلمته أجله متى يموت ، فيقدم لنفسه ، فقال : نعم ، فنظر في ديوانه فقال : إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا [في الأرض](٣) ، قال : وكيف ذلك؟ قال : لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس ، قال : فإني أتيتك وتركته هناك ، قال : فانطلق فلا أراك تجده إلّا وقد مات ، فو الله ما بقي من أجل إدريس شيء ، فرجع الملك فوجده ميتا.

واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت؟ فقال قوم : هو ميت ، وقال قوم : هو حي ، وقالوا : أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض : الخضر وإلياس (٤) ، واثنان في السماء : إدريس وعيسى.

وقال وهب : كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه

__________________

[١٣٩٥] ـ تقدم في تفسير سورة الإسراء ، متفق عليه.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) هذه آثار إسرائيلية.

٢٣٨

فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت ، فاستأذن ربّه عزوجل في زيارته ، فأذن له فأتاه في صورة بني آدم ، وكان إدريس يصوم الدهر ، فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه ، ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس ، فقال له [إدريس](١) في الليلة الثالثة : إني أريد أن أعلم من أنت؟ فقال : أنا ملك الموت استأذنت ربّي أن أصحبك ، قال : فلي إليك حاجة ، قال : وما وهي؟ قال : تقبض روحي ، فأوحى الله إليه أن اقبض روحه ، فقبض روحه وردها إليه بعد ساعة [بإذن الله تعالى](٢) قال له ملك الموت : ما الفائدة في سؤالك قبض الروح؟ قال لأذوق كرب الموت وغيمته فأكون (٣) أشد استعدادا له ، ثم قال إدريس له : إن لي إليك حاجة أخرى ، قال : وما هي؟ قال : ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار ، فأذن الله [له](٤) في رفعه ، فلما قرب من النار قال : لي [إليك](٥) حاجة أخرى ، قال : وما تريد؟ قال : تسأل مالكا أن يفتح لي أبوابها فأردها ففعل ثم قال : فكما أريتني النار فأرني الجنة ، فذهب به إلى الجنة فاستفتح ففتحت أبوابها ، فأدخله الجنة ، ثم قال له ملك الموت : أخرج لتعود إلى مقرك ، فتعلق بشجرة وقال : لا أخرج منها ، فبعث الله ملكا حكما بينهما ، فقال له الملك : ما لك لا تخرج؟ قال : لأن الله تعالى قال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) ، وقد ذقته ، وقال : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) [مريم : ٧١] ، وقد وردتها ، وقال : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) [الحجر : ٤٨] ، فلست أخرج [حين دخلتها](٦) فأوحى الله [إلى](٧) ملك الموت : بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج ، فهو حي هناك ، فذلك قوله تعالى : (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) (٥٧).

(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٨) فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (٥٩))

(أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) ، أي إدريس ونوحا ، (وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) ، أي ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة ، يريد إبراهيم لأنه [من](٨) ولد سام بن نوح ، (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ) ، يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب ، قوله : (وَإِسْرائِيلَ) ، أي ومن ذرية إسرائيل وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى ، (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) ، هؤلاء كانوا ممن أرشدنا واصطفينا ، (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) ، سجدا جمع ساجد وبكيا جمع باك ، أخبر الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات الله سجدوا وبكوا.

قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) ، أي من بعد النبيين المذكورين خلف وهم قوم سوء والخلف بالفتح الصالح وبالجزم الطالح ، قال السدي : أراد بهم اليهود ومن لحق بهم. وقال مجاهد وقتادة : هم قوم في هذه الأمة ، (أَضاعُوا الصَّلاةَ) أي : تركوا الصلاة المفروضة. وقال ابن مسعود وإبراهيم : أخّروها عن وقتها ، وقال سعيد بن المسيب : هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر ولا العصر حتى تغرب الشمس ،

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «وغمه لأكون».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) زيادة عن المخطوط.

(٨) سقط من المطبوع.

٢٣٩

(وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ) ، أي المعاصي وشرب الخمر [والزنا](١) ، أي آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله. وقال مجاهد : هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة. (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ، قال (٢) وهب : الغي نهر في جهنم بعيد قعره ، خبيث طعمه.

وقال ابن عباس : الغي واد في جهنم ، وإن أودية جهنم لتستعيذ حرّه أعد للزاني المصر عليه ، ولشارب الخمر المدمن عليها ، ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ، ولأهل العقوق ولشاهد الزور ، [ولامرأة أدخلت على زوجها ولدا](٣) ، وقال عطاء : الغي واد في جهنم يسيل قيحا ودما. وقال كعب : هو واد في جهنم أبعدها قعرا ، وأشدها حرا فيه بئر تسمى الهيم ، كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فتستعر بها جهنم.

[١٣٩٦] أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا محمد بن أحمد الحارثي أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك عن هشيم بن بشير أنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي قال : سمعت أبي أمامة الباهلي يقول : إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشراوات (٤) ، فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد : هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة؟ قال : نعم غي وآثام.

وقال الضحاك : غيا خسرانا. وقيل : هلاكا. وقيل : عذابا. وقوله : (فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) ليس معناه يرون فقط بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية.

(إِلاَّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً (٦٠) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (٦١) لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا (٦٢))

(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ) ، ولم يروها ، (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) ، يعني أتيّا مفعول بمعنى فاعل. وقيل : لم يقل أتيّا لأن كل من أتاك فقد أتيته (٥) ، والعرب لا تفرق بين قول القائل أتت عليّ خمسون سنة وبين قوله أتيت على خمسين سنة ، ويقول : وصل إليّ الخير ووصلت إلى الخير [و](٦) قال ابن جرير : وعده أي موعوده ، وهو الجنة مأتيا يأتيه أولياؤه وأهل طاعته.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها) ، في الجنة (لَغْواً) ، باطلا وفحشا وفضولا من الكلام. وقال مقاتل : هو اليمين الكاذبة ، (إِلَّا سَلاماً) ، استثناء من غير جنسه يعني بل يسمعون فيها سلاما أي قولا يسلمون منه ،

__________________

[١٣٩٦] ـ موقوف ضعيف. رجاله ثقات سوى زكريا بن أبي مريم ، فإنه مجهول ، تفرد عنه هشيم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٣٠٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» ٣٠٢ «زيادات نعيم بن حماد» عن هشيم بن بشير به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «ابن».

(٣) سقط من المخطوط.

(٤) العبارة في المطبوع «كعشر عشرت واسمان» وفي المخطوط «تغير عشراوات سمان» والمثبت عن «شرح السنة».

(٥) في المطبوع «أتته».

(٦) زيادة عن المخطوط.

٢٤٠