تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

قوله تعالى : (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ) ، أي : لا تقولوا لوصف ألسنتكم (١) أو لأجل وصفكم الكذب أنكم تحلّون وتحرّمون لأجل الكذب لا لغيره ، (هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ) ، يعني البحيرة والسائبة ، (لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) ، فتقولون إن الله أمرنا بهذا ، (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) ، لا ينجون من عذاب الله.

(مَتاعٌ قَلِيلٌ) ، [يعني : الذي هم فيه متاع قليل أو لهم متاع قليل](٢) في الدنيا. (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، في الآخرة.

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٨) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩) إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣))

(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) ، يعني في سورة الأنعام. و [هو](٣) قوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) [الأنعام : ١٤٦] الآية (وَما ظَلَمْناهُمْ) بتحريم ذلك عليهم ، (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فحرمنا عليهم ببغيهم.

(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) يعني : بالإصلاح الاستقامة على التوبة ، (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها) ، أي : من بعد الجهالة ، (لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً) قال ابن مسعود الأمة معلم الخير أي : كان معلما للخير يأتم (٤) به أهل [الخير في] الدنيا ، وقد اجتمع فيه من الخصال الحميدة ما يجتمع (٥) في أمة ، قال مجاهد : كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار ، وقال قتادة : ليس من أهل دين إلا يتولونه ويرضونه. (قانِتاً لِلَّهِ) ، مطيعا [لله](٦). وقيل : قائما بأوامر الله تعالى ، (حَنِيفاً) مستقيما على دين الإسلام. وقيل : مخلصا. (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ) ، اختاره ، (وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، أي : إلى دين الحق.

(وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) ، يعني الرسالة والخلة. وقيل : لسان الصدق والثناء الحسن ، وقال مقاتل بن حيان : يعني الصلاة عليه في قول هذه الأمة اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم. وقيل : أولادا أبرارا على الكبر. وقيل : القبول العام في جميع الأمم. (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) ، مع آبائه الصالحين في الجنة. وفي الآية تقديم وتأخير مجازه : وآتيناه في الدنيا والآخرة حسنة ، وإنه لمن الصالحين.

__________________

(١) زيد في المخطوط «الكذب».

(٢) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) تصحف في المطبوع «يأثم».

(٥) في المطبوع «اجتمع».

(٦) زيادة عن المخطوط.

١٠١

(ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) ، يا محمد ، (أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) ، حاجا مسلما ، (وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، وقال أهل الأصول كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مأمور بشريعة إبراهيم إلا ما نسخ في شريعته ، وما لم ينسخ صار شرعا [له](١).

(إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤) ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))

قوله تعالى : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) أي : خالفوا فيه. قيل : معناه إنما جعل السبت لعنة على الذين اختلفوا فيه. وقيل : معناه ما فرض الله تعظيم السبت وتحريمه إلا على الذين اختلفوا فيه ، يعني : اليهود ، فقال قوم : هو أعظم الأيام لأن الله تعالى فرغ من خلق الأشياء يوم الجمعة ، ثم سبت يوم السبت. وقال قوم : بل أعظم الأيام يوم الأحد ، لأن الله تعالى ابتدأ فيه خلق الأشياء فاختاروا تعظيم غير ما فرض الله عليهم ، وقد فرض [الله](٢) عليهم تعظيم يوم الجمعة.

قال الكلبي : أمرهم موسى بالجمعة فقال : تفرّغوا لله في كل سبعة أيام يوما فاعبدوه يوم الجمعة ولا تعملوا فيه لصنعتكم (٣) ، وستة أيام لصناعتكم ، فأبوا وقالوا : لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق [يوم](٤) السبت ، فجعل ذلك اليوم عليهم وشدد عليهم فيه ثم جاءهم عيسى عليه‌السلام بيوم الجمعة ، فقالوا : لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا يعنون اليهود ، فاتخذوا الأحد فأعطى الله الجمعة لهذه الأمة فقبلوه وبورك لهم فيه (٥).

[١٢٧٥] أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أحمد بن يوسف السلمي أنبأنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه قال : ثنا

__________________

[١٢٧٥] ـ صحيح. أحمد بن يوسف ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٠٤٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٦٦٢٤ و ٧٠٣٦ ومسلم ٨٥٥ ح ٢١ وأحمد ٢ / ٢٧٤ و ٣١٢ والبيهقي ٣ / ١٧١ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٣٨ و ٨٧٦ و ٦٨٨٧ ومسلم ٨٥٥ والنسائي ٣ / ٨٥ وأحمد ٢ / ٢٤٣ والبيهقي ٣ / ١٧٠ من طريقين عن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن هرمز أنه سمع أبا هريرة.

ـ أخرجه البخاري ٨٩٦ و ٣٤٨٦ وأحمد ٢ / ٢٧٤ و ٣٤١ والحميدي ٩٥٥ والبيهقي ٣ / ١٨٨ من طريق ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «لصنيعكم» وفي المخطوط «لصانعكم».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع و ـ ط «فيها».

١٠٢

أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، فهذا يومهم الذي فرض عليهم (١) فاختلفوا فيه فهدانا الله له [فهم](٢) لنا فيه تبع فاليهود غدا والنصارى بعد غد».

قال الله تعالى : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ). [قال قتادة : الذين اختلفوا فيه هم](٣) اليهود استحله بعضهم وحرّمه بعضهم. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

(ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) ، بالقرآن ، (وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) ، يعني مواعظ القرآن. وقيل : الموعظة الحسنة هي الدعاء إلى الله بالترغيب والترهيب. وقيل : هو قول اللين الرقيق من غير تغليظ ولا تعنيف ، (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، وخاصمهم وناظرهم بالخصومة التي هي أحسن أي أعرض عن أذاهم ولا تقصر في تبليغ الرسالة والدعاء إلى الحق ، نسختها آية القتال. (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ).

(وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ).

[١٢٧٦] هذه الآيات نزلت بالمدينة في شهداء أحد وذلك أن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون والمثلة السيئة حتى لم يبق أحد من قتلى المسلمين إلّا مثّل به غير حنظلة بن الراهب فإن أباه أبا عامر الراهب كان مع أبي سفيان فتركوا حنظلة لذلك ، فقال المسلمون حين رأوا ذلك : لئن أظهرنا الله عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يفعلها أحد من العرب بأحد ، فوقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عمه حمزة بن عبد المطلب وقد جدعوا أنفه وأذنيه (٤) وقطعوا مذاكيره وبقروا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ثم استرطتها (٥) لتأكلها فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبدا إن حمزة أكرم على الله تعالى من أن يدخل شيئا من جسده النار» ، فلما نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر إلى شيء قطّ كان أوجع لقلبه منه فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رحمة الله عليك فإنك ما علمتك إلا فعالا للخيرات وصولا للرحم ، ولو لا حزن من بعدك عليك لسرني أن

__________________

[١٢٧٦] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٧٣ بدون إسناد.

ـ وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٣ / ١٠ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٢٨٧ والواحدي ٥٧٠ و ٥٧٢ من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا فيه يحيى بن عبد الحميد الحماني متهم بسرقة الحديث كما في «التقريب». وقيس بن الربيع تغير لما كبر ، وأيضا هذا إسناد منقطع بين الحكم ومقسم كما في «تهذيب التهذيب» ٢ / ٣٧٣.

ـ وأخرجه الحاكم ٣ / ١٩٧ والبزار ١٧٩٥ والواحدي ٥٧١ بنحوه من حديث أبي هريرة ، وفيه صالح بن بشير المري ، وهو ضعيف ، ولذا سكت عليه الحاكم ، وقال الذهبي : صالح واه. وكذا أعله الهيثمي في «المجمع» ١٠١٠٤ بضعف صالح المري.

والحديث بهذا اللفظ ضعيف. وفي بعض ألفاظه نكارة ومن ذلك ذكر نزول جبريل وذكر نزول الآية و «كفر عن يمينه» و «لو أكلتها ما دخلت النار» ولبعضه الآخر شواهد فالخبر له أصل بغير هذا السياق ، راجع «الكشاف» ٥٩٩ و «أحكام القرآن» ١٣١٢ و ١٣١٣ بتخريجي ، وقد استوفيت طرقه وشواهده في هذا الأخير ، والله الموفق.

(١) زيد في المطبوع «يعني يوم الجمعة».

(٢) في المطبوع «والناس».

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٤) في المطبوع «أذنه».

(٥) في المطبوع «استرطبتها».

١٠٣

أدعك حتى تحشر من أفواج شتى أما والله لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين منهم مكانك» ، فأنزل الله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا) الآية.

(وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) ، أي : ولئن عفوتم لهو خير للعافين فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بل نصبر» وأمسك عما أراد وكفّر عن يمينه.

قال ابن عباس والضحاك : كان هذا قبل نزول براءة حين أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتال من قاتله ومنع من الابتداء بالقتال ، فلما أعز [الله](١) الإسلام وأهله نزلت براءة ، وأمروا بالجهاد ونسخت هذه الآية ، وقال النخعي والثوري (٢) ومجاهد وابن سيرين : الآية محكمة نزلت في من ظلم بظلامة فلا يحل له أن ينال من ظالمه أكثر مما نال الظالم منه أمر بالجزاء والعفو ومنع من الاعتداء ، ثم قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

(وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ) ، أي : بمعونة الله وتوفيقه ، (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) ، في إعراضهم عنك ، (وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) ، أي : فيما فعلوا من الأفاعيل ، قرأ ابن كثير هاهنا وفي النمل [٧٠] «ضيق» بكسر الضاد وقرأ الآخرون بفتح الضاد ، قال أهل الكوفة : هما لغتان مثل رطل ورطل ، وقال أبو عمرو : الضيق بالفتح الغم ، وبالكسر الشدة.

وقال أبو عبيدة : الضيق بالكسر في قلة المعاش وفي المساكن ، فأما ما كان في القلب والصدر فإنه بالفتح. وقال ابن قتيبة : الضيق تخفيف ضيق مثل هين وهين ، ولين ولين ، فعلى هذا هو صفة كأنه قال : ولا تك (٣) في أمر ضيق من مكرهم.

(إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، المناهي ، (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) بالعون والنصرة [والله تعالى أعلم](٤).

تفسير سورة الإسراء

مكية وهي مائة وإحدى عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١))

(سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) ، سبحان الله تنزه (٥) الله تعالى من كل سوء ووصفه (٦) بالبراءة من

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «السدي».

(٣) في المطبوع «تكن».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في ـ ط «تنزيه».

(٦) في المطبوع «ووصف».

١٠٤

كل نقص على طريق المبالغة ، وتكون سبحان بمعنى التعجب ، أسرى بعبده ، أي : سيّره ، وكذلك سرى به ، والعبد هو : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) ، قيل : كان الإسراء من مسجد مكة.

[١٢٧٧] روى قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بينا أنا في المسجد الحرام في الحجر بين النائم واليقظان إذ أتاني جبريل بالبراق» ، فذكر حديث المعراج.

وقال قوم : عرج به من دار أم هانئ بنت أبي طالب ، ومعنى قوله : (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي : من الحرم.

قال مقاتل : كانت ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة. ويقال : كان في رجب. وقيل : كان في [شهر](١) رمضان. (إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) ، يعني : بيت المقدس ، وسمي أقصى لأنه أبعد المساجد التي تزار. وقيل : لبعده عن المسجد الحرام. (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ) ، بالأنهار والأشجار والثمار. وقال مجاهد : سماه مباركا لأنه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة والوحي (٢) ومنه يحشر الناس يوم القيامة. (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) ، من عجائب قدرتنا ، وقد رأى هناك الأنبياء والآيات الكبرى ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، ذكر السميع (٣) لينبه على أنه [هو](٤) المجيب لدعائه ، وذكر البصير (٥) لينبه على أنه الحافظ له في ظلمة الليل.

[١٢٧٨] وروي عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول ما فقد جسد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه. والأكثرون على أنه أسرى بجسده [وروحه](٦) في اليقظة وتواترت الأخبار الصحيحة على ذلك.

[١٢٧٩] أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو حامد أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الفربري ثنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ثنا هدبة بن خالد ثنا همام بن يحيى ثنا قتادة ح (٧) قال البخاري : وقال لي خليفة العصفري : ثنا يزيد بن زريع ثنا سعيد وهشام. قالا : ثنا

__________________

[١٢٧٧] ـ هو الحديث الآتي برقم : ١٢٧٩.

[١٢٧٨] ـ باطل. ذكره ابن هشام في «السيرة» ٢ / ٣١ عن ابن إسحاق قال : حدثني بعض آل أبي بكر عن عائشة ، فذكره ، وإسناده ضعيف لجهالة من حديث ابن إسحاق ، بل هو باطل لتفرد ابن إسحاق به ، وهو يروي عن متروكين ، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٢ / ٦٤٦ : قال ابن إسحاق في «المغازي» : حدثني بعض آل بكر عن عائشة بهذا ا ه.

ـ ومما يدل على عدم صحته عن عائشة هو أنها لم تدرك ذلك ، فهو مكذوب عليها.

[١٢٧٩] ـ ساقه المصنف بأسانيد من طريق الصحيحين أو أحدهما ، فهذه أسانيد صحاح.

ـ أخرجه البخاري ٣٢٠٧ و ٣٣٩٣ و ٣٤٣٠ و ٣٨٨٧ وابن حبان ٤٨ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٨٧ من طرق عن هدبة بن خالد عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٢٠٨ و ٢٠٩ وأبو عوانة ١ / ١٢٠ وابن مندة ٧١٧ من طرق عن همام بالإسناد السابق.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٠٧ ومسلم ١٦٤ والترمذي ٣٣٤٦ وابن أبي شيبة ١٤ / ٣٠٥ وأحمد ٤ / ٢١٠ وأبو عوانة ١ / ١١٦ و ١٢٠ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٧٣ ـ ٣٧٧ وابن مندة في «الإيمان» ٧١٦ من طرق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «وفيه الصخرة».

(٣) في المخطوط «السمع».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «البصر».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) تكتب «ح» عند الانتقال من إسناد إلى إسناد آخر ، فهي من التحويل ، ورمز عن ذلك ب «ح».

١٠٥

قتادة ثنا أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حدثهم عن ليلة أسري به ، ح قال البخاري : ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال وكان أبو ذر يحدث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ح ، وأخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن عبد القاهر أنا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا أبو أحمد محمد بن عيسى الجلودي ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج ثنا شيبان بن فروخ ثنا حماد بن سلمة ثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ـ دخل حديث بعضهم في بعض ـ.

قال أبو ذر : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فرج عني سقف بيتي وأنا بمكة ، فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغه في صدري ، ثم أطبقه».

وقال مالك بن صعصعة : إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثهم عن ليلة أسري به قال : «بينما أنا في الحطيم وربما قال في الحجر بين النائم واليقظان» ، وذكر بين رجلين «فأتيت بطست من ذهب مملوء حكمة وإيمانا فشق من النحر إلى مراق البطن ، واستخرج قلبي فغسل ثم ملئ ، وقيل حشي ، ثم أعيد».

وقال سعيد وهشام : «ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ إيمانا وحكمة ثم أتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل [يقع](١) حافره عند منتهى طرفه ، فركبته فانطلقت مع جبريل حتى أتيت بيت المقدس ، قال فربطته بالحلقة التي تربط بها الأنبياء ، قال : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن ، فقال جبريل : اخترت الفطرة فانطلق بي جبريل حتى أتى السماء الدنيا فاستفتح قيل من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح [له](٢) الباب فلما خلصت فإذا فيها آدم ، فقال لي : هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلمت عليه فرد السلام ، ثم قال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح».

وفي حديث أبي ذر : «علونا السماء الدنيا فإذا رجل قاعد عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة إذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ، فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ، قلت لجبريل : من هذا؟ قال : هذا أبوك آدم وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه ، فأهل اليمين منهم أهل الجنة ، والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر عن يمينه ضحك وإذا نظر عن قبل شماله بكى ، ثم صعد [بي](٣) حتى أتى السماء الثانية فاستفتح قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح [له](٤) فلما خلصت

__________________

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٠٧ ومسلم ١٦٤ ح ٢٦٥ والنسائي ١ / ٢١٧ ـ ٢٢٣ وأبو عوانة ١ / ١١٦ وابن مندة ٧١٥ والبيهقي ٧١٥ من طرق عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس.

ـ وأخرجه مسلم ١٦٢ وابن أبي شيبة ١٤ / ٣٠٢ وأبو عوانة ١ / ١٢٥ و ١٢٦ من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس.

ـ وأخرجه البخاري ٣٤٩ و ١٦٣٦ و ٣٣٤٢ ومسلم ١٦٣ من طريق يونس عن ابن شهاب عن أنس قال : كان أبو ذر يحدث.

(١) سقط من المطبوع.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

١٠٦

إذا بيحيى بن زكريا وعيسى [ابن مريم](١) عليهما‌السلام وهما ابنا خالة ، قال : هذا يحيى وعيسى ، فسلم [عليهما فسلمت](٢) فردا عليّ السلام ، ثم قالا : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي إلى السماء الثالثة فاستفتح ، فقيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح فلما خلصت فإذا يوسف وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ، قال : هذا يوسف فسلم عليه ، فسلمت عليه فردّ علي ، ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح.

ثم صعد بي حتى أتى السماء الرابعة فاستفتح ، قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح فلما خلصت فإذا [أنا](٣) بإدريس (٤) ، قال : هذا إدريس فسلم عليه فسلمت عليه ، فردّ ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح».

ثم صعد بي حتى أتى السماء الخامسة فاستفتح قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، [ففتح](٥) فلما خلصت فإذا هارون ، قال : هذا هارون فسلم عليه فسلمت عليه فرد ثم قال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ، ثم صعد بي حتى أتى السماء السادسة فاستفتح قيل : من هذا؟ قال : جبريل ، قيل : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، ففتح [له](٦) فلما خلصت فإذا بموسى ، قال : هذا موسى فسلم عليه فسلمت عليه فردّ ثم قال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح ، فلما جاوزت بكى قيل له : ما يبكيك؟ قال : أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر مما يدخلها من أمتي ، ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل : من هذا؟ قال جبريل ، قال : ومن معك؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه؟ قال : نعم ، قال : مرحبا به فنعم المجيء جاء ، فلما خلصت فإذا إبراهيم ، قال : هذا أبوك فسلم عليه فسلمت عليه فردّ السلام ثم قال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح ، فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم».

وقال ثابت عن أنس : «فإذا أنا بإبراهيم مسند ظهره إلى البيت المعمور ، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر ، وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة ، قال : فلما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها ، في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران ، فقلت : ما هذان يا جبريل؟ فقال : أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ، وأوحى إلي ما أوحي ، ففرض عليّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة ، فنزلت إلى موسى ، فقال : ما فرض ربك على أمتك؟ قلت : خمسين صلاة ، قال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا تطيق ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم ، قال : فرجعت إلى ربي فقلت : يا رب خفف على أمتي فحط عني خمسا ، فرجعت إلى موسى فقلت : حط عني خمسا ،

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) العبارة من المطبوع «إدريس».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

١٠٧

قال : إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف.

قال : فلم أزل أرجع بين ربي وبين موسى حتى قال الله تعالى : يا محمد إنهنّ خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر هي خمس وهي خمسون لا يبدل القول لديّ ومن همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشرا ، ومن همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت سيئة واحدة ، قال : فنزلت حتى انتهيت إلى موسى فأخبرته ، فقال : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ، فقلت : سألت ربي حتى استحييت ولكن أرضى وأسلم ، قال : فلما جاوزت نادى مناد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي ، ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك».

قال ابن شهاب : فأخبرني ابن حزم أن ابن عباس وأبا حبة (١) الأنصاري ، كانا يقولان : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوىّ أسمع فيه صريف الأقلام ، قال ابن حزم وأنس : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ففرض الله على أمتي خمسين صلاة».

[١٢٨٠] وروى معمر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتي بالبراق ليلة أسري به ملجّما مسرّجا ، فاستصعب عليه فقال له جبريل : أبمحمد تفعل هذا فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فارفض عرقا».

[١٢٨١] وقال ابن بريدة عن أبيه قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بإصبعه فخرق بها الحجر وشدّ به (٢) البراق».

[١٢٨٢] أنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل حدثني محمود أنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي

__________________

[١٢٨٠] ـ صحيح. أخرجه الترمذي ٣١٣١ وأحمد ٣ / ١٦٤ وابن حبان ٤٦ والبيهقي في «دلائل النبوة» ٢ / ٣٦٢ ـ ٣٦٣ والآجري في «الشريعة» ص ٤٨٨ ـ ٤٨٩ من طرق عن عبد الرزاق عن معمر به وإسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

[١٢٨١] ـ حسن. أخرجه الترمذي ٣١٣١ والحاكم ٢ / ٣٦٠ وابن حبان ٤٧ من طريقين عن أبي تميلة بن واضح عن الزبير بن جنادة عن عبد الله بن بريدة به.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن غريب.

ـ وإسناده حسن لأجل الزبير بن جنادة ، قال عنه الحافظ : مقبول ، ووثقه ابن حبان والحاكم وقال الذهبي في «الميزان» :

أخطأ من قال فيه جهالة ، لكن قول الألباني في «صحيح الترمذي» ٢٥٠٤ : إسناده صحيح ، فيه نظر.

[١٢٨٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم ، محمود بن غيلان ، عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، الزهري محمد بن مسلم.

ـ رواه المصنف من طريق عبد الرزاق ، وهو في «مصنفه» ٩٧١٩ عن معمر بهذا الإسناد.

ـ ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري ٣٤٣٧ ومسلم ١٦٨ والترمذي ٣١٣٠ وابن حبان ٥١ وأبو عوانة ١ / ١٢٩ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٨٧ وابن مندة ٧٢٨.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٩٤ من طريق هشام بن يوسف عن معمر به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٧٠٩ و ٥٦٠٣ والنسائي ٨ / ٣١٢ من طريق يونس عن الزهري به.

(١) تصحف في المطبوع «دجانة».

(٢) في المطبوع «بها».

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٠٨

هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليلة أسري بي لقيت موسى قال فنعته فإذا هو رجل حسبته قال مضطرب ، رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة ، قال : ولقيت عيسى ، فنعته النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ، ورأيت إبراهيم وأنا أشبه ولده به ، قال : وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر ، فقيل لي : خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته ، فقيل لي : هديت الفطرة وأصبت الفطرة ، أما أنك لو أخذت الخمر لغوت أمتك».

[١٢٨٣] أنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي ثنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي ثنا سفيان ثنا عمرو عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ) [الإسراء : ٦٠] قال : هي رؤيا عين أُريها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسريَ به إلى بيت المقدس. قال : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) قال : هي شجرة الزقوم.

[١٢٨٤] أنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن شريك بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك يقول ليلة أسري برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام فقال أولهم : أيهم هو؟ فقال : أوسطهم هو خيرهم ، فقال آخرهم : خذوا خيرهم.

فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه وتنام عيناه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه ووضعوه عند بئر زمزم ، فشق جبريل ما بين

__________________

[١٢٨٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ الحميدي عبد الله بن الزبير ؛ سفيان بن عيينة ، عمرو بن دينار ، عكرمة أبو عبد الله مولى ابن عباس.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٤٩ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٣٨٨٨ عن الحميد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٧١٦ و ٦٦١٣ والترمذي ٣١٣٤ والنسائي في «التفسير» ٣١٢ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٢٠١ و ٢٠٢ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٦٢ وابن حبان ٥٦ والطبراني ١٦٤١ والحاكم ٢ / ٣٦٢ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٦٥ من طرق عن سفيان به.

[١٢٨٤] ـ في بعض ألفاظه غرابة ، رجاله رجال البخاري ومسلم ، لكن شريك وهو ابن عبد الله بن أبي نمر المدني فيه ضعف ، قال ابن معين : لا بأس به ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، ووثقه أبو داود ووهاه ابن حزم لأجل حديث الإسراء ا ه «الميزان» ٢ / ٢٦٩ وقال عنه الحافظ في «التقريب» : صدوق يخطئ.

ـ سليمان هو ابن بلال.

ـ رواه المصنف من طريق البخاري ، وهو في «صحيحه» ٧٥١٧ عن عبد العزيز بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٦٢ ح ٢٦٢ وأبو عوانة ١ / ١٢٥ و ١٣٥ من طريق سليمان بن بلال عن شريك به.

ـ وأخرجه الذهبي في «الميزان» ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ من طريق البخاري به.

ـ قال الحافظ في «الفتح» ١٣ / ٤٨٥ : ومجموع ما خالفت فيه رواية شريك غيره من المشهورين عشرة أشياء بل تزيد على ذلك. راجع «الفتح» فقد ذكر الحافظ تلك الألفاظ الغريبة فيه.

ـ وقال الذهبي بعد أن أسند الحديث وذكر فيه «... ودنا من الجبار رب العزة ...» وهذا من غرائب الصحيح.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

١٠٩

نحره إلى لبته حتى فرغ من صدره وجوفه ، فغسله من ماء زمزم بيده.

وساق حديث المعراج بقصته. فقال : وإذا هو في السماء الدنيا بنهرين يطّردان ، قال : هذا النيل والفرات [يطردان](١) عنصرهما واحد ثم مضى به إلى السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد فضرب بيده فإذا هو مسك أذفر ، فقال : «ما هذا يا جبريل»؟ قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك. وساق الحديث ، وقال : «ثم عرج بي إلى السماء السابعة».

وقال : قال موسى : ربّ لم أظن أن ترفع علي أحدا ، ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى فأوحى إليه فيما أوحى إليه خمسين صلاة كل يوم وليلة ، وقال : فلم يزل يردده موسى إلى ربه حتى صارت إلى خمس صلوات ثم احتبسه موسى عند الخمس.

فقال : يا محمد والله لقد راودت بني إسرائيل قومي على أدنى من ذلك فضعفوا عنه وتركوه ، فأمتك أضعف قلوبا وأجسادا وأبدانا وأبصارا وأسماعا ، فارجع فليخفف عنك ربك ، وكل ذلك يلتفت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جبريل ليشير عليه ولا يكره ذلك جبريل فرفعه عند الخامسة ، فقال : «يا رب إن أمتي ضعفاء أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبدانهم فخفف عنهم» ، فقال الجبار [جل جلاله](٢) : يا محمد ، قال : لبيك وسعديك ، قال : إنه لا يبدل القول لديّ كما فرضت عليك في أم الكتاب فكل حسنة بعشر أمثالها فهي خمسون في أم الكتاب وهي خمس عليك ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فليخفف عنك أيضا.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد والله استحييت من ربي مما اختلفت إليه» ، قال : فاهبطبسم الله فاستيقظ وهو في المسجد الحرام.

وروى مسلم هذا الحديث مختصرا عن هارون بن سعيد الإيلي عن ابن وهب عن سليمان بن بلال.

قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : قد قال بعض أهل الحديث ما وجدنا لمحمد بن إسماعيل ولمسلم في كتابيهما شيئا لا يحتمل مخرجا إلا هذا ، وأحال الأمر فيه (٣) إلى شريك بن عبد الله ، وذلك أنه ذكر فيه أن ذلك قبل أن يوحى إليه ، واتفق أهل العلم على أن المعراج كان بعد الوحي بنحو من اثنتي عشرة سنة قبل الهجرة بسنة ، وفيه أيضا : أن الجبار دنا فتدلى. وذكرت عائشة أن الذي دنا فتدلى جبريل عليه‌السلام.

قال شيخنا الإمام رضي الله عنه : وهذا الاعتراض عندي لا يصح لأن هذا كان رؤيا في النوم أراه الله عزوجل قبل الوحي بدليل آخر الحديث ، قال : فاستيقظ وهو في المسجد الحرام ، ثم عرج به في اليقظة بعد الوحي قبل الهجرة بسنة تحقيقا لرؤياه من قبل كما أنه رأى فتح مكة في المنام عام الحديبية سنة ست من الهجرة ، ثم كان تحقيقه سنة ثمان ونزل قوله عزوجل : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) [الفتح : ٢٧].

[١٢٨٥] وروي أنه لما رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة أسري به وكان بذي طوى قال : «يا جبريل إن قومي لا يصدقوني» ، قال : يصدقك أبو بكر وهو الصديق.

__________________

[١٢٨٥] ـ ضعيف. أخرجه ابن سعد في «الطبقات» ٣ / ١٢٧ عن يزيد بن هارون عن أبي معشر قال : أخبرنا أبو وهب مولى أبي

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط «أحاله الآفة فيهما».

١١٠

[١٢٨٦] قال ابن عباس وعائشة رضي الله عنهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما كانت ليلة أسري بي أصبحت بمكة فضقت بأمري وعرفت أن الناس يكذبوني» ، فروي أنه عليه الصلاة والسلام قعد معتزلا حزينا فمر به أبو جهل فجلس إليه فقال له كالمستهزئ : هل استفدت من شيء؟ قال : «نعم إني أسري بي الليلة» قال : إلى أين؟ قال : «إلى بيت المقدس» ، قال : ثم أصبحت بين ظهرانينا ، قال : «نعم» ، فلم ير أبو جهل أنه ينكر ذلك مخافة أن يجحده الحديث ، قال : أتحدث قومك بما حدثتني به؟ قال : «نعم» ، قال أبو جهل : يا معشر بني كعب بن لؤي هلموا ، قال : فانقضت إليه المجالس فجاءوا حتى جلسوا إليهما ، قال : فحدث قومك بما حدثتني ، قال : «نعم إنه أسري بي الليلة» ، قالوا إلى أين؟ قال : «إلى بيت المقدس» ، قالوا : ثم أصبحت بين ظهرانينا؟ قال : نعم ، قال : [فكان القوم](١) فمن بين مصفق ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا (٢) وارتد ناس ممن كان آمن به وصدقه ، وسعى رجل من المشركين إلى أبي بكر فقال : هل لك في صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس ، قال : أوقد قال ذلك؟ قالوا : نعم ، قال : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، قالوا : وتصدقه أنه ذهب إلى بيت المقدس في ليلة وجاء قبل أن يصبح؟ قال : نعم إني لأصدقه بما هو أبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، فلذلك سمي أبو بكر الصديق ، قال : وفي القوم من قد أتى المسجد الأقصى ، فقال : هل تستطيع أن تنعت لنا المسجد الأقصى؟ قال : «نعم» ، قال : «فذهبت أنعت وأنعت فما زلت أنعت حتى التبس عليّ بعض النعت ، قال : فجيء بالمسجد وأنا انظر إليه حتى وضع دون دار عقيل فنعت المسجد ، وأنا انظر إليه» ، فقال القوم : أمّا النعت فو الله [لقد](٣) أصاب ، ثم قالوا : يا محمد أخبرنا عن عيرنا فهي أهم إلينا فهل لقيت منها شيئا؟ قال : «نعم مررت على عير بني فلان ، وهي بالروحاء وقد أضلوا بعيرا لهم وهم في طلبه وفي رحالهم قدح من ماء فعطشت فأخذته فشربته ثم وضعته كما كان فاسألوهم (٤) هل وجدوا الماء في القدح حين رجعوا إليه» ، قالوا : هذه آية ، قال : «ومررت بعير بني فلان وفلان وفلان راكبان قعودا لهما بذي طوى فنفر بعيرهما مني فرمى بفلان فانكسرت يده فسلوهما عن ذلك» ، فقالوا : وهذه آية ، قالوا : فأخبرنا عن عيرنا نحن متى تجيء؟ قال : «مررت بها بالتنعيم» ، قالوا : فما عدتها وأحمالها وهيئتها ومن

__________________

هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ليلة أسري به : ... فذكره.

ـ وهذا مرسل والمرسل من قسم الضعيف ، وأبو معشر واسمه نجيح ، وهو ضعيف.

ـ وأخرجه ابن سعد ١ / ١٦٦ ـ ١٦٧ من حديث عائشة وأم هانئ وابن عباس دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا ... فذكره مطوّلا.

ـ وإسناده ساقط مداره على الواقدي محمد بن عمر ، وهو متروك.

[١٢٨٦] ـ أخرجه أحمد ١ / ٣٠٩ والنسائي في «الكبرى» ١١٢٨٥ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٦٣ ـ ٣٦٤ من حديث ابن عباس دون عائشة رضي الله عنها ، وصحح إسناده السيوطي في «الدر» ٤ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١ / ٦٤ ـ ٦٥ : رواه أحمد والبزار والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح. وهو كما قال لكن لفظ «وارتد ناس» غريب جدا ، لم يثبت أن أحدا ارتد بسبب خبر الإسراء ، ولعله مدرج من كلام أحد الرواة ، وهو باطل بكل حال.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «الكذب».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «فسلوا».

١١١

فيها ، فقال : «نعم هيئتها كذا وكذا ، وفيها فلان وفلان يقدمها جمل أورق عليه غرارتان مخيطتان ، تطلع عليكم عند طلوع الشمس» ، قالوا : وهذه آية أخرى ، ثم خرجوا يشتدون نحو الثنية وهم يقولون والله لقد قص محمد شيئا وبيّنه حتى أتوا كدىّ ، فجلسوا عليه فجعلوا ينتظرون متى تطلع الشمس فيكذبونه إذ قال قائل منهم : والله هذه الشمس قد طلعت ، وقال آخر : وهذه والله الإبل قد طلعت يقدمها بعير أورق فيها فلان وفلان كما قال لهم فلم يؤمنوا ، (وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٥) [الصافات : ١٥].

[١٢٨٧] أنا إسماعيل بن عبد القاهر أنبأنا عبد الغافر بن محمد أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج حدثني زهير بن حرب ثنا حجين بن المثنى أنبأنا عبد العزيز وهو ابن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها ، قال : فكربت كربا ما كربت مثله قط ، قال : فرفعه الله لي انظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به ، ولقد رأيتني في جماعة من الأنبياء ، فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة ، وإذا عيسى قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي ، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم ، يعني نفسه ، فجاءت الصلاة فأممتهم فلما فرغت من الصلاة قال لي قائل : يا محمد هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأني بالسلام».

(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً (٢) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤))

قوله عزوجل : (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا) ، بأن لا ، (تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) ، ربا وكفيلا ، قرأ أبو عمرو «لا يتخذوا» بالياء لأنه خبر عنهم والآخرون بالتاء ، يعني قلنا لهم لا تتخذوا.

(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا) ، قال مجاهد : هذا نداء يعني يا ذرية من حملنا ، (مَعَ نُوحٍ) ، في السفينة فأنجيناهم من الطوفان ، (إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) ، كان نوح عليه‌السلام إذا أكل طعاما أو شرب شرابا أو لبس ثوبا قال : الحمد لله ، فسمي عبدا شكورا ، أي : كثير الشكر.

قوله عزوجل : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) الآيات.

__________________

[١٢٨٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ رواه المصنف من طريق مسلم ، وهو في «صحيحه» ١٧٢ عن زهير بن حرب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «التفسير» ٥٠٠ وابن سعد في «الطبقات» ١ / ١٦٧ ـ ١٦٨ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٥٨ ـ ٣٥٩ من طرق عن حجين بن المثنى به.

ـ وأخرج صدره فقط البخاري ٣٨٨٦ و ٤٧١٠ ومسلم ١٧٠ والترمذي ٣١٣٢ والنسائي في «التفسير» ٣٠٢ وأحمد ٣ / ٣٧٧ وابن حبان ٥٥ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٥٩ من حديث جابر.

١١٢

[١٢٨٨] روى سفيان بن سعيد الثوري عن منصور بن المعتمر عن ربعي بن خراش (١) عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن بني إسرائيل لما اعتدوا وقتلوا الأنبياء بعث الله عليهم ملك فارس بختنصر ، وكان الله ملكه سبعمائة سنة فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس فحاصرها وفتحها ، حتى قتل على دم يحيى بن زكريا عليه‌السلام سبعين ألفا ثم سبى أهلها وأولاد الأنبياء وسلب حليّ بيت المقدس ، واستخرج منها سبعين ألفا ومائة ألف عجلة من حلي» ، قلت : يا رسول الله كان بيت المقدس عظيما؟ قال : «أجل بناه سليمان بن داود من ذهب وفضة وياقوت وزبرجد ، وكان عمده ذهبا أعطاه الله ذلك وسخر له الشياطين يأتونه بهذه الأشياء في طرفة عين ، فسار بها بختنصر حتى نزل بابل فأقام بنو إسرائيل في يده مائة سنة يستعبدهم المجوس وأبناء المجوس ، فيهم الأنبياء ثم إن الله رحمهم فأوحى إلى ملك من ملوك فارس يقال له كورش وكان مؤمنا أن يسير إليهم ليستنقذ بقايا بني إسرائيل ، فسار كورش لبني إسرائيل وحلي بيت المقدس حتى رده إليه ، فأقام بنو إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس فسبى أهلها وأحرق بيت المقدس ، وقال لهم : يا بني إسرائيل إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسبي ، فعادوا فسلط الله عليهم ملك رومية يقال له فاقس بن أستيانوس ، فغزاهم في البر والبحر فسابهم وسبى حلي بيت المقدس وأحرق بيت المقدس ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هذا من صفة حلّي بيت المقدس ، ويرده المهدي إلى بيت المقدس هو ألف وسبعمائة سفينة يرمي بها على حتى تنقل إلى بيت المقدس ، وبها يجمع الله الأولين والآخرين».

قال محمد بن إسحاق : كانت بنو إسرائيل فيهم الأحداث والذنوب وكان الله في ذلك متجاوزا عنهم محسنا إليهم ، وكان أول ما نزل بهم بسبب ذنوبهم كما أخبر على لسان موسى عليه‌السلام ، أن ملكا منهم كان يدعى صديقة وكان الله تعالى إذا ملك الملك عليهم بعث معه نبيا يسدده ويرشده [في جميع أموره](٢) [وكان](٣) لا ينزل عليهم الكتب إنما يؤمرون باتباع التوراة والأحكام التي فيها ، فلما ملك ذلك الملك بعث الله معه شعياء بن أصفيا ، وذلك قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم‌السلام ، وشعياء هو الذي بشر بعيسى ومحمد عليهما‌السلام ، فقال : أبشري أو رستم الآن يأتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير ، فملك ذلك الملك بني إسرائيل وبيت المقدس زمانا طويلا فلما انقضى ملكه عظمت فيهم الأحداث وشعياء معه بعث الله عليهم سنحاريب (٤) ملك بابل ، معه ستمائة ألف راية فأقبل سائرا حتى نزل حول بيت المقدس ، والملك مريض وفي ساقه قرحة فجاء النبي شعياء وقال له : يا ملك بني إسرائيل إن سنحاريب (٥) ملك بابل قد نزل بك ، هو وجنوده بستمائة ألف راية ، وقد هابهم الناس وفرقوا

__________________

[١٢٨٨] ـ لا أصل له في المرفوع. أخرجه الطبري ٢٢٠٥٧ من رواية رواد بن الجراح عن سفيان الثوري عن منصور به ورواد بن الجراح هذا متهم ، والحمل عليه في هذا الحديث ، قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» ٣ / ٣٥ هو حديث موضوع لا محالة ، لا يستريب في ذلك من عنده أدنى معرفة بالحديث ، وقد صرح شيخنا أبو الحجاج المزي بأنه موضوع مكذوب.

ـ قلت : فالمرفوع باطل ؛ والصحيح أنه من الإسرائيليات.

(١) تصحف في المطبوع «خراش».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع و ـ ط «سنجاريب» والمثبت عن المخطوط والطبري.

(٥) في المطبوع و ـ ط «سنجاريب» والمثبت عن المخطوط والطبري.

١١٣

فكبر ذلك على الملك ، فقال : يا نبي الله هل أتاك وحي من الله فيما حدث فتخبرنا به كيف يفعل الله بنا وبسنحاريب وجنوده ، فقال : لم يأتني [فيهم](١) وحي فبينما هم على ذلك أوحى الله إلى شعياء النبي أن ائت ملك بني إسرائيل فمره (٢) أن يوصي وصيته ويستخلف ـ على ملكه من يشاء من أهل بيته ، فأتى شعياء ملك بني إسرائيل صديقة فقال له : إن ربك قد أوحى إليّ أن آمرك أن توصي وصيتك وتستخلف من شئت على ملكك من أهل بيتك فإنك ميت ، فلما قال [ذلك](٣) شعياء لصديقه أقبل على القبلة فصلى ودعا وبكى ، فقال وهو يبكي ويتضرع إلى الله بقلب مخلص : اللهم ربّ الأرباب وإله الآلهة يا قدوس المتقدس يا رحمن يا رحيم يا رءوف الذي لا تأخذه سنة ولا نوم اذكرني بعملي وفعلي وحسن قضائي على بني إسرائيل ، وذلك كله كان منك وأنت أعلم به مني ، سرّي وعلانيتي لك وأنت الرحمن ، فاستجاب له وكان عبدا صالحا فأوحى الله تعالى إلى شعياء [أن تخبر](٤) صديقة أن ربه قد استجاب له ورحمه وأخر له أجله خمس عشرة سنة وأنجاه من عدوه سنحاريب ، فأتاه شعياء فأخبره بذلك فلما قال له ذلك ذهب عنه الوجع وانقطع عنه الحزن ، وخرّ ساجدا لله ، وقال : يا إلهي وإله آبائي لك سجدت وسبحت وكبرت وعظمت أنت الذي تعطي (٥) الملك لمن تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير عالم الغيب والشهادة أنت الأول والآخر والظاهر والباطن وأنت ترحم وتستجيب دعوة المضطرين ، وأنت الذي أجبت دعوتي ورحمت تضرعي ، فلما رفع رأسه أوحى الله إلى شعياء أن قل للملك صديقة فيأمر عبدا من عبيده فيأتيه بماء التين فيجعله في قرحته فيشفى فيصبح وقد برأ ففعل وشفي ، وقال الملك لشعياء : سل ربك أن يجعل لنا علما بما هو صانع بعدونا هذا قال الله لشعياء قل له : إني قد كفيتك عدوك وأنجيتك منهم وأنهم سيصبحون موتى كلهم إلا سنحاريب وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فلما أصبحوا جاء صارخ فصرخ على باب المدينة ، يا ملك بني إسرائيل إن الله قد كفاك عدوك فاخرج فإن سنحاريب ومن معه قد هلكوا فلما خرج الملك التمس سنحاريب في القتلى فلم يوجد في الموتى فبعث الملك في طلبه فأدركه الطلب في مغارة وخمسة نفر من كتابه أحدهم بختنصر فجعلوهم في الجوامع ثم أتوا بهم إلى ملك بني إسرائيل ، فلما رآهم خرّ ساجدا لله من حين طلعت الشمس إلى [وقت](٦) العصر ، ثم قال : يا سنحاريب كيف ترى فعل ربنا بكم ألم يقتلكم بحوله وقوته ونحن وأنتم غافلون فقال سنحاريب له قد أتاني خبر ربكم ونصره إياكم ورحمته التي يرحمكم بها قبل أن أخرج من بلادي فلم أطع مرشدا ولم يلقني في الشقوة إلا قلة عقلي ، ولو سمعت أو عقلت ما غزوتكم فقال صديقة الحمد لله رب العالمين (٧) الذي كفاناكم بما شاء وإن ربنا لم يبقك ومن معك لكرامتك على ربك ، ولكنه إنما أبقاك ومن معك لتزدادوا شقوة في الدنيا وعذابا في الآخرة ولتخبروا من وراءكم بما رأيتم من فعل ربنا بكم فتنذروا من بعدكم ولو لا ذلك لقتلكم ، ولدمك ولدم من معك أهون على الله من دم قراد ، لو قتلت ثم إن ملك بني إسرائيل أمر أمير حرسه فقذف في رقابهم الجوامع فطافت بهم سبعين يوما حول بيت المقدس وإيليا وكان يرزقهم كل يوم خبزتين من شعير لكل رجل منهم ، فقال سنحاريب لملك بني إسرائيل : القتل خير مما تفعل بنا فأمر بهم الملك إلى السجن والقتل فأوحى الله إلى شعياء عليه‌السلام أن قل لملك بني إسرائيل

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «قمر».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «تؤتي».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) في المخطوط «العزة».

١١٤

يرسل سنحاريب ومن معه لينذروا من وراءهم وليكرمهم وليحملهم حتى يبلغوا بلادهم ، فبلغ شعياء الملك ذلك ففعل الملك صديقة ما أمر به ، فخرج سنحاريب ومن معه حتى قدموا بابل فلما قدموا جمع الناس فأخبرهم كيف فعل الله بجنوده ، فقال له كهانه وسحرته : يا ملك بابل قد كنا نقص عليك خبر ربهم وخبر نبيهم ووحي الله إلى نبيهم فلم تطعنا [ولم تسمع قولنا](١) وهي أمة لا يستطيعها أحد مع ربهم وكان أمر سنحاريب تخويفا لهم ثم كفاهم الله تذكرة وعبرة ، ثم لبث سنحاريب بعد ذلك سبع سنين ثم مات واستخلف بختنصر ابن ابنه على ما كان عليه جده يعمل عمله ، فلبث سبع عشرة سنة ثم قبض الله ملك بني إسرائيل صديقة ، فمرج أمر بني إسرائيل وتنافسوا الملك حتى قتل بعضهم بعضا ونبيهم شعياء معهم ولا يقبلون منه [أمرا ونهيا](٢) ، فلما فعلوا ذلك قال الله لشعياء قم في قومك حتى أوحي على لسانك ، فلما قام النبي شعياء أنطق الله على لسانه بالوحي ، فقال : يا سماء استمعي ويا أرض انصتي فإن الله يريد أن يقص شأن بني إسرائيل الذين ربّاهم بنعمته واصطفاهم لنفسه وخصهم بكرامته وفضلهم على عباده ، وهم كالغنم الضائعة التي لا راعي لها فآوى شاردتها وجمع ضالتها وجبر كسرها ، وداوى مريضها وأسمن مهزولها وحفظ سمينها ، فلما فعل ذلك بطرت فتناطحت كباشها فقتل بعضها بعضا حتى لم يبق منها عظم صحيح يجبر إليه آخر كسير ، فويل لهذه الأمة الخاطئة الذين (٣) لا يدرون أين (٤) جاءهم الحين أن البعير مما يذكر وطنه فينتابه وأن الحمار لما يذكر الأريّ الذي شبع عليه فيراجعه وأن الثور مما يذكر المرج الذي سمن فيه فينتابه وأن هؤلاء القوم لا يذكرون من حيث جاءهم الخير وهم أولو الألباب والعقول ، ليسوا ببقر ولا حمير وأني ضارب لهم مثلا فليسمعوه وقل لهم كيف ترون في أرض كانت خواء (٥) زمانا [خربة](٦) أمواتا لا عمران فيها ، وكان لها ربّ حكيم قوي فأقبل عليها بالعمارة وكره أن تخرب أرضه وهو قوي ، أو أن يقال ضيع وهو حكيم فأحاط عليها جدارا وشيّد فيها قصورا وأنبط نهرا وصنف (٧) فيها غراسا من الزيتون والرمان والنخيل والأعناب وألوان الثمار كلها وولي ذلك واستحفظه قيما ذا رأي وهمة حفيظا قويا أمينا ، فلما اطلعت جاء طلعها خروبا قالوا بئست الأرض هذه فنرى أن يهدم جدرانها وقصرها (٨) ويدفن نهرها ويقبض قيمها ويحرق غراسها حتى تصير كما كانت أول مرة خرابا مواتا لا عمران فيها ، قال الله قل لهم فإن الجدار ديني وإن القصر شريعتي وإن النهر كتابي وإن القيم نبيي وإن الغراس هم وإن الخروب الذي اطلع الغراس أعمالهم الخبيثة ، وإني قد قضيت عليهم قضاءهم على أنفسهم وأنه مثل ضربته لهم يتقربون إلي بذبح البقر والغنم وليس ينالني اللحم ولا آكله ويدعون أن يتقربوا إليّ بالتقوى والكف عن ذبح الأنفس التي حرمتها فأيديهم مخضوبة منها وثيابهم مزملة بدمائها ويشيدون لي البيوت مساجد ويطهرون أجوافها وينجسون قلوبهم وأجسادهم ويدنسونها ويزوقون إلى المساجد ، ويزينونها ويخربون عقولهم وأخلاقهم ويفسدونها فأي حجة لي إلى تشييد البيوت ولست أسكنها؟ وأي حاجة لي إلى تزويق المساجد ولست أدخلها إنما أمرت برفعها لأذكر وأسبح فيها ، يقولون : صمنا فلم يرفع صيامنا وصلينا فلم يرفع تنور صلاتنا وتصدقنا فلم ترك صدقاتنا ، ودعونا بمثل حنين الحمام وبكينا

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «التي».

(٤) في المطبوع «أني» والمثبت عن الطبري ٢٢٠٥٩.

(٥) في المطبوع «خرابا».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) عند الطبري «صف».

(٨) وقع في العبارة اضطراب ففي المخطوط «تهدم جدارها وقصورها» وفي المطبوع «يهدم جدرها وقصرها» والمثبت عن الطبري ٢٢٠٥٩.

١١٥

بمثل عواء الذئاب في كل ذنب لا يستجاب لنا ، قال الله فاسألهم ما الذي يمنعني أن أستجيب لهم ألست أسمع السامعين وأبصر الناظرين وأقرب المجيبين وأرحم الراحمين؟ فكيف أرفع صيامهم وهم يلبسونه بقوله الزور ويتقوون عليه بطعمة الحرام؟ أم كيف أنور صلاتهم وقلوبهم صاغية إلى من يحاربني ويحادني وينتهك محارمي؟ أم كيف تزكى عندي صدقاتهم [وهم](١) يتصدقون بأموال غيرهم إنما آجر عليها أهلها المغصوبين؟ أم كيف أستجيب دعاءهم وإنما هو قولهم (٢) بألسنتهم ، والفعل من ذلك بعيد إنما أستجيب للداعي اللين وإنما أسمع قول المستضعف (٣) المسكين ، وإن من علامة رضاي رضا المساكين ، يقولون لما سمعوا كلامي وبلغتهم رسالتي أنها أقاويل منقولة وأحاديث متوارثة وتأليف مما يؤلف السحرة والكهنة ، وزعموا أنهم لو شاءوا أن يأتوا بحديث مثله فعلوا ولو شاءوا أن يطلعوا على علم الغيب مما يوحي إليهم الشياطين اطلعوا وأني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض قضاء أثبته وختمته على نفسي وجعلت دونه أجلا مؤجلا لا بدّ أنه واقع ، فإن صدقوا فيما ينتحلون من علم الغيب فليخبروك متى أنفذه أو في أي زمان يكون وإن كانوا يقدرون على أن يأتوا بما يشاءون ، فليأتوا بمثل هذه القدرة التي بها أمضيت فإني مظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وإن كانوا يقدرون على أن يؤلفوا ما يشاءون فليؤلفوا مثل الحكمة التي بها أدبر أمر ذلك القضاء إن كانوا صادقين ، وإني قد قضيت يوم خلقت السموات والأرض أن أجعل النبوة في الأجراء ، وأن أجعل الملك في الرعاء ، والعزّ في الأذلاء ، والقوة في الضعفاء ، والغنى في الفقراء ، والعلم في الجهالة ، والحكمة في الأميين فسلهم متى هذا ومن القائم بهذا ، ومن أعوان هذا الأمر وأنصاره إن كانوا يعلمون ، وإني باعث لذلك نبيا أميا أمينا ليس أعمى من عميان ولا ضالا من ضالين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا متزين بالفحش ولا قوال للخنا أسدّده بكل جميل وأهب له كل خلق كريم ، أجعل السكينة لباسه والبرّ شعاره ، والتقوى ضميره والحكمة معقوله ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه والعدل سيرته ، والحق شريعته والهدى إمامه والإسلام ملته (٤) وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة وأعلّم به بعد الجهالة وأرفع به بعد الخمالة ، وأشهر به بعد النكرة وأكثر به بعد القلة وأغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة وأؤلف به بين قلوب مختلفة ، وأهواء مشتتة وأمم متفرقة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر توحيدا لي وإيمانا [لي](٥) وإخلاصا لي يصلون [لي](٦) قياما وقعودا وركعا وسجودا ، ويقاتلون في سبيلي صفوفا وزحوفا ، ويخرجون من ديارهم وأموالهم ابتغاء رضواني ألهمهم التكبير والتوحيد والتسبيح والتحميد والتهليل والمدحة والتمجيد [لي](٧) في مسيرهم ومجالسهم ومضاجعهم ومتقلبهم (٨) ومثواهم ، يكبرون ويهللون ويقدسون على رءوس الأشراف ويطهرون لي الوجوه والأطراف ويعقدون الثياب على الأنصاف ،

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «قول».

(٣) في المطبوع «المستعفف» والمثبت عن المخطوط والطبري.

(٤) زيد في المطبوع «والحمد دينه».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) زيادة عن المخطوط.

(٨) تصحف في المطبوع «ومعاقبهم».

١١٦

قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم رهبان بالليل ليوث بالنهار ، وذلك فضلي أوتيه من أشاء وأنا ذو الفضل العظيم ، فلما فرغ شعياء من مقالته عدوا عليه ليقتلوه فهرب منهم ، فلقيته شجرة فانفلقت له فدخل فيها فأدركه الشيطان فأخذ بهدبة من ثوبه فأراهم إيّاها فوضعوا المنشار في وسطها فنشروها حتى قطعوها وقطعوه في وسطها ، واستحلف الله على بني إسرائيل بعد ذلك رجلا منهم يقال له ناشية بن أموص ، وبعث لهم أرمياء بن حلقيا نبيا وكان من سبط هارون بن عمران.

وذكر ابن إسحاق أنه الخضر واسمه أرمياء سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فقام عنها وهي تهتز خضراء ، فبعث الله أرمياء إلى ذلك الملك يسدده (١) ويرشده ثم عظمت الأحداث في بني إسرائيل وركبوا المعاصي واستحلوا المحارم ، فأوحى الله إلى أرمياء أن ائت قومك من بني إسرائيل فاقصص عليهم ما آمرك به وذكرهم نعمتي وعرفهم بأحداثهم ، فقال أرمياء : يا رب إني ضعيف إن لم تقوني عاجز إن لم تبلغني ، مخذول إن لم تنصرني ، قال الله تعالى : أو لم تعلم أن الأمور كلها تصدر عن مشيئتي ، وأن القلوب والألسنة بيدي أقلبها كيف شئت ، إني معك ولن يصل إليك شيء معي ، فقام أرمياء فيهم ولم يدر ما يقول فألهمه الله عزوجل في الوقت خطبة بليغة بين لهم فيها ثواب الطاعة وعقاب المعصية ، وقال في آخرها [أقول](٢) عن الله تعالى : وإني حلفت بعزتي لأقيضنّ لهم فتنة يتحير فيها الحليم ولأسلّطن عليهم جبارا قاسيا ألبسه الهيبة ، وأنزع من صدره الرحمة يتبعه عدد مثل سواد الليل المظلم ، ثم أوحى الله إلى أرمياء : إني مهلك بني إسرائيل بيافث ، ويافث من أهل بابل على ما ذكرنا في سورة البقرة ، فسلط الله عليهم بختنصر فخرج في ستمائة ألف راية ، ودخل بيت المقدس بجنوده ووطئ الشام ، وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم وخرب بيت المقدس وأمر جنوده أن يملأ كل رجل منهم ترسه ترابا ثم يقذفوه في بيت المقدس ، ففعلوا ذلك حتى ملئوه ، ثم أمرهم أن يجمعوا من في بلدان بيت المقدس كلهم ، فاجتمع عنده كل صغير وكبير من بني إسرائيل فاختار منهم سبعين ألف صبي فلما خرجت غنائم جنده ، وأراد أن يقسمها فيهم قالت له الملوك الذين كانوا معه : أيها الملك لك غنائمنا كلها واقسم بيننا هؤلاء الصبيان الذين اخترتهم من بني إسرائيل ، فقسمهم بين الملوك الذي كانوا معه فأصاب كل رجل منهم أربعة غلمان ، وفرّق من بقي من بني إسرائيل ثلاث فرق ، فثلثا أقر بالشام ، وثلثا سبي وثلثا قتل وذهب بناشئة بيت المقدس وبالصبيان السبعين الألف حتى أقدمهم بابل فكانت هذه الواقعة الأولى التي أنزل الله ببني إسرائيل بظلمهم ، فذلك قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) [الإسراء : ٥] يعني : بختنصر وأصحابه ، ثم إن بختنصر أقام في سلطانه ما شاء الله ثم رأى رؤيا أعجبته [وكان](٣) إذا رأى شيئا أصابه فأنساه الله الذي رأى فدعا دانيال وحنانيا وعزازيا وميشائيل ، وكانوا من ذراري الأنبياء وسألهم عنه فجاءوه فقالوا : أخبرنا بها نخبرك بتأويلها ، قال : ما أذكرها ولئن لم تخبروني بها وبتأويلها لأنزعنّ [رءوسكم عن](٤) أكتافكم فخرجوا من عنده فدعوا الله وتضرعوا إليه فأعلمهم الله بالذي رأى وسألهم عنه فجاءوه وقالوا : رأيت تمثالا قدماه وساقاه من فخار وركبتاه وفخذاه من نحاس ، وبطنه من فضة وصدره من ذهب ورأسه وعنقه من حديد ، قال : صدقتم ، قالوا : فبينما أنت تنظر إليه وقد أعجبك (٥) أرسل الله تعالى

__________________

(١) في المطبوع «ليسدده».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع و ـ ط «إذ» وما بين الحاصرتين زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «أعجبتك».

١١٧

صخرة من السماء فدقته فهي التي أنستكها ، قال : صدقتم ، قال : فما تأويلها؟ قالوا : تأويلها أنك رأيت (١) ملك الملوك ، فبعضهم كان ألين ملكا وبعضهم كان أحسن ملكا وبعضهم كان أشبه ملكا ، الفخّار أضعفه ، ثم فوقه النحاس أشد منه ، ثم فوق النحاس الفضة أحسن من ذلك وأفضل ، والذهب أحسن من الفضة وأفضل ، ثم الحديد ملكك فهو أشد وأعز مما كان قبله ، والصخرة التي رأيت أرسل الله من السماء فدقته [هو](٢) نبي يبعثه الله من السماء فيدق الملوك (٣) أجمع ويصير الأمر إليه ، ثم إن أهل بابل قالوا لبختنصر : أرأيت هؤلاء الغلمان من بني إسرائيل الذين كنا سألناك أن تعطيناهم ففعلت ، فإنا قد أنكرنا نساءنا منذ كانوا معنا ، لقد رأينا نساءنا انصرفت عنا وجوههن إليهم فأخرجهم من بين أظهرنا أو اقتلهم ، قال : شأنكم بهم ، فمن أحب منكم أن يقتل من كان في يده فليفعل ذلك ، فلما قرّبوهم للقتل بكوا إلى الله تعالى وقالوا : يا رب أصابنا البلاء بذنوب غيرنا فوعد الله أن يجيبهم ، فقتلوا إلا من استبقى بختنصر منهم دانيال وحنانيا وعزازيا وميشائيل ، ثم لما أراد الله هلاك بختنصر انبعث وتيقظ فقال لمن في يده من بني إسرائيل أرأيتم هذا البيت الذي خربته والناس الذين [قتلت من هم](٤)؟ وما هذا البيت؟ قالوا : هذا بيت الله وهؤلاء أهله كانوا من ذراري الأنبياء فظلموا وتعدوا فسلطت عليهم بذنوبهم ، وكان ربهم رب السموات والأرض ورب الخلق كلهم يكرمهم ويعزهم ، فلما فعلوا ما فعلوا أهلكهم الله وسلط عليهم غيرهم ، فاستكبر وظن أنه بجبروته فعل ذلك ببني إسرائيل ، قال : فأخبروني كيف لي أن أطلع إلى السماء العليا فاقتل من فيها وأتخذها ملكا لي فإني قد فرغت من [ملوك](٥) الأرض ، قالوا : ما يقدر عليها أحد من الخلائق ، قال : لتفعلنّ أو لأقتلنّكم عن آخركم ، فبكوا وتضرعوا إلى الله تعالى فبعث الله عليه بقدرته بعوضة فدخلت منخره حتى عضت بأم دماغه ، فما كان يقر ولا يسكن حتى يوجأ له رأسه على أم دماغه ، فلما مات شقوا رأسه فوجدوا البعوضة عاضة على أم دماغه ليري الله العباد قدرته وينجي الله من بقي من بني إسرائيل في يديه ، فردوهم إلى الشام فبنوا فيه وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه. ويزعمون أن الله تعالى أحيا أولئك الذين قتلوا فلحقوا بهم ، ثم إنهم لما دخلوا الشام دخلوها وليس معهم عهد من الله تعالى وكانت التوراة قد أحرقت ، وكان عزيز من السبايا الذين كانوا ببابل فرجع إلى الشام يبكي عليها ليلا ونهارا وقد خرج من الناس [واعتزلهم فبينما](٦) هو كذلك إذ أقبل إليه رجل فقال : يا عزيز ما يبكيك؟ قال : أبكي على كتاب الله وعهده الذي كان بين أظهرنا الذي لا يصلح أمر دنيانا وآخرتنا غيره ، قال : أفتحب أن يرده إليك؟ قال : ارجع فصم وتطهر وطهر ثيابك ثم موعدك هذا المكان غدا ، فرجع عزير فصام وتطهر وطهر ثيابه ثم عمد إلى المكان الذي وعده فجلس فيه فأتاه ذلك الرجل بإناء فيه ماء ، وكان ملكا بعثه الله إليه فسقاه من ذلك الإناء ، فمثلت التوراة في صدره فرجع إلى بني إسرائيل فوضع لهم التوراة فأحبوه حتى لم يحبوا حبه شيئا قط ، ثم قبضه الله وجعلت بنو إسرائيل بعد ذلك يحدثون الأحداث ويعود الله عليهم ويبعث فيهم الرسل ، ففريقا يكذبون وفريقا يقتلون حتى كان آخر

__________________

(١) في المخطوط «أورثت».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط و ـ ط «ذلك».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

١١٨

من بعث الله فيهم من أنبيائهم زكريا ويحيى وعيسى [عليهم‌السلام](١) ، وكانوا من بيت آل داود ، فمات زكريا وقيل (٢) قتل زكريا (٣) فلما رفع الله عيسى من بين أظهرهم وقتلوا يحيى بعث الله عليهم ملكا من ملوك بابل يقال له خردوش ، فسار إليهم بأهل بابل حتى دخل عليهم الشام فلما ظهر عليهم أمر رأسا من رءوس جنوده يدعى بيورزاذان صاحب الفيل ، فقال : إني كنت حلفت بإلهي لئن أنا ظفرت على أهل بيت المقدس لأقتلنّهم حتى تسيل دماؤهم في وسط عسكري ، إلا أني لا أجد أحدا أقتله ، فأمره أن يقتلهم حتى بلغ ذلك منهم ببيورزاذان ، ودخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقرّبون فيها قربانهم فوجد فيها دما يغلي فسألهم عنه ، فقال : يا بني إسرائيل ما شأن هذا الدم يغلي؟ أخبروني خبره ، قالوا : هذا دم قربان لنا قربناه فلم يقبل منا فلذلك يغلي ، ولقد قربناه منذ ثمانمائة سنة والقربان يتقبل منا إلا هذا ، فقال : ما صدقتموني ، فقالوا : لو كان كأول زماننا لتقبل منا ولكن قد انقطع منا الملك والنبوة والوحي فلذلك لم يقبل منا ، فذبح منهم بيورزاذان على ذلك الدم سبعمائة وسبعين رجلا من رءوسهم ، فلم يهدأ [غليانه](٤) فأمر [فأتي](٥) بسبعمائة غلام من غلمانهم فذبحهم على الدم فلم يهدأ فأمر بسبعة آلاف من شيبهم وأزواجهم فذبحهم على الدم ، فلم يهدأ فلما رأى بيورزاذان الدم لا يهدأ قال لهم : يا بني إسرائيل ويلكم اصدقوني واصبروا على أمر ربكم فقد طال ما ملكتم في الأرض تفعلون فيها ما شئتم قبل أن لا أترك منكم نافخ نار أنثى ولا ذكر إلا قتلته ، فلما رأوا الجهد منه وشدة القتل صدقوا الخبر ، فقالوا : إن هذا الدم دم نبي كان ينهانا عن أمور كثيرة من سخط الله فلو أنا أطعناه فيها لكان أرشد لنا وكان يخبرنا بأمركم فلم نصدقه ، فقتلناه فهذا دمه ، فقال لهم بيورزاذان : ما كان اسمه؟ قالوا : يحيى بن زكريا ، قال الآن صدقتموني ، بمثل هذا انتقم ربّكم منكم ، فلما رأى بيورزاذان أنهم صدقوه خرّ ساجدا وقال لمن حوله : أغلقوا أبواب المدينة وأخرجوا من كان هاهنا من جيش خردوش ، وخلا في بني إسرائيل [ثم] قال : يا يحيى بن زكريا قد علم ربّي وربّك ما قد أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ بإذن ربك قبل أن لا أبقي من قومك أحدا فهدا الدم بإذن الله ، ورفع بيورزاذان عنهم القتل وقال : آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأيقنت أنه لا رب غيره ، وقال لبني إسرائيل : إنّ خردوش أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ، وإني لست أستطيع أن أعصيه ، فقالوا له افعل ما أمرت به فأمرهم فحفروا خندقا وأمر بأموالهم من الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم فذبحها حتى سال الدم في العسكر وأمر بالقتلى الذين قتلوا قبل ذلك فطرحوا على ما قتل من مواشيهم فلم يظن خردوش إلا أن ما في الخندق [جميعه](٦) من بني إسرائيل ، فلما بلغ الدم عسكره أرسل إلى بيورزاذان أن ارفع عنهم القتل ، ثم انصرف إلى بابل ، وقد أفنى بني إسرائيل أو كاد أن يفنيهم ، وهي الواقعة الأخيرة التي أنزل الله ببني إسرائيل ، وذلك قوله : (لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) ، فكانت الواقعة الأولى بختنصر وجنوده ، والأخرى خردوش وجنوده ، وكانت أعظم الوقعتين فلم يقم لهم بعد ذلك راية وانتقل الملك بالشام ونواحيها إلى الروم اليونانية

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «وقد».

(٣) في المخطوط «يحيى».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

١١٩

إلا أن بقايا بني إسرائيل كثروا ، وكانت لهم الرئاسة ببيت المقدس ونواحيها على غير وجه الملك ، وكانوا في نعمة إلى أن بدلوا وأحدثوا الأحداث فسلط الله عليهم طيطوس بن سبيانوس (١) الرومي ، فأخرب بلادهم وطردهم عنها ونزع الله عنهم الملك والرئاسة وضربت عليهم الذلة فلا يبقى أحد منهم إلا وعليه الصغار والجزية ، وبقي بيت المقدس خرابا إلى أيام (٢) عمر بن الخطاب فعمّره المسلمون بأمره. وقال قتادة : بعث الله عليهم جالوت في الأولى فسبى وقتل وخرّب (ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ) [الإسراء : ٦] يعني في زمان داود ، فإذا جاء وعد الآخرة بعث الله عليهم بختنصر فسبى وخرّب ، ثم قال : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) [الإسراء : ٨] فعاد الله عليهم بالرحمة ثم عاد القوم بشرّ ما بحضرتهم ، فبعث الله عليهم ما شاء من نقمته وعقوبته ، ثم بعث الله عليهم العرب كما قال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [الأعراف : ١٦٧] ، فهم في العذاب إلى يوم القيامة ، وذكر السدي بإسناده أن رجلا من بني إسرائيل رأى في النوم أن خراب بيت المقدس على يدي غلام يتيم ابن أرملة من أهل بابل ، يدعى بختنصر وكانوا يصدقون فتصدق رؤياهم ، فأقبل ليسأل عنه حتى نزل على أمه وهو يحتطب فجاء وعلى رأسه حزمة حطب فألقاها ثم قعد فكلمه ثم أعطاه ثلاثة دراهم ، فقال : اشتر بهذا طعاما وشرابا ، فاشترى بدرهم لحما وبدرهم خبزا وبدرهم خمرا ، فأكلوا وشربوا وفعل في اليوم الثاني كذلك وفي اليوم الثالث كذلك ، ثم قال : إني أحب أن تكتب لي أمانا إن أنت ملكت يوما في الدهر [وصرت من ملوك الأرض](٣) ، فقال [له] أتسخر مني؟ فقال : إني لا أسخر منك ولكن ما عليك أن تتخذ بها عندي يدا ، فكتب له أمانا وقال : أرأيت إن جئت والناس حولك قد حالوا بيني وبينك ، قال : ترفع صحيفتك على قصبة فأعرفك ، فكتب له وأعطاه ، ثم إن ملك بني إسرائيل كان يكرم يحيى بن زكريا ويدني مجلسه وأنه هوي بنت (٤) امرأته. وقال ابن عباس : ابنة أخته (٥) ، فسأل يحيى بن زكريا عن تزويجها فنهاه عن نكاحها فبلغ ذلك أمها فحقدت (٦) على يحيى بن زكريا وعمدت حين جلس الملك على شرابه فألبستها ثيابا رقاقا حمرا وطيبتها وألبستها الحلّي وأرسلتها إلى الملك وأمرتها أن تسقيه الخمر ، فإن أرادها عن نفسها أبت عليه حتى يعطيها ما سألته ، فإذا أعطاها سألت رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في طست ففعلت ذلك ، فلما أرادها قالت : لا أفعل حتى تعطيني ما أسألك ، قال : فما تسأليني؟ قالت : رأس يحيى بن زكريا أن يؤتى به في هذا الطست ، فقال : ويحك سليني [شيئا](٧) غير هذا ، فقالت : ما أريد إلا هذا فلما أبت عليه [هاجت شهوته وهو في خمرته](٨) فبعث فأتي برأسه حتى وضع بين يديه والرأس يتكلم ، يقول : ويل لك لا تحل لك ويكرر ذلك ، فلما أصبح إذا دمه يغلي فأمر بتراب فألقي عليه فرقى الدم يعني صعد الدم يغلي ، ويلقي عليه [من] التراب حتى بلغ سور المدينة وهو في ذلك يغلي فبعث صخابين ملك بابل جيشا إليهم وأمر عليهم بختنصر ، فسار بختنصر وأصحابه حتى بلغوا ذلك المكان فلما سمعوا به تحصنوا منه في مدائنهم ، فلما اشتد عليهم المقام أراد الرجوع فخرجت إليه عجوز من عجائز بني إسرائيل ، فقالت : تريد أن ترجع قبل فتح المدينة؟ قال : نعم ، قد طال مقامي وجاع أصحابي ، قالت : أرأيت إن فتحت لك المدينة تعطيني ما أسألك فتقتل من أمرتك بقتله وتكف إذ أمرتك أن تكف؟ قال : نعم ، قالت : إذا أصبحت

__________________

(١) في المطبوع «السطيانوس».

(٢) في المطبوع و ـ ط «خلافة».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «هو ابنة».

(٥) في المطبوع «أخيه».

(٦) في المطبوع «فحدقت».

(٧) زيادة عن المخطوط.

(٨) زيادة عن المخطوط.

١٢٠