تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

[١٦٦٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أصبغ أخبرني عبد الله بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن الهيثم بن أبي سنان أخبره أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يقول : «إن أخا لكم لا يقول الرفث» يعني بذلك عبد الله بن رواحة ، قال :

وفينا رسول الله يتلوا كتابه

إذا انشق معروف من الفجر ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

قوله عزوجل : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) قال ابن عباس خوفا من النار وطمعا في الجنة ، (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) ، قيل أراد به الصدقة المفروضة. وقيل : [هو عام](٢) في الواجب والتطوع.

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢))

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ) ، قرأ حمزة ويعقوب «أخفي لهم» ساكنة الياء أي أنا أخفي لهم ، ومن حجته قراءة ابن مسعود «نخفي» بالنون ، وقرأ الآخرون بفتحها ، (مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) ، مما تقرّ به أعينهم ، (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

[١٦٦٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا

__________________

[١٦٦٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ أصبغ هو ابن الفرج الأموي ، يونس هو ابن يزيد الأيلي.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦١٥١ عن أصبغ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ١١٥٥ من طريق الليث عن يونس به.

[١٦٦٧] ـ إسناده على شرط البخاري ، فقد تفرد عن إسحاق بن نصر ، وهو صدوق ، فالإسناد حسن ، لكن توبع ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ إسحاق هو ابن إبراهيم بن نصر ، أبو أسامة هو حمّاد بن أسامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٦٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح السنة» ٤٢٦٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٨٠ عن إسحاق بن نصر به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٨٢٤ ح ٤ وابن ماجه ٤٣٢٨ وأحمد ٢ / ٤٦٦ و ٤٩٥ وابن أبي شيبة ١٣ / ١٠٩ من طرق عن الأعمش به. ـ

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٦٠١

محمد بن إسماعيل أنا إسحاق بن نصر أنا أبو أسامة عن الأعمش أنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما اطلعتم عليه» ، ثم قرأ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٧).

قال ابن عباس : هذا مما لا تفسير له. وعن بعضهم قال : أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.

قوله عزوجل : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١٨) ، نزلت في علي بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه ، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء ، فقال الوليد بن عقبة لعلي اسكت فإنك صبي وأنا والله أبسط (١) منك لسانا وأحدّ منك سنانا وأشجع منك جنانا وأملأ منك حشوا في الكتيبة ، فقال له علي : اسكت فإنك فاسق (٢) ، فأنزل الله تعالى : (أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) (١٨) ، ولم يقل [لا](٣) يستويان لأنه لم يرد مؤمنا واحدا وفاسقا واحدا بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين.

(أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى) ، التي يأوي إليها المؤمنون ، (نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ).

(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (٢٠).

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) ، [أي سوى العذاب الأكبر](٤) ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

قال أبي بن كعب والضحاك والحسن وإبراهيم : العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها ، وهو رواية الوالبي عن ابن عباس. وقال عكرمة عنه : الحدود. وقال مقاتل : الجوع سبع سنين بمكة حتى أكلوا الجيف والعظام والكلاب. وقال ابن مسعود : هو القتل بالسيف يوم بدر ، وهو قول قتادة والسدي ، (دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) يعني عذاب الآخرة ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، إلى الإيمان ، يعني من بقي منهم بعد بدر وبعد القحط. قوله عزوجل :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) ، يعني المشركين ، (مُنْتَقِمُونَ).

__________________

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٤٤ و ٤٧٧٩ ومسلم ٢٨٢٤ والترمذي ٣١٩٧ والحميدي ١١٣٣ وابن حبان ٣٦٩ من طرق عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به.

ـ وأخرجه البخاري ٧٤٩٨ وعبد الرزاق ٢٠٨٧٤ وأحمد ٢ / ٣١٣ وفي «شرح السنة» ٤٢٦٦ من طريق معمر عن همّام بن منبه عن أبي هريرة به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٣١٣ والدارمي ٢ / ٣٣٥ وفي «شرح السنة» ٤٢٦٨ من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.

ـ وله شاهد من حديث سهل بن سعد أخرجه مسلم ٢٧٢٥ ومن حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٢ / ٢٦٢.

(١) في المطبوع «أنشط».

(٢) هذا خبر منكر ليس بشيء ، والصواب أن الآية عامة.

(٣) زيد في المطبوع.

(٤) زيد في المطبوع.

٦٠٢

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣) وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٢٥) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦))

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) ، يعني فلا تكن في شكّ من لقاء موسى ليلة المعراج ، قاله ابن عباس وغيره.

[١٦٦٨] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي حدثنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا غندر عن شعبة عن قتادة. قال : وقال لي خليفة أنا يزيد بن زريع أنا سعيد عن قتادة عن أبي العالية قال : حدثنا ابن عم نبيكم يعني ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوءة ، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن النار ، والدجال في آيات أراهن الله إيّاه فلا تكن في مرية من لقائه».

[١٦٦٩] أخبرنا أبو صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن أنا عبد الله المحاملي أنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم البزار أنا محمد بن يونس أنا عمر بن حبيب القاضي أنا سليمان التيمي عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لما سري (١) بي إلى السماء رأيت موسى يصلي في قبره».

وروينا في المعراج أنه رآه في السماء السادسة ومراجعته في أمر الصلاة ، وقال السدي : «فلا تكن

__________________

[١٦٦٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ غندر هو محمد بن جعفر ، شعبة بن الحجاج ، قتادة بن دعامة ، أبو العالية ، رفيع بن مهران.

ـ خليفة بن خياط ، سعيد بن أبي عروبة.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٢٣٩ عن محمد بن بشار.

وعن خليفة بهذا الإسناد.

ـ وكرره ٣٣٩٦ عن محمد بن بشار بالإسناد الأول.

[١٦٦٩] ـ أصل الحديث صحيح. إسناده ضعيف جدا ، محمد بن يونس هو الكديمي ، متروك الحديث ، وشيخه عمر بن حبيب ضعيف ، لكن أصل المتن محفوظ.

ـ سليمان هو ابن طرخان.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٥٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٧٥ والنسائي ٣ / ٢١٦ وأحمد ٣ / ١٢٠ وابن حبان ٤٩ من طرق عن سليمان التيمي عن أنس مرفوعا «مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر ، وهو قائم يصلّي في قبره».

ـ وأخرجه مسلم ٢٣٧٥ ح ١٦٤ وأحمد ٣ / ١٤٨ و ١٢٤ والنسائي ٣ / ٢١٥ وابن أبي شيبة ١٤ / ٣٠٧ و ٣٠٨ من طرق عن حمّاد بن سلمة عن ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٥٠ من طريق ثابت عن أنس به.

ـ الخلاصة : الحديث صحيح ، لكن الصواب في المتن ما ذكرته ، لأن سياق المصنف يوهم أنه رآه في السماء يصلّي ، والصواب أنه في قبره ، والله أعلم.

(١) في المخطوط «سري».

٦٠٣

في مرية من لقائه» أي من تلقي موسى كتاب الله بالرضا والقبول ، (وَجَعَلْناهُ) ، يعني الكتاب وهو التوراة ، وقال قتادة : موسى ، (هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَجَعَلْنا مِنْهُمْ) ، يعني من بني إسرائيل ، (أَئِمَّةً) ، قادة في الخير يقتدي بهم ، يعني الأنبياء الذين كانوا فيهم. وقال قتادة : أتباع الأنبياء ، (يَهْدُونَ) ، يدعون ، (بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) ، قرأ حمزة والكسائي بكسر اللام وتخفيف الميم أي لصبرهم ، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم ، أي حين صبروا على دينهم وعلى البلاء من عدوهم بمصر ، (وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ).

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ) ، يقضي ، (بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

(أَوَلَمْ يَهْدِ) ، لم يتبين ، (لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ) ، آيات الله وعظاته فيتعظون بها.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧) وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠))

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) ، أي اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها ، قال ابن عباس : هي أرض باليمن. وقال مجاهد : هي أرض بأبين (١) ، (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ) ، من العشب والتبن ، (وَأَنْفُسُهُمْ) ، من الحبوب والأقوات ، (أَفَلا يُبْصِرُونَ).

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢٨) ، قيل : أراد بيوم الفتح يوم القيامة الذي فيه الحكم بين العباد.

قال : قتادة قال أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للكفار : إن لنا يوما نتنعم فيه ونستريح ويحكم بيننا وبينكم ، فقالوا استهزاء متى هذا الفتح؟ أي القضاء والحكم.

وقال الكلبي : يعني فتح مكة. وقال السدي : يوم بدر لأن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانوا يقولون لهم : إن الله ناصرنا ومظهرنا عليكم ، فيقولون متى هذا الفتح.

(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ) ، يوم القيامة ، (لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ) ، ومن حمل الفتح على فتح مكة والقتل يوم بدر قال معناه لا ينفع الذين كفروا إيمانهم إذا جاءهم العذاب وقتلوا ، (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ، لا يمهلون ليتوبوا ويعتذروا.

(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ، قال ابن عباس : نسختها آية السيف ، (وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) ، قيل : انتظر وعدي لك بالنصر إنهم منتظرون بك حوادث الزمان. وقيل : انتظر عذابنا فيهم فإنهم منتظرون ذلك.

[١٦٧٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا

__________________

[١٦٧٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو نعيم هو الفضل بن دكين ، سفيان هو ابن سعيد الثوري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٦٠٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٨٩١ عن أبي نعيم بهذا الإسناد. ـ

(١) في المطبوع «أبين» وهي من أرض اليمن.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٦٠٤

محمد بن إسماعيل أنا أبو نعيم أنا سفيان عن سعد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة أنه قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة (الم (١) تَنْزِيلُ) [السجدة : ١ ـ ٢] ، و (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ) [الإنسان : ١].

[١٦٧١] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا أبو نعيم أنا سفيان عن ليث عن أبي الزبير عن جابر قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا ينام حتى يقرأ (الم (١) تَنْزِيلُ) [السجدة : ١ ـ ٢] و (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١].

تفسير سورة الأحزاب

مدنية [وهي ثلاث وسبعون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤))

__________________

ـ وأخرجه البخاري ١٠٦٨ ومسلم ٨٨٠ من طريقين عن سفيان به.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه مسلم ٨٧٩ وأبو داود ١٠٧٤ و ١٠٧٥ والترمذي ٥٢٠ والنسائي ٣ / ١١١ وابن ماجه ٨٢١ وابن خزيمة ٥٣٣ وابن حبان ١٨٢١ والبيهقي ٢ / ٢٠١.

[١٦٧١] ـ إسناده ضعيف ، وله علتان : الأولى ضعف ليث بن أبي سليم ، والثانية : عنعنة أبي الزبير ، وهو مدلس.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٠٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٨٩٢ و ٣٤٠٤ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٧١٢ وأحمد ٣ / ٣٤٠ وابن السني ٦٧٥ وفي «شرح السنة» ١٢٠١ من طرق عن الليث به.

ـ وتوبع ليث عند النسائي ٧١١ تابعه مغيرة بن مسلم ، وهو صدوق ، فانحصرت العلة في أبي الزبير ، وهو لم يسمعه من جابر.

ـ فقد أخرجه النسائي ٧١٤ والترمذي بإثر حديث ٣٤٠٤ وأبو عبيد في «فضائل القرآن» ٣ / ٤٠ / ١٣٦ والحاكم ٢ / ٤١٢ وابن عساكر ٦ / ٥٤ / ٢ من طرق عن زهير بن معاوية قال : قلت لأبي الزبير : أسمعت جابرا يذكر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... الحديث؟ قال : لم أسمعه من جابر ، إنما سمعته من صفوان أو ابن صفوان ـ ووقع في بعض الروايات أبو صفوان ـ فهذا دليل على جهالة شيخ أبي الزبير ، فالإسناد ضعيف ولم يصب من صححه ، وعيّن شيخ أبي الزبير بأنه المراد في الإسناد من تلقاء نفسه؟!.

(١) زيد في المطبوع.

٦٠٥

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ).

[١٦٧٢] أنزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور وعمرو بن سفيان السلمي ، وذلك أنهم قدموا المدينة فنزلوا على عبد الله بن أبيّ ابن سلول رأس المنافقين بعد قتال أحد ، وقد أعطاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الأمان على أن يكلموه ، فقام معهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق ، فقالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده عمر بن الخطاب : ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة ، وقل إن لها شفاعة لمن عبدها ، وندعك وربك ، فشق ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال عمر : يا رسول الله ائذن لنا في قتلهم ، فقال : إني قد أعطيتهم الأمان ، فقال عمر : أخرجوا في لعنة الله وغضبه ، فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عمر أن يخرجهم من المدينة فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ).

أي دم على التقوى ، كالرجل يقول لغيره وهو قائم قم هاهنا أي اثبت قائما. وقيل : الخطاب مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به الأمة. وقال الضحاك : معناه اتق الله ولا تنقض العهد الذي بينك وبينهم. (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من أهل مكة يعني أبا سفيان وعكرمة وأبا الأعور ، (وَالْمُنْفِقِينَ) ، من أهل المدينة عبد الله بن أبيّ وعبد الله بن سعد وطعمة (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) ، بخلقه ، قبل أن يخلقهم ، (حَكِيماً) فيما دبره لهم.

(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (٢) ، قرأ أبو عمرو «يعملون خبيرا» و «يعملون بصيرا» بالياء فيهما وقرأ غيره بالتاء.

(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ثق بالله ، (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) ، حافظا لك ، وقيل كفيلا برزقك ، قوله عزوجل : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ).

[١٦٧٣] نزلت في أبي معمر جميل بن معمر الفهري ، وكان رجلا لبيبا حافظا لما يسمع ، فقالت قريش ما حفظ أبو معمر هذه الأشياء إلّا وله قلبان ، وكان يقول : إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد ، فلما هزم الله المشركين يوم بدر انهزم أبو معمر فيهم فلقيه أبو سفيان وإحدى نعليه في يده والأخرى في رجله ، فقال له يا أبا معمر ما حال الناس؟ قال : انهزموا ، قال : فما لك إحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك؟ فقال أبو معمر : ما شعرت إلا أنهما في رجليّ فعلموا يومئذ أنه لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده.

وقال الزهري ومقاتل : هذا مثل ضربه الله عزوجل للمظاهر من امرأته وللمتبني ولد غيره ، يقول : فكما لا يكون لرجل قلبان كذلك لا تكون امرأة المظاهر أمّه حتى تكون له أمان ، ولا يكون له ولد واحد ابن رجلين. (وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ) ، قرأ أهل الشام والكوفة «اللاتي» هاهنا

__________________

[١٦٧٢] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٨٨ بتمامه بدون إسناده ، ولم أر مسندا ، فهو لا شيء ، وعزاه الحافظ في «الكشاف» ٣ / ٥١٩ للثعلبي والواحدي بدون إسناد.

[١٦٧٣] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٨٩ بتمامه بدون إسناد.

ـ وورد بنحوه عن الطبري ٢٨٣٢١ وعبد الرزاق ٢٣١١ عن قتادة مرسلا.

ـ وورد أيضا من مرسل عكرمة عند الطبري ٢٨٣٢٣.

ـ وعن ابن عباس أخرجه الطبري ٢٨٣١٩ وفيه مجاهيل ، وفيه أيضا عطية العوفي ، وهو واه.

ـ الخلاصة : هو خبر ضعيف ، فهذه روايات واهية لا تقوم بها حجة.

٦٠٦

وسورة الطلاق [٤] بياء بعد الهمزة ، وقرأ قالون عن نافع ويعقوب بغير ياء بعد الهمزة ، وقرأ الباقون بتليين الهمزة ، وكلها لغات معروفة ، (تُظْهِرُونَ) قرأ عاصم بالألف وضم التاء وكسر الهاء مخففا ، وقرأ حمزة والكسائي بفتح التاء والهاء مخففا ، وقرأ ابن عامر بفتحها وتشديد الظاء ، وقرأ الآخرون بفتحها وتشديد الظاء والهاء من غير ألف بينهما ، وصورة الظهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليّ كظهر أمي ، يقول الله تعالى : ما جعل نساءكم اللاتي تقولون لهن هذا في التحريم كأمهاتكم ، ولكنه منكر وزور ، وفيه كفارة نذكرها إن شاء الله تعالى في سورة المجادلة [٣ ـ ٤]. (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ) ، يعني من تبنيتموه (أَبْناءَكُمْ) ، فيه نسخ التبني ، وذلك أن الرجل في الجاهلية كان يتبنى الرجل فيجعله كالابن المولود له يدعوه الناس إليه ويرث ميراثه.

[١٦٧٤] وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعتق زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي ، وتبناه قبل الوحي وآخى بينه وبين حمزة بن عبد المطلب ، فلما تزوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش وكانت تحت زيد بن حارثة ، قال المنافقون تزوج محمد امرأة ابنه وهو ينهى الناس عن ذلك ، فأنزل الله هذه الآية ونسخ التبني ، (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ) ، لا حقيقة له يعني قولهم زيد بن محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم نسب لا حقيقة له ، (وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَ) ، يعني قوله الحق ، (وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) ، أي يرشد (١) إلى سبيل الحق.

(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦))

(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ) ، الذين ولدوهم ، (هُوَ أَقْسَطُ) ، أعدل ، (عِنْدَ اللهِ).

[١٦٧٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا معلى بن أسد أنا عبد العزيز بن المختار أنا موسى بن عقبة حدثني سالم عن عبد الله بن عمر أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن.

(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ) ، (فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) ، يعني فهم إخوانكم ،

__________________

[١٦٧٤] ـ لم أره بهذا التمام ، وكونه عليه الصّلاة والسّلام أعتق زيدا مشهور متواتر في كتب الحديث والسير ، وكونه آخى بينه وبين حمزة ذكره الحافظ في «الإصابة» ١ / ٥٦٣ ـ ٥٦٤ / ٢٨٩٠ ونسبه لأبي يعلى ، وكونه تبناه ، فهذا مشهور ، وأما ذكر نزول الآية ، فلا يصح ، ولم أره مسندا.

[١٦٧٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ سالم هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٨٢ عن معلى بن أسد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٤٢٥ والترمذي ٣٢٠٩ و ٣٨١٤ والنسائي في «التفسير» ٤١٦ وأحمد ٢ / ٧٧ وابن سعد ٣ / ٤٣ وابن حبان ٧٠٤٢ والطبراني ١٣١٧ والبيهقي ٧ / ١٦١ والواحدي في «الأسباب» ٦٩١ من طرق عن موسى بن عقبة به.

(١) في المطبوع «يرشدهم».

(٢) زيادة عن المخطوط.

٦٠٧

(فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ) ، إن كانوا محررين وليسوا بينكم ، أي سموهم بأسماء إخوانكم في الدين. وقيل : مواليكم أي أولياءكم في الدين ، (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) ، قبل النهي فنسبتموه إلى غير أبيه ، (وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) ، من دعائهم إلى غير آبائهم بعد النهي. وقال قتادة : فيما أخطأتم به أن تدعوه لغير أبيه وهو يظن أنه كذلك ومحل «ما» في قوله تعالى : (ما تَعَمَّدَتْ) خفض ردا على «ما» التي في قوله : (فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ) مجازه ولكن فيما تعمدت قلوبكم ، (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

[١٦٧٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن بشار أنا غندر أنا شعبة عن عاصم قال : سمعت أبا عثمان قال : سمعت سعدا وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكر وكان قد تسور حصن الطائف في أناس فجاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالا : سمعنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من ادّعى إلى غير أبيه وهو يعلمه فالجنة عليه حرام».

قوله عزوجل : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ، يعني من بعضهم ببعض في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم. وقال ابن عباس وعطاء : يعني إذا دعاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودعتهم أنفسهم إلى شيء كانت طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولى بهم من [طاعة](٢) أنفسهم. وقال ابن زيد : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فيما قضى فيهم ، كما أنت أولى بعبدك فيما قضيت عليه. وقيل : هو أولى بهم في الحمل على الجهاد وبذل النفس دونه. وقيل : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخرج إلى الجهاد فيقول قوم نذهب فنستأذن من آبائنا وأمهاتنا ، فنزلت الآية.

__________________

[١٦٧٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ غندر هو محمد بن جعفر ، وغندر لقب ، شعبة هو ابن الحجاج ، عاصم هو ابن سليمان ، أبو عثمان هو النهدي واسمه عبد الرحمن بن ملّ.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٣٦٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٣٢٦ و ٤٣٢٧ عن محمد بن بشار بهذا الإسناد.

وأخرجه أبو عوانة ١ / ٢٩ وأحمد ١ / ١٧٤ والدارمي ٢ / ٢٤٤ ـ ٣٤٣ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه مسلم ٦٣ ح ١١٥ وأبو داود ٥١١٣ وابن ماجه ٢٦١٠ وأحمد ١ / ١٧٤ و ١٧٩ و ٥ / ٣٨ والطيالسي ١٩٩ وأبو عوانة ١ / ٢٩ من طرق عن عاصم به.

ـ وأخرجه مسلم ٦٣ ح ١٤ وأحمد ٥ / ٤٦ وابن حبان ٤١٥ والبيهقي ٧ / ٤٠٣ من طرق عن هشيم عن خالد عن أبي عثمان به.

ـ وأخرجه الطيالسي ٨٨٥ من طريق عاصم عن أبي عثمان عن أبي بكرة.

ـ وأخرجه أحمد ١ / ١٦٩ وأبو عوانة ١ / ٣٠ من طريقين عن خالد الحذاء عن أبي عثمان به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٧٦٦ و ٦٧٦٧ وابن حبان ٤١٦ والبيهقي ٧ / ٤٠٣ من طرق عن مسدد عن خالد الواسطي عن خالد الحذاء عن أبي عثمان به.

ـ وورد من حديث على أخرجه البخاري ٦٧٥٥ ومسلم ١٣٧٠.

ـ ومن حديث أبي ذر أخرجه البخاري ٣٥٠٨ ومسلم ٦١ والبيهقي ٧ / ٤٠٣.

ـ ومن حديث ابن عباس أخرجه ابن ماجه ٢٦٠٩ وأحمد ١ / ٣٢٨ وابن حبان ٤١٧.

ـ ومن حديث أنس أخرجه أبو داود ٥١١٥.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٦٠٨

[١٦٧٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا أبو عامر أنا فليح عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة (٢) عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فأيما مؤمن مات وترك ما لا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه».

قوله عزوجل : (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) ، وفي حرف أبي «وأزواجه أمهاتهم وهو [أب](٣) لهم» وهن أمهات المؤمنين في تعظيم حقهن وتحريم نكاحهن على التأبيد ، لا في النظر إليهن والخلوة بهن ، فإنه حرام في حقهن كما في حق الأجانب ، قال الله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [الأحزاب : ٥٣] ، ولا يقال لبناتهن هن أخوات المؤمنين ولا لإخوانهن وأخواتهن ، هم أخوال المؤمنين وخالاتهم.

قال الشافعي : تزوج الزبير أسماء بنت أبي بكر وهي أخت أم المؤمنين ، ولم يقل هي خالة المؤمنين ، واختلفوا في أنهن هل كنّ أمهات النساء المؤمنات؟ قيل : كن أمهات المؤمنين والمؤمنات جميعا. وقيل : كنّ أمهات المؤمنين دون النساء.

وروى الشعبي عن مسروق أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها : يا أمه فقالت لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم ، فبان بهذا أن معنى هذه الأمومة تحريم نكاحهنّ. قوله عزوجل : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) ، يعني في الميراث ، قال قتادة : كان المسلمون يتوارثون بالهجرة.

[١٦٧٨] قال الكلبي : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الناس ، فكان يؤاخي بين رجلين فإذا مات أحدهما ورثه

__________________

[١٦٧٧] ـ صحيح دون لفظ «اقرءوا إن شئتم ـ مع ذكر الآية» فإنه مدرج من كلام أبي هريرة ، أو أحد الرواة ، وتفرد به فليح ، وهو غير حجة.

ـ إسناده حسن ، رجاله رجال البخاري ، لكن فليح بن سليمان ينحط حديثه عن درجة الصحيح ، فقد قال الحافظ عنه في «التقريب» : صدوق كثير الخطأ.

ـ وقال الذهبي في «الميزان» ٣ / ٣٦٥ : قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي : ليس بقوي ، وقال يحيى : ضعيف ، وقال أبو داود : لا يحتج به ا ه.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٢٠٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٣٩٩ عن عبد الله بن محمد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٧٨١ من طريق محمد بن فليح عن أبيه به.

ـ وأخرجه مسلم ١٦١٩ ح ١٦ وعبد الرزاق ١٥٢٦١ والبيهقي ٦ / ٢٠١ من طريق معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة به دون لفظ «اقرءوا إن شئتم مع ذكر الآية».

ـ وورد بنحوه من وجه آخر عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة أخرجه البخاري ٢٣٩٨ و ٦٧٦٣ ومسلم ١٦١٩ ح ١٧ وأبو داود ٢٩٥٥ وأحمد ٢ / ٤٥٦ والبيهقي ٦ / ٢٠١ و ٣٥١.

ـ الخلاصة : الحديث صحيح دون ما ذكرت ، فإنه مدرج ، وتفرد به فليح ، وهو غير حجة ، وخالفه غير واحد فرووه بدون تلك الزيادة ، وانظر «أحكام القرآن» ١٧٥٤ بتخريجي.

[١٦٧٨] ـ ذكره المصنف هاهنا تعليقا عن الكلبي وسنده إليه في أول الكتاب ، والكلبي متروك متهم ، لكن لأصله ما يشهد له. ـ

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «عمرو» وهو تصحيف.

(٣) سقط من المطبوع.

٦٠٩

الآخر دون عصبته ، حتى نزلت هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) في حكم الله ، (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ، الذين آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهم ، (وَالْمُهاجِرِينَ) ، يعني ذوي القرابات بعضهم أولى بميراث بعض من أن يرثوا (١) بالإيمان والهجرة ، فنسخت هذه الآية الموارثة بالمؤاخاة والهجرة وصارت بالقرابة.

قوله : (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) ، أراد بالمعروف الوصية للذين يتولونه من المعاقدين ، وذلك أن الله لما نسخ التوراة بالحلف والهجرة أباح أن يوصي الرجل لمن يتولاه بما أحب من ثلثه. وقال مجاهد : أراد بالمعروف النصرة وحفظ الحرمة لحق الإيمان والهجرة. وقيل : أراد بالآية إثبات الميراث بالإيمان والهجرة ، يعني وأولو الأرحام من المؤمنين والمهاجرين بعضهم أولى ببعض ، أي لا توارث بين المسلم والكافر ولا بين المهاجر وغير المهاجر إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا يعني إلا أن توصوا لذوي قراباتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان والهجرة ، وهذا قول قتادة وعطاء وعكرمة. (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) ، أي كان الذي ذكرت من أن ذوي الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مسطورا مكتوبا. وقال القرظي (٢) : في التوراة. قوله عزوجل :

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩))

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) ، على الوفاء بما حملوا وأن يصدّق بعضهم بعضا ويبشر بعضهم ببعض. قال مقاتل : أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ويدعوا إلى عبادته ويصدّق بعضهم بعضا وينصحوا لقومهم ، (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ، خصّ هؤلاء الخمسة بالذكر من بين النبيين لأنهم أصحاب الكتب والشرائع وأولو العزم من الرسل وقدّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الذكر لما :

[١٦٧٩] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن محمد الحديثي أنا

__________________

ـ ففي الباب عن عروة قال : قال الزبير بن العوام رضي الله عنه فينا نزلت هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) [الأنفال : ٧٥ ـ قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد آخى بين رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار ، فلم نشكّ أنا نتوارث لو هلك كعب ، وليس له من يرثه فظننت ....».

ـ وفي إسناده عبد الرحمن بن أبي الزناد لين الحديث ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

ـ وذكر التوارث قبل آية الأنفال له شواهد كثيرة راجع «الدر المنثور» ٣ / ٣٧٣ و «تفسير الطبري» ١٦٣٤٥ ـ ١٦٣٥٩.

ـ وانظر «أحكام القرآن» ١٧٥٦ بتخريجي.

[١٦٧٩] ـ متن باطل بإسناد ضعيف جدا.

ـ إسناده ضعيف جدا ، وله ثلاث علل : الأولى : سعيد بن بشير ضعفه غير واحد ، وقد روى عن قتادة مناكير ، والثانية : عنعنة قتادة ، وهو مدلس ، والثالثة : الحسن البصري لم يسمع من أبي هريرة.

ـ قتادة هو ابن دعامة ، الحسن هو ابن يسار البصري.

ـ وأخرجه أبو نعيم في «الدلائل» (٣) والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٤٥٩ ـ ٤٦٠ من طريق سعيد بن بشير به.

ـ الخلاصة : إسناده ضعيف جدا كما تقدم ، والمتن باطل ، فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آخر النبيين في الخلق والبعث.

(١) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع و ـ ط «يرث».

(٢) تصحف في المخطوط «القرطبي».

٦١٠

عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ أنا محمد بن سليمان الباغندي (١) أنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال أنا أبي أنا سعيد يعني ابن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث» ، قال قتادة : وذلك قول الله عزوجل : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) ، فبدأ به صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبلهم (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ، عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا.

(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) ، يقول أخذنا ميثاقهم لكي يسأل الصادقين يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم مع علمه أنهم صادقون تبكيت من أرسلوا إليهم. وقيل : ليسأل الصادقين من عملهم لله عزوجل. وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم عن صدقهم في قلوبهم. (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً).

قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) ، وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيام الخندق ، (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) ، يعني الأحزاب وهم قريش وغطفان ويهود قريظة والنضير ، (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) ، وهي الصبا.

قال عكرمة : قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي ننصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت الشمال إن الحرة (٢) لا تسري بالليل ، كانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا.

[١٦٨٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا آدم أنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور».

قوله تعالى : (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) ، وهم الملائكة ولم تقاتل الملائكة يومئذ ، فبعث الله عليهم تلك الليلة ريحا باردة فقلعت الأوتاد وقطعت أطناب الفساطيط وأطفأت النيران وأكفأت القدور ، وجالت الخيل بعضها في بعض ، وكثر تكبير الملائكة في جوانب عسكرهم ، حتى كان سيد كل حي يقول يا بني فلان هلم إليّ فإذا اجتمعوا عنده قال النجاء النجاء ، لما بعث الله عليهم من الرعب فانهزموا من غير قتال. (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً).

[١٦٨١] قال محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن رومان مولى آل الزبير عن عروة بن الزبير ومن لا أتهم عن عبيد (٤) الله بن كعب بن مالك ، وعن الزهري وعاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وعن محمد بن كعب القرظي وعن غيرهم من علمائنا ، دخل حديث بعضهم في

__________________

[١٦٨٠] ـ تقدم في سورة الأنفال عند آية : ٤٦.

[١٦٨١] ـ أخرجه الطبري ٢٨٣٦٩ من طريق ابن إسحاق بهذه الأسانيد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٣ / ٤٠٨ ـ ٤٠٩ من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير قال : وحدثنا يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي وعثمان بن يهوذا عن رجال من قومه قالوا : كان الذين حزبوا الأحزاب نفرا بني وائل ... فذكره.

وليس فيه ذكر سلمان الفارسي.

ـ ولعل هذه المراسيل تتأيد بمجموعها.

(١) تصحف في المطبوع «الساعدي».

(٢) تصحف في المخطوط. «الجرة».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «عبد» والمثبت الصواب.

٦١١

بعض : أن نفرا من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وهوذة بن قيس وأبي عمار الوائلي (١) في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزّبوا الأحزاب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله ، فقالت لهم قريش : يا معشر يهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ، فديننا خير أم دينه؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منهم ، قالوا : فهم الذين أنزل الله فيهم : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ، إلى قوله : (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) [النساء : ٥١ ـ ٥٥] ، فلما قالوا ذلك لقريش سرّهم ما قالوا ونشطوا لما دعوهم إليه من حرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فاجتمعوا (٢) لذلك ثم خرج أولئك النفر من اليهود حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان فدعوهم إلى ذلك وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه ، وإن قريشا قد بايعوهم على ذلك ، فأجابوهم ، فخرجت قريش وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر في [بني](٣) فزارة ، والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري في بني مرة ، ومسعر بن رخيلة بن نويرة بن طريف فيمن تابعه من قومه من أشجع ، فلما سمع [بهم](٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبما اجتمعوا له من الأمر ضرب الخندق على المدينة وكان الذي أشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالخندق سليمان الفارسي ، وكان أول مشهد شهده سلمان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يومئذ حرّ ، فقال : يا رسول الله إنّا كنّا بفارس إذا حصرنا خندقنا عليه ، فعمل فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون حتى أحكموه.

[١٦٨٢] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد الأصبهاني أنا محمد بن جعفر الطبري ثنا حماد بن الحسن ثنا محمد بن خالد بن عثمة (٥) ثنا كثير بن عبد الله عن عمرو بن عوف حدثني أبي عن أبيه قال : خط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخندق عام الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعا ، قال : فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : سلمان منّا ، وقال الأنصار : سلمان منّا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت».

__________________

[١٦٨٢] ـ إسناده ضعيف جدا لأجل كثير بن عبد الله المزني.

ـ قال الذهبي في «الميزان» ٣ / ٤٠٧ : قال ابن معين : ليس بشيء ، وقال الشافعي وأبو داود : ركن من أركان الكذب ، وضرب أحمد على حديثه ، وقال الدار قطني وغيره : متروك ا ه. ولبعض حديثه شواهد ، وبعضه منكر.

ـ أخرجه المصنف من طريق الطبري وهو في «جامع البيان» ٢٨٣٧٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٣ / ٤١٨ من طريق محمد بن يونس عن محمد بن خالد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن سعد ٤ / ٩٨ عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن كثير به بهذا التمام.

ـ وأخرج صدره إلى قوله «سلمان منا آل البيت» الحاكم ٣ / ٥٩٨ والطبراني ٦٠٤٠ من طريق ابن أبي فديك عن كثير به.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٦ / ١٣٠ : وفيه كثير بن عبد الله المزني ، وقد ضعفه الجمهور ، وحسّن الترمذي حديثه ، وبقية رجاله ثقات ا ه.

(١) تصحف في المخطوط «الوالبي».

(٢) في المخطوط «فأجمعوا».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) زيادة من المخطوط.

(٥) تصحف في المخطوط «غتمة».

٦١٢

قال عمرو بن عوف : كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المازني وستة من الأنصار في أربعين ذراعا ، فحفرنا حتى إذا كنا بجنب ذي باب (١) أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا ، فقلنا : يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأخبره خبر هذه الصخرة ، فإما أن يعدل عنها فإن المعدل قريب ، وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه ، قال : فرقى سلمان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية ، فقال : يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقت علينا حتى ما يجيبك فيها قليل ولا كثير ، فمرنا فيها بأمرك فإنا لا نحب أن نتجاوز خطك ، فهبط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع سلمان إلى الخندق [والتسعة على شفة الخندق](٢) ، فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المعول من يد سلمان فضربها ضربة صدعها وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها يعني المدينة ، حتى لكأنّ مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكبير [فتح](٣) كبر [معه](٤) المسلمون ، ثم ضربها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثانية [فصدعها](٥) وبرق عنها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكبير فتح وكبر المسلمون [معه](٦) ، [ثم ضربها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الثالثة فكسرها ، وبرق منها برق أضاء ما بين لابتيها حتى لكأن مصباحا في جوف بيت مظلم ، فكبّر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تكبير فتح ، وكبر المسلمون معه](٧) ، فأخذ بيد سلمان ورقي فقال سلمان : بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط ، فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى القوم فقال : «أرأيتم ما يقول سلمان»؟ قالوا : نعم يا رسول الله ، قال : «ضربت ضربتي الأولى فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثانية فبرق (٨) الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب ، فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ، ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب ، وأخبرني جبريل عليه‌السلام أن أمتي ظاهرة عليها ، فأبشروا» ، فاستبشر المسلمون وقالوا الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحصر ، فقال المنافقون : ألا تعجبون من محمد يعدكم ويمنيكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى ، وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا؟ قال فنزل القرآن : (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) (١٢) [الأحزاب : ١٢] ، وأنزل الله في هذه القصة : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) [آل عمران : ٢٦] الآية.

[١٦٨٣] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا

__________________

[١٦٨٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ أبو إسحاق هو الفزاري واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث ، حميد هو الطويل اختلف في اسم أبيه اختلافا كثيرا.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٨٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٨٣٤ عن عبد الله بن محمد بهذا الإسناد.

(١) في المخطوط «ناب».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) سقط من المطبوع.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) سقط من المخطوط.

(٨) زيد في المطبوع «البرق».

٦١٣

محمد بن إسماعيل أنا عبد الله بن محمد أنا معاوية بن عمرو أنا أبو إسحاق عن حميد قال : سمعت أنسا يقول : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك عنهم ، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع ، قال : «اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة» ، فقالوا : مجيبين له :

نحن الذين بايعوا محمدا

على الجهاد ما بقينا أبدا

[١٦٨٤] وأخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء [بن عازب](٢) قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغمرّ (٣) بطنه أو اغبر بطنه وهو يقول :

والله لو لا الله ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا

إذا أرادوا فتنة أبينا

ورفع بها صوته أبينا أبينا.

[١٦٨٥] رجعنا إلى حديث ابن إسحاق قال [فلما فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الخندق أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رومة من الجرف والغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تابعهم من بني كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تابعهم من أهل نجد ، حتى نزلنا بذنب نقمى (٤) إلى جانب أحد ، وخرج

__________________

ـ وأخرجه البخاري ٢٩٦١ و ٣٧٩٦ وأحمد ٣ / ١٧٠ وابن حبان ٥٧٨٩ من طرق عن شعبة عن حميد به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٨٣٤ و ٤٠٩٩ و ٧٠٢١ وأحمد ٣ / ١٨٧ و ٢٠٥ و ٢١٦ من طرق عن حميد به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٨٣٥ و ٤١٠٠ والبيهقي ٩ / ٣٩ من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٧٩٥ و ٦٤١٣ ومسلم ١٨٠٥ ح ١٢٧ وأحمد ٣ / ١٧٢ من طرق عن معاوية بن قرة عن أنس به.

ـ وأخرجه مسلم ١٨٠٥ ح ١٢٨ والترمذي ٣٨٥٧ وأحمد ٣ / ٢٧٦ من طريق قتادة عن أنس به.

ـ وأخرجه مسلم ٣ / ٢٥٢ و ٢٨٨ و ١٨٠٥ ح ١٣٠ وأبو يعلى ٣٣٢٤ وابن حبان ٧٢٥٩ من طريق ثابت عن أنس به.

[١٦٨٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ شعبة هو ابن الحجاج ، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٨٦ بهذا الإسناد وهو في «صحيح البخاري» ٤١٠٤ عن مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٨٣٦ و ٢٨٣٧ و ٧٢٣٦ ومسلم ١٨٠٣ والطيالسي ٢٣٥٢ وأحمد ٤ / ٢٩١ وأبو يعلى ١٧١٦ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٤١٣ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٠٤٣ و ٤١٠٦ و ٦٦٢٠ من طرق عن أبي إسحاق به.

[١٦٨٥] ـ هو تتمة للحديث المتقدم برقم ١٦٨١.

وهو مقطّع من بالإسناد المذكور عند رقم ١٦٧٦.

ـ والثاني أخرجه البيهقي ٣ / ٤٢٩ ـ ٤٣١ من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة مرسلا.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) تصحف في المطبوع «اغبرّ».

(٤) تصحف في المطبوع «نعمى».

٦١٤

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره والخندق بينه وبين القوم ، وأمر بالنساء والذراري فرفعوا في الآطام ، وخرج عدو الله حيي بن أخطب من بني النضير حتى أتى كعب بن أسد القرظي صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قومه وعاهده على ذلك ، فلما سمع كعب بحيي بن أخطب أغلق دونه حصنه ، فاستأذن عليه حيي فأبى أن يفتح له فناداه حيي : يا كعب افتح لي ، فقال : ويحك يا حييّ إنك امرؤ مشئوم وإني قد عاهدت محمدا فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ، قال : ويحك افتح لي أكلمك ، قال : ما أنا فاعل ، قال : والله إن علقت دوني إلا على حشيشتك (١) أن آكل معك منها فاحفظ الرجل ، ففتح له ، فقال : ويحك يا كعب جئتك بعز الدهر وبحر طام جئتك بقريش على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بمجتمع الأسيال من دومة ، وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى (٢) إلى جانب أحد ، وقد عاهدوني وعاقدوني أن لا يبرحوا حتى يستأصلوا محمدا ومن معه ، قال له كعب بن أسد : جئتني والله بذل الدهر وبجام قد هراق ماؤه برعد وبرق ، ليس فيه شيء ، فدعني ومحمدا وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلّا صدقا ووفاء ، فلم يزل حيي بن أخطب بكعب يفتله في الذروة والغارب حتى سمح له ، على أن أعطاه من الله عهدا وميثاقا ووفاء لئن رجعت قريش وغطفان ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب بن أسد عهده وتبرأ مما كان عليه فيما كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٣) ، [فلما انتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الخبر وإلى المسلمين بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سعد بن معاذ أحد بني عبد الأشهل ، وهو يومئذ سيد الأوس وسعد بن عبادة أحد بني ساعدة ، وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبد الله بن رواحة أخو بلحارث (٤) بن الخزرج ، وخوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال : انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ، ولا تفتّوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به جهرا للناس ، فخرجوا حتى أتوهم فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ، ونالوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : لا عقد بيننا وبين محمد ولا عهد ، فشاتمهم سعد بن عبادة وشاتموه ، وكان رجلا فيه حدة ، فقال له سعد بن معاذ : دع عنك مشاتمتهم فإن ما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة ، ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلموا عليه وقالوا : عضل والقارة [أي](٥) لغدر عضل والقارة بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصحاب الرجيع خبيب بن عدي وأصحابه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : الله أكبر أبشروا يا معشر المسلمين ، وعظم عند ذلك البلاء واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ونجم النفاق من بعض

__________________

ـ والثالث أخرجه البيهقي ٣ / ٤٣٥ ـ ٤٣٧ بالإسناد المذكور عند رقم ١٦٧٦.

ـ والرابع أخرجه البيهقي ٣ / ٤٤٠ من طريق ابن إسحاق عن عبد الله بن سهل عن عائشة وإسناده ضعيف ، عبد الله بن سهل عن عائشة منقطع ، لكن لبعضه شواهد.

(١) طعام يصنع من البر الخشن.

(٢) في المطبوع «نعمى».

(٣) الفقرة الأولى من الحديث.

(٤) في المطبوع «الحارث» وفي المخطوط «بالحارث» والمثبت عن «السيرة» ٣ / ١٧٥ و ـ ط.

(٥) زيادة عن «السيرة النبوية» ٣ / ١٧٥.

٦١٥

المنافق حتى قال معتب بن قشير أخو بني عمرو بن عوف : كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا لا يقدر أن يذهب إلى الغائط ، ما وعدنا الله ورسوله إلّا غرورا ، وحتى قال أوس بن قيظي أحد بني حارثة بن قيظي : يا رسول الله إن بيوتنا عورة من العدو ، وذلك على ملأ من رجال قومه ، فائذن لنا فلنرجع إلى ديارنا فإنها خارجة من المدينة ، فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأقام المشركون بضعا وعشرين ليلة قريبا من شهر ، ولم يكن بين القوم حرب إلا الرمي بالنبل والحصى ، فلما اشتد البلاء على الناس بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عيينة بن حصن ، وإلى الحارث بن عمر وهما قائدا غطفان فأعطاهما ثلثا ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فجرى بينه وبينهم الصلح على ذلك ، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة فذكر ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسعد بن معاذ وسعد بن عبادة واستشارهما فيه ، فقالا : يا رسول الله أشيء أمرك الله به لا بدّ لنا من العمل به أم أمر تحبه فتصنعه ، أم شيء تصنعه لنا؟ قال : [لا](١) بل شيء أصنعه لكم والله ما أصنع ذلك إلا أني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم شوكتهم ، فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله قد كنا نحن وهؤلاء القوم على شرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأخذوا منّا ثمرة واحدة ، إلّا قرى أو بيعا أفحين أكرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك نعطيهم أموالنا ، ما لنا بهذا من حاجة والله لا نعطيهم إلا السيف ، حتى يحكم الله بيننا وبينهم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فأنت وذاك فتناول سعد الصحيفة فمحا ما فيها من الكتابة ، ثم قال : ليجهدوا علينا فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون وعدوهم محاصروهم](٢) ، [ولم يكن بينهم قتال إلّا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لؤي وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب ومرداس أخو بني محارب بن فهر ، قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بني كنانة فقالوا : تهيئوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان ، ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا على الخندق فلما رأوه قالوا : والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثم تيمموا مكانا من الخندق ضيقا فضربوا خيولهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تعنق (٣) نحوهم ، وكان عمرو بن عبد ود قاتل يوم بدر حتى أثبتته (٤) الجراحة فلم يشهد أحدا فلما كان يوم الخندق خرج معلّما ليرى مكانه ، فلما وقف هو وخيله قال له علي : يا عمرو إنك كنت تعاهد الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى خلتين إلا أخذت منه إحداهما ، قال : أجل ، فقال له علي بن أبي طالب : فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام ، قال : لا حاجة لي بذلك ، قال : فإني أدعوك إلى النزال ، قال : ولم يا ابن أخي فو الله ما أحب أن أقتلك ، قال علي : ولكني والله أحب أن أقتلك ، فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي فتناولا وتجاولا ، فقتله علي فخرجت خيله منهزمة حتى اقتحمت من الخندق هارية ، وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبد الدار أصابه سهم ، فمات منه بمكة ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي ، وكان [قد](٥) اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة ، فقال : يا معشر العرب قتله أحسن من هذا ، فنزل إليه علي فقتله ، فغلب المسلمون على جسده ، فسألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) الفقرة الثانية من الحديث.

(٣) في المخطوط «تعتق».

(٤) في المطبوع «أثبته».

(٥) زيادة عن المخطوط.

٦١٦

أن يبيعهم جسده ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا حاجة لنا في جسد وثمنه فشأنكم به فخلّى بينهم وبينه](١) [قالت عائشة أم المؤمنين : كنا يوم الخندق في حصن بني حارثة ، وكان من أحرز حصون المدينة ، وكانت أم سعد بن معاذ معنا في الحصن وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب ، فمرّ سعد بن معاذ وعليه درع مقلّصة ، قد خرجت منها ذراعه كلها ، وفي يده حربة وهو يقول شعر :

لبث قليلا يدرك الهيجا حمل

لا بأس بالموت إذا حان الأجل

فقالت له أمه : الحق يا بني فقد والله أخرت (٢) ، قالت عائشة فقلت لها : يا أم سعد والله لوددت أن درع سعد كانت أسبغ مما هي ، قالت : وخفت عليه حيث أصاب السهم منه ، قالت : فرمي سعد يومئذ بسهم وقطع منه الأكحل ، رماه حبّان (٣) بن قيس العرقة أحد بني عامر بن لؤي ، فلما أصابه قال : خذها وأنا ابن العرقة ، فقال سعد : عرّق الله وجهك في النار ، ثم قال سعد : اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها فإنه لا قوم أحب إليّ من أن أجاهدهم من قوم هم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، وإن كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية](٤).

[١٦٨٦] وقال محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت ، قالت : وكان حسان معنا فيه مع النساء والصبيان ، قالت صفية : فمرّ بنا رجل من اليهود فجعل يطيف بالحصن ، وقد حاربت بنو قريظة ، فقطعت ما بيننا وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم ، إذ أتانا آت ، قالت : فقلت يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله لم آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود ، وقد شغل عنّا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه ، فانزل إليه فاقتله ، فقال : يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ، قالت : فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا اعجرت (٥) ، ثم أخذت عودا ونزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته ، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن ، فقلت : يا حسان انزل إليه فاسلبه فإنه لم يمنعني (٦) من سلبه [إلا](٧) لأنه رجل ، قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب.

[١٦٨٧] قالوا : أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه فيما وصف الله تعالى من الخوف والشدة لتظاهر عدوهم

__________________

[١٦٨٦] ـ أخرجه البيهقي ٣ / ٤٤٢ ـ ٤٤٣ عن ابن إسحاق به ، وإسناده ضعيف ، ابن إسحاق مدلس ، وقد عنعن.

[١٦٨٧] ـ أخرجه البيهقي ٣ / ٤٤٥ ـ ٤٤٧ عن ابن إسحاق مرسلا.

(١) الفقرة الثالثة.

(٢) في المطبوع «أجزت».

(٣) تصحف في المطبوع «خباب».

(٤) الفقرة الرابعة.

(٥) أي شددت معجري ، وفي المخطوط. «احتجزت».

(٦) تصحف في المطبوع «يمنعون».

(٧) زيادة من المخطوط.

٦١٧

وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر من بني غطفان أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنّا إن استطعت فإن الحرب خدعة ، فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية ، فقال لهم : يا بني قريظة قد عرفتم ودي إيّاكم وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت لست عندنا بمتهم ، فقال لهم : إن قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمد وقد ظاهرتموهم عليه ، وإن قريشا وغطفان ليسوا كهيئتكم البلد بلدكم فيه أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بعيدة إن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم حتى تكون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمدا ، حتى تناجزوه ، قالوا : لقد أشرت برأي ونصح ، ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : يا معشر قريش قد عرفتم ودي إيّاكم وفراقي محمدا وقد بلغني أمرّ رأيت أن حقا عليّ أن أبلغكم نصحا لكم فاكتموا عليّ قالوا : نفعل ، قال : تعلمون أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه أن قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك عنّا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجلا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم ، فأرسل إليهم أن نعم ، فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا ، ثم خرج حتى أتى غطفان فقال : يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إليّ ولا أراكم تتهموني ، قالوا : صدقت ، قال : فاكتموا عليّ ، قالوا : نفعل ، ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم ، فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس وكان [ذلك](١) مما صنع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسل أبو سفيان رءوس غطفان إلى بني قريظة وعكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا لهم : إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف والحافر فاغدوا للقتال حتى تناجزوا محمدا ونفرغ مما بيننا وبينه ، فقالوا لهم : إن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان أحدث بعضنا فيه حدثا فأصابه ما لم يخف عليكم ، ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل ، معكم حتى تعطونا (٢) رهنا من رجالكم يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب واشتد عليكم القتال أن تسيروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل في بلدنا ولا طاقة لنا بذلك من محمد ، فلما رجعت إليهم الرسل بذلك الذي قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان : تعلمون والله أن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بني قريظة إنّا والله لا ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا وإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ، فقالت بنو قريظة حين انتهت إليكم الرسل بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن وجدوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا (٣) إلى بلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل في بلادكم فأرسلوا إلى قريش وغطفان إنا والله لا نقاتل (٤) معكم حتى تعطونا (٥) رهنا ، فأبوا عليهم وخذل الله بينهم ،

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «تؤتونا».

(٣) في المطبوع «استمروا».

(٤) في المطبوع «نسائل».

(٥) في المطبوع «تأتونا».

٦١٨

وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية شديدة البرد ، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح آنيتهم ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما اختلف من أمرهم دعا حذيفة بن اليمان فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا.

[١٦٨٨] فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن كعب القرظي وروى غيره عن إبراهيم التيمي عن أبيه قالا : قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصحبتموه ، قال : نعم يا ابن أخي ، قال : كيف كنتم تصنعون؟ قال : والله لقد كنا نجهد ، فقال الفتى : والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ولحملناه على أعناقنا ولخدمناه وفعلنا وفعلنا ، فقال حذيفة : يا ابن أخي والله لقد رأيتني ليلة الأحزاب مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : من يقوم فيذهب إلى هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم أدخله الله الجنة ، فما قام منّا رجل ، ثم صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هونا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال مثله فسكت القوم ، وما قام منّا رجل ثم صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هونا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال : هل من رجل يقوم فينظر ما فعل القوم على أن يكون رفيقي في الجنة ، فما قام رجل من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد ، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا حذيفة فلم يكن لي بد من المقام إليه حين دعاني ، فقلت : لبيك (١) يا رسول الله وقمت حتى أتيته ، وإن جنبيّ ليضطربان فمسح رأسي ووجهي ، ثم قال : ائت هؤلاء القوم حتى تأتيني بخبرهم ولا تحدثن شيئا حتى ترجع إليّ ، ثم قال : اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه ومن تحته ، فأخذت سهمي وشددت عليّ سلاحي ثم انطلقت أمشي نحوهم كأنما أمشي في حمام ، فذهبت فدخلت في القوم ، وقد أرسل الله عليهم ريحا وجنودا [وجنود](٢) الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء [قال](٣) وأبو سفيان قاعد يصطلي فأخذت سهما فوضعته في كبد قوسي فأردت أن أرميه ولو رميته لأصبته ، فذكرت قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا تحدثنّ حدثا حتى ترجع إليّ فرددت سهمي في كنانتي ، فلما رأى أبو سفيان ما تفعل الريح وجنود الله بهم لا تقرّ لهم قدرا ولا نارا ولا بناء قام فقال : يا معشر قريش ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه فلينظر من هو [قال](٤) ، فأخذت بيد جليسي فقلت من أنت ، فقال : سبحان الله أما تعرفني أنا فلان ابن فلان ، فإذا هو رجل من هوازن ، فقال أبو سفيان : يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ولقد هلكنا وهلك الكراع والخف وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا منهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون فارتحلوا فإني مرتحل ، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس عليه ، ثم ضربه فوثب به على ثلاث فما أطلق عقاله إلّا وهم قائم ، وسمعت غطفان بما فعلت قريش فانشمروا (٥)

__________________

[١٦٨٨] ـ الإسناد الأول فيه يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف ، والثاني من مرسل يزيد بن شريك التيمي.

وصدره أخرجه مسلم ١٧٨٨ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٤٤٩ ـ ٤٥٠ من طريق جرير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي به. وليس فيه : «ثم صلّى هونا من الليل ....».

ـ وأخرجه الحاكم ٣ / ٣١ والبيهقي ٣ / ٤٥٠ ـ ٤٥١ من طريق بلال العبسي عن حذيفة بن اليمان بنحوه. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

(١) في المطبوع «إليك».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «فاستمروا».

٦١٩

راجعين إلى بلادهم ، قال فرجعت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كأني أمشي في حمام فأتيته وهو قائم يصلي ، فلما سلم أخبرته الخبر فضحك حتى بدت أنيابه في سواد الليل ، قال : فلما أخبرته وفرغت قررت وذهب عني الدفء فأدناني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه وأنا مني عند رجليه وألقى عليّ طرف ثوبه وألزق صدري ببطن قدمه فلم أزل نائما حتى أصبحت فلما أصبحت قال : قم يا نومان.

(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠))

قوله عزوجل : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) ، أي من فوق الوادي من قبل المشرق وهم أسد وغطفان وعليهم مالك بن عوف النصري (١) وعيينة بن حصن الفزاري في ألف من غطفان ومعهم طليحة بن خويلد الأسدي في بني أسد وحيي بن أخطب في يهود بني قريظة ، (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) ، يعني من بطن الوادي من قبل المغرب ، وهم قريش وكنانة عليهم أبو سفيان بن حرب في قريش ومن تبعه ، وأبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي من قبل الخندق ، وكان (٢) الذي جر غزوة الخندق فيما قيل إجلاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بني النضير من ديارهم ، (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) ، مالت وشخصت من الرعب ، وقيل : مالت عن كل شيء فلم تنظر [إلا](٣) إلى عدوها ، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) ، فزالت عن أماكنها حتى بلغت الحلوق من الفزع ، والحنجرة جوف الحلقوم وهذا على التمثيل عبّر به عن شدة الخوف ، قال الفراء : معناه أنهم جبنوا وسبيل الجبان إذا اشتد خوفه أن تنتفخ رئته فإذا انتفخت الرئة رفعت القلب إلى الحنجرة ، ولهذا يقال للجبان انتفخ سحره ، (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) ، أي اختلفت الظنون فظن المنافقون استئصال محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وظن المؤمنون النصر والظفر لهم ، قرأ أهل المدينة والشام وأبو بكر : الظنونا والرسولا والسبيلا بإثبات الألف وصلا ووقفا لأنها مثبتة في المصاحف بالألف ، وقرأ أهل البصرة وحمزة بغير الألف في الحالين على الأصل ، وقرأ الآخرون بالألف في الوقف دون الوصل لموافقة رءوس الآي.

(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤))

(هُنالِكَ ابْتُلِيَ) ، أي عند ذلك اختبر ، (الْمُؤْمِنُونَ) ، بالحصر والقتال ليتبين المخلص من المنافق ، (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) ، حركوا حركة شديدة.

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ) ، معتب بن قشير ، وقيل : عبد الله بن أبيّ وأصحابه ، (وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)

__________________

(١) في المخطوط «النضري» وتصحف في المخطوط ـ أ ـ «البصري».

(٢) زيد في المطبوع «السبب».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٦٢٠