تفسير البغوي - ج ١

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ١

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٢٨

١

٢

٣
٤

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

كلمة دار إحياء التراث العربي

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهد الله فلا مضلّ له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)) [آل عمران ٣ : ١٠٢].

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)) [النساء : ١].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١)) [الأحزاب : ٧٠ ـ ٧١].

أما بعد ، فيسر دار إحياء التراث العربي أن تقدم للعالم الإسلامي تفسير الإمام البغوي المسمى «معالم التنزيل» لمؤلّفه الإمام أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي (ت ٥١٦ ه‍) بعد أن عهدت للسيد عبد الرزاق المهدي تحقيقه وتصحيح ألفاظه على نسختين خطّيتين وتخريج أحاديثه والتعليق عليه بما يفيد المطالع فيه.

وقد رقّم السيد عبد الرزاق أحاديث الكتاب بشكل تسلسلي من أوله حتى آخره. وبذل من الجهود الشاقة في تخريج أحاديث الكتاب ما يشكر عليه ، فخدمه بما أعانه الله بعد ما حرف همته طوال أربع سنوات لخدمة هذا التفسير الجليل بالمأثور.

قال الإمام علي بن محمد الخازن (ت ٧٢٥ ه‍) في مقدمة تفسيره الصفحة (٣) مادحا هذا التفسير : «من أجلّ المصنفات في علم التفسير وأعلاها ، وأنبلها وأسناها ، جامعا للصحيح من الأقاويل عاريا عن الشّبه والتصحيف والتبديل».

هذا وقد وضع السيد عبد الرزاق المهدي مقدمة تناول فيها الحديث عن فوائد تتعلّق بكتب التفسير والمفسرين مع ترجمة للإمام البغوي ودراسة لكتابه ، ووصف نسخه الخطية وخطة عمله بالكتاب ، ربنا تقبل منّا هذا العمل خالصا لوجهك الكريم ، وانفع به عبادك ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين.

دار إحياء تراث العربي

٥
٦

مقدمة المحقق..................................................................... ٩

١ ـ أنواع التفاسير :

أ ـ التفاسير التي تعتمد على الحديث والأثر........................................ ٩

ب ـ التفاسير التي تعتمد مع الحديث والأثر على أخبار الأقدمين وقصص الإسرائيليين. ١٠

ت ـ التفاسير التي تعتمد على الفقه والأحكام.................................... ١٠

ث ـ التفاسير الجامعة بين الفقه والحديث........................................ ١٠

ج ـ التفاسير التي تعتمد على مناسبة الآيات والسور............................... ١٠

ح ـ التفاسير التي تعتمد على المنطق والفلسفة.................................... ١٠

د ـ التفاسير الجامعة بين الرواية والدراية.......................................... ١٠

٢ ـ سبب تصنيف الإمام البغوي لهذا التفسير....................................... ١١

أولا : ٣ ـ فوائد هامة تتعلّق بكتب التفسير والمفسرين................................ ١١

فوائد عامة..................................................................... ١٣

أ ـ فصل : في اختلاف السلف في التفسير....................................... ١٣

ب ـ فصل : في نوعي الاختلاف في التفسير..................................... ١٤

ت ـ فصل : الموضوعات في كتب التفسير كثيرة.................................. ١٥

ث ـ تفسير القرآن بأقوال الصحابة.............................................. ١٦

ج ـ الإسرائيليات : ثلاثة أقسام................................................ ١٦

ح ـ فصل : في التفسير بأقوال التابعين.......................................... ١٧

خ ـ تفسير القرآن بالرأي...................................................... ١٧

د ـ المفسرون المكثرون......................................................... ١٨

ذ ـ أئمة التفسير بالأثر........................................................ ٢٠

ثانيا : دراسة حول الكتاب ومؤلفه

١ ـ البغوي الإمام المفسر...................................................... ٢١

٢ ـ البغوي الإمام المحدّث...................................................... ٢١

٣ ـ البغوي الإمام اللغوي...................................................... ٢٣

٤ ـ البغوي الإمام الفقيه....................................................... ٢٣

٧

٥ ـ الإمام البغوي والقراءات................................................... ٢٤

٦ ـ الإمام البغوي وعقيدته.................................................... ٢٥

٧ ـ الإمام البغوي المحقق المرجح................................................. ٢٥

٨ ـ الإمام البغوي والإسرائيليات................................................ ٢٦

ثالثا : ترجمة الإمام البغوي....................................................... ٢٧

١ ـ التعريف به.............................................................. ٢٧

٢ ـ نسبته................................................................... ٢٧

٣ ـ ولادته ونشأته وحياته العلمية.............................................. ٢٧

٤ ـ وفاته................................................................... ٢٨

٥ ـ شيوخه.................................................................. ٢٨

٦ ـ تلامذته................................................................. ٢٨

٧ ـ أقوال العلماء فيه......................................................... ٢٨

٨ ـ مؤلفاته.................................................................. ٢٩

رابعا : وصف مخطوطات الكتاب................................................. ٣٠

خامسا : خطة العمل بالكتاب................................................... ٤١

٨

مقدمة المحقق

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فهو المهتد ، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهر ، على الدين كله ولو كره الكافرون.

أما بعد : فإن الله جل ذكره أنزل القرآن مؤلفا منظما ، ونزّله بحسب المصالح منجما ، وجعله بالتحميد مفتتحا ، وبالاستعاذة مختتما.

أوحاه على قسمين متشابها ومحكما ، وفصّله سورا وسوره آيات ، وميز بينهنّ بفصول وغايات ، وما هي إلا صفات مبتدئ مبتدع.

وسمات منشئ مخترع.

فسبحان من المستأثر بالأولية والقدم. ووسم كل شيء سواه بالحدوث والعدم ، أنشأه كتابا ساطعا تبيانه ، قرآنا عربيا غير ذي عوج ، مفتاحا للمنافع الدينية والدنيوية ، مصدقا لما بين يديه من الكتب السماوية ، معجزا باقيا على وجه كل زمان ، أفحم به من طولب بمعارضته من العرب العرباء ، وعن الإتيان بسورة مثله من الخطباء الفصحاء ، ثم سهل على الخلق تلاوته.

جعل أمثاله عبرا لمن تدبرها ، وأوامره هدى لمن استبصرها ، وشرح فيه واجبات الأحكام ، وفرّق فيه بين الحلال والحرام ، وكرّر فيه المواعظ والقصص للأفهام ، وضرب فيه الأمثال وقص فيه غيب الأخبار.

ثم لم يرض منها بردّ حروفه دون حفظ حدوده ، ولا بإقامة كلماته دون العمل بمحكماته ولا بتلاوته دون تدبر آياته ، ولا بدراسته دون تعلم حقائقه ، وتفهم دقائقه.

ولا حصول لهذه المقاصد منه إلا بدراية تفسيره وأحكامه ، ومعرفة حلاله وحرامه ، وأسباب نزوله وأقسامه ، والوقوف على ناسخه ومنسوخه ، في خاصه وعامّه ، فإنه أرسخ العلوم أصلا ، وأسبغها فرعا وفصلا ، وأكرمها نتاجا ، وأنورها سراجا ، فلا شرف إلا وهو السبيل إليه ، ولا خير إلا وهو الدال عليه.

من حكم به عدل ، ومن تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، والذكر الحكيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تتشعب معه الآراء ، ولا يمله العلماء ، ولا يخلق على كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه.

من علم علمه سبق ، ومن قال به صدق ، ومن حكم به عدل ، ومن عمل بما فيه أجر ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم.

١ ـ أنواع التفاسير : وقد قيض الله تعالى له رجالا موفقين ، وبالحق ناطقين ، حتى صنفوا في سائر علومه المصنفات ، وجمعوا في سائر فنونه المتفرقات ، كلّ على قدر فهمه ، ومبلغ علمه.

أ ـ فمنهم من جعل عمدته الحديث والأثر ، كالإمام عبد الرزاق بن همام المتوفى سنة (٢١١) والإمام

٩

عبد بن حميد المتوفى سنة (٢٤٩) والإمام أبي جعفر الطبري المتوفى سنة (٣١٠) والإمام أبي بكر بن المنذر المتوفى سنة ٣١٨ والإمام أبي محمد بن أبي حاتم المتوفى سنة ٣٢٧ والإمام أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه المتوفى سنة ٤١٠ ، والإمام عبد الرحمن بن علي بن الجوزي المتوفى سنة ٥٩٧.

ـ والإمام الحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي المتوفى سنة (٧٧٤).

ب ـ ومنهم من جعل عمدته مع الحديث والأثر وأخبار الأقدمين وقصص الإسرائيليين ، وذلك كالإمام أحمد بن محمد الثعلبي المتوفى سنة ٤٢٧ وتلميذه علي بن أحمد الواحدي لكن في تفسيره «البسيط» وهو لم يطبع ، وأما «الوسيط» وهو مطبوع ، فهو مختصر وعبارته موجزة ، ومنهم الإمام الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة ٥١٦ وهو الذي نحن في صدده.

ت ـ ومنهم من جعل عمدته الفقه والأحكام كالإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي المالكي المتوفى سنة ٢٨٢ والإمام عماد الدين بن محمد المعروف ب الكيا الطبري الهرّاسي المتوفى سنة (٥٠٤ ه‍) والإمام أبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المالكي المتوفى سنة (٥٤٣ ه‍) ، والإمام أبي بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص ـ المتوفى سنة (٣٧٠ ه‍).

ث ـ ومنهم من جمع بين الفقه والحديث وغير ذلك من علوم الشريعة ، كالإمام أبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي المالكي المتوفى سنة (٦٧١ ه‍) في كتابه «الجامع لأحكام القرآن».

ج ـ ومنهم من جعل عمدته اللغة والنحو كالإمام محمود بن عمر الزمخشري في كتابه «الكشاف» المتوفى سنة (٥٣٨ ه‍).

ـ والإمام أبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى سنة ٧٤٥. في كتابه «البحر المحيط».

ح ـ ومنهم من جعل عمدته مناسبة الآيات والسور كالإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي المتوفى سنة ٨٨٥ في كتابه «نظم الدرر».

خ ـ ومنهم من جعل عمدته المنطق والفلسفة وإثارة الشبه وسرد آراء أهل العلم من أهل السنة والمبتدعة وغيرهم كالإمام فخر الدين محمد بن أبي بكر الرازي المتوفى سنة ٦٦٦ في كتابه «مفاتح الغيب».

د ـ ومنهم من جمع بين الرواية والدراية ، وكالإمام محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة (١٢٥٠ ه‍) كما نص على ذلك في مقدمته.

ـ ولكلّ مزايا وفوائد وحسنات ، وأشياء فيها نظر.

ومن الكتب المعتبرة في علم التفسير كتاب «معالم التنزيل» للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة (٥١٦ ه‍) وهو هذا الكتاب.

وكتابه هذا من أجمل كتب التفسير لسهولة عبارته ، واتساق ألفاظه ومعانيه مع ما ضمنه من أحاديث عامتها صحيح أو حسن.

وقد قال الإمام علي بن محمد الخازن المتوفى سنة (٧٢٥ ه‍) في مقدمة تفسيره ص ٣ عن هذا التفسير :

«من أجل المصنفات في علم التفسير وأعلاها وأنبلها وأسناها جامعا للصحيح من الأقاويل ، عاريا عن الشبه والتصحيف والتبديل ، محلّى بالأحاديث النبوية ، مطرّزا بالأحكام الشرعية ، موشى بالقصص الغريبة وأخبار الماضين العجيبة ، مرصعا بأحسن الإشارات ، مخرجا بأوضح العبارات ، مفرغا في قالب الجمال في أصح مقال ، فرحم الله تعالى مصنفه وأجزل ثوابه وجعل الجنة متقلبه ومآبه». ا. ه.

١٠

٢ ـ وسبب تصنيفه لهذا التفسير هو ما ذكره في المقدمة بقوله : «فسألني جماعة من أصحابي المخلصين ، وعلى اقتباس العلم مقبلين كتابا في معالم التنزيل وتفسيره ، فأجبتهم إليه ، معتمدا على فضل الله تعالى وتيسيره ، ممتثلا وصية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم فيما يرويه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال «إن رجالا يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا أتوكم فاستوصوا بهم خيرا» واقتداء بالماضين من السلف من تدوين العلم إبقاء على الخلق وليس على ما فعلوه مزيد ، ولكن لا بد في كل زمان من تجديد ما طال به العهد وقصر المطالبين فيه الجد والجهد تنبها للمتوفقين وتحريضا للمتثبطين فجمعت بعون الله تعالى وحسن توفيقه فيما سألوا كتابا متوسطا بين الطويل الممل والقصير المخل ، أرجو أن يكون مفيدا لمن أقبل على تحصيله مزيدا.

ولما كان هذا الكتاب من الأهمية بمكان ، وأنه يتداوله الطلبة وكبار العلماء فقد طبع مرات عديدة ، وتلك الطبعات خالية عن التحقيق للنص ، وضبط الألفاظ ، وتخريج الأحاديث ، لذا وقع فيها التصحيف والتحريف والسقط والزيادات.

عدا نسخة مطبوعة في المدينة المنورة في دار طيبة ، فقد اعتنى محققوها بتحقيق النص ، وذكروا أنهم قابلوها على مخطوطات عديدة ، ومع ذلك لا تخلو من تصحيف وأشياء غير ذلك.

وقد خرجت أحاديثها ، لكن الغالب في ذلك مجرد العزو من غير بيان درجة الحديث ، ولا دراسة الإسناد.

كما فاتهم ترقيم الأحاديث تسلسليا مع أن عامة الأحاديث في هذا التفسير مسندة ، فينبغي ترقيمها تبعا لكتب الحديث والتفسير المسندة.

لذا رأيت أن أقوم بهذا العمل المضني الشاقّ ، وأصرف همتي إلى تحقيق الكتاب ، وتخريج الأحاديث ، ودراسة الأسانيد وغير ذلك ، وقد وفقني الله إلى ذلك ، فقابلت الكتاب على نسختين خطيتين ، مع ملاحظة نسخة دار طيبة ، ودار المعرفة ، واستعنت أيضا بكتب المؤلف مثل كتاب «شرح السنة» و «الأنوار في شمائل النبي المختار» وكتب الحديث المعتبرة التي يروي المصنف من طريقها كصحيح البخاري وغيره ، وهذا عند الاضطراب وكثرة الاختلاف ، سواء في المتن أو الإسناد ، وذلك لإثبات اللفظ الراجح ، وكل ذلك ستجده في موضعه إن شاء الله تعالى.

٣ ـ فوائد هامة تتعلق بكتب التفسير والمفسرين

اعلم أخي المسلم أن عامة كتب التفسير قد احتوت على أحاديث ضعيفة وموضوعة ، وأخبار إسرائيلية منكرة ، وقصص تالفة لا طائل بذكرها ، ومن ذلك الحديث الموضوع في فضائل القرآن سورة سورة حيث رواه الثعلبي في تفسيره منجما عند كل سورة ما يناسبها وتبعه على ذلك تلميذه الواحدي وذلك في «الوسيط» وسار على طريقتهما الزمخشري في «الكشاف» وقد نص الأئمة الحفاظ على وضعه.

جاء في «الموضوعات الكبرى» للحافظ ابن الجوزي في (١ / ٢٣٩ ـ ٢٤٢) ما ملخصه : أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك ، قال : أنبأنا محمد بن المظفر بن بكران. قال : أنبأنا أحمد بن محمد العتيقي. قال : أنبأنا يوسف بن الدخيل. قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي ، قال : حدثني علي بن الحسن بن

١١

عامر قال : حدثنا محمد بن بكار. قال : حدثنا بزيع بن حسان أبو الخليل. قال : حدثنا علي بن زيد بن جدعان وعطاء بن أبي ميمونة ، كلاهما عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أبي من قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر ...» ، فذكر سورة سورة ، وثواب تاليها إلى آخر القرآن.

ثم كرر إسناده إلى أبي بن كعب قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عرض عليّ القرآن في السنة التي مات فيها مرتين ، وقال : إن جبريل أمرني أن أقرأ عليك القرآن وهو يقرئك السلام. فقال أبي : فقلت لما قرأ علي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانت لي خاصة فخصني بثواب القرآن مما علمك الله وأطلعك عليه. قال : نعم يا أبيّ! أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنما قرأ ثلثي القرآن ، وأعطي من الأجر كأنما تصدق على كل مؤمن ومؤمنة ، ومن قرأ آل عمران أعطي بكل آية منها أمانا على جسر جهنم ، ومن قرأ سورة النساء أعطي من الأجر كأنما تصدق على كل من ورثه ميراثا ، ومن قرأ سورة المائدة ... ، الحديث.

قال العلامة ابن الجوزي : وقد فرق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في «تفسيره» فذكر عند كل سورة منه ما يخصها ، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك ، ولا أعجب منهما ، لأنهما ليسا من أصحاب الحديث ، وإنما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن ، وهو يعلم أنه حديث محال! ولكن شره جمهور المحدثين فإن من عادتهم تنميق حديثهم ولو بالبواطيل. وهذا حديث فضائل السور مصنوع بلا شك ، وقد روى في فضائل السور أيضا ميسرة بن عبد ربه. قال عبد الرحمن بن مهدي : قلت لميسرة من أين جئت بهذه الأحاديث «من قرأ كذا ، فله كذا» قال : وضعته حسبة أرغب الناس فيه ، ثم أسند ابن الجوزي عن علي بن الحسين قال : سمعت ابن المبارك يقول في حديث أبي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من قرأ سورة كذا فله كذا» قال ابن المبارك : أظن الزنادقة وضعته.

وأسند ابن الجوزي عن محمود بن غيلان سمعت مؤملا يقول : حدثني شيخ بفضائل السور الذي يروى عن أبي بن كعب ، فقلت : من حدثك؟ فقال : حدثني شيخ بالمدائن ، وهو حي ، فصرت إليه ، فقلت : من حدثك؟ فقال : حدثني شيخ بواسط وهو حي ، فصرت إليه ، فقال : حدثني شيخ بالبصرة ، فصرت إليه ، فقال : حدثني شيخ بعبادان ، فصرت إليه ، فأخذ بيدي فأدخلني بيتا ، فإذا فيه قوم من المتصوفة ، ومعهم شيخ ، فقال : هذا الشيخ حدثني ، فقلت : يا شيخ من حدثك؟ فقال : لم يحدثني أحد ، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوهم إلى القرآن. ا ه باختصار كلام الحافظ ابن الجوزي رحمه‌الله. وجاء في «مقدمة علوم الحديث» للعلامة ابن الصلاح في «باب معرفة الحديث الموضوع» ص ٥٩. مثال : روينا عن أبي عصمة ـ وهو نوح بن أبي مريم ـ أنه قيل له من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة؟ فقال : إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن ، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق ، فوضعت هذه الأحاديث حسبة. وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، في فضل القرآن سورة فسورة. بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأن جماعة وضعوه ، وإن أثر الوضع لبين عليه ، ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم والله أعلم. ا ه.

قلت : وممن أودعه الزمخشري في «كشافه» وتبعه البيضاوي تنبيه : قول ابن الصلاح «بحث باحث» هو مؤمل كما تقدم آنفا.

وجاء في ألفية العراقي ، في بحث «الموضوع» بعد أن ذكر أبيات :

١٢

نحو أبي عصمة إذ رأى الورى

زعما نأوا عن القران فافترى

لهم حديثا في فضائل السور

عن ابن عباس فبئس ما ابتكر

كذا الحديث عن أبي اعتراف

راويه بالوضع وبئس ما اقترف

وكل من أودعه كتابه

كالواحدي مخطئ صوابه

وقد شرح ذلك العلامة السخاوي في «فتح المغيث» (١ / ٢٤٢) وذكر في ذلك كلاما ، وأنه أورده الثعلبي والواحدي وابن مردويه ، والزمخشري وابن أبي داود. وعلى كل حال هو موضوع ، وإن كان له طرق عن أبيّ. ا ه. باختصار.

وجاء في «منهاج السنة» للحافظ ابن تيمية (٤ / ٤) ما ملخصه : ما ينقله الثعلبي في «تفسيره» لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه يروي طائفة من الأحاديث الموضوعة كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة وأمثال ذلك ا ه. باختصار.

فتبين بقول هؤلاء الأئمة اتفاق الحفاظ على أن حديث فضائل القرآن سورة سورة إنما هو حديث موضوع مصنوع ، وقد أورده الزمخشري في كشافه تبعا للثعلبي والواحدي وغيرهما.

وقد تتبعته وذكرت في المواضع التي فرقه فيها أنه حديث موضوع ، والحمد لله تعالى.

فوائد عامة

جاء في كتاب «مقدمة في أصول التفسير» للحافظ الإمام ابن تيمية ما ملخصه :

فصل : في أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين لأصحابه معاني القرآن قال الله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤] فالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين لهم معانيه كما بين لهم ألفاظه.

ومن التابعين من تلقى القرآن كله عن الصحابة ـ كما قال مجاهد : عرضت القرآن ، على ابن عباس أوقفه عند كل آية منه ، وأسأله عنها. ولهذا قال الثوري : إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به. ولذا اعتمد على تفسيره الشافعي والبخاري وأحمد وغيرهم.

والمقصود أن التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم السنة.

أ ـ فصل

في اختلاف السلف في التفسير

وهو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.

كتفسيرهم للصراط المستقيم ـ بأنه القرآن ـ أي اتباعه. وقال آخرون : هو الإسلام. فهذان القولان متفقان ، لأن دين الإسلام هو اتباع القرآن.

ومعرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب. وإذا قال الصاحب : نزلت هذه الآية في كذا ، وقال آخر : نزلت في كذا فذكر سببا آخر فيمكن صدقهما بأن تكون نزلت عقب تلك الأسباب جميعا ، ومن التنازع الموجود عنهم : أن يحتمل اللفظ للأمرين. إما لكونه مشتركا في اللغة كلفظ : (قسورة) [المدثر : ٥١] يراد به الراقي ، ويراد به الأسد ، ولفظ (عسعس) [التكوير : ١٧] يراد به إقبال الليل ، وإدباره ، والأمثلة كثيرة.

١٣

ب ـ فصل

في نوعي الاختلاف في التفسير

النوع الأول : ما مستنده النقل أو بغير ذلك.

والنقل : إما أن يكون عن المعصوم أو غيره فمنه ما يمكن معرفة الصحيح منه والضعيف منه ما لا يمكن.

أما ما يحتاج إليه المسلمون فإن الله نصب على الحق فيه دليلا فمثال ما لا يفيد ولا دليل على صحته ، اختلافهم في لون كلب أصحاب الكهف ، وفي مقدار سفينة نوح ، وفي الغلام الذي قتله الخضر واسمه. فمثل هذا المنقول عن كعب الأحبار ، ووهب وابن إسحاق وغيرهم. ممن يأخذ عن أهل الكتاب ، فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه. إلا بحجة كما ثبت في الصحيح : «إذا حدثكم أهل الكتاب ، فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه ، وإما بباطل فتصدقوه» «فتح الباري» (٥ / ٣٢٣ و ٨ / ١٣٨) «ومسند أحمد» (٤ / ١٣٦) ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره يشابه المنقول في المغازي والملاحم لذا قال الإمام أحمد : ثلاثة أمور ليس لها إسناد : التفسير ، والملاحم ، والمغازي ، ويروى عنه : ليس لها أصل. أي إسناد.

لأن الغالب عليها المراسيل مثل ما يذكره عروة والشعبي والزهري وابن إسحاق والواقدي ونحوهم.

أما التفسير : فأعلم الناس به أهل مكة ، لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء وعكرمة وابن جبير وغيرهم.

والمراسيل : إذا تعددت طرقها وخلت عن المواطأة قصدا كانت صحيحة اتفاقا.

وللناس في التفسير مذاهب :

الطرف الأول : أهل الكلام ونحوهم ممن هو بعيد عن معرفة الحديث وأهله لا يميز بين الصحيح والضعيف ، فيشك في صحة أحاديث مقطوع بصحتها.

وطرف ثان : يدّعي اتّباع الحديث لكن كلما وجد لفظا في حديث رواه ثقة يجعله دليلا له ، ولكنه إذا وجد ما يخالف مذهبه أخذ يتكلف له ويتأوله.

وكما أن هناك أدلة على القطع بصحة الحديث فإن هناك أدلة تقطع بكذب ما يرويه الوضاعون من أهل البدع والغلو في الفضائل. مثل حديث «من صلّى ركعتين يوم عاشوراء له أجر كذا وكذا نبيا» في التفسير من هذه الموضوعات كثير. ومثل الحديث الذي يرويه الثعلبي والواحدي والزمخشري في فضائل السور سورة سورة ، فهو موضوع باتفاق أهل العلم.

والثعلبي : هو في نفسه فيه خير ودين ، ولكنه كحاطب ليل ينقل من كتب التفسير الصحيح والضعيف والموضوع.

والواحدي صاحبه ، كان أبصر منه بالعربية ، لكنه أبعد منه عن اتباع السلف ، والبغوي : تفسيره مختصر من الثعلبي ، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والآراء المبتدعة.

١٤

ت ـ فصل : الموضوعات في كتب التفسير كثيرة

منها مثلا حديث علي ، وتصدقه بخاتمة في الصلاة فإنه موضوع باتفاق أهل العلم. ومثل ما روي : (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) [الرعد : ٧] إنه علي ، ومثل (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة : ١٢] أذنك يا علي!!

النوع الثاني : الخلاف الواقع في التفسير من جهة الاستدلال لا من جهة النقل وهذا الخلاف وقع فيه ما بعد تابع التابعين لذا فالتفاسير التي مادتها أقوال الصحابة والتابعين تخلو من هذا الخلاف كتفاسير عبد الرزاق ووكيع بن الجراح وعبد بن حميد وعبد الرحمن بن دحيم ، وتفسير الإمام أحمد وإسحاق وبقي بن مخلد وابن المنذر وابن عيينة وسنيد والطبري وابن أبي حاتم وأبي سعيد الأشج وابن ماجه وابن مردويه.

أما ما بعدهم فهما صنفان :

أحدهما : قوم اعتقدوا معاني ثم أرادوا حمل ألفاظ القرآن عليها؟!

والثاني : قوم فسروا القرآن بمجرد ما يسوغ أن يريده من كان ناطقا بالعربية فصيحا بكلامه ، من غير ملاحظة المتكلم بالقرآن من هو ، والمنزل عليه من هو ، والمخاطب به من هو.

ـ فالأولون : راعوا المعنى الذي ذهبوا إليه ، وكثيرا ما يغلطون في صحة المعنى.

ـ والآخرون : راعوا مجرد اللفظ وهؤلاء كثيرا ما يغلطون في حمل الألفاظ.

والأولون صنفان : تارة يسلبون القرآن ما دل عليه وما أريد به ، وتارة يحملونه على ما لم يدل عليه وفي كلا الأمرين يكون ما رأوه باطلا. وكما وقع لهؤلاء في القرآن وقع لهم مقابله في الحديث ومن هؤلاء : الخوارج والروافض والجهمية والمعتزلة والقدرية والمرجئة.

فالمعتزلة مثلا من أعظم الناس كلاما وجدالا ، وقد صنفوا تفاسير على أصول مذهبهم ، مثل تفسير ابن كيسان وابن علية الذي كان يناظر الشافعي ، ومثل كتاب الجبائي والتفسير الكبير للقاضي عبد الجبار الهمذاني والجامع لعلم القرآن لعلي بن عيسى الرماني والكشاف للزمخشري فهؤلاء وأمثالهم اعتقدوا مذاهب المعتزلة ، وأصول المعتزلة خمسة يسمونها : التوحيد ، والعدل ، والمنزلة بين المنزلتين ، وإنفاذ الوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتوحيدهم هو توحيد الجهمية الذي مضمونه نفي الصفات ، وقالوا : إن الله لا يرى ، والقرآن مخلوق ، ولا يقوم بالله علم ولا حياة ولا سمع ولا بصر ... إلخ. وأما عدلهم فمضمونه : أن الله لم يشأ جميع الكائنات ولا خلقها كلها ، ولا هو قادر عليها كلها وأفعال العباد لم يخلقها ، لا خيرها ولا شرها ، ولم يرد إلا ما أمر به شرعا ، وما سوى ذلك فإنه يقع بغير مشقة.

ومن أصول المعتزلة واتفاقهم مع الخوارج في إنفاذ الوعيد في الآخرة ، وأن الله لا يقبل في أهل الكبائر شفاعة ، ولا يخرجون من النار.

وقد رد عليهم المرجئة والكرامية والكلابية فأحسنوا في ردهم تارة وأساءوا تارة.

والمقصود : أن مثل هؤلاء رأوا رأيا فحملوا ألفاظ القرآن عليه ، وليس لهم سلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

ومن هؤلاء من يكون حسن العبادة فصيحا ويدس البدع في كلامه كصاحب «الكشاف» ونحوه وبسبب دخول هؤلاء في الكلام دخلت الرافضة الإمامية والفلاسفة والقرامطة.

١٥

وتفاقم الأمر في الفلاسفة والقرامطة والرافضة فإنهم فسروا القرآن بأشياء غريبة كقول الرافضة في (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) [المسد : ١] : هما أبو بكر وعمر ، و (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (٥٥)) [التوبة : ٥٥] : هو علي ، ويذكرون في ذلك الحديث الموضوع بإجماع أهل اعلم ، وهو تصدقه بخاتمه في الصلاة.

ومما يقارب هذه الوجوه ، ما يذكره كثير من المفسرين في مثل : (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧)) [آل عمران : ١٧].

الصابرين : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. الصادقين : أبو بكر ، القانتين : عمر. المنفقين : عثمان. المستغفرين : علي.

وفي مثل : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ) أبو بكر (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) عمر (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) عثمان (تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً) [الفتح : ٢٩] علي!؟

وأمثال ذلك من الخرافات التي تارة تتضمن تفسير اللفظ بما لا تدل عليه بحال ، والصواب أن ما تقدم هي عدة صفات لموصوف واحد عام في كل مؤمن ومن البدع جعلهم اللفظ المطلق العام مختصا في شخص واحد. مثل : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا) [المائدة : ٥٥] هو علي ، ومثل : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) [الزمر : ٣٣] ، أبو بكر ، ومثل : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) [الحديد : ١٠] أبو بكر ، ونحو ذلك. «وتفسير ابن عطية» وأمثاله ، أتبع للسنة من تفسير «الكشاف» وأسلم من البدعة ، وتفسير الطبري من أجل التفاسير وأعظمها قدرا.

وأما الذين يخطئون في الدليل لا في المدلول : فالصوفية مثلا والوعاظ والفقهاء ، فقد يفسّرون القرآن بمعان صحيحة لكن القرآن لا يدل عليها ، وذلك كالذي يذكره أبو عبد الرحمن السلمي في «حقائق التفسير».

ث ـ تفسير القرآن بأقوال الصحابة

وذلك إذا لم تجد التفسير لآية في القرآن ولا في السنة رجعت إلى أقوال الصحابة فإنهم أدرى لما شاهدوه ، ولما لهم من الفهم التام والعلم الصحيح ، كالخلفاء الأربعة وابن مسعود ، وابن عباس. لذا فغالب ما يرويه إسماعيل السدي الكبير في «تفسيره» إنما عن ابن مسعود وابن عباس ، ولكن ينقل عنهم ما يحكونه عن أهل الكتاب أحيانا ، وقد أباح ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» (هو بعض حديث أخرجه البخاري وأحمد والدارمي والترمذي ، ولهذا كان عبد الله بن عمرو ، قد أصاب يوم اليرموك زاملتين من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منهما أحيانا.

ج ـ والإسرائيليات ثلاث أقسام

أحدها : ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق ، فهذا صحيح.

الثاني : ما علمنا كذبه لكونه خالف ما عندنا.

الثالث : مسكوت عنه ، فلا نكذبه ولا نصدقه ، وتجوز حكايته لما تقدم وغالب ذلك لا فائدة فيه تعود على الدين.

ولذا يختلف علماء أهل الكتاب فيظهر هذا أثناء النقل عنهم مثل : أسماء أصحاب الكهف ، ولون

١٦

كلبهم ، وعدتهم ، وعصا موسى ، وأسماء الطيور التي أحياها إبراهيم عليه‌السلام ... إلخ ، مما أبهمه القرآن لأنه لا فائدة في تعيينه ، ونقل الخلاف عنهم جائز كما قال تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢] الآية. فقد اشتملت هذه الآية على الأدب في هذا المقام وتعليم ما ينبغي فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال ضعف القولين الأولين ، وسكت عن الثالث فدل على صحته إذ لو كان باطلا لرده كما ردهما ، ثم أرشد إلى أن العلم بعدهم لا طائل تحته.

فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف ، وذلك بأن تستوعب الأقوال ، ثم ينبه على الصحيح ، ويبطل الباطل ، وتذكر فائدة الخلاف.

ح ـ فصل في التفسير بأقوال التابعين

وذلك إذا لم نجد في القرآن والسنة ولا عن الصحابة فيرجع في ذلك إلى التابعين كمجاهد بن جبر ، فإنه آية في التفسير ، وسعيد بن جبير وعكرمة مولى ابن عباس وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري ، وابن المسيب ، وأبي العالية وغيرهم ، قال شعبة بن الحجاج : أقوال التابعين في الفروع ليست حجة فكيف تكون حجة في التفسير ، وهذا إذا اختلفوا أما إذا اتفقوا فهو حجة.

خ ـ تفسير القرآن بالرأي

فأما تفسير القرآن بالرأي فحرام ، وفي الحديث : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار».

وأخرج الترمذي عن جندب مرفوعا : «من قال في القرآن برأيه فأصابه ، فقد أخطأ» قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ا ه وروى أبو عبيد القاسم بن سلام عن أبي بكر ، وقد سئل عن قوله تعالى : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)) [عبس : ٣١] فقال : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم.

وروى أبو عبيد عن عمر أنه تلا هذه الآية وقال : هذه الفاكهة عرفناها فما الأب ، ثم رجع إلى نفسه ، فقال : إن هذا لتكلف يا عمر.

ولذا روى أبو عبيد عن مسلم بن يسار قال : إذا حدثت عن الله فقف حتى تنظر ما قبله ، وما بعده.

وروى أبو عبيد عن ابن المسيب أنه كان إذا سئل عن الحلال والحرام كان أعلم الناس ، وإذا سئل عن آية سكت كأن لم يسمع.

وروى الطبري عن ابن عباس قال : التفسير على أربعة أوجه : وجه تعرفه العرب في كلامها ، ووجه يعرفه كل الناس ، ووجه لا يعلمه إلا العلماء ، ووجه لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى ذكره ا ه. كلام ابن تيمية من «مقدمة في أصول التفسير».

وجاء في الأسئلة العشرة والأجوبة الفاضلة للكنوي ص ١٠١ : ما ملخصه : وقال ابن تيمية في «منهاج السنة» (٤١٤) ما ينقله الثعلبي في تفسيره لقد أجمع أهل العلم بالحديث أنه يروي طائفة في الأحاديث الموضوعة وهكذا الواحدي تلميذه. وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الثعلبي والنقاش والواحدي وأمثالهم ، لكثرة ما يروونه من الحديث. ويكون ضعيفا بل موضوعا.

١٧

قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في «التعليقات الحافلة» : والثعلبي له تفسير وعرائس المجالس في قصص الأنبياء ، وهو مطبوع منتشر ، وفيه بلاايا وزايا!! وأما الواحدي : فله كتاب أسباب النزول ، وهو مطبوع وله في التفسير ثلاثة كتب البسيط والوسيط والوجيز ، وهذا الأخير طبع بمصر قال شيخ شيوخنا الكتاني : في تفسير الثعلبي وقصصه أحاديث موضوعة وقصص باطلة. قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة : ومن الموضوع حديث فضائل السور سورة سورة ، ذكره الثعلبي والواحدي في أوائل كل سورة ، وذكره الزمخشري في أواخر كل سورة ، وهو كذب باتفاق المحدثين.

وقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة : وقد سلك الحافظ ابن كثير في تفسيره مسلكا حسنا فبين علل الأحاديث وسرد أسانيدها وتكلم على رواتها ومع ذلك فقد ندّ منه بعض الأحاديث فأورده بسنده دون أن ينبه عليه مثال ذلك : حديث ثعلبة عند قوله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) [التوبة : ٧٥] فذكره بسنده من رواية ابن جرير وابن أبي حاتم ، دون أن ينتقد سندها كعادته ، وهي قصة تالفة ، في إسنادها معان بن رفاعة قال البخاري : منكر الحديث ، أي لا يحل الرواية عنه. هكذا يعني البخاري بقوله.

لذا قال ابن حجر : ضعيف جدا.

ومع ذلك يمكن أن نقول : أحسن التفاسير المسندة التي بين أيدينا تفسير ابن كثير ثم قال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة : وقال ابن تيمية في كتابه «الرد على البكري» ص ٨ : إذا كان في تفسيري الثعلبي والواحدي ونحوهما الموضوع في الفضائل والتفسير ما لم يجز الاعتماد عليه فكيف بغيرها كتفسير أبي القاسم القشيري ابن صاحب الرسالة القشيرية. وأبي الليث السمرقندي ، وحقائق ـ التفسير للسلمي فإن فيها ما يعلم أنه من أعظم الكذب؟! مع أن هؤلاء أهل دين وصلاح ا ه.

د ـ المفسرون المكثرون

١ ـ ابن عباس : هو أكثر الصحابة وأشهرهم تفسيرا للقرآن الكريم كان له مدرسة تخرج منها مجاهد وعكرمة وغيرهما. روى له الأئمة الستة : هو عبد الله بن عباس الإمام البحر عالم العصر ، مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وله ثلاث عشرة سنة ، وقد دعا له النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الله أن يفقهه في الدين ، ويعلمه التأويل.

روى الأعمش عن أبي وائل : استعمل علي ابن عباس على الحج فخطب يومئذ خطبة ، لو سمعها الترك والروم لأسلموا ، ثم قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسرها. توفي بالطائف سنة ثمان وستين ا ه. «تذكرة الحفاظ» (١ / ٤٠).

٢ ـ الحسن بن أبي الحسن بن يسار البصري : الإمام شيخ الإسلام أبو سعيد يقال : مولى زيد بن ثابت نشأ بالمدينة ، وحفظ القرآن في خلافة عثمان ، لازم الجهاد والعلم والعمل حدث عن عثمان والمغيرة وابن عباس ، وحدث عنه قتادة وأيوب وابن عون.

وقد أفردت في ترجمته جزءا سميته : الزخرف القصري ، توفي سنة ١١٠ وله ثمان وثمانون سنة ا ه. «تذكرة الحفاظ» (١ / ٧١).

٣ ـ سعيد بن جبير : الكوفي المقرئ الفقيه أحد الأعلام سمع ابن عباس وابن عمر وطائفة ، وعنه الأعمش وأيوب قتله الحجاج سنة : ٩٥ لكونه قاتله مع ابن الأشعث وكان ابن عباس إذا حج أهل الكوفة وسألوه يقول : أليس فيكم سعيد بن جبير؟! وكان لا يدع أحدا يغتاب عنده.

٤ ـ مجاهد بن جبر : الإمام المخزومي مولاهم المكي المقرئ المفسر الحافظ ، سمع سعدا وعائشة وأبا

١٨

هريرة وابن عمر وابن عباس ولزمه مدة وقرأ عليه القرآن.

روى عنه قتادة والأعمش وخلق.

قال مجاهد : عرضت القرآن على ابن عباس ثلاث عرضات ، أقف عند كل آية أسأله فيم نزلت وكيف كانت.

روى عنه الأئمة الستة ، توفي سنة (١٠٣) وقد بلغ ثلاثا وثمانين سنة ا ه. «تذكرة الحفاظ» للذهبي (١ / ٩٢).

٥ ـ عكرمة أبو عبد الله البربري : ثم المدني الهاشمي مولى ابن عباس ، روى عن مولاه وعائشة وأبي هريرة ، وحدث عنه أيوب والحذاء وخلق ، روى له الستة ، قال عكرمة : طلبت العلم أربعين سنة. وكان ابن عباس يضع الكبل في رجلي على تعليم القرآن والسنن.

كان الحسن إذا قدم عكرمة البصرة أمسك عن التفسير والفتيا ، ما دام عكرمة بالبصرة ، قاله قرة بن خالد. توفي سنة ١٠٧ بالمدينة ا ه (تذكرة الحفاظ للذهبي) (١ / ٩٥).

٦ ـ قتادة بن دعامة : الحافظ العلامة البصري : الكفيف الأكمه المفسر حدث عن أنس وابن المسيب وخلق وحدث عن شعبة ومعمر.

وقال ابن المسيب : ما أتاني عراقي أحفظ منه.

توفي سنة ١١٨ روى له الستة ا ه. تذكرة الحفاظ (١ / ١٢٢).

٧ ـ كعب الأحبار : هو كعب بن ماتع الحميري من كبار أهل الكتاب ، أسلم في زمن أبي بكرة ، ووفد في خلافة عمر ، وأخذ عنه بعض الصحابة والتابعين ، توفي في خلافة عثمان ، وبعض النقاد في ريب منه ، إذ استمر في رواية الإسرائيليات والأباطيل.

٨ ـ وهب بن منبه : هو الحافظ الصنعاني عالم اليمن ، روى عن ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم ، وعنده علم أهل الكتاب ، وحديثه في الصحيحين والسنن إلا ابن ماجه ، كان ثقة واسع العلم إلا أن أكثر من رواية الإسرائيليات ، توفي سنة (١١٤).

والآن أذكر جملة من المفسرين ممن تكلم فيهم.

٩ ـ مقاتل بن سليمان : هو البلخي المفسر ، روى عن مجاهد والضحاك ، وعنه علي بن الجعد وآخرون.

قال ابن المبارك : ما أحسن تفسيره لو كان ثقة.

وقال الشافعي : الناس عيال في التفسير على مقاتل بن سليمان ، ا ه الميزان للذهبي (٤ / ١٧٣).

١٠ ـ الضحاك بن مزاحم البلخي : المفسر ، قال ابن عدي : إنما عرف بالتفسير ، وأما رواياته عن ابن عباس وأبي هريرة ففيها نظر ، ووثقه أحمد وضعفه القطان وكان شعبة ينكر أن يكون لقي ابن عباس ، ومع ذلك وثقه يحيى وأحمد وأبو زرعة ا ه الميزان للذهبي (٢ / ٣٢٥).

١١ ـ الكلبي : هو محمد بن السائب المفسر النسابة الأخباري ، روى له الترمذي ا ه (الميزان للذهبي) (٣ / ٥٥٦).

قال الثوري : اتقوا الكلبي. فقيل له : أنت تروي عنه. فقال : أنا أعرف صدقه من كذبه.

قال البخاري : قال المديني : قال الكلبي للثوري : كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب ـ يقصد

١٩

عن أبي صالح عن ابن عباس.

قال ابن عدي : رضوه في التفسير ، وأما الحديث فعنده مناكير.

وقال ابن حبان : كان سبائيا يقول بالرجعة لعلي.

وقال أحمد بن زهير : قلت لأحمد : يحل النظر في تفسير الكلبي قالا : لا.

وقال ابن معين : غير ثقة. كذبه الجوزجاني. قال ابن حبان : يروى عن أبي صالح عن ان عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف ، لا يحل ذكره في الكتب فكيف الاحتجاج به ا ه (الميزان للذهبي) (٢ / ٥٥٦).

١٢ ـ جويبر بن سعيد : هو البلخي المفسر صاحب الضحاك روى له ابن ماجه ، قال النسائي والدار قطني وغيرهما : متروك.

وقال يحيى القطان : تساهلوا في أخذ التفسير عن القوم لتولعهم في الحديث ثم قال : جويبر والضحاك والكلبي لا يحمد حديثهم ويكتب التفسير عنهم ا ه. (الميزان للذهبي) (١ / ٤٢٧).

١٣ ـ السدي الكبير : روى له مسلم ، وأصحاب السنن. وروى عن أنس وجماعة ، وعنه الثوري وخلق. وثقه أحمد ولينه ابن معين ، وقال ابن عدي : هو عندي صدوق مر النخعي بالسدي ، وهو يفسر لهم القرآن فقال : أما إنه يفسر تفسير القوم. ا ه. (الميزان للذهبي) (١ / ٢٣٦).

١٤ ـ السدي الصغير : محمد بن مروان يروي عن الأعمش وغيره ، تركوه وبعضهم اتهمه بالكذب ، وهو صاحب الكلبي.

قال البخاري : سكتوا عنه ا ه. (الميزان للذهبي) (٤ / ٣٢).

١٥ ـ النقاش : محمد بن الحسن الموصلي المقرئ المفسر ، قرأ بالروايات ورحل. وتعب واحتيج إليه.

قال طلحة بن محمد الشاهد : كان النقاش يكذب في الحديث والغالب عليه القصص.

وقال أبو القاسم اللالكائي : تفسير النقاش المسمى (شفاء الصدور) ، هو إشقاء الصدور ا ه (الميزان للذهبي) (٣ / ٥٢٠).

١٦ ـ الثعلبي : هو أحمد بن محمد أبو إسحاق النيسابوري : المفسر كان حافظا واعظا ، رأسا في التفسير والعربية متين الديانة توفي سنة (٤٢٧) ه (العبر للذهبي) (٢ / ٢٥٥).

١٧ ـ الواحدي : هو علي بن أحمد النيسابوري تلميذ الثعلبي وأحد من برع في العلم ، كان رأسا في العربية توفي سنة : (٤٦٨) ا ه. (العبر للذهبي) (٢ / ٣٢٢).

ذ ـ أئمة التفسير بالأثر

١ ـ عبد الرزاق الصنعاني : هو ابن همام الحافظ الحميري صاحب التصانيف ، روى عن ابن جريج والأوزاعي والثوري وخلق ، وعنه أحمد وإسحاق ويحيى ، قال الذهبي : قلت : وثقه غير واحد ، وحديثه مخرج في الصحاح ، وله ما ينفرد به ، نقموا عليه التشيع ، وما كان يغلو فيه ، توفي سنة (٢١١) ه. (تذكرة الحفاظ) (١ / ٣٦٤).

٢ ـ النسائي : هو الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي ـ نسبة إلى نسا ـ بلدة بفارس ، له كتاب السنن الكبرى ، والمجتبى والتفسير ، وخصائص علي ، وغير ذلك من الكتب

٢٠