تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

والسلام اسم جامع للخير لأنه يتضمن السلامة ، معناه إن أهل الجنة لا يسمعون ما يؤثمهم ، إنما يسمعون ما يسلمهم. وقيل : هو تسليم بعضهم على بعض وتسليم الملائكة عليهم. وقيل : هو تسليم الله عليهم ، (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ، قال أهل التفسير : ليس في الجنة ليل يعرف به البكرة والعشي ، بل هم في نور أبدا ولكنهم يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار. وقيل : إنهم يعرفون وقت النهار برفع الحجب ، ووقت الليل بإرخاء الحجب (١) ، وقيل : المراد منه رفاهية العيش وسعة الرزق من غير تضييق ، وكان الحسن البصري يقول : كانت العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق بالبكرة والعشي ، فوصف الله عزوجل (٢) جنته بذلك.

(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦٣) وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا (٦٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (٦٥) وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧))

(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا) أي نعطي وننزل. وقيل : يورث عباده المؤمنين المساكن التي كانت لأهل النار لو آمنوا ، (مَنْ كانَ تَقِيًّا) ، أي المتقين من عباده.

(وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ).

[١٣٩٧] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا خلاد بن يحيى أنا عمر بن ذر قال : سمعت أبي يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا جبريل ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا» فنزلت : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) الآية.

قال (٣) : كان هذا الجواب لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٣٩٨] وقال عكرمة والضحاك وقتادة ومقاتل والكلبي : احتبس جبريل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سأله قومه

__________________

[١٣٩٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ذرّ والد عمر هو ابن عبد الله بن زرارة الهمداني.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٣٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٧٤٥٥ عن خلاد بن يحيى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٦٨ و ٤٧٣١ والترمذي ٣١٥٨ والطبري ٢٣٨٠٥ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٨٩ و «أسباب النزول» ٦٠٦ من طرق عن عمر بن ذر به.

[١٣٩٨] ـ ذكره هاهنا تعليقا ، وإسناده إليهم أول الكتاب ، وتقدم الكلام عليه وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٠٨ عنهم بدون إسناد.

ـ وأثر الضحاك رواه الطبري ٢٣٨١٢.

ـ وأثر قتادة أخرجه الطبري ٢٣٨٠٩.

ـ ويشهد لأصله خبر ابن عباس المتقدم.

(١) في المطبوع «الستور».

(٢) زيد في المطبوع «أهل».

(٣) في المخطوط «قال» والمثبت عن البخاري.

٢٤١

عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ، فقال أخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله ، حتى شق ذلك على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم نزل بعد أيام فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبطأت علي حتى ساء ظني واشتقت إليك» ، فقال له جبريل : إني كنت أشوق [إليك منك](١) ، ولكن عبد مأمور إذا بعثت نزلت وإذا حبست احتبست ، فأنزل الله (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) وأنزل : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣) [الضحى : ١ ـ ٣].

(لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ) ، أي له علم ما بين أيدينا [وما خلفنا](٢) واختلفوا فيه فقال سعيد بن جبير وقتادة ومقاتل : ما بين أيدينا من أمر الآخرة والثواب والعقاب ، وما خلفنا ما مضى من الدنيا ، وما بين ذلك ما يكون من هذا الوقت إلى قيام الساعة ، وقيل : ما بين أيدينا من أمر الآخرة وما خلفنا من أمر الدنيا وما بين ذلك أي ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة. وقيل : ما بين أيدينا ما بقي من الدنيا وما خلفنا ما مضى منها ، وما بين ذلك مدة حياتنا. وقيل : ما بين أيدينا بعد أن نموت وما خلفنا قبل أن نخلق وما بين ذلك الهواء يريد أن ذلك كله لله عزوجل فلا نقدر على شيء إلّا بأمره. (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) ، أي ناسيا ، يقول : ما نسيك ربك أي ما تركك ، والناسي التارك.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) ، أي اصبر على نهيه وأمره. (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما [هل تعلم له مثالا](٣). وقال سعيد بن جبير : عدلا. وقال الكلبي : هل تعلم أحدا يسمى الله غيره.

(وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) ، يعني أبيّ بن خلف الجمحي كان منكرا للبعث ، قال : (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) ، من القبر ، قاله استهزاء وتكذيبا للبعث.

قال الله عزوجل : (أَوَلا يَذْكُرُ) ، أي يتذكر ويتفكر ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم ويعقوب يذكر خفيف ، (الْإِنْسانُ) ، يعني أبيّ بن خلف (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) ، أي لا يتفكر هذا الجاحد في بدء خلقه فيستدل به على الإعادة ، ثم أقسم بنفسه ، فقال :

(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١))

(فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ) أي لنجمعنهم في المعاد يعني المشركين المنكرين للبعث ، (وَالشَّياطِينَ) ، مع الشياطين ، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطانه في سلسلة ، (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ) ، قيل في جهنم (جِثِيًّا) ، قال ابن عباس رضي الله عنه : جماعات ، جمع جثوة ، وقال الحسن والضحاك : جمع جاث أي جاثين على الركب. قال السدي : قائمين على الركب لضيق المكان.

(ثُمَّ لَنَنْزِعَنَ) ، لنخرجنّ ، (مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ) ، أي من كل أمة وأهل دين من الكفار. (أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) ، عتوا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني جرأة. وقال مجاهد : فجورا يريد الأعتى فالأعتى. وقال الكلبي : قائدهم ورأسهم في الشر يريد أنه يقدم في إدخال النار من هو أكبر جرما وأشد

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٤٢

كفرا. وفي بعض الآثار أنهم يحضرون جميعا حول جهنم مسلمين مغلولين ، ثم يقدم الأكفر فالأكفر ، ورفع (أَيُّهُمْ) على معنى الذي ، يقال لهم : أيهم أشد على الرحمن عتيا. وقيل : على الاستئناف ، ثم لننزعن يعمل في موضع من كل شيعة.

(ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا) (٧٠) ، أي أحق بدخول النار ، يقال : صلي يصلى صليا مثل لقي يلقى لقيا ، وصلى يصلي صليا مثل مضى يمضي مضيا ، إذا دخل النار وقاسى حرّها.

(وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ، أي وما منكم إلا واردها ، وقيل : القسم فيه (١) مضمر أي والله ما منكم من أحد إلا واردها ، والورود هو موافاة المكان ، [واختلفوا في معنى الورود هنا](٢) وفيما تنصرف إليه الكناية في قوله : (وارِدُها) قال ابن عباس رضي الله عنه وهو قول الأكثرين معنى الورود هاهنا هو الدخول ، والكناية راجعة إلى النار ، وقالوا : النار يدخلها البر والفاجر ، ثم ينجي الله المتقين ، فيخرجهم منها ، والدليل على أن الورود هو الدخول قول الله عزوجل حكاية عن فرعون : (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) [هود : ٩٨] ، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار أن (نافع بن الأزرق ما روى ابن عباس) (٣) رضي الله عنهما في الورود ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : هو الدخول. وقال نافع : ليس الورود الدخول ، تلا عبد الله بن عباس رضي الله عنه قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٩٨) [الأنبياء : ٩٨] أدخلها هؤلاء أم لا؟ ثم قال : يا نافع أما والله أنا وأنت سنردها ، وأنا أرجو أن يخرجني الله منها ، وما أرى الله عزوجل يخرجك منها بتكذيبك. وقال قوم : ليس المراد من الورود الدخول ، وقالوا : النار لا يدخلها مؤمن أبدا ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) [الأنبياء : ١٠١ ـ ١٠٢] ، وقالوا : كل من دخلها لا يخرج منها ، والمراد من قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ، الحضور والرؤية ، لا الدخول ، كما قال تعال : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) [القصص : ٢٣] أراد به الحضور ، وقال عكرمة. الآية [في الكفار](٤) فإنهم يدخلونها ولا يخرجون منها. وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أنه قال : وإن منكم إلا واردها يعني القيامة والكناية راجعة منها. والأول أصح ، وعليه أهل السنة أنهم جميعا يدخلون النار ثم يخرج الله عزوجل منها أهل الإيمان ، بدليل قوله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) [مريم : ٧٢] ، أي اتقوا الشرك ، وهم المؤمنون. والنجاة إنّما تكون مما دخلت فيه لا ما وردت ، وقرأ الكسائي ويعقوب ننجي بالتخفيف والآخرون بالتشديد ، والدليل على هذا ما :

[١٣٩٩] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد

__________________

[١٣٩٩] ـ حديث صحيح. عبد الرحيم بن منيب مجهول ، لكن توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، سفيان بن عيينة ، الزهري محمد بن مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٥٣٧ بهذا الإسناد.

ـ أخرجه البخاري ١٢٥١ ومسلم ٢٦٣٢ ح ١٥٠ وابن ماجه ١٦٠٣ وأحمد ٢ / ٢٣٩ من طرق عن سفيان بن عيينة به.

ـ أخرجه البخاري ٦٦٥٦ ومسلم ٢٦٣٢ ج ١٥٠ والترمذي ١٠٦٠ والنسائي ٤ / ٢٥ وابن حبان ٢٩٤٢ والبيهقي ٤ / ٦٧ و ٧ / ٧٨ و ١٠ / ٦٤ من طرق عن مالك عن الزهري به ، وهو في «الموطأ» ١ / ٢٣٥.

(١) في المطبوع «في».

(٢) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٣) في «الدر المنثور» (٤ / ٢٨٠): «خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٤٣

الطوسي أنا عبد الرحيم بن منيب أنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم» ، وأراد بالقسم قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها).

[١٤٠٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنا أحمد [بن عبد الله](٢) النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسلم بن إبراهيم أنا هشام أنا قتادة عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير. ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير.» وقال أبان عن قتادة : «من إيمان» مكان «خير».

[١٤٠١] أخبرنا أبو المظفر محمد بن إسماعيل بن علي الشجاعي أنا أبو نصر النعمان بن محمد بن محمود الجرجاني أنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري أنا محمد بن عبد الوهاب أنا محمد بن الفضل أبو النعمان أنا سلام بن مسكين أنا أبو الظلال عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أن رجلا في النار ينادي ألف سنة يا حنان يا منان فيقول الله عزوجل لجبير اذهب فائتني بعبدي هذا ، قال : فذهب جبريل فوجد أهل النار منكبين يبكون ، قال : فرجع [جبريل](٣) فأخبر ربه عزوجل ، قال : اذهب فإنه في موضع كذا وكذا ، قال : فجاء به ، قال [الله](٤) : يا عبدي كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ قال : يا رب شرّ مكان وشرّ مقيل ، قال : ردوا عبدي ، قال : ما كنت أرجو أن تعيدني إليها إذ أخرجتني منها ، قال الله تعالى لملائكته : دعوا عبدي».

__________________

ـ وأخرجه مسلم ٢٦٣٢ ح ١٥٠ والبيهقي ٤ / ٦٧ من طريق معمر عن الزهيري به.

ـ وأخرجه البيهقي ٤ / ٦٨ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة.

[١٤٠٠] ـ إسناده صحيح الى شرط البخاري ومسلم ، هشام هو ابن عبد الله الدّستوائي ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٥٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٤ عن مسلم بن إبراهيم به.

ـ وأخرجه مسلم ١٩٣ ح ٣٢٥ والترمذي ٢٥٩٣ والطيالسي ١٩٦٦ وأبو يعلى ٢٩٢٧ و ٢٩٧٧ و ٣٢٧٣ وابن أبي عاصم ٨٥٠ وأبو عوانة ١ / ١٨٤ وابن حبان ٧٤٨٤ من طرق عن هشام به.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٥٩٣ والطيالسي ١٩٦٦ وأبو يعلى ٣٢٧٣ وابن أبي عاصم ٨٥١ وأحمد ٣ / ١٧٣ و ٢٧٦ وأبو عوانة ١ / ١٨٤ من طريق شعبة به.

ـ أخرجه البخاري تعليقا بإثر الحديث ٤٤ عن أبان بن يزيد العطار عن قتادة به.

ـ وأخرجه البخاري ٧٥٠٩ والآجري في الشريعة ٣٤٥ من طريق أبي بكر بن عياش عن حميد عن أنس.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨ من طريق ثابت عن أنس.

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٧٠ من طريق عبيد الله بن أبي بكر عن جدة أنس.

ـ وأخرجه الطبراني في «الصغير» ٢ / ٤١ من طريق عبد الله بن الحارث عن أنس.

[١٤٠١] ـ إسناده ضعيف لضعف أبي ظلال واسمه هلال ، قيل : ابن أبي هلال ، وقيل : ابن أبي مالك ، وقيل غير ذلك ، جزم الحافظ في «التقريب» بضعفه ، ولم يتهمه أحد بكذب.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٥٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢٣٠ وأبو يعلى ٤٢١٠ وابن خزيمة في «التوحيد» ٢ / ٧٤٩ ـ ٧٥٠ وابن حبان في «المجروحين» ٣ /

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٤٤

وأما قوله عزوجل : (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) [الأنبياء : ١٠٢] فقيل : إن الله عزوجل أخبر عن وقت كونهم في الجنة أنهم لا يسمعون حسيسها فيجوز أن يكونوا قد سمعوا ذلك قبل دخولهم الجنة ، لأنه لم يقل لم يسمعوا حسيسها ويجوز أن لا يسمعوا حسيسها عند دخولهم إيّاها ، لأن الله عزوجل يجعلها عليهم بردا وسلاما.

وقال خالد بن معدان : يقول أهل الجنة ألم يعدنا ربنا أن نرد النار [قبل أن ندخل الجنة](١) ، فيقال : بلى ولكنكم مررتم بها ، وهي خامدة.

[١٤٠٢] وفي الحديث «تقول النار للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي».

وروي عن مجاهد [في](٢) قوله عزوجل : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) قال : من حمّ من المسلمين فقد وردها.

__________________

٨٦ والبيهقي في «البعث» ٥٣ وفي «الأسماء والصفات» ١٤٠ وابن الجوزي في «الموضوعات» ٣ / ٢٦٧ من طرق عن سلام بن مسكين به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣٨٤ وقال : رواه أحمد وأبو يعلى ، ورجالهما رجال الصحيح ، غير أبي ظلال ، وضعفه الجمهور ، ووثقه ابن حبان.

ـ وقال ابن الجوزي : هذا حديث ليس بصحيح قال يحيى بن معين : أبو ظلال اسمه هلال ليس بشيء ، وقال ابن حبان :

كان مغفلا يروي عن أنس ما ليس من حديثه.

ـ ويشهد لقوله «يا حنان يا منان» حديث أبي ذر عند الحاكم في «معرفة علوم الحديث» ص ١٠٥ وفي إسناده حكيم بن جبير ، وهو ضعيف كما في «التقريب».

ـ وفيه كثير بن يحيى ، وهو ضعيف عنده مناكير ، فالخبر ضعيف لا يتقوى مع شاهده لقعود الجابر ، ونكارة المتن ، والله أعلم.

[١٤٠٢] ـ ضعيف منكر. أخرجه ابن عدي في «الكامل» ٦ / ٣٩٤ والطبراني في «الكبير» ٢٢ / ٢٥٨ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ٩٢.

وأبو نعيم في «الحلية» ٩ / ٣٢٩ من طرق عن سليم بن منصور بن عمّار عن أبيه عن بشير بن طلحة عن خالد بن الدريك عن يعلى بن منية مرفوعا ، وإسناده ضعيف جدا لضعيف سليم وأبيه ، وبشير بن طلحة غير قوي ، وهو منقطع بين خالد ويعلى.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٣٦٠ : رواه الطبراني ، وفيه سليم بن منصور بن عمار ، وهو ضعيف.

ـ وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» ٥ / ١٩٤ من طريق منصور بن عمّار عن خالد بن الدريك عن يعلى بن منية وإسناده ضعيف لانقطاعه.

ـ وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٩ / ٣٢٩ من طريق محمد بن جعفر ـ صاحب منصور ـ عن بشير بن طلحة عن خالد عن يعلى به ، وإسناده منقطع.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٣٧٥ من طريق سليم بن منصور عن أبيه عن الهقل بن زياد عن خالد عن بشير عن يعلى به.

وقال البيهقي : تفرّد به سليم بن منصور ، وهو منكر.

وانظر «المقاصد الحسنة» للسخاوي ١٠١٠ فالحديث معلول ، والمتن منكر.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٤٥

[١٤٠٣] وفي الخبر «الحمى كير من جهنم وهي حظ المؤمن من النار».

[١٤٠٤] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن المثنى أنا يحيى عن هشام أخبرني أبي عن عائشة [رضي الله عنها](١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء».

(كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) ، أي كان ورودكم جهنم حتما لازما مقضيا قضاه الله [تعالى](٢) عليكم.

(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا (٧٢))

__________________

[١٤٠٣] ـ صدره صحيح ، وعجزه حسن. أخرجه أحمد ٥ / ٢٥٢ و ٢٦٤ والطبراني في «الكبير» ٧٤٦٨ من حديث أبي أمامة بلفظ «الحمى كير من جهنم ، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من جهنم» وإسناده ضعيف لجهالة أبي حصين.

ـ ولقوله «الحمى كير من جهنم» شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه ٣٤٧٥ بلفظ «الحمى كير من كير جهنم فنحوها عنكم بالماء البارد».

وقال البوصيري في «الزوائد» : إسناده صحيح ، ورجاله ثقات.

ـ وله شاهد آخر من حديث ابن عمر أخرجه البخاري ٥٧٢٣ ومسلم ٢٢٠٩ وابن ماجه ٣٤٧٢ وأحمد ٢ / ٢١ وابن أبي شيبة ٨ / ٨١ وابن حبان ٦٠٦٦ و ٦٠٦٧ بلفظ «الحمى من فيح جهنم ، فأطفئوها بالماء».

ـ ومن حديث ابن عباس عند البخاري ٣٢٦١ وأحمد ١ / ٢٩١ وابن أبي شيبة ٨ / ٨١ وابن حبان ٦٠٦٨.

ـ ومن حديث عائشة ، وهو الآتي.

ـ ومن حديث أسماء عند البخاري ٥٧٢٤ ومسلم ٢٢١١.

ـ ولقوله : «وهي حظ المؤمن من النار» شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه ٣٤٧٠ وأحمد ٢ / ٤١٠ وابن أبي شيبة ٢ / ٢٩٩ والحاكم ١ / ٣٤٥ والواحدي في «الوسيط» ٣ / ١٩٢ ورجاله ثقات ، صححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

ويشهد له أيضا حديث أنس عند البزار ٧٦٢ وحديث عائشة عنده أيضا برقم ٧٦٥ وكلا الإسنادين ضعيف.

ـ وله شواهد أخرى قال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٣ / ٣٥ : وكلها ضعيفة ا ه.

لكن لعلها تتأيد بمجموعها.

وانظر «الكشاف» ٦٧٢ و ٦٧٣ بترقيمي. و «مجمع الزوائد» ٢ / ٢٠٦ و «الصحيحة» ٤ / ٤٣٨.

[١٤٠٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ يحيى هو ابن سعيد القطعان ، هشام هو ابن عروة بن الزبير.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣١٢٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٥٧٢٥ عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٥٠ وأبو يعلى ٤٦٣٥ من طريق يحيى بن سعيد به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٦٣ ومسلم ٢٢١٠ والترمذي ٢٠٧٥ وابن ماجه ٣٤٧١ من طرق عن أبي هريرة به ، وانظر ما قبله.

ـ وأخرجه مسلم ١٨٦ ح ٣٠٩ وأحمد ١ / ٣٧٨ ـ ٣٧٩ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٣١٧ ـ ٣١٨ وابن مندة في «الإيمان» ٨٤٣ وابن حبان ٧٤٢٧ من طرق عن أبي معاوية به.

ـ وأخرجه ابن مندة ٨٤٤ من طريق وكيع عن الأعمش به.

ـ أخرجه البخاري ٧٥١١ وابن خزيمة ص ٣١٧ وأحمد ١ / ٤٦٠ والطبراني ١٠٣٣٩ من طرق عن منصور عن إبراهيم به بنحوه.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

٢٤٦

(ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا) ، أي اتقوا الشرك ، قرأ الكسائي [ويعقوب](١) ننجي بالتخفيف ، والباقون بالتشديد ، (وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) ، جميعا. وقيل : جاثين على الركب ، وفيه دليل على أن الكل دخلوها ثم أخرج الله منها المتقين ، وترك فيها الظالمين ، وهم المشركون.

[١٤٠٥] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب وعطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال : «هل تمارون (٢) في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب» ، فقالوا : لا يا رسول الله ، قال : «فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب» (٣) ، قالوا : لا ، قال : «فإنكم ترونه كذلك يحشر الناس يوم القيامة فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله عزوجل فيقول : أنا ربكم فيقولون [هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم ، فيقولون](٤) : أنت ربنا [فيدعوهم](٥) ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا : نعم ، قال : فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله ، تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعمله ، ومنهم من يخردل ثم ينجو ، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، وأمر الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، [فيخرجون من النار](٦) فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل [ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد](٧) ، ويبقى رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل الأرض دخولا إلى الجنة مقبل بوجهه قبل النار ، فيقول : يا رب اصرف وجهي عن النار ، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها ، فيقول : هل عسيت أن أفعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟ فيقول : لا وعزتك فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثاق فيصرف الله وجهه عن النار ، فإذا أقبل به على الجنة ورأى بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم قال : يا رب قدمني عند باب الجنة ، فيقول الله تبارك وتعالى : أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت ، فيقول : يا رب لا أكون أشقى خلقك ، فيقول : فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره؟ فيقول : لا وعزتك لا أسأل غير ذلك ، فيعطي ربه ما شاء من عهد وميثاق ، فيقدمه إلى باب الجنة فإذا بلغ بابها فرأى زهرتها وما فيها من النضرة

__________________

[١٤٠٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم. أبو اليمان هو الحكم بن نافع ، شعيب هو ابن أبي حمزة ـ دينار. وهو في «شرح السنة» ٤٢٤٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٨٠٦ عن أبي اليمان بهذا الإسناد. وأخرجه البخاري ٦٥٧٣ ومسلم ١٨٢ ح ٣٠٠ وابن أبي عاصم في «السنة» ٤٥٦ و ٤٧٨ واللالكائي ٨١٥ وابن مندة في «الإيمان» ٨٠٧ من طرق عن أبي اليمان به.

تنبيه : ساق المصنّف رحمه‌الله متن الحديث من رواية البخاري الأولى أولا ثم أدخل فيه بعض الألفاظ من الرواية الثانية عند البخاري.

(١) زيادة عن ـ ط ـ وهو الصواب كما في كتب القراءات.

(٢) في المطبوع «تضارون» والمثبت من عامة كتب الحديث.

(٣) في المطبوع المخطوط «حجاب».

(٤) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».

(٥) سقط من المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».

(٧) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».

٢٤٧

والسرور ، فسكت ما شاء الله أن يسكت ، فيقول : يا رب أدخلني الجنة فيقول الله تعالى : ويلك (١) يا ابن آدم ما أغدرك (٢) ، أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟ فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله منه [فإذا ضحك أذن له في دخول الجنة](٣) فيقول : تمن فيتمنى حتى إذا انقطعت أمنيته ، قال الله تعالى : تمن كذا وكذا أقبل يذكره ربه حتى إذا انتهت به الأماني ، قال الله تعالى لك ذلك (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) قال أبو سعيد لأبي هريرة إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال [الله تعالى لك](٤) ذلك وعشرة أمثاله» قال أبو هريرة : لم أحفظ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا قوله لك ذلك : (وَمِثْلَهُ مَعَهُ) ، قال أبو سعيد إني سمعته يقول «ذلك لك وعشرة أمثاله».

[١٤٠٦] ورواه محمد بن إسماعيل عن محمود بن غيلان أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة بمعناه ، فقال : «فيأتيهم الله عزوجل في غير الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم ، فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه».

[١٤٠٧] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان (٥) عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمما ثم تدركهم الرحمة ، قال : فيخرجون فيطرحون على أبواب الجنة ، قال : فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنبت القثاء في حميل السيل ، ثم يدخلون الجنة».

[١٤٠٨] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني (٦) أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب أنا أبو عيسى الترمذي أنا هناد بن السّريّ أنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لأعرف آخر أهل النار [خروجا من النار](٧) رجل

__________________

[١٤٠٦] ـ حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ، عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، الزهري هو محمد بن مسلم ، وهو عند البخاري ٦٥٧٣.

من طريق عبد الرزاق ، وإنما أخرجه مسلم ١٨٢ ح ٣٠١ وأحمد ٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ و ٥٣٣ ـ ٥٣٤ وابن أبي عاصم ٤٥٥ و ٤٧٦ وابن مندة ٨٠٥ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه البخاري ٧٤٣٧ ومسلم ١٨٢ ح ٢٩٩ وابن أبي عاصم ٤٥٣ و ٤٧٥ وأحمد ٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤ والطيالسي ٢٣٨٢ وابن مندة ٨٠٤ من طرق عن الزهري به.

[١٤٠٧] ـ صحيح ، محمد بن حماد هو الأبيوردي ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

أبو معاوية محمد بن حازم ، الأعمش سليمان بن مهران ، أبو سفيان طلحة بن نافع. وهو في «شرح السنة» ٤٢٥٥ بهذا الإسناد. وأخرجه الترمذي ٢٥٩٧ وأحمد ٣ / ٣٩١ من طريقين عن أبي معاوية به. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه مسلم ١٩١ من وجه آخر من حديث جابر بنحوه.

[١٤٠٨] ـ إسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى هناد ، فإنه من رجال مسلم ، وقد توبع ومن دونه.

ـ أبو معاوية محمد بن خازم ، الأعمش سليمان بن مهران ، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي ، عبيدة هو ابن عمرو.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٥٢ بهذا الإسناد. وهو في «سنن الترمذي» ٢٥٩٥ عن هناد بهذا الإسناد.

(١) كذا في المطبوع و «شرح السنة» و «صحيح البخاري» ووقع في المخطوط و ـ ط «ويحك».

(٢) تصحف في المطبوع «أعذرك».

(٣) زيادة عن المطبوع و «صحيح البخاري» في الرواية الثانية.

(٤) سقط من المخطوط.

(٥) تصحف في المخطوط «شقيق».

(٦) تصحف في المخطوط «الجرجاني».

(٧) سقط من المطبوع.

٢٤٨

يخرج منها زحفا فيقال له : انطلق فادخل الجنة ، قال : فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل ، فيرجع فيقول : يا رب قد أخذ الناس المنازل ، فيقال له : أتذكر الزمان الذي كنت فيه؟ فيقول : نعم فيقال له : تمن ، فيتمنى ، فيقال له : إن لك الذي تمنيته وعشرة أضعاف الدنيا ، قال فيقول : أتسخر بي وأنت الملك (١)؟ قال : فلقد رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ضحك حتى بدت نواجذه».

[١٤٠٩] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا حاجب بن أحمد الطوسي أنا محمد بن حماد أنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر عن حفصة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدرا والحديبية» قالت : قلت يا رسول الله أليس قد قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) (٧١) [مريم : ٧١]؟ قال : أفلم (٢) تسمعيه يقول : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) (٧٢).

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (٧٣) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً (٧٤) قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً (٧٥) وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا (٧٦) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧))

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) ، واضحات ، (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يعني النضر بن الحارث وذويه من قريش ، (لِلَّذِينَ آمَنُوا) ، يعني فقراء أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانت فيهم قشافة وفي عيشهم خشونة وفي ثيابهم رثاثة ، وكان المشركون يرجّلون شعورهم (٣) ويدهنون رءوسهم ويلبسون [أعز](٤) ثيابهم ، فقالوا للمؤمنين (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً) ، منزلا ومسكنا ، وهو موضع الإقامة ، وقرأ ابن كثير : «مقاما» بضم الميم أي [موضع الإقامة](٥) ، (وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) ، أي مجلسا ، ومثله النادي ، فأجابهم الله تعالى فقال :

__________________

[١٤٠٩] ـ إسناده صحيح ، محمد بن حماد هو الأبيوردي ثقة ، وقد توبع ومن دونه ومن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى أم مبشر ، روى لها مسلم دون البخاري ، أبو معاوية محمد بن خازم ، الأعمش سليمان بن مهران ، أبو سفيان طلحة بن نافع ، جابر بن عبد الله ، أم مبشر هي حميمة بنت صيفي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٨٨٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٢٨٥ والطبري ٢٣٨٦٠ وأبو يعلى ٧٠٤٤ من طرق عن أبي معاوية بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٣٦٢ والطبري ٢٣٨٥٨ من طريق ابن إدريس عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو في بيت حفصة ...

ـ وأخرجه مسلم ٢٤٩٦ وأحمد ٦ / ٤٢٠ من وجه آخر عن أبي الزبير أنه سمع جابر يقول : أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول عند حفصة ...

(١) زيد في المطبوع «الجبار».

(٢) في «شرح السنة» «فكم».

(٣) في المطبوع «شعارهم».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «إقامة».

٢٤٩

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً) ، أي متاعا وأموالا. قال مقاتل : لباسا وثيابا ، (وَرِءْياً) ، قرأ أكثر القراء بالهمز أي منظرا من الرؤية ، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر ونافع غير ورش «ريا» مشددا بغير همز ، وله تفسيران أحدهما هو الأول بطرح الهمزة والثاني من الري الذي هو ضد العطش ، ومعناه الارتواء من النعمة ، فإن المتنعم يظهر فيه ارتواء النعمة ، والفقير يظهر عليه (١) ذيول الفقر.

(قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) ، هذا أمر بمعنى الخبر ، معناه يدعه في طغيانه ويمهله في كفره ، (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ) ، وهو الأسر والقتل في الدنيا ، (وَإِمَّا السَّاعَةَ) ، يعني القيامة فيدخلون النار ، (فَسَيَعْلَمُونَ) ، عن ذلك (مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) ، منزلا ، (وَأَضْعَفُ جُنْداً) ، أقل ناصرا أهم أم المؤمنون؟ لأنهم في النار والمؤمنون في الجنة. وهذا ردّ عليهم في قوله : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا).

(وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) ، أي إيمانا وإيقانا على يقينهم ، (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) ، الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ، (خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا) عاقبة ومرجعا.

قوله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) (٧٧).

[١٤١٠] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عمر بن حفص أنا أبي أنا الأعمش عن (٢) مسلم عن مسروق حدثنا خباب قال : كنت قينا فعملت للعاص بن وائل فاجتمع مالي عنده فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد ، فقلت : أما والله حتى تموت ثم تبعث [فلا](٣) ، قال : وإني لميت ثم مبعوث؟ قلت : نعم ، قال : [و](٤) إنه سيكون لي ثم مال وولد فأقضيك ، فأنزل الله عزوجل : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) (٧٧).

(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢)

__________________

[١٤١٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ حفص والد عمر هو ابن غياث ، الأعمش سليمان بن مهران ، مسلم هو ابن صبيح ، مسروق هو ابن الأجدع ، خباب بن الأرت.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٢٢٧٥ من طريق عمر بن حفص بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٧٣٢ و ٤٧٣٣ ومسلم ٢٧٩٥ ح ٣٦ والترمذي ٣١٦٢ وأحمد ٥ / ١١٠ وابن حبان ٥٠١٠ من طرق عن سفيان عن الأعمش به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٠٩١ و ٢٤٢٥ و ٤٧٣٤ و ٤٧٣٥ ومسلم ٢٧٩٥ والنسائي في «التفسير» ٣٤٢ وأحمد ١ / ١١١ وابن حبان ٤٨٨٥ والواحدي في «أسباب النزول» ٦١٠ و ٦١١ والطبراني ٣٦٥١ و ٣٦٥٢ و ٣٦٥٤ من طرق عن الأعمش به.

(١) في المخطوط «فيه».

(٢) تصحف في المطبوع «بن».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) زيادة عن «صحيح البخاري».

٢٥٠

أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا (٨٣) فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا (٨٤) يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥))

(أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) ، قال ابن عباس : انظر في اللوح المحفوظ. وقال مجاهد : أعلم [علم](١) الغيب حتى يعلم أفي الجنة هو أم لا؟ (أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) ، يعني قال لا إله إلا الله. وقال قتادة : يعني عمل عملا صالحا قدمه. وقال الكلبي : عهد إليه أن يدخل الجنة.

(كَلَّا) ، ردّ عليه يعني لم يفعل ذلك ، (سَنَكْتُبُ) ، سنحفظ عليه ، (ما يَقُولُ) ، فنجازيه به في الآخرة. وقيل : نأمر الملائكة حتى يكتبوا ما يقول. (وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا) ، أي نزيده عذابا فوق العذاب. وقيل : نطيل مدة عذابه.

(وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) ، أي ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إيّاه وإبطال ملكه وقوله ما يقول لأنه زعم أن له مالا وولدا في الآخرة ، أي لا يعطيه ويعطي غيره فيكون الإرث راجعا إلى ما تحت القول لا إلى نفس القول. وقيل : معنى قوله : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) أي : نحفظ ما يقول حتى نجازيه به ، (وَيَأْتِينا فَرْداً) ، يوم القيامة بلا مال ولا ولد.

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) يعني مشركي قريش اتخذوا الأصنام آلهة يعبدونها ، (لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا) ، أي منعة ، يعني يكونون لهم شفعاء يمنعونهم من العذاب.

(كَلَّا) ، أي ليس الأمر كما زعموا ، (سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ) ، أي يجحد الأصنام والآلهة التي كانوا يعبدونها عبادة المشركين ويتبرءون منهم ، كما أخبر الله تعالى [عنهم](٢) (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص : ٦٣] ، (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) ، أي أعداء لهم ، وكانوا أولياءهم في الدنيا. وقيل : أعوانا عليهم يكذبونهم ويلعنونهم.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ) ، أي سلطناهم عليهم وذلك حين قال لإبليس : (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ) [الإسراء : ٦٤] ، الآية ، (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا) ، تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية ، والأزّ والهزّ التحريك أي تحركهم وتحثهم على المعاصي.

(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ) ، أي لا [تعجل بطلب](٣) عقوبتهم ، (إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا) ، قال الكلبي : يعني الليالي والأيام والشهور والأعوام. وقيل : الأنفاس التي يتنفسون بها في الدنيا إلى الأجل الذي أجل لعذابهم.

قوله : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) (٨٥) أي اذكر لهم يا محمد اليوم الذي يجتمع فيه من اتقى الله في الدنيا بطاعته إلى الرحمن ، أي إلى جنته وفدا أي جماعات جمع وافد ، مثل راكب وركب ، وصاحب وصحب. وقال ابن عباس : ركبانا. وقال أبو هريرة : على الإبل.

وقال علي بن أبي طالب : ما يحشرون والله على أرجلهم ولكن على نوق رحالها الذهب ونجائب سرجها يواقيت إن هموا بها سارت وإن هموا بها طارت.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «تطلب» بدل المثبت.

٢٥١

(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً (٨٦) لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٨٧) وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً (٩١))

(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ) ، الكافرين الكاذبين ، (إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) ، أي : مشاة. وقيل : عطاشا قد تقطعت أعناقهم من العطش. والورد جماعة يردون الماء ولا يرد أحد الماء إلا بعد العطش.

(لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً) (٨٧) ، يعني : لا إله إلا الله. وقيل : معناه لا يشفع الشافعون لمن اتخذ عند الرحمن عهدا يعني المؤمنين ، كقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [الأنبياء : ٢٨] ، وقيل : لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله أي لا يشفع إلا المؤمن.

(وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً) (٨٨) ، يعني اليهود والنصارى ، ومن زعم أن الملائكة بنات الله ، وقرأ حمزة والكسائي «ولدا» بضم الواو وسكون اللام هاهنا وفي الزخرف [٨١] وسورة نوح [٢٧] ، ووافق ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب في سورة نوح ، [والباقون بفتح الواو واللام](١) ، وهما لغتان مثل العرب والعرب والعجم والعجم.

(لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا) (٨٩) ، قال ابن عباس منكرا. وقال قتادة ومجاهد : عظيما. وقال مقاتل : لقد قلتم قولا عظيما. والإدّ في كلام العرب أعظم الدواهي.

(تَكادُ السَّماواتُ) ، قرأ نافع والكسائي يكاد بالياء هاهنا وفي (حم (١) عسق) (٢) [الشورى : ١ ـ ٢] لتقدم الفعل ، وقرأ الباقون بالتاء لتأنيث السموات ، (يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) ، هاهنا وفي (حم عسق) بالنون من الانفطار [قرأ](٢) أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب (٣) وافق ابن عامر وحمزة هاهنا لقوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) (١) [الانفطار : ١] و (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ) [المزمل : ١٨] ، وقرأ الباقون بالتاء من التفطر ومعناهما واحد ، يقال : انفطر الشيء وتفطر أي تشقق. (وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ) ، أي : تنكسر كسرا. وقيل : تنشق الأرض أي تنخسف بهم ، والانفطار في السماء أن تسقط عليهم (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) أي تنطبق عليهم.

(أَنْ دَعَوْا) ، أي من أجل أن جعلوا (لِلرَّحْمنِ وَلَداً) ، قال ابن عباس وكعب : فزعت السموات والأرض والجبال وجميع الخلائق إلا الثقلين ، وكادت أن تزول وغضبت الملائكة واستعرت جهنم حين قالوا : اتخذ الله ولدا ، ثم نفى الله عن نفسه الولد فقال :

(وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً (٩٢) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً (٩٣) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا (٩٦) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا (٩٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً (٩٨))

__________________

(١) عبارة المخطوط «وقرأ أبو عمرو بفتح الواو واللام».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيد في المخطوط «بالياء».

٢٥٢

(وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٩٢) ، أي ما يليق به اتخاذ الولد ولا يوصف به.

(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ) ، أي إلا آتيه يوم القيامة ، (عَبْداً) ذليلا خاضعا يعني [أن](١) الخلق كلهم عبيده (٢).

(لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) أي عد أنفاسهم وأيامهم وآثارهم ، فلا يخفى عليه شيء.

(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) (٩٥) [أي](٣) وحيدا ليس معه من الدنيا شيء.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٩٦) أي : محبة. قال مجاهد : يحبهم الله ويحببهم إلى عباده المؤمنين.

[١٤١١] أنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الدوادي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا أحب الله العبد قال لجبريل : قد أحببت فلانا فأحبه ، فيحبه جبريل ، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله عزوجل قد أحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض ، وإذا أبغض [الله](٤) العبد» قال مالك لا أحسبه إلّا قال في البغض مثل ذلك.

قال هرم بن حيان : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عزوجل إلّا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم.

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) ، أي سهلنا القرآن بلسانك يا محمد ، (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) ، يعني المؤمنين ، (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) شدادا في الخصومة ، جمع الألد. وقال الحسن : صما عن الحق. قال مجاهد : الألد الظالم الذي لا يستقيم. قال أبو عبيدة : الألد الذي لا يقبل الحق ويدعي الباطل.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هَلْ تُحِسُ) ، هل ترى ، وقيل : هل تجد ، (مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) ، أي صوتا ، والركز الصوت الخفي قال الحسن : أي بادوا جميعا فلم يبق منهم عين ولا أثر.

__________________

[١٤١١] ـ إسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى سهيل بن أبي صالح ، من رجال مسلم ، وروى له البخاري مقرونا ، أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر. أبو صالح اسمه ذكوان مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٦٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ٢ / ٩٥٣ و ٣ / ١٢٨ عن سهيل بن أبي صالح به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٦٣٧ وابن حبان ٣٦٥ من طريقين عن مالك به.

ـ وأخرجه عبد الرزاق ١٩٦٧٣ ومسلم ٢٦٣٧ والترمذي ٣١٦١ وأحمد ٢ / ٢٦٧ و ٣٤١ والطيالسي ٢٤٣٦ وأبو نعيم في «الحلية» ٧ / ١٤١ و ٣٠٦ من طرق سهيل بن أبي صالح به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٠٩ و ٦٠٤٠ و ٧٤٨٥ وأحمد ٢ / ٥١٤ وابن حبان ٣٦٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٣ / ٢٥٨ من طريقين عن أبي هريرة به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «عبيد».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٥٣

تفسير سورة طه

مكية [وهي مائة وأربع ، وقيل : خمس وثلاثون آية](١)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(طه (١) ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى (٢) إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى (٣) تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى (٤) الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥) لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَما تَحْتَ الثَّرى (٦))

[١٤١٢] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن أبي أويس (٢) حدثني أبي عن أبي بكر الهذلي (٣) عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أعطيت السورة التي ذكرت فيها البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت طه والطواسين من ألواح موسى [عليه‌السلام](٤) ، وأعطيت فواتح القرآن وخواتيم السورة التي ذكرت فيها البقرة من كنز تحت العرش ، وأعطيت المفصل نافلة».

(طه) ، قرأ أبو عمرو بفتح الطاء وكسر الهاء ، ويكسرهما حمزة والكسائي وأبو بكر ، والباقون بفتحهما ، قيل : هو قسم. وقيل : اسم من أسماء الله تعالى. وقال مجاهد والحسن وعطاء والضحاك : معناه يا رجل. وقال قتادة : هو يا رجل بالسريانية. وقال الكلبي : هو يا إنسان بلغة عك. وقال مقاتل : معناه طأ الأرض بقدميك يريد في التهجد. وقال محمد بن كعب القرظي : هو قسم أقسم الله عزوجل

__________________

[١٤١٢] ـ إسناده ضعيف لضعف أبي بكر الهذلي ، وابن أبي أويس ، فيه كلام ، وأبو عنده مناكير ، وكلاهما وثق ، وعلة الحديث هي ضعف الهذلي ، وهو سلّمى بن عبد الله بن سلّمى البصري ، ابن أبي أويس هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي ، عكرمة هو مولى ابن عباس.

ـ وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» ٤ / ٥١٥ لابن مردويه وحده!.

ـ وله شاهد من حديث معقل بن يسار :

ـ أخرجه الحاكم ١ / ٥٦٨ / ٢٠٨٧ والبيهقي في «الشعب» ٢٤٧٨ وإسناده ضعيف جدا ، صححه الحاكم ، وتعقبه الذهبي بقوله : عبيد الله بن أبي حميد ، قال أحمد : تركوا حديثه.

(١) زيد في المطبوع.

(٢) تصحف في المخطوط «إدريس».

(٣) تصحف في المخطوط «الهزلي».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٥٤

بطوله وهدايته. قال سعيد بن جبير : الطاء افتتاح اسمه طاهر والهاء افتتاح اسمه هاد.

ع [١٤١٣] قال الكلبي : لما نزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان يراوح بين قدميه في الصلاة لطول قيامه وكان يصلي الليل كله فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يخفف عن (١) نفسه فقال :

(ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢).

ع [١٤١٤] وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة فقالوا ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك ، فنزلت : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) (٢) أي لتتعنى وتتعب ، وأصل الشقاء في اللغة العناء.

(إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) (٣) ، أي لكن أنزلناه عظة لمن يخشى. وقيل : تقديره ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ، ما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى.

(تَنْزِيلاً) ، بدل من قوله تذكرة ، (مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ) أي من الله الذي خلق الأرض ، (وَالسَّماواتِ الْعُلى) ، يعني العالية الرفيعة وهي جمع العليا كقولهم كبرى وكبر وصغرى وصغر.

(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) (٥).

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، يعني الهواء ، (وَما تَحْتَ الثَّرى) ، والثرى هو التراب الندي [و](٢) قال الضحاك : يعني ما وارى الثرى من شيء.

وقال ابن عباس : إن الأرضين على ظهر النون والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش ، والبحر على صخرة خضراء خضرة السماء منها ، وهي الصخرة التي ذكر الله في قصة لقمان فتكن في صخرة ، والصخرة على قرن ثور والثور على الثرى ، وما تحت الثرى لا يعلمه إلا الله ، وذلك الثور فاتح فاه فإذا جعل الله عزوجل البحار بحرا واحدا سالت في جوف ذلك الثور ، فإذا وقعت في جوفه يبست (٣).

(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى (٧) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (٨) وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (٩) إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً (١٠) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى (١١) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً (١٢) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى (١٣) إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي (١٤))

__________________

ع [١٤١٣] ـ ساقه المصنف هاهنا بدون إسناد ، وإسناده إلى الكلبي أول الكتاب ، وهو إسناد ساقط ، الكلبي هو محمد بن السائب ، متروك الحديث متهم بالكذب ، ليس بأهل للرواية عنه.

ـ وورد بنحوه من حديث علي ، أخرجه البزار ٢٢٣٢ «كشف» وإسناده ضعيف لضعف يزيد بن بلال وكيسان أبي عمرو ، وانظر «المجمع» ٧ / ٥٦ و «الكشاف» ٣ / ٥١ بتخريجي.

[١٤١٤] ـ أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٦١٤ عن الضحاك مرسلا.

ـ وفي إسناده جويبر بن سعيد ، وهو ضعيف جدا كما في «التقريب».

(١) في المطبوع «على».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) هذا الأثر من الإسرائيليات المنكرة الباطلة ، ولا يصح عن ابن عباس.

٢٥٥

(وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) ، أي تعلن به ، (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) ، قال الحسن : السر ما أسر (١) الرجل إلى غيره ، وأخفى من ذلك ما أسر في (٢) نفسه. [ولم يعلم به أحد إلا الله](٣). وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : السر ما تسر في نفسك وأخفى من السر ما يلقيه عزوجل في قلبك من بعد ولا تعلم أنك ستحدّث به نفسك لأنك تعلم ما تسر به اليوم ولا تعلم ما تسر به غدا ، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر به غدا. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس السر ما أسر ابن آدم في نفسه ، وأخفى ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعمله. وقال مجاهد : السر العمل الذي تسرون (٤) من الناس ، وأخفى : الوسوسة.

وقيل : السر هو العزيمة ، وأخفى : ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه. وقال زيد بن أسلم : يعلم السر وأخفى أي يعلم أسرار العباد ، وأخفى سره عن (٥) عباده فلا يعلمه أحد ، ثم وحدّ نفسه ، فقال :

(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٨).

(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (٩) ، أي : قد أتاك استفهام بمعنى التقرير.

(إِذْ رَأى ناراً) ، وذلك أن موسى استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته ، فأذن له فخرج بأهله ، وماله ، وكانت أيام الشتاء ، فأخذ على غير الطريق مخافة من ملوك الشام وامرأته في شهرها (٦) لا تدري أليلا تضع أم نهارا ، فسار في البرية غير عارف بطرقها ، فألجأه المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد ، وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور.

وقيل : إن موسى كان رجلا غيورا وكان يصحب الرفقة بالليل ويفارقهم بالنهار لئلا ترى امرأته فأخطأ مرة الطريق في ليلة مظلمة شاتية لما أراد الله عزوجل من كرامته [وإظهار رسالته](٧) ، فجعل يقدح الزند فلا يوري ، فأبصر نارا من بعيد عن يسار الطريق من جانب الطور ، (فَقالَ لِأَهْلِهِ) [لزوجته](٨) (امْكُثُوا) ، أقيموا ، قرأ حمزة بضم الهاء هاهنا وفي القصص [٢٩] ، (إِنِّي آنَسْتُ) ، أي أبصرت ، (ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) ، [أي شعلة](٩) من نار ، والقبس قطعة من نار يأخذها في طرف عمود من معظم النار ، (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) ، أي أجد عند النار من يدلني على الطريق.

(فَلَمَّا أَتاها) ، رأى شجرة خضراء من أسفلها إلى أعلاها أطافت بها نار بيضاء تتقد كأضوإ ما يكون ، فلا ضوء النار يغير خضرة الشجرة ولا خضرة الشجرة تغير ضوء النار. قال ابن مسعود : كانت الشجرة سمرة خضراء. وقال قتادة ومقاتل والكلبي : كانت من العوسج. وقال وهب : كانت من العليق. وقيل : كانت شجرة العناب ، وروي ذلك عن ابن عباس عنهما ، وقال أهل التفسير : لم يكن الذي رآه موسى نارا بل كان نورا ذكر بلفظ النار لأن موسى حسبه نارا. وقال أكثر المفسرين : إنه نور الرب عزوجل ، وهو قول ابن عباس وعكرمة وغيرهما. وقال سعيد بن جبير : هي النار بعينها وهي إحدى حجب الله تعالى ، يدل عليه ما :

[١٤١٥] روينا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «حجابه النار لو كشفها الله لأحرقت

__________________

[١٤١٥] ـ تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية : ٢٥٥ خرجه مسلم وغيره.

(١) في المطبوع «أسره».

(٢) في المخطوط «من».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «تسره» والمثبت عن المخطوط و «الدر المنثور» ٤ / ٥١٩.

(٥) في المطبوع «من».

(٦) في المطبوع «سقمها».

(٧) زيادة عن المخطوط.

(٨) زيادة عن المخطوط.

(٩) في المطبوع «قطعة».

٢٥٦

سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه».

وفي القصة أن موسى أخذ شيئا من الحشيش اليابس وقصد الشجرة فكان كلما دنا نأت منه النار ، وإذا نأى دنت ، فوقف متحيرا فسمع تسبيح الملائكة ، وألقيت عليه السكينة ، (نُودِيَ يا مُوسى).

(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ، قرأ أبو جعفر وابن كثير وأبو عمرو ، وإني بفتح الألف على معنى نودي بأني ، وقرأ الآخرون بكسر الألف أي نودي ، فقيل : إني أنا ربّك ، قال وهب : نودي من الشجرة ، فقيل يا موسى فأجاب سريعا لا يدري من دعاه ، فقال إني أسمع صوتك ولا أرى مكانك فأين أنت؟ قال : أنا فوقك ومعك ، وأمامك وخلفك وأقرب إليك من نفسك فعلم أن ذلك لا ينبغي إلا لله فأيقن به ، قوله عزوجل : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) ، وكان السبب فيه :

[١٤١٦] ما روي عن ابن مسعود مرفوعا في قوله : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) ، قال : «كانتا من جلد حمار ميت». ويروى «غير مدبوغ». وقال عكرمة ومجاهد : أمر بخلع النعلين ليباشر بقدمه تراب الأرض المقدسة ، فتناله بركتها لأنها قدست مرتين ، فخلعهما موسى وألقاهما من وراء الوادي (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ) ، أي المطهر ، (طُوىً) ، وطوى اسم الوادي ، قرأ أهل الكوفة والشام : «طوى» بالتنوين هاهنا وفي سورة النازعات [١٦] ، وقرأ الآخرون بلا تنوين لأنه معدول به عن طاو فلما كان معدولا عن وجهه كان مصروفا عن إعرابه ، مثل عمر وزفر ، وقال الضحاك : طوى واد مستدير عميق مثل الطوى في استدارته.

(وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) ، اصطفيتك برسالاتي (١) ، قرأ حمزة وأنا مشددة النون ، اخترناك على التعظيم. (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) ، إليك.

(إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) ، ولا تعبد غيري ، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) ، قال مجاهد : أقم الصلاة لتذكرني فيها (٢) ، وقال مقاتل : إذا تركت صلاة ثم ذكرتها ، فأقمها.

[١٤١٧] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو عمر بكر بن محمد المزني أنا أبو بكر محمد بن عبد الله

__________________

[١٤١٦] ـ باطل ، أخرجه الترمذي ١٧٣٤ والحاكم ٢ / ٣٧٩ والطبري ٢٤٠٣٨ وابن حبان في «المجروحين» ١ / ٢٦٢ والذهبي في «الميزان» ١ / ٦١٥ وابن العربي في «أحكام القرآن» ١٤٨٠ من طرق عن حميد بن عبد الله الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن ابن مسعود مرفوعا.

ـ وصححه الحاكم على شرط البخاري! وتعقبه الذهبي بقوله : بل ليس على شرط البخاري وإنما غره أن في الإسناد حميد بن قيس كذا ، وهو خطأ. إنما هو حميد الأعرج الكوفي ابن علي أو ابن عمار ، أحمد المتروكين فظنه المكي الصادق.

ـ وقال الترمذي : غريب ، وحميد هو ابن علي ، سمعت محمدا ـ البخاري ـ يقول : منكر الحديث.

ـ ونقل الذهبي في «الميزان» ١ / ٦١٥ عن ابن حبان في قوله : روى عن ابن مسعود نسخة كأنها موضوعة.

[١٤١٧] ـ صحيح. الحسين بن الفضل فمن دونه توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عفان بن مسلم ، همام بن يحيى ، قتادة بن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٩٧ ومسلم ٦٨٤ ح ٣١٤ وأبو داود ٤٤٢ وأحمد ٣ / ٢٦٩ والطحاوي في «المعاني» ١ / ٤٦٦

(١) في المخطوط «برسالتي».

(٢) في المطبوع «بها».

٢٥٧

الحفيد أنا الحسين بن الفضل البجلي (١) أنا عفان أنا همام أنا قتادة عن أنس بن مالك قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك» ، ثم قال : سمعته يقول بعد ذلك : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي).

(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى (١٥) فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى (١٦) وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧) قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى (١٨) قالَ أَلْقِها يا مُوسى (١٩) فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى (٢٠) قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (٢١) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (٢٢) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (٢٣))

(إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها) ، قيل : معناه إن الساعة آتية أخفيها وأكاد صلة وأكثر المفسرين قالوا : معناه أكاد أخفيها من نفسي ، وكذلك هو في مصحف أبيّ بن كعب ، وعبد الله بن مسعود : «أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق» ، وفي بعض القراءات (٢) «فكيف أظهرها لكم» وذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في كتمان الشيء يقولون كتمت سرك من نفسي أي أخفيته غاية الإخفاء والله تعالى لا يخفى عليه شيء وقال [الأخفش](٣) أكاد أي أريد ومعنى الآية إن الساعة آتية أريد أخفيها ، والمعنى في إخفائها (٤) التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت ، وقرأ الحسن [أخفيها](٥) بفتح الألف أي أظهرها ، يقال : خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا سترته ، قوله تعالى : (لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى) ، أي بما تعمل من خير وشر.

(فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها) ، فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة ، (مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ) ، مراده خالف أمر الله (فَتَرْدى) ، أي فتهلك.

قوله عزوجل : (وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى) (١٧) ، سؤال تقرير والحكمة في هذا السؤال تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة ، وهذا على عادة العرب يقول الرجل لغيره : هل تعرف هذا وهو لا يشك أنه يعرفه ، ويريد أن ينضم (٦) إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه.

(قالَ هِيَ عَصايَ) ، قيل : وكان لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن ، قال مقاتل : اسمها نبعة ، (أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها) ، أعتمد عليها إذا مشيت وإذا عييت وعند الوثبة ، (وَأَهُشُّ بِها عَلى غَنَمِي) ، أضرب

__________________

وأحمد ٣ / ٢٦٩ والبيهقي ٢ / ٢١٨ و ٤٥٦ من طرق عن همام به.

ـ وأخرجه مسلم ٦٨٤ والترمذي ١٧٨ والنسائي ١ / ٢٩٣ وابن ماجه ٦٩٦ وأحمد ٣ / ٢٤٣ وابن حبان ١٥٥٥ وأبو عوانة ٢ / ٢٥٢ والبيهقي ٢ / ٢١٨ من طرق عن أبي عوانة عن قتادة به.

ـ وأخرجه مسلم ٦٨٤ ح ٣١٥ وأحمد ٣ / ١٠٠ والدارمي ١ / ٢٨٠ وأبو عوانة ١ / ٣٨٥ و ٢ / ٢٦٠ من طرق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.

وانظر الحديث المتقدم في سورة الكهف عند آية : ٢٤.

(١) تصحف في المطبوع «الجبلي».

(٢) في المطبوع «القراءة».

(٣) سقط من المطبوع.

(٤) في المخطوط «حقائها».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) في المخطوط «يتضمن».

٢٥٨

بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم ، وقرأ عكرمة وأهس بالسين غير المعجمة ، أي أزجر بها الغنم ، والهس زجر الغنم ، (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى) ، حاجات ومنافع أخرى ، جمع مأربة بفتح الراء [وضمها](١) ولم يقل أخر لرءوس الآي ، وأراد بالمآرب ما يستعمل فيه العصا في السفر ، فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر ، ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ، ويستظل بها إذا قعد وغير ذلك.

وروي عن ابن عباس : أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه ، فجعلت تماشيه وتحادثه وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه ، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصّنت (٢) غصنا كالشجرة وأورقت وأثمرت ، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي ، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج ، وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه.

(قالَ) ، الله تعالى ، (أَلْقِها يا مُوسى) ، انبذها ، قال وهب : ظن موسى أنه يقول ارفضها.

(فَأَلْقاها) ، على وجه الرفض (٣) ثم حانت منه نظرة ، (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ) ، صفراء من أعظم ما يكون من الحيات ، (تَسْعى) ، تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر : (كَأَنَّها جَانٌّ) [القصص : ٣١] وهي الحية الصغيرة الخفيفة (٤) الجسم ، وقال في موضع : [(فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) [الأعراف : ١٠٧] ، وهي أكبر ما يكون من الحيات ، فأما الحية فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى ، وقيل : الجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعبان ، والثعبان عبارة عن انتهاء حالها ، وقيل : إنها كانت في عظم الثعبان خفة (٥) الجان. قال محمد بن إسحاق : نظر موسى فإذا العصا حيّة من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها ، والمحجن عنقا لها وعرفا تهتز كالنيازك ، وعيناها تتقدان كالنّار تمرّ بالصخرة العظيمة مثل الحلقة من الإبل ، فتلتقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ، ويسمع لأسنانها صريف عظيم ، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبرا وهرب ، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ، ثم نودي أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت ، فرجع وهو شديد الخوف.

(قالَ خُذْها) ، بيمينك ، (وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى) ، هيئتها الأولى أي نردها عصا كما كانت ، وكان على موسى مدرعة من صوف قد خللها بعيدان (٦) فلما قال الله تعالى : (خُذْها وَلا تَخَفْ) لفّ طرف المدرعة على يده ، فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشفها ، وذكر بعضهم : أنّه لما لفّ كم المدرعة على يده قال له ملك : أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال : لا (٧) ولكن ضعيف ومن ضعف خلقت ، فكشف عن يده ثم وضعها [في فم الحية](٨) فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ. قال المفسرون : أراد الله عزوجل أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون. وقوله : (سِيرَتَهَا) نصب

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «فجعلت تماشيه».

(٣) في المطبوع وحده «الأرض».

(٤) في المخطوط «الخفية».

(٥) في المطبوع «سرعة».

(٦) زيد في المطبوع «من الخلال».

(٧) في المخطوط «بلى».

(٨) زيادة عن المخطوط.

٢٥٩

بحذف إلى يريد إلى سيرتها «الأولى».

قوله تعالى : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ) ، يعني إبطك ، قال مجاهد : تحت عضدك ، وجناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه ، (تَخْرُجْ بَيْضاءَ) ، نيرة مشرقة ، (مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) ، من غير عيب [قال مجاهد](١) : والسوء هاهنا بمعنى البرص. قال ابن عباس : كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر ، (آيَةً أُخْرى) ، يعني دلالة أخرى على صدقك سوى العصا.

(لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى) (٢٣) ، ولم يقل الكبر لرءوس الآي. وقيل : فيه إضمار معناه لنريك من آياتنا [الآية](٢) الكبرى ، دليله قول ابن عباس : كانت يد موسى أكبر آياته.

(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (٢٤) قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (٢٦) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (٢٩) هارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (٣٢) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً (٣٥) قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى (٣٦) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى (٣٧) إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى (٣٨))

قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (٢٤) ، يعني جاوز الحدّ في العصيان والتمرد ، فادعه إلى عبادتي.

(قالَ) ، موسى ، (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي) ، وسعه للحق ، قال ابن عباس : يريد حتى لا أخاف غيرك ، وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده ، وكان يضيق صدرا بما كلّف من مقاومة فرعون وجنده ، فسأل الله أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرّته إلا بإذن الله ، وإذا علم ذلك لم يخف فرعون مع (٣) شدة شوكته وكثرة جنوده.

(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) (٢٦) ، يعني سهل عليّ ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون.

(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي) (٢٧) ، وذلك أن موسى كان في حجر فرعون ذات يوم في صغره ، فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته ، فقال فرعون لآسية امرأته : إن هذا عدوي وأراد أن يقتله ، فقالت آسية : إنه صبي لا يعقل ولا يميّز. وفي رواية أن أمّ موسى لما فطمته ردته فنشأ موسى في حجر فرعون وامرأته آسية يربيانه ، واتخذاه ولدا فبينما هو يلعب يوما بين يدي فرعون وبيده قضيب يلعب به إذ رفع القضيب فضرب به رأس فرعون ، فغضب فرعون [وتطيّر بضربه](٤) حتى همّ بقتله ، فقالت [له](٥) آسية : أيها الملك إنه صغير لا يعقل فجربه إن شئت ، فجاءت بطستين في أحدهما الجمر وفي الآخر الجواهر ، فوضعتهما بين يدي موسى فأراد [موسى](٦) أن يأخذ الجواهر ، فأخذ جبريل بيد موسى فوضعها على النار فأخذ جمرة فوضعها في فيه (٧) فأحرقت لسانه وصارت عليه عقدة.

(يَفْقَهُوا قَوْلِي) (٢٨) ، يقول احلل العقدة كي يفقهوا كلامي.

__________________

(١) سقط من المطبوع.

(٢) زيد في المطبوع «عن».

(٣) في المطبوع «و».

(٤) في المخطوط «من ذلك».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) في المطبوع «فمه».

٢٦٠