تفسير البغوي - ج ٣

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٣

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٠١

١

٢

٣
٤

تفسير سورة الرعد

مكية إلا قوله : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الرعد : ٣١] ،

إلى (١) قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً) [الرعد : ٤٣] ،

وهي ثلاث وأربعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢))

(المر) قال ابن عباس : معناه أنا الله أعلم وأرى ، (تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) ، يعني : تلك الأخبار التي قصصتها عليك آيات التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة ، (وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ، يعني : وهذا القرآن الذي أنزل إليك ، (مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) ، أي : هو الحق فاعتصم به ، فيكون محل الذي رفعا على الابتداء والحق خبره ، وقيل : محله خفض يعني تلك آيات الكتاب وآيات الذي أنزل إليك ، ثم ابتدأ : الحق يعني ذلك الحق.

وقال ابن عباس : أراد بالكتاب القرآن ، ومعناه هذه آيات الكتاب يعني القرآن ، ثم قال : وهذا القرآن الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) ، قال مقاتل : نزلت في مشركي مكة حين قالوا : إن محمدا يقوله من تلقاء نفسه ، فردّ قولهم ثم بين دلائل ربوبيته ، فقال عزّ من قائل :

(اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها) ، يعني : السواري واحدها عمود مثل أديم وأدم وعمد أيضا جمعه مثل رسول ورسل ، ومعناه نفي العمد أصلا وهو الأصح يعني ليس من دونها دعامة تدعمها ولا فوقها علاقة تمسكها. قال إياس بن معاوية : السماء مقبية على الأرض مثل القبة. وقيل : ترونها راجعة إلى العمد ، معناه : لها عمد ولكن لا ترونها ، وزعم : أن عمدها جبل قاف وهو محيط بالدنيا والسماء عليه مثل القبة (٢). (ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) ، علا عليه ، (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ، ذلّلهما لمنافع خلقه فهما مقهوران ، (كُلٌّ يَجْرِي) ، أي : يجريان على ما يريد الله عزوجل ، (لِأَجَلٍ مُسَمًّى) ، أي : إلى وقت معلوم وهو فناء الدنيا. وقال ابن عباس : أراد بالأجل المسمى درجاتهما ومنازلهما ينتهيان إليها ولا يجاوزانها ،

__________________

(١) في المطبوع و ـ ط «و» بدل «إلى».

(٢) هذا من الإسرائيليات.

٥

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) ، يقضيه وحده ، (يُفَصِّلُ الْآياتِ) ، يبين الدلالات ، (لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ، لكي توقنوا بوعده وتصدقوه.

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥))

(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ) ، بسطها (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ) ، جبالا ثابتة ، واحدتها : راسية.

قال ابن عباس : كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض ، (وَأَنْهاراً) ، أي : وجعل فيها أنهارا. (وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) ، أي : صنفين اثنين أحمر وأصفر وحلوا وحامضا ، (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) ، أي : يلبس النهار بظلمة الليل ويلبس الليل بضوء النهار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ، فيستدلون ، والتفكر تصرف القلب في طلب معاني الأشياء.

(وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ) ، متقاربات يقرب بعضها من بعض وهي مختلفة ، هذه طيبة تنبت وهذه سبخة لا تنبت ، وهذه قليلة الريع وهذه كثيرة الريع ، (وَجَنَّاتٌ) أي : بساتين ، (مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ) ، رفعها كلها ابن كثير وأبو عمرو وحفص ويعقوب عطفا على الجنات ، وجرّها الآخرون نسقا على الأعناب ، والصنوان جمع صنو وهو النخلات يجمعهن أصل واحد ، (وَغَيْرُ صِنْوانٍ) ، هي النخلة المنفردة بأصلها.

وقال أهل التفسير : صنوان مجتمع ، وغير صنوان متفرق ، نظيره من الكلام قنوان جمع قنو.

[١١٨٧] ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العباس : «إنّ عمّ الرجل صنو أبيه» ولا فرق في الصنوان والقنوان بين التثنية (١) والجمع إلا في الإعراب وذلك أن النون في التثنية مكسورة غير منونة وفي الجمع منونة ، (يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ) ، قرأ ابن عامر وعاصم ويعقوب «يسقى» بالياء أي يسقى ذلك كله بماء واحد ، وقرأ الآخرون بالتاء لقوله تعالى : (وَجَنَّاتٌ) ولقوله تعالى من بعد (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ) ، ولم يقل بعضه ، والماء جسم رقيق مائع به حياة كل نام ، [لا لون له فيلون بلون إنائه](٢) (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) ، في الثمرة (٣) والطعم ، قرأ حمزة والكسائي «ويفضل» بالياء ، لقوله تعالى : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ). وقرأ الآخرون بالنون على معنى ونحن نفضل بعضها على بعض في الأكل.

[١١٨٨] وجاء في الحديث [عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم](٤) : (وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) ، قال

__________________

[١١٨٧] ـ تقدم في تفسير سورة البقرة عند آية : ١٣٣.

[١١٨٨] ـ ضعيف. أخرجه الترمذي ٣١١٨ والطبري ٢٠١٢٦ من حديث أبي هريرة. حسنه الترمذي! مع أن فيه سيف بن محمد

(١) تصحف في المطبوع إلى «الثنية».

(٢) زيادة عن المخطوطتين.

(٣) في المطبوع و ـ ط «الثمر» والمثبت عن المخطوطتين.

(٤) زيادة يقتضيها السياق.

٦

«الفارسي (١) والدقل (٢) والحلو والحامض» قال مجاهد : كمثل بني آدم صالحهم وخبيثهم وأبوهم واحد.

قال الحسن : هذا مثل ضربه الله تعالى لقلوب بني آدم ، كانت الأرض طينة واحدة في يد الرحمن عزوجل فسطحها فصارت قطعا متجاورة فينزل عليها المطر من السماء فتخرج هذه زهرتها وشجرها وثمرها ونباتها ، وتخرج هذه سبخها وملحها وخبيثها ، وكل يسقى بماء واحد ، كذلك الناس خلقوا من آدم عليه‌السلام فينزل من السماء تذكرة ، فترق قلوب فتخشع وتقسو قلوب فتلهو ، قال الحسن : والله ما جالس القرآن أحد إلا قام من عنده بزيادة أو نقصان ، قال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (٨٢) [الإسراء : ٨٢]. (إِنَّ فِي ذلِكَ) الذي ذكرت (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) ، العجب تغير النفس برؤية المستبعد في العادة والخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومعناه إنك إن تعجب من إنكارهم النشأة الآخرة مع إقرارهم بابتداء الخلق [فعجب أمرهم وكان المشركون ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق](٣) من الله تعالى ، وقد تقرر في القلوب أن الإعادة أهون من الابتداء ، فهذا موضع العجب.

وقيل : معناه وإن تعجب من تكذيب المشركين واتخاذهم ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها وهم قد رأوا من قدرة الله تعالى ما ضرب لهم به الأمثال فعجب قولهم ، أي : فتعجب أيضا من قولهم : (أَإِذا كُنَّا تُراباً) ، بعد الموت (أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، أي : نعاد خلقا جديدا كما كنا قبل الموت.

قرأ نافع والكسائي ويعقوب أإذا مستفهما «إنا» بتركه على الخبر ضده أبو جعفر وابن عامر ، وكذلك في سبحان [٤٩ ـ ٩٨] في موضعين والمؤمنون [٨٢] والم السجدة [١٠] ، وقرأ الباقون بالاستفهام فيهما وفي الصافات في موضعين هكذا إلا أن أبا جعفر يوافق نافعا في أول الصافات فيقدم الاستفهام ويعقوب لا يستفهم الثانية (ا اذا متنا أإنا لمدينون) ، قال الله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) ، يوم القيامة (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).

(وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧))

قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ) ، الاستعجال طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته ، والسيئة هاهنا هي العقوبة والحسنة العافية ، وذلك أن مشركي مكة كانوا يطلبون العقوبة بدلا من العافية استهزاء منهم يقولون : اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) ، أي : مضت من قبلهم في الأمم التي عصت ربها وكذبت رسلها العقوبات ، والمثلات جمع المثلة بفتح الميم وضم الثاء مثل صدقة وصدقات. (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ).

__________________

قال الحافظ في «التقريب» كذبوه ا ه. وتابعه سليمان بن عبيد الله عند الطبري ٢٠١٢٧ والعقيلي ٢ / ١٣١ ، ٦١٧ لكن قال العقيلي : هذا الحديث إنما يعرف ب «سيف بن محمد» ولا يتابع سليمان عليه.

(١) الفارسي : نوع جيد من التمر نسبة إلى فارس.

(٢) الدقل : رديء التمر.

(٣) زيد في المطبوع و ـ ط.

٧

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ) ، أي : على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) ، أي : علامة وحجة على نبوته ، قال الله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) ، مخوّف ، (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) ، أي : لكل قوم نبي يدعوهم إلى الله تعالى ، وقال الكلبي : داع يدعوهم إلى الحق أو إلى الضلالة. وقال عكرمة : الهادي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (١) أنت منذر وأنت هاد لكل قوم أي داع ، وقال سعيد بن جبير : الهادي هو الله تعالى.

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))

قوله تعالى : (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) ، من ذكر أو أنثى سوي الخلق أو ناقص الخلق واحدا أو اثنين أو أكثر (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) ، أي ما تنقص (وَما تَزْدادُ).

قال أهل التفسير : غيض الأرحام الحيض على الحمل ، فإذا حاضت الحامل كان نقصانا في الولد لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد ، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم ، فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم.

وقيل : إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر طاهرا فإن رأت (٢) خمسة أيام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام فالنقصان في الغذاء والزيادة في المدة. وقال الحسن : غيضها نقصانها من تسعة أشهر والزيادة زيادتها على تسعة أشهر.

وقيل : النقصان السقط والزيادة تمام الخلق ، وأقل مدة الحمل ستة أشهر ، فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش.

واختلفوا في أكثرها فقال قوم : أكثرها سنتان وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وبه قال أبو حنيفة رحمه‌الله ، وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين وإليه ذهب الشافعي رحمه‌الله. قال حماد بن سلمة : إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين (٣) ، (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) ، أي : بتقدير واحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه.

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ) ، الذي كل شيء دونه ، (الْمُتَعالِ) ، المستعلي على كل شيء بقدرته.

قوله تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) ، أي : يستوي في علم الله المسرّ بالقول والجاهر به ، (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ) ، أي : مستتر بظلمة الليل ، (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) ، أي : ذاهب في

__________________

(١) زيد في المطبوع و ـ ط «إنما».

(٢) كذا في المطبوع و ـ «ط» وفي المخطوط «زادت».

(٣) هذه الأقوال جميعا لا مستند لها البتة ، وإنما هي القصص والحكايات ، والصواب أن أكثر الحمل تسعة أشهر وربما زاد أياما فإن زاد أكثر من ذلك أصبحت الأم وجنينها في حالة خطر ، فإن زاد فوق ذلك أياما ربما أدى إلى هلاك الجنين أو الجنين وأمه معا ، فهذا هو الحق ، وهو ما عليه الطب في أيامنا ، وما أخذ به أبو حنيفة أو الشافعي أو غيرهما فإنما يكون أخذه عن امرأة أخبرته بذلك أو رجل أعلمه به ، وكل ذلك لا يصح ، فكما كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أيضا يكذب على غيره ، فتنبه ، والله أعلم.

٨

سربه ظاهرا ، والسرب بفتح السين وسكون الراء الطريق ، قال القتيبي : سارب بالنهار أي متصرف في حوائجه.

قال ابن عباس : هو صاحب ريبة مستخف بالليل فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم ، وقيل : مستخف بالليل أي ظاهر من قولهم خفيت الشيء إذا أظهرته وأخفيته إذا كتمته ، وسارب بالنهار أي متوار داخل في سرب.

(لَهُ مُعَقِّباتٌ) ، أي : لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم (١) بالليل والنهار فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار ، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل ، والتعقيب : العود بعد البدء وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقب ، وجمعه معقبة ثم جمع الجمع معقبات كما قيل : أبناوات سعد ورجالات بكر.

[١١٨٩] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون».

قوله تعالى : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) ، يعني : من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار ومن خلفه من وراء ظهره ، (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ، يعني : بأمر الله ، أي : يحفظونه بإذن الله ما لم يجئ القدر ، فإذا جاء القدر خلوا عنه. وقيل : يحفظونه من أمر الله أي : مما أمر الله به من الحفظ عنه.

قال مجاهد : ما من عبد إلا وله ملك موكل به يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.

قال كعب الأحبار : لو لا أن الله عزوجل وكّل بكم ملائكة يذبون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطفتكم الجن. وقال عكرمة : الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم. وقيل : الآية في الملكين القاعدين عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات ، كما قال الله تعالى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (١٧) [ق : ١٧] ، وقال ابن جريج : معنى يحفظونه أي يحفظون عليه من أمر الله يعني الحسنات والسيئات. وقيل : الهاء في (له) راجعة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : له معقبات يعني لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حراس من الرحمن

__________________

[١١٨٩] ـ إسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم ، أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر ، أبو الزناد عبد الله بن ذكوان ، الأعرج ، عبد الرحمن بن هرمز.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٨١ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» ١ / ١٧٠ عن أبي الزناد به.

ـ ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٥٥٥ و ٧٤٢٩ و ٧٤٨٦ ومسلم ٦٣٢ والنسائي ١ / ٢٤٠ وأحمد ٢ / ٤٨٦ وابن حبان ١٧٣٩.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٢٣ من طريق شعيب عن أبي الزناد به.

ـ وأخرجه مسلم ٦٣٢ وأحمد ٢ / ٣١٢ وابن حبان ١٧٣٦ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة به.

(١) زيد في المطبوع و ـ ط.

٩

من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ، يعني من شر الجن وطوارق الليل والنهار.

وقال عبد الرحمن بن زيد : نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل وأريد بن ربيعة :

[١١٩٠] وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة وهما عامريان يريدان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه ، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان أعور وكان من أجمل (١) الناس ، فقال رجل : يا رسول الله : هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك ، فقال : «دعه فإن يرد الله به خيرا يهده» (٢) فأقبل حتى قام عليه ، فقال : يا محمد ما لي إن أسلمت؟ قال : «لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين» ، قال : تجعل لي الأمر بعدك ، قال : «ليس ذلك إليّ إنما ذلك إلى الله عزوجل يجعله حيث يشاء» ، قال : فتجعلني على الوبر وأنت على المدر ، قال : لا ، قال : فما ذا تجعل لي؟ قال : «أجعل لك أعنة الخيل تغزو عليها» ، قال : أو ليس ذلك لي اليوم ، قم معي أكلمك ، فقام معه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فدار من خلفه فاضربه بالسيف ، فجعل يخاصم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويراجعه فدار أربد [من](٣) خلف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليضربه بالسيف فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سلّه وجعل عامر يومئ إليه فالتفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرأى أربد وما يصنع (٤) بسيفه [في علاجه](٥) ، فقال : «اللهم اكفنيهما بما شئت» ، فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته وولى عامر هاربا وقال : يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يمنعك الله تعالى من ذلك ، وابنا قيلة يريد الأوس والخزرج» ، فنزل عامر بيت امرأة سلولية فلما أصبح ضم عليه سلاحه وقد تغير لونه فجعل يركض في الصحراء ، ويقول : أبرز يا ملك الموت ، ويقول الشعر ويقول واللات لئن أبصرت (٦) محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنهما برمحي ، فأرسل الله ملكا فلطمه بجناحه فأداره (٧) في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة ، فعاد إلى بيت السلولية [وهو يقول : غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية](٨) ، ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقتل عامر بالطعن وأربد بالصاعقة ، وأنزل الله عزوجل في هذه القصة قوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ، يعني لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله ، يعني تلك المعقبات من أمر الله ، وفيه تقديم وتأخير ، وقال لهذين : (إِنَّ

__________________

[١١٩٠] ـ ذكره المصنف عن الكلبي تعليقا هاهنا وإسناده إليه أول الكتاب. والكلبي ساقط منهم.

ـ وورد من وجه آخر عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أخرجه أبو نعيم في «الدلائل» ١٥٧ والطبراني في «الكبير» ١٠٧٦٠ و «الطوال» ٣٧ وفي إسناده عبد العزيز بن عمران وابنا زيد بن أسلم ، وكلهم ضعيف.

ذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٤٢ ونسبه للطبراني في «الكبير» و «الأوسط» وقال : وفي إسنادهما عبد العزيز بن عمران ، وهو ضعيف.

(١) كذا في المخطوطتين ، وفي المطبوع و ـ ط «أجلّ» وكلاهما محتمل ، فالمثبت وجهه أنه في غاية الجمال مع كونه أعور ، ووجه الوارد في المطبوع ، أنه من أعظم الناس إما في الهيئة والجثة ، أو في مكانته بين الناس ، والله تعالى أعلم.

(٢) تصحف في المطبوع «بهذه».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع و ـ ط «صنع».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) في المخطوط «أصحر».

(٧) في المطبوع و ـ ط «فأرداه».

(٨) زيادة عن المطبوع و ـ ط.

١٠

اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) ، من العافية والنعمة ، (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ، من الحال الجملية فيعصوا ربهم ، (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً) ، أي : عذابا وهلاكا (فَلا مَرَدَّ لَهُ) أي : لا رادّ له ، (وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) ، أي : ملجأ يلجئون إليه ، وقيل : وال يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣))

قوله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) ، قيل : خوفا من الصاعقة [و] طمعا في نفع المطر ، وقيل : الخوف للمسافر يخاف منه الأذى والمشقة ، والطمع للمقيم يرجو منه البركة والمنفعة. وقيل : الخوف من المطر في غير مكانه وإبانه (١) ، والطمع إذا كان في مكانه وإبانه (٢). ومن (٣) البلدان ، إذا مطروا قحطوا وإذا لم يمطروا أخصبوا. (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) ، بالمطر. يقال : أنشأ الله السحابة فنشأت أي أبداها فبدت (٤) ، والسحاب (٥) جمع واحدتها سحابة ، قال علي رضي الله عنه : السحاب غربال الماء (٦).

(وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) ، أكثر المفسرين على أن الرعد اسم لملك (٧) يسوق السحاب والصوت المسموع منه تسبيحه ، قال ابن عباس : من سمع صوت الرعد فقال : سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي دينه ، وعن عبد الله بن الزبير : أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث وقال : سبحان من يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ، ويقول (٨) : إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد.

[١١٩١] وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى : «لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد». وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس : الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر وأن بحور الماء في نقرة إبهامه وأنه يسبح الله تعالى فإذا سبح لا يبقى ملك في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل القطر. (٩) ، (وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) ، أي : تسبح الملائكة من خيفة الله عزوجل وخشيته. وقيل : أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد ، جعل الله تعالى له أعوانا فهم خائفون خاضعون [متذللون](١٠) طائعون.

قوله تعالى : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) ، جمع صاعقة وهي العذاب المهلك ينزل من البرق فيحرق من يصيبه ، (فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) ، كما أصاب أربد بن ربيعة ، قال محمد بن علي الباقر : الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر ، (وَهُمْ يُجادِلُونَ) ، يخاصمون ، (فِي اللهِ) ، نزلت في شأن

__________________

[١١٩١] ـ ضعيف جدا. أخرجه أحمد ٣ / ٣٥٩ والحاكم ٢ / ٣٤٩ وصححه وتعقبه الذهبي بقوله : صدقة بن موسى واه. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٢ / ٢١١ ونسبه لأحمد والبزار وأعله بصدقة بن موسى أيضا.

(١) في المخطوط «أيامه».

(٢) في المخطوط «أيامه».

(٣) في المطبوع و ـ ط «ما».

(٤) كذا في المطبوع و ـ ط ، وفي المخطوط «فبدأت».

(٥) في المطبوع «والسحب».

(٦) لا يصح عن علي والصواب أن السحاب منه يتكون الماء.

(٧) في المطبوع و ـ ط «ملك».

(٨) تصحف في المخطوط «يقال».

(٩) في المطبوع وحده «المطر».

(١٠) زيادة عن المخطوط.

١١

أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ممّ ربك أمن درّ أم من ياقوت أم من ذهب؟ فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته.

[١١٩٢] وسئل الحسن عن قوله عزوجل : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) الآية ، قال : كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفرا يدعونه إلى الله ورسوله فقال لهم : أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه ممّ هو من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس ، فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه ، فقال : «ارجعوا إليه» فرجعوا إليه فجعل لا يزيدهم على مثل مقالته الأولى ، وقال : أجيب محمدا إلى رب لا أراه ولا أعرفه فانصرفوا وقالوا : يا رسول الله ما زادنا على (١) مقالته [مثل](٢) مقالته الأولى وأخبث فقال : «ارجعوا إليه» فرجعوا إليه فبينما هم جلوس عنده ينازعونه ويدعونه وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة فكانت فوق رءوسهم فرعدت وبرقت ورمت بصاعقة فاحترق الكافر وهم جلوس [عنده](٣) ، فجاءوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستقبلهم قوم من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا لهم احترق صاحبكم ، فقالوا : من أين علمتم فقالوا أوحى الله إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ).

(وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) ، قال علي رضي الله عنه : شديد الأخذ. وقال ابن عباس : شديد الحول. وقال الحسن : شديد الحقد (٤). وقال مجاهد : شديد القوة. وقال أبو عبيدة : شديد العقوبة. وقيل : شديد المكر. والمحال والمماحلة : المماكرة والمغالبة.

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦))

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) ، أي : لله دعوة الصدق. قال [علي](٥) رضي الله عنه : دعوة الحق التوحيد. وقال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله.

وقيل : الدعاء بالإخلاص والدعاء الخالص لا يكون إلا لله عزوجل. (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) ، أي : يعبدون الأصنام من دون الله تعالى. (لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) ، أي : لا يجيبونهم بشيء يريدونه من

__________________

[١١٩٢] ـ ذكره المصنف عن الحسن تعليقا هاهنا وإسناده إليه في أول الكتاب.

ـ وورد بنحوه من حديث أنس أخرجه النسائي في «التفسير» ٢٧٩ وأبو يعلى ٣٣٤١ والطبري ٢٠٢٧٠ والطبراني في «الأوسط» ٢٦٢٣ وابن أبي عاصم في «السنة» ٦٩٢ والبيهقي في «الدلائل» ٦ / ٢٨٣ وفي إسناده علي بن أبي سارة وهو ضعيف ، لكن تابعه عليه ديلم بن غزوان عن البزار كما في «مجمع الزوائد» ٧ / ٤٢ ، وديلم ليس به بأس ، وقال الهيثمي : رجال البزار رجال الصحيح ، غير ديلم ، وهو ثقة ا ه. فهذه الروايات تتأيد بمجموعها ، وفي الباب مراسيل راجع «الدر المنثور» ٤ / ٩٩ وابن كثير ٢ / ٦٢٣.

(١) في المطبوع وحده «عى».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) هذا منكر ، وليس له أصل عن الحسن ، لأنه من رواية عمرو بن عبيد ، وهو متروك متهم.

(٥) سقط من المطبوع وحده.

١٢

نفع أو دفع ضر ، (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) ، أي : إلا كباسط كفيه ليقبض على الماء ، والقابض على الماء لا يكون في يده شيء ولا يبلغ إلى فيه منه شيء ، كذلك الذي يدعو الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع لا يكون بيده شيء. وقيل : معناه كالرجل [العطشان الذي يريد الماء من بعيد فهو يشير بكفه إلى الماء ويدعوه بلسانه فلا يأتيه أبدا فهذا معنى قول مجاهد ومثله عن علي وعطاء](١) كالعطشان (٢) الجالس على شفير البئر يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء ولا يرتفع إليه الماء فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له ، ولا هو يبلغ فاه ، كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم نداؤها دعاؤها ، وهي لا تقدر على شيء.

وعن ابن عباس : كالعطشان إذا بسط كفيه إلى الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسطا كفيه ، مثل ضربه الله لخيبة الكفار. (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ) ، أصنامهم (٣) ، (إِلَّا فِي ضَلالٍ) ، [يضل عنهم إذا احتاجوا إليه كما قال : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [الأنعام : ٢٤] ، وقال الضحاك عن ابن عباس وما دعاء الكافرين ربهم إلّا في ضلال](٤) لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً) ، يعني : الملائكة والمؤمنين ، (وَكَرْهاً) ، يعني : المنافقين والكافرين الذين أكرهوا على السجود بالسيف. (وَظِلالُهُمْ) ، يعني : ظلال الساجدين طوعا وكرها تسجد لله عزوجل طوعا. قال مجاهد : ظل المؤمن يسجد طوعا وهو طائع ، وظل الكافر يسجد طوعا وهو كاره. (بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) ، يعني إذا سجد بالغدو والعشي يسجد معه ظله ، والآصال : جمع الأصل ، والأصل جمع الأصيل وهو ما بين العصر إلى غروب الشمس. وقيل : ظلالهم أي : أشخاصهم بالغدو والآصال بالبكر والعشايا. وقيل : سجود الظل تذليله لما أريد له.

قوله تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، أي : خالقهما ومدبرهما فسيقولون الله ، لأنهم (٥) يقرون بأن الله خالقهم وخالق السموات والأرض فإذا أجابوك فقل أنت أيضا يا محمد (الله).

وروي أنه لما قال هذا للمشركين عطفوا عليه فقالوا : أجب أنت ، فأمره الله عزوجل فقال [له](٦) ف (قُلْ)(٧) (اللهُ) ، ثم قال الله لهم إلزاما للحجة : (قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ) ، معناه : إنكم مع إقراركم بأن الله خالق السموات والأرض اتخذتم من دونه أولياء فعبدتموها من دون الله ، يعني : الأصنام ، وهم (لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا) ، فكيف يملكون لكم؟ ثم ضرب لهم مثلا فقال : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) ، [كذلك لا يستوي الكافر والمؤمن](٨).

(أَمْ هَلْ تَسْتَوِي) ، قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر (يَسْتَوِي) بالياء ، وقرأ الآخرون بالتاء لأنه لا حائل بين الفعل و [الاسم](٩) المؤنث. (الظُّلُماتُ وَالنُّورُ) ، أي : كما لا يستوي الظلمات والنور لا يستوي الكفر والإيمان. (أَمْ جَعَلُوا) ، أي : جعلوا ، (لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) ، أي : اشتبه ما خلقوه بما خلقه الله تعالى فلا يدرون ما خلق الله وما خلق آلهتهم (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) ، ثم ضرب الله تعالى مثلين للحق والباطل :

__________________

(١) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٢) في المطبوع «العطشان».

(٣) في المخطوط «ربهم».

(٤) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٥) في المطبوع «إنهم».

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) زيد في المطبوع «أنت يا محمد».

(٨) زيد في المطبوع و ـ ط.

(٩) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

١٣

(أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ (١٧))

فقال عزوجل : (أَنْزَلَ) يعني الله عزوجل ، (مِنَ السَّماءِ ماءً) ، يعني المطر ، (فَسالَتْ) ، من ذلك الماء ، (أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) ، أي : في الصغر والكبر ، (فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ) ، الذي حدث من ذلك الماء ، (زَبَداً رابِياً) ، الزبد الخبث الذي يظهر على وجه الماء ، وكذلك على وجه القدر ، رابيا أي عاليا مرتفعا فوق الماء فالماء الصافي الباقي هو الحق ، والذاهب والزائل الذي يتعلق بالأشجار وجوانب الأودية هو الباطل.

وقيل : قوله (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) هذا مثل للقرآن (١) والأودية مثل للقلوب (٢) يريد ينزل القرآن ، فتحتمل منه القلوب على قدر اليقين والعقل والشك والجهل.

فهذا أحد المثلين والمثل الآخر قوله عزوجل : (وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص (يُوقِدُونَ) بالياء لقوله تعالى : (ما يَنْفَعُ النَّاسَ) ، ولا مخاطبة هاهنا ، وقرأ الآخرون بالتاء ومما توقدون ، أي : ومن الذي توقدون عليه [في](٣) النار ، والإيقاد جعل النار تحت الشيء ليذوب ، (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ) ، أي لطلب زينة ، وأراد الذهب والفضة لأن الحلية تطلب منهما ، (أَوْ مَتاعٍ) أي : طلب متاع وهو ما ينتفع به ، وذلك مثل الحديد والنحاس ، والرصاص ، والصفر تذاب فيتخذ منها الأواني وغيرها مما ينتفع بها ، (زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) ، أي : إذا أذيب فله أيضا زبد مثل زبد الماء ، فالباقي الصافي من هذه الجواهر مثل الحق ، والزبد الذي لا ينتفع به مثل الباطل ، (فَأَمَّا الزَّبَدُ) ، الذي علا السيل والفلز ، (فَيَذْهَبُ جُفاءً) أي : ضائعا باطلا ، والجفاء ما رمى به الوادي من الزبد والقدر إلى جنباته ، يقال : جفا الوادي وأجفأ إذا ألقى غثاءه ، وأجفأت القدر وجفأت إذا غلت وألقت زبدها ، فإذا سكنت لم يبق فيها شيء ، معناه : إن الباطل وإن علا في وقت فإنه يضمحل. وقيل : جفاء أي : متفرقا. يقال : جفأت الريح الغيم إذا فرقته وذهبت به ، (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ) ، يعني : الماء والفلز من الذهب والفضلة والصفر والنحاس ، (فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) ، أي : يبقى ولا يذهب ، (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ) ، جعل الله هذا مثالا (٤) للحق والباطل ، يعني : أن الباطل كالزبد يذهب ويضيع الحق كالماء والفلز يبقى في القلوب. وقيل : هذا تسلية للمؤمنين ، يعني : أن أمر المشركين كالزبد يرى في الصورة شيئا وليس له حقيقة ، وأمر المؤمنين كالماء المستقر في مكانه له البقاء والثبات.

(لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (٢١))

__________________

(١) في المخطوط «القرآن».

(٢) في المخطوط «القلوب».

(٣) زيادة عن المخطوط و ـ ط.

(٤) في المخطوط «مثلا».

١٤

قوله تعالى : (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا) ، أجابوا ، (لِرَبِّهِمُ) ، فأطاعوه ، (الْحُسْنى) الجنة ، (وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ) ، أي : لبذلوا ذلك يوم القيامة افتداء من النار ، (أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ). قال إبراهيم النخعي : سوء الحساب أن يحاسب الرجل بذنبه كله لا يغفر له من شيء ، (وَمَأْواهُمْ) في الآخرة (جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) ، الفراش ، أي : بئس ما مهد لهم.

قوله تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) ، فيؤمن به ويعمل بما فيه ، (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) ، عنه لا يعلمه ولا يعمل به.

قيل : نزلت في حمزة وأبي جهل. وقيل : في عمار وأبي جهل ، فالأول حمزة أو عمار والثاني أبو جهل ، وهو الأعمى ، أي : لا يستوي من يبصر الحق ويتبعه ومن لا يبصره ولا يتبعه. (إِنَّما يَتَذَكَّرُ) يتعظ ، (أُولُوا الْأَلْبابِ). ذوو العقول.

(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) ، بما أمرهم الله تعالى به وفرضه عليهم فلا يخالفونه ، (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) ، قيل : أراد العهد الذي أخذه (١) على ذرية آدم عليه‌السلام حين أخرجهم من صلبه.

(وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ، قيل : أراد به الإيمان بجميع الكتب والرسل ولا يفرقون بينهما ، والأكثرون على أنه أراد به صلة الرحم.

[١١٩٣] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا ابن أبي شيبة ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة أن عبد الرحمن بن عوف عاد أبا الردّاد (٢) فقال يعني عبد الرحمن : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم [يقول](٣) فيما يحكي عن ربه عزوجل : «أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتّته».

__________________

[١١٩٣] ـ صحيح بطرقه. فيه إرسال ، ورجال الإسناد ثقات ، لكن له طرق.

ـ حميد ثقة ثبت ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. ابن أبي شيبة هو عبد الله بن محمد ، الزهري هو محمد بن مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٢٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ١٦٩٤ والترمذي ١٩٠٧ وأحمد ١ / ١٩٤ وابن أبي شيبة ٨ / ٥٣٥ ـ ٥٣٦ والحاكم ٤ / ١٥٨ من طرق عن ابن عيينة به وقال الترمذي : حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح.

ـ وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» ١٠٢٣٤ عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ردّاد الليثي عن عبد الرحمن به.

ـ ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أبو داود ١٦٩٥ وأحمد ١ / ١٩٤ والحاكم ٤ / ١٥٧ وإسناده حسن في المتابعات لأجل رداد ، فإنه مقبول.

ـ وأخرجه ابن حبان ٤٤٣ من طريق معمر بالإسناد السابق.

ـ وأخرجه أحمد ١ / ١٩٤ ح ١٦٩٠ والحاكم ٤ / ١٥٧ من طريق يزيد بن هارون عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله بن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف ، وهو مريض ... فذكره.

ورجال الإسناد رجال مسلم سوى قارظ ، وهو حسن الحديث. وللحديث شواهد وطرق ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا.

(١) في المخطوط «أخذ».

(٢) في المطبوع «الدرداء» والمثبت عن كتب التراجم ، و «شرح السنة».

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٥

[١١٩٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](١) المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا ابن أبي أويس قال : حدثني سليمان بن بلال عن معاوية بن أبي مزرّد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال : «خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقوي الرحمن ، فقال : مه ، قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، قال : [نعم](٢) ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت : بلى يا رب ، قال : فذلك لك» ، ثم قال أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢].

[١١٩٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٣) المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني أنبأنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا كثير بن عبد الله اليشكري ثنا الحسن بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ثلاثة تحت العرش يوم القيامة : القرآن يحاج العباد ، له ظهر وبطن ، والأمانة ، والرحم تنادي ألا من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله».

[١١٩٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنبأنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني أنا

__________________

[١١٩٤] ـ صحيح. حميد ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ ابن أبي أويس هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس ، أبو مزرد هو عبد الرحمن بن يسار.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٢٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٣١ و ٧٥٠٢ ومسلم ٢٥٥٤ وأحمد ٢ / ٣٣٠ وابن حبان ٤٤١ والبيهقي ٧ / ٢٦ من طرق عن معاوية بن أبي مزرّد به.

[١١٩٥] ـ ضعيف بهذا اللفظ. إسناده ضعيف ، الحسن بن عبد الرحمن بن عوف ذكره البخاري في «التاريخ» وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» من غير جرح أو تعديل ، ووثقه ابن حبان وحده على قاعدته في توثيق المجاهيل.

ـ وقد اختلف فيه وفي أبيه ، فقد قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ٣ / ٢٣ : الحسن بن عبد الرحمن بن عوف القرشي ، وليس هو بابن عبد الرحمن بن عوف الزهري ، لكنه بصري آخر ، روى عن أبيه روى عنه كثير اليشكري ، سمعت أبي يقول ذلك.

ـ وقال الحافظ في «الإصابة» في ترجمته : فرق أبو حاتم بينه وبين الزهري وكذا قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني في «تاريخه».

ـ قلت : والزهري هو أحد العشرة ، وذكره البخاري في «التاريخ» ٢ / ٢٩٦ ، فقال القرشي ، ولم يتعرض للتفريق بينهما.

ـ وبكل حال الحسن هذا مجهول لم يرو عنه سوى اليشكري ، واليشكري متكلم فيه أيضا ، بل أعله العقيلي به حيث ذكره في ترجمة اليشكري ، وقال : لا يصح إسناده.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٢٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري في «التاريخ» ٢ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦ / ٢٥٢٣ عن مسلم بن إبراهيم به.

ـ وأخرجه العقيلي في «الضعفاء» ٤ / ٥ / ١٥٥٦ من طريق البخاري به.

ـ وقال : لا يصح إسناده.

ـ ونقله الذهبي في «الميزان» ٣ / ٤٠٩ عن العقيلي ، ووافقه.

[١١٩٦] ـ صحيح. إسناده حسن في الشواهد لأجل عبد الله بن صالح ، لكن توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، عقيل هو ابن خالد ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٢٣ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٩٨٦ ومسلم ٢٥٥٧ وابن حبان ٤٣٨ والبيهقي ٧ / ٢٧ من طرق عن الليث به.

(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

١٦

حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه».

[١١٩٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي بن الجعد ثنا شعبة عن عيينة بن عبد الرحمن قال : سمعت أبي يحدث عن أبي بكرة (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من ذنب أحرى أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم».

[١١٩٨] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا يدخل الجنة قاطع رحم» (٢).

[١١٩٩] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي ثنا أحمد بن إسحاق الصيدلاني أنا أبو نصر أحمد بن محمد بن نصر ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا عمرو بن

__________________

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢٢٩ و ٢٢٦ و ١٥٦ من طريقين عن أنس به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٥٥٧ وأبو داود ١٦٩٣ وابن حبان ٤٣٩ من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري به.

[١١٩٧] ـ صحيح. إسناده حسن لأجل عيينة بن عبد الرحمن ، وباقي الإسناد ثقات ، وللحديث شواهد تقويه.

ـ شعبة هو ابن الحجاج ، عبد الرحمن والد عيينة هو ابن جوشن.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٣٢ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد ٦٧ والحاكم ٤ / ١٦٣ وابن حبان ٤٥٦ من طرق عن شعبة به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٩٠٢ والترمذي ٢٥١١ وابن ماجه ٤٢١١ وأحمد ٥ / ٣٦ وابن حبان ٤٥٥ من طرق عن عيينة بن عبد الرحمن به وصححه الحاكم ٢ / ٣٥٦ ، ووافقه الذهبي.

ـ وللحديث شواهد ، فهو صحيح.

[١١٩٨] ـ صحيح. إسناده صحيح. أحمد بن منصور ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم ، عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، الزهري محمد بن مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٣٣١ بهذا الإسناد.

ـ خرج المصنف من طريق عبد الرزاق ، وهو في «المصنف» ٢٠٣٢٨ عن معمر به.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٨٤ والبيهقي ٧ / ٢٧ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٥٥٦ وأبو داود ١٦٩٦ والترمذي ١٩٠٩ وأحمد ٤ / ٨٠ والبيهقي ٧ / ٢٧ من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهري به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٩٨٤ من طريق الليث عن عقيل عن الزهري به.

[١١٩٩] ـ صحيح ، أبو نعيم فمن فوقه رجال البخاري ومسلم ، ومن دونه توبعوا.

ـ وهو في «شرح السنة» ٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٣ من طريق عمرو بن عثمان به.

ـ وأخرجه البخاري ٥٩٨٣ ومسلم ١٣ والنسائي ١ / ٢٣٤ وأحمد ٥ / ٤١٨ وابن حبان ٣٢٤٦ من طرق عن بهز بن أسد عن شعبة عن محمد بن عثمان وأبيه عن موسى بن طلحة به.

(١) تصحف في المطبوع «بكر».

(٢) زيد في المطبوع وحده «رحم».

١٧

عثمان قال : سمعت موسى بن طلحة يذكر عن أبي أيوب الأنصاري أن أعرابيا عرض لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسير له فقال : أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم».

[١٢٠٠] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا (١) يعلى وأبو نعيم قالا : ثنا فطر عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليس الواصل بالمكافئ ؛ ولكن الواصل الذي إذا انقطعت (٢) رحمه وصلها».

رواه محمد بن إسماعيل عن محمد بن كثير عن سفيان عن فطر وقال : «إذا قطعت رحمه وصلها».

قوله تعالى : (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ).

(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥))

. (وَالَّذِينَ صَبَرُوا) ، على طاعة الله ، وقال ابن عباس : على أمر الله عزوجل. وقال عطاء : على المصائب والنوائب. وقيل : عن الشهوات. وقيل : عن المعاصي. (ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) ، طلب تعظيمه أن يخالفوه ، (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) ، يعني يؤدون الزكاة ، (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) ، روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يدفعون بالصالح من العمل السيّئ من العمل ، وهو معنى قوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤].

[١٢٠١] وجاء في الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها ، السرّ

__________________

[١٢٠٠] ـ صحيح. إسناده صحيح ، حميد ثقة ، وقد توبع هو ومن دونه ، ومن فوقه ثقات ، فطر هو ابن خليفة ، مجاهد هو ابن جبر ، يعلى بن عبيد ، أبو نعيم الفضل بن دكين.

ـ وأخرجه البخاري ٥٩٩١ وأبو داود ١٦٩٧ والترمذي ١٩٠٨ وأحمد ٢ / ١٩٠ من طرق عن مجاهد به.

[١٢٠١] ـ حسن. أخرجه الطبراني في «الكبير» ٢٠ / ١٧٥ من حديث أبي سلمة عن معاذ بن جبل ، وإسناده منقطع. وذكره الهيثمي في «المجمع» ٤ / ٢١٨ وقال : وأبو سلمة لم يدرك معاذا ، ورجاله ثقات ا ه.

ـ وأخرجه البيهقي في «الزهد» ٩٥٦ من رواية إسماعيل بن رافع عن ثعلبة بن صالح عن سليمان بن موسى عن معاذ بنحوه مطوّلا ، وإسناده ضعيف لانقطاعه ، سليمان بن موسى لم يدرك معاذا.

ـ وأخرجه البيهقي في «الزهد» ٩٥٧ عن محمد بن جبير قال : بعث رسول الله معاذا إلى اليمن فذكره بنحوه وهذا مرسل محمد بن جبير تابعي.

ـ وورد من حديث أبي ذر ، أخرجه أحمد ٥ / ١٦٦ من طريق شمر بن عطية عن أشياخ له عن أبي ذر مرفوعا.

ـ وإسناده ضعيف ، فيه من لم يسم.

ـ وكرره أحمد ٥ / ١٧٧ ، وفيه عنعنة حبيب بن أبي ثابت ، وميمون بن أبي شبيب ، وكلاهما يرسل.

ـ الخلاصة : هو حديث حسن بطرقه وشواهده.

(١) زيد في المخطوط و ـ ط «أبو» وهو خطأ ، إنما هو يعلى بن عبيد.

(٢) في المطبوع «قطعت».

١٨

بالسر والعلانية بالعلانية».

[١٢٠٢] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنبأنا محمد بن أحمد بن الحارث أنبأنا محمد بن يعقوب الكسائي أنبأنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن ابن لهيعة حدثني يزيد بن أبي حبيب حدثنا أبو الخير أنه سمع عقبة بن عامر يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ثم عمل حسنة فانفكت عنه حلقة ثم عمل أخرى فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض».

وقال ابن كيسان : معنى الآية يدفعون الذنب بالتوبة. وقيل : لا يكافئون الشر بالشر ولكن يدفعون الشر بالخير. وقال القتيبي : معناه إذا سفه عليهم حلموا ، فالسفه : السيئة ، والحلم : الحسنة. وقال قتادة : ردوا عليهم معروفا ونظيره قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) [الفرقان : ٦٣].

وقال الحسن : إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا وصلوا. قال عبد الله بن المبارك : هذه ثمان خلال (١) مشيرة إلى ثمانية أبواب الجنة (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) ، يعني الجنة ، أي : عاقبتهم دار الثواب. ثم بيّن فقال :

(جَنَّاتُ عَدْنٍ) ، بساتين إقامة ، (يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) ، قيل : من أبواب الجنة. وقيل : من أبواب القصور.

(سَلامٌ عَلَيْكُمْ) ، أي : يقولون سلام عليكم. وقيل : يقولون سلمكم الله من الآفات التي [كنتم](٢) تخافون منها ، قال مقاتل : يدخلون عليهم في مقدار يوم وليلة من أيام الدنيا ثلاث كرات معهم الهدايا والتحف من الله عزوجل ، يقولون سلام عليكم ، (بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).

[١٢٠٣] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك

__________________

[١٢٠٢] ـ حديث حسن. إسناده لين لأنه من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة ، وإلّا فابن لهيعة ضعيف ، وتابعه يحيى بن أيوب. ابن لهيعة هو عبد الله ، أبو الخير هو مرثد بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٤٤ بهذا الإسناد.

ـ رواه المصنف من طريق ابن المبارك ، وهو في «زوائد الزهد» ١٧٠ عن ابن لهيعة به.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ١٤٥ من طريق ابن المبارك به.

ـ وأخرجه الطبراني ١٧ / (٧٨٣) من طريق سعيد بن عفير عن ابن لهيعة به.

ـ وأخرجه الطبراني ١٧ / (٧٨٤) من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٢٠٢ وقال : وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح.

ـ قلت : يحيى بن أيوب ، وإن روى له الشيخان ، فقد قال أحمد : سيئ الحفظ ، وقال أبو حاتم : لا يحتج به ، لكن يصلح للمتابعة ، فالحديث حسن إن شاء الله.

[١٢٠٣] ـ موقوف ضعيف ، إسناده ضعيف ، فيه أبو الحجاج ، وهو مجهول.

ـ رواه المصنف من طريق ابن المبارك ، وهو في «الزهد» ٢٣٧ «زيادات نعيم» عن بقية بن الوليد به.

ـ وأخرجه الطبري ٢٠٣٤٣ من طريق ابن المبارك به.

(١) في المخطوط «خصال».

(٢) زيادة عن المخطوط.

١٩

عن بقية بن الوليد حدثني أرطأة بن المنذر قال : سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال [له](١) أبو الحجاج يقول : جلست إلى أبي أمامة فقال : إن المؤمن ليكون متكأ على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سماطان من خدم وعند طرف السماطين باب مبوب فيقبل الملك من ملائكة الله يستأذن فيقوم أدنى الخدم إلى الباب فإذا هو بالملك يستأذن فيقول للذي يليه [هذا](٢) ملك يستأذن ويقول الذي يليه (٣) للذي يليه : ملك يستأذن كذلك حتى يبلغ المؤمن ، فيقول : ائذنوا له ، فيقول أقربهم إلى المؤمن : ائذنوا له ، ويقول الذي يليه للذي يليه : ائذنوا له كذلك حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ، فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف.

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ، هذا في الكفار. (وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ، أي : يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض. وقيل : يقطعون الرحم ، (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) ، أي : يعملون بالمعاصي ، (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ، يعني : النار ، وقيل : سوء المنقلب لأن منقلب الناس دورهم.

(اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (٢٧) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨))

قوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) ، أي : يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء ، (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) ، يعني : مشركي مكة أشروا وبطروا ، والفرح لذة في القلب بنيل المشتهى ، وفيه دليل على أن الفرح بالدنيا حرام. (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) أي : قليل ذاهب. قال الكلبي : كمثل السكرجة والقصعة والقدح والقدر ينتفع بها ثم تذهب.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، من أهل مكة ، (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) أي : يهدي إليه من يشاء بالإنابة. وقيل : يرشد إلى دينه من رجع (٤) إليه بقلبه.

(الَّذِينَ آمَنُوا) ، في محل نصب بدلا (٥) من قوله : (مَنْ أَنابَ) ، (وَتَطْمَئِنُ) ، تسكن ، (قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) ، قال مقاتل : بالقرآن ، والسكون يكون باليقين ، والاضطراب يكون بالشك ، (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) ، تسكن قلوب المؤمنين ويستقر فيها اليقين.

قال ابن عباس : هذا في الحلف ، يقول : إذا حلف المسلم بالله على شيء تسكن قلوب المؤمنين إليه ، فإن قيل : أليس قد قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) [الأنفال : ٢] ، فكيف تكون الطمأنينة والوجل في حالة واحدة؟.

قيل : الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب ، فالقلوب توجل إذا ذكرت عدل (٦) الله وشدة حسابه ، وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه.

(الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ

__________________

(١) زيادة عن كتب التخريج.

(٢) زيادة عن كتب التخريج.

(٣) في المطبوع «بينه».

(٤) في المطبوع «يرجع».

(٥) في المطبوع «النصب بدل».

(٦) تصحف في المطبوع «عبد».

٢٠