بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المنفصل فقد علمت حجيته في اكرامه ، وفي اكرم العالم الا زيدا المردد بين شخصين يكون العام حجة في غيرهما.

قوله (قدس‌سره) : «بان كان دائرا بين المتباينين مطلقا» : أي سواء كان الخاص متصلا او منفصلا.

قوله : «وحقيقة في غيره» أي يسري الاجمال حقيقة الى العام في الخاص المتصل حقيقة سواء كان الخاص دائرا بين المتباينين او بين الاقل والاكثر ـ فقد عرفت أن الاقسام اربعة : المنفصل المردد بين الاقل والاكثر ، وفيه لا يسري الاجمال الى العام لا حقيقة ولا حكما ، وفيما عدا القدر المتيقن من الخاص يكون العام حجة ، وفي المنفصل المردد بين المتباينين يسري الاجمال الى العام حكما لا حقيقة ، وفي المتصل مطلقا يسري الاجمال الى العام حقيقة وحكما.

قوله (قدس‌سره) : «اما الاول ... الخ» هذا بيان لسقوط العام في المنفصل حكما لا حقيقة.

قوله (قدس‌سره) : «واما الثاني ... الخ» هذا بيان لسقوط العام في المتصل حقيقة وانه لا ينعقد له ظهور من رأس ، وانه لا يكون حجة الا في القدر المتيقن وهو ما عدا الخاص المجمل كما مر.

قوله (قدس‌سره) : «فانقدح بذلك ... الخ» قد عرفت ان الفرق بين العام المخصص بالمتصل والعام المخصص بالمنفصل : هو انه في المنفصل ينعقد الظهور للعام ، بخلاف العام في المتصل فانه لا ينعقد له ظهور من رأس.

وبعبارة اخرى : ان الفرق بين المتصل والمنفصل هو انه في المتصل يسري الاجمال الى العام حقيقة ، وفي المنفصل يسري الاجمال اليه حكما لا حقيقة.

قوله (قدس‌سره) : «وكذا في المجمل ... الخ» الفرق بين المجمل : أي الخاص المردد بين المتباينين وبين المردد بين الاقل والاكثر : هو انه في المردد بين المتباينين سواء كان متصلا او منفصلا لا يكون العام حجة في المردد ، وفي الاقل والاكثر في المتصل

١٢١

أما الاول : فلان العام ـ على ما حققناه ـ كان ظاهرا في عمومه ، إلا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما.

وأما الثاني : فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام ، لاحتفاف الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الاقل والاكثر ، أو لكل واحد من المتباينين ، لكنه حجة في الاقل ، لانه المتيقن في البين.

فانقدح بذلك الفرق بين المتصل والمنفصل ، وكذا في المجمل بين المتباينين والاكثر والاقل ، فلا تغفل.

وأما إذا كان مجملا بحسب المصداق ، بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فردا له أو باقيا تحت العام ، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به ، ضرورة عدم انعقاد ظهور للكلام إلا في الخصوص ، كما عرفت.

وأما إذا كان منفصلا عنه ، ففي جواز التمسك به خلاف ، والتحقيق عدم جوازه ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه ، أن الخاص إنما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة ، ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده ، فخطاب (لا تكرم فساق العلماء) لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم مثل أكرم العلماء ولا يعارضه ، فإنه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة (١) ، وهو في

______________________________________________________

لا يكون العام بحجة لا في الاقل الذي هو خصوص مرتكب الكبيرة ولا في الاكثر الذي هو مرتكب الصغيرة ، وتختص حجيته بخصوص العادل ، وفي المنفصل يكون العام حجة في مرتكب الصغيرة ، وتختص عدم حجيته بخصوص مرتكب الكبيرة.

(١) ما تقدم من الكلام كان في المخصص المجمل بحسب المفهوم. والكلام الآن في المخصص المجمل بحسب المصداق ، والمراد من المجمل بحسب المصداق هو ما كان الشك لا لاجل عدم تبين مفهومه ، بل كان من ناحية الامور الخارجة عن المفهوم ،

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مثلا كما يشك بعد ورود الخاص كقوله : لا تكرم الفاسق ـ بعد اكرم العالم ـ في كون زيد فاسقا ام لا؟ لا من ناحية عدم تبين مفهوم الفاسق وانه هل هو الاعم من مرتكب الصغيرة والكبيرة ، كذلك الشك في كونه فاسقا ام غير فاسق بعد معلومية مفهوم الفاسق وانه مثلا خصوص مرتكب الكبيرة ، لكن الشك في كون زيد فاسقا ام لا؟ انما حصل من ناحية هل هو من مرتكبي الكبيرة ام لا؟

ومن الواضح ان الشك في كونه من مرتكب الكبيرة ام لا انما ينشأ من الامور الخارجية لا من مفهوم الفاسق لفرض كونه معلوما وهو خصوص مرتكب الكبيرة ، وهذا هو الشك من ناحية الشبهة المصداقية ، لان الشك فيه يحصل من ناحية ان زيدا هل هو مصداق لهذا المفهوم المعلوم بحسب مفهوميته ام لا؟

ثم لا يخفى انه قد تقدم ان الخاص ينقسم الى كونه لفظيا ولبيا ، وحيث لم يكن له ثمرة في الشك في الشبهة المفهومية وانما ثمرته في الشك من ناحية الشبهة المصداقية ـ فاعلم :

ان الخاص اللفظي هو ما اذا ورد اكرم العالم ثم ورد لا تكرم الفاسق مستفادا من ناحية البيان اللفظي.

واللبي ما اذا كان لا تكرم الفاسق مستفادا من اجماع او سيرة او عقل.

والكلام ـ فعلا ـ في الخاص اللفظي المجمل بحسب المصداق كما يدل عليه قول المصنف في آخر كلامه : «هذا اذا كان المخصص لفظيا».

ولا يخفى أيضا ان الكلام في المجمل بحسب المصداق فيما هو المعلوم مفهوما ، فيكون الكلام في المردد بين الاقل والاكثر والمتباينين خارجا لانه في غير المعلوم مفهوما.

وعلى كل فالكلام ـ فعلا ـ في المخصص اللفظي المعلوم المفهوم المشكوك من ناحية الامور الخارجية ، وحيث ان المخصص اللفظي المجمل بحسب المصداق :

تارة : يكون متصلا كما لو قال : اكرم العالم الا الفاسق.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : يكون منفصلا وقد عرفت ان الخاص المتصل يوجب انعقاد ظهور العام ابتداء في الخاص ولا ينعقد له ظهور في مطلق العالم ، فظهور اكرم العالم الا الفاسق من أول الامر ينعقد في وجوب اكرام العالم غير الفاسق ، فالموضوع لوجوب الاكرام هو العالم غير الفاسق. ومن الواضح انه لا بد في ترتب الحكم على موضوع من احراز موضوع الحكم ، فاذا شك في فسق العالم ولو من ناحية الامور الخارجية لا يجب اكرامه قطعا ، لعدم احراز ما هو موضوع الحكم في وجوب اكرامه ، اذ لم يحرز كونه عالما غير فاسق حتى يجب اكرامه.

وبعبارة اخرى : ان الخاص المتصل بالعام يوجب تعنون العام بعنوان الخاص المتصل به ، فقوله اكرم العالم الا الفاسق يوجب تعنون العالم بكونه غير فاسق ، فاذا شك في فسقه فلا يكون غير فسقه محرزا فلا يجب اكرامه ، والى هذا اشار بقوله : «فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعام لو كان متصلا به ضرورة عدم انعقاد ... الى آخر الجملة».

واما اذا كان المخصص اللفظي المجمل بحسب المصداق منفصلا ، كما لو ورد اكرم العالم وبعد انعقاد ظهوره في كل فرد من افراد العالم سواء كان عادلا او فاسقا ثم يرد الخاص وهو لا تكرم الفاسق ، فهل يكون العام حجة في اكرام مشكوك الفسق والعدالة ام لا؟ هذا هو محل الخلاف.

وذهب المصنف الى عدم كون العام حجة فيه كما هو رأي جمهور المتأخرين في الجملة ، والذي يمكن ان يستدل به لحجية العام فيه ادلة اشار المصنف الى واحد منها ، ولذا قال : «واما اذا كان» أي الخاص اللفظي المجمل بحسب المصداق «منفصلا عنه ففي جواز التمسك به» أي بالعام «خلاف والتحقيق عدم جوازه اذ غاية ما يمكن ان يقال في وجه جوازه ان الخاص انما يزاحم ... الى آخر كلامه».

وتوضيحه : انه بعد ان انعقد للعام ظهور في كل فرد من افراده فلا يرفع اليد عنه هذا الظهور إلّا بحجة اقوى منه ، لانه رفع يد عن الحجة من غير حجة ، فبعد ان تمت

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

حجية العام في جميع افراده ورد الخاص وهو عدم وجوب اكرام الفاسق من افراد العالم ، ومن الواضح ان هذا الخاص هو عبارة عن موضوع له الحكم وهو وان كان يقدم على حجية العام لانه حجة اقوى منه ، إلّا انه انما يتقدم على العام فيما اذا احرز موضوعه ، فيكون الحكم بعدم اكرامه مقدما على وجوب اكرامه لتقدم الحجة الاقوى وهو الخاص على العام ، فالفاسق انما يتقدم على العام فيما احرز انه فاسق ، وحيث ان المفروض انه مشكوك الفسق فلا يكون الخاص حجة في مشكوك الفسق لعدم احراز الموضوع للحكم فيه ، واذا لم يكن الخاص حجة فيه فلا وجه لعدم كون العام حجة فيه ، لانه رفع اليد عن الحجة من غير حجة على خلافه ولا حجة على خلاف العام في المشكوك لعدم كون الخاص حجة فيه.

وبعبارة اخرى : ان العام حجة فعلية على جميع الافراد ومشكوك الفسق حيث انه من افراد العام فقد قامت الحجة الفعلية عليه والخاص ليس بحجة فعلية على خلاف العام ، لوضوح ان الحكم لموضوع لا يكون حكما فعليا منجزا الا بعد احراز موضوعه ، وحيث لم يحرز الموضوع لفرض الشك في الموضوع وهو الفسق فالخاص لا يكون حكمه فعليا منجزا ، فالعام حجة فعلية منجزة والخاص ليس حجة فعلية منجزة في قباله ، فيكون رفع اليد عن العام في المشكوك الفسق رفع يد عن الحجة الفعلية من غير حجة على خلافه.

وبعبارة اوضح : ان الخاص انما يقدم على العام ويزاحمه فيما اذا كان الخاص حجة فعلية في قبال العام ، والمفروض ان الخاص ليس بحجة فعلية في مشكوك الفسق فلا يزاحم العام ولا يقدم عليه ، والى هذا اشار بقوله : «ان الخاص انما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة ولا يكون حجة فيما اشتبه من افراده» أي ان الخاص لا يكون حجة في الفرد المشتبه الفسق من العلماء «فخطاب لا تكرم فساق العلماء» الذي هو الخاص «لا يكون دليلا على حرمة اكرام من شك في فسقه من العلماء» وحيث لا يكون الخاص حجة في المشكوك «فلا يزاحم مثل اكرم العلماء ولا يعارضه» وهو

١٢٥

غاية الفساد ، فإن الخاص وإن لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا ، إلا أنه يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد ، فيكون (أكرم العلماء) دليلا وحجة في العالم غير الفاسق ، فالمصداق المشتبه وإن كان مصداقا للعام بلا كلام ، إلا أنه لم يعلم أنه من مصاديقه بما هو حجة ، لاختصاص حجيته بغير الفاسق (١).

______________________________________________________

العام لان مزاحمته له من مزاحمة الحجة باللاحجة ، ولذا قال : «فانه يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير الحجة».

(١) هذا هو الجواب ، وتوضيحه :

ان العام وان انعقد له ظهور في كل فرد من افراده إلّا انه بعد ورود الخاص وهو الفاسق يكون هذا الاخراج موجبا لانقسام العام الى قسمين واقعا : بعض يجب اكرامه ، وبعض لا يجب اكرامه او يحرم اكرامه ، وهو العالم غير الفاسق ، والعالم الفاسق ، فورود الخاص اوجب اختصاص حجية العام واقعا بغيره : أي انه بعد ان ورد لا تكرم الفاسق اوجب قصر حجية وجوب اكرام العالم في غير الفاسق ، فمشكوك الفسق وان كان الخاص ليس بحجة فيه لعدم احراز موضوع الحكم فيه إلّا ان العام بعد ورود التخصيص أيضا لا يكون حجة فيه ، لان التخصيص اوجب قصر حجية العام واقعا على ما عدا الخاص.

وبعبارة اخرى : ان العنوان للعام بعد التخصيص لم يبق على ما هو عليه بل اختصت حجيته واقعا بغير الخاص ، فاكرم العالم ـ مثلا ـ بعد ورود لا تكرم الفاسق صارت حجيته مختصة واقعا بغير الفاسق ، فيكون هناك حجتان واقعا وجوب اكرام العالم غير الفاسق وحرمة اكرام الفاسق ، وحيث لم يعلم اندراج المشكوك في أي الحجتين ، فكما لا يكون حرمة اكرام الفاسق حجة في عدم اكرامه كذلك لا يكون وجوب اكرام العالم غير الفاسق حجة في وجوب اكرامه ، فهو غير معلوم الاندراج

١٢٦

وبالجملة العام المخصص بالمنفصل ، وإن كان ظهوره في العموم ، كما إذا لم يكن مخصصا ، بخلاف المخصص بالمتصل كما عرفت ، إلا أنه في عدم الحجية إلا في غير عنوان الخاص مثله ، فحينئذ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين ، فلا بد من الرجوع إلى ما هو الاصل في البين (١) ، هذا إذا كان المخصص لفظيا.

______________________________________________________

في أي الحجتين لعدم احراز موضوعهما فيه ، ولا بد من الرجوع فيه الى ما تقتضيه الاصول.

وبعبارة اخرى : ان العام وان شمل العالم المشكوك الفسق بما هو عالم إلّا ان هذا العام بعد ورود لا تكرم الفاسق لا يكون حجة بما له من مفهومه العام ، بل يكون حجة ، وبما هو مقيد بغير الفاسق بما هو مقيد بغير الفاسق لا يشمل مشكوك الفسق فيما هو شامل له ليس بحجة ، وبما هو حجة ليس بشامل له ، والى هذا اشار بقوله : «فالمصداق المشتبه» وهو العالم المشكوك الفسق «وان كان مصداقا للعام» وهو العالم «بلا كلام إلّا انه لم يعلم انه من مصاديقه» أي لم يعلم انه من مصاديق العام «بما هو حجة لاختصاص حجيته» أي حجية العام بعد ورود التخصيص عليه تكون مختصة «ب» العالم «غير الفاسق».

(١) انه وان كان هناك فرق بين المخصص بالمتصل والمخصص بالمنفصل المجملين من ناحية الشبهة المصداقية ـ انه في المتصل لا يكون للعام ظهور بالنسبة الى المشكوك ، وفي المنفصل يكون للعام ظهور يشمل المشكوك لانعقاد الظهور للعام قبل ورد التخصيص بحيث يشمل ظهوره المشكوك ـ إلّا انهما في الحجية على حد سواء لما عرفت : من انه بعد ورود التخصيص بالفاسق ينقسم العام الى فاسق وغير فاسق ، وتختص حجية العام واقعا بغير الفاسق والخاص بالفاسق ، ويكون الفرد المشكوك غير معلوم الاندراج في ايهما وهما بالنسبة اليه نظير الحجتين المتعارضتين ، ومقابلة العام بالخاص من مقابلة الحجة بالحجة ، فرفع اليد عنه ليس من رفع اليد عن الحجة

١٢٧

وأما إذا كان لبيا ، فإن كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم ، إذا كان بصدد البيان في مقام التخاطب ، فهو كالمتصل ، حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلا في الخصوص ، وإن لم يكن كذلك ، فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره فيه (١).

______________________________________________________

باللاحجة ، بل رفع يد عن الحجة بحجة مثلها. والفرق بين هذا التعارض والتعارض المتعارف هو انه في التعارض المتعارف ينشأ التعارض من احراز كلا الموضوعين ، وهنا ينشأ التعارض من عدم احراز احد الموضوعين ، وكما يرجع في مورد المتعارضين الى الاصول كذلك لا بد هنا في الفرد المشكوك من الرجوع الى الاصول أيضا.

والى الفرق بين المتصل والمنفصل اشار بقوله : وبالجملة العام المخصص بالمنفصل وان كان ظهوره في العموم» محفوظا لما عرفت : انه قد تم ظهوره في الشمول قبل ورود التخصيص ، والظهور بعد انعقاده لا يعقل انقلابه عما كان له ظهور فيه فهو في كونه له ظهور «كما اذا لم يكن مخصصا بخلاف المخصص بالمتصل» فانه لا ينعقد للعام ظهور فيه «كما عرفت إلّا انه في عدم الحجية الا في غير عنوان الخاص» أي إلّا ان العام المخصص بالمنفصل من حيث الحجية وانها بعد ورود الخاص تنحصر حجيته في غير الفاسق فلا يكون حجة في المشكوك ، فهو «مثله» أي مثل المخصص بالمتصل في عدم الحجية ، وقد أشار الى ان الفرد المشكوك بالنسبة اليهما لا بد من رفع اليد عن كلا الحجتين فيه لعدم احراز الموضوع فيه ، وانهما بالنسبة اليه كالحجتين المتعارضتين بقوله : «فحينئذ يكون الفرد المشتبه ... الى آخر الجملة» ، وأشار الى الرجوع فيه الى الاصول بقوله : «فلا بد من الرجوع ... الى آخره».

قوله (قدس‌سره) : «هذا اذا كان المخصص لفظيا» يدل هذا على ان كلامه المتقدم مختص بخصوص اللفظي كما نبهنا عليه.

(١) لا يخفى ان المخصص اللبي كالعقل ـ مثلا ـ :

١٢٨

والسر في ذلك ، أن الكلام الملقى من السيد حجة ، ليس إلا ما اشتمل على العام الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلا بد من اتباعه

______________________________________________________

تارة يكون من الوضوح بحيث انه ملتفت اليه عند كل احد ولا يغفل عنه أي ذهن من الاذهان ولا يحتاج التنبيه اليه الى مقدمات او برهان او نحو ذلك ، ومثل هذا يكون مخصصا متصلا عقليا بالعام اللفظي كمثل اللعن الوارد لبعض اهل البقاع ، فان خروج المؤمن عن اللعن من مرتكزات جميع الاذهان ، ويصح لكل متكلم ان يتكل على هذا التخصيص ، ومثل هذا المخصص يمنع عن انعقاد ظهور اللعن العام في الشمول والعموم ، بل العام من اول الامر يختص انعقاد الظهور فيه بغير المؤمن ، وهو كالمخصص اللفظي المتصل من غير فرق أصلا ، فهو خارج عن ما هو محل الكلام لان الكلام في المخصص اللبي المنفصل الذي لا يمنع عن انعقاد الظهور للعام في العموم ، واشار المصنف اليه بقوله : «فان كان مما يصح ان يتكل عليه ... الى آخر الجملة».

واخرى : يكون المخصص اللبي كالمخصص المنفصل وهو الذي يحتاج الالتفات اليه الى مقدمات وقياس وبرهان ، ولا يكون كالاول من المرتكزات التي يلتفت اليها كل ذهن ، ومثل هذا لا يصح ان يتكل عليه المتكلم في مقام البيان بحيث يكون كالقرينة المتصلة ، وهذا هو محل الكلام في انه هل هو كالمخصص اللفظي المنفصل مما لا يكون فيه العام حجة في الفرد المشكوك من ناحية الشبهة المصداقية أم ان العام في مثل هذا المخصص اللبي يكون حجة في الفرد المشكوك؟

والمختار للمصنف كون العام حجة فيه ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «وان لم يكن كذلك فالظاهر بقاء العام في المصداق المشتبه على حجيته كظهوره» أي انه قد عرفت في المخصص اللفظي المنفصل للعام ظهور الّا انه من دون حجية ، ولكن العام في اللبي المنفصل كما انه له ظهور شامل للفرد المشكوك كذلك له حجية بالنسبة اليه فيجوز التمسك بالعام في الفرد المشكوك واثبات حكم العام له.

١٢٩

ما لم يقطع بخلافه ، مثلا إذا قال المولى : (أكرم جيراني) وقطع بأنه لا يريد إكرام من كان عدوا له منهم ، كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام ، للعلم بعداوته ، لعدم حجة أخرى بدون ذلك على خلافه ، بخلاف ما إذا كان المخصص لفظيا ، فإن قضية تقديمه عليه ، هو كون الملقى إليه كأنه كان من رأس لا يعم الخاص ، كما كان كذلك حقيقة فيما كان الخاص متصلا ، والقطع بعدم إرادة العدو لا يوجب انقطاع حجيته ، إلا فيما قطع أنه عدوّه ، لا فيما شك فيه (١) ، كما يظهر صدق هذا من صحة

______________________________________________________

(١) لقد ذكر المصنف في مجموع عبارته دليلين على كون العام حجة في الفرد المشكوك اذا كان المخصص لبيا :

الاول ما اشار اليه بقوله : «والسر» ، وحاصله : ان الفرق بين المخصص اللفظي واللبي الموجب لعدم كون العام حجة في الفرد المشكوك في اللفظي وان كان يشمله ظهوره ، وفي اللبي كما ان له ظهورا يشمل المشكوك هو حجة فيه أيضا ، على ان العام في كليهما بعد التخصيص قد انقسم واقعا الى قسمين ، مثلا اذا قيل لعن الله اهل حروراء قاطبة ، ونفرض ان خروج المؤمن منه كان تخصيصا لبيا منفصلا بحيث يحتاج الى برهان وليس هو من المرتكزات التي هي كالقرينة المتصلة ، فحينئذ يكون العام منقسما ـ واقعا ـ الى غير المؤمن وهو الملعون ، والى المؤمن وهو الخارج عنه وهو غير ملعون ، فهو مثل المخصص اللفظي الموجب لانقسام العالم بعد التخصيص الى عالم غير فاسق والى عالم فاسق ، فاللبي من هذه الجهة مثل اللفظي ولكنه مع ذلك العام في اللفظي غير حجة في المشكوك فسقه وغير فسقه ، فلا يجوز التمسك به لوجوب اكرامه ، وفي اللبي العام حجة في المشكوك فيجوز التمسك بالعام لجواز لعن المشكوك ايمانه وعدم ايمانه من اهل حروراء.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وتوضيح السر الذي اشار اليه في هذا الفرق بينهما : هو ان المخصص اللفظي بدلالته على التخصيص لفظا قد دل على امرين :

الاول : المنافاة لما دل عليه العام من ان الحكم المرتب على العنوان العام لا ينافيه أي عنوان من العناوين الأخر المندرجة تحته ، والخاص بعد وروده قد دل على ان هناك منافاة لهذا العنوان العام.

الثاني : دلالة الخاص على ان هذا العنوان المنافي للعام موجود بين افراد العام وهو حجة في قبال حجية العام ، فالمولى بتخصيصه اللفظي قد صار بصدد بيان امرين : المنافاة للعام ، ووجود المنافي بين افراد العام فانه لو لم يكن المنافي موجودا بين افراد العام لما صار المولى بصدد التخصيص ، فان الفروض المحضة لا تحمل الحكيم على البيان والتخصيص ، فكانه ببيانه اللفظي قد اظهر انه لا تتبع حجية العام في جميع افراده ، فان ما بين الافراد قد اوجدت حجة تنافي حجية العام ، ولازم هذا البيان انه في الفرد المشكوك لا يؤخذ بالعام لان المولى قد نبه على انه توجد حجة اقوى منه تنافيه اذا كانت منطبقة على المشكوك ، فتكون حجية العام مزاحمة بحجة اخرى موجودة في ضمن افراده ، وهذا بخلاف المخصص اللبي كما في المثال المذكور في المتن فيما اذا قال المولى : اكرم جيراني والعقل بعد تأمله يقطع بعدم وجوب اكرام العدوّ للمولى من جيرانه ، ولكن العقل لا يدل على اكثر من ان العداوة منافية للعام الدال على وجوب اكرام جار المولى ، واما كون العدو موجودا في ضمن افراد الجار او غير موجود فلا دلالة للعقل عليه ، فالجار المشكوك عداوته للمولى وعدم عداوته لا يقول العقل في مقام التمسك بالعام لوجوب اكرامه بان هنا حجة اخرى موضوعها موجود بين افراد الجيران وهي تزاحم حجية العام ، وحيث لا تكون للعقل هذه الدلالة فالعام حجة في اكرام هذا الفرد المعلوم كونه جارا والمشكوكة عداوته من دون مزاحم قد علم بتحقق موضوعه في ضمن افراده كما كان الامر كذلك في المخصص اللفظي ، فانك قد عرفت انه في الفرد المشكوك بعد ان دل الخاص على وجود المنافي

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

للعام في حجيته ضمن افراده يكون المشكوك مورد تزاحم الحجتين الموجودتين ، لاحتمال انطباق كل منهما عليه ولكن العقل حيث لا دلالة له على وجود المنافي وانما يدل على محض المنافاة ولو فرضا ، فيكون الاخذ بالعام لازما لانه حجة موجودة ، والمنافي لها محض الاحتمال لا انه موجود محتمل الانطباق.

وبعبارة اخرى : المخصص اللفظي مخصص موجود يحتمل انطباقه ، والمخصص اللبي مخصص محتمل الوجود ، ففي اللفظي انطباقه محتمل وفي اللبي وجوده محتمل ، وحيث كان وجوده محتملا فلا يزاحم الحجة الموجودة وهو العام إلّا بحجة موجودة مثله تحتمل الانطباق وهي المخصص اللفظي دون اللبي.

ولعله لما ذكرنا قال المصنف : «كان اصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة الى من لم يعلم بخروجه عن عموم الكلام» وهو الفرد المشكوك عداوته من الجيران فانه لم يعلم بخروجه عن عموم وجوب اكرام الجيران ، فان الذي يخرج من الجيران هو خصوص المعلوم عداوته منهم وهو مراده من قوله : «للعلم بعداوته» فانه تعليل للخارج عن عموم هذا الكلام ، وهو خصوص من علم عداوته لتحقق سبب الخروج فيه وهو العلم بالعداوة ، فان العام حجة قد تحقق موضوعها في الفرد المشكوك لكونه جارا قطعا ولا يرفع اليد عن هذه الحجة إلّا بحجة اخرى موجودة يحتمل انطباقها على هذا المشكوك ، وحيث لم يحرز وجود هذه الحجة المشكوك محض انطباقها كان العام حجة «لعدم حجة اخرى» موجودة «بدون ذلك على خلافه بخلاف ما اذا كان المخصص لفظيا» فانه بعد ان كان دالا على حجة موجودة وهي مقدمة على حجية العام ، ولازمه كون حجية العام مقصورة على غير المشكوك ويكون العام بالنسبة الى الفرد المشكوك من جهة الحجية كانه لم يعمه من رأس ، وهذا مراده بقوله : «فان قضية تقديمه» أي قضية تقديم الخاص «عليه» أي على العام يجعل العام حجة مخصوصة بغير الخاص ، ويقصر حجيته على غيره ، وكأن العام من رأس لا يعم الخاص من ناحية الحجية ، والخاص قد قام حجة في قباله في

١٣٢

مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحدا من جيرانه لاحتمال عداوته له ، وحسن عقوبته على مخالفته ، وعدم صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة ، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة ، والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور.

وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها بالنسبة إلى المشتبه هاهنا بخلاف هناك ، ولعله لما أشرنا إليه من التفاوت بينهما ، بإلقاء حجتين هناك ، وتكون قضيتهما بعد تحكيم الخاص وتقديمه على العام ، كأنه لم يعمه حكما من رأس ، وكأنه لم يكن بعام ، بخلاف هاهنا ، فإن الحجة الملقاة ليست إلا واحدة ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في (اكرم جيراني) مثلا ، لا يوجب رفع اليد عن عمومه إلا فيما قطع

______________________________________________________

عنوانه الخاص وان كان للعام ظهور يعم الخاص لكن حجيته بالنسبة اليه قد انقطعت وصار العام كانه ليس بحجة من رأس فيه واختصت حجيته بما عدا الخاص ، وهو مراده من قوله : «وهو كون الملقى اليه» أي ان الملقى اليه هذا الكلام يرى «كانه» أي «كان» العام «من رأس لا يعم الخاص» حكما «كما كان» العام «كذلك» أي كما كان لا يعم الخاص «حقيقة فيما كان الخاص متصلا» والخاص بعد ان كان كذلك بحسب الدلالة اللفظية كان حجة موجودة منافية تزاحم العام في المشكوك ، بخلاف ما اذا كان الخاص لبيا فانه لا ينافي حجية العام في المشكوك ، فانه لا يدل على اكثر من المنافاة «و» هي غاية ما توجب «القطع بعدم ارادة» اكرام «العدو» وهذا القطع «لا يوجب انقطاع حجيته» أي لا يوجب انقطاع حجية العام «الا فيما قطع انه عدوه لا فيما شك فيه» أي لا فيما شك في عداوته لعدم دلالة العقل على وجود الحجة المنافية للعام وانما دل على محض المنافاة.

١٣٣

بخروجه من تحته ، فإنه على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الدليل الثاني الذي اشار اليه في صحة التمسك بالعام في الفرد المشكوك اذا كان المخصص لبيا ، وهو بناء العقلاء وسيرتهم على التمسك بالعام في المشكوك ، كما لو قال المولى : اكرم جيراني وخصص العقل هذا الحكم بغير العدو ، فالمشكوك عداوته يصح التمسك بالعام في وجوب اكرامه والعام عندهم حجة على اكرامه ، ولذا لو اعتذر المكلف فيما لو لم يكرم احد الجيران بدعوى احتماله انه عدو للمولى لا يقبل عذره وتحسن عقوبته عندهم ويصح للمولى مؤاخذته على مخالفته في عدم اكرامه ، ولو لم يكن العام عندهم حجة في الفرد المشكوك لقبل عذره ولما حسنت عقوبته ولما صح للمولى مؤاخذته ، بخلاف العام المخصص باللفظي فانه لو قال المولى بعد قوله اكرم جيراني لا تكرم عدوى ، فانه يصح للعبد الاعتذار عن اكرام الجار المحتمل عداوته للمولى ولا تحسن عقوبته ولا يصح للمولى مؤاخذته ، وهذا كاشف عن عدم تمسك العقلاء بالعام في الشبهة المصداقية فيما كان المخصص لفظيا ، وعن تمسكهم به فيما كان المخصص لبيا ، والى هذا اشار بقوله : «وبالجملة كان بناء العقلاء على حجيتها» أي على حجية اصالة العموم «بالنسبة الى المشتبه هاهنا» وهو فيما كان المخصص لبيا «بخلافه هناك» أي بخلاف اصالة العموم في المشتبه فيما كان المخصص لفظيا فانه لا بناء من العقلاء على التمسك بها.

قوله (قدس‌سره) : «ولعله لما اشرنا اليه ... الخ» حيث ان بناء العقلاء على التمسك بالعام في المخصص اللبي دون اللفظي غير مبين وجهه ، وانما البين هو ارتكازهم على التمسك في مقام وعدم التمسك في مقام ، ولكنه يحتمل ان يكون السبب في تمسكهم وعدمه ما ذكره من السر الفارق بينهما ذكره بنحو الاحتمال.

قوله (قدس‌سره) : «بخلافه هاهنا فان الحجة الملقاة ... الخ» لوضوح ان الحجة الشرعية الواردة في لسان الشارع هو العام والمخصص عقلي ، وليس له عنوان سوى

١٣٤

بل يمكن أن يقال : إن قضية عمومه للمشكوك ، أنه ليس فردا لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه ، فيقال في مثل لعن الله بني أمية قاطبة إن فلانا وإن شك في إيمانه يجوز لعنه لمكان العموم ، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا ، فينتج أنه ليس بمؤمن ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

كون العداوة منافية وليس في المقام حجة على وجود المنافي كما هو في المخصص اللفظي ، ففي اللبي ليس هناك إلّا حجة واحدة فيصح التمسك بها في المشتبه ، وفي اللفظي حجتان فلا يصح التمسك بالعام في المشتبه لمزاحمته بالحجة.

(١) لما ثبت جواز التمسك بالعام في المخصص اللبي فيثبت حكم العام للمشكوك فهل يقتصر على هذا الحكم فقط او يثبت له جميع الاحكام الأخر المترتبة على غير المؤمن؟

والمصنف يرى ترتب جميع الاحكام عليه فلذلك ذكره بعنوان الترقي فقال : «بل يمكن ان يقال ... الى آخره».

توضيح ما ذكره انه بعد ان جاز التمسك بالعام في قوله : لعن الله اهل حروراء ـ مثلا ـ في جواز لعن المشكوك ايمانه من اهل حروراء فهل يقتصر على جواز لعنه فقط ام يترتب عليه جواز اهانته ونحوه من الاحكام الثابتة لغير المؤمن ام لا؟ وبعد ما تبين انه بعد ورود التخصيص على العام انقسم العام الى غير مؤمن ومؤمن ، وحكم غير المؤمن جواز اللعن وحكم المؤمن عدم جواز اللعن وقد ثبت في المخصص اللبي جواز التمسك بالعام لترتب حكم اللعن على المشكوك ايمانه ، ولازم ذلك ان يكون مشمولا لحكم الخاص وهو عدم جواز اللعن ، وحيث ان التمسك بالظواهر من باب الكشف النوعي فاذا جاز التمسك بظاهر الحكم الذي هو حكم غير المؤمن فيكشف هذا عن ثبوت كل حكم هو لغير المؤمن.

١٣٥

إيقاظ : لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل ، لما كان غير معنون بعنوان خاص ، بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص ، كان إحراز المشتبه منه بالاصل الموضوعي في غالب الموارد ـ إلا ما شذ ـ ممكنا ، فبذلك يحكم عليه بحكم العام وإن لم يجز التمسك به بلا كلام ، ضرورة أنه قلما لم يوجد عنوان يجري فيه أصل ينقح به أنه مما بقي تحته ، مثلا إذا شك أن امرأة تكون قرشية أو غيرها ، فهي وإن كانت اذا وجدت اما قرشية أو غير قرشية ، فلا أصل يحرز أنها قرشية او غيرها ، إلا أن أصالة عدم تحقق الانتساب بينها وبين قريش تجدي في تنقيح أنها ممن لا تحيض إلا إلى خمسين ، لان المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب أيضا باقية تحت ما دل على

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : ان المشكوك بعد ان كان خارجا عن حكم الخاص الثابت للمؤمن فيثبت له حكم غير المؤمن ويجوز اهانته كما جاز لعنه بواسطة التمسك بعموم العام.

والحاصل : ان المشكوك بواسطة التمسك بالعام في جواز لعنه وان كان لا يثبت انه ليس بمؤمن واقعا لان المفروض انه مشكوك الايمان لا انه ليس بمؤمن واقعا ، إلّا انه لما لم يشمله حكم المؤمن وشمله حكم غير المؤمن وهو جواز اللعن يثبت له غير جواز اللعن من احكام غير المؤمن.

وينبغي ان يكون هذا مراده من قوله : «وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمنا فينتج انه ليس بمؤمن» ليس مراده من القياس وهو ان هذا يجوز لعنه وكلما جاز لعنه فهو ليس بمؤمن فهو ليس بمؤمن فينتج انه ليس بمؤمن واقعا ، اذ لا يعقل ان يكون جواز اللعن الثابت له بما هو مشكوك الايمان يكون رافعا للعنوان الذي ثبت له جواز اللعن وهو رفع الشك فيه واثبات انه ليس بمؤمن واقعا.

١٣٦

أن المرأة إنما ترى الحمرة إلى خمسين ، والخارج عن تحته هي القرشية ، فتأمل تعرف (١).

______________________________________________________

(١) توضيح ما في هذا الايقاظ يحتاج الى بيان امور :

الاول : ان التخصيص سواء كان بالمتصل او المنفصل :

تارة : يكون معنونا بعنوان وجودي كقولنا : اكرم العلماء العدول ، او يرد في كلام منفصل ـ بعد قوله : اكرم العلماء ـ ليكونوا عدولا.

واخرى : يكون التخصيص مخرجا من دون ان يكون معنونا للعام كقوله : اكرم العلماء الا الفساق ، فان الاستثناء انما تكفل اخراج الفساق ولم يتضمن بلفظه عنوانا للعام ، ومثل الاستثناء المنفصل الذي لا يكون معنونا للعام ولم يتكفل غير الاخراج كما اذا قال ـ بعد قوله : اكرم العلماء في كلام منفصل ـ لا تكرم الفساق فانه أيضا لم يعط بلفظه عنوانا للعام.

ولا يخفى انه مثل الاستثناء في عدم اعطاء العنوان التخصيص بالغاية كأن يقول اكرم العلماء الى ان يفسقوا او بالشرط كان يقول اكرم العلماء بشرط ان لا يفسقوا.

والكلام في هذا الايقاظ يختص بالنحو الثاني من التخصيص وهو الذي لم يكن فيه الا اخراج الخاص من دون ان يكون فيه عنوان لفظي للعام ، كما في قولنا : اكرم العلماء العدول في المتصل او في المنفصل بأن يقول ليكونوا عدولا ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل» كلا تكرم الفساق «او» بعد تخصيصه بالمتصل غير المعنون الذي هو «كالاستثناء من» التخصيص «المتصل» كالتخصيص بالغاية او بالشرط ، واشار الى ان مثل هذا وهو التخصيص غير معنون للعام وهو محل الكلام بقوله : «لما كان غير معنون» للعام «بعنوان خاص».

١٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني من الامور : هو ان العام بعد تخصيصه بالنحو الثاني ، هل يكون لازمه تعنون العام بعنوان وجودي ضد العنوان المخرج : بان يكون لازم لا تكرم الفساق هو تعنون العام بعنوان العدول ، وربما ينسب هذا الى ظاهر التقريرات.

او ان لازم هذا التخصيص غير المعنون بلفظه هو كون العام معنونا بكل عنوان ما عدا عنوان الخاص الخارج عنه ، فبعد قولنا : لا تكرم الفساق من العلماء ، او قولنا : الا الفساق يكون العام وهو اكرام العلماء معنونا بالعدول وبغير الفساق وبالذي لم يكن بينهم وبين الفساق انتساب.

وبعبارة اخرى : يكون لازم هذا التخصيص غير المعنون للعام بلفظه تعنون العام بكل عنوان ما عدا عنوان الخاص. وهذا هو مختار المصنف واليه اشار بقوله : «بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص» سواء كان وجوديا مضادا لعنوان الخاص كالعدول ، او مناقضا لعنوان الخاص وهو اللافساق ، او عنوانا آخر كمثل قولنا الذي لم يكن بينهم وبين الفساق انتساب ، فان هذا ليس عنوانا وجوديا مضادا كعنوان العدول ، وليس عنوان النقيض وهو اللافساق ، بل عنوان عدمي مناف لعنوان الخاص وهو من الاضداد العدمية لعنوان الخاص.

او ان لازم التخصيص غير المعنون هو عدم تعنون العام أصلا باي عنوان من العناوين ، فان شأن التخصيص ليس إلّا الاخراج وكون العنوان الخاص وهو الفسق ـ مثلا ـ مانعا عن اقتضاء تأثير العالمية للاكرام ، ولا يدل على ان هناك عنوانا آخر له الاقتضاء في الاكرام غير العالمية.

الامر الثالث : ان الاستصحاب :

تارة : تكون اركانه موجودة بنحو كان الناقصة بان كان الفرد المشكوك فسقه وعدالته ـ فعلا ـ مسبوقا باليقين بعدالته او فسقه ، فيستصحب ويدخل ببركة الاستصحاب في العام مرة فيما لو كان متيقن العدالة سابقا ، او في الخاص فيما كان متيقن الفسق سابقا.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : لا تكون له حالة سابقة بنحو كان الناقصة ، بان لم يعلم حاله لا فسقا ولا عدالة ، وفي هذا لا يجري الاستصحاب بنحو كان الناقصة ، واما الاستصحاب بنحو كان التامة وهو استصحاب العدم الازلي فان زيدا ولو في حال عدم وجوده كان لم يحصل له نسبة الى الفسق ولا الى العدالة ، وهذا الاستصحاب يجري فاذا كان الاثر لعدم الانتساب الى الفسق فقط يترتب ، واذا كان الاثر لعدم الانتساب الى العدالة وحده يترتب ، واذا كان الاثر لكل واحد منهما يتعارضان بعد الجريان.

وثالثة : ان يتوارد عليه حالتان مجهولتا التاريخ : بان يكون فاسقا في وقت وعادلا في آخر ولم يعلم تاريخهما ، وفي مثل هذا الخلاف الآتي في باب الاستصحاب في جريانهما بنحو كان الناقصة وتساقطهما او عدم جريانهما أصلا لعدم اتصال الشك باليقين فيهما كما هو مختار المصنف في باب الاستصحاب.

وعلى كل ففي مثل هذا كما لا يجري الاستصحاب بنحو كان الناقصة كذلك لا يجري الاستصحاب بنحو كان التامة أيضا ، لانقلاب العدم الازلي الى الوجود أيضا ولكن لا يخفى ان مثل هذا الفرض وهو توارد الحالتين من النادر الشاذ.

الامر الرابع : انه اتضح مما ذكرنا ان محل الكلام في هذا الايقاظ هو ما ليس له حالة سابقة ، لان ما له حالة لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه ، وتنقيح الموضوع فيه بواسطة الاستصحاب فيدخل اما في العام او في الخاص ، وما فيه توارد الحالتين من الشاذ النادر فيتعين خصوص ما ليس له حالة سابقة ، والمراد مما ليس له حالة سابقة انه لا يقين ولا علم بحالته السابقة.

واتضح ايضا : ان الكلام فيه في جريان الاصل بنحو كان التامة وهو العدم الازلي دون كان الناقصة ، لان المفروض عدم العلم بحالته.

اذا عرفت هذا ـ فاعلم : انه اذا كان العام بعد التخصيص معنونا بكل عنوان ما عدا عنوان الخاص فيجري استصحاب العدم الازلي في هذا المشكوك فسقه وعدالته ،

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي قد مرّ انه لا يشمله العام بعنوانه بعد التخصيص ، ويكون مما تتزاحم فيه الحجتان باحتمال اندراجه تحت احداهما.

إلّا انه بواسطة العدم الازلي يكون مندرجا تحت العام لتنقيح موضوع له يستدعي دخوله تحته دون الخاص ، فان هذا الفرد المشكوك كان ازلا في حال عدم وجوده ليس له انتساب الى الفسق لان انتسابه الى الفسق أو الى العدالة انما يتحقق له بعد وجوده فيستصحب عدم انتسابه الى الفسق : أي عدم حصول نسبة الفسق اليه ، فالمشكوك فسقه وعدالته ـ فعلا ـ وان كان هو اما فاسقا فعلا او عادلا فعلا ولكن استصحاب العدم الازلي فيه ينقح له موضوع عدم الانتساب الى الفسق وهذا يدخله في العام ، لما عرفت انه بعد خروج عنوان الفسق عنه يكون العام معنونا بكل عنوان غير عنوان الفسق ، ومن جملة العناوين هو عدم الانتساب الى الفسق.

لا يقال : انه أيضا يجري فيه عدم الانتساب الى العدالة أيضا فيتعارض الاصلان أصالة عدم الانتساب الى الفسق ، واصالة عدم الانتساب الى العدالة ، فيتساقطان فلا يتم الموضوع الموجب لاندراجه تحت العام.

فانه يقال : انه لم يترتب الاثر في العام على عنوان العادل ، فعنوان عدم الانتساب الى العدالة ليس له أثر في المقام وانما الاثر لعنوان الفسق ، فاذا جرى فيه استصحاب عدم الانتساب الى الفسق الذي له أثر فعلا دخل في العام ، فانه لا نحتاج في اندراجه تحت العام لاحراز عنوان العدالة له حتى يكون استصحاب عدم انتسابه الى العدالة مضرا ، فان غاية هذا الاستصحاب عدم شمول العام له بعنوان العادل ، فانه يكفي فيه أي عنوان لم يكن ذلك العنوان بعنوان الخاص الخارج.

ومن الواضح : ان عنوان عدم الانتساب الى الفسق هو غير عنوان الفسق الذي هو الخاص الخارج عن العام ، فيشمله العام بعد تنقيح الموضوع له بواسطة استصحاب عدم الانتساب الى الفسق أي عدم اضافته الى الفسق ازلا ، وهذا هو الاصل الموضوعي الذي اشار اليه في المتن من انه بواسطته يحكم على هذا المشكوك

١٤٠