بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

انطباقه على الافراد ـ يتضح ان مدلول النكرة ليس هو الفرد المردد في مثل جئني برجل ، واما في مثل جاء رجل فقد عرفت انها تدل على معين في الواقع ، والمعين في الواقع لا يعقل ان يكون مرددا.

فتبين ان النكرة بمدلولها ليست هي الفرد المردد ، والى هذا اشار بقوله : «وبالجملة النكرة أي ما بالحمل الشائع يكون نكرة عندهم» لما عرفت ان الكلام في مصداق النكرة كلفظ رجل لا في ما كان بالحمل الاولى نكرة وهو لفظ النكرة «اما هو فرد معين في الواقع غير معين للمخاطب» كما في مثل وجاء رجل من اقصى المدينة ، وهذا القسم من النكرة من الواضح عدم دلالته على الفرد المردد لفرض تعيّنه في الواقع وعند المخاطب «او حصة كلية» كما في مثل جئني برجل «لا الفرد المردد بين الافراد لبداهة كون لفظ رجل في جئني برجل نكرة مع انه يصدق على كل من جيء به من الافراد و» لو كان النكرة هي الفرد المردد لما صدقت على فرد من افراد الرجال انه «لا يكاد يكون واحد منها» أي من الافراد «هذا او غيره» لبداهة كون كل فرد هو هو لا هو او غيره ، وليس في الخارج فرد هو او غيره «كما هو قضية الفرد المردد لو كان هو المراد منها» أي لو كان النكرة هي الفرد المردد لاقتضت ان يكون ما يصدق عليه هو او غيره لا هو لا غيره ، ومن الواضح «ضرورة ان كل واحد» من الافراد «هو هو لا هو او غيره فلا بد ان تكون النكرة الواقعة في متعلق الامر» كجئني برجل «هو الطبيعي المقيد بمثل مفهوم الوحدة» بنحو تعدد الدال والمدلول لدلالة لفظ الرجل على نفس الطبيعة ودلالة تنوين التنكير على قيد الوحدة «فيكون» مدلول النكرة «كليا قابلا للانطباق» على كثيرين.

والمتحصل مما ذكره : ان المانع من كون مدلول النكرة هو الفرد المردد انه لا يمكن ان تنطبق على الافراد ، ولكنه قد عرفت في بعض المباحث المتقدمة كالواجب التخييري ان المردد لا تحقق له لا ماهية ولا وجودا لا ذهنا ولا خارجا ، لان كل ماهية في مقام ماهيتها متعينة بذاتها وذاتياتها وغير مرددة ، وفي مقام وجودها وهو مقام

٣٠١

إذا عرفت ذلك ، فالظاهر صحة إطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني ، كما يصح لغة. وغير بعيد أن يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة ، من دون أن يكون لهم فيه اصطلاح على خلافها ، كما لا يخفى.

نعم لو صح ما نسب إلى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا لما قيّد بالارسال والشمول البدلي ، لما كان ما أريد منه الجنس أو الحصة عندهم بمطلق ، إلا أن الكلام في صدق النسبة (١) ، ولا يخفى أن المطلق

______________________________________________________

تشخصها بالوجود أيضا لا يعقل ان تكون مرددة لمنافاة تشخصها بالوجود للترديد ، فالمردد بما هو مردد لا ماهية له ولا وجود ، وما لا ماهية له ولا وجود لا يعقل ان يكون مدلولا للفظ او غيره.

نعم هناك مفهوم المردد ومفهوم المردد ليس بمردد أيضا بل هو مفهوم معين غير مردد.

(١) لا يخفى ان المطلق في اللغة هو المرسل أي غير المقيد فهو في مقابل المقيد ، وليس المطلق في اللغة كما يظهر من موارد استعمالاته هو خصوص المأخوذ فيه الشيوع والسريان حتى يكون في قبال المقيد والمبهم ، لانه يطلق المطلق في اللغة على المفهوم غير المأخوذ فيه الشيوع كاسم الجنس الموضوع للماهية المبهمة ، فانه من الواضح ان اسم الجنس من المطلق في اللغة. نعم الملحوظ بنحو يكون له الشيوع والسريان لجميع افراد الماهية هو أيضا مرسل ، بمعنى انه غير مقيد بما يوجب تضييقه.

وعلى كل فالمطلق غير المقيد يصدق في اللغة على اسم الجنس ، وعلى النكرة ، فانها كما عرفت هي الطبيعة المقيدة بالوحدة ، وقيد الوحدة وان كان قيدا في مقام المفهوم إلّا انه حيث لا يمنع عن صدق ارسال الطبيعة على أي فرد من افرادها ، فمدلول النكرة أيضا طبيعة مرسلة غير محجوزة عن الارسال في الصدق.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وعلى المطلق بالمعنى المنسوب الى المشهور وهو ما اخذ فيه الشيوع والسريان ، فانه ايضا وان كان قد قيد بالارسال في مقام المفهوم ، إلّا انه حيث كان لا يمنع عن صدق الطبيعة على جميع افرادها فللطبيعة أيضا ارسال من ناحية الصدق على أي فرد من افرادها ، وعلى المعرف باللام بناء على كونه من المطلق.

واما في الاصطلاح وعرف الاصوليين فان كان استعمالهم له بما له من المعنى اللغوي فلا ريب في صحة اطلاق المطلق عندهم حينئذ على اسم الجنس والنكرة ، واما اذا كان منقولا لا عندهم لخصوص الماخوذ فيه الشيوع والسريان فلا يصح اطلاقه عليهما ، لانه على هذا يكون المطلق في قبال المقيد بان لا يكون ساريا لجميع افراد الطبيعة ، ووضوح عدم كون المقيد بعدم السريان من الشائع الساري لجميع افراد الطبيعة وفي قبال المبهم أيضا ، لانه لم يؤخذ فيه الشيوع والسريان واسم الجنس من المبهم ، والنكرة هي مقيدة بالوحدة وباقية على ابهامها من غير ناحية قيد الوحدة ولم يؤخذ فيها الشيوع والسريان ، والسبب في النسبة الى المشهور ان المطلق عندهم هو المأخوذ فيه الشيوع والسريان هو تعريفهم للمطلق بانه ما دل على شايع في جنسه ، فان الظاهر من اخذ الشيوع في تعريف المطلق هو كونه منقولا عن معناه اللغوي الى خصوص ما اخذ فيه الشيوع ، ولكنه يمكن ان يكون مرادهم من الشيوع ما لا ينافي كونه عندهم هو بمعناه اللغوي.

وتوضيحه : ان الشيوع كما يصح اطلاقه على ما لحظ فيه الشيوع والسريان كذلك يصح اطلاقه على ما لم يؤخذ فيه في مقام مفهوميته ولحاظ ذلك ، فان اسم الجنس له في مقام الصدق شيوع وسريان لجميع افراد الطبيعة.

وبعبارة اخرى : ان مرادهم من اخذ الشيوع في التعريف هو كون المعرف له شيوع وسريان في مقام الصدق ، لا ان الشيوع مأخوذ في مقام مفهومه ، ويؤيد ما ذكرنا من عدم اخذ الشيوع والسريان في مفهوم المطلق عندهم ما ذكره الشهيد قدس‌سره في تعريف المطلق بأنه هو الماهية من حيث هي هي ، والظاهر ان الشهيد

٣٠٣

بهذا المعنى لطروء التقييد غير قابل ، فإن ما له من الخصوصية ينافيه ويعانده ، وهذا بخلافه بالمعنيين ، فإن كلا منهما له قابل ، لعدم انثلامهما بسببه أصلا ، كما لا يخفى.

وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق ، لامكان إرادة معنى لفظه منه ، وإرادة قيده من قرينة حال أو مقال ، وإنما استلزمه لو كان بذلك

______________________________________________________

يقصد تعريف المطلق على رأي المشهور لا على خصوص رأيه قدس‌سره ، وعلى هذا فيكون المطلق في عرف الاصوليين هو المطلق في عرف اللغة ، وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «فالظاهر صحة اطلاق المطلق عندهم حقيقة على اسم الجنس والنكرة بالمعنى الثاني» لانه بالمعنى الاول واحد معين واقعا لا اطلاق فيه لانه جزئي حقيقي ، وانما يصح اطلاقه عندهم على اسم الجنس والنكرة حيث لا يكون المطلق عندهم ماخوذا في مفهومه الشيوع والسريان ، بان يكون بمعنى عدم التقييد المقابل للمقيد والمبهم ، فيصح اطلاق المطلق عليهما عند الاصوليين «كما يصح لغة» وقد اشار الى ان المطلق اذا لم يكن منقولا لخصوص ما اخذ فيه الشيوع فلا داعي لان ينقل الى ما يساوق المعنى اللغوي ، بل ينبغي ان يكون مستعملا عندهم بمعناه اللغوي بقوله : «وغير بعيد ان يكون جريهم في هذا الاطلاق على وفق اللغة من دون ان يكون لهم اصطلاح جديد على خلافها».

وقد اشار الى انه لو اخذ فيه مفهوما الشيوع والسريان لما صح اطلاقه عليهما بقوله : «نعم لو صح ما نسب الى المشهور من كون المطلق عندهم موضوعا» بان ينقل «لما قيد بالارسال والشمول البدلي لما كان ما اريد منه الجنس» الذي هو المبهم «او الحصة» التي هي النكرة «عندهم بمطلق» لعدم اخذ الشيوع في مفهوم النكرة ، لان الطبيعة فيها باقية على ابهامها ، وقد اشار الى ان كون المطلق عند المشهور هو المأخوذ فيه الشيوع غير معلوم الصحة بقوله : «إلّا ان الكلام في صدق النسبة» كما عرفت سبب التوهم في نسبة ذلك اليهم ودفعه.

٣٠٤

المعنى (١) ، نعم لو أريد من لفظه المعنى المقيد ، كان مجازا مطلقا ، كان

______________________________________________________

(١) المطلق اذا كان ماخوذا فيه الشيوع والسريان لجميع الافراد فاذا قيد واريد به بعض افراد الطبيعة لا بد وان لا يكون باقيا على معناه من الشيوع والسريان لجميع الافراد ، لان ارادة الشيوع والسريان منه وارادة المقيد منه وهو بعض الافراد من ارادة المتنافيين ، فلا يعقل اجتماعهما ، فلا بد اذا طرأ عليه التقييد ان لا يكون المطلق قد اريد منه معناه الموضوع له وهو الشيوع والسريان لجميع افراد الطبيعة ، ولازمه ان يكون قد استعمل مجازا في غير ما وضع له فيما اذا طرأ عليه التقييد ، وهذا مراده من قوله : «ولا يخفى ان المطلق بهذا المعنى» أي بما انه ماخوذ فيه الشيوع والسريان لجميع افراد الطبيعة «لطرو التقيد» عليه «غير قابل» مع بقائه على اخذ الشيوع والسريان فيه «فان ما له من الخصوصية» الموجبة لتقييده في بعض افراده «ينافيه ويعانده» بما هو مطلق وسار في جميع الافراد. اما اذا كان المطلق ليس بهذا المعنى بل بمعنى عدم كونه مقيدا فان تقييده لا يكون منافيا لاطلاقه ولا يستلزم فيما اذا طرأ عليه التقييد ان يكون مستعملا مجازا.

وتوضيحه : ان ارادة التقييد يمكن ان تقع بنحوين : تارة باستعمال المطلق الموضوع لما لا تقييد فيه في المقيد بالخصوص ، وهذا لازمه ان يكون المطلق قد استعمل مجازا في غير ما وضع له ، لان استعمال اللفظ الموضوع للطبيعة غير المقيدة في خصوص الطبيعة المقيدة من استعمال اللفظ في غير ما وضع له.

واخرى بان يستعمل المطلق في ما وضع له وهو المعنى غير المقيد ويدل على التقييد القرينة ، فيكون المقيد بما هو مقيد مستفادا من دالين احدهما على الطبيعة وهو لفظ المطلق ، وثانيهما على التقييد وهو القرينة ، وفي مثل هذا يكون المطلق مستعملا في معناه ولا يستلزم مجازا اصلا.

٣٠٥

التقييد بمتصل أو منفصل (١).

______________________________________________________

فاتضح ان المطلق كاسم الجنس الموضوع للطبيعة بما هي هي ، والنكرة الموضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة فقط المبهمة من غير ناحية قيد الوحدة اذا طرأ عليها التقييد لا يستلزم ذلك مجازا ، لامكان ان يكون التقييد بنحو تعدد الدال والمدلول ، وقد عرفت انه اذا كان بهذا النحو لا يستلزم مجازا اصلا ، والى هذا اشار بقوله : «وهذا بخلافه بالمعنيين» المراد من المعنيين للمطلق هو اسم الجنس الموضوع للماهية المبهمة ، والنكرة الموضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة فقط «فان كلا منهما له قابل» أي للتقييد قابل ، ولا يكون تقيدهما منافيا لاطلاقهما «لعدم انثلامهما» أي لعدم انثلام ارادة الاطلاق فيهما «بسببه» أي بسبب التقييد اصلا «وعليه لا يستلزم التقييد تجوزا في المطلق» غير المأخوذ فيه الشيوع والسريان ، بل كان بمعنى عدم كونه مقيدا «ل» ما عرفت من «امكان ارادة معنى لفظه منه» بان يراد من رقبة مثلا في قولة اعتق رقبة مؤمنة هو المعنى الموضوع له النكرة الذي هو المطلق ، فمدلول رقبة هو الطبيعة المقيدة بالوحدة وتقييدها بكونها مؤمنة قد استفيد من قوله مؤمنة ، فلا يستلزم هذا تجوزا في استعمال لفظ رقبة الموضوعة للطبيعة بقيد الوحدة ، بل هي مستعملة في معناها الذي وضعت له ، فالمطلق قد استعمل في معناه «وارادة قيده» يكون مستفادا «من قرينة حال او مقال وانما استلزمه» أي وانما استلزم المطلق المجاز «لو كان» المطلق «بذلك المعنى» أي بالمعنى المنسوب الى المشهور من اخذ الشيوع والسريان فيه.

(١) أي ان المطلق على رأي غير المشهور لو طرأ عليه التقييد واريد منه لا على نحو تعدد الدال والمدلول ، بل بان يكون المطلق مستعملا في خصوص المقيد كان ذلك مستلزما للمجاز ، ولا فرق بين ان يكون التقييد بدليل متصل بالمطلق ، او كان بدليل منفصل ، لكنه على نحو يكون كاشفا عن ان المطلق قد استعمل في خصوص المقيد ، والى هذا اشار بقوله : «نعم لو اريد من لفظه» أي من لفظ المطلق بناء على المختار من كونه موضوعا للطبيعة غير المقيدة ولكن كان قد استعمل في المقيد بما هو مقيد

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

لا بنحو تعدد الدال والمدلول «كان» استعمال المطلق بهذا النحو يستلزم «مجازا مطلقا» سواء «كان التقييد» بدليل «متصل او منفصل».

لا يقال : ان محصل ما في المتن هو انه لو كان المطلق ماخوذا فيه الشيوع والسريان لكان طرو التقييد عليه مستلزما للمجازية ، بخلاف ما اذا لم يكن ماخوذا فيه ذلك ، لكنه هذا انما يتم على مذهب المشهور المتقدم في العام والخاص من كون تخصيص العام مستلزما مجازا. اما بناء على مختاره قدس‌سره من كون التخصيص لا يستلزم المجاز ويبقى العام حتى مع التخصيص مستعملا في العموم بداعي ضرب القاعدة ، وان التخصيص يتعلق بالارادة الجدية دون الاستعمالية ، والمطلق كذلك فانه وان كان قد اخذ فيه الشيوع والسريان ولكن طرو التقييد عليه لا يستلزم استعماله في المقيد بالخصوص ليستلزم المجاز ، بل يكون مستعملا في اطلاقه لداعي ضرب القاعدة ، والتقييد يرجع الى الارادة الجدية اللبية دون الارادة الاستعمالية ليستلزم المجاز.

فانه يقال : يحتمل ان ذلك من المصنف كان تمشيا مع القوم على مذاقهم لا على مذاقه ومختاره ، ويحتمل ايضا ان يكون اخذ الشيوع والسريان في المطلق على المشهور لو صحت النسبة كان بنحو شرط الوضع لا بان يكون جزء الموضوع له لوضوح انه لو كان بنحو جزء الموضوع له لكان المطلق بعض افراد العام البدلي ، وصريح المشهور ان المطلق عندهم في قبال العام لا انه بعض افراده.

ومن الواضح ان كون التقييد غير مستلزم للتجوز برجوعه الى الارادة الجدية دون الاستعمالية انما هو فيما كان الشيوع والسريان جزء الموضوع له ، اما اذا كان بنحو شرط الوضع بان يكون لفظ المطلق قد وضع للطبيعة التي كانت ملحوظة بنحو الشيوع والسريان فلحاظها بنحو الشيوع والسريان من قبيل شرط الوضع ، فلا يعقل ان يكون المطلق مستعملا في معناه فيما اذا طرأ عليه التقييد ، لضرورة عدم امكان اجتماع لحاظ بنحو الشيوع والسريان مع لحاظه بنحو التقييد ، فلا بد وان يكون المطلق الذي طرأ عليه التقييد كان مستعملا في غير ما وضع له ، ولعله لذلك اطلق المصنف

٣٠٧

فصل

قد ظهر لك أنه لا دلالة لمثل رجل إلا على الماهية المبهمة وضعا ، وأن الشياع والسريان كسائر الطوارئ يكون خارجا عمّا وضع له ، فلا بد في الدلالة عليه من قرينة حال أو مقال أو حكمة (١) ، وهي تتوقف على مقدمات :

______________________________________________________

كلامه في المقام وقال انه يستلزم المجاز ، ولم ينبّه على ذلك منوطا بمختارهم في العام والخاص من كون التخصيص مستلزما للمجازية والله العالم.

(١) قد ثبت مما مر ان اسم الجنس ـ مثلا ـ كرجل موضوع للماهية من حيث هي هي المجردة عن كل تقييد ، فان كان قرينة مقالية تدل على ارادة العموم منه اما استغراقا كأكرم كل رجل او بدليا كأكرم رجلا ايما كان ، او تدل على الخصوص كاكرم رجلا عالما ، او قرينة حالية ككون السائل عراقيا في تقدير وزن الكرّ بالمدّ العراقي دون المدني ، اما مع عدم القرينة كقوله اعتق رقبة فلا بد في احراز كون متعلق الحكم هو مطلق الرقبة فتبرأ الذمة بعتق أي رقبة كانت من اجراء مقدمات الحكمة ، فان تمت تم الاطلاق والّا فلا ، وانما سميت مقدمات الحكمة بعد جريانها يلزم ان يكون لو لم يرد المتكلم الاطلاق للزم منه نقض غرضه ، لوضوح ان اغراض المتكلم بالكلام لا بد وان تكون مما يفي كلامه بها ، فكون كلام المتكلم الحكيم يلزم منه عدم الوفاء بغرضه قبيح منه ، وحيث ان المقدمات الآتية مما يحرز بها الاطلاق في كلامه فلو كان قد اراد في كلامه غير الاطلاق لكان خلاف الحكمة من الحكيم ، فلذلك سميت هذه المقدمات بمقدمات الحكمة ، فلذا بعد ان قال ان مثل لفظ رجل موضوع للماهية من حيث هي هي قال فلا دلالة فيها بحسب الوضع على الشيوع والسريان لجميع الافراد ، ثم قال : «فلا بد في الدلالة عليه» أي على الشيوع والسريان «من قرينة حال او مقال او حكمة».

٣٠٨

إحداها : كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، لا الاهمال أو الاجمال.

ثانيتها : انتفاء ما يوجب التعيين.

ثالثتها : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب (١) ، ولو كان المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام في البين ، فإنه غير مؤثر في رفع الاخلال

______________________________________________________

(١) مقدمات الحكمة التي بها يتم الاطلاق على ما ذكرها في المتن ثلاث :

الأولى : احراز كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بكلامه ، ولو بأن يكون الاحراز بالاصل كما سيأتي ، لا ان يكون في مقام الاهمال او الاجمال ، والفرق بينهما هو ان الاهمال كون المتكلم لم يتعلق غرضه ببيان تمام مراده بكلامه ، والاجمال هو كونه قد تعلق غرضه بعدم بيان تمام مراده ، فالاجمال هو الاهمال بغرض.

الثانية : انتفاء ما يوجب التعيين في كلامه أي عدم القرينة الحالية والمقالية على تعيين غرضه بكلامه.

الثالثة : انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب أي ان لا يكون لكلامه قدر متيقن في مقام التخاطب ، وتوضيح هذه المقدمة ان المراد من القدر المتيقن في مقام التخاطب الذي يتوقف تمامية الاطلاق ـ أي الشيوع والسريان لجميع الافراد ـ على انتفائه ليس هو ان يكون للكلام انصراف ، فان الانصراف الموجب للظهور من القرائن المشترط انتفاؤها بحسب المقدمة الثانية. نعم بعض مراتب الانصراف ربما يعد من القدر المتيقن في مقام التخاطب ، وهو ان يكون بحيث لا يوجب الظهور ولا يكون بدويا يزول بالتأمل وتشخيصه لا يخلو من صعوبة ، وأيضا ليس المراد منه ان يكون مما يقطع بكونه مرادا ، فان كل ما يحتمل فيه السعة بعضه مما يقطع بكونه مرادا ، ولو كان هذا المعنى هو المراد من القدر المتيقن الذي يتوقف تمامية الاطلاق عليه لما تم اطلاق المطلق أصلا وهو واضح ، بل المراد من القدر المتيقن التخاطبي هو

٣٠٩

بالغرض ، لو كان بصدد البيان ، كما هو الفرض (١) ، فإنه فيما تحققت

______________________________________________________

مثل ما لو أمر المولى المسلم عبده المسلم بأن يكرم عالما ، فإن القدر المتيقن من مقام التخاطب في كلام يكون من مولى مسلم لعبده المسلم ان يكون المطلوب اكرام عالم مسلم ، بحيث لا يستطيع العبد في مثل هذا الكلام ان يدعى الاطلاق ويكرم العالم الكافر ، ولعله هو بعض مصاديق ما يعبر عنه بمناسبة الحكم والموضوع ، فان مناسبة الحكم والموضوع ربما لا تكون نتيجتها هو القدر المتيقن التخاطبي كما في مثل اكرم العلماء.

فانه يقال في مقام تعيين كيفية اكرام العلماء او اختلاف كيفية اكرامهم بان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي اكرام الفقيه بنحو ، واكرام العالم الرياضي ـ مثلا ـ بنحو آخر ، فان مناسبة الحكم والموضوع في مثل هذا ليس هو القدر المتيقن في مقام التخاطب.

اما في مثل المثال الأول فانه ربما يقال ان مناسبة الحكم والموضوع تقتضي اكرام خصوص العالم المسلم دون الكافر.

(١) أي ان القدر المتيقن اذا لم يكن قدرا متيقنا تخاطبيا ، بأن كان قدرا متيقنا خارجا عن مقام التخاطب فلا يكون وجوده مما يضر بالتمسك بالاطلاق ، لوضوح ان معنى التمسك بالاطلاق كون الكلام بما هو كلام يقتضي الشيوع والسريان في مقام دلالته الكلامية ، فالذي يضر بالاطلاق الكلامي هو وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب بالكلام ، لا وجود القدر المتيقن للكلام الخارج عن مقام التخاطب فانه لا يمنع عن التمسك بالاطلاق في كلام المتكلم ، لوضوح انه لو كان للكلام قدر متيقن في مقام التخاطب لكان مما يصح اعتماد المتكلم عليه في كلامه ، ولا يصح ان يحتج العبد على المولى بأن لكلامك اطلاق يشمل أي فرد من الافراد ، فانه يصح للمولى ان يقول كان غرضي هو خصوص القدر المتيقن التخاطبي.

٣١٠

لو لم يرد الشياع لا لأخل بغرضه ، حيث أنه لم ينبّه مع أنه بصدده (١) ،

______________________________________________________

والحاصل : ان الضابط هو انه لو لم يكن للكلام قدر متيقن في مقام التخاطب وفرض ان المولى قد اراد بعض افراد المطلق ولم يرد الشياع والسريان لكان قد اخل بغرضه في مقام بيانه ، ووجود القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب لا يصح للمولى الاعتماد عليه ، لان المولى انما كان بصدد بيان غرضه بكلامه لا بما هو خارج عن الكلام ، بخلاف ما اذا كان لكلامه قدر متيقن في مقام التخاطب ، فانه لو اعتمد عليه في غرضه الذي هو خصوص هذا القدر المتيقن لما كان مخلا بغرضه ، لانه لا يكون قد اعتمد على ما يصح الاعتماد عليه في كلامه ، والى هذا اشار بقوله : «ولو كان القدر المتيقن بملاحظة الخارج عن ذاك المقام» أي عن مقام التخاطب بأن كان القدر المتيقن «في البين» خارجا عن مقام التخاطب «فانه غير مؤثر» في منع التمسك باطلاق الكلام ، فان للعبد ان يأخذ باطلاق الكلام ولا يعتني بالقدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب ، ويقول للمولى انه لو لم ترد الاطلاق بكلامك للزم منه الاخلال بغرضك ، وليس للمولى ان يقول له اعتمدت على القدر المتيقن الخارج عن مقام التخاطب فانه لا يصح له الاتكال عليه ، ووجوده غير مؤثر «في رفع الاخلال بالغرض لو كان» المولى «بصدد البيان كما هو الفرض» لوضوح انه من جملة مقدمات الاطلاق هو كون المولى بصدد البيان.

(١) هذا تفريع منه قدس‌سره على مجموع المقدمات الثلاث ، لأنه بعد كون المولى في مقام البيان ، وليس مع كلامه قرينة حالية او مقالية ، وليس لكلامه قدر متيقن في مقام ـ التخاطب فلا بد وان يكون لكلامه اطلاق يشمل جميع افراد الطبيعة بحيث لو كان بدليّا لأخبر المكلف الاتيان بأي فرد من افرادها.

والحاصل : ان المقدمات الثلاث كاشفة عن ان غرض المولى قد كان الشيوع والسريان ، لانه لو لم يرد الشياع والسريان بان كان غرضه قد تعلق ببعض افراد

٣١١

وبدونها لا يكاد يكون هناك إخلال به (١) ، حيث لم يكن مع انتفاء الاولى ، إلا في مقام الاهمال أو الاجمال (٢) ، ومع انتفاء الثانية ، كان البيان بالقرينة (٣) ، ومع انتفاء الثالثة (٤).

______________________________________________________

الطبيعة لكان مخلا بغرضه ، اذ ليس في كلامه ما يدل عليه ، ولا يصح من الحكيم ان يكون غرضه عدم الشيوع والسريان ولم ينبّه عليه مع كون كلامه يقتضي كون غرضه الشيوع والسريان ، لما عرفت من اقتضاء المقدمات الثلاث هو الشيوع والسريان والى هذا اشار بقوله : «فانه فيما تحققت» أي المقدمات الثلاث «لو لم يرد» المتكلم الحكيم بكلامه «الشياع لا خلّ بغرضه حيث انه لم ينبه» على غرضه «مع انه بصدده» أي بصدد التنبيه على غرضه.

(١) لا يخفى ان مرجع الضمير في بدونها هو فاعل تحققت ، وهذا هو الدليل على ان قوله فانه فيما تحققت هو تفريع على مجموع المقدمات الثلاث التي ذكرها ، لانه استطرد كل واحدة منها وانه مع انتفاء أي واحدة منها لا يتم الاطلاق.

(٢) المقدمة الاولى هي كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد فاذا انتفت هذه المقدمة بان لم يكن المولى في مقام البيان ، بل كان في مقام الاهمال او الاجمال ـ لا مجال للتمسك بالاطلاق ، لان نتيجة الاطلاق هو احراز تمام غرضه الذي هو في مقام بيانه ، فاذا كان في مقام الاهمال او الاجمال لا يكون المولى بصدد بيان تمام غرضه وهو واضح.

(٣) المقدمة الثانية هي انتفاء ما يوجب التعيين أي انتفاء القرينة المعينة لغرض المتكلم ، ومن الواضح انه مع انتفاء هذه المقدمة أي مع انتفاء انتفاء هذه المقدمة معناه ثبوت القرينة ، لكون نفي النفي اثبات لا يتم الاطلاق لفرض وجود قرينة معينة لما اراده ، ومن البديهي انه مع تعينه لما اراد لا يصح ان يقال لو اراد لبيّن لانه اراد فبيّن ولذا قال : «مع انتفاء الثانية كان البيان» موجودا «بالقرينة».

(٤) الثالثة هي انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب ، وانتفاء الانتفاء هو الثبوت أي مع ثبوت القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يلزم الاخلال بالغرض ، لصحة اعتماد

٣١٢

لا إخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده ، فإن الفرض أنه بصدد بيان تمامه ، وقد بينه ، لا بصدد بيان أنه تمامه ، كي أخل ببيانه (١) ، فافهم (٢).

______________________________________________________

المتكلم في بيان غرضه على القدر المتيقن ، ولذا قال : «لا اخلال بالغرض لو كان المتيقن تمام مراده».

(١) توضيحه : ان المتكلم ، تارة يكون بصدد بيان تمام مراده ، فاذا كان لكلامه قدر متيقن في مقام التخاطب صح ان يقول ان تمام مرادي هو القدر المتيقن في مقام التخاطب ولا يكون مخلا بغرضه الذي تمامه هو القدر المتيقن في مقام التخاطب.

واخرى يكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده مع كونه موصوفا بأنه تمام مراده ، فاذا كان في مقام البيان من حيث هذه الجهة الاخرى لا يصح للمتكلم الاعتماد على القدر المتيقن التخاطبي في ذلك ، لأن القدر المتيقن التخاطبي يصح الاعتماد عليه في كونه تمام المراد لا لبيان انه تمام المراد موصوفا بأنه تمام المراد ، فان وصف التمامية تحتاج الى بيان زائد على ذلك ، والقدر المتيقن التخاطبي ليس له دلالة على وصف.

وبعبارة اخرى : ان القدر المتيقن انما يصح كونه بيانا لذات الموصوف لا لبيان الموصوف بما هو موصوف بوصفه ، فلو كان غرضه بيان الموصوف بما هو موصوف بوصفه لا يصح له الاعتماد على محض كون لكلامه قدر متيقن ، وهذا مراده من قوله : «فان الفرض انه بعد بيان تمامه» أي لو كان القدر المتيقن تمام مراده يصح للمتكلم الاعتماد على القدر المتيقن التخاطبي لذلك ، لان الفرض ان غرضه هو محض بيان ما يتم به مراده «وقد بيّنه» باعتماده على القدر المتيقن ، ولم يتعلق غرضه ببيان وصف التمامية له ، ولذا قال : «لا بصدد بيان انه تمامه كي أخل ببيانه» أي انه لو كان غرضه بيان وصف التمامية أيضا لكان اعتماده على محض القدر المتيقن مخلا بغرضه.

(٢) لعلّه اشار الى ان القدر المتيقن التخاطبي بعد ان كان وافيا بكونه تمام مراد المولى ، والمفروض أيضا ان المولى يعلم بأن القدر المتيقن يمنع جريان الاطلاق في

٣١٣

ثم لا يخفى عليك أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده ، مجرد بيان ذلك وإظهاره وإفهامه ، ولو لم يكن عن جد ، بل قاعدة وقانونا ، لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه ، لا البيان في قاعدة قبح تاخير البيان عن وقت الحاجة ، فلا يكون الظفر بالمقيد ـ ولو كان مخالفا ـ كاشفا عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، ولذا لا ينثلم به إطلاقه وصحة التمسك به أصلا (١) ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

كلامه ، فلو كان غرضه متعلقا بالاطلاق لكان مخلا بغرضه ، فيعلم منه ان ما هو تمام مراده ـ أيضا ـ موصوف بأنه تمام مراده.

وبعبارة اخرى : ان غاية ما ذكرنا سابقا هو ان المولى انما هو بصدد بيان تمام موضوع حكمه لا بيان تمام موضوع حكمه موصوفا بأنه تمام موضوع حكمه ، فليس هناك اطلاق يحرز به ان مراد المتكلم هو القدر المتيقن لا غير بحيث كان ما عدا القدر المتيقن منفيا بدلالة الاطلاق على عدم ارادته.

إلّا انه يمكن ان يقال : انه بعد ان كان المتكلم يعلم ان القدر المتيقن يفي بالدلالة على كونه تمام الموضوع للحكم فلو كان له غرض متعلق بما هو اعم من الغرض المتيقن لكان عليه بيانه ، والّا لزم الاخلال بغرضه ، فالاطلاق كما ينفي ارادة غير المتيقن يثبت ايضا ان المراد هو القدر المتيقن لا غير ، ولازم هذا اثبات الاطلاق وصف التمامية أيضا للقدر المتيقن.

(١) لا يخفى عليك ان المراد من البيان في المقدمة الاولى الذي يكون المتكلم بصدده هل هو البيان لمراده اللبي الواقعي ، بحيث لو ظفرنا بمقيد بعد تمامية الاطلاق كشف عن كون المتكلم لم يكن غرضه البيان واقعا فيسقط الاطلاق من رأس.

او ان المراد من البيان ما هو اعم من البيان لضرب القاعدة أي ان المراد من هذا البيان هنا هو كونه بصدد اظهار ان ما يقتضيه كلامه هو تمام مراده وان لم يكن ما اقتضاه كلامه مرادا له عن جد ، بل كان بداعي ضرب القاعدة والقانون ولازم هذا

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

انه لو ظفرنا بمقيدا اقوى لا يسقط الاطلاق من رأس وانما يؤخذ بالمقيد لكونه حجة اقوى. ومختار المصنف الثاني لان اللازم على المتكلم بيان ما يتعلق بكلامه من حيث كونه حجة وليس اللازم عليه بيان تمام مراده الواقعي بكلامه ، فالبيان هنا مما يتعلق بالارادة الاستعمالية وكون كلامه قاعدة وحجة فاذا ظفرنا بحجة اقوى من الاطلاق يقدم عليه في الحجية ولا يسقط الاطلاق من رأس فانه يجوز التمسك بالاطلاق في رفع احتمال قيد آخر غير القيد الذي قدّم عليه لكونه اقوى.

وبعبارة اخرى : ان المراد من البيان في مقدمة الاطلاق ليس البيان في قاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لان اللازم من عدم البيان هنا لزوم الاخلال بالغرض الذي قام بصدد بيانه والمتكلم انما قام بصدد بيان الحجة ، بخلاف البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فان القبح انما هو في تأخير البيان للحكم الواقعي عن وقت الحاجة اليه ، والى ما ذكرنا اشار بقوله : «لا يخفى عليك ان المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده» كما هو قضية المقدمة الاولى هو كون المتكلم قام «لمجرد بيان ذلك واظهاره وافهامه» للمخاطب «ولو لم يكن» ذلك البيان «عن جد بل» كان بغرض كون كلامه «قاعدة وقانونا لتكون حجة فيما لم تكن حجة اقوى على خلافه لا البيان في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة» فان البيان في قاعدة قبح التأخير هو البيان الواقعي كما عرفت ، فان لازم كون البيان هنا هو البيان في قاعدة قبح التأخير بأن يكون هو البيان واقعا عن جد انه لو ظفرنا للاطلاق بمقيد لكان كاشفا عن ان الاطلاق لم يكن عن جد وواقع ، فلا بد وان يسقط من رأس ولا يصح التمسك به لرفع احتمال قيد آخر ، بخلاف ما اذا كان البيان في الاطلاق هو بيان اظهار ان ما اقتضاه كلامه هو تمام مراده ولو لم يكن عن جد بل لداعي ضرب القاعدة ولان يكون حجة فيما لا يكون حجة على خلافه «ف» انه على هذا «لا يكون الظفر بالمقيد ولو كان مخالفا» للاطلاق «كاشفا عن عدم كون المتكلم في

٣١٥

وقد انقدح بما ذكرنا أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان ـ أيضا ـ تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال من مقدمات الحكمة ، فلا تغفل (١). بقى شيء : وهو أنه لا يبعد أن يكون الاصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد ، هو كونه بصدد بيانه ، وذلك لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات من التمسك بالاطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها إلى جهة خاصة (٢) ، ولذا ترى

______________________________________________________

مقام البيان ولذا لا ينثلم به» أي لا ينثلم بالظفر بالمقيد الذي هو على خلاف المطلق «اطلاقه» أي اطلاق المطلق «و» لا تسقط «صحة التمسك به اصلا».

(١) بعد ما عرفت ان الفرق بين اسم الجنس والنكرة هو مجرد قيد الوحدة في النكرة ، وأما كون الماهية مبهمة من ساير الجهات فهو فيهما على حد سواء ـ تعرف انه لا بد في النكرة من اجراء مقدمات الحكمة لتدل على الشياع والسريان ، فهي كاسم الجنس في احتياجها الى مقدمات الحكمة حيث لا تكون دلالة حالية او مقالية على الشيوع والسريان.

(٢) قد مرّ انه يشترط في تمامية الاطلاق كون المتكلم في مقام البيان ، وهي المقدمة الاولى المتقدمة فلا بد من احراز ذلك ، فان قامت قرينة على احراز ذلك فلا اشكال ، وانما الاشكال فيما لم تقم قرينة خاصة عليه ، فانه يكون مشكوكا فهل هناك محرز له ام لا؟

والظاهر ان ديدن العقلاء وسيرتهم على البناء على كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده بكلامه ما لم تقم قرينة على انه في مقام الاهمال او الاجمال ، فان عمل العقلاء على التمسك باطلاق كلام المتكلم من دون توقف منهم على احراز ذلك بالقطع او بقرينة ، فان جلّ كلام اهل المحاورة خال عن القطع باحراز ذلك وعن القرينة الخاصة القائمة على احرازه ، وبالطبع مع الخلو عنهما يحصل الشك في كون المتكلم في مقام البيان ام لا؟ ولكنهم لا نراهم يعتنون بهذا الشك ويتمسكون باطلاق

٣١٦

أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها ، مع عدم إحراز كون مطلقها بصدد البيان (١) ، وبعد كونه لاجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان ، وإن كان ربما نسب ذلك اليهم (٢) ، ولعل وجه النسبة

______________________________________________________

كلام المتكلم ، وما ذاك الّا لبنائهم على كون المتكلم في مقام البيان وعدم اعتنائهم بالشك فيه ، وهذا هو مراده من الاصل في قوله : «لا يبعد ان يكون الأصل فيما شك» فان مراده من الاصل هو الاصل العقلائي كما صرح بذلك بقوله : «لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات ... الى آخر كلامه».

(١) حاصله ان المشهور نراهم يتمسكون باطلاق المطلقات ، وجلّها ان لم يكن كلها لم يقطع فيها بكون الشارع في مقام البيان ولم تقم قرينة خاصة على كونه في مقام البيان فلا بد وان يكون المعوّل لهم في تمسكهم بها هو الاحراز بالأصل العقلائي.

(٢) هذا دفع سؤال مقدر ، وهو بأن يقال : ان السبب في تمسك المشهور باطلاق المطلقات هو ذهابهم الى ان الشياع والسريان ماخوذ في مدلول المطلق ، فاخذهم بالاطلاق من باب الاخذ بمدلول ما وضع له اللفظ وليس ذلك لأجل الأصل المذكور.

والجواب عنه : ما اشار اليه سابقا من عدم صحة نسبة ذلك اليهم ، وان مرادهم من قولهم في تعريفه ما دل على شايع في جنسه هو الدلالة على الشيوع والسريان ولو بمقدمات الحكمة ، لا ان اسم الجنس ـ مثلا ـ موضوع للماهية المأخوذ فيها الشياع والسريان ، وقد اشار الى السؤال والجواب بقوله : «وبعد كونه ... الى آخر الجملة» أي وبعد كون عدم اعتنائهم بالشك في كون المتكلم في مقام البيان انما هو لاجل الاخذ باصالة الحقيقة ورفع الشك في ارادة غيرها بواسطتها لا بواسطة الاصل العقلائي المشار اليه ، فهم حيث ان الشياع والسريان عندهم ماخوذ في مدلول المطلق يحملون اللفظ لبنائهم على الاخذ بما وضعت له الالفاظ عند الشك في خلافه.

٣١٧

ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الاحراز والغفلة عن وجهه (١) ، فتأمل جيدا. ثم إنه قد انقدح بما عرفت ـ من توقف حمل المطلق على الاطلاق ، فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة ـ أنه لا إطلاق له فيما كان له الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الاصناف ، لظهوره فيه ، أو كونه متيقنا منه ، ولو لم يكن ظاهرا فيه بخصوصه ، حسب اختلاف مراتب

______________________________________________________

(١) حاصله : انه قد عرفت انه نسب الى المشهور ذلك ، وهو ذهابهم الى أخذ الشياع والسريان في مدلول المطلق كاسم الجنس مثلا ، ولكنه قد عرفت أيضا بعد هذه النسبة لان اسم الجنس لم يوضع الّا للماهية المجردة عن كل شيء كما صرح بذلك الشهيد قدس‌سره فلعل السبب في تقحم هذه النسبة اليهم هو ان من نسب اليهم ذلك كان يرى ان الاحراز يتوقف على القطع والقرينة الخاصة ، وفي جلّ المطلقات التي يتمسك المشهور باطلاقها لم يقطع بكون المتكلم في مقام البيان ولم تقم القرينة الخاصة عليه ، وقد غفل هذا الناسب للمشهور عن الاصل العقلائي فاضطر الى دعوى النسبة المزبورة ، لان الشك لا بد وان يدفع بأصل من الاصول ، فاذا لم يكن هو الأصل العقلائي المشار اليه فلا بد وان يكون هو اصالة الحقيقة ، ولازم ذلك هو كونهم يرون ان الشياع ماخوذ في مدلول اسم الجنس ، والى هذا اشار بقوله : «ولعل وجه النسبة ملاحظة انه لا وجه للشك بها» أي باطلاق المطلقات «بدون الاحراز» لكون المتكلم في مقام البيان والاحراز ينحصر عنده بطريقين القطع والقرينة الخاصة ، وهما منتفيان في جل موارد المطلقات ، ولو تنبه الى الطريق الثالث وهو الاصل العقلائي لما نسب اليهم ذلك ، فالسبب في النسبة «هو الغفلة عن وجهه» أي عن وجه تمسك المشهور وقد عرفت ان وجهه هو الاصل العقلائي.

٣١٨

الانصراف (١) ، كما أنه منها ما لا يوجب ذا ولا ذاك ، بل يكون بدويا زائلا بالتأمل ، كما أنه منها ما يوجب الاشتراك أو النقل.

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه من قوله ثم انه قد انقدح الى قوله تنبيه يشتمل على بيان امرين :

الأول : ان بعض افراد الانصراف وهو الموجب لظهور اللفظ في بعض افراده مع كونه موضوعا لما لا يختص بها مما يمنع عن جريان الاطلاق ، لانه من القرينة القائمة على التقييد وعلى خلاف الاطلاق ، ومع قيام القرينة على ذلك لا وجه للتمسك بالاطلاق ، وبعض افراده هو دون ذلك ولكنه يوجب القدر المتيقن التخاطبي ، وقد عرفت ايضا انه اذا كان للكلام قدر متيقن في مقام التخاطب فلا مجرى للتمسك بالاطلاق ، وبعض افراده لا يمنع من التمسك بالاطلاق وهو الذي لا يوجب ظهورا ولا قدرا متيقنا وهو الانصراف البدوي الزائل بالتأمل ، وقد اشار الى الانصراف الذي من القرائن بقوله : «انه لا اطلاق فيما كان له الانصراف ... الى آخر الجملة» واشار الى الانصراف الموجب للقدر المتيقن التخاطبي بقوله : «او كونه متيقنا فيه ولو لم يكن ظاهرا فيه» واشار الى الانصراف غير المانع عن التمسك بالاطلاق بقوله : «كما انه منها» أي من بعض مراتب الانصراف «ما لا يوجب ذا» أي القدر المتيقن «ولا ذاك» أي الظهور «بل يكون بدويا زائلا بالتأمل» ومع كونه بدويا زائلا بالتأمل لا يكون مانعا عن جريان الاطلاق.

الامر الثاني هو بيان مرتبة الانصراف الموجب للوضع.

وقوله قدس‌سره : «كما انه منها ما يوجب الاشتراك ... الخ» اشارة الى ذلك.

قد تقدم في أول الكتاب في مبحث الوضع انه على قسمين : تعييني يحصل بتعيين الواضع ، وتعيّني يحصل من كثرة الاستعمال ، ومن الواضح ان كثرة الاستعمال حيث انها من المؤثرات بالتدريج توجب ان يكون للانصراف أربع مراتب :

الأول : الانصراف البدوى الزائل بالتأمل.

الثاني : الانصراف الموجب للقدر المتيقن التخاطبي.

٣١٩

لا يقال : كيف يكون ذلك وقد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا (١).

______________________________________________________

الثالث : الانصراف الموجب للظهور من دون وصوله الى ان يكون المنصرف اليه موضوعا له اللفظ.

الرابع : الانصراف الموجب لكون المنصرف اليه موضوعا اليه ، ومع عدم هجر المعنى الأول يحصل الاشتراك ، ومع هجر المعنى الأول يحصل النقل ، والى هذا اشار بقوله : «كما ان منها» أي من مراتب الانصراف «ما يوجب الاشتراك» فيما لم يهجر المعنى الأول «او النقل» فيما لو هجر المعنى الأول وصار لا يستعمل إلّا في المعنى المنصرف اليه.

(١) حاصله : انه كيف يمكن ان يحصل الانصراف الموجب للنقل او الاشتراك ، بل كيف يمكن ان يحصل الانصراف الموجب للظهور او القدر المتيقن وهو منوط باستعمال اللفظ الموضوع لمعنى باستعماله في المعنى حتى يحصل بالتدريج المراتب المذكورة ، والدلالة على التقييد بدال آخر بنحو تعدد الدال والمدلول يقتضى استعمال اللفظ في معناه الأولى دائما ، وانما يحصل الانصراف بمراتبه فيما استعمل اللفظ في المعنى المنصرف اليه لانه يحصل بواسطة الاستعمال فيه انس بين اللفظ والمعنى ويتدرج في مراتبه المذكورة.

اما اذا كان اللفظ مستعملا في معناه الاولى فلا يحصل بين اللفظ والمعنى المنصرف اليه انس ذهني يوجب التدرج في الارتباط بينهما بنحو القدر المتيقن ، ثم بالظهور ، ثم بالاشتراك ، ثم النقل ، والى هذا اشار بقوله : «لا يقال كيف يكون ذلك» أي الانصراف بمراتبه «و» الحال «قد تقدم ان التقييد لا يوجب التجوز» واستعمال اللفظ المطلق في المقيد بما هو مقيد بل هو مستعمل في معناه الاولى وهو ذات المقيد لا بما هو مقيد ، والتقييد يستفاد من دال آخر فلا يوجب التقييد تجوزا «في المطلق أصلا».

٣٢٠