بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

كان المتعلق هو الفرد يرتفع الاشكال من رأس ، فلا وجه لرفع اليد عن الظهورات الباقية حيث لا قرينة على رفع اليد عنها ، فلا دوران بينها وبين الظهور الرابع بعد ان كان ظهور تعدد الشرط للجزاء الواحد ـ سواء كان الشرط هو السبب المؤثر بنفسه أو كاشفا عن تحقق السبب المؤثر ـ قرينة عند العرف على ان المتعلق هو الفرد دون الطبيعة الكلية ، ويقية الظهورات لا قرينة على خلافها فلا وجه لرفع اليد عنها من دون قرينة.

وقد جمع المصنف الظهورات الثلاثة في قوله : «ظهور الجملة في حدوث الجزاء» أي ان الجملة الدالة على حدوث أصل الوجوب المتعلق بالعنوان الخاص عند حدوث الشرط ، وهذه هي الظهورات الثلاثة عبر عنها بقوله في حدوث الجزاء ، فان المراد بالجزاء هو الوجوب المتعلق بالعنوان الخاص ، وقد اشار الى ان ظهور تعدد الشرط للجزاء الواحد قرينة على ان المتعلق هو الفرد ، فلا يبقى مجال للتمسك بإطلاق المادة المقتضي لكون المتعلق هو الطبيعة الكلية لقيام القرينة على خلافه بقوله : «ضرورة ان ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان وظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا» اي ان ظهور تعدد الشرط في الجملة الشرطية قرينة على ان لا إطلاق للمادة ، فهو بيان على خلاف إطلاق المادة ، ومع وجود البيان لا يبقى محل للإطلاق ، وهو المراد من قوله : «فلا ظهور له مع ظهورها» أي فلا ظهور لإطلاق المادة مع ظهور تعدد الشرط في الجملة الشرطية.

فاتضح مما ذكرنا ان القول بعدم التداخل وانه لا بد من تكرار متعلق الوجوب في الجزاء بإتيان الوضوء متعددا لا يلزم منه تصرف في مخالفة ظهور أصلا ، لأن الظهورات الثلاثة مأخوذ بها على القول بعدم التداخل ، والظهور الرابع وهو إطلاق المادة لا موقع له لقيام القرينة على خلافه ، والى هذا أشار بقوله : «فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا بخلاف القول بالتداخل» فانه لا بد فيه من التصرف ورفع اليد عن احد الظهورات الثلاثة.

٢١

كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

(١) ذكر المصنف في هامش الكتاب (١) هنا ما محصله ان كون تعدد الشرط في الجمل الشرطية قرينة على عدم الإطلاق في المادة لكون الإطلاق معلقا على عدم البيان ، وتعدد الشرط يصلح للبيان على ذلك عند العرف انما يتم هذا على مذاق الشيخ الأعظم الأنصاري ، فانه يرى ان الاطلاق معلق على عدم البيان الى الأبد ، وعليه فلا يجب على المتكلم البيان متصلا بكلامه ، وله تأخير البيان في كلام منفصل آخر بعد تمامية كلامه الذي كان ظاهر الإطلاق ، فما إن وجد البيان يرتفع الإطلاق.

وأما على مذاق المصنف كما سيأتي بيانه في المطلق والمقيد ، فان الاطلاق عنده يتم بتمامية كلام المتكلم ، والاطلاق لا يكون معلقا على عدم البيان الى الأبد ، بل على عدم البيان في نفس ذلك الكلام ، فاذا تمّ كلام المتكلم تمّ الاطلاق وصحّ التمسك به.

وبعبارة أخرى : ان الاطلاق انما يكون معلقا على عدم البيان في مقام التخاطب لا على عدم البيان الى الأبد. وما يكون منافيا له في كلام منفصل لا يكون قرينة عليه بل يكون معارضا للإطلاق.

ولا يخفى ان تعدد الشرط في المقام الذي كان قرينة على عدم إطلاق المادة قد ورد في جمل منفصلة بعد انتهاء مقام التخاطب ، فعلى مذاق المصنف الاطلاق في المادة يتم في جملة اذا بلت فتوضأ بمجرد انتهاء كلام المتكلم وتمامية مقام التخاطب ، ولكنه مع ذلك لا دوران بين الظهورين وهما ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور إطلاق المادة ، لان العرف اذا جمع بينهما يرفع اليد عن التمسك بإطلاق المادة وان كان قد

__________________

(١) كفاية الاصول بحاشية المحقق المشكيني قدس‌سره ج ١ ، ص ٣١٨ (حجري).

٢٢

فتلخص بذلك ، أن قضية ظاهر الجملة الشرطية ، هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط (١).

وقد انقدح مما ذكرناه ، أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها ، لا مجرد كون الاسباب الشرعية معرفات لا مؤثرات (٢) ، فلا وجه لما عن الفخر وغيره ، من ابتناء المسألة على أنها معرّفات أو مؤثرات (٣) مع أن الاسباب الشرعية حالها حال غيرها ، في كونها

______________________________________________________

تم الإطلاق فيها بتمامية كلام المتكلم ، فهو من قبيل ترجيح أحد المتعارضين على الآخر ، كترجيح الدليل الحاكم على المحكوم والخاص على العام ، ففي النتيجة لا بد من رفع اليد عن اطلاق المادة ولا دوران بينه وبين ظهور الجملة في حدوث الجزاء عند العرف.

(١) حاصله : انه بعد ما عرفت يتبين ان قول المشهور بعدم التداخل وانه لا بد من إتيان الجزاء متعددا اذا تعدد وجود الشرط ليس فيه تصرف مناف لظهور الجملة الشرطية ، بخلاف القول بالتداخل بأوجهه الثلاثة ، فانه لا بد فيه من التصرف ورفع اليد عن احد ظهورات الجملة الشرطية ، فالتمسك بظهور الجملة الشرطية يقتضي عدم التداخل اذا تعدد الشرط.

(٢) حاصله انه قد عرفت ان القول بالتداخل المبتني على كون متعلق الوجوب هو الطبيعة الكلية لا يتم إلّا بالتصرف في احد ظهورات الجملة الشرطية بنحو من الانحاء الثلاثة المتقدمة ، والقول بعدم التداخل يتم بكون متعلق الوجوب هو فرد الطبيعة ، ولا فرق في ذلك بين كون الشرط هو المؤثر بنفسه او كاشفا ومعرّفا عن المؤثر.

(٣) المحكي عن فخر المحققين : انه ان قلنا بان الاسباب الشرعية معرفات عن المؤثر فلا بد من القول بالتداخل ، وان قلنا ان الاسباب الشرعية مؤثرات بنفسها فلا مناص عن القول بعدم التداخل.

فالقول بالتداخل وعدمه يبتني على كون الاسباب الشرعية معرفات او مؤثرات.

٢٣

معرفات تارة ومؤثرات أخرى ، ضرورة أن الشرط للحكم الشرعي في الجملة الشرطية ، ربما يكون مما له دخل في ترتّب الحكم ، بحيث لولاه لما وجدت له علة ، كما أنه في الحكم غير الشرعي ، قد يكون أمارة على حدوثه بسببه ، وإن كان ظاهر التعليق أن له الدخل فيهما ، كما لا يخفى (١).

______________________________________________________

وغاية ما يقال في تقريبه ان الاسباب الشرعية اذا كانت معرفات فلا مانع من ان يتعدد معرفات المعرّف الواحد ، فتعدد الشروط المعرفات عما هو المعرف تكشف عن مؤثر واحد ، ومع كون المؤثر واحدا لا يتعدد اثره ، فالاثر دائما هو وجوب واحد متعلق بالطبيعة.

وبعبارة اخرى : ان مرجع القول بالتداخل هو انه لا يجب تعدد اتيان الجزاء بتعدد الشرط ، واذا كانت الشروط معرفات فان من الجائز والواقع في الخارج تعدد المعرفات عن المعرّف الواحد فلا نعلم بتعدد الحكم ، لان تعدد الحكم انما يكون بتعدد المؤثر ، ولا موجب لتعدده لجواز ان تكون هذه الشروط معرفات عن مؤثر واحد.

واما اذا قلنا بأن الاسباب الشرعية مؤثرات فلا مناص من القول بعدم التداخل ولزوم تعدد الجزاء ، لان كل شرط مؤثر بنفسه ولكل مؤثر اثر فيتعدد الاثر وهو الوجوب بتعدد الشرط ، وهو معنى عدم التداخل ، فانه ليس هو الّا تعدد الاتيان بتعدد الشرط.

فتبين ان التداخل يبتنى على كون الاسباب الشرعية معرفات ، وعدم التداخل مبتن على كون الاسباب الشرعية مؤثرات.

(١) قد اورد المصنف على عبارة فخر المحققين بإيرادين :

الأول : انه قد ظهر فساده مما ذكرنا وهو ان الظاهر من الجملة الشرطية هو حدوث الجزاء بحدوث الشرط سواء كان الشرط هو المؤثر بنفسه او انه كاشف ومعرّف عمّا هو المؤثر في حدوث الجزاء ، وعلى كل فان الجملة الشرطية تدل على

٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الحدوث عند الحدوث سواء كان المؤثر في الحدوث هو نفس عنوان الشرط او انه أمر آخر يتحقق بتحققه.

واما كون ان من الجائز تعدد المعرفات لمعرف واحد فهو مناف لظاهر الجملة في الحدوث عند الحدوث ، فان قلنا ان الجزاء الحادث بحدوث الشرط هو الوجوب المتعلق بالطبيعة الكلية فلا مناص عن القول بالتداخل ويتم بالتصرف في احد الظهورات الثلاثة ، وان كان المتعلق هو الوجوب المتعلق بالفرد فيتم القول بعدم التداخل.

الثاني ما أشار اليه بقوله : «مع ان الاسباب» وحاصل هذا الايراد ان عبارة فخر المحققين ظاهرة في كون الاسباب الشرعية بالخصوص التي هي الشروط في الجملة الشرطية تنقسم الى معرفات ومؤثرات ، مع انه لا اختصاص لكون الشروط في الجمل الشرطية الشرعية منقسمة الى معرفات ومؤثرات ، بل الشروط التي تقع في الشرطيات غير الشرعية كالشرطيات العقلية أيضا كذلك تنقسم الى معرفات ومؤثرات ، فالشرط في قولنا ان كانت الشمس طالعة فالنهار موجود مؤثر لمعلولية النهار لطلوع الشمس ، والشرط في قولنا ان كان الدخان موجودا فالاحتراق موجود معرف ، لان العلة في الاحتراق هو النار ، والدخان معرف لها.

والحاصل : ان الشرط الشرعي ربما يكون له الدخل بنفسه في ترتب الحكم كالاستطاعة في قوله ان استطعت فحج ، ومن الواضح دخول الاستطاعة بنفسها في حدوث وجوب الحج ، وربما يكون معرفا عما له الدخل كقوله ان سمعت أذان العدل فصلّ ، فان سماع أذان العدل كاشف عما له الاثر في وجوب الصلاة وهو دخول الوقت ، وقد عرفت ان الحال في الشرط العقلي كذلك.

وبقوله : «ضرورة ان الشرط للحكم الشرعي ... الى آخر الجملة» قد أشار الى ما كان الشرط الشرعي له الدخل في ترتب الحكم ، ولم يشر الى ما كان الشرط الشرعي معرفا وقد عرفت مثاله ، وقد أشار الى ما كان الشرط العقلي معرفا لا مؤثرا

٢٥

نعم ، لو كان المراد بالمعرّفية في الاسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الاحكام التي هي في الحقيقة علل لها ، وإن كان لها دخل في تحقق موضوعاتها ، بخلاف الاسباب غير الشرعية (١) ، فهو وإن كان له

______________________________________________________

بقوله : «كما انه في الحكم غير الشرعي قد يكون امارة» أي معرفا على المؤثر لا مؤثرا بنفسه ، فيكون الشرط العقلي دالا «على حدوثه بسببه» أي كاشفا عن حدوث الحكم بحدوث السبب الذي كان الشرط غير الشرعي امارة عليه وكاشفا ، ولم يشر الى ما كان الشرط العقلي مؤثرا لوضوحه.

(١) حاصله : ان بعض المحققين قد ذكر وجها لما يظهر من فخر المحققين من ان الأسباب الشرعية معرفات او مؤثرات ، من ان الاسباب غير الشرعية لا مانع عقلا من ان تكون مؤثرات.

واما الاسباب الشرعية فربما يقال بأنها لا يعقل ان تكون مؤثرات ، لان العلل منحصرة في أربع : الصورية ، والمادية ، والفاعلية ، والغائية.

ومن الواضح ان الاسباب الشرعية ليست علة صورية ولا مادية ، لان العلل الصورية والمادية من شئون الموجودات المركبة دون موجودات عالم الاعتبار والحكم من موجود عالم الاعتبار لا الموجودات المركبة وهو من البسائط.

واما كون الاسباب الشرعية ليست علة فاعلية لوضوح ان الفاعل للحكم هو الشارع فانه هو الجاعل للحكم ، ومن الواضح ان البول او النوم ليس هو الجاعل لوجوب الوضوء ، بل الجاعل له هو الشارع.

وأما كونها علة غائية فهو وان كان ربما يحتمل بدوا ، الّا ان التحقيق خلافه لوضوح ان العلل الغائية للحكم هي المصالح والمفاسد ، فان من الواضح ان العلة الغائية لوجوب الوضوء عند حدوث البول هي المصلحة الداعية لوجوب الوضوء دون نفس البول ، نعم للبول دخل في تحقق ما هو الموضوع والعلة الغائية للحكم ، لان وجود البول محقق للمصلحة الداعية للحكم التي هي العلة الغائية ، وهذا مراده

٢٦

وجه ، إلا أنه مما لا يكاد يتوهم أنه يجدي فيما همّ وأراد (١).

ثم إنه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الاجناس وعدمه ، واختيار عدم التداخل في الاول ، والتداخل في الثاني ، إلّا توهّم عدم صحة التعلق بعموم اللفظ في الثاني ، لانه من أسماء الاجناس ،

______________________________________________________

من قوله : «وان كان لها دخل في تحقق موضوعاتها» أي لها دخل في تحقق الموضوع والعلة الغائية.

وأما الاسباب العقلية فتكون اسبابا بالعلل الأربع وهو مراده من قوله : «بخلاف الاسباب غير الشرعية».

(١) حاصله : ان هذا التحقيق في الفرق بين الاسباب الشرعية وان كان وجيها من حيث ذاته ، إلّا انه لا ينفع فيما افاده الفخر في المقام من ابتناء التداخل وعدمه على المعرفات والمؤثرات ، فان كون الاسباب الشرعية ليست من احد العلل الأربع وان غايتها انها لها دخل في العلة الغائية بخلاف الاسباب العقلية لا يوجب التداخل اذا كانت معرفات ، وعدم التداخل اذا كانت مؤثرات ، فانها وان كانت معرفات وكواشف عما هو المؤثر او ما له الدخل في ترتب الحكم ولو بنحو العلة الغائية ، لكنه لا بد من حدوث الجزاء بحدوثها ولو لأنها معرفات وكواشف عما له الدخل في حدوث الجزاء ، فاذا كان الحادث بحدوث هذا الكاشف هو الوجوب المتعلق بالطبيعة الكلية ، والحادث بحدوث النوم ولو لكون النوم كاشفا أيضا هو الوجوب المتعلق أيضا بالطبيعة الكلية ، فلا بد من التصرف بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ليرتفع اشكال اجتماع الحكمين ، وهذا مراده من قوله : «إلّا انه مما لا يكاد يتوهم انه يجدي فيما هم وأراد» فان مهمه هو التداخل وعدمه ، ولا ربط له بالتحقيق المذكور.

٢٧

فمع تعدد أفراد شرط واحد لم يوجد إلا السبب الواحد ، بخلاف الاول ، لكون كل منها سببا ، فلا وجه لتداخلها (١) ، وهو فاسد.

______________________________________________________

(١) قد مر ان الاقوال في المسألة ثلاثة : عدم التداخل ، والتداخل بنحويه ، وتفصيل صاحب السرائر (قدس‌سره) بين اتحاد الجنس في الشرط فالتداخل وعليه اذا تعدد وطء الحائض ـ مثلا ـ فلا يجب اتيان الكفارة الا مرة واحدة ، وبين تعدد الجنس في الشرط كالبول والنوم فعدم التداخل ويجب تعدد الاتيان بالوضوء اذا وجد البول والنوم ، وقد اشار المصنف الى وجه هذا التفصيل بقوله : «الا توهم» أي لا وجه للتفصيل الّا توهّم.

وحاصله : ان الشرطية الدالة على ان المقدم أي الشرط علة لحدوث الجزاء قد دل على ان العلة هي الجنس ، والجنس بما هو واحد لا تكثر فيه ، فالعلة للجزاء واحدة والعلة الواحدة معلولها واحد ، فتعدد وجود الجنس لا يوجب تعدد الجزاء لان الجنس بما هو جنس واحد لا تعدد فيه ، فليس للجنس فيما اذا اتحد عموم ، لان العموم انما يراد حيث تكون افراد ، وقد عرفت ان الجنس اذا كان بما هو جنس علة لا يكون إلّا شيئا واحدا وليس هناك افراد ، فليس للشرط عموم بحسب الافراد ، بخلاف ما اذا تعدد الجنس فان الشرط يتعدد لدلالة كل شرطية على علة لهذا الجزاء ، ومقتضى هذا التعدد الاتيان لاقتضاء كل جنس لإتيان غير الإتيان الذي يوجبه الجنس الآخر ، ويكون للشرط بما هو عموم لتعدد افراده وهي الاجناس المتعددة فالمتحصل من هذا هو التداخل اي إتيان الجزاء مرة واحدة فيما اذا اتحد الجنس وان تعدد وجوده ، كما اذا وطأ الحائض مرات عديدة فانه لا تجب الا كفارة واحدة ، او تعدد نفس البول مرات فانه لا يوجب الوضوء الا مرة واحدة.

واما اذا تعدد الجنس بان حدث البول والنوم فعدم التداخل ، أي إتيان الجزاء مرات بحسب تعدد جنس الشرط فيجب إتيان الوضوء مرتين عند حدوث البول والنوم ، والى هذا أشار بقوله : «انه لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب

٢٨

فإن قضية اطلاق الشرط في مثل إذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات ، وإلا فالاجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد ، فيما جعلت شروطا وأسبابا لواحد ، لما مرت إليه الاشارة ، من أن الاشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسبابا لواحد (١) ، هذا كله

______________________________________________________

الأجناس» كما في البول والنوم «وعدمه» كما في وطء الحائض «واختيار عدم التداخل» أي الإتيان بالجزاء متعددا «في الأول» وهو ما اذا تعدد الجنس «والتداخل في الثاني» وهو الإتيان مرة واحدة فيما اذا اتحد الجنس وان تعدد وجوده «الا توهم» أي لا وجه لهذا التفصيل إلّا انه فيما اذا اتحد الجنس «عدم صحة التعلق بعموم اللفظ» فانه لا عموم للواحد بما هو واحد «لانه من اسماء الاجناس» ولا تعدد للجنس الواحد بما هو واحد «فمع تعدد أفراد شرط واحد» وهو الجنس لا تتعدد العلة «ولم يوجد الا السبب الواحد بخلاف الأول» وهو ما اذا تعدد الجنس فانه بتعدده تتعدد العلة «لكون كل منها» أي لكون كل واحد من الاجناس «سببا» غير الآخر «فلا وجه لتداخلها» فيجب تعدد الاتيان.

(١) اورد عليه المصنف بايرادين : الأول ما أشار اليه بقوله : «فان قضية ... الى آخر الجملة».

وحاصله : ان القضية اذا دلت على كون الجنس هو العلة فلا اشكال ان الجنس بوجوده علة ، اذ لا يعقل علية ماهية الجنس بما هي ماهية الجنس ، فان الماهيات بما هي ماهيات لا تأثير لها ، وانما يكون للماهية تأثير فيما اذا كانت موجودة ، فاذا كان مدلول القضية الشرطية ان الماهية الموجودة هي العلة فالاطلاق بحسب مقدمات الحكمة يقتضي تأثيرها في حدوث الجزاء كلما تحقق لها وجود ، فان الماهية وان امكن ان تلحظ في مقام التأثير بنحو صرف الوجود المقابل للعدم المحض المنطبق ذلك على أول وجودات الماهية ، إلّا انه يحتاج الى بيان ، لأن المفهوم من كون وجود الماهية هو العلة ان الملحوظ هو كل وجود للماهية الناقض لعدم نفسه ، لا الوجود الناقض

٢٩

فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد. وأما ما لا يكون قابلا

______________________________________________________

لعدم الماهية مطلقا المنطبق على خصوص أول وجود للماهية ، فاذا كان المراد هو هذا الوجود الناقض للعدم المطلق كان على المولى البيان ، فاطلاق الشرط بحسب مقدمات الحكمة يقتضي ان العلة هي الماهية كلما وجدت فيتكرر الجزاء كلما تكرر وجود الجنس ، وعليه فيتعدد وجوب الإتيان بالوضوء كلما تعدد وجود البول ، وهذا مراده من قوله : «فان قضية اطلاق الشرط في مثل اذا بلت فتوضأ هو حدوث الوجوب» وهو الأمر باتيان الوضوء «عند كل مرة لو بال مرات».

والايراد الثاني ما اشار اليه بقوله : «وإلّا فالاجناس ... الى آخر الجملة» وحاصله : انه بعد ما عرفت فيما مر من انه لا يعقل ان يصدر الواحد من الكثير ، فاذا تعددت الاجناس فلا بد وان يكون المؤثر في المعلول الواحد المترتب عليها هو الجامع لها ، ولا يمكن ان تؤثر الاجناس المتعددة بما هي متعددة أثرا واحدا ، لعدم امكان صدور الواحد بما هو واحد من الكثير بما هو كثير ، وعلى هذا فلا بد من القول بالتداخل أيضا حتى اذا تعدد الجنس ، ولا وجه للتفصيل بين اتحاد الجنس وتعدده ، وهذا مراده من قوله : «وإلّا فالاجناس المختلفة لا بد من رجوعها الى واحد» أي الى جامع واحد لها يكون هو المؤثر «فيما اذا جعلت» الاجناس المتعددة «شروطا واسبابا ل» معلول «واحد لما مرت الاشارة اليه من ان الاسباب المختلفة بما هي مختلفة لا تكون اسبابا لواحد» لعدم معقولية صدور الواحد من الكثير بما هو كثير ، ولا بد من رجوع الكثير الى واحد لوجوب التسانخ بين العلة والمعلول ، كما مرّ بيانه مفصّلا في مبحث الواجب التخييري.

٣٠

لذلك ، فلا بد من تداخل الاسباب فيه ، فيما لا يتأكد المسبّب ، ومن التداخل فيه فيما يتأكد (١).

فصل

الظاهر أنه لا مفهوم للوصف وما بحكمه مطلقا ، لعدم ثبوت الوضع ، وعدم لزوم اللغوية بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به ، وعدم قرينة أخرى

______________________________________________________

(١) قد اشرنا الى هذا في أول المسألة وهو ان البحث في ان تعدد الشرط واتحاد الجزاء هل يقتضي عدم التداخل أو التداخل السببي والمسببي ، انما هو فيما اذا امكن ان يتعدد وجود الجزاء.

اما فيما اذا لم يمكن ان يتعدد وجوده فلا مجال لهذا البحث أصلا.

ولا يخفى ان الجزاء ربما لا يكون قابلا للتأكد كما اذا ارتد وقتل في وقت واحد ، فان الجزاء وهو وجوب القتل لا يتأتى فيه التأكد ، وكما اذا عقد الوكيل والموكل عقد بيع لشخص واحد على مملوك واحد ، فان الحاصل من مجموع العقدين ملكية واحدة للمشتري وهي غير قابلة للتأكد ، ولا بد فيه من القول بالتداخل في السبب ، والى هذا اشار بقوله : «واما فيما لا يكون قابلا لذلك» أي بأن لا يكون الجزاء قابلا للتعدد «فلا بد من تداخل الاسباب فيما لا يتأكد المسبب» فان وجوب القتل والملكية غير قابل للتأكد.

وربما يكون الجزاء قابلا للتأكد وان كان غير قابل للتعدد ، كما فيما اذا وردت النجاسة على النجاسة ، بأن وقع في البئر بعير فمات ووقع المسكر فيها أيضا ، فان النجاسة قابلة للتأكد وحينئذ لا بد من القول بالتأكد في المسبب ، اذ مهما امكن ان يكون للسبب تأثير ولو بنحو التأكد فلا وجه للعدول عنه ، والى هذا أشار بقوله : «ومن التداخل فيه» أي في المسبب «فيما يتأكد» أي فيما كان المسبب قابلا للتأكد كالنجاسة مثلا.

٣١

ملازمة له (١) ، وعلّيته فيما إذا استفيدت غير مقتضية له ، كما لا يخفى ، ومع كونها بنحو الانحصار وإن كانت مقتضية له ، إلا أنه لم يكن من

______________________________________________________

(١) من الامور التي ادعي دلالتها ـ مضافا الى الثبوت عند الثبوت ـ على الانتفاء عند الانتفاء هو الوصف وما بحكمه ، والوصف كقوله : في السائمة زكاة بأنه يدل على ثبوت الزكاة عند ثبوت السوم ، وعلى انتفاء الزكاة عند انتفاء السوم ، فهو يدل على عدم الزكاة في المعلوفة لا انه ساكت عن الدلالة عليها ، والمراد مما بحكم الوصف هو مثل قوله : لئن يمتلئ بطن الانسان قيحا خير من ان يمتلئ شعرا ، فان الامتلاء كناية عن الكثرة ، فلهذا الكلام دلالة على المنع عن كثرة قول الشعر ، وعدم المنع عن قول الشعر قليلا.

واتضح من قوله الوصف وما بحكمه ان المراد من الوصف هو الوصف النحوي ، وهو العنوان المنطبق على الذات باعتبار تلبسها بالمبدإ.

وعلى كل فالاقوال في دلالة الوصف وما بحكمه على المفهوم وعدمه ثلاثة :

قول بدلالته على المفهوم مطلقا سواء كان الوصف قد ذكر لكونه علة للحكم بأن استفيدت عليته من قرينة ، او لم يكن كذلك بان لم تقم قرينة على ذكره لأجل كونه علة.

وقول بالتفصيل بين كون الوصف قد ذكر لبيان كونه علة للحكم فيدل على المفهوم ، وبين كونه لم يذكر لذلك فلا يدل على المفهوم.

وقول بعدم دلالة الوصف مطلقا على المفهوم وهو مختار المصنف ، ويكفي سندا لهذا القول عدم صحة ما استدل به للدلالة على المفهوم اطلاقا او تفصيلا.

وقد استدل للقول بدلالة مفهوم الوصف بأدلة :

الأول : دعوى كون الوصف موضوعا للدلالة على العلية المنحصرة ، وهي تستلزم الثبوت عند الثبوت والانتفاء عند الانتفاء.

٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ويردها ان الوضع انما يثبت بالتبادر او بتنصيص اهل اللغة ومن الواضح انه لا يتبادر من الوصف العلية المنحصرة للحكم ، ولو كان المتبادر منه ذلك لكان استعماله في غيرها كالعلية غير المنحصرة مجازا يحتاج الى ملاحظة العلاقة والعناية عند الاستعمال ، وبالوجدان لا نرى استعمالا في مقام الوصف في غير العلة المنحصرة في انفسنا ملاحظة علاقة او عناية.

واما تنصيص اهل اللغة فممنوع لعدم تنصيص من اللغويين على ذلك ، مضافا الى منع حجية قول اللغوي بما هو لغوي على الوضع ، وليس للغوي الا بيان مواقع الاستعمال ، والى هذا أشار بقوله : «لعدم ثبوت الوضع».

الثاني : من أدلة القائلين بمفهوم الوصف ، هو انه لو لم يدل الوصف على كونه العلة المنحصرة للحكم للزم اللغوية ، ومن الواضح انه يمنع اللغوية على الحكيم ، واما ان الوصف لو لم يكن هو العلة المنحصرة للحكم لزم اللغوية فلانه لو لم يكن مثلا وصف السوم هو العلة المنحصرة لثبوت الزكاة للسائمة وكانت الزكاة ثابتة لمطلق الإبل سائمة أو معلوفة لكان ذكر السوم في قوله : في السائمة زكاة قد كان ذكر لا لغاية ولا لدخل له في ثبوت الزكاة ، وليست اللغوية الا ذكر العنوان من دون غاية وداع لذكره ، فكون الوصف للانحصار وعدم اللغوية متلازمان ، ولازمه ان عدم كونه للانحصار واللغوية متلازمان أيضا ، وحيث قد عرفت ان اللغوية محال على الحكيم فما يلزم منه المحال محال أيضا.

فاتضح انه لا بد من كون ذكر الوصف لداعي الانحصار المستلزم للمفهوم ، فان المستلزم للمفهوم ليس إلا كون العلة للحكم علة منحصرة ، فان لازمها الثبوت عند الثبوت للعلية والانتفاء عند الانتفاء للانحصار.

ويرده عدم لزوم اللغوية لو لم يكن الوصف علة منحصرة للحكم ، لعدم انحصار الفائدة في ذكره في العلية المنحصرة ، فان ذكره ربما يكون لاجل ان السائل قد علم

٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

حكم غيره ، كما لو كان عالما بحكم المعلوفة وجاهلا بالسائمة فذكر الشارع السائمة لإعلامه بالحكم ، لا لأجل كون السوم علة منحصرة.

وربما يكون لان السائل لم يكن عنده معلوفة ، وكل ما عنده سائمة فذكر السوم لانه هو الموجود عند السائل.

وربما يكون لأجل مزيد الاهتمام ، فان الاكرام اذا كان شاملا للعالم والجاهل لكن العالم له مزيد الاهتمام في الاكرام ، لا لأنه علة منحصرة له ، والى هذا أشار بقوله : «وعدم لزوم اللغوية بدونه» أي بدون انحصار العلية ، بمعنى انه لا تنحصر الفائدة في العلية المنحصرة حتى يكون الوصف اذا لم يكن علة منحصرة يلزم اللغوية «لعدم انحصار الفائدة» لذكره «به» أي بالانحصار.

الثالث : من الادلة على كون الوصف ذا مفهوم ما أشار اليه بقوله : «وعدم قرينة أخرى ملازمة له» وحاصله : ان الوصف وان لم يكن موضوعا للانحصار ولا يلزم اللغوية لو لم يكن للانحصار ، إلّا ان الاطلاق يقتضي العلية المنحصرة في الوصف وهو المراد بالقرينة الاخرى الملازمة.

وتقريبه ان المولى حيث كان في مقام البيان لما له دخل في ترتب الحكم ، فلو كان غير هذا الوصف له دخل فيه لكان على المولى بيانه ، وحيث لم يبينه فلا بد وان يكون ما له الدخل منحصرا في الوصف وإلّا لكان مخلا بغرضه.

ويرده اولا : انه انما يتم هذا حيث يحرز ان المولى في مقام بيان ما له الدخل في ترتب الحكم ، لإمكان ان لا يكون الداعي الى الوصف ذلك ، بل ذكر الوصف لمجرد التعريف الى ما هو موضوع للحكم.

وثانيا : لو سلمنا ذلك ولكن دخالة الوصف في ترتب الحكم لا يلازم العلية المنحصرة للحكم ، لجواز تعدد العلل لهذا الحكم ، فان قوله : اكرم زيدا العالم كما يجوز ان يكون للعلم دخل في وجوب اكرامه يمكن أيضا ان يكون كونه جيرانا للمولى موجبا لإكرامه ، او كونه محسنا على المولى موجبا لإكرامه أيضا ، فلا يكون المولى

٣٤

مفهوم الوصف ، ضرورة أنه قضية العلية الكذائية المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام ، وهو مما لا إشكال فيه ولا كلام ، فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع ، وموردا للنقض والابرام (١).

______________________________________________________

مخلا بغرضه لو لم يكن الوصف للانحصار ، فلا اطلاق يقتضي كون الوصف علة منحصرة ، نعم لو احرز ان المولى في مقام بيان كل ما له الدخل ، ولم يذكر غير الوصف لدل على العلية المنحصرة.

وبالجملة : ان دلالته على العلية المنحصرة لا بد فيه من احرازين : احراز كون المولى في مقام بيان ما له الدخل ، واحراز كونه في مقام بيان كل ما له الدخل.

(١) هذا تعرض للتفصيل في المقام ، وحاصله : ان الظاهر ان الوصف اذا كان احترازيا فان معنى كونه احترازيا انه احتراز عن غير ما له الدخل في ترتب الحكم ، والى هذا يرجع قولهم ان الوصف مشعر بالعلية ، والظاهر أيضا ان يكون الوصف بعنوانه الخاص احترازيا ، ومع تمامية المقدمتين تثبت العلية المنحصرة ، لانه بكونه احترازيا تثبت العلية ، وبكونه بعنوانه الخاص كذلك يثبت الانحصار ، فانه لو لم يكن بعنوانه الخاص علة لكانت العلة هي الجامع دون العنوان الخاص وهو خلاف الظاهر أيضا.

نعم يتوقف هذا القول على احراز ان القيد قد ذكر لأجل الاحتراز ، ولعل هذا هو مراد المفصل بان الوصف اذا استفيدت عليته دل على المفهوم وإلّا فلا يدل ، فانه بعد اثبات ان الداعي لذكر القيد الاحترازية يدل على العلية وكونه بعنوانه الخاص يدل على الانحصار ولعله أيضا الى هذا يرجع التفصيل بين الوصف المعتمد على الموصوف في دلالته على المفهوم دون الوصف غير المعتمد فانه لا مفهوم له ، فاكرم زيدا العالم له مفهوم بخلاف اكرم العالم فانه لا مفهوم له ، بتقريب انه بعد ذكر الموصوف يكون احتمال كون الوصف للتعريف ضعيفا ، ويقوى كون الداعي لذكره هو الاحتراز فيكون له مفهوم ، فانه بعد قوله أكرم زيدا يضعف احتمال كون ذكر

٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

العالم للتعريف ويتمحض للاحترازية ، بخلاف ما اذا لم يذكر زيد فانه يحتمل قويا او احتمالا مساويا كون ذكر العالم للتعريف والاشارة الى زيد لا للاحتراز ، فاكرم العالم لا مفهوم له لعدم قرينة على الاحترازية المستلزمة للعلية.

ويرده ، اولا : ان هذا التفصيل انما يتم حيث تحرز العلية وكون القيد للاحتراز.

وثانيا : ان غاية ما ذكر كون الوصف له دخل أما انه علة منحصرة فلا موجب له ، لأن كون الوصف بعنوانه الخاص وصفا لا يقتضي الانحصار إلّا اذا كان الوصف هو المؤثر ، لعدم إمكان صدور الواحد عن المتعدد. أما لو كان له دخل فيما له التأثير فلا يتأتى الدليل المذكور ، كما انه قد دل الدليل على كون وصف الكثرة للماء له دخل في تأثيره في الاعتصام ، ووصف الجريان أيضا له دخل في عاصميته ، وقد أشار الى هذين الايرادين بقوله : «فيما اذا استفيدت غير مقتضية له» فبقوله : «فيما اذا استفيدت» أشار الى الأول وان مجرد ذكر الوصف ما لم يحرز انه لأجل الاحتراز لا تستفاد علية الوصف ، والى الثاني بقوله : «غير مقتضية له».

نعم اذا قامت القرينة الخاصة على ان الوصف علة للحكم وانها منحصرة دلت الجملة الوصفية على المفهوم ، ولكن على هذا يكون الدال على المفهوم هي القرينة الخاصة دون الوصف بما هو وصف ، ولا يصح ان يكون هذا الكلام تفصيلا في المقام ، والى هذا اشار بقوله : «ومع كونها بنحو الانحصار» أي ومع قيام القرينة على كون الوصف علة منحصرة «وان كانت مقتضية له» أي مقتضية للدلالة على المفهوم «إلّا انه لم يكن من مفهوم الوصف» لكون الدال على المفهوم هي القرينة الخاصة دون الوصف «ضرورة انه قضية العلة الكذائية» أي المنحصرة «المستفادة من القرينة عليها في خصوص مقام» من المقامات التي تقوم فيه القرينة الخاصة فيه على ذلك «وهو مما لا اشكال فيه ولا كلام فلا وجه لجعله تفصيلا في محل النزاع وموردا للنقض والابرام».

٣٦

ولا ينافي ذلك ما قيل من أن الاصل في القيد أن يكون احترازيا ، لان الاحترازية لا توجب إلا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ، مثل ما إذا كان بهذا الضيق بلفظ واحد ، فلا فرق أن يقال : جئني بإنسان أو بحيوان ناطق (١) ، كما أنه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد ، فيما وجد شرائطه إلا ذلك ، من دون حاجة فيه إلى دلالته على المفهوم ، فإنه من المعلوم أن قضية الحمل ليس إلا أن المراد بالمطلق هو المقيد ، وكأنه لا يكون في البين غيره (٢) ، بل ربما قيل إنه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ

______________________________________________________

(١) حاصله : انه لا حاجة الى قيام قرينة خاصة على كون القيد للاحتراز ، بل هناك قرينة عامة على ذلك فان الأصل في القيد الاحترازية ، وهذا الأصل اما ان يرجع الى دعوى بناء العقلاء على ذلك او الى كون الاطلاق يقتضي الاحترازية ، ولذا شاع ان الأصل في القيد هو الاحتراز.

ويرده : ان هذا خلط بين ما له الدخل في شخص الحكم وبين ما يقتضي المفهوم ، فان كون الاصل في القيد ان يكون احترازيا معناه ان الأصل يقتضي ان يكون القيد أو الوصف له دخل في شخص ذلك الحكم ، والمفهوم انما هو حيث يكون للوصف دخل في سنخ الحكم كما مر تفصيله.

وبعبارة اخرى : انه لا اشكال في ان الوصف له دخل في تحقق الموضوع الخاص لذلك الحكم ، ولا دلالة له على ان حقيقة الحكم بما هي حقيقة الحكم مربوطة بذلك الوصف ، مثلا اذا قال المولى جئني بحيوان ناطق ، فان الناطقية تدل على ان الموضوع لهذا الوجوب هو الانسان ، ولا دلالة له على ان كلي وجوب المجيء منحصر ومقيد بالانسان ، وهذا مراده من قوله : «لأن الاحترازية لا توجب إلّا تضييق دائرة موضوع الحكم في القضية ... الى آخر الجملة».

(٢) لا يخفى ان هذا من جملة أدلة القائلين بمفهوم الوصف مطلقا ، فيكون ذكر التفصيل في البين اقحاما له بين ادلتهم.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وحاصله : انه لو لم يكن الأصل في الوصف او القيد هو الاحتراز والعلية لما كان اللازم فيما اذا كان لنا مطلق ومقيد ان نحمل المطلق على المقيد ، فان الحمل المذكور انما هو لأجل ان للوصف مفهوما ناشئا من دلالته على العلية المنحصرة.

وتوضيحه : ان الوصف في المطلق الدال على انتفاء الحكم عند انتفاء المطلق لا ينافي المنطوق في المقيد ، ولكن المفهوم في المقيد ينافي المنطوق في المطلق ، مثلا قوله : أعتق الرقبة المملوكة شامل لعتق الرقبة المملوكة كافرة أو مؤمنة ، ويدل على انتفاء العتق عن غير المملوك ، ولكن قوله : اعتق الرقبة المؤمنة يدل على انتفاء العتق عن غير المؤمنة ، وهذا ينافي الحكم في المطلق الشامل للكافرة والمؤمنة ، اما لو لم نقل بالمفهوم فلا يكون ثبوت الحكم للمقيد منافيا للحكم الثابت لمنطوق المطلق.

ويرده ، اولا : ان السبب في حمل المطلق على المقيد هو العلم بوحدة الحكم ، وأنه اما هو الحكم في المطلق او أنه هو الحكم في المقيد ، وحيث ان المقيد اقوى حجة فرفع اليد عن المقيد رفع يد عن الحجة بحجة اضعف منها ، بخلاف المطلق فانه رفع يد عن الحجة فيه بالحجة الأقوى.

وبعبارة أخرى : انه بعد العلم بأن الحكم واحد وهو احدهما فيدور الأمر فيهما بين التعيين والتخيير فانه لو كان الحكم هو حكم المطلق فالأخذ بالمقيد أخذ بالمطلق أيضا لأن المقيد أحد أفراد المطلق ، فان عتق الرقبة المؤمنة عتق لمطلق الرقبة ، بخلاف الأخذ بالمطلق ليس أخذا بالمقيد ، فان عتق الرقبة الكافرة ليس أخذا بالمقيد ، فبالأخذ بالمقيد تبرأ الذمة قطعا ، فلذا يحملون المطلق على المقيد ويأخذون بالمقيد ويرون ان القيد قد ورد لتضييق دائرة الموضوع في المطلق لا لأجل المفهوم ، والى هذا اشار بقوله : «كما انه لا يلزم في حمل المطلق على المقيد فيما وجد شرائطه» التي سيأتي بيانها في مبحث المطلق والمقيد التي من جملتها كون الحكم دالا على الوجوب «الا ذلك» وهو تضييق دائرة الموضوع للحكم «من دون حاجة فيه الى دلالته على

٣٨

المفهوم ، فإن ظهوره فيه ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق ، كي يحمل عليه ، لو لم نقل بأنه الاقوى ، لكونه بالمنطوق ، كما لا يخفى (١).

وأما الاستدلال على ذلك أي عدم الدلالة على المفهوم ـ بآية (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) ففيه أن الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة مما لا يكاد ينكر ، كما في الآية قطعا ، مع أنه يعتبر في دلالته عليه عند القائل بالدلالة ، أن لا يكون واردا مورد الغالب كما في الآية (٢) ،

______________________________________________________

المفهوم فان من المعلوم ان قضية الحمل ليس إلّا ان المراد بالمطلق هو المقيد» لأجل العلم بكون الحكم فيهما واحدا فيكون القيد لتضييق دائرة الموضوع لا للمفهوم.

(١) هذا هو الايراد الثاني ، وحاصله : انه لو كان حمل المطلق على المقيد لأجل المفهوم في المقيد لما كان له وجه ، لأن التنافي كما عرفت انما هو بين مفهوم المقيد ومنطوق المطلق ، فظهور المطلق في الاطلاق منطوقي وظهور المقيد في المفهوم المنافي لمنطوق المطلق ظهور مفهومي ، والظهور المنطوقي أقوى من الظهور المفهومي ، وان لم يكن أقوى فلا أقل من تساوي الظهورين ، فلا وجه لتقديم ظهور المقيد في المفهوم على ظهور المطلق في الاطلاق ، وانما نسبه الى القيل لان تقديم الظهورات بعضها على بعض مرتبط بما هو أظهر في الدلالة ، وليس كون الظهور منطوقيا موجبا للاظهرية ، فقد يكون مفهوم أقوى من منطوق ، وعلى كل فقد أشار الى ما ذكرنا بقوله : «ربما قيل انه لا وجه للحمل لو كان بلحاظ المفهوم فان ظهوره فيه» أي ان ظهور المقيد في المفهوم «ليس بأقوى من ظهور المطلق في الاطلاق ... الى آخر الجملة».

(٢) قد عرفت انه يكفي في انكار مفهوم الوصف هو عدم تمامية ما استدل به على دلالته على المفهوم ، ولكن بعض القائلين بعدم المفهوم في الوصف استدلوا لعدم دلالة الوصف على المفهوم بالآية المباركة وهي قوله تعالى : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)(١) فان قوله اللاتي في حجوركم هو وصف للربائب ، فلو كان للآية دلالة

__________________

(١) النساء : الآية : ٢٣

٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

على مفهوم الوصف لدلت على انتفاء الحرمة عما عدا الربيبة التي تكون في حجر زوج أمها ، فلا تكون الربيبة التي ليست في حجره بمحرمة عليه ، والحال انه من المعلوم المسلم ان الربيبة التي ليست في الحجر أيضا محرمة ، فتكون لهذه الآية ـ بناء على المفهوم ـ منافاة لما دل على حرمة الربيبة التي ليست في الحجر ، بخلاف ما اذا لم يكن للوصف مفهوم ، فان الحرمة في هذه الآية وان كانت مختصة بالتي في الحجر إلّا انه لا تدل على انتفاء الحرمة عن غيرها ، فلا تكون الآية منافية للدليل الدال على حرمة الربيبة التي ليست في الحجر.

ويرده ، أولا : ان القائل بالمفهوم لا يدعي انحصار استعمال الوصف في المفهوم ، بل يدعي ان الوصف المجرد عن القرينة يدل على العلية المنحصرة المستلزمة للمفهوم ، واما استعمال الوصف احيانا في العلية غير المنحصرة بل في مطلق الثبوت عند الثبوت لا مانع منه اذا قامت القرينة عليه ، وقد قامت القرينة الخارجية على ان الحكم في الآية لا يختص بالربيبة التي في الحجر ، والى هذا أشار بقوله : «ففيه ان الاستعمال في غيره أحيانا مع القرينة ... الى آخر الجملة».

وثانيا : ان القائلين بدلالة الوصف على المفهوم يشترطون في دلالته على ذلك ان لا يكون الوصف واردا مورد الغالب ، والوصف الوارد مورد الغالب لا يدل عندهم على المفهوم ، ولا إشكال ان وصف الربيبة بكونها في الحجر هو من الوصف الوارد مورد الغالب ، لان الغالب في الربيبة ان تكون تابعة لأمها فتكون في حجر زوج أمها ، والى هذا أشار بقوله : «مع انه يعتبر في دلالته» أي في دلالة الوصف على المفهوم «عند القائل بالدلالة» أي بدلالة الوصف على المفهوم «ان لا يكون» أي الوصف «واردا مورد الغالب كما في الآية» فانه وارد مورد الغالب فيها كما هو واضح لما عرفت.

٤٠