بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الفسق والعدالة بحكم العام فيجب اكرامه ، وقد اشار بقوله : «الا ما شذ» الى الفرد المشكوك الذي تواردت عليه الحالتان ، فان العدم الازلي فيه أيضا لا يجري للعلم بانقطاعه بواسطة توارد الحالتين.

وقوله : «وان لم يجز التمسك به بلا كلام» أي انه وان لم يجز التمسك بالعام ابتداء لاثبات الحكم له لما مر : من انه لا يجوز التمسك بالعام في المشتبه بالشبهة المصداقية ، ولكنه بعد تنقيح موضوعه بالاستصحاب المحرز لكونه فردا من الافراد الثابت لها حكم العام ، وقد اشار الى ان غالب ما هو موجود من المشكوك فيه للشبهة المصداقية يجري فيه العدم الازلي بقوله : «ضرورة انه قلما لم يوجد ... الى آخر الجملة».

وبواسطة هذا الاصل يشمله العام ، ولذا قال : «ينقح به» أي ينقح بواسطة هذا الاصل العدمي الازلي «انه» أي ان المشكوك «مما بقي تحته» أي مما بقي تحت العام ، وقد اشار الى عدم جريان الاستصحاب بنحو كان الناقصة بقوله : «وان كانت اذا وجدت اما قرشية او غيرها فلا اصل يحرز» به «انها قرشية او غيرها» لعدم اليقين السابق بكونها قرشية او غير قرشية ، وقد اشار الى ان الجاري هو الاصل العدمي الازلي وهو اصالة عدم انتسابها الى قريش بقوله : «إلّا ان اصالة عدم تحقق الانتساب بينها بين قريش تجدي» لوضوح ان هذا الاصل اركانه تامة ، لليقين السابق بعدم انتسابها الى قريش في حال عدم وجودها لوضوح ان الانتساب الى قريش من عوارض وجود المرأة ، فان المرأة في حال عدمها ليس لها انتساب الى قريش ولا انتساب الى غير قريش ، وبعد وجودها يشك في كونها قرشية وغير قرشية ، فهذه المرأة بعد وجودها وان كانت من المشكوك ولا يشملها العام ابتداء إلّا ان استصحاب عدم انتسابها يجعلها ممن لها هذا العنوان بالفعل بواسطة هذا الاستصحاب لليقين السابق بعدم انتسابها في عالم الازل قطعا ، وبعد وجودها يشك في انتسابها الى قريش فيستصحب هذا العدم وتكون المرأة ممن ليس لها انتساب الى

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

قريش ، وهذا من العناوين التي يشملها العام بعد اخراج الخاص عنه ، فان العام هو قوله عليه‌السلام : (المرأة تتحيض الى خمسين) وقد خرج عنه عنوان القرشية فانها تتحيض الى الستين ، فهذه المرأة المشكوك كونها من غير قريش او غير قريش لا يشملها العام ابتداء ولكن بعد جريان هذا الاستصحاب يحرز به ليس لها انتساب الى قريش ، وهذا من العناوين المندرجة تحت العام لانه عنوان لم يكن هو عنوان الخاص ، فان من الواضح ان عنوان عدم الانتساب الى قريش غير عنوان القرشية الخارج عن هذا العام ، فبواسطة هذا الاستصحاب يثبت للمرأة حكم العام وهو التحيض الى الخمسين ، ويكون الدم التي تراه هذه المرأة بعد الخمسين ليس بحيض : أي لا تتحيض به والى هذا اشار بقوله : «تجدي» اي اصالة عدم الانتساب الى قريش تجدي «في تنقيح انها ممن لا تحيض الا الى خمسين».

لا يقال كما ان اصالة عدم انتسابها الى قريش جارية كذلك اصالة عدم الانتساب هذه المرأة الى غير قريش أيضا جارية فيتعارض الاصلان.

فانه يقال : حكم الخاص مرتب على عنوان القرشية واستصحاب عدم انتسابها الى غير قريش لا يثبت انها قرشية إلّا بالاصل المثبت المفروغ عن عدم حجيته ، وغاية هذا الاصل ان العام لا يشملها بعنوان انها غير قرشية ولكنه لا ينحصر شمول العام لها به ، بل هناك عنوان آخر مما هو مندرج تحت العام وهو كونها ممن ليس لها انتساب الى قريش ، وهذا كاف في اثبات حكم العام لها ، ومن الواضح ان العام بعد ان كان هو عنوان المرأة وبعد خروج القرشية عنه يبقى تحته كل عنوان ليس هو بعنوان الخاص وعنوان عدم انتسابها الى قريش هو من جملة هذه العناوين التي بتنقيحها يتحقق لهذه المرأة ما به تندرج تحت العام وتكون محكومة بحكمه ، والى هذا اشار بقوله : «لان المرأة التي لا يكون بينها وبين قريش انتساب ايضا باقية تحت ما دل على ان المرأة انما ترى الحمرة الى الخمسين والخارج عن تحته هي القرشية» وقد

١٤٢

وهم وإزاحة : ربما يظهر عن بعضهم التمسك بالعمومات فيما إذا شك في فرد ، لا من جهة احتمال التخصيص ، بل من جهة أخرى ، كما إذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف ، فيستكشف صحته بعموم مثل أوفوا بالنذور فيما إذا وقع متعلقا للنذر (١) ، بأن يقال :

______________________________________________________

عرفت ان استصحاب عدم انتسابها الى غير قريش لا يجعلها مندرجة تحت عنوان القرشية الذي هو العنوان الخاص الخارج عن حكم العام لعنوان المرأة.

وقد تبين من مجموع ما ذكرنا ان العام :

بناء على تعنونه بعنوان وجودي مضاد لعنوان الخاص بعد التخصيص لا ينفع فيه هذا الاستصحاب لوضوح كونه مثبتا بالنسبة اليه ، فانه بناء عليه العام وهو قوله عليه‌السلام : (المرأة انما ترى الحمرة الى الخمسين) بعد اخراج القرشية عنه يوجب تعنونه بانها المنتسبة الى غير قريش ، وباستصحاب عدم الانتساب الى قريش لا يثبت الانتساب الى غير قريش إلّا بالاصل المثبت.

وبناء على ان العام بعد اخراج الخاص يشمل كل عنوان غير العنوان الخاص يجري الاصل ويندرج تحت العام.

إلّا ان يقال : ان العرف يفهمون من العام ترتب الحكم فيه على العنوان بنحو كان الناقصة بمعنى ان الحكم المترتب على المرأة بالتحيض الى الخمسين وعلى الخاص وهو تحيض القرشية الى الستين مترتب في كلا طرفي العام والخاص على المرأة التي لها شان ان تكون قرشية وغير قرشية ، فالتقابل بينهما بنحو تقابل العدم والملكة لا تقابل السلب والايجاب ، وعلى هذا فيكون استصحاب العدم الازلي مثبتا بالنسبة الى العدم بنحو العدم والملكة ، فتأمل.

(١) لما ذكر وجه التمسك بالعام في المخصص اللبي في الفرد المشكوك من ناحية الشبهة المصداقية ، وفي المخصص اللفظي بواسطة الاستصحاب وادراج الفرد المشكوك في

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

العام لتنقيح الاستصحاب ، موضوع دخول هذا الفرد في العام ناسب ذكر هذا الوهم وازاحته :

وهو ما اذا كان الشك في شمول العام للفرد المشكوك لا من ناحية الشبهة المصداقية ، بل من ناحية اجمال الدليل العام كما يظهر ذلك من مثاله ، ومن الواضح ان العام اذا كان مجملا من ناحية المفهوم كأدلة وجوب الوضوء ووجوب الغسل ، فان هذه الادلة مجملة من ناحية ما به يحصل الوضوء او الغسل انه هل هو خصوص الماء المطلق او مطلق المائع حتى المضاف كماء الورد؟ فلا بد فيها من الاقتصار على القدر المتيقن وهو الماء المطلق.

ومن الواضح ان الشك في صحة الوضوء بالمضاف لم ينشأ من ناحية الشك في الشبهة المصداقية بل هو من ناحية الاجمال في الدليل على وجوب الوضوء او الغسل من جهة ما هو المتعلق لوجوبهما وانه هل هو مطلق المائع او خصوص الماء المطلق ، والى هذا اشار بقوله : «فيما اذا شك في فرد لا من جهة احتمال التخصيص» الذي مر الكلام فيه «بل من جهة اخرى» وهي اجمال الدليل «كما اذا شك في صحة الوضوء أو الغسل بمائع مضاف» فان الشك فيه من ناحية الاجمال في متعلق وجوب الوضوء او الغسل.

ولا يخفى انه لو خلينا نحن وهذه الادلة الاولية الدالة على وجوب الوضوء والغسل فلا يجوز التمسك بها لاثبات جواز الوضوء او الغسل بالمائع المضاف ، وهو مما لا اشكال فيه ، لوضوح عدم صحة التمسك بالمجمل في مورد اجماله ، ولا يعقل ان يكون الحكم مبيّنا ومحرزا لموضوعه.

إلّا انه قد توهم امكان التمسك بادلة ثانوية لتصحيح الاتيان بهذا المشكوك كادلة وجوب الوفاء بالنذر او ادلة وجوب اطاعة الوالدين او وجوب اطاعة العبد لسيده او إطاعة الزوجة لزوجها ، او ادلة العسر والحرج وادلة الضرر : بان ينذر الوضوء

١٤٤

وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر للعموم ، وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا ، للقطع بأنه لو لا صحته لما وجب الوفاء به (١) ،

______________________________________________________

بالمائع المضاف او يوجب الوالد على ولده الوضوء به فيدعى انه بواسطة النذر يصح الاتيان بها وتقع صحيحة.

فالفرق بين ما يدعى في هذا الوهم وبين ما مر في المجمل من ناحية الشبهة المصداقية : هو انه في ذلك المقام كما فيما اذا كان المخصص لبيا يكون التمسك بنفس العام وفي الاستصحاب يكون موجبا أيضا لادراجه في مصاديق العام بحيث يتمسك بالعام لترتب الحكم في الفرد المشكوك.

وفي هذا المقام المتمسك به لتصحيح الوضوء هو ادلة عموم وجوب الوفاء بالنذر او غيره من عمومات الادلة الثانوية دون العمومات الاولية ، وتكون هذه الادلة كاشفة عن وقوعه صحيحا بشرط تعلق النذر به لا مطلقا لا العمومات الاولية ، والى هذا اشار بقوله : «فيستكشف صحته» اي صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف «بعموم مثل اوفوا بالنذور فيما اذا وقع متعلقا للنذر».

(١) هذا بيان للوهم المذكور ، وحاصله :

انه بعد ان كانت العمومات الاولية كدليل وجوب الوضوء مجملة ولا يمكن التمسك لاثبات صحة الوضوء بالمائع المضاف بها ، الّا انه لما كانت الادلة الثانوية كأدلة وجوب الوفاء بالنذر عامة فيتوسل لصحة الوضوء بالمضاف بان ينذر الوضوء بهذا المائع فينعقد النذر لعموم دليل النذر فيكون الوضوء بهذا المائع واجبا بمقتضى دليل اوفوا بالنذور المثبت لوجوب الوضوء بعنوان كونه منذورا لا لعنوان كونه مما يقع الوضوء به بحسب دليل وجوب الوضوء الاولى ، واذا كان متعلقا للنذر فلازمه وقوعه صحيحا اذ لا يعقل ان يكون الوجوب الذي جاء من قبل تعلق النذر متعلقا بما لا يصح وقوعه وضوءا.

١٤٥

وربما يؤيد ذلك بما ورد من صحة الاحرام والصيام قبل الميقات وفي السفر إذا تعلق بهما النذر كذلك (١).

______________________________________________________

والمتحصل من هذا قياسان مترتب ثانيهما على اولهما ينتجان صحة الوضوء بالمائع المضاف.

الاول : ان يقال ان الوضوء بهذا المائع وقع متعلقا للنذر وكلما وقع متعلقا للنذر يجب الوفاء به ، فالوضوء بهذا المائع المضاف يجب الوفاء به.

الثاني : ان الوضوء بهذا المائع المضاف صار واجبا بالنذر وكلما تعلق وجوب الوضوء به فلا بد وان يكون الوضوء به يقع صحيحا ، اذ لا يعقل ان يتعلق الوجوب بما لا يقع الوضوء به صحيحا.

فالناتج من هذين هو صحة الوضوء بالمائع المضاف ، وقد اشار المصنف الى القياس الاول بقوله : «بان يقال وجب الاتيان بهذا الوضوء وفاء للنذر» والى الثاني بقوله : «وكل ما يجب الوفاء به لا محالة يكون صحيحا للقطع بانه لو لا صحته لما وجب الوفاء به».

(١) حاصل التأييد لهذه الدعوى من امكان صحة ما لا تشمله الادلة بالعنوان الاولي ولكنه يكون مشمولا للادلة بالعناوين الثانوية ، هو ما ورد من صحة الصوم في السفر بشرط تعلق النذر به ، والاحرام قبل الميقات اذا وقع متعلقا للنذر.

وتوضيحه : انه بناء على عدم مشروعية الصوم في السفر ـ لا بناء على المشهور من صحة الصوم النذري في السفر ـ قد وردت الادلة الخاصة على صحته اذا وقع متعلقا للنذر ، واولى منه في الدلالة الاحرام قبل الميقات فانه مما يصح قطعا بالنذر ، وقد ورد فيه ان الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت فهو غير مشروع قطعا ، ولكنه مع ذلك قد وردت الاخبار بصحة الاحرام قبل الميقات اذا وقع متعلقا للنذر ، فالصوم في السفر والاحرام قبل الميقات مما لا يشرع قبل النذر ، وبواسطة النذر يقع صحيحا ومشروعا ، فالادلة الثانوية لها قابلية ان تصحح ما ليس بصحيح.

١٤٦

والتحقيق أن يقال : إنه لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكفّلة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها ، إذا أخذ في موضوعاتها أحد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الاولية ، كما هو الحال في وجوب إطاعة الوالد ، والوفاء بالنذر وشبهه في الامور المباحة أو الراجحة ، ضرورة أنه معه لا يكاد يتوهم عاقل أنه إذا شك في رجحان شيء أو حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة أو الوفاء في رجحانه أو حليته (١).

______________________________________________________

ولا يخفى ان الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات مما علم عدم مشروعيته ، وليس هو مما احتمل شمول الادلة الاولية له ولكنه اذا كانت العناوين الثانوية تصحح ما هو غير مشروع قطعا فبالاولى ان تكون الادلة الثانوية مصححة لما احتمل شمول الادلة بعنوانها الاولى له.

وانما ذكره مؤيدا لا دليلا لاحتمال ان يكون لخصوصية خاصة للصوم في السفر والاحرام قبل الميقات توجب صحتهما اذا تعلق النذر بهما ، فلا تكون دليلا على ان العناوين الثانوية مطلقا تصحح ما لا يشمله العنوان الاولى.

إلّا ان كونها مؤيدة للدعوى مما لا ينكر لاشعارها بان للادلة الثانوية قابلية ان تصحح ما لا يصح بالعنوان الاولي ولذا قال (قدس‌سره) : «وربما يؤيد ذلك ... الى آخر الجملة».

(١) هذا هو الازاحة والدفع لهذا الوهم ، وتفصيله على ما يتحصل من عبارة المتن ان الادلة الثانوية على نحوين :

الاول : ان يكون قد اخذ في موضوع هذه الاحكام بعناوينها الثانوية حكم واقعي كالرجحان او الاباحة مثل ادلة النذر والعهد واليمين ووجوب اطاعة الوالد والسيد ، فانه قد دلت الاخبار على انه يشترط في متعلق النذر ان يكون راجحا ، وفي وجوب اطاعة الوالد والسيد ان لا يكون ما أمرا به فعل حرام او ترك واجب : أي انه يشترط

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

في وجوب اطاعتهما ان يكون ما أمرا به مباحا ، وفي مثل هذا فالقاعدة تقتضي عدم امكان تصحيح ما لا يشمله العنوان الاولي لاجماله كالوضوء بالمائع المضاف بواسطة النذر او ايجاب الوضوء به بأمر السيد ، لوضوح ان عمومات ادلة وجوب الوفاء بالنذر كقوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)(١) قد خصصت بما ورد من الاخبار بانه يشترط في متعلق النذر والعهد واليمين الرجحان ولا ينعقد النذر ولا اخواه إلّا ان يكون المتعلق لها راجحا ، وبعد هذا التخصيص الوارد على عمومات وجوب الوفاء بالنذر يكون التمسك بادلة وجوب الوفاء بالنذر فيما شك في رجحانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو واضح مما مر.

فاذا تبين هذا ـ تعرف ان المفروض ان نذر الوضوء بالمائع المضاف ـ مثلا ـ مما يحتمل عدم مشروعيته أي مما يحتمل عدم رجحانه بل حرمته تشريعيا ، فالتمسك لصحته بدليل اوفوا بالنذر المشترط موضوعه باحراز كونه راجحا من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فالقاعدة الاولية تقتضي انه ما شك في صحته كالمائع المضاف لاجمال العنوان الاولى بالنسبة اليه ان لا يقع صحيحا بالعنوان الثانوي : بان ينذر الوضوء به ، لاحتمال عدم صحة تعلق النذر به وعدم انعقاد هذا النذر لاشتراط احراز الرجحان فيه ، وقد عرفت احتمال عدم رجحانه ، فالتمسك لتصحيحه بدليل اوفوا بالنذر تمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، فلا يوجب تعلق النذر بالوضوء بالمائع المضاف وقوع الوضوء به صحيحا فلا يتم القياس الاول ، وهو انه قد تعلق النذر بالوضوء بهذا المائع وكلما تعلق به النذر يجب الوفاء به ، فلا نسلم انه يجب الوفاء به ، لان وجوب الوفاء انما يتحقق بعد احراز الرجحان ، ولم يحرز رجحان هذا الوضوء حتى يكون موضوع النذر محققا ليتم وجوب الوفاء بالنذر بالنسبة اليه.

__________________

(١) الحج : الآية : ٢٩.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والكلام في وجوب اطاعة الوالد والسيد فيما لو امرا بالوضوء بهذا المائع ـ مثلا ـ مثل النذر لتخصيص ادلة وجوب اطاعتهما بان يكون ما يامران به مباحا ، واحتمال عدم مشروعية هذا الوضوء يوجب كون التمسك بوجوب الاطاعة للأمر المتعلق بالوضوء من هذا المائع من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، والى هذا اشار بقوله : «لا مجال لتوهم الاستدلال بالعمومات المتكلفة لاحكام العناوين الثانوية فيما شك من غير جهة تخصيصها» بل من جهة احتمال جواز الوضوء بالمائع المضاف واقعا وان كان ادلة وجوب الوضوء لا تشمله لاجمالها من جهته «اذا اخذ في موضوعاتها» أي اذا اخذ في موضوعات الادلة المتكفلة لاحكام العناوين الثانوية كادلة وجوب الوفاء بالنذر وادلة اطاعة الوالد والسيد «احد الاحكام المتعلقة بالافعال بعناوينها الاولية» وهو الرجحان والاباحة فانهما حكمان متعلقان بالافعال بعناوينها الاولية ، وقد اخذ الرجحان في ادلة النذر والاباحة في ادلة اطاعة الوالد والسيد ، ولذا قال : «كما هو الحال في وجوب اطاعة الوالد والوفاء بالنذر وشبهه» وهو العهد واليمين فقد اخذ فيها ان يتعلقا اما «في الامور المباحة او الراجحة» وقد اشار الى انه لا يجوز التمسك بهما في حكم ذلك المشكوك لانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية «ضرورة انه معه» أي ضرورة انه مع اخذ الاباحة او الرجحان في موضوع هذه الادلة الثانوية «لا يكاد يتوهم عاقل» ان يكون دليل الحكم الذي اخذ في موضوعه الرجحان او الاباحة ان يثبت حكمه كوجوب الوفاء او وجوب الاطاعة لما شك في رجحانه او اباحته فلا يعقل فيما «اذا شك في رجحان شيء او حليته جواز التمسك بعموم دليل وجوب الاطاعة او الوفاء» في اثبات «رجحانه او حليته» اذ لا يعقل ان يثبت دليل الحكم موضوعه وهو المانع من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

١٤٩

نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه ، فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم أصلا (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو النحو الثاني من الادلة المتكفلة للاحكام بعناوينها الثانوية وهو كادلة العسر والحرج وادلة لا ضرر فانها من الاحكام الثانوية لانها ليست كالاحكام بعناوينها الاولية وهي الاحكام العارضة للشيء بعنوانه كالوجوب العارض للصلاة والحرمة العارضة للخمر بما هي صلاة وخمر ، بخلاف ادلة العسر والضرر فانها لا تعرض للصلاة بما هي صلاة ، بل بما هي عسرية او ضررية ، فلذلك كانت من ادلة الاحكام بعناوينها الثانوية ، ولكنها لم يؤخذ في موضوعها حكم واقعي اصلا بل لم يؤخذ فيها غير موضوع نفسها وهو عنوان العسر او الضرر.

نعم يشترط فيها ما يشترط في الاحكام الاولية وهو مثل التمكن والقدرة وبقية الشروط العامة التي هي شروط في جميع الاحكام كالعلم والحياة ولذا تسمى هذه الشروط بالشرائط العامة.

وقد اشار الى عدم اخذ شيء من الاحكام في موضوع هذه الادلة الثانوية [وانه لا يشترط فيها الا الشرائط العامة](١) بقوله : «نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد احراز التمكن منه والقدرة عليه» وبهذا اشار الى [ان شرطها هو] الشرائط العامة لا غير.

ولا يخفى انه ظهر من المصنف بالنسبة الى القدرة انه يجب احرازها ، ولكن المعروف انه مع الشك في القدرة يبنى على القدرة ولا يسقط التكليف كما سيأتي

__________________

(١) تنبيه! هذان القوسان [] اشارة الى ان ما بداخلهما يمثل التصحيح الذي اجريته للمخطوط الشريف وذلك للتلف الذي حصل للمخطوط بسبب الرطوبة ، وقد تتبعنا اشباح الحروف قدر المستطاع ، واما الذي تلف كليا فقد اثبتنا مقامه ما يناسب سياق الكلام. وقد ساعدنا في ذلك فضيلة العلامة الشيخ محمد جواد المهدوي جزاه الله خيرا.

١٥٠

فإذا شك في جوازه صح التمسك بعموم دليلها في الحكم بجوازها ، وإذا كانت محكومة بعناوينها الاولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية ، وقع المزاحمة بين المقتضيين ، ويؤثر الاقوى منهما لو كان في البين ، وإلا لم يؤثر أحدهما ، وإلا لزم الترجيح بلا مرجح ، فليحكم عليه حينئذ بحكم آخر ، كالاباحة إذا كان أحدهما مقتضيا للوجوب والآخر للحرمة مثلا (١).

______________________________________________________

التعرض له في الجزء الثاني ان شاء الله. واشار الى عدم اخذ حكم من الاحكام الواقعية في موضوعاتها اصلا ، كما واشار الى الادلة بالنحو الاول بقوله : «فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم اصلا».

وهناك فرق آخر بينهما غير هذا الفرق ، وهو ان محل الكلام في الادلة الثانوية بالنحو الاول هو الفرد المشكوك شمول العام الاولي له ابتداء ، فان الوضوء بالمائع المضاف مما يشك ابتداء شمول ادلة عموم الوضوء الاولية له واقعا ، والكلام في هذا النحو الثاني وهو ادلة العسر والحرج هو الفرد المشكوك بقاؤه تحت العام بعد عروض العنوان الثانوي كالعسر والضرر له ، فان الوضوء بالماء البارد ـ مثلا ـ قبل عروض العسر أو الضرر كان داخلا تحت ادلة عموم الوضوء قطعا ، ولكن بعد عروض العسر والحرج أو الضرر يشك في بقائه تحت العمومات الاولية ، لاحتمال حصول المانع بتقديم ادلة العسر والضرر عليه كما سيأتي بيانه.

(١) ولا يخفى ان الكلام فيها على التفصيل يأتي في بابها من الجزء الثاني أي الادلة العقلية ، وانما الكلام فيها هنا في الجملة وعلى المبنى فنقول :

انه تارة : يكون بين هذه الادلة الثانوية والادلة الاولية توافق في الحكم كما لو كان الحكم الاولي هو الاباحة ـ والمباح لا وجوب فيه ولا حرمة ـ كغسل الجلد للتنظيف ـ مثلا ـ بالماء البارد فانه من المعلوم عدم وجوبه وعدم حرمته ، فاذا عرض عليه العسر يكون الدليل الثانوي موافقا للدليل الاولي ، فان دليل العسر رافع للزوم

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

والمفروض ان المورد لا لزوم فيه فتكون الادلة الاولية والادلة الثانوية متوافقتين ، وفي مثل هذا لا شبهة في العمل بالدليل الثانوي ، وهذا مراده من قوله : «صح التمسك بعموم دليلها» أي دليل الاحكام الثانوية «في الحكم بجوازها» أي في الحكم بجواز الموضوعات التي لم يؤخذ فيها حكم اصلا كالرجحان أو الاباحة

واخرى : يكون بين ادلة العسر أو الضرر وبين الادلة الاولية تناف بان يكون الحكم الاولي على خلاف [الحكم الثانوي من العسر والحرج] كما لو كان اصل الوضوء عسرا فان ادلة الوضوء [العامة تقتضي وجوب] الوضوء ، وادلة العسر تقتضي رفع الوجوب.

ولا يخفى انه حيث كان بين [ادلة العسر وكل واحد واحد] من الادلة الاولية عموم وخصوص من وجه ، لتحقق وجوب الوضوء من دون العسر [في موارد الوضوء غير العسري] ، وتحقق العسر في غير الوضوء في مورد العسر غير الوضوء ، واجتماعهما في الوضوء العسري ، فمقتضى الدليل الاولي وجوب هذا الوضوء العسري ، ومقتضى دليل العسر عدم وجوبه فهما يقتضيان حكمين متخالفين لا متوافقين ، لوضوح مخالفة الوجوب لعدم الوجوب.

وقد اختلفت الآراء في تقديم ادلة العسر أو وقوع التزاحم بينها وبين الادلة الاولية.

ويظهر من المصنف ـ في الجزء الثاني ـ تقديم ادلة العسر على الدليل الاولي ، اما للحكومة او للتوفيق العرفي ، ولكن كلامه في هذا المقام يظهر منه انه يرى التزاحم بين الادلة الاولية وادلة العسر ، فيتقدم الاقوى منهما لو احرز الاقوى منهما ، وإلّا فيتزاحمان ولا يؤثر احدهما لان تقديم احدهما من دون سبب للتقديم من الترجيح بلا مرجح ، ولا بد من الرجوع الى الاصول ، وربما كان الاصل يقتضي الاباحة ، وكان الدليل الاولي ـ مثلا ـ يقتضي الوجوب كوجوب ازالة النجاسة عن البدن ـ مثلا ـ فيما يتوقف على طهارة البدن كالصلاة او الاحرام وكان استعمال الماء للتطهير

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

مضرا ، فان ما يلزم الاضرار بالنفس حرام ، وبعد تزاحمهما وعدم احراز الاقوى منهما يتساقطان في مقام التأثير فيرجع الى الاصل ، والاصل في المقام يقتضي الاباحة ، والى هذا اشار بقوله : «واذا كانت محكومة بعناوينها الاولية بغير حكمها بعناوينها الثانوية» كالمثال المتقدم وحينئذ «وقعت المزاحمة بين المقتضيين ويؤثر الاقوى منهما لو كان في البين ... الى آخر كلامه» انتهى.

فالمتحصل من مجموع ما ذكر ان المشكوك من جهة اجمال العمومات الاولية ابتداء لا يمكن ان يكون مشمولا للعمومات الثانوية اذا كان قد اخذ في موضوعاتها حكم واقعي كالرجحان او الاباحة ، واذا كان المشكوك فيه من [ناحية بقائه تحت] العمومات الاولية بعد ان كان مشمولا لها ابتداء تقع المزاحمة بينها وبين العمومات الثانوية.

ولكنه لا يخفى ان هذا خارج عن الفرض [لعدم] الاجمال في مقام التزاحم فان لازم التزاحم احراز كلا المناطين.

إلّا ان يكون المراد بقوله من جهة اخرى [هو احتمال الاجمال ابتداء او] احتمال الخروج عن العمومات الاولية بقاء لمزاحمتها بالعناوين الثانوية كما عرفت.

وبعبارة اخرى : ان مراده بقوله في صدر المبحث : «فيما اذا شك في فرد لا من جهة احتمال [التخصيص بل من جهة اخرى ، والمراد بالجهة] الاخرى هو ان الشك في صحة الوضوء بالمائع المضاف ليس من جهة ورود [تخصيص لعمومات الوضوء ليكون الشك] في هذا الفرد من ناحية تردده بين دخوله في العام أو في الخاص ، بل الشك فيه اما من ناحية دخول هذا [المشكوك] في حكم العام واقعا وان كان لا يشمله العام لاجماله او من ناحية خروجه عنه بقاء.

وعلى كل فلو ثبت لهذا الشك حكم بواسطة العمومات الثانوية فهو في الحقيقة حكم آخر اما مماثل لحكم العام او مخالف له.

١٥٣

وأما صحة الصوم في السفر بنذره فيه ـ بناء على عدم صحته فيه بدونه ـ وكذا الاحرام قبل الميقات ، فإنما هو لدليل خاص ، كاشف عن رجحانهما ذاتا في السفر وقبل الميقات ، وإنما لم يأمر بهما استحبابا أو وجوبا لمانع يرتفع مع النذر ، وإما لصيرورتهما راجحين بتعلق النذر بهما بعد ما لم يكونا كذلك ، كما ربما يدل عليه ما في الخبر من كون الاحرام قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الجواب عن التأييد ، الذي حاصله دلالة الاخبار على كون العناوين الثانوية باستطاعتها ان تثبت حكما لهذا المشكوك مع انه غير مشمول للعمومات الاولية ، كالاخبار الدالة على صحة الصوم في السفر بالنذر ، وعلى صحة الاحرام قبل الميقات بالنذر ايضا.

وقد اجاب عنه باجوبة ثلاثة ، بعد ان نبه على ان صحة السفر بالنذر انما هو بناء على عدم صحته بغير النذر ، خلافا لما هو المشهور من صحة الصوم المندوب في السفر من دون النذر ، والى هذا اشار بقوله : «بناء على عدم صحته فيه» أي عدم صحة الصوم في السفر «بدونه» أي بدون النذر ، واما بناء على ما هو المشهور من صحة الصوم الندبي في السفر من دون النذر فلا موقع لهذا التأييد ، لانه يكون مما تشمله العمومات الاولية ابتداء فلا شك فيه حتى تكون العمومات الثانوية مثبتة للحكم فيه.

وعلى كل فلا بد من تمهيد وتوضيح في المقام لتظهر اجوبة المصنف عما هو محل الكلام في المقام ، وهو ان نقول :

ان هذا التأييد انما هو كنقض على ما ادعيناه : من ان العناوين الثانوية كالنذر لا تشمل المشكوك لانه قد اخذ في موضوعها حكم الرجحان او الاباحة ، والمشكوك على الفرض قد شك في رجحانه او اباحته ولا يعقل ان يثبت الحكم موضوعه مع انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : انه بعد ان كان النذر لا يتعلق إلّا بالراجح فلا بد من كونه راجحا قبل تعلق النذر ، وما ليس براجح قبل النذر تعلق النذر به من تعلق النذر بغير المقدور ، فذكروا هذا التأييد الذي حاصله انه قد دلت الاخبار على ان النذر باستطاعته ان يكون الفرد المشكوك مما يثبت له حكم الرجحان بواسطة النذر ويكون مقدورا.

والجواب عن هذا هو الاجوبة الثلاثة التي اشار اليها المصنف : من ان النذر قد تعلق بما هو الراجح ذاتا ولكنه كان له مانع قد ارتفع بالنذر ، او انه هناك عنوان راجح ملازم لتعلق النذر ، او انه يكفي الرجحان في متعلق النذر في ظرف الامتثال ولا يلزم ان يكون راجحا قبل تعلق النذر ، وان كان الاشكال في الصوم وفي السفر هو كون الامر النذري أمرا توصليا لا يصحح وقوع الصوم والاحرام عبادة مع انهما لا يصحان الا باتيانهما بقصد القربة ، وهو ما سيذكره في قوله : «لا يقال لا يجدي ... الى آخره» ، فيكون الجواب عنه هو الجواب الاول من هذه الاجوبة الثلاثة : وهو ان النذر قد تعلق بالراجح بما هو الراجح فلا بد من اتيانه قربيا ليكون هو الراجح الذي قد تعلق به النذر.

وعلى كل حال فالجواب الاول : ان الادلة التي دلت على صحة الصوم في السفر بالنذر انما هو لكشفها على ان الفرد المشكوك وهو الصوم في السفر فيه اقتضاء ان تشمله الادلة الاولية للامر بالصوم ، وانما لم يأمر به لانه كان فيه مانع عن شمول الحكم الاولي له وهذا المانع يرتفع بواسطة النذر ، فهذا الحكم ليس حكما آخر غير حكم العام بل هو حكم العام الاولي قد ثبت لهذا المشكوك بواسطة ارتفاع المانع عنه ، وهذا مراده من قوله : «فانما هو لدليل خاص» أي ان ثبوت الحكم لهذا المشكوك انما هو للدليل الخاص الدال على

ثبوت الاقتضاء في المشكوك ، فالدليل الخاص «كاشف عن رجحانهما ذاتا» أي انه كاشف عن ان الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات فيهما رجحان ذاتي يقتضي صحة الصوم «في السفر و» صحة

١٥٥

لا يقال : لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك في عباديتهما ، ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا لا يعتبر في سقوطه إلا الاتيان بالمنذور بأي داع كان (١).

______________________________________________________

الاحرام «قبل الميقات وانما لم يأمر بهما» أي وانما لم يؤمر بالصوم «استحبابا أو» بالاحرام «وجوبا» كان «لمانع» الّا انه «يرتفع مع النذر».

والجواب الثاني : ان نقول ان الاخبار التي دلت على صحة الصوم والاحرام بالنذر لا لكشفها عن وجود الاقتضاء فيهما وانما لم يؤمر بهما لمانع ، بل هما قبل النذر لا اقتضاء فيهما يقتضي الامر بهما استحبابا او وجوبا ، لعدم الرجحان الذاتي فيهما قبل النذر ، ولكنه عند تعلق النذر بهما يحصل فيهما الرجحان لعنوان ملازم لتعلق النذر ويكون به متعلق النذر راجحا ، فيثبت فيهما الحكم الاولي وهو صحة الصوم وصحة الاحرام لانهما انما يثبتان لما فيه الرجحان ، وقد دلت الاخبار الخاصة على انه بالنذر يثبت الرجحان فيهما للعنوان الملازم ، والذي يدل على ان هذا المشكوك فيه قبل النذر لا رجحان فيه وانما يحصل الرجحان له بواسطة النذر للعنوان الملازم للنذر ما دل على ان الاحرام قبل الميقات كما ان الصلاة قبل الوقت لا رجحان ذاتي فيها ، وقد اشار الى ان النذر يجعلهما [راجحين بقوله] : «بتعلق النذر بهما» ، واشار الى انهما قبل النذر لا رجحان فيهما بقوله : [بعد ما لم يكونا كذلك ، كما ربما يدل] على عدم كونهما راجحين قبل النذر وصيرورتهما راجحين بواسطة النذر [ما في الخبر من كون الاحرام] قبل الميقات كالصلاة قبل الوقت.

(١) لا يخفى ان هنا إشكالا آخر ، وهو ما اشرنا اليه فيما مرّ.

وحاصله : ان الصوم والاحرام من العبادات التي لا يصح وقوعهما إلّا بقصد القربة وصحة تعلق النذر بهما غاية ما يكشف عن كونهما بواسطة تعلق النذر بهما صارا راجحين.

١٥٦

فإنه يقال : عباديتهما إنما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ، ملازم لتعلق النذر بهما (١) ، هذا لو لم

______________________________________________________

الّا ان غاية ذلك هو صحة ان يتعلق النذر بهما ، وان من الواضح ان الامر النذري امر توصلي لا عبادي ، والصوم والاحرام المنذوران تتوقف صحتهما على امر عبادي ولا امر عبادي بهما في المقام غير الامر النذري وهو توصلي لا عبادي ، فكيف يمكن وقوعهما صحيحين عباديين مع انه لا امر عبادي فيهما ، والى هذا اشار بقوله : «لا يجدي صيرورتهما راجحين بذلك» أي لا يجدي تعلق النذر بهما «في» تصحيح «عباديتهما ضرورة كون وجوب الوفاء توصليا» أي ان الامر النذري الحاصل من قبل اوفوا بالنذور امر توصلي ، والامر التوصلي لا يعتبر في سقوطه اتيان المنذور بقصد القربة بل «لا يعتبر في سقوطه الّا الاتيان بالمنذور باي داع كان» وان لم يكن بداعي قصد القربة ، والمفروض انهما عباديان لا بد من قصد القربة فيهما ، وليس هنا غير الامر النذري امر آخر قربي وهو امر توصلي لا قربي ، فكيف يصح وقوعهما عباديين قربيين.

(١) وحاصله : انه بعد دلالة الادلة على صحة تعلق النذر بهما وانّهما عباديان منذوران فتعلق النذر [بهما] يكشف عن عروض عنوان عبادي عليهما ملازم لتعلق النذر بهما ، فمتعلق النذر حينئذ هو العبادة فلا بد من قصد الاتيان بهما بما هما راجان ليقعا عبادة.

ومن هنا اتضح انه بناء على الجواب الاول وهو كونهما راجحين [ذاتا] لا يتأتى هذا الاشكال ، لأنّ متعلق النذر بناء عليه هو الراجح ذاتا ، ومعناه ان متعلق النذر [عبادة] فلا موقع لهذا الاشكال.

وعلى كل فقد اشار الى الجواب بناء على ما سلكه في الجواب الثاني من كونهما لا رجحان فيهما قبل النذر وبالنذر يكونان راجحين فاتى الاشكال من كونهما عبادة

١٥٧

نقل بتخصيص عموم دليل اعتبار الرجحان في متعلق النذر بهذا الدليل (١) ، وإلا أمكن أن يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما ، بعد تعلق النذر بإتيانهما عباديا ومتقربا بهما منه تعالى ، فإنه وإن لم يتمكن من إتيانهما كذلك قبله ، إلا أنه يتمكن منه

______________________________________________________

تتوقف صحتهما على قصد راجح ، والرجحان النذري هو بمقدار ما يصح تعلق النذر بهما والامر النذري ليس بعبادي.

فالجواب عنه : ان «عباديتهما انما تكون لاجل كشف دليل صحتهما عن عروض عنوان راجح عليهما ملازم لتعلق النذر بهما» ويصح اتيانهما بواسطة هذا العنوان الراجح العارض الملازم لتعلق النذر بهما.

(١) هذا هو الجواب الثالث وتوضيحه : انه كان الاشكال في ان التمسك بالادلة الثانوية المأخوذ فيها حكم واقعي لا يثبت الحكم بها لما شك في رجحانه كالوضوء بالمائع المضاف ، وانه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فلا يفيد تعلق النذر بها صحتها ، والمدعي لصحة التمسك بها ذكر صحة الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات بواسطة النذر مؤيدا لكون الادلة الثانوية تثبت الحكم للمشكوك.

فحاصل هذا الجواب الثالث ، وهو جوابان :

الاول : ان هذه الاخبار الدالة على صحة الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات لا تدل على صحة تعلق النذر فيما شك في رجحانه ، وانما تدل الاخبار الدالة على صحة تعلق النذر بالصوم في السفر انه لا يشترط في تعلق هذا النذر المتعلق بالصوم في السفر ان يكون متعلق النذر راجحا ، فهذه الاخبار الدالة على صحة تعلق النذر بالصوم في السفر مخصصة للعمومات الدالة على اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، والى هذا اشار بقوله : «هذا لو لم نقل ... الى آخر الجملة».

١٥٨

بعده ، ولا يعتبر في صحة النذر إلا التمكن من الوفاء ولو بسببه (١) ، فتأمل جيدا (٢).

______________________________________________________

(١) هذا هو الجواب الثاني وحاصله : انه نقول بلزوم الرجحان في متعلق النذر ، ولكن نقول ان الرجحان اللازم تحققه في متعلق [النذر انما هو] رجحان المنذور في مقام الامتثال لا في مقام تعلق النذر ، والصوم والاحرام قبل تعلق النذر وان كان لا رجحان فيهما إلّا انهما حيث انهما يقعان متعلقا للنذر بما هما عباديان فلا بد من كونهما راجحين في مقام الامتثال ليصح تعلق النذر بهما ، وانما يكونان راجحين حيث يقعا عبادة ، فتعلق النذر بهما يستلزم [الرجحان فيهما] في مقام الامتثال ، والامر النذري وان كان توصليا إلّا ان الامر التوصلي لا يمنع ان يقصد امتثاله فيقع المنذور عبادة ، والصوم والاحرام حيث ان النذر تعلق بهما حيث يقعا عبادة في مقام الامتثال ويصح وقوعهما عبادة بواسطة هذا الامر النذري التوصلي ، بان يقصد امتثاله في اتيان الصوم المنذور والاحرام فيكفي في وقوعهما عبادة هذا الرجحان : أي قصد عباديتهما في مقام الامتثال الطارئ عليهما بواسطة تعلق النذر بهما بما هما صوم واحرام عباديان ، وهما وان لم يتمكن المكلف من اتيانهما عبادة قبل النذر ولكنه يمكن ان يقعا عبادة بعد تعلق النذر بان يقصد اتيانهما بقصد امتثاله ، وقد عرفت انه لا يعتبر في صحة النذر الا الرجحان في مقام الامتثال ولو كان هذا قد جاء بسبب النذر ، والى هذا اشار بقوله : «وإلّا امكن ان يقال بكفاية الرجحان الطارئ عليهما من قبل النذر في عباديتهما ... الى آخر كلامه»

(٢) يمكن ان يكون اشارة الى ما في هذا الثالث : من انه لا يعقل ان يكون الرجحان الماخوذ في النذر هو الرجحان الآتي من قبل النذر ، لانه فيه مضافا الى عدم معقولية ان يؤخذ في موضوع الحكم ما يتولد من الحكم ، فان الرجحان الآتي من قبل النذر قد تولد من الوجوب النذري ـ انه على هذا ان يصح تعلق النذر بغير المحرم من المباحات التي لا رجحان فيها بل والمكروهات ايضا ، فلا تخرج المباحات التي

١٥٩

بقي شيء ، وهو أنه هل يجوز التمسك بأصالة عدم التخصيص في إحراز عدم كون ما شك في أنه من مصاديق العام ، مع العلم بعدم كونه محكوما بحكمه ، مصداقا له مثل ما إذا علم أن زيدا يحرم إكرامه ، وشك في أنه عالم ، فيحكم عليه بأصالة عدم تخصيص أكرم العلماء أنه ليس بعالم ، بحيث يحكم عليه بسائر ما لغير العالم من الاحكام. فيه إشكال لاحتمال اختصاص حجيتها بما إذا شك في كون فرد العام محكوما بحكمه ، كما هو قضية عمومه ، والمثبت من الاصول اللفظية وإن كان حجة ، إلا أنه لا بد من الاقتصار على ما يساعد عليه الدليل ، ولا دليل هاهنا إلا السيرة وبناء العقلاء ، ولم يعلم استقرار بنائهم على ذلك ، فلا تغفل (١).

______________________________________________________

لا رجحان فيها والمكروهات عن قابلية تعلق النذر بها ، لانها كلها بعد تعلق النذر تكون واجبة فلا بد وان تكون راجحة في مقام الامتثال لرجحان الواجب قطعا ، وهذا مما لا يلتزم به القائل بلزوم كون متعلق النذر راجحا ولو في مقام الامتثال ، فلا بد بناء على كفاية الرجحان المتعلق في مقام الامتثال ان يكون هذا الرجحان هو الرجحان الطارئ من قبل النذر ، والله العالم.

(١) توضيحه : ان الشك في حكم العام ، تارة : يكون مع انطباق عنوانه على المشكوك كما لو شك في اكرام زيد العالم بعد ورود اكرم العلماء [لاحتمال تخصيص] اكرم العلماء بالنسبة الى زيد ، وفي مثل هذا لا إشكال في اثبات اصالة عدم التخصيص لكون زيد ممن يجب اكرامهم وترتيب جميع ما للعالم من الاحكام على هذا المشكوك.

وثانية : فيما اذا شك في حكم العام بالنسبة الى زيد العالم للعلم الاجمالي بحرمة اكرام احد الزيدين ، وكان احدهما عالما والآخر جاهلا فهل يثبت بواسطة اصالة عدم التخصيص ان زيدا العالم مما يجب اكرامه ، وان حرمة الاكرام تتعين في اكرام

١٦٠