بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار الهدى
المطبعة: الظهور
الطبعة: ٢
ISBN: 964-497-060-8
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٣٥٤

ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني ، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه ، بملاحظة أن الامور المتعددة بما هي مختلفة ، لا يمكن أن يكون كل منها مؤثرا في واحد ، فإنه لا بد من الربط الخاص بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطا بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك أيضا لا يصدر من الواحد إلا الواحد ، فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد ، وهو المشترك بين الشرطين (١) بعد البناء على

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت انه على القول بالمفهوم يقع التنافي بين الشرطيتين فلا بد من رفعه بأحد الوجوه المذكورة ، وانه في كل واحد منهما يلزم مخالفة الظهور ، ففي الوجه الاول مخالفة لظهورين ومثله في الوجه الثاني ، وفي الوجه الثالث والرابع مخالفة ظهور واحد فالقاعدة الاولى تقتضي تردد الترجيح بين الاخيرين ، أما الأولان فينبغي ان يكونا مرجوحين ، ولكن هناك ما يوجب ترجيح الثاني والرابع دون الأول والثالث ، ولا يعتنى بكون الثاني فيه مخالفة لظهورين بعد ان كان العرف يساعد عليه ، لأن العرف انما يلتزم بالمفهوم لكونه يرى الشرطية مسوقة للعلية المنحصرة.

اما امكان ان يكون للشيء الواحد علتان فليس عند العرف مانع عن امكانه ، فاذا ذكر للجزاء شرطان فالعرف يفهم من هذا انه لم يسق الكلام لبيان العلة المنحصرة وانما سيق لصرف العلية ، ومحض العلية من غير انحصار لا يقتضي المفهوم ، فاذا كان العرف يرى ان ذلك قرينة على رفع اليد عن المفهوم فلا يلاحظ كونه فيه مخالفة لظهورين أو أكثر ، فلذلك يترجح الوجه الثاني على ساير الوجوه عند العرف ، واما عند العقل فحيث انه بعد دلالة القضيتين على كون هذا الجزاء الواحد له شرطان والعقل يرى امتناع صدور الواحد من المتعدد لأنه لا يصدر الواحد الا عن واحد فالمؤثر في الشرطين لا بد ان يكون هو الجامع بينهما وهو واحد ، فلذلك يرى ان الوجه الأخير هو أرجح الوجوه ، هذا هو الملاك في رجحان الوجه الثاني والرابع.

واما مرجوحية الوجه الأول ففيه :

١

رفع اليد عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط في كل منهما على حاله (١) ، وإن كان بناء العرف والاذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط

______________________________________________________

اولا : ان لازمه كون الانحصار اضافيا ولا داعي للالتزام بالانحصار الاضافي ، فانه يلزم من القول بالمفهوم المبني على العلية المنحصرة الحقيقية عدم العلية المنحصرة الحقيقية.

وثانيا : ان الموجب لتخصيص مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر هو انه القدر المتيقن للأخذ بالمفهوم ، وقد عرفت انه مخالف لظهورين وهناك ما فيه مخالفة لظهور واحد ، والاقتصار على القدر المتيقن انما يجب حيث يكون لا مناص عن الالتزام بالمفهوم لكل منهما ، فينحصر رفع التنافي بين الشرطيتين بتخصيص المفهوم في كل منهما بمنطوق الآخر ، وقد عرفت عدم ما يوجب الالتزام بأنه لا بد ان يكون لكل منهما مفهوم.

واما مرجوحية الوجه الثالث فانه وان كان فيه مخالفة لظهور واحد إلّا ان الالتزام بكون كل واحد منهما جزء المؤثر خلاف الظاهر جدا.

(١) مراده من رفع اليد عن المفهوم هو رفع اليد عن ظهور الشرطية في انتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط بعنوانه الخاص ، فانه بناء على الوجه الرابع المساعد عليه العقل لأجل انه لا يعقل أن يصدر الواحد من المتعدد لا بد ان لا ينتفي الجزاء بانتفاء الشرط بعنوانه الخاص ، اذ ليس المؤثر هو عنوان الشرط الخاص بل المؤثر هو الجامع بين الشرطين ، فلا مناص عن رفع اليد عن كون المؤثر هو العنوان الخاص ويكون المؤثر هو الجامع بينهما وهو الشرط الذي ينتفي الجزاء بانتفائه : أي انه هو العلة المنحصرة دون العنوان الخاص ، فالدال على الشرطية والانحصار باق على اطلاقه وأنه هو العلة المنحصرة المستلزمة للمفهوم لكنه هو الجامع دون العنوان الخاص ، والى هذا اشار بقوله : «وبقاء اطلاق الشرط في كل منهما على حاله» فان الحرف كلفظ (إن)

٢

بعنوانه الخاص (١) ، فافهم (٢).

واما رفع اليد عن المفهوم وفي خصوص احد الشرطين وبقاء الآخر على مفهومه فلا وجه لان يصار اليه إلّا بدليل آخر. الّا أن يكون ما ابقي على المفهوم أظهر (٣) ، فتدبر جيدا.

______________________________________________________

مثلا الدال على الشرطية باق على اطلاقه ولا تقييد للمفهوم المترتب عليه لأنه بانتفاء الجامع بين عنوان المقدم في الشرطيتين.

(١) قد عرفت ان العرف يساعد على الوجه الثاني وهو عدم المفهوم وان الشرطية سيقت للثبوت عند الثبوت فقط دون الانتفاء عند الانتفاء ، وعلى هذا يكون الشرط مؤثرا بعنوانه الخاص ، غايته انه لا يلزم منه الانتفاء عند الانتفاء لانه منوط بالعلية المنحصرة ، وحيث يكون الشرط متعددا فلا يكون العنوان الخاص علة منحصرة والّا لم يتعدد الشرط.

(٢) ولعله يشير الى انه بعد الاطلاع على محالية صدور الواحد من المتعدد فالالتزام بالوجه الأول والثاني لا بد فيهما أيضا من الالتزام بالوجه الرابع ، بخلاف الوجه الرابع فانه مع الالتزام به يستغنى عن الوجهين ، فالوجه الرابع لا يستغنى عنه ابدا ، بخلاف الوجهين الاولين فانه يستغنى عنهما مع الالتزام بالرابع.

نعم بناء على كون كل واحد منهما جزء سبب يستغنى عن الوجه الرابع ، بل لا بد من عدم الالتزام به.

(٣) هذا هو الوجه الخامس وحاصله :

ان القصر منوط بخفاء الأذان ولا يجب القصر اذا لم يخف الأذان ، ومرجع هذا الى الأخذ بمفهوم إحدى الشرطيتين وإلغاء المفهوم في الاخرى ، وبهذا يرتفع التنافي لان التنافي انما يكون حيث يؤخذ بمفهوم كلتا الشرطيتين اما اذا اخذ باحدهما واسقطت الشرطية الأخرى من الدلالة على المفهوم يرتفع موضوعا ، لكن رفع التنافي بهذا من قبيل الترجيح بلا مرجح أولا.

٣

الامر الثالث : إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ، فلا إشكال على الوجه الثالث ، وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا ، حسب تعدد الشروط؟ أو يتداخل ، ويكتفى بإتيانه دفعة واحدة (١)؟ فيه أقوال : والمشهور عدم التداخل ، وعن جماعة

______________________________________________________

وثانيا : مع امكان العمل بكل منهما كما مرّ في أغلب الوجوه المذكورة فلا وجه للعمل بمفهوم احداهما فقط.

وثالثا : ان الأخذ بمفهوم احداهما فقط لا يرفع التنافي لمعارضة مفهوم المأخوذ بها لمنطوق الشرطية الاخرى ، غاية الأمر ان هذه الشرطية التي لا مفهوم لها لا تعارض مفهوم الشرطية المأخوذ بها فان الشرطية التي اخذ بها صاحب السرائر هي خفاء الأذان ، فتدل على عدم وجوب القصر اذا لم يخف الأذان مطلقا ، ويعارض هذا الاطلاق ما اذا خفيت الجدران ولم يخف الأذان ، ولذلك قد ضرب عليه في النسخ المصححة فان كلام المصنف فيها ينتهي بقوله فافهم.

ثم لا يخفى انه اذا كان احداهما اظهر من الأخرى فان لازم الأظهرية الغاء الشرطية الثانية من رأس ، والّا فمتى عمل بمنطوق الشرطية الثانية يحصل التعارض بينهما ، فقوله (قدس‌سره) : «إلّا ان يكون ما ابقى على المفهوم أظهر» لا بد وان يرجع الى ما ذكرنا من الغاء إحدى الشرطيتين والأخذ بالأظهر منهما.

(١) هذا الأمر الثالث يتحد موضوعا ومحمولا مع الأمر الثاني كما هو واضح ، فانه فيهما عنوان المسألة واحد وهو ما اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء ، والاختلاف بينهما هو ان الكلام في الأمر الثاني في تعدد الشرط واتحاد الجزاء من جهة التنافي في المفهوم ، فالكلام فيه مبنى على القول بالمفهوم.

والكلام في الأمر الثالث من جهة انه هل يلزم الاتيان بهذا الجزاء متعددا فلا يتداخل تأثير الشرط ويكون لكل شرط فرد من هذه الحقيقة الواحدة الواقعة

٤

.................................................................................................

______________________________________________________

جزاء للشرط المتعدد ، او انه لا يلزم الاتيان به متعددا ويكفي الاتيان بالجزاء مرة واحدة وان تعددت الشروط؟

فتبين مما ذكرنا ان الكلام في هذا الأمر ليس مبنيا على القول بالمفهوم ، فانه حتى لو قلنا بعدم المفهوم كما هو الوجه الثاني الذي سبق بيانه في الأمر الثاني فان الكلام من ناحية لزوم تعدد الاتيان بالجزاء وعدم لزوم تعدد الاتيان به أيضا موجود ، فوجهة الكلام في تعدد الشرط واتحاد الجزاء من ناحيتين : من ناحية التنافي على القول بالمفهوم قد بحث عنه في الأمر الثاني ، ومن ناحية تعدد الاتيان بالجزاء وعدمه فالبحث عنه في هذا الأمر.

ثم لا يخفى انه قد مر ان الوجوه الأربعة التي مرت في الأمر الثاني ، ثالثها :

هو حمل الشروط المتعددة على كون كل واحد منها جزء العلة ، والعلة التامة هي مجموع الشروط ، وعلى هذا لا مجال لهذا البحث ، لانه مبني على ان يكون كل واحد منهما مؤثرا مستقلا في حصول الجزاء لا جزء العلة ، فانه لو كان العلة مجموع الشروط فلا مجال الا لوحدة وجود الجزاء ، ولا وجه لأن يقال بتعدد الجزاء او بتداخل الشروط في مقام التأثير ، فانه إنما يعقل القول بالتعدد او بالتداخل حيث يكون للشروط الاستقلال في التأثير ، فعلى القول بالتعدد يتعدد وجود الجزاء وعلى القول بعدم التعدد لمانع عنه يتداخل التأثير على ما سيأتي بيانه.

نعم على الوجوه الثلاثة الأخر وهي الوجه الأول والثاني والرابع يتأتى البحث في هذا الأمر ، لأنه بناء عليها لكل شرط تأثير مستقل ، وحينئذ يمكن ان يقال بالتعدد ويمكن ان يقال بالتداخل ، لوضوح ان مبنى الوجه الأول على المفهوم لكل شرط ، ومن الواضح ان معناه ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط وانتفاء الجزاء عند انتفائه ، ولازم ذلك التأثير الاستقلالي وإلّا لما حصل الثبوت عند الثبوت ، فانه لو كان جزء علة لكان الثبوت منوطا بمجموع الشروط لا بواحد منها ، ومبنى الوجه الثاني على

٥

منهم ـ المحقق الخوانساري ـ التداخل ، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط وتعدده (١).

______________________________________________________

الالتزام بثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ، وان كان لا دلالة له على الانتفاء عند الانتفاء إلّا ان لازم الثبوت عند الثبوت هو التأثير مستقلا.

واما على الوجه الرابع فهو وان كان المبنى فيه أن المؤثر ليس هو الشرط بعنوانه بل الجامع ولكن حيث انه لا بد من ثبوت الجزاء بثبوت الشرط ولو لا ان المؤثر هو الجامع المنطبق عليه فلازمه التأثير مستقلا وان كان المؤثر هو الجامع.

فاتضح انه على الوجوه الثلاثة يتأتى في البحث المعقود له هذا الأمر الثالث ، وكذا على الوجه الخامس المضروب عليه في النسخ المصححة فانه اسقط العمل بالمفهومين واقتصر على الاخذ بمفهوم احداهما ، واما المنطوق في كل منهما فمفروضه الاخذ به ومع الاخذ بالمنطوقين يتأتى البحث لما عرفت من انه مرتبط بالمنطوق.

وقد أشار الى ذلك بقوله : «اذا تعدد الشرط واتحد الجزاء فلا اشكال على الوجه الثالث» لعدم امكان التأثير فيه مستقلا لكل واحد من الشروط فلا مجال للقول بالتعدد ولا بالتداخل.

«واما على سائر الوجوه» وهي الأربعة التي ذكرناها حيث انها مبنيّة على امكان الاستقلال في التأثير «فهل اللازم لزوم الاتيان بالجزاء متعددا حسب تعدد الشروط او يتداخل ويكتفي باتيانه دفعة واحدة».

وسيأتي من المصنف في آخر هذا الامر انه ايضا لا يتأتى لهذا البحث الّا فيما امكن تعدد الجزاء ، واما اذا كان غير قابل للتعدد كما في قوله : اذا ارتد يجب قتله ، واذا قتل عمدا يجب قتله ، فارتد وقتل لا يتأتى فيه هذا البحث لعدم امكان أن يقتل مرتين.

(١) المتحصل مما يأتي من كلام المصنف ان الأقوال أربعة :

٦

والتحقيق : إنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية ، حدوث الجزاء عند حدوث الشرط بسببه ، أو بكشفه عن سببه ، وكان قضيته تعدد الجزاء

______________________________________________________

القول بعدم التداخل ، فاذا تعدد وجود الشرط سواء كان الشرط حقيقة واحدة وتعدد وجوده بتعدد وجود أفراده كما في قوله : اذا بلت فتوضأ فتعدد وجود البول ، او كان حقايق متعددة كما في قوله اذا بلت فتوضأ ، واذا نمت فتوضأ ، فوجود البول والنوم فانه لا بد من تعدد ايجاد الجزاء فيجب ايجاد الوضوء مرتين اذا تعدد البول مرتين ، او اذا حصل البول والنوم ، وهذا هو المنسوب الى المشهور.

والقول الثاني : التداخل مطلقا سواء تعدد الشرط من حقايق متعددة او من حقيقة واحدة فيجب اتيان الجزاء مرة واحدة سواء وجد البول مرتين او وجد البول والنوم ، وهذا القول الثاني وهو التداخل حيث انه يمكن ان يكون اتيان الجزاء مرة واحدة لتداخل الشروط في مقام التأثير اذا تقارنا او بأن يؤثر الأول اذا سبق ، وهو التداخل السببي ، او لتداخل المسبب بأن يؤثر كل من الشرطين إلّا ان الاثرين الحاصلين يسقطان باتيان وجود واحد يجمع كلا الأثرين ، وهذا هو التداخل المسببي غير التأكدي ، أو بأن يؤثر الشرط السابق في وجود الحكم والثاني في تأكده وهو التداخل المسببي التأكدي ، فالقول بالتداخل يرجع الى قولين التداخل السببي والتداخل المسببي.

والقول الرابع : التفصيل بين تعدد الشرط بتعدد أفراد الجنس الواحد كما في حصول البول مرتين فيلزم التداخل واتيان الجزاء مرة واحدة حينئذ وان حصل البول مرتين ، وبين تعدد الشرط من جنسين كما لو حصل البول والنوم فلا تداخل ، ولا بد من اتيان الجزاء مرتين.

وقد أشار الى هذه الأقوال بقوله : «والمشهور ... الى آخر الجملة».

إلّا انه لم يذكر هنا ان القول بالتداخل على نحوين التداخل السببي والمسببي ، لكنه لازم كلامه الآتي كما سيأتي الإشارة اليه.

٧

عند تعدد الشرط ، كان الاخذ بظاهرها إذا تعدد الشرط حقيقة أو وجودا محالا ، ضرورة أن لازمه أن يكون الحقيقة الواحدة ـ مثل الوضوء ـ بما هي واحدة ، في مثل إذا بلت فتوضأ ، وإذا نمت فتوضأ ، أو فيما إذا بال مكررا ، أو نام كذلك ، محكوما بحكمين متماثلين ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين (١). فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه :

______________________________________________________

(١) حاصل هذا التحقيق هو بيان السبب الذي ينبغي ان يكون داعيا الى القول بالتداخل بمسلكيه وتوضيحه : ان الجملة الجزائية الواحدة كقوله فتوضأ ، عبارة عن الوجوب المستفاد من الهيئة والطبيعة الكلية الواحدة ، وهي طبيعة الوضوء بما هي طبيعة واحدة كلية المستفادة من المادة الواقعة متعلقا لهذا الوجوب ، فظاهر الجملة انه اذا وجد البول يحدث الوجوب المتعلق بطبيعة الوضوء الكلية ، فاذا تكرر وجود البول فينبغي مع وجود كل بول وجوب متعلق بهذه الطبيعة الكلية الواحدة بما هي واحد وكذلك اذا وجد البول والنوم فانه ينبغي ان يحدث مع الأول وجوب متعلق بهذه الطبيعة الواحدة ، وان يحدث أيضا وجوب آخر متعلق بهذه الطبيعة الكلية الواحدة بما هي واحدة عند حدوث الثاني وهو النوم مثلا ، ولازم هذا انه اذا تكرر وجود البول او وجد البول والنوم ان يتعلق وجوبان بهذه الطبيعة الواحدة بما هي واحدة ، ومن الواضح انه مع وحدة المتعلق لا يعقل ان يجتمع عليه حكمان سواء كان الحكمان مثلين كالوجوبين ، أو ضدين كالوجوب والحرمة ، وكما انه لا يعقل أن يجتمع في الحقيقة الواحدة كطبيعة الوضوء الكلية الواحدة الوجوب والحرمة فتكون طبيعة الوضوء بما هي طبيعة الوضوء واجبة ومحرمة ، كذلك لا يمكن ان تكون هذه الطبيعة الواحدة واجبة بوجوبين ، فان اجتماع المثلين كاجتماع الضدين.

وقد ظهر مما ذكرنا : ان هذا انما ينشأ حيث يكون المتعلق هو الطبيعة الواحدة بما هي واحدة ، الذي هو الظاهر من الجملة الجزائية.

٨

إما بالالتزام بعدم دلالتها في هذا الحال على الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت (١) ، أو الالتزام بكون متعلق الجزاء وإن كان واحدا

______________________________________________________

اما لو قامت قرينة على كون المتعلق ليس هو الطبيعة الواحدة بما هي واحدة ، بل فرد من افرادها ، فلا يلزم هذا المحال وهو اجتماع المثلين ، كما انه لا يلزم اجتماع الضدين أيضا لو كان أحد افراد الوضوء واجبا والآخر محرما. وسيأتي منه (قدس‌سره) ان هناك قرينة على ان المتعلق هو الفرد من هذه الطبيعة لا الطبيعة الواحدة بما هي واحدة ، ولهذا ذهب المشهور الى التعدد.

وعلى كل فسبب القول بالتداخل هو ظهور الجملة الشرطية في كون المتعلق هو الطبيعة الواحدة بما هي واحدة.

قوله (قدس‌سره) : «في مثل اذا بلت ... الخ» هذا مثال لتعدد الشرط حقيقة ، فان حقيقة البول غير حقيقة النوم.

قوله (قدس‌سره) : «او فيما اذا بال مكررا» هذا مثال لتعدد الشرط وجودا لا حقيقة ، فانه اذا بال مكررا فقد تعدد وجود الحقيقة الواحدة ، وأما حقيقة البول بما هي حقيقة واحدة فلم تتعدد.

(١) قد عرفت ان القول بالتداخل سببي ومسببي ، وقد أشار بالالتزام الأول الى التداخل السببي وبالالتزام الثاني الى التداخل المسببي غير التأكدي ، وبالالتزام الثالث الى التداخل المسببي التأكدي ، كما سيأتي توضيح ذلك.

ولا يخفى ان ظهورات القضية الشرطية وهي أربعة : الأول ان ظاهر الشرطية حدوث الجزاء بحدوث الشرط ، بمعنى ان وجوب الوضوء المعلق على البول يحدث بحدوث البول ، ومن الواضح ان الحدوث هو الوجود بعد العدم ، فاذا وجد البول ثانيا أو وجد النوم بعد البول وكان وجوب الوضوء متحققا بالأول ، فانه لا يصدق الحدوث عند الحدوث بالنسبة الى الثاني ، ولكنه يصدق ان الجزاء ثابت حال ثبوت الشرط الثاني وان كان حدوثه كان بالشرط الأول ، وعلى كل فالثبوت عند الثبوت

٩

صورة ، إلا أنه حقائق متعددة حسب تعدد الشرط ، متصادقة على واحد ، فالذمة وإن اشتغلت بتكاليف متعددة ، حسب تعدد الشروط ، إلا أن الاجتزاء بواحد لكونه مجمعا لها ، كما في أكرم هاشميا وأضف عالما ، فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة أنه بضيافته بداعي الامرين ، يصدق أنه امتثلهما ، ولا محالة يسقط الامر بامتثاله وموافقته ، وإن كان له امتثال كل منهما على حدة ، كما إذا أكرم الهاشمي بغير

______________________________________________________

أعم من الحدوث عند الحدوث الذي لازمه التأثير الاستقلالي أو الاشتراك في التأثير فيما اذا تقارن وجود الشرطين ، ومن كون الجزاء ثابتا عند ثبوت الشرط وان كان التأثير للشرط الأول ، فاذا رفعنا اليد عن هذا الظهور والتزمنا بالثبوت عند الثبوت يرتفع الاشكال من ناحية اجتماع الحكمين ويحصل التداخل السببي ، فان السببين ـ أي الشرطين ـ ان تقارنا أثرا أثرا واحدا وهو الوجوب الواحد المتعلق بطبيعة الوضوء الواحدة وان سبق احدهما كان التأثير له ولا تأثير للثاني.

وقد عرفت مما ذكرنا ان المراد من التداخل هو كون الواجب اتيان الوضوء مرة واحد ، في قبال قول المشهور القائلين بأنه ينبغي ان يتعدد اثبات الوضوء كلما تعدد الشرط حقيقة أو وجودا ، فالتعدد حقيقة كما في البول والنوم ، والتعدد وجودا كما فيما اذا تعدد البول والى هذا اشار بقوله : «فلا بد على القول بالتداخل من التصرف فيه اما بالالتزام بعدم دلالتها» أي بعدم دلالة القضية الشرطية «في هذا الحال» أي في حال تكرر الشرط اما حقيقة او وجودا «على الحدوث عند الحدوث بل على مجرد الثبوت» أي على مجرد كون الجزاء ثابتا حال ثبوت الشرط الذي عرفت انه أعم.

١٠

الضيافة ، وأضاف العالم غير الهاشمي (١).

______________________________________________________

(١) هذا الالتزام مرجعه الى التداخل المسببي غير التأكدي ، ولازمه أيضا رفع اليد عن الظهور الثاني في القضية الشرطية ، فان ظاهر القضية الشرطية كون الوجوب الحادث بحدوث الشرط متعلقا بعنوان الوضوء وحقيقته ، لا ان متعلق الوجوب حقيقة أخرى غير حقيقة الوضوء ، والوضوء مجمع للحقائق المتعددة بتعدد الشرط ، فاذا رفعنا اليد عن هذا الظهور وقلنا ان الوضوء مجمع لحقائق أخرى كل واحدة منها هي الجزاء الحادث بحدوث الشرط وبوجود حقيقة الوضوء تحصل الحقائق المتعددة ، وحال حقيقة الوضوء في كونها مجمعا ومحصلا لها حال إضافة العالم الهاشمي الذي به يحصل امتثال أمرين قد تعلق احدهما بإكرام العالم والثاني بإضافة الهاشمي ، فانه لا شبهة في انه باكرام العالم الهاشمي يحصل امتثال كلا الأمرين لتصادقهما عليه ، فانه باضافته يصدق اكرام العالم ويصدق اضافة الهاشمي.

ولا يخفى انه في هذا المثال قد تعدد متعلق الوجوب لانه بين هذين الكليين عموم وخصوص من وجه ، لصدق اكرام العالم وحده باكرام العالم غير الهاشمي ، وصدق إضافة الهاشمي وحده بإضافة الهاشمي غير العالم ، ويتصادقان في اضافة العالم الهاشمي لكونه مجمعا لامتثال هذين الأمرين وحصول الغرضين معا به ، لوضوح انه به يحصل الغرض المترتب على اكرام العالم ، لان المفروض انه عالم ويحصل الغرض المترتب على اضافة الهاشمي لان المفروض انه هاشمي أيضا ، فيتأتى من المكلف قصد امتثال الأمرين بإضافة العالم الهاشمي ، وكل ما تأتى به قصد امتثال الأمر فلا بد وان يكون مسقطا لذلك الأمر ، والّا لم يكن مما قد تأتى به قصد امتثاله وهو خلف ، ولا ريب ان الكليين العامين من وجه المتعلق فيهما متعدد ، ويدل عليه امكان امتثال كل واحد منهما على حدة ، وقد اشار الى كون اضافة العالم الهاشمي مسقطا لكلا الأمرين بقوله : «ضرورة انه بضيافته بداعي الأمرين يصدق انه امتثلهما» ، وأشار الى انه ما يتأتى به قصد امتثال الأمر لا بد وان يكون

١١

إن قلت : كيف يمكن ذلك ـ أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان ـ مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه (١)؟

______________________________________________________

مسقطا للأمر بقوله : «ولا محاله يسقط الأمر بامتثاله وموافقته» وأشار الى ان العامين من وجه يتعدد المتعلق فيهما بقوله : «وان كان له امتثال كل منهما على حدة» وقد ظهر ان المثال المذكور هو من التداخل المسببي غير التأكدي ، لأن الوجوب في كل واحد غير الوجوب في الآخر ، فهو متعدد ولكنه مع ذلك يحصل امتثالهما بإتيان شيء واحد ، فالوضوء الذي حاله كحال هذا المثال في كونه مجمعا للحقائق التي لكل واحدة منها وجوب غير وجوب الاخرى ، ولم يرد في مقام التعلق الوجوب على الوجوب حتى يكون مجالا للتأكد كما سيأتي بيانه في الالتزام الثالث ، نعم هو من التداخل لما عرفت من ان المراد منه انه لا يجب اتيان الوضوء متعددا بل يكفى اتيانه مرة واحدة.

(١) حاصل ان قلت ان المثال المذكور وهو اكرم عالما وأضف هاشميا من العامين من وجه ، والعامان من وجه لهما مورد افتراق ومورد اجتماع ، وفي مورد الافتراق وان كان لا يلزم اجتماع الحكمين ولكن في مورد الاجتماع يلزم اجتماع الحكمين ، فهذا المثال الذي كان هو المقيس عليه في هذا الالتزام لتعدد الشرط واتحاد الجزاء لرفع محذور اجتماع الحكمين هو نفسه يلزم منه في مورد التصادق اجتماع الحكمين ، واذا اجتمع الحكمان في مورد فلا مناص عن تزاحمهما ، واذا تزاحما لا يعقل ان يكونا فعليين في مورد التصادق ، واذا لم يكونا فعليين فلا يمكن ان يقصد بمورد التصادق امتثالهما ، لان قصد الامتثال انما يكون للحكم الفعلي ، وقد عرفت عدم فعلية الحكمين في مورد الاجتماع ، والى هذا أشار بقوله : «كيف يمكن ذلك أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان مع استلزامه محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه» أي في مورد التصادق.

١٢

قلت : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين ، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له (١) ، مع أنه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور في اتصافه بهما (٢) ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد (٣) ،

______________________________________________________

(١) حاصله : ان انطباق العنوانين على واحد لا يقلب العنوان المنطبق عليه اليهما ، نعم غايته انه يكون العنوان المنطبق عليه العنوانان له وجوب بالعرض ولا يكون واجبا بالذات حتى يتزاحم العنوانان فيه ، وهذا مراده من قوله : «بل غايته ان انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب وانتزاع صفته له» وفي قوله انتزاع صفته له اشارة الى ما ذكرنا من انه يكون واجبا بالعرض لا بالذات ، وإلّا فكيف يعقل ان يتولد من الوجوبين المجتمعين وجوب ذاتي ، نعم يعقل ان يوجب الاجتماع تأكد الوجوب ولكنه ليس البناء في هذا الالتزام عليه وانما هو مبنى الالتزام الثالث.

(٢) حاصله : ان ما ذكرنا من الالتزام بالوجوب العرضي للمنطبق عليه العنوانان انما هو على القول بعدم جواز الاجتماع.

واما على القول بجواز الاجتماع فلا داعي للالتزام بالوجوب العرضي ، بل عليه لا مانع من كون المورد للتصادق مجمعا للوجوبين الذاتيين لعدم سراية احدهما الى الآخر ، بعد ان كان لكل منهما عنوان غير العنوان الآخر.

(٣) حاصله : ان مقام تعدد الشرط واتحاد الجزاء ظاهر القضية الشرطية فيه كما عرفت كون عنوان الجزاء الواحد بما هو واحد قد اجتمع فيه الوجوبان بواسطة تعدد الشرط ، فهو من اجتماع الحكمين في واحد بعنوان واحد ، وهو مما لا ريب في محاليته ، ولذا كان الالتزام بأن هذا الجزاء الواحد وان كان ظاهر القضية الشرطية كونه هو متعلق الوجوب ، إلّا انه برفع اليد عن هذا الظاهر وجعل المتعلق حقايق متعددة يرتفع الاشكال ، ويكون هذا الجزاء الواحد مجمعا للعنوانين الواجبين لا انه هو بنفسه متعلقا للوجوبين.

١٣

فافهم (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى انه يحتمل ان يكون اشارة الى كون المثال المذكور مقيسا عليه انما هو بناء على انه خارج عن عنوان مسألة تعدد الشرط واتحاد الجزاء ، وقد صرح بعضهم بكون العنوانين الكليين العامين من وجه مورد التصادق فيهما داخل في عنوان تعدد الشرط واتحاد الجزاء لتحقق الملاك فيه لأن المجمع هو واحد ، وانطباق الكليين الواجبين عليه كالشرطين الموجبين لحدوث الوجوبين على الجزاء الواحد ، فان كل واحد من الكليين سبب لوجوب يتعلق بالمجمع لكونه فردا للعنوان المنطبق عليه ، فيكون المجمع بما هو واحد قد تعدد فيه السبب الموجب كل واحد منه لوجوب فيجتمع الحكمان في واحد.

فما ذكر مقيسا عليه هو بنفسه محل الاشكال كتعدد الشرط واتحاد الجزاء وهما متحدان ملاكا.

ويحتمل ان يكون إشارة الى ان ما ذكره من كون المجمع للعنوانين لا يوجب اجتماع الوجوبين بل يكون واجبا بالعرض ، هو مناف لما مر منه في مسألة اجتماع الأمر والنهي من ان تعدد العنوان لا يقتضي تعدد المعنون ، بل العنوان كمرآة للمعنون ومتعلق الوجوب في الحقيقة هو المعنون ، فيلزم اجتماع الوجوبين ويعود الاشكال المزبور من اجتماع الحكمين.

ويحتمل ان يكون اشارة الى ان المثال المذكور وان كان مجمعا للوجوبين ويتزاحم الوجوبان فيه ولا يكونان فعليين لتزاحمهما ، إلّا انه حيث ان المجمع محتمل للغرضين اذ لا يعقل انطباق كلي على شيء ما لم يكن فيه عنوانه ، ولا بد مع تحقق العنوان من تحقق الغرض الداعي الى تعلق الوجوب بالعنوان ، واذا كان المجمع محتملا لكلا الغرضين فبإتيانه لا بد من سقوط الوجوبين لتحقق الغرض الداعي للوجوب سواء كانا توصليين او تعبديين ، وسقوطهما اذا كانا توصليين بحصول الغرض واضح. واما لو كانا تعبدين فانه قد مر منه (قدس‌سره) انه يمكن قصد التعبدية بقصد محبوبيته

١٤

أو الالتزام بحدوث الاثر عند وجود كل شرط ، إلا أنه وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الاول ، وتأكد وجوبه عند الآخر (١).

______________________________________________________

وملاكه ، بل يمكن أيضا اتيانه بقصد امتثال الأمر لانه مساو لسائر أفراده في كل شيء عدا عدم امكان فعلية الأمر فيه لمانع هو التزاحم ، لا وجود مفسدة مانعة عن تأتي قصد القربة فيه.

ويمكن ان يكون اشارة الى ان تعدد العنوانين غير العنوان الواحد وان كان مجمعا لحقائق متعددة ، لوضوح كون الامر متعلقا بهذا العنوان الواحد سواء كان له حقيقة واحدة او حقايق متعددة والله العالم.

(١) هذا التداخل المسببي التأكدي وهو برفع اليد عن الظهور الثالث ، فان الظاهر من ترتب الجزاء على الشرط ترتب وجود الجزاء لا تأكد الموجود.

وبعبارة اخرى : إن ظاهر قوله اذا بلت فتوضأ ان الذي يحدث بحدوث البول هو أصل وجوب الوضوء لا تأكد وجوب الوضوء الذي قد حصل سابقا بغير هذا البول الحادث فعلا ، سواء كان الشرط الحادث سابقا نوما او بولا غير هذا البول الحادث فعلا ، فاذا رفعنا اليد عن هذا الظهور وقلنا اذا سبق شرط فالحاصل به هو أصل الوجوب ، والحاصل بالشرط اللاحق هو تأكد ذلك الوجوب فيكون وجوبا واحدا مؤكدا ، واذا اقترنا يحصل منهما أيضا وجوب واحد مؤكد.

فيفترق هذا التداخل عن التداخل السببي بأنه للشرط على هذا أثر قطعا فيما اذا سبق الشرط شرطا آخر ، فان أثر الشرط اللاحق هو التأكد ، بخلاف التداخل السببي فان الشرط اللاحق لا أثر له بعد سبقه بالشرط الأول. واذا اقترنا فالحاصل بهما وجوب واحد ، ولم يظهر من المصنف تأكد ذلك الوجوب الحاصل باقترانهما.

ويفترق هذا التداخل عن التداخل المسببي غير التأكدي هو ان الأثر للشرط اللاحق هو التأكد على هذا. واما التداخل المسببي غير التأكدي فان لكل شرط وجوبا غير وجوب الآخر سواء سبق أحدهما ولحق الآخر أو اقترنا ، فمتعلق

١٥

ولا يخفى أنه لا وجه لان يصار إلى واحد منها ، فإنه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه ، مع ما في الاخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد ، وإن كان صورة واحدا مسمى باسم واحد ، كالغسل ، وإلى إثبات أن الحادث بغير الشرط الاول تأكّد ما حدث بالاول ، ومجرد الاحتمال لا يجدي ، ما لم يكن في البين ما يثبته (١).

______________________________________________________

الوجوب لكل واحد حقيقة غير الحقيقة المتعلق بها الوجوب الحاصل بالشرط الآخر ، غاية الأمر انه يحصل امتثالهما بإتيان الوضوء مرة واحدة ، وعلى هذا فالوضوء ليس هو متعلق الوجوب لواحد من الشروط وانما به يحصل الامتثال لوجوبهما ، بخلاف هذا التداخل فان الوجوب فيه متعلقه الوضوء ، غايته انه تارة يكون وجوب الوضوء وأخرى تأكد هذا الوجوب.

(١) حاصله ايرادان : الأول ، إيراد على هذه الوجوه الثلاثة ، والثاني ايراد يختص بالوجهين الاخيرين.

وحاصل الأول : انه لا وجه لرفع اليد عن الظهور الّا بقرينة تدل على رفع اليد عنه لان الظهور حجة متبعة لا يرفع اليد عنها بحجة أخرى ، فان قامت القرينة كان رفع يد عن حجة بحجة ، وإلّا كان رفع يد عن حجة بغير حجة. ولذا قال (قدس‌سره) : «انه لا وجه لان يصار الى واحد منها فانه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه» ومن الواضح ان في كل هذه الوجوه الثلاثة رفعا عن ظهور من غير قرينة قامت عليه.

والايراد الثاني : المختص بالاخيرين أي الثاني والثالث فهو انه على الوجه الثاني الوجوب الحاصل بالشرط لم يتعلق بالوضوء ، وان متعلقه حقائق مجهولة يحصل امتثالها بإتيان الوضوء أو الغسل ، لأن تلك الحقائق تتصادق عليه ، ولازم هذا ان يكون الوضوء أو الغسل هو في الصورة حقيقة واحدة لها وجود واحد ولها اسم واحد ولكنها في الخارج حقايق ووجودات متعددة ، ولا يدرك احد ان الوضوء او

١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الغسل هو حقايق ووجودات متعددة ، بخلاف اضافة العالم الهاشمي فانها؟ إكرام للعالم واضافة للهاشمي ، وحيث لا يدرك احد ان الوضوء او الغسل كذلك فلا بد لمدعي ذلك من اثبات ان الوضوء أو الغسل هو وجودات وحقائق متعددة ، فهو مضافا الى كون الالتزام بالحقايق المتعددة رفعا عن ظهور الشرطية في كون الوضوء بعنوانه متعلق الوجوب انه لا بد لمدعي ذلك من اثبات ان هذه الحقيقة الواحدة هي حقائق متعددة ، والى هذا اشار بقوله : «من الاحتياج الى اثبات ان متعلق الجزاء ... الى آخر الجملة».

ولا يخفى ان هذا مما يتعلق بالأول من الاخيرين وهو الوجه الثاني المتقدم.

وأما الوجه الثالث وهو الثاني من الاخيرين فقد عرفت انه التزام بتأكد الوجوب فيما اذا اقترنا أو تلاحقا ، فمضافا الى انه خلاف ظاهر الشرطية في كون الحاصل بالشرط اللاحق او المقارن ليس هو أصل الوجوب بل تأكده ، ان اللازم من التأكد هو كون وجوب الوضوء او الغسل بعد تحقق كلا الشرطين يكون وجوبا شديدا ليس هو كالوجوب الحاصل بأحدهما فقط ، فعلى مدعى هذا الوجه ان يثبت مضافا الى كون الحاصل بالشرط الثاني ليس هو أصل الوجوب ان الوجوب الثابت بعد الشرط الثاني هو وجوب أكيد شديد ، وهذا مما يحتاج الى اثبات أيضا ولا يكفي فيه الاحتمال ، والى هذا اشار بقوله : «والى اثبات ان الحادث بغير الشرط الأول تأكد ما حدث بالأول ومجرد الاحتمال لا يجدي».

١٧

إن قلت : وجه ذلك هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية ، لعدم امكان الاخذ بظهورها ، حيث أن قضيّته اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال ، كما مرت الاشارة إليه (١).

قلت : نعم ، إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب وضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر ، ولا ضير في كون فرد محكوما بحكم فرد آخر أصلا ، كما لا يخفى (٢).

______________________________________________________

(١) حاصل ان قلت : انه لا بد من ارتكاب مخالفة ظهور للجملة الشرطية ، لان المحافظة على جميع ظهورات الشرطية غير معقول ، فان لازمه كون الحقيقة الواحدة بما هي واحدة قد اجتمع فيها حكمان فعليان وهو من اجتماع المثلين ولا ريب في محاليته. ولا يخفى ان هذا يرجع الى الايراد الشامل للوجوه الثلاثة وهو قوله (قدس‌سره) : «ولا يخفى انه لا وجه لان يصار ... الى آخر الجملة».

(٢) وحاصل الجواب انه انما يجب ان يرتكب خلاف الظهور حيث ينحصر التخلص عن الاشكال به ، وهنا غير منحصر رفع الاشكال باحد الوجوه الثلاثة المذكورة ، لان الاشكال منوط بكون متعلق الوجوب هو حقيقة الوضوء او الغسل الكلية بما هي كلية وواحدة.

اما اذا كان متعلق الوجوب هو فرد من أفراد هذه الحقيقة فلا يجتمع الحكمان ويرتفع الاشكال ، لان لكل وجوب متعلقا غير متعلق الآخر ، فلا داعي الى التزام رفع اليد عن الحدوث عند الحدوث ، ولا الى التزام ان متعلق الوجوب غير عنوان الجزاء الخاص بل حقايق متعددة يحصل امتثالها بحقيقة الوجوب ، ولا الى الالتزام بان الحاصل بالشرط اللاحق هو تأكد الوجوب لا أصل الوجوب ، فانه بالالتزام بكون المتعلق هو الفرد نلتزم بالحدوث عند الحدوث ، وان المتعلق هو العنوان الخاص ، وان الحاصل هو أصل الوجوب لا تأكده ، فالاشكال يرتفع بحذافيره اذا كان متعلق الوجوب هو الفرد من حقيقة الوضوء أو الغسل ولا يجتمع الحكمان في

١٨

إن قلت : نعم ، لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق (١).

______________________________________________________

واحد ، وهذا مراده من قوله : «نعم اذا لم يكن المراد بالجملة فيما اذا تعدد الشرط كما في المثال» كقوله اذا بلت فتوضأ واذا نمت فتوضأ «هو وجوب الوضوء مثلا بكل شرط غير ما وجب بالآخر» وهو الفرد من حقيقة الوضوء لا حقيقة الوضوء الكلية «و» على هذا «لا ضير في كون فرد محكوما ب» مثل «حكم فرد آخر».

(١) حاصله ان في الالتزام بكون متعلق الوجوب هو الفرد من الحقيقة دون الحقيقة الكلية أيضا خلاف الظهور ، وهذا هو الظهور الرابع للقضية الشرطية ، فان ظاهر القضية الشرطية ان الوجوب المستفاد من الهيئة متعلق بما يستفاد من المادة وهو الحقيقة الكلية ، فقوله : اذا بلت فتوضأ يدل بظاهره ان متعلق الوجوب الحادث بحدوث الشرط متعلق بحقيقة الوضوء بما هي حقيقة واحدة كلية ، فيعود المحذور من لزوم اجتماع الحكمين ، ويرتفع بكون المتعلق هو الفرد ولكنه مخالف لظهور الشرطية ، ولا وجه لترجيح مخالفة ظهور على مخالفة ظهور آخر ، فلا وجه لترجيح هذا الالتزام على الالتزامات الثلاثة المذكورة.

وبعبارة اخرى : ان مقدمات الحكمة الجارية في المادة تقضى ان المتعلق هو طبيعة الوضوء الكلية لأن الألفاظ موضوعة للطبائع ، فلفظ الوضوء موضوع لطبيعة الوضوء ، والفرد وان كان فردا للطبيعة إلّا انه هو الطبيعة بقيد الفردية ، والمراد من لفظ الوضوء في مقام تعلق الحكم أما ان يكون هو الطبيعة الكلية ، أو فردها حيث لا اهمال فيما اذا كان المولى في مقام البيان ، ولو أراد المولى الطبيعة المقيدة بالفردية لكان عليه البيان ، وحيث لا بيان فيتعيّن ان يكون المتعلق هو الطبيعة غير المقيدة ، فالاطلاق يقتضي ان المتعلق هو الطبيعة الكلية الواحدة دون الفرد ، والى هذا اشار بقوله : «نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الاطلاق».

١٩

قلت : نعم ، لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سببا أو كاشفا عن السبب ، مقتضيا لذلك أي لتعدد الفرد والّا كان وبيانا لما هو المراد من الاطلاق.

وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء وظهور الاطلاق ضرورة أن ظهور الاطلاق يكون معلقا على عدم البيان ، وظهورها في ذلك صالح لان يكون بيانا ، فلا ظهور له مع ظهورها ، فلا يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا ، بخلاف القول بالتداخل (١)

______________________________________________________

(١) توضيحه : انه قد عرفت ـ مما مرّ ـ ان للجملة ظهورات أربعة : ظهورها في الحدوث عند الحدوث. وظهورها في ان المتعلق هو العنوان الخاص أي الوضوء بما هو وضوء لا انه مجمع. وظهورها في كون الحادث هو أصل الوجوب لا تأكده.

ويمكن ان يدعى ان بعض هذه الظهورات بالوضع : بأن يدعى ان الأداة تدل بالوضع على الحدوث عند الحدوث ، وان كون المتعلق هو العنوان الخاص ـ ايضا ـ بالوضع. نعم ظهورها في كون الحادث هو الوجوب لا تأكده بالاطلاق ، ولكن لو تنزلنا وقلنا ان هذه الظهورات الثلاثة بالاطلاق مثل ظهور الرابع : وهو كون المتعلق هو الطبيعة الكلية دون فردها ، ولكنه من الواضح ان التمسك بالاطلاق انما يصح حيث لا قرينة تدل على خلافه ، وفي المقام قرينة تدل على ان المتعلق هو الفرد دون الحقيقة الكلية ، فان ذكر الاسباب المتعددة للجزاء الواحد قرينة على ان المتعلق هو الفرد من هذه الحقيقة الواحدة ، والذي يدل على هذا انه لو قال في كلام متصل اذا بلت فتوضأ واذا نمت فتوضأ ، فان العرف يفهم منه ان متعلق الوجوب هو فرد من حقيقة الوضوء لا حقيقة الوضوء الكلية ، ولا فرق في ذكر السبب المتعدد بين كونه مذكورا بكلام متصل او منفصل فالتمسك بإطلاق المادة يتوقف على عدم القرينة ، وقد عرفت وجود القرينة على كونه هو الفرد من الحقيقة دون نفس الحقيقة الكلية ومع قيام القرينة على هذا لا يبقى مجال للتمسك بهذا الاطلاق ، وقد عرفت انه اذا

٢٠